
القاهرة تواجه طلب ترامب المرور مجاناً في قناة السويس بتجاهل رسمي.. مصادر: عرقلة السفن الصينية هدف واشنطن الرئيسي
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً واسعاً في مصر، مع دعوته إلى السماح لسفن بلاده الحربية والتجارية بالمرور بقناة السويس مجاناً دون دفع رسوم، ما عبّر عن تحرش أميركي بالسيادة المصرية لا يقل خطورة عن دعم مخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.
وكشفت مصادر عسكرية ودبلوماسية وسياسية لـ"عربي بوست" أن القاهرة لن ترد رسمياً، وأن الردود الشعبية الصاخبة تُعد بمثابة رد يمثل الدولة المصرية ومواطنيها ضد ما يمكن وصفه بـ"البلطجة الأميركية".
وأنه في حال أعادت أمريكا طلبها بشكل رسمي، فإن القاهرة ستعبّر عن رفضها القاطع لمثل هذا التوجه، فيما يمكن الذهاب إلى عودة بعض الامتيازات التي كانت تُقدَّم للولايات المتحدة في السابق، شريطة استقرار العلاقات بين البلدين بشكل كبير وعدم تعريض المصالح المصرية للخطر.
ودعا ترامب عبر منصة "تروث سوشيال" إلى السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور عبر قناتي بنما والسويس بحرية، وأكد تكليفه وزير خارجيته ماركو روبيو "التعامل مع الوضع على الفور"، زاعماً أن "هاتين القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأميركية".
وتبع هذه التغريدة دعم مستشاره للأمن القومي مايك والتز، عبر تدوينة أعاد فيها تصريحات الرئيس الأميركي، وعلّق عليها قائلاً: "لا ينبغي لأميركا أن تدفع مقابل استخدام القناة التي نحميها".
وتوالت ردود الفعل المصرية عقب هذه التغريدات، والتي جاءت من كافة الأحزاب والقوى السياسية، بما فيها المعارضة، وكذلك البرلمان والعديد من الهيئات، وتوافق الجميع على رفض مثل هذه الدعوات وعدم التجاوب معها.
كلام جد قبل ان يتراجع #ترامب عن تصريحاته كالعاده :
١- لا دور لأمريكا على الإطلاق فى حفر او تشغيل او حماية #قناه_السويس
٢- من الواضح ان ترامب لا يعرف الفارق بين #قناة_السويس و #بنما
٣- الرسوم تفرض بقانون دولى رغم ان ترامب لا يحترم ذلك
٤- المساعدات التى تقدمها #امريكا لمصر لم… https://t.co/nlBISFShgq— Lamees elhadidi (@lameesh) April 26, 2025
ضغط على القاهرة لكي لا تكون شريكة في المشروع الصيني
قال مصدر عسكري مصري لـ"عربي بوست" إن حديث الرئيس الأميركي يأتي في إطار "البلطجة السياسية" التي تتماشى مع رغبته في تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والتجارية من دول منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أن ذلك يُعد سياسة عامة لترامب ذو الخلفية التجارية، والقاهرة لا يمكن أن ترضخ لمثل هذه الضغوط، وترى أنه من الأفضل تجاهلها وعدم منحها اهتماماً يُذكر، وأن طرح الفكرة على الدوائر الرسمية سيكون مصحوباً بموقف قوي ورافض لمثل هذه المطالب.
وأوضح أن المصالح الأميركية في مصر والمنطقة العربية تبقى أكبر من مجرد الحديث عن مرور السفن مجاناً عبر قناة السويس، وأن القاهرة لديها دوائر تأثير عديدة يمكن استخدامها حال أصرت الولايات المتحدة على مطالبها.
وأضاف أنه سيكون من الصعب الدخول في توترات سياسية في وقت تتمتع فيه قناة السويس بقوانين عمل مصرية ودولية أيضاً، وأن التوجه للسبل القانونية سيكون في صالح الدولة المصرية التي تلتزم بتنفيذ قوانين الممرات البحرية، ومن الصعب أن تكون هناك امتيازات مجانية لدولة على حساب دول أخرى صديقة أيضاً.
