
ضرب إيران: من التصعيد إلى التهدئة.. أزمة اقتصادية تم تفاديها
بين لحظة توتر حبست أنفاس العالم، وتهدئة أعادت التوازن إلى الأسواق، وقعت الضربة الأميركية لإيران.. حدثٌ خاطف كشف هشاشة الاستقرار الاقتصادي الإقليمي، وأظهر أن قرارات السياسة لا تنفصل عن تدفقات المال ولا عن مصائر الشعوب.. أزمة كادت تشتعل، لكنها خمدت قبل أن تلتهم الجميع.
حين تغلب الحكمة صوت التوتر
في الوقت الذي كانت فيه المنطقة على شفا مواجهة كبرى، استمعت الأطراف -الولايات المتحدة وإيران- لصوت العقل، لتتراجع موجة التصعيد وتعود الأسواق إلى قدر من الهدوء الحذر.
الضربة الأميركية لم تهز طهران وحدها، بل هزّت ثقة المستثمرين، وأربكت أسواق الطاقة، وكادت تُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة من الركود التضخمي ومخاطر لا تُحصى. لحظة فارقة تؤكد أن المنطقة لا تحتمل المزيد من المغامرات، وأن الحكمة لا تزال ممكنة عندما تشتد العاصفة.
بينما كاد التصعيد أن يجرّ المنطقة إلى أزمة اقتصادية وأمنية واسعة، تُظهر التجربة الحالية الحاجة لإعادة النظر في أدوات التأثير، وتنويع الشراكات الدولية بما يضمن توازنًا أكبر بين الالتزامات الاقتصادية والمواقف السياسية
اقتصادات على فوهة البندقية
في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحروب التي لا تنتهي، تحركت الأرقام والمؤشرات كأنها على خط تماس ملتهب.. لم تكن هذه الضربة مجرد حدث عسكري عابر، بل زلزالًا اقتصاديًّا أطلق موجات ارتدادية منذ اللحظة الأولى! التضخم المتوقع لم يكن نتيجة قنوات الاقتصاد التقليدية، بل بفعل عودة شبح الحروب في منطقة تُعد الشريان الحيوي لإمدادات الطاقة العالمية.
ارتفعت أسعار النفط، وتسارعت مخاوف من هروب الاستثمارات نحو أسواق أكثر أمانًا. لكن بعد ساعات متوترة، عاد الهدوء النسبي بفضل تدخلات سياسية وعقلانية، جنّبت المنطقة والمنظومة المالية العالمية كارثة محققة.. الأسواق التقطت أنفاسها، لكن الثقة لم تُستعد بالكامل، والتقلبات لا تزال تهدد الاستقرار.
دول المنطقة، التي ضخت مئات المليارات من الدولارات في شراكات مع الولايات المتحدة، كادت تجد نفسها وسط نيران غير محسوبة. ومرة أخرى، بدا واضحًا أن تلك الاستثمارات لم تكن كافية لردع المغامرات الأميركية ولا لضمان أمن الحلفاء.
دروس من نار الأزمة
الضربة الأميركية لإيران، وما تبعها من تراجع وتصعيد مضاد، أعادت التأكيد على دروس مؤلمة تجاهلتها بعض العواصم طويلًا.
أول هذه الدروس؛ أن الثقة المطلقة في الإدارات الأميركية مقامرة خطيرة، خاصة عندما تُدار السياسات الخارجية بميزان الداخل الانتخابي والضغوط الأيديولوجية.
الدرس الثاني؛ أن الاقتصاد لا ينفصل عن الجغرافيا السياسية.. كل تصعيد عسكري يُترجم تلقائيًا إلى ارتفاع في كلفة رأس المال، وإرباك في تدفقات الاستثمار، وتراجع في توقعات النمو.
أما الدرس الثالث؛ فهو أن الرهان على السياحة في بيئة متوترة كاد ينقلب إلى خيبة ثقيلة. لحسن الحظ، عاد شيء من الهدوء، لكن سمعة المنطقة السياحية تضررت، ومن الصعب استعادة الثقة سريعًا في ظل هشاشة الأوضاع السياسية.
