
صدمة صينية جديدة تعيد تشكيل المشهد التجاري العالمي
اعتبر تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إنه منذ عشرين عاماً، غيّرت «الصدمة الصينية» الأولى ملامح الاقتصاد العالمي.
حدث ذلك عندما تحولت البلاد إلى مصنع العالم عبر إنتاج ضخم وتكاليف منخفضة. واليوم، يواجه العالم موجة ثانية من هذه الصدمة، لكنها تختلف في عمقها وتأثيرها، إذ تتجاوز الاقتصاد لتعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
وبدأت هذه الصدمة الجديدة في ظل توترات تجارية متصاعدة، خاصة بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية على الواردات الصينية. وكنتيجة مباشرة، تراجعت قدرة بكين على النفاذ إلى السوق الأمريكية، فلجأت إلى إعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مثل جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا. وبحسب "نيويورك تايمز"، ارتفع فائض الصين التجاري مع العالم إلى 500 مليار دولار في النصف الأول من 2025، بزيادة 40% عن العام الماضي.
لكن السياسة الأمريكية ليست السبب الوحيد وراء هذا التغير. فداخليًا، تواجه الصين أزمة عقارات خانقة منذ عام 2021، أثّرت سلبًا على ثروات ملايين الأسر. وردًا على ذلك، ضخت الحكومة الصينية أموالًا في القطاع الصناعي لتعويض التباطؤ، مما زاد الإنتاج بشكل غير متوازن مع الطلب المحلي، وأجبر المصانع على تصدير الفائض. في ظل القيود الأمريكية، وجدت هذه السلع طريقها إلى أسواق أخرى، وغزتها بأسعار منخفضة تفوقت على المنتجات المحلية.
زيادة في الحصة العالمية
ووفقًا لـ"ليا فاهي" من "كابيتال إيكونوميكس"، ارتفعت حصة الصين من الصادرات العالمية في معظم القطاعات، مما يصعب على الدول الأخرى منافسة التدفق الصيني. وكانت دول جنوب شرق آسيا من بين أكثر المتضررين. فبينما استفادت بعض هذه الدول من الاستثمارات الأجنبية بديلة عن الصين، فإنها في الوقت ذاته تواجه منافسة شديدة من الواردات الصينية، بل إن بعضها تحول إلى ممر لعبور هذه البضائع إلى الأسواق الأمريكية للالتفاف على الرسوم.
وفي إندونيسيا، فقد حوالي 250 ألف عامل وظائفهم في قطاع النسيج بين عامي 2023 و2024، بسبب انخفاض الطلب على المنتجات المحلية أمام الملابس الصينية الأرخص. وفي تايلاند، أغلق العديد من مصانع السيارات الصغيرة بسبب تدفق السيارات الكهربائية الصينية. أما في البرازيل، فقد طالبت شركات السيارات الحكومة بالتحقيق في شبهات "إغراق" صيني للسوق.
وحتى ألمانيا، القوة الصناعية الأوروبية، بدأت تشعر بالضغط. فقد ارتفعت الواردات الصينية إليها بنسبة 20% في مايو/أيار 2025، وتشعر شركات صناعة السيارات الألمانية بالقلق من هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية.
وكانت الصين قد رفعت إنتاجها بنسبة 45% رغم تباطؤ الطلب المحلي، بينما قفزت صادراتها في هذا القطاع بنسبة 64.6%، مما يعكس سعيها الشديد لتصريف الفائض.
صدمة مزدوجة
وهذه التحولات ليست جديدة بالكامل. منذ عام 2015، تبنّت بكين سياسة "صُنع في الصين 2025" للانتقال نحو الصناعات التقنية مثل أشباه الموصلات والبطاريات والسيارات الكهربائية. لكن ما يميز الصدمة الجديدة هو أن الصين لم تتخلَّ عن الصناعات التقليدية الرخيصة، بل أصبحