
انقسام ديمقراطي حول عودة بايدن للمشهد السياسي
في لحظة سياسية حرجة للحزب الديمقراطي الأمريكي، أعادت عودة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن إلى الأضواء جدلًا داخليًا محتدمًا، يكشف أزمة هوية واستراتيجية تعصف بالحزب منذ خسارته في الانتخابات الأخيرة. فبدلًا من أن تلقى ظهوره ترحيبًا، أثار ذلك ردود فعل غاضبة من قادة ديمقراطيين وناشطين شبان، يطالبون بإفساح المجال أمام جيل جديد من القادة، بعد سنوات من السيطرة السياسية التي مثلها بايدن ورموز جيله.
ظهور إعلامي يُعيد فتح الجراح
جاء الظهور الإعلامي المفاجئ لبايدن من خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وانتقاده المعتاد لمنافسه دونالد ترامب، إضافة إلى مقابلة مطولة في برنامج The View بصحبة زوجته جيل بايدن، حيث تطرق خلالها إلى دوره في فوز ترامب واعترف بتحمّله جزءًا من المسؤولية. وقد زاد هذا الاعتراف من حالة الانقسام داخل الحزب، حيث رآه البعض "شجاعة سياسية"، في حين اعتبره آخرون إحياءً لجراح سياسية لم تندمل بعد.
وتؤكد مجلة "بوليتيكو" الأمريكية أن هذه العودة غير مرحّب بها من قبل قطاع واسع داخل الحزب، إذ يرى كثيرون أن استمرار ظهور بايدن يعوق التقدم السياسي، ويُشتت التركيز عن النجاحات التي حققها الحزب مؤخرًا، في وقت هو بأمسّ الحاجة لإعادة بناء ثقته بنفسه وبجمهوره.
أزمة قيادة وتعب سياسي
تُظهر هذه التطورات ما يمكن وصفه بـ "تعب القيادة التاريخية" داخل الحزب الديمقراطي، إذ بدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتنحي بايدن تمامًا عن الحياة السياسية. فقد صرح الاستراتيجي الديمقراطي تشاك روشا قائلًا:
"حان وقت انسحاب بايدن بكل احترام، وترك القيادة للجيل المقبل... كل ظهور له يُجبرنا على الدفاع عنه ويُذكّرنا بالهزيمة أمام ترامب."
ويُجمع المنتقدون على أن أي عودة لبايدن إلى المشهد السياسي تمثل تشتيتًا، خاصة في ظل توقّع نشر تسجيل صوتي لمقابلته مع المحقق الخاص روبرت هور، الذي أشار إلى علامات تدهور في قدراته الذهنية خلال التحقيق في قضية الوثائق السرية. كما ينتظر الديمقراطيون بقلق صدور كتاب "الخطيئة الأصلية"، المقرر في 20 مايو، والذي يتناول ما وصفه النص الترويجي بـ"دوافع ترشح بايدن رغم أدلة تدهوره الذهني الشديد".
رغم الانتقادات، يرى بعض الديمقراطيين أن بايدن لا يزال يمثل رمزًا مهمًا، وله دور في النقاش العام إذا تم توجيهه بحكمة. فقد قالت آشلي إتيان، المستشارة السابقة لبايدن:
"نحن في مفترق طرق حرج، وأشخاص مثل بايدن يضيفون قيمة إذا ركزوا على الإسهام الإيجابي."
بينما اعتبرت إيريكا لوي، التي عملت معه سابقًا، أن استبعاد بايدن تمامًا قد يكون قرارًا غير عادل، مضيفة:
"هو الشخص الوحيد الذي هزم ترامب... لا يمكن تحميله وحده كل مشاكل الحزب."