الشراكات الخليجية: ثقل اقتصادي وتأثير محدود
في مشهد يعكس تعقيدات العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، تبرز مفارقة لافتة: فرغم ضخ دول الخليج استثمارات في الاقتصاد الأميركي فإن هذه الشراكات لم تُترجم بالضرورة إلى مواقف سياسية واضحة تحمي استقرار المنطقة أو تُراعي أولوياتها الأمنية.
لقد أظهرت هذه اللحظة الحرجة أن الثقل المالي لا يوازي بالضرورة نفوذًا سياسيًّا مضمونًا، خصوصًا حين تتحرك الإدارات الأميركية وفق حسابات داخلية متغيرة، تتأثر بالضغوط الانتخابية وتيارات اليمين المتشدد.
وبينما كاد التصعيد أن يجرّ المنطقة إلى أزمة اقتصادية وأمنية واسعة، تُظهر التجربة الحالية الحاجة لإعادة النظر في أدوات التأثير، وتنويع الشراكات الدولية بما يضمن توازنًا أكبر بين الالتزامات الاقتصادية والمواقف السياسية.
الحاجة إلى مقاربة جديدة
وفي الوقت الذي تتغير فيه خرائط النفوذ والتحالفات حول العالم، تظل بعض العواصم تراهن على مظلة أثبتت الأيام أنها مليئة بالثقوب! إن استمرار الارتهان الكامل للمظلة الأمنية الأميركية لم يعد خيارًا واقعيًّا؛ فالتجربة تؤكد الحاجة إلى مقاربة جديدة تستند إلى الاستقلالية، وتنوّع الحلفاء، وبناء تحالفات إستراتيجية مع قوى دولية كالصين، وتركيا، والبرازيل، ومجموعة آسيان.
الحروب الحديثة تُخاض بالسلاح حينًا، وبالاقتصاد والسيطرة النفسية حينًا آخر. ومن لا يملك قراره الاقتصادي والسياسي سيظل أسير التقلبات الخارجية.
بين الأمس واليوم تتكرر الدروس، لكن من يتعلمها؟
الضربة الأميركية لإيران -وإن تراجع مفعولها العسكري- كشفت الكثير من العيوب البنيوية في العلاقات الدولية للمنطقة. لقد جنّب صوت العقل المنطقة كارثة فورية، لكن الخطر يبقى قائمًا ما لم يُبنَ على هذه اللحظة مسار عقلاني دائم.
على دول المنطقة أن تتحرك لتصحيح مسار الاعتمادية، وتدرك أن الأمن ليس في الاستثمار وحده، بل يُبنى بالاستقلالية، وبناء شبكات مصلحية متوازنة، وحسن اختيار الشركاء، والاستثمار في الذات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
سي إن إن: هكذا أحبطت قطر الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
قالت شبكة "سي إن إن" إن مسؤولين قطريين كبار كانوا في اجتماع مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لإيجاد سبل لتهدئة الصراع بين إيران وإسرائيل عندما اتصل موظفو وزارة الدفاع القطرية لتحذيرهم من الصواريخ الإيرانية القادمة. ونقلت "سي إن إن" عن المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن الهجوم الإيراني كان مفاجئا، مشيرا إلى أن الإنذار المبكر والمعلومات الاستخباراتية أشارت إلى أن بطاريات الصواريخ الإيرانية تحركت باتجاه قطر في وقت سابق من ذلك اليوم، لكن لم يكن هناك شيء مؤكد حتى وقت قصير قبل الهجوم. وأضافت -نقلا عن مسؤول قطري مطلع على العمليات الدفاعية- أنه "مع اقتراب الهجوم اتضح جليا أن منظوماتهم الصاروخية كانت جاهزة وكانت لدينا فكرة واضحة قبل ساعة من الهجوم أن قاعدة العديد الجوية ستُستهدف". كما أوضح المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن المسؤولين القطريين أُبلغوا عند حوالي الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي من الجيش القطري بأن الصواريخ الإيرانية