logo
مَن يريد الاستغناء عن "اليونيفيل": إسرائيل أم مَن؟

مَن يريد الاستغناء عن "اليونيفيل": إسرائيل أم مَن؟

على مسافة أسابيع على نهاية ولاية القوات الدولية المعززة "اليونيفيل" في 30 آب المقبل، تلاحقت السيناريوهات التي تحاكي مصيرها ودورها وما يسهّل مهمّاتها أو يعوقها، في ظلّ تعدّد الاعتداءات التي تتعرّض لها من الداخل أثناء قيامها بدورياتها المنتظمة يومياً أو من الخارج. وهو أمر يحمل كثيراً من المغالطات التي لا تُحصى، سواء أُطلقت عن جهل او عن رغبة بأن تنشأ مثل هذه الحالات. وهذه عينة مما يتداول به في الكواليس حول ما يطاول شؤونها على المستويات كافة.
منذ اللحظة التي صدر فيها القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي في 12 آب 2006 عقب حرب الايام الـ 33، اكتسبت قوات "اليونيفيل" في الجنوب اللبناني إسماً جديداً، ووصفت في القرار بـ "القوات الدولية المعززة"، بعدما تقرّر رفع عديدها إلى 15 ألف ضابط وجندي من "رجال حفظة السلام"، على أن تلاقيها الحكومة اللبنانية بتوفير 15 ألفاً من الجيش اللبناني، فبوشرت الاتصالات على أعلى المستويات، ورُفع العدد تدريجياً في سنوات قليلة إلى أن بلغ في إحدى مراحل الذروة 13 ألفاً من الجنود المنتمين إلى مجموعة كبيرة من الدول، وهي تضمّ في ولايتها الحالية نحو 10 آلاف ضابط وجندي، فيما لم يتمكن لبنان من نشر أكثر من 5000 آلاف جندي لبناني في منطقتها ولم يحاسبه أحد حتى اليوم.
وتعترف مراجع معنية تواكب شؤون "اليونيفيل" وما يرافق عملها ومهماتها وتركيبتها على كل المستويات، بأنّه لم توجّه أي دولة اتهاماً إلى لبنان بأنّه كان مقصّراً في توفير القوة الكافية التي تعهّد بها لأمن المنطقة الجنوبية. فهم يدركون ويتفهمون حجم المهمّات الملقاة على عاتق جيش لم تُلق على أي جيش نظامي آخر، فهو مسؤول عن أمن اللبنانيين والمقيمين في الداخل كما على الحدود، وهو يدير مجموعة من المناطق العسكرية التي أعلن عن تشكيلها في بيروت الكبرى والبقاع الشمالي وصيدا وطرابلس ولو لفترات متقطعة، رافقت مجموعة من الأزمات المتنقلة ولفترات متقطعة.
ولمن لا يعرف او يتابع ليدرك حجم وتركيبة قوات "اليونيفيل" في أوضاعها الحالية، لربما يستفيد إن علم أنّها تجمع ضباطاً وجنوداً من 48 دولة من مختلف الاختصاصات العسكرية، وهي تتوزع على مستوى القوى الكبرى ما بين 1255 إندونيسياً، 1098 إيطالياً، و902 هندي، 878 غانياً، 831 ماليزياً، 749 فرنسياً، 690 إسبانياً، 273 إلمانياً و272 من كوريا الجنوبية. وإنّ مهماتها تستلزم موازنة كبيرة من نحو 530 مليون دولار أميركي سنوياً، وإنّ نسبة لا تقلّ عن 45 % منها تنفق في الجنوب في مختلف وجوه الحياة اليومية لجنودها والمؤسسات التي يرتادونها. هذا عدا عن الموازنات الخاصة التي خصصتها القوات الدولية لمساعدة وحدات الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، فمدّتها بالمشتقات النفطية ومستلزمات عسكرية مختلفة. كما أنّ دولاً منها ساهمت في القيام بخدمات ترفيهية وتربوية، كتعليم اللغات الأجنبية وأخرى تقع تحت خانات مختلفة منها الاجتماعية والإنسانية والخدمات الطبية والبيطرية. حتى وصلت إلى حدود تزويد بعض القرى مولّدات الطاقة الكهربائية وإنارتها، ودفعت العجلة الاقتصادية والاجتماعية إلى الذروة التي لم يعرفها الجنوبيون يوماً من أيام حياتهم.