تشتيت الانتباه عن الانتصارات
يُظهر مشهد بايدن الحالي أيضًا التحدي الكبير في التحكم بالسرد الإعلامي للحزب. ففي ظل انتصارات سياسية مهمة، مثل الفوز في المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن وتحول النقاش حول أداء ترامب الاقتصادي، يرى العديد من الديمقراطيين أن ظهور بايدن الآن يُعرقل الزخم. وقال أندرو هيتون، أحد أبرز الاستراتيجيين في الحزب:
"معظم الديمقراطيين سئموا من هذه المشتتات... ظهور بايدن يستهلك طاقة الحزب، بينما نحتاج للمضي قدمًا."
إلى أين يتجه الديمقراطيون؟
تكشف هذه الأزمة الداخلية عن معركة جوهرية داخل الحزب: بين من يرون في بايدن زعيمًا رمزيًا يجب احترام تاريخه السياسي، ومن يدعون إلى إغلاق صفحة الماضي وفتح الطريق أمام الجيل الجديد. ويبدو أن الانتخابات المقبلة لن تُحدد فقط مستقبل الحزب في السلطة، بل ربما هويته القيادية ومشروعه السياسي لعقد مقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 19 ساعات
- صحيفة الخليج
أيام الدموع والألم.. مآسي بايدن الدرامية مع السرطان
إعداد: محمد كمال تعد العلاقة بين الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن والسرطان درامية إلى حد كبير على امتداد عمره البالغ 28 عاماً، وهو ما ضاعف حالة التعاطف معه فور الإعلان المفاجئ عن إصابته بسرطان البروستاتا الذي وصل إلى عظامه، فكثيراً ما رصدته عدسات الكاميرات وهو يبكي تأثراً بفقدان أعزاء لديه، وفي مقدمتهم ابنهم بو بايدن، حيث تحل بعد أيام الذكرى العاشرة لوفاته جراء هذا المرض الخبيث. ولطالما كان السرطان جزءاً لا يتجزأ من حياة بايدن الشخصية والسياسية، فقد كرّس جانباً كبيراً من مسيرته المهنية لأبحاث السرطان بعد أن فقد ابنه بو بسبب سرطان الدماغ عام ٢٠١٥، حيث قاد حملة «الانطلاقة الكبرى نحو السرطان» الهادفة إلى تعزيز التقدم في مكافحة المرض، تكريمًا لابنٍ لم تغب خسارته الفادحة عن باله. كما توفي اثنان من أقرب أصدقاء بايدن خلال سنوات عمله في مجلس الشيوخ، بسرطان الدماغ وهما إدوارد كينيدي عام 2009 وجون ماكين عام 2018، وهو ما عزز صورته المتعاطفة مع ذوي ضحايا السرطان والتي اصبحت جزءًا أساسيًا من صورته السياسية العامة. وقد مثّلت جهوده لحظة من التعاون الحزبي عندما عمل عن كثب مع الجمهوريين، بمن فيهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ آنذاك ميتش ماكونيل، لإقرار مشروع قانون «علاجات القرن الحادي والعشرين». لكن المآسي في حياة بايدن تزامناً مع صعوده السياسي، فقد توفيت زوجته الأولى وابنته الرضيعة في حادث سيارة عام ١٩٧٢، بعد وقت قصير من فوزه لأول مرة في انتخابات مجلس الشيوخ، وبعد وفاة ابنه بو، الذي اعتبره بايدن وريثه السياسي، عام ٢٠١٥، انزلق ابنه الآخر، هانتر، في دوامة إدمان المخدرات قبل أن يتعافى منها. أما بايدن نفسه، فقد أصيب في عام ١٩٨٨، بتمددين في الأوعية الدموية الدماغية ما هدد مسيرته السياسية. ـ هل كان هناك تستر على إصابة بايدن بالسرطان؟ في الأسبوع الماضي، خضع بايدن لفحص طبي للكشف عن وجود ورم جديد في البروستاتا، وفقًا لبيان صادر عن مكتبه، وتم تشخيص حالته بسرطان البروستاتا الذي انتشر إلى العظام، وذكر البيان أن التشخيص «يمثل شكلاً أكثر عدوانية من المرض»، لكن يبدو أن السرطان حساس للعلاج الهرموني، «مما يسمح بإدارة فعالة». وأضاف أن «بايدن وعائلته يراجعون خيارات العلاج مع أطبائه». وتأتي هذه التطورات في لحظة غير عادية بالنسبة لبايدن (82 عاما) وحزبه، حيث بدأ الديمقراطيون في الأيام الأخيرة التشكيك في طريقة تعاملهم مع انتخابات 2024، وخاصة إصرار بايدن المتقدم في السن على الترشح لإعادة انتخابه حتى أجبره أداء متعثر في المناظرة الشهيرة أمام ترامب على الانسحاب من السباق، وسط اتهمات بتراجع قواه الصحية والإدراكيةن وسط تلميحات حول ما إذا كانت دائرته المقربة قد أخفت معلومات عن عدم لايقته لخوض السباق. وفي فبراير/شباط 2024، أصدر طبيب بايدن ملخصًا عن صحته بعد فحص سنوي، أعلن فيه عدم وجود أي مخاوف جديدة كبيرة، وقال إن الرئيس وقتها«لا يزال لائقًا لأداء مهامه». ولم يذكر الملخص أي مشاكل في البروستاتا، وكذلك الملخصات السابقة من فترة رئاسته. وبحسب بعض المتخصصين، إن فشل فحوصات البروستاتا السابقة أثناء رئاسة بايدن في إظهار مؤشرات السرطان لا يعد مفاجئاً، بل ويحدث في كثير من الحالات، حيث يكون الأطباء بحاجة إلى فحوصات أكثر لاكتشاف المرض. ويقول أحد المتخصصين لصحيفة نيويورك تايمز، إن بايدن ربما خضع لفحص (PET) الذي أظهر انتشار السرطان. وأضاف أنه ليس من المستغرب أن الفحوصات السابقة لم تكشف عن أي مؤشرات وأن «هذا يحدث دائمًا». كما يؤكد المختصون أنه لايوجد تأكيد علمي على وجود صلة بين سرطان بايدن والزلات اللفظية والجسدية التي أثارت تساؤلات العام الماضي حول قدرته على الترشح لفترة رئاسية ثانية. ـ ما هو غليسون 9؟ ويُعد سرطان البروستاتا من أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الرجال، وخاصةً كبار السن. ورغم أنه ينمو ببطء عادةً وقد لا يُسبب ضررًا خطراً في البداية، إلا أن بعض انواعه قد تكون أشد عدوانية وتنتشر بسرعة إلى أجزاء أخرى من الجسم، بما في ذلك العظام. وأعطى تقرير علم الأمراض لسرطان بايدن درجة غليسون 9، و 10 هو أعلى رقم ممكن، ومقياس غليسون هو نظام تصنيف لسرطان البروستاتا، ويقول ويليام داهوت، كبير المسؤولين العلميين في الجمعية الأمريكية للسرطان، إن درجة غليسون تعكس مظهر الخلايا تحت المجهر، بينما تشير الدرجة المرتفعة إلى أن العديد منها يبدو خبيثاً ولا يشبه خلايا البروستاتا الطبيعية. ـ ما مدى خطورة الإصابة؟ ويؤكد داهوت أنه «بمجرد أن ينتشر إلى العظام، لا نعتبره عمومًا سرطانًا قابلًا للشفاء، على الرغم من وجود علاجات فعالة جدًا في علاج السرطان». وعادةً ما يُعالَج المريض بعلاج هرموني يمنع إنتاج هرمون التستوستيرون، الذي يُساعد على نمو السرطان، على حد قوله. وأضاف: «بالتأكيد، يُمكنه العيش لسنوات عديدة مع هذا العلاج، وبينما في الحالات الأكثر خطورة، يعيش المريض أقل من عام، بينما المتوسط من 3 إلى 5 سنوات، ولكن هناك تقارير عن أشخاص يعيشون 15 أو 20 عامًا أيضًا بالنظر إلى طرق استجابتهم للعلاج». وقال المتخصصون إنه بالنظر إلى سن بايدن وحقيقة أن السرطان قد انتشر بالفعل إلى عظامه، فمن غير المرجح أن يخضع لعملية جراحية. وفي ظهور له على قناة ABC قبل أيام نفى بايدن وزوجته جيل أي ادعاء بأن مساعديه أخفوا تدهوراً إدراكياً كبيراً له. وقال: «إنهم مخطئون. لا يوجد ما يدعم