
الملك «بيبي»... دخّلهم في الحيط!
واليوم، نلمس تجلياً صارخا لهذه الحقيقة في غزة، حيث تُختبر الإنسانية كل يوم، وتنفجر موجة غضب عالمي غير مسبوقة تُزلزل أركان الخطاب الصهيوني وأساطيره التأسيسية.
غزة التي تحولت إلى مسلخ الحداثة المادية الصهيونية، وأرقامها التي تشي بانهيار الأخلاق، حيث لا يمكن فهم الغضب العالمي إلا من خلال تشريح الواقع المادي الذي تفرضه آلة الحرب الصهيونية.
رقم مرعب يتجاوز 62 ألف شهيد، وفق أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة (مع التأكيد على استمرار ارتفاع الرقم بشكل يومي مروع). هذا الرقم ليس إحصاء مجرداً، بل هو شاهد حي على اختزال الإنسان الفلسطيني إلى «عائق ديموغرافي» في المعادلة الصهيونية الميكانيكية.
وطفولة مذبوحة على مذبح التوسع، بما يقارب 20 ألف طفل قضوا نحبهم تحت القصف والدمار ليكونوا ضحايا وشهداء «المنطق الأمني» الصهيوني الذي يرى في كل طفل فلسطيني تهديداً مستقبلياً، تجسيداً للرؤية العنصرية التي تحول البشر إلى أرقام في معادلة السيطرة.
شباب أُزهقت أحلامهم... عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا يمثلون مستقبل المجتمع، سُحقوا تحت أنقاض بيوتهم وجامعاتهم وتدمير ممنهج للبنية الديموغرافية والاجتماعية، سياسة قديمة متجددة للاستعمار الاستيطاني.
ليس ذلك فقط، بل عجائز وذوو إعاقة استهدافوا بشكل متعمد للهشاشة والضعف وآلاف المسنين وذوي الإعاقة (بالآلاف) لقوا حتفهم عطشاً أو جوعاً أو تحت الأنقاض، عاجزين عن الفرار.
هذا ليس «ضرراً جانبياً»، بل هو تعبير عن اللامبالاة الأخلاقية المطلقة التي تولدها أيديولوجيا تضع «أمن» المستوطن فوق حياة «الآخر» كلياً.
هذه الأرقام الكارثية، المصحوبة بصور الدمار الشامل وحصار الغذاء والدواء، أحدثت شرخاً عميقاً في الرواية الصهيونية السائدة لعقود حيث انهيارت سردية احتكار «معاداة السامية» وبات الغضب موجهاً بوضوح نحو المشروع الصهيوني وممارساته، وليس نحو اليهودية كدين أو جماعات يهودية عالمية...
الحمد لله لقد تم تفكيك هذه الآلية الدفاعية التي طالما استُخدمت لإسكات النقد. كذلك فضح «الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة، والممارسات الوحشية كشفت زيف ادعاءات «القيم الديمقراطية والأخلاقية» التي تتستر بها إسرائيل، أمام عجز غربي واضح عن محاسبتها، مما أثار سخطاً حتى داخل المجتمعات الغربية.
بعيداً عن الذين هم مع «حماس» أو ضدها في ما فعلت، فقد تحولت غزة إلى رمز عالمي للمقاومة ضد الظلم والتظاهرات المليونية من طوكيو إلى نيويورك، تحركات المجتمع المدني، مواقف دول الجنوب، وحتى التمرد داخل المؤسسات الغربية - كلها دلائل على صحوة أخلاقية تعترف بإنسانانية الفلسطيني المُسْتَبَاح... قبل حماس وبعدها... في غزة وفي الضفة وفي والأحلام.
لقد ساهمت وسائل التواصل في كسر حصار الإعلام، فالعالم يرى -مباشرة- فظائع كان يتم إخفاؤها أو تبريرها، مما ولّد تعاطفاً غير مسبوق وحملاً دولياً على حكومات تتواطأ صمتاً أو دعماً... انتهت اللعبة!
ها هنا نصل إلى لب الرؤية التي تزاوج بين التحليل المادي العميق والإيمان بالسنن الإلهية في الخلق حيث يقول تعالى في محكم كتابه: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» (الإسراء).
الطغيان في الأرض -ممثلاً هنا في المشروع الصهيوني بآلته العسكرية الوحشية وأيديولوجيته الاستعلائية- لا يمكن أن يكون مصيره إلا السقوط الأخلاقي أولاً، ثم السياسي والحضاري لاحقاً، مهما بدا جباراً في لحظته. هذا الغضب العالمي ليس مجرد رد فعل سياسي عابر؛ إنه ريح التغيير التي تهب عندما تتجاوز القوة المستبدة كل الحدود، إنه الصوت الإنساني الجماعي الذي يعلن «كفى!».
إنه الإعلان على أن الملك «بيبي» دخّل الصهونية في الحيط... وعن فشل ذريع للمشروع الصهيوني في كسب شرعيته الأخلاقية أو قبوله الإنساني، مهما بلغت قوته العسكرية أو دعم القوى العظمى.
هذا الغضب، تحقيق لوعد إلهي نطق به القرآن: أن الظلم لا يدوم، وأن صرخة المظلوم لا تذهب سدى، وأن سُنَّة الله في نصر المظلوم وهزيمة الظالم -مهما طال الزمن- آتية لا ريب فيها.
غزة، برغم جراحها العميقة وأعداد شهدائها المرعبة، تضع العالم أمام مرآته وتدفعه لاختيار موقف لا لبس فيه: إما مع الحياة والكرامة والعدل، أو مع آلة الموت والطغيان والنسيان. وفي هذا الاختيار تكمن بداية النهاية لأي مشروع طاغٍ... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
منذ 11 دقائق
- المدى
يوم عظيم في البيت الأبيض لننتظر النتائج…ترامب: كلمنا أسرعنا في تدمير حماس زادت فرص عودة المُحتجزين
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلسلة تصريحات من البيت الأبيض، حيث شدّد على أنّ 'كلما جرى الإسراع في مواجهة حماس وتدميرها، زادت فرص النجاح في استعادة الرهائن المحتجزين'، مؤكداً أنّه 'لن تكون هناك عودة لهم إلا بعد الحسم ضد الحركة'. وقال ترامب: 'أنا من فاوض وحرّر مئات الرهائن وأطلق سراحهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة'، مضيفاً: 'تذكّروا أنّني أنهيت 6 حروب خلال 6 أشهر فقط، ودمّرت المنشآت النووية الإيرانية'. وأردف: 'أمامنا يوم حافل في البيت الأبيض مع القادة الأوروبيين، لم يشهد من قبل هذا العدد الكبير من القادة في وقت واحد، وسنرى ما ستكون عليه النتائج'. وأشار ترامب الى ان البيت الأبيض لم يشهد أبدا هذا العدد من القادة الأوروبيين معا وهو يوم عظيم في البيت الأبيض .. لننتظر النتائج، وأضاف: أمامنا يوم حافل في البيت الأبيض مع القادة الأوروبيين. ولفت ترامب الى انه كلمنا أسرعنا في تدمير حماس زادت فرص عودة المُحتجزين ولن نرى عودة للمُحتجزين المتبقين إلا بعد مواجهة حماس وتدميرها.