ولفت إلى أن الموقف الأميركي لديه أبعاد أكبر من مسألة مرور السفن مجاناً، ويرتبط برغبة أميركية في قطع الطريق على الصين التي تنفذ طريق الحرير، وتعد قناة السويس إحدى ممراته البحرية.
وقال إن ترامب يضغط لكي لا تكون القاهرة شريكة في المشروع الصيني، والذي يمكن أن يأتي بعوائد اقتصادية مهمة لمصر حال ساهم في تنشيط حركة الملاحة الراكدة بقناة السويس منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.
وأشار إلى أن ممارسة ضغوط تجارية على القاهرة لصالح الأهداف الأميركية في المنطقة لن يكون مجدياً، وأن الدولة المصرية تنفتح على التعاون مع القوى العظمى في العالم دون أن تنحاز بشكل مباشر لأي من الأطراف.
وشدّد على أن القاهرة ترى في حديث ترامب استخفافاً بقدرات الدولة المصرية، وبالتالي ليس من المتوقع أن تذهب في طريق الرد المباشر عليه، كما أن الدولة المصرية لديها من القدرات العسكرية ما يجعلها قادرة على حماية مصالحها في البحر الأحمر وقناة السويس دون الحاجة إلى مساعدة أميركية.
عسكرة البحر الأحمر ليست في صالح القاهرة
تُعتبر قناة السويس أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب بالمقارنة مع رأس الرجاء الصالح، حيث إن طريق القناة يُقلل المسافة بين موانئ الشمال والجنوب، ويوفر الوقت واستهلاك الوقود وتكاليف تشغيل السفينة، وتربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وتُعد أحد أهم مداخيل الاقتصاد المصري من العملة الأجنبية.
ويمر عبر قناة السويس نحو 10% من حجم التجارة العالمية، لكن ذلك تراجع منذ اندلاع الحرب في غزة نهاية عام 2023، وفقدت القناة قرابة 60% من العائدات المحققة في وقت كان يُعوّل فيه الاقتصاد المصري كثيراً على إيرادات قناة السويس لدعم الموارد الدولارية في ظل وجود التزامات دولية على مصر.
افتُتحت القناة عام 1869، لتُصبح شرياناً ملاحياً حيوياً يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ويختصر المسافات البحرية بشكل كبير. وفي عام 1956، قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميمها، ما أدى إلى حرب العدوان الثلاثي في العام نفسه، التي شهدت تدخل قوى أجنبية في الشأن المصري، ومحاولة للسيطرة على هذا الممر الحيوي.
وقال مصدر دبلوماسي مصري إن الولايات المتحدة لا يحق لها الإقدام على مثل هذا الطلب، وأنها لم تكن شريكة في حفر القناة في وقت كانت الحرب الأهلية ما زالت مستمرة هناك، كما أن القاهرة لم تطلب منها حشد أسطولها البحري في البحر الأحمر لمواجهة الحوثيين في اليمن.
وقال إن التواجد الأميركي الحالي ليس في صالح القاهرة، التي ترفض مبدأ عسكرة البحر الأحمر، وترى أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً في الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة، ومن ثم توقف الهجمات الحوثية على السفن الإسرائيلية، ما يدعم عودة حركة الملاحة إلى سابق عهدها.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الصراع الحالي بين الحوثيين والولايات المتحدة لا علاقة للقاهرة به، وأن ما يذهب إليه ترامب يهدف من خلاله إلى الضغط على القاهرة عبر عدة ملفات، بينها عرقلة التقارب المصري الصيني ووجود أوراق عديدة يمكن تحريكها في الوقت المناسب.