ذلك». كما أشار مكتب بايدن إلى أن أيًا من الكتب أو النقاد لم يزعم أن حالة بايدن الصحية أعاقت اتخاذه لأي قرار أو تصرف«. ويقول السيناتور كريس كونز، وهو صديق مقرب لبايدن ويعرفه منذ سنوات، إن التشخيص كان صعبًا بالنسبة لأولئك المقربين من الرئيس السابق. وأضاف كونز:»أنه سيعتمد على مسار علاجي بدعم كامل من عائلته ومحبيه لتجاوز الأوقات الصعبة'. وفي عام ٢٠٢٠، كان سرطان البروستاتا ثاني أكثر أنواع السرطان تشخيصًا وخامس أكثرها شيوعًا في الولايات المتحدة، وفقًا للمعهد الوطني للسرطان. كما أنه الأكثر تشخيصاً في 112 دولة والسبب الرئيسي للوفاة بسبب السرطان في 48 من تلك الدول. وقد تشمل الأعراض ألمًا أو صعوبة في التبول، وتكراراً للتبول، ووجود دم في البول، ولكن مع ظهور الأعراض، يكون السرطان قد وصل عادةً إلى مرحلة متقدمة يصعب علاجها.


البوابة
منذ 19 ساعات
- البوابة
موجة تضامن واسعة لجو بايدن بعد تشخيص إصابته بالسرطان
أثار الإعلان عن تشخيص إصابة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بالسرطان موجة تضامن واسعة من مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين من مختلف الأطياف السياسية، على رأسهم الرئيس دونالد ترامب. وكتب ترامب منشورا على منصة "تروث سوشيال" أعرب فيه عن تمنياته الصادقة بالشفاء العاجل لبايدن، مؤكدا حزنه وزوجته ميلانيا لسماع الخبر. وقال ترامب: "إنني وميلانيا نشعر بالحزن لسماع خبر تشخيص جو بايدن الطبي الأخير. نتقدم بأحر تمنياتنا لجيل وعائلتها، ونتمنى لجو الشفاء العاجل والناجح". من جانبه، قال الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على وسائل التواصل الاجتماعي إنه والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما يفكران في عائلة بايدن بأكملها. وأضاف أوباما: "أنا متأكد من أنه سيواجه هذا التحدي بعزيمته وصبره المعهود. ندعو له بالشفاء العاجل والكامل". بينما كتبت نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس على موقع بلوسكاي أنها وزوجها، دوج إمهوف، النائب السابق لرئيس مجلس الشيوخ، شعرا بالحزن لسماع خبر إصابة بايدن. وأضافت: "جو مُقاتل، وأعلم أنه سيواجه هذا التحدي بنفس القوة والمرونة والتفاؤل التي لطالما ميزت حياته وقيادته. نأمل بالشفاء العاجل والكامل". بدوره، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، على منصة إكس إنه يدعو للرئيس السابق "ولعائلة بايدن بأكملها." وقال زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز (ديمقراطي عن نيويورك)، في بيان إنه و"الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب وأمتنا ندعو" لبايدن وعائلته. وكتب رئيس مجلس النواب، مايك جونسون (جمهوري عن لويزيانا)، على منصة إكس: "هذا خبر محزن بالتأكيد، وستنضم عائلة جونسون إلى عدد لا يُحصى من الآخرين الذين يدعون للرئيس السابق في أعقاب تشخيص إصابته". كان مكتب بايدن قد أعلن أمس الأحد أنه مصاب بنوع "شرس" من سرطان البروستاتا، مع تأكيد تشخيص بامتداد المرض إلى العظام. وأشار البيان إلى أن بايدن، البالغ من العمر 82 عاما، يدرس حاليا مع عائلته والأطباء الخيارات العلاجية المتاحة، وسط تأكيد بأن الورم لا يزال قابلا للسيطرة من خلال العلاجات الهرمونية.


الإمارات اليوم
منذ يوم واحد
- الإمارات اليوم
الدول الأوروبية تمضي «على مضض» للتقارب مع الصين
تُمثل طموحات الصين العالمية تحديات استراتيجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الثانية محقة في استمرار موقفها المتشدد تجاه الصين، ومع ذلك يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا إيجاد تسوية مؤقتة إذا أرادتا مواجهة تحديات الصين بفاعلية. وخلال زيارتنا الأخيرة إلى بروكسل وباريس، تحدثنا مع صناع سياسات وخبراء وقادة أعمال أوروبيين، وأوضحوا لنا أنه في ضوء الخلاف الجديد عبر الأطلسي، بشأن الرسوم الجمركية وقضايا أخرى، يساورهم قلق متزايد من أن الولايات المتحدة تُدير ظهرها لهم، لذلك يفكرون كثيراً في التقارب مع الصين. ولفهم كيفية تطور نهج أوروبا تجاه بكين، حدّدنا أربعة اتجاهات جيوسياسية أوسع نطاقاً شكّلت السياسات الأوروبية تجاه الصين في السنوات الأخيرة، وستستمر هذه الاتجاهات في التأثير في كيفية تطورها في الأشهر والسنوات المقبلة. المنافسة المتصاعدة يشعر الأوروبيون بشكل متزايد بأنهم عالقون في خضم المنافسة الاستراتيجية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وأدى طموح الصين لإعادة تشكيل النظام الدولي - وفق أسسها - إلى تعميق التوترات مع الولايات المتحدة، ما دفع واشنطن إلى التحول من المشاركة إلى التوازن الاستراتيجي منذ عام 2017، ويعكس هذا التحول من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب - الذي استمر إلى حد كبير في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن - إجماعاً بين الحزبين على وضع الصين في قلب الاستراتيجية الأميركية الكبرى، وعلى الرغم من اختلاف نبرته وتركيزه على التنسيق مع الحلفاء، فإن الرئيس السابق بايدن، حافظ على عناصر رئيسة من استراتيجية ترامب، مثل القيود التجارية، وضوابط التكنولوجيا، والجهود السياسية والعسكرية لمواجهة النفوذ العالمي للصين. أما إدارة ترامب الثانية فقد انتهجت مساراً أكثر تصادمية، مع تركيز واضح على الانفصال الاقتصادي، وتصعيد حاد للرسوم الجمركية (فرض رسوم جمركية بنسبة 145% على معظم السلع الصينية، تلته إجراءات انتقامية من الصين بنسبة 125%، ثم اتفاق لخفضها إلى 30% و10%)، وتعكس هذه الخطوات، استراتيجية اقتصادية أوسع نطاقاً قائمة على مبدأ «أميركا أولاً» لخفض العجز التجاري، وحماية الصناعات الأميركية من ممارسات الصين التجارية غير العادلة، وارتفع العجز التجاري الأميركي مع الصين، من أقل من مليار دولار في عام 1985، إلى نحو 300 مليار دولار في عام 2024، مع اعتماد بكين بشكل كبير على السوق الأميركية التي تستوعب 14% من صادراتها. وتحذر منظمة التجارة العالمية من احتمال انخفاض تجارة السلع الثنائية بنسبة 80% في حال تسارعت وتيرة الحرب التجارية وانفصال الاقتصاد العالمي. وكان الاتحاد الأوروبي حذراً بشأن عدم الانجرار إلى المنافسة الثنائية بين واشنطن وبكين، ومع إدراكه للتحديات النظامية التي تشكلها طموحات الصين العالمية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى حماية مصالحه الاقتصادية، واستقلاليته الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، يشعر صانعو السياسات في الاتحاد الأوروبي بقلق من أن التداعيات المتزايدة للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين - خصوصاً الطاقة الإنتاجية الفائضة الصينية التي تغمر الأسواق العالمية - قد تضر بالصناعات الأوروبية الرئيسة. وبينما يدعم البعض في بروكسل تعميق التعاون والتقارب مع بكين، يحذر آخرون من أن هذا قد يضر بقدرة أوروبا التنافسية على المدى الطويل واستقلالها السياسي، وستكون موازنة هذه الضغوط المتنافسة محورية في استراتيجية الاتحاد الأوروبي المتطورة تجاه الصين. شكوك متزايدة تساور أوروبا شكوك متزايدة بشأن استمرار مشاركة الولايات المتحدة عالمياً، وكضامن للأمن الأوروبي، فمنذ العقد الثاني من القرن الـ21، أثار الاستقطاب الداخلي الأميركي والانكفاء العالمي الذي بدأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، واشتدّ خلال عهد ترامب، الكثير من المخاوف، فقد كان تحوّل أوباما الاستراتيجي نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ إشارة إلى أن واشنطن لم تعد ترغب في تركيز استراتيجيتها الكبرى على أوروبا والشرق الأوسط. وشهدت ولاية ترامب الأولى تراجعاً إضافياً عن التعددية والتحالفات التقليدية، ما أثار تساؤلات حول الالتزامات الأمنية الأميركية في أوروبا، مع تكرار المخاوف التي استمرت لعقود، بشأن تقاسم الأعباء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكشفت الحرب بين روسيا وأوكرانيا - بشكل أكبر - مدى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في دفاعها. كما قلّصت إدارة ترامب الثانية بسرعة مشاركاتها العالمية، وشككت في دعم أوكرانيا، وسعت إلى التقارب مع روسيا، وفرضت رسوماً جمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي (25% على السيارات والصلب والألمنيوم، و10% على غيرها)، وقد عمّقت هذه الخطوات الخلافات السياسية والاقتصادية والأمنية بين واشنطن وبروكسل، ما دفع أوروبا إلى إعادة تقييم استراتيجي. وفي حين يدعو البعض في أوروبا إلى إعادة ضبط «براغماتية» للتقارب الاستراتيجي المحتمل بين الاتحاد الأوروبي والصين، يحذّر آخرون من أن التحديات الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها الصين تُقوّض جدوى هذا النهج، ما يجعل إبرام صفقة كبرى مع الصين أمراً غير قابل للتنفيذ، ولايزال هؤلاء يعتقدون أن التعاون عبر الأطلسي هو الطريق إلى الأمام، وتشير أحدث صفقة معادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، إلى شعور بالتفاؤل بشأن مستقبل العلاقة عبر الأطلسي. الحرب الروسية - الأوكرانية شكلت حرب روسيا على أوكرانيا اعتداء مباشراً على البنية الأمنية الأوروبية، وعلى النظام الأوروبي الذي نشأ بعد الحرب الباردة، والمبادئ الأساسية للسلام الدولي، والسيادة والديمقراطية. وبالنسبة للأوروبيين، فقد كشف هذا الحدث حقيقة وجود مُعتدٍ على أعتابهم، ما أبرز هشاشة البنية الأمنية القائمة. وأثار دعم بكين السياسي والاقتصادي لموسكو قلق صانعي السياسات الأوروبيين، مسلطاً الضوء على دور الصين المتنامي كداعم استراتيجي لروسيا في حربها على أوكرانيا، وقد وفّر دعم بكين الاقتصادي والسياسي القائم على «شراكة بلا حدود» التي وُقّعت قبل أيام قليلة من الحرب في أوكرانيا، طوق نجاة لموسكو، ما قوّض فاعلية العقوبات الغربية. وأثار ذلك في الوقت نفسه، مخاوف بشأن البنية التحتية التي بنتها الصين في جميع أنحاء القارة وتهديداتها للأمن الأوروبي، وبالنظر إلى التحديات