الرأي
منذ 19 ساعات
- الرأي
الجيش الإسرائيلي يقرّ خطة المرحلة التالية للحرب... ويستعد لنقل سكان غزة جنوباً
- زامير يُلمح إلى توسيع الحرب في المنطقة مجدداً: المعركة الحالية ليست موضعية خرج عشرات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع، مطالبين بإنهاء الحرب، وإبرام اتفاق لإعادة الرهائن، في حين أقر جيش الاحتلال، خطة المرحلة التالية للحرب، وبدأ تحضيراته لتهجير الفلسطينيين من مدينة غزة إلى الجنوب، في خطوة وصفت بأنها جزء من خطة أوسع لإعادة احتلال القطاع بالكامل، والتي تواجه رفضاً وانتقادات دولية واسعة. وبدأ تنفيذ الخطة صباح اليوم، مع إعلان الجيش توفير خيام ومعدات إيواء للمهجرين عبر معبر كرم أبوسالم، بزعم نقلها بواسطة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة. ووصف رئيس الأركان إيال زامير، مخطط احتلال مدينة غزة بأنه مرحلة أخرى لعملية «عربات جدعون» العسكرية، التي أعلن قبل أسبوع أنها وصلت إلى نهايتها. وقال خلال جولة في القطاع، «سنشن قريباً المرحلة القادمة لعملية عربات جدعون، وفي إطارها سنعمق استهداف حماس في مدينة غزة حتى هزيمتها». وعلى عكس التقارير التي أكدت فيها وسائل إعلام ومحللون عسكريون فشل «عربات جدعون»، إلا أن زامير ادعى، أن هذه العملية «حققت غاياتها، وحماس لا تملك اليوم القدرات نفسها التي كانت لديها قبل العملية، واستهدفناها بشدة. وواجب الجيش إعادة المخطوفين، الأحياء والأموات، على حد سواء». وشرح زامير خلال لقائه قادة كتائب وألوية ميدانية خطط الجيش لاستمرار الحرب. وقال وفقاً لبيان صادر عن الناطق العسكري، «نصادق اليوم (الأحد) على خطة المرحلة القادمة في الحرب. وكما كان في العمليات العسكرية الأخيرة، في إيران واليمن ولبنان ويهودا والسامرة وغزة، فإننا سنستمر في تغيير الواقع الأمني». وتابع «سنعمل بموجب إستراتيجية ذكية ومدروسة ومسؤولة. وسيستخدم الجيش قدراته في الجو والبحر من أجل استهداف حماس بقوة بالغة». وألمح زامير إلى توسيع الحرب في المنطقة مجدداً، وقال إن «المعركة الحالية ليست موضعية، وهي دعامة أخرى في خطة طويلة المدى ومخطط لها، من خلال رؤية متعددة الجبهة لاستهداف كل مُركبات المحور وفي مقدمتها إيران». نقل سكان القطاع إلى الجنوب وأعلن جيش الاحتلال، انه سيزود سكان القطاع بخيام ومعدات إيواء، استعدادا لنقلهم من مناطق القتال إلى جنوب القطاع «حفاظاً على أمنهم». وقال الناطق أفيخاي أدرعي، «سيتم نقل المعدات عن طريق معبر كيرم شالوم (كرم أبوسالم) بواسطة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية بعد خضوعها لتفتيش دقيق من قبل أفراد سلطة المعابر البرية التابعة لوزارة الدفاع». وأحجم عن التعليق عندما سُئل عما إذا كانت معدات الإيواء مخصصة لسكان مدينة غزة الذين يقدر عددهم بنحو مليون نسمة، في الوقت الحالي، وما إذا كان الموقع الذي سيُنقلون إليه هو منطقة رفح. وعبر ناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن قلقه بسبب خطط إسرائيل لنقل الأشخاص إلى الجنوب، قائلاً إن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة المعاناة. من جانبها، وصفت حركة «حماس»، خطط نقل سكان مدينة غزة بأنها «موجة جديدة من الإبادة الوحشية وعمليات التهجير الإجرامي». لمئات الآلاف من سكان مدينة غزة والنازحين إليها. وأضافت في بيان«تترافق خطوات ومحاولات... نتنياهو وحكومته لتهجير شعبنا واقتلاعه من أرضه مع الكشف الصريح عن نواياه الحقيقية بإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى». وذكرت حركة «الجهاد الإسلامي»، أن إعلان «جيش الاحتلال عن