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، ترفع مصادر ديبلوماسية عليمة من مستوى تحذيراتها إلى القيادات السياسية والحزبية والروحية الجنوبية عموماً والشيعية منها، خصوصاً إلى ضرورة التنبّه لمخاطر تكرار الاعتداءات على قوات "اليونيفيل" في أي مهمّة تقوم بها، فهي وإن تعدّدت الاتهامات ومهما كان شكلها ومضمونها، فإنّ بطلانها كافٍ للعمل على وقف هذه الممارسات التي تسيء إلى أبناء الجنوب قبل غيرهم، كما تسيء إلى معنويات الجنود الذين دفعوا عشرات الشهداء حتى الأمس القريب نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرّر، مع انّ بعضهم قُتل برصاص لبناني كانوا يعتقدون انّه انطلق من "سلاح صديق". وهي بكل أشكالها وأياً كان مصدرها لم ولن تمسّ رسالتها السلمية التي ضمنت الأمن للجنوبيين لفترات طويلة، ووفّرت فرص عمل للآلاف منهم. فأبقتهم في قراهم التي انتعشت لفترات طويلة قبل أن تؤدي الحرب الأخيرة إلى تدمير ممتلكاتهم في عشرات القرى، حتى أُزيلت مظاهر الحياة المدنية والجغرافية فيها.
على هذه الخلفيات، يسعى بعض المراجع الديبلوماسية إلى فهم ما يريده المحرّضون على هذه القوات، والتي تهدّد سلامة جنودها الذين لم يُطلقوا رصاصة واحدة في اتجاه أي لبناني منذ أن انتشروا في المنطقة. وإنّ على هؤلاء أن يتفهموا انّ القوات الدولية عندما تسيّر دورياتها الاستثنائية من دون مواكبة الجيش اللبناني، إنما يكون هذا تنفيذاً لقرار التمديد في آب 2022، الذي أعطاها الحق بالعمل كقوة منفردة، ولكنها لم تفعل ذلك من دون مواكبته، بعدما تعددت التفسيرات التي أطلقها الجنوبيون وصولًا إلى اتهامها بالعمالة للعدو، قبل أن يكتشفوا مواقع العملاء الحقيقيين، الذين قادت إفاداتهم إلى ملاحقة القادة من الحزب وتدمير مواقعهم الرئيسية والأساسية أينما وُجدت جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية، إلى حدّ اغتيال أمينين عامين بفارق أيام بينهما.
وبناءً على ما تقدّم، تلفت المراجع الديبلوماسية إلى أهمية وقف هذه الاعتداءات، لئلا تقع هذه القوات بين نارين داخلية وأخرى اسرائيلية، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات. ذلك انّ الجهود الدولية قد تؤدي إلى رفع عديد "اليونيفيل" وتعزيز موازنتها، في وقت تعددت الضغوط لتقليصهما. فيما تطالب إسرائيل بطردها من المنطقة وبإخلائها نهائياً، بما يخالف المهمّات الأخيرة التي أُنيطت بها إلى جانب الجيش بموجب تفاهم 27 تشرين الثاني 2024.
وتشير هذه المراجع بكثير من الاستغراب إلى ضرورة التدخّل الفوري لوقف هذه الاعتداءات من "أهل البيت" على "اليونيفيل"، والإتعاظ مما صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، مع مطالبته بمزيد من الضغوط على القوى الأخرى التي تتمادى في التحريض عليها. وأضافت المصادر: "كان يُقال من قبل عندما يهاجم "جيش النساء" دورياتها انّها تبحث عن مخازن أسلحة الحزب إنفاذاً لقرار صدر عام 2006، وتعهّد لبنان بتطبيقه قبل ان يكتشفوا بعد 17 عاماً وبعد تدمير الجنوب بوجود أكثر من 500 موقع ومركز ومخزن لأسلحة الحزب. فكيف اليوم إن قيل إنّه تمّ تفكيك قواه العسكرية ومواقعه جنوب الليطاني ولم يتوقف الطيران الإسرائيلي حتى الأمس عن استهداف مزيد منها".
وختمت هذه المصادر: "إنّ أهم ما هو مطلوب اليوم هو وقف التذاكي على اللبنانيين والمجتمع الدولي. فالجميع من لبنانيين وإسرائيليين ومعهم المجتمع الدولي، يعرفون انّ القرار 1701 لم يُنفّذ منذ صدروه عام 2006، وانّ التكاذب المتبادل قاد إلى الحرب الأخيرة. ولذلك فإنّ الحدّ الأدنى من الصدق مطلوب اليوم، للتثبت إن كانت إسرائيل وحدها تريد الإستغناء عن "اليونيفيل"، أو أنّ هناك من يلاقيها من الداخل، وقبل فوات الأوان".
الجمهورية – جورج شاهين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عون في بغداد: تنسيق لبناني–عراقي أمني واقتصادي… وصندوق دعم للبنان
عون في بغداد: تنسيق لبناني–عراقي أمني واقتصادي… وصندوق دعم للبنان