انطلقت نحو قاعدة العديد، وفق ما نقلته "سي إن إن". وذكرت سي إن إن -نقلا عن الأنصاري- أن القوات المسلحة القطرية نشرت 300 من أفراد القوات المسلحة وفعّلت بطاريات صواريخ باتريوت قطرية في موقعين للتصدي لـ 19 صاروخا إيرانيا. وأشارت، وفق المصدر، إلى أن القوات القطرية كانت على تنسيق مع الولايات المتحدة، لكن العملية الدفاعية كانت بقيادة قطرية، مشيرة إلى أن 7 صواريخ تم اعتراضها قبل أن تصل إلى الأراضي القطرية، في حين جرى اعتراض 11 صاروخا فوق الدوحة دون أضرار وسقط صاروخ واحد في منطقة غير مأهولة بقاعدة العديد مسببا أضرارا طفيفة. وأضاف الأنصاري أن الدوحة تلقت معلومات استخباراتية من واشنطن، لكنها لم تتلق أي تحذير مباشر بشأن الهجوم من إيران، قائلا إن "الإيرانيين أبلغونا قبل أشهر أنه في حال وقوع هجوم أميركي على الأراضي الإيرانية فإن ذلك سيجعل القواعد التي تستضيف القوات الأميركية في المنطقة أهدافا مشروعة". وأكد بالقول "لا نتعامل باستخفاف مع تعرض بلادنا لهجوم صاروخي من أي جهة ولن نفعل ذلك أبدا كجزء من المناورات السياسية ولن نعرض شعبنا للخطر والصواريخ لمجرد التوصل إلى نتيجة سياسية، لقد كان هذا مفاجأة لنا تماما". وتشير "سي إن إن" -نقلا عن المصدر ذاته- إلى أنه في اللحظات التي تلت الهجوم، اتصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأخبره أن الإسرائيليين على استعداد للموافقة على وقف إطلاق النار، وطلب منه أن يفعل الشيء نفسه مع الإيرانيين، وذلك إلى جانب اتصال من الولايات المتحدة مفاده أن وقف إطلاق النار هو طريق محتمل للأمن الإقليمي قد انفتح. وكانت وزارة الخارجية القطرية أدانت بشدة الهجوم الإيراني الذي استهدف مساء الاثنين الماضي قاعدة العديد الجوية، وقالت إن الهجوم انتهاك صارخ لسيادة قطر ومجالها الجوي وللقانون الدولي، مشيرة إلى أن قطر "تحتفظ بحق الرد بما يتناسب مع شكل وحجم الاعتداء السافر وما يتوافق والقانون الدولي". كما قالت وزارة الدفاع القطرية إن الدفاعات الجوية اعترضت هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية، مضيفة "بفضل الله ويقظة القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية لم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب: محاكمة نتنياهو تعيق قدرته على إجراء مفاوضات مع كل من إيران وحركة حماس
انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الادعاء العام الإسرائيلي بشأن محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجارية بتهم الفساد، قائلا إنها تُعيق قدرته على إجراء محادثات مع كل من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وإيران. وفي منشور على موقع "تروث سوشيال"، لوّح ترامب بتعليق المساعدات الأميريكية لإسرائيل، قائلا: "تنفق الولايات المتحدة الأميركية مليارات الدولارات سنويا، أكثر بكثير من أي دولة أخرى، على حماية إسرائيل ودعمها. لن نتسامح مع هذا".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
وزير الخارجية الفرنسي: نعتزم مع شركائنا الأوروبيين الاضطلاع بـدور محوري في المفاوضات بشأن ملف إيران النووي
عاجل | وزير الخارجية الفرنسي: نعتزم مع شركائنا الأوروبيين الاضطلاع بـدور محوري في المفاوضات بشأن ملف إيران النووي التفاصيل بعد قليل..