الأخيرة في العلاقات عبر الأطلسي، فإن عزم أوروبا على الحفاظ على موقف حازم تجاه الصين يتضاءل. وبينما لايزال العديد من صانعي السياسات ينظرون إلى بكين على أنها منافس نظامي يشكّل مخاطر طويلة الأجل على الأمن الأوروبي والقيم الديمقراطية، أصبح آخرون الآن أكثر انفتاحاً على المشاركة الاستراتيجية، ويدعون إلى إعادة تقييم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، في ظل مشهد جيوسياسي متغيّر. الاتحاد الأوروبي أصبح التحدي الاقتصادي والتكنولوجي المتنامي الذي تواجهه الصين يشكل تهديداً كبيراً للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، فقد أدى التوسع العالمي للصين في نموذجها الحكومي الذي يتميز بالدعم وقيود السوق، ونقل التكنولوجيا القسري، إلى تقويض المنافسة العادلة، وإجهاد صناعات الاتحاد الأوروبي، ورداً على تباطؤها الاقتصادي، زادت الصين تصدير الطاقة الصناعية الفائضة إلى أوروبا، لاسيما في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، ما وضع ضغوطاً على قطاعات أوروبية رئيسة، وبينما روّجت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لاستراتيجية «تخفيف المخاطر»، فإن الاتحاد الأوروبي لايزال منقسماً على نفسه. وتقاوم بعض الدول الأعضاء اتخاذ تدابير أكثر صرامة، نظراً لاعتمادها الاقتصادي على الصين، أكبر المصدّرين لأوروبا (21%)، وثالث أكبر سوق للصادرات الأوروبية (8%)، وعلى عكس الولايات المتحدة التي فرضت ضوابط صارمة على التكنولوجيا والاستثمار، اتخذ الاتحاد الأوروبي نهجاً أكثر حذراً وابتعاداً عن المواجهة. وعلى الرغم من أن الأدوات الجديدة، مثل تنظيم الدعم الأجنبي، وآليات مكافحة الإكراه، قد وسّعت نطاق أدوات السياسة في الاتحاد الأوروبي، فإنها غالباً ما تتجنب الإشارة مباشرة إلى الصين باعتبارها مصدر القلق الرئيس، وقد أثارت جهود أكثر حزماً، مثل تحقيقات مكافحة الدعم في السيارات الكهربائية الصينية، خلافات وانقسامات داخلية كبيرة، ما يعكس تفاوتاً في المصالح والتعرض للمخاطر بين الدول الأعضاء. وأهم ما استخلصناه من زيارتنا لبروكسل وباريس أن التقارب التاريخي بين الاتحاد الأوروبي والصين، مطروح على الطاولة، وفي حين أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ودعم الصين لروسيا في حربها في أوكرانيا، وتحديات القدرة التنافسية التي تواجهها الصين، تدفع صانعي السياسات الأوروبيين نحو مواصلة استراتيجية الاتحاد الأوروبي للحدّ من المخاطر وتحقيق التوازن، فإن الكثير من ذلك سيعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستظل منخرطة عالمياً ومع أوروبا، وبما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يواجهان طموحات الصين وتحدياتها المتزايدة، فلا يمكن للشركاء عبر الأطلسي مواجهة بكين إلا معاً، ويجب على واشنطن وبروكسل إيجاد تسوية مؤقتة بشأن التجارة والأمن، وتوحيد الجهود لمواجهة نفوذ الصين، وإصلاح النظام الدولي القائم على القواعد وتعزيزه. د.فالبونا زينيلي* *زميلة أولى غير مقيمة في مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي ومركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن. زولتان فيهير* *دبلوماسي وباحث جيوستراتيجي يعمل زميلاً غير مقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي. عن «ناشيونال إنتريست»