لبنان اليوم

timeمنذ 21 دقائق

  • لبنان اليوم

عون في بغداد: تنسيق لبناني–عراقي أمني واقتصادي… وصندوق دعم للبنان

أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن اللبنانيين يُثمّنون بامتنان المبادرات العراقية الداعمة للبنان، والتي تتعدّد عناوينها، خصوصًا في ظل الأزمة الأخيرة الناتجة عن الحرب الإسرائيلية عليه. وشدّد، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في القصر الحكومي ببغداد، على أهمية تعزيز التعاون بين مختلف الإدارات الرسمية في البلدين، ولا سيما على صعيد التنسيق بين الجيشين اللبناني والعراقي. من جهته، اقترح الرئيس السوداني تشكيل لجنة مشتركة للتبادل التجاري، وأخرى للتنسيق السياسي والأمني، بما يخدم مصلحة البلدين، وهو ما لقي ترحيبًا من الرئيس عون، الذي أكد بدوره أهمية تطوير هذا النوع من التنسيق، خصوصاً في المجال الأمني. وفي بداية اللقاء، استقبل الرئيس السوداني نظيره اللبناني على مدخل القصر الحكومي، حيث جرت مصافحة رسمية والتُقطت صورة تذكارية قبل أن يُصافح الرئيسان أعضاء الوفدين اللبناني والعراقي. وخلال الاجتماع الموسع، شارك إلى جانب الرئيسين عدد من الشخصيات البارزة. فمن الجانب العراقي: مدير مكتب رئيس الوزراء إحسان العوادي، رئيس جهاز الأمن الوطني عبد الكريم البصري، وعدد من المستشارين. أما من الجانب اللبناني: السفير اللبناني لدى العراق علي حبحاب، مدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير، والمستشارون العميد أندريه رحال، جان عزيز، نجاة شرف الدين، ومدير الإعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا. وفي كلمته، عبّر الرئيس السوداني عن عمق العلاقات بين العراق ولبنان، وأبدى ارتياحه لاستقرار عمل المؤسسات الدستورية في لبنان بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة. كما جدّد استعداد العراق الدائم لدعم لبنان في مختلف المجالات. وأشار الرئيس السوداني إلى وجود قواسم مشتركة كثيرة بين البلدين، مؤكداً دعم بلاده لمواقف الدولة اللبنانية وأهمية الاستقرار الإقليمي. كما تطرّق إلى قمة بغداد وما تمخض عنها، خاصة إنشاء 'صندوق التعافي'، معلناً تقديم 20 مليون دولار للبنان ومثلها لفلسطين، مع جهوزية العراق لوضع آلية عملية لدعم الصندوق. بدوره، شكر الرئيس عون نظيره العراقي على حفاوة الاستقبال وعلى مبادرته خلال القمة العربية، مشدداً على ضرورة تفعيل العلاقات بين البلدين في كل المجالات. وأكد أن اللبنانيين لا ينسون الدعم العراقي، خاصة في الأوقات العصيبة. كما تناول الرئيس عون الأوضاع في غزة، مدينًا المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين، وداعيًا إلى تنسيق الجهود لدعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وفق مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002، والعمل للوصول إلى حل عادل وشامل. وفي ختام اللقاء، وجّه الرئيس عون دعوة رسمية للرئيس السوداني لزيارة لبنان، مؤكداً تطلّع اللبنانيين لرؤية أشقائهم العراقيين في ربوع وطنهم. عقب اللقاء الموسّع، عقد الرئيسان خلوة ثنائية دامت نحو 20 دقيقة، ثم انتقلا إلى قاعة كبرى في القصر الحكومي حيث عقدا مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا. بداية، تحدث رئيس الوزراء العراقي فقال: 'كل الترحيب بفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون والوفد المرافق، بغداد تحتفي بكم وبكل زوارها الكرام. ان تاريخ العلاقات العراقية- اللبنانية يؤكد اننا امام علاقة متميزة بين بلدين شقيقين على المستوى الشعبي وعلى المستوى الحكومي، وهو ما نطمح الى تعزيزه وتطويره، وهذه الزيارة هي فرصة مهمة لتحقيق هدف التكامل وتعزيز العلاقة على المستويات السياسية والاقتصادية والامنية لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة. يدعم العراق تماسك لبنان واستقراره ووحدته، ومؤسسات الدولة اللبنانية، والسيادة على كل ارضه، ويرفض كل ما يتجاوز هذا الامر، وهو ما سيعمل عليه خلال ترؤسه القمة العربية. لقد وقف العراق، بمرجعياته الدينية وقواه السياسية وفاعلياته الشعبية، مع لبنان خلال العدوان، ونستذكر هنا بيان سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني الذي دعم فيه جهود وقف العدوان الهمجي وحماية الشعب اللبناني. اننا، انطلاقاً من روح التضامن التي نؤكد عليها، سوف نستمر بتقديم كل اشكال الدعم للشعب اللبناني الشقيق، ونجاح القوى السياسية الوطنية اللبنانية في انتخابكم، وتشكيل الحكومة برئاسة دولة الاخ نواف سلام، هي خطوات واثقة كنا ننتظرها مثلما انتظرها الشعب اللبناني الشقيق، ونحن ندعم التوافق السياسي الداخلي للبنان، في اطار التزامنا بمنهجنا الاساس في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. لقد اجرينا اليوم حواراَ مهماً حول الفرص المشتركة في مجالات الطاقة والاتصالات والتبادل التجاري، ونسعى الى التكامل والشراكة الاقتصادية الكبيرة والمتشعبة مع لبنان، وكذلك ندعم تعاون القطاع الخاص في البلدين. في الوقت الذي نجدد فيه ادانتنا للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، ونعتبرها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، نكرر تأكيدنا على ضرورة تطبيق القرار الاممي 1701 بالكامل، والمجتمع الدولي مطالب وملزم بأداء التزاماته في التطبيق الكامل غير الانتقائي للقرار الدولي من اجل دعم الاستقرار ووقف العدوان. وخلال اللقاء اكدنا على موقفنا في دعم سيادة واستقلال سوريا، وحفظ كامل ترابها ورفض الاعتداء عليها، والسياسات التي تؤدي الى اشعال الفتنة الطائفية والعرقية، وتهدد تماسك نسيج المجتمع السوري. وفي ما خص القضية الفلسطينية، نسعى الى وقف هذا العدوان الهمجي، والابادة الجماعية وسياسة التجويع ضد المواطنين الابرياء في غزة، ويجب اغاثة اهلنا الغزاويين وانقاذهم من المجاعة والهلاك والموت والدمار الذي يحيط بهم، وسط صمت دولي مريب وغير مسؤول. ومن دون حل شامل وعادل وانساني للقضية الفلسطينية، لا نرى جدوى من طرح الحلول الترقيعية، مع استمرار القتل الممنهج. اكدنا في قمة بغداد نهج العراق الساعي الى تأييد كل ما من شأنه وقف العداون، وحماية الشعبين اللبناني والفلسطيني. وقد طرح العراق مبادرة الصندوق العربي لدعم جهود التعافي واعادة الاعمار ما بعد الازمات والصراع، وهي مبادرة حظيت بتأييد عربي ونعوّل عليها لانجاز الكثير، خصوصا هلال فترة رئاستنا للقمة العربية. تقدم العراق بدعم اوليّ بقيمة 20 مليون دولار لاعمار لبنان، ومستعدون للعمل وفق الآليات المناسبة لتفعيل واستكمال هذا المسار لصالح لبنان، وسنواصل مساعينا انطلاقا من مسوؤلياتنا خصوصا هذا العام الذي يتولى فيه العراق رئاسة مجلس جامعة الدول العربية. نكرر ترحيبنا بفخامة الرئيس السيد جوزاف عون والوفد المرافقق له، فأهلاً وسهلاً بكم مرة اخرى.' ثم القى الرئيس عون الكلمة التالية: ' سيادةَ رئيسِ مجلسِ وزراءِ جمهوريةِ العراق، الأخِ العزيز محمد شياع السوداني، الحضورُ الكريم، منذ آلافِ السنين، شاءَ التاريخُ أن يجمعَ في مصادفاتِه المُعبِّرة، بين بلادِ ما بين النهرين وبلادِ الأرز… فليسَ تفصيلاً أن يكونَ أولُ تنظيمٍ للحياةِ البشريةِ العامة في مجتمعٍ، قد وضعَه حمورابي هنا… وأولُ مدرسةٍ في التاريخِ للحقوق، كانت في بيروت… هذا لأننا كنا، وما زلنا معاً، مهجوسين بحقوقِ ناسِنا وانتظامِ حياتِهم، بما يحققُ خيرَهم الأسمى … وأصرَّ التاريخُ، منذ تلك الألفيات البعيدة، على أن نترافقَ معاً… منذ بداياتِ دولِنا في عشريناتِ القرنِ الماضي… وصولاً حتى يومِنا هذا… ظلت بيروتُ عاشقةً للسيّاب والجواهري ونازك الملائكة، وكلِ عمالقةِ الأدبِ العراقي الحديث … وظلت بغدادُ تُنشدُ 'موطني موطني'، من نغماتِ المُبدعِ اللبناني محمد فليفل . ..وظلّ يرافقُنا في تلك المراحلِ كلِها، تحدّيان اثنان: أولاً، كيف نكرّسُ مفهومَ 'الهوية الوطنية'، داخلَ كلِ بلدٍ من بلدانِنا… بما يحققُ التوافقَ والتوازنَ الداخليين… ووحدةَ الدولة معاً … فتكونُ خصوصيةُ كلِ جماعةٍ من جماعاتِنا الوطنية التاريخية، محترمةً بالكامل… ولا يكونُ أيُ انعزالٍ أو تطرّفٍ أو أفكارٍ هدّامةٍ … نصونُ الحرية ضمنَ التنوّعِ والتعدّد… ونحفظَ سلمَنا الأهلي … من دون الانتقاصِ من فاعليةِ الدولة… ثانياً، كيف نؤكدُ مبدأَ دولتِنا الوطنية السيدة، في محيطِنا وفي عالمِ اليوم… بلا استعداءٍ لأحد… ولا استتباعٍ لأحد… فتكونَ كلُ دولةٍ من دولِنا، سيدةً حرةً مستقلةً فعلاً … وتكونَ في الوقت نفسِه، جزءاً من إطارٍ إقليميٍ واسعٍ، للتعاونِ والتكاملِ والتبادلِ، حتى أقصى الحدود… السيد الرئيس، إسمحوا لي أن أقولَ بأنْ آنَ الأوانُ لتحقيقِ الأمرين … في الأمرِ الأول، الحلُ لإشكاليةِ هويتِنا الوطنية داخلَ دولتِنا الناجزة … أستلهمُه حرفياً، من موقفٍ أصيلٍ عميقٍ، لسماحةِ المرجعِ الديني الأعلى، السيد علي الحسيني السيستاني، في تشرينَ الثاني (نوفمبر) الماضي … حين وضعَ خارطةَ طريقٍ بديهيةً للحل … إذ دعا 'النخبَ الواعية، إلى أن يأخذوا العِبرَ من التجاربِ التي مرّوا بها … ويعملوا بجدٍّ في سبيلِ تحقيقِ مستقبلٍ أفضلَ لبلدِهم … ينعمُ فيه الجميعُ بالأمنِ والاستقرارِ والرُقيِ والازدهار… وذلك عبرَ إعدادِ خططٍ عِلمية وعملية لإدارةِ البلد… اعتماداً على: مبدأِ الكفاءةِ والنزاهة في تَسَنُّمِ مواقعِ المسؤولية… ومنعِ التدخلاتِ الخارجية بمختلفِ وجوهِها… وتحكيمِ سلطةِ القانون… وحصرِ السلاحِ بيدِ الدولة… ومكافحةِ الفسادِ على جميع المستويات'… انتهى كلامُ سماحتِه … ولا نزيدُ عليه حرفاً … أما كيف نكونُ دولاً وطنية سيدة، في إطارِ تعاونٍ عربيٍ عصريٍ حديثٍ … فهذا ما أعلنتُه سابقاً … واسمحوا لي بأن أكررَه… نحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى قيامِ نظامِ المصلحة العربية المشتركة… نظامٌ قائمٌ على تبادلِ المصالحِ المشتركة بين بلدانِنا وشعوبِنا… وتنميتِها ومضاعفتِها … نظامٌ عربيٌ مُمأسسٌ ومُقَوْننٌ في إطارِ اتفاقياتٍ ثنائيةٍ ومشتركة… بما يتبلورُ تدريجياً وبثبات، سوقاً عربيةً مشتركة … تنظّمُ التعاونَ بين اقتصاداتِنا الوطنية كافة… في انتقالِ الأشخاصِ والسلعِ والخدماتِ على أنواعها… وكما قلتُ في القاهرة أكررُ من بغداد … قد نبدأُ من مجالٍ واحدٍ، أو بين بلدين اثنين فقط … ثم نتوسّع … هكذا قامت اتحاداتُ المصالحِ الاقتصادية في عالمِنا المعاصر … وقد آنَ الأوانُ لنا، لنحيا أحراراً كِراماً، في هذا العالم … السيد الرئيس، بهذه الرؤية، نحققُ خيرَ شعوبِنا وبلدانِنا … وبهذه الرؤية، نرى فلسطينَ دولةً مستقلة…ضمن سلامٍ عادلٍ شاملٍ لمنطقتِنا … وهو ما نتطلّعُ إلى خطواتِه العملية … عبر المؤتمرِ الذي دعت إليه كلٌ من الشقيقة، المملكلة العربية السعودية، والصديقة فرنسا، هذا الشهر في نيويورك … والذي نؤكدُ اهتمامَنا به، ومتابعتَنا لتحضيراتِه ومجرياتِه ونتائجِه المرجوة . وبهذه الرؤية، نستعيدُ حقوقَ كلِ بلدٍ من بلادِنا … فلا نكتفي بإدانةِ واجبةٍ، لاعتداءاتِ اسرائيلَ على لبنان، وعلى سوريا … وتأكيدِ رفضِنا ما يُرتكبُ بحقِ المدنيين في غزة … السيد الرئيس الأخ العزيز، إن طموحَنا لهذا الغدِ الذي نأملُه قريباً جداً، لا يُعفينا من واجبِ تقديمِ أصدقِ الشكر، على كلِ ما قدمتموه دوماً للبنان … واسمحوا لي ألا أدخلَ في التعدادِ … من هباتٍ وتقدماتٍ ومساعداتٍ في شتى المجالات … حتى لا أستوقفُكم طويلاً جداً… ولا أفي العراقَ حقَه، ولا أُنجزُ التعداد … يكفي عرفاناً منا لكم، أنّ كلَ لبنانيٍ باتَ يؤمنُ فعلاً عند كلِ أزمة، بأنّ 'الترياقَ من العراق'، ليس قولاً مأثوراً، بل فعلٌ محقق … السيدُ الرئيس، الأخُ الصديق، وأنا الآنَ في بغداد، أتذكّرُ بوجدانٍ عراقيٍ صافٍ، أبياتَ الجواهري الرائعة: لبنـانُ يا خمري وطيبي / لا لامستكَ يدُ الخطوب ِ لبنـانُ يا غُرفَ الجَنــان ِ / الناضحــات ِ بكـلِ طيب ِ لبنـانُ يا وطني إذا / حُـلِـئتُ عن وطني الحـــبيــبِ ولحظةَ أعودُ إلى بيروت، سأتذكرُ بوفاءٍ لبنانيٍ خالصٍ، جواهرَ الأخطل الصغير: بغدادُ يا شغفَ الجمالِ / وملعبَ الغـزلِ الـطَـروبِ بغدادُ يا وطنَ الجهـادِ / ومَرضَعَ الأدبِ الخصيبِ قولي لشمسِك لا تغيبي / وتـكبَّدي فَـلـكَ الـقـلـوب عاش العراق ،عاش لبنان' مأدبة غداء ثم اقام الرئيس السوداني مأدبة غداء على شرف الرئيس عون والوفد اللبناني المرافق، استكمل خلاله بحث المواضيع والملفات التي كانت مدار بحث خلال اللقاء بينهما في مقر القصر الحكومي. وبعد انتهاء الغداء، توجه الرئيس عون الى مقر البطريركية الكلدانية للقاء البطريرك لويس روفائيل الاول ساكو.

بالصور- الشرع يلتقي أمير الكويت في مستهلّ زيارته الرسمية للبلد
بالصور- الشرع يلتقي أمير الكويت في مستهلّ زيارته الرسمية للبلد

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

بالصور- الشرع يلتقي أمير الكويت في مستهلّ زيارته الرسمية للبلد

وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الكويت في زيارة رسمية هي الأولى له منذ تولّيه السلطة الانتقالية في سوريا. والتقى الشرع، يرافقه وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، في قصر بيان بالعاصمة الكويتية، في وتم البحث في تعزيز التعاون بين البلدَين في القطاعات المختلفة. وتسعى دمشق إلى تعزيز العلاقات مع الزعماء العرب والدول الغربية بعد سقوط بشار الأسد. وتأمل في أن يساعدها تدفق المساعدات والاستثمارات الخليجية، بعد رفع العقوبات الاقتصادية، على إعادة بناء الدولة التي مزقها الصراع. وأمس السبت، أعلن وزير الخارجية السعودي أنّ المملكة ستُقدّم مع قطر دعماً ماليّاً مشتركاً لموظفي الدولة في سوريا. كما ذكر بيان مشترك صادر عن السعودية وقطر أنّ الدعم المالي المشترك سيقدم على مدار ثلاثة أشهر. رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع يرافقه وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد حسن الشيباني يلتقي سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في قصر بيان بالعاصمة الكويتية، في زيارة رسمية إلى دولة #الكويت الشقيقة لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في القطاعات المختلفة. — وزارة الخارجية والمغتربين السورية (@syrianmofaex) June 1, 2025 وجاءت هذه الخطوة عقب مساهمة سابقة من السعودية وقطر في نيسان/ أبريل لتسوية متأخّرات سوريا المستحقة للبنك الدولي، والبالغة نحو 15 مليون دولار. إلى ذلك، قالت وكالة الأنباء الكويتية إنّ أمير الكويت والرئيس الشرع عقدا، في قصر بيان، جلسة المباحثات الرسمية بين البلدين التي تناولت "العلاقات الأخوية الراسخة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين وسُبل دعمها وتنميتها في المجالات الكافة". ونقلت الوكالة عن وزير شؤون الديوان الأميري محمد عبدالله الصباح قوله إنّه جرى "التأكيد على أهمية ترسيخ التعاون الثنائي بين البلدين وتوسيع أطره بما يخدم مصالحهما المشتركة". كما تم خلال اللقاء بحث مستجدات الأوضاع في سوريا والتأكيد على ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي لضمان أمنها واستقرارها وصون سيادتها ووحدة أراضيها. وقدَّم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لسوريا 28 قرضاً بقيمة إجمالية 333 مليون دينار (1.085 مليار دولار)، كما يوجد بالكويت جالية سورية كبيرة تبلغ نحو 200 ألف شخص.

الجيش اللبناني يعيد فتح طريق حولا–مركبا بعد إقفالها من قبل الجيش الإسرائيلي
الجيش اللبناني يعيد فتح طريق حولا–مركبا بعد إقفالها من قبل الجيش الإسرائيلي

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

الجيش اللبناني يعيد فتح طريق حولا–مركبا بعد إقفالها من قبل الجيش الإسرائيلي

أعاد الجيش اللبناني، اليوم الأحد، فتح الطريق الحيوية التي تربط بين بلدتي حولا ومركبا وصولاً إلى تلة العباد، وذلك بعد أن كان الجيش الإسرائيلي قد أقدم في وقت سابق على إقفالها. وتُعد هذه الطريق من المحاور الحيوية التي يستخدمها الأهالي للتنقل اليومي، كما أنها تُشكّل ممراً استراتيجياً في المنطقة الحدودية. وقد لاقى تدخل الجيش ترحيباً واسعاً من سكان البلدات الجنوبية الذين أثنوا على سرعة الاستجابة ومنع الاحتلال من فرض أمر واقع جديد على الأرض. يُذكر أن التوترات الحدودية بين لبنان وإسرائيل تشهد تصاعداً متكرراً، وسط محاولات إسرائيلية متكررة للتضييق على حركة السكان ومصادرة أراضٍ لبنانية. ويؤكد الجيش اللبناني في كل مناسبة التزامه الكامل بحماية السيادة اللبنانية، والتصدي لأي خرق أو اعتداء، بالتنسيق اليونيفيل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store