إدخال خيام إلى جنوب قطاع غزة، في إطار هجومه الوحشي لاحتلال مدينة غزة هو استهزاء فجّ ووقح بالمواثيق الدولية وامتهان صارخ لما يسمى بالمؤسسات الأممية التي تدّعي أنها وُجدت لحماية المدنيين وضمان حقوق الشعوب تحت الاحتلال». الاحتجاجات تعم إسرائيل في موازاة ذلك، عمت الاحتجاجات المدن الإسرائيلية، منذ الفجر، للمطالبة بوقف الحرب وإعادة الرهائن والتراجع عن قرار توسيع العمليات. وأغلق المتظاهرون الطرق، بما في ذلك طريق سريع رئيسي في تل أبيب، ملوحين بالأعلام الإسرائيلية وأعلام صفراء ترمز إلى التضامن مع الأسرى. ودعا المتظاهرون ومنتدى عائلات الرهائن والمحتجزين إلى إضراب شامل في كل أنحاء إسرائيل. واستجابت محلات تجارية في كل من القدس وتل أبيب للدعوة وأغلقت أبوابها. وجاء في بيان لمنتدى عائلات الرهائن والمحتجزين«مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين سيوقفون العمل بنداء واحد واضح: إعادة الخمسين رهينة، وإنهاء الحرب». وبالإضافة إلى 49 رهينة محتجزين منذ هجوم«حماس»، يطالب المتظاهرون باستعادة جثمان جندي قُتل في العام 2014 ومحتجز لدى «حماس». وفي تل أبيب، وصل الرئيس إسحاق هيرتسوغ إلى أحد التجمعات الاحتجاجية وأكد«نريد عودتهم (الرهائن) في أسرع وقت ممكن»، داعياً إلى ممارسة مزيد من الضغط الدولي على حماس. وادعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع حكومي، إن «أولئك الذين يدعون اليوم إلى إنهاء الحرب من دون هزيمة حماس، لا يتسببون بتشديد موقف حماس ويبعدون تحرير مخطوفينا فحسب، وإنما هم يضمنون أن 7 أكتوبر (2023) ستكرر نفسها وسنضطر إلى القتال في حرب من دون نهاية». واعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إن الاحتجاجات هي «حملة سيئة تلعب في صالح حماس». واعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن الدعوة إلى الإضراب «فشلت». ورأى في منشور عبر «تلغرام» أن الإضراب «يقوي حماس ويستبعد إمكان عودة الرهائن». في المقابل، رفض زعيم المعارضة يائير لابيد اتهامات الوزيرين وخاطبهما متسائلاً «الا تخجلان؟ لا أحد عزز (من وجود) حماس أكثر منكم». واعتبر أن«الشيء الوحيد الذي سيُضعف حماس هو إسقاط هذه الحكومة الفاسدة والفاشلة». إلى ذلك، عززت الشرطة قواتها في أنحاء إسرائيل، وأكدت إنها لن تتسامح مع أي«إخلال بالنظام العام». وذكرت في بيان أنها أوقفت «38 شخصا بعد الإخلال بالنظام العام».


الرأي
منذ 19 ساعات
- الرأي
الملك «بيبي»... دخّلهم في الحيط!
لطالما نظرنا، وكما تعلمنا وورثنا من المسيري -رحمه الله- في منهجنا التحليلي، إلى الصهيونية ليس كحركة «تحرر قومي» كما تزعم، بل كظاهرة استعمارية استيطانية حديثة، تجسد أقصى درجات «العلمانية الشاملة» التي تختزل الإنسان والأرض في معادلات مادية قابلة للتملك والإزاحة... واليوم، نلمس تجلياً صارخا لهذه الحقيقة في غزة، حيث تُختبر الإنسانية كل يوم، وتنفجر موجة غضب عالمي غير مسبوقة تُزلزل أركان الخطاب الصهيوني وأساطيره التأسيسية. غزة التي تحولت إلى مسلخ الحداثة المادية الصهيونية، وأرقامها التي تشي بانهيار الأخلاق، حيث لا يمكن فهم الغضب العالمي إلا من خلال تشريح الواقع المادي الذي تفرضه آلة الحرب الصهيونية. رقم مرعب يتجاوز 62 ألف شهيد، وفق أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة (مع التأكيد على استمرار ارتفاع الرقم بشكل يومي مروع). هذا الرقم ليس إحصاء مجرداً، بل هو شاهد حي على اختزال الإنسان الفلسطيني إلى «عائق ديموغرافي» في المعادلة الصهيونية الميكانيكية. وطفولة مذبوحة على مذبح التوسع، بما يقارب 20 ألف طفل قضوا نحبهم تحت القصف والدمار ليكونوا ضحايا وشهداء «المنطق الأمني» الصهيوني الذي يرى في كل طفل فلسطيني تهديداً مستقبلياً، تجسيداً للرؤية العنصرية التي تحول البشر إلى أرقام في معادلة السيطرة. شباب أُزهقت أحلامهم... عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا يمثلون مستقبل المجتمع، سُحقوا تحت أنقاض بيوتهم وجامعاتهم وتدمير ممنهج للبنية الديموغرافية والاجتماعية، سياسة قديمة متجددة للاستعمار الاستيطاني. ليس ذلك فقط، بل عجائز وذوو إعاقة استهدافوا بشكل متعمد للهشاشة والضعف وآلاف المسنين وذوي الإعاقة (بالآلاف) لقوا حتفهم عطشاً أو جوعاً أو تحت الأنقاض، عاجزين عن الفرار. هذا ليس «ضرراً جانبياً»، بل هو تعبير عن اللامبالاة الأخلاقية المطلقة التي تولدها أيديولوجيا تضع «أمن» المستوطن فوق حياة «الآخر» كلياً. هذه الأرقام الكارثية، المصحوبة بصور الدمار الشامل وحصار الغذاء والدواء، أحدثت شرخاً عميقاً في الرواية الصهيونية السائدة لعقود حيث انهيارت سردية احتكار «معاداة السامية» وبات الغضب موجهاً بوضوح نحو المشروع الصهيوني وممارساته، وليس نحو اليهودية كدين أو جماعات يهودية عالمية... الحمد لله لقد تم تفكيك هذه الآلية الدفاعية التي طالما استُخدمت لإسكات النقد. كذلك فضح «الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة، والممارسات الوحشية كشفت زيف ادعاءات «القيم الديمقراطية والأخلاقية» التي تتستر بها إسرائيل، أمام عجز غربي واضح عن محاسبتها، مما أثار سخطاً حتى داخل المجتمعات الغربية. بعيداً عن الذين هم مع «حماس» أو ضدها في ما فعلت، فقد تحولت غزة إلى رمز عالمي للمقاومة ضد الظلم والتظاهرات المليونية من طوكيو إلى نيويورك، تحركات المجتمع المدني، مواقف دول الجنوب، وحتى التمرد داخل المؤسسات الغربية - كلها دلائل على صحوة أخلاقية تعترف بإنسانانية الفلسطيني المُسْتَبَاح... قبل حماس وبعدها... في غزة وفي الضفة وفي والأحلام. لقد ساهمت وسائل التواصل في كسر حصار الإعلام، فالعالم يرى -مباشرة- فظائع كان يتم إخفاؤها أو تبريرها، مما ولّد تعاطفاً غير مسبوق وحملاً دولياً على حكومات تتواطأ صمتاً أو دعماً... انتهت اللعبة! ها هنا نصل إلى لب الرؤية التي تزاوج بين التحليل المادي العميق والإيمان بالسنن الإلهية في الخلق حيث يقول تعالى في محكم كتابه: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» (الإسراء). الطغيان في الأرض -ممثلاً هنا في المشروع الصهيوني بآلته العسكرية الوحشية وأيديولوجيته الاستعلائية- لا يمكن أن يكون مصيره إلا السقوط الأخلاقي أولاً، ثم السياسي والحضاري لاحقاً، مهما بدا جباراً في لحظته. هذا الغضب العالمي ليس مجرد رد فعل سياسي عابر؛ إنه ريح التغيير التي تهب عندما تتجاوز القوة المستبدة كل الحدود، إنه الصوت الإنساني الجماعي الذي يعلن «كفى!». إنه الإعلان على أن الملك «بيبي» دخّل الصهونية في الحيط... وعن فشل ذريع للمشروع الصهيوني في كسب شرعيته الأخلاقية أو قبوله الإنساني، مهما بلغت قوته العسكرية أو دعم القوى العظمى. هذا الغضب، تحقيق لوعد إلهي نطق به القرآن: أن الظلم لا يدوم، وأن صرخة المظلوم لا تذهب سدى، وأن سُنَّة الله في نصر المظلوم وهزيمة الظالم -مهما طال الزمن- آتية لا ريب فيها. غزة، برغم جراحها العميقة وأعداد شهدائها المرعبة، تضع العالم أمام مرآته وتدفعه لاختيار موقف لا لبس فيه: إما مع الحياة والكرامة والعدل، أو مع آلة الموت والطغيان والنسيان. وفي هذا الاختيار تكمن بداية النهاية لأي مشروع طاغٍ... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.