وذلك للضغط في ملف تهجير الفلسطينيين، إلى جانب تسهيل مهمة الولايات المتحدة نحو السيطرة على ممرات الملاحة البحرية، بحسب أهداف الإدارة الحالية، وهو ما يشي بأن الدعوة تأتي لتحريك بعض المياه قبل الجلوس على طاولة تفاوض مع القاهرة بشأن هذه الملفات.
ولفت إلى أنه من غير الممكن السماح بمرور السفن الأميركية مجاناً، رغم أن القاهرة سبق أن قدمت امتيازات للسفن الأميركية في العبور، سواء فيما يتعلق بسرعة المرور أو تقديم مزيد من الخدمات، ومن الممكن العودة إليها مرة أخرى شريطة أن يكون هناك تقارب كبير في الملفات المشتركة بين البلدين، وليس من الممكن أن تستمر الولايات المتحدة في دعم تهجير الفلسطينيين، ثم تقوم القاهرة بمنحها امتيازات تجارية.
وذكر أن القاهرة تتعامل مع تصريحات الرئيس الأميركي في إطار سياسي تجاري، إذ إن الإدارة الحالية تسعى إلى أن تحصل على نظير ما تُقدّمه لحلفائها من خدمات، وهناك رؤية أميركية بأن القاهرة لم تقم بدورها في التعامل مع خطر الحوثيين، وبالتالي قامت هي بالتعامل، في ظل رفض مصر المشاركة في عملية "حارس الازدهار" التي انطلقت قبل عامين تقريباً.
وأضاف أنه ليس مبرراً قبول مرور السفن مجاناً، كما أن مصر لم تطلب المساعدة، وهناك قناعة بأن إسرائيل هي من تسببت في عسكرة البحر الأحمر بإصرارها على استمرار الحرب.
وأكد أن تعاطي الإدارة الأميركية الحالية مع الملفات الخارجية فيه الكثير من القصور، وفي كثير من المرات يضطر الرئيس ترامب إلى التراجع عن سياساته، كما أن التواصل مع متخذي القرار يبقى فيه صعوبة.
وقال إن القرار الأخير مثلاً لم يصدر بشكل رسمي من المؤسسات الأميركية التقليدية التي لديها تواصل مباشر مع مصر في ملفات مختلفة، ويبقى الأمر مجرد رؤية للرئيس قد تكون قابلة للتطبيق أو غير قابلة، وهو ما يُفسّر الصمت الرسمي المصري.
تفكك العلاقات يعرض المصالح الأميركية للخطر
أعلن ترامب في منتصف الشهر الماضي، عن إطلاق عمل عسكري "حاسم وقوي" ضد الحوثيين، قائلاً: "سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا"، متهماً الحوثيين بتهديد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
وعلى مدى الأشهر الماضية، وحتى قبل توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، صعّد ترامب الضغط على بنما، متوعداً بـ"استعادة" القناة التي بنتها الولايات المتحدة وافتُتحت عام 1914، وظلت تحت السيادة الأميركية حتى عام 1999، وذلك في مواجهة ما اعتبره "نفوذاً صينياً متصاعداً في القناة"، وهو ما نفته الصين، لكن هذه المرة الأولى التي يتطرق فيها إلى قناة السويس.
وتُدار قناة السويس وفق نظام قانوني معترف به، يستند إلى اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، إضافة إلى قرار رئيس الجمهورية عام 1975، وجميعها تؤكد سيادة مصر على القناة.
ويشرح مصدر دبلوماسي متخصص في الشأن الأميركي أن القاهرة دائماً ما تتعامل مع الضغوط الأميركية بمزيد من التعاون والتنسيق، وليس الصدام المباشر، والدليل على ذلك أن النظام المصري واجه مطالب الرئيس الأميركي بتهجير الفلسطينيين بتقديم طرح سياسي مقابل يقوم على إعادة إعمار قطاع غزة، دون أن تصل الأمور إلى الصدام، بخاصة مع إقدام وزير الخارجية بدر عبدالعاطي على زيارة الولايات المتحدة أثناء سخونة الأزمة، وهو ما سيتم تكراره بالنسبة لمطالب المرور المجاني عبر قناة السويس.
وأكد وجود حرص مشترك من الجانبين على أن تكون العلاقات على مستوى استراتيجي كما هي الآن، وأن توازنات السلام في المنطقة قائمة على العلاقات المصرية الأميركية الإسرائيلية، وفي حال تفككها فإن المصالح الأميركية ستتعرض للخطر.
كما أن المنطقة ستدخل في موجات أكبر من الفوضى، ليس محلها الآن، في وقت تحاول فيه إدارة ترامب تحجيم الصين اقتصادياً، كما أن قبول القاهرة بما يذهب إليه ترامب يعني أن النظام المصري قد تنازل عن أحد أبرز إنجازات النظام الجمهوري، والذي يستمد منه الشرعية منذ إنهاء الاحتلال البريطاني والحصول على الاستقلال.
وذكر أن القاهرة تعي جيداً أن هناك أطماعاً أميركية غربية في قناة السويس، وبالتالي فهي تفوّت الفرصة على أي ذرائع يتم اتخاذها للتأثير سلباً على المجرى الملاحي العام، بل إنها تصل في ذلك إلى حد التنسيق مع الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، لكي لا تترك منافذ يمكن أن توظفها الولايات المتحدة لعسكرة المنطقة لصالحها، وتضغط على السودان بشأن إقامة القاعدة الروسية على أراضيها.
وكذلك تعمل بشكل مستمر على تطوير القناة وتوسعتها، ويظهر ذلك منذ حادث سفينة الحاويات العملاقة "إيفر غيفن" التي علقت في القناة لمدة ستة أيام، وكان هناك ترجيحات غربية بعدم قدرة القاهرة على حل تعويمها قبل شهر على الأقل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 4 ساعات
- إيطاليا تلغراف
جولة ترامب ومستقبل فلسطين
إيطاليا تلغراف نشر في 20 مايو 2025 الساعة 6 و 35 دقيقة إيطاليا تلغراف غازي العريضي وزير ونائب لبناني سابق. مع كلّ انتخابات رئاسية أميركية، وانشغال العالم بنتائجها وانعكاساتها في التوازنات الدولية والإقليمية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً، والعلاقات بين الكبار، كنت أقول: 'ما يعنينا في المنطقة موقف الرئيس الأميركي من فلسطين وقضيتها، وحقّ شعبها في إقامة دولته في أرضه، والعيش بحرية وأمان واستقرار'. اليوم، ومع كلّ الضجّة التي رافقت زيارة دونالد ترامب التاريخية بعض دول الخليج، وما حظيت به من اهتمام دولي وإقليمي واسع، يبقى الثابت فلسطين وقضيتها ومصيرها. عندما احتلّ صدّام حسين الكويت، ورُكّب تحالفٌ دوليٌّ بقيادة الولايات المتحدة لطرد الاحتلال العراقي، خرجتْ نظرية تقول: 'جاء الأصيل أميركا، وانتهى دور الوكيل إسرائيل'. كانت وجهة نظري أنه لا يجوز الوقوع في هذا الخطأ في قراءتنا الاستراتيجية المعادلة في المنطقة. لقد جاء الأصيل لتثبيت وتدعيم وتعزيز دور الوكيل وحمايته. وهذا ما جرى. اليوم جاء ترامب، قال ما قاله، فعل ما فعله، غادر محمّلاً بأربعة آلاف مليار دولار، فاجأ العالم بقرارات، وأكّد توجّهات، ورسم ملامح منطقة جديدة وتوزيع الأدوار فيها. حقّق الآتي: الإنجاز الكبير بلقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي خرج بعده ليشيد بوسامته وقوته وتاريخه القوي (وكان يتّهمه بالإرهاب)، والأكثر أهمية، ليعلن رفع العقوبات عن سورية. هذه خطوة متقدّمة من ترامب، بعد أن طلبها منه كلٌّ من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وولي العهد السعودي محمّد بن سلمان. خطوة ستكون لها نتائجا الكبيرة على مجمل الواقع السوري الداخلي والمنطقة. إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية خطوة متقدّمة ستكون لها نتائجها الكبيرة على مجمل الواقع السوري الداخلي والمنطقة أكّد ترامب الإصرار على الذهاب إلى الآخر، في محاولته الوصول إلى اتفاق مع إيران حول مشروعها النووي، وعدم رغبته في الذهاب إلى الحرب. وكان قد عقد اتفاقاً مع الحوثيين في اليمن (يعني مع إيران عملياً) يقضي بوقف العمليات العسكرية بينهم وبين واشنطن، مؤكّداً أن 'موقفه يقف عند حدود عدم تعريض حياة أيّ جندي أميركي للخطر'. وكما هو معلوم، فاجأ قراره نتنياهو، لأن الاتفاق لا يشمل وقف العمليات العسكرية الحوثية ضدّ إسرائيل. جاء القرار بالتزامن مع التقدّم في المفاوضات الإيرانية الأميركية، ومحاولة الإسرائيلي تخريبها. ومن قطر، خاطب ترامب إيران: 'على إيران شكر أمير دولة قطر شكراً عظيماً فآخرون يودون أن نوجه ضربة قاسية لإيران على عكس قطر'، مضيفاً 'إيران محظوظة بأن يكون في قطر أمير يكافح من أجل عدم توجيه ضربه لهم'. وهي إشارة لها دلالات كثيرة في ظلّ الانتقادات والاتهامات التي كان نتنياهو وأركان حكومته يوجّهونها إلى قطر ودورها. تحدّث الرئيس ترامب عن تركيا ودورها، وتأثيرها، وعلاقته بالرئيس أردوغان، الذي شارك في اللقاء الذي جمعه مع محمّد بن سلمان والشرع. ماذا يعني ذلك كلّه؟… منذ بدايات الحراك العربي، كنا نقول إن دولاً ثلاثاً غير عربية تقرّر مصير العرب، والأخيرين خارج المعادلة ودائرة القرار، إيران وتركيا وإسرائيل. اليوم دخلت السعودية بدور فيه مسؤولية كبيرة، هي تحتضن سورية وترعاها، هي مع لبنان (بشروطها طبعاًُ)، وتريد أن تكون فلسطين وقضيتها معها، خصوصاً بعد تسمية حسين الشيخ نائباً للرئيس محمود عبّاس. نحن إذاً أمام محاولة تشكيل منطقة جديدة تُحدَّد فيها أدوار اللاعبين المذكورين على قاعدة تقسيم مناطق النفوذ. ومع دفاتر الشروط المطروحة، والملازمة لرفع العقوبات هنا، وفتح الباب هناك (لبنان)، ستشهد ولادة هذه المنطقة توتّراتٍ لتسديد الفواتير، وترتيب الأوضاع في سورية ولبنان، ولكن ماذا عن فلسطين وهي القضية الأمّ؟ يخطئ كثيراً من يبني حساباته على أساس أن ثمّة خلافاً جوهرياً بين ترامب ونتنياهو. يزور ترامب إسرائيل أو لا يزورها خلال جولته، الأمر ليس مهمّاً. الأكثر أهميةً أنه لم يُجرِ اتصالاً بملك الأردن ورئيس مصر، ولم يُدعَ اثناهما إلى المشاركة في جانب من أعمال القمّة الخليجية التي عقدت مع ترامب أو في لقاءات منفردة. ومعروفة الضغوط التي تمارس على البلدَين كليهما لاستقبال الفلسطينيين من غزّة، والضفة الغربية لاحقاً، وبالتالي تدمير القضية الفلسطينية. ورغم بعض الكلام الذي صدر خلال محطّات الزيارة عن دولة فلسطينية أو مبادرة عربية عام 2002، وقراراتها، فلا مكان لذلك في أرض الواقع. ثمّة اتفاق تامّ بين ترامب ونتنياهو على مصير غزّة في المرحلة الأولى للوصول إلى الضفة في المرحلة الثانية. غادر الرئيس الأميركي إلى بلاده فخوراً بأنه يحمل أربعة آلاف مليار دولار، ستوفّر ملايين فرص العمل للأميركيين على مدى سنوات، وستنعش الاقتصاد، وأهل غزّة يتضوّرون جوعاً بشكل مذلّ، ولا يستطيع أحد إدخال ماء أو موادّ غذائية أو طبّية إليهم. أحسن إليهم ترامب ببعض الكلام حول إدخال الطحين والمطابخ المتنقّلة، في وقتٍ ترتفع أصواتٌ داخل الكونغرس، وفي دول العالم، عن 'العار الكبير بحقّ الإنسانية'، في توصيف هذا المشهد. يضاف إلى ذلك (وهنا الأساس) أن نتنياهو أمر بتوسيع العمليات العسكرية لاحتلال غزّة، وقد حصدت مئات من الشهداء والجرحى خلال أيام. والسلطات العسكرية الإسرائيلية تحتل أكثر وتتوسّع أكثر في الضفة، ولا أحدَ يستطيع التأثير، ووقف هذه المجازر المفتوحة، بل تمّ تمرير خبر مهمّ من أميركا يقول: 'إدارة ترامب تعمل في خطّة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا'. غادر ترامب المنطقة بأربعة آلاف مليار دولار، ستوفّر ملايين فرص العمل للأميركيين، وأهل غزّة يتضوّرون جوعاً، ولا يستطيع أحد إدخال ماء أو موادّ غذائية أو طبّية إليهم جاء الإعلان بعد ساعات من اندلاع اشتباكات مفاجئة في العاصمة الليبية، ونقل طائرات من المطار، واتخاذ إجراءات لحماية مؤسّسات معيّنة، واستقالة عدة وزراء، وهذا كلّه تمهيد لضغوط (أو خطوات) لتنفيذ قرار تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا، إضافة إلى عدة دول أفريقية أعلنها ترامب من دون أن يسمّيها. وقال: 'القطاع يعدّ منطقة ذات أهمية كبرى من الناحية العقارية. أقترح نقل السكّان من القطاع إلى دول أخرى مستعدّة لاستقبالهم. ستكون منطقة حرية بدلاً من مكانٍ يموت فيه الجميع ويشبه الجحيم. مستوى القتل في غزّة مذهل. ولا يمكن أن يستمرّ طويلاً'. هل ثمّة أوضح من ذلك؟ إصرار على اعتبار غزّة منطقةً عقاريةً ولا بدّ من تهجير أهلها لإقامة الريفييرا فيها. من يقتل في غزّة؟ من يدير الجحيم؟ من يرتكب الإبادة الجماعية؟… الجواب بألسنة رؤساء دول ووزراء وسياسيين من العالم أجمع يدين ما تفعله إسرائيل، وترامب يؤكّد دعمها في طرد الفلسطينيين من أرضهم، إما الموت جوعاً، أو قتلاً، أو اقتلاعاً من الأرض. فهل تكون هناك منطقة جديدة بأدوار جديدة آمنة ومستقرّة في ظلّ هذا الوضع؟ حتى لو فرض هذا المشروع بعد مخاض دموي كبير وقاس، وخلال وقت معين، فليس في ذلك إنجاز عربي أو دور عربي فاعل ومؤثّر. المعيار فلسطين وأمانتها وثبات أهلها في أرضهم. السابق جولة ترامب ومستقبل فلسطين التالي يكرهون المسلمين ويقتدون بإسرائيل.. ما هي 'الهندوتفا' الهندية؟


إيطاليا تلغراف
منذ 8 ساعات
- إيطاليا تلغراف
الإمارات والولايات المتحدة ترسمان ملامح مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي
إيطاليا تلغراف عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم بايطاليا في مشهد يؤكد عمق العلاقات والتحالفات الراسخة بين الدولتين، شهد قصر الوطن في أبوظبي استقبالاً رسميًا حافلًا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصل إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة دولة هي الأولى له منذ مغادرته البيت الأبيض. زيارة لم تكن محض مجاملة دبلوماسية، بل خطوة مدروسة في سياق إعادة رسم ملامح التعاون الدولي في ظل عالم متغير. صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، استقبل ضيفه الكبير بحفاوة تليق بحجم العلاقة التاريخية التي تربط البلدين. وما ميز هذا اللقاء لم يكن فقط رمزيته السياسية، بل مضمونه الاستراتيجي، حيث تطرقت المباحثات إلى ملفات بالغة الأهمية تمس حاضر المنطقة ومستقبلها. العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج مسار طويل من التنسيق والتعاون في ملفات الأمن، الاقتصاد، التكنولوجيا، والطاقة. غير أن زيارة ترامب الأخيرة جاءت لتضخ دماء جديدة في هذه الشراكة، وتعيد التأكيد على توافق الرؤى بين البلدين، لا سيما في القضايا الكبرى مثل الذكاء الاصطناعي، أمن الطاقة، واستقرار الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تم الإعلان عن تدشين 'مركز بيانات للذكاء الاصطناعي' بسعة هائلة تصل إلى 1 جيجاوات، كمكون أساسي لمجمع ذكاء اصطناعي مشترك بين البلدين، وهو ما يشير إلى توجه الإمارات لبناء اقتصاد معرفي متكامل يرتكز على التكنولوجيا والابتكار. لم تغب الملفات السياسية الإقليمية عن المباحثات، حيث شكل الوضع في غزة والتصعيد المتنامي في المنطقة محورًا أساسيًا في النقاش. أكد سمو الشيخ محمد بن زايد على أهمية تكثيف الجهود الدولية لوقف إطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي القائم على حل الدولتين باعتباره الأساس لتحقيق سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط. وقد أظهر الجانبان توافقًا ملحوظًا حول ضرورة العمل الجماعي متعدد الأطراف لمواجهة التحديات العالمية، لا سيما تلك المتعلقة بالأمن الغذائي والتغير المناخي. تثبت الإمارات، مرة تلو الأخرى، أنها لاعب دولي فاعل يمتلك القدرة على الموازنة بين العلاقات التقليدية والسياسات الديناميكية التي تتطلبها المرحلة الراهنة. فبينما تنفتح أبوظبي على تحالفات جديدة، تحرص على صون صداقاتها التاريخية، وفي مقدمتها العلاقة مع واشنطن. كما أن استقبال دولة الإمارات للرئيس ترامب بهذه الحفاوة، بعد فترة من الغياب عن المشهد الرسمي، يعكس استقلالية القرار الإماراتي في علاقاتها الخارجية، وقدرتها على التعامل مع الشخصيات المؤثرة بغض النظر عن مواقعهم الراهنة، ما يعزز من مكانتها كجسر دبلوماسي بين الشرق والغرب. لقد كانت زيارة ترامب لدولة الإمارات مناسبة لتجديد الالتزام المشترك بالعمل من أجل عالم أكثر استقرارًا وازدهارًا. مأدبة العشاء التي أقامها صاحب السمو رئيس الدولة على شرف الضيف الأميركي، والمراسم التي زينت شوارع العاصمة، لم تكن مجرد طقوس بروتوكولية، بل رسالة واضحة مفادها أن الإمارات لا تستقبل الضيوف… بل تبني معهم المستقبل. إيطاليا تلغراف


إيطاليا تلغراف
منذ 9 ساعات
- إيطاليا تلغراف
بفضل دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .. تعاونية بالنواصر تحول الشغف إلى عمل منتج
إيطاليا تلغراف نشر في 20 مايو 2025 الساعة 11 و 00 دقيقة السابق ما هو 'مشروع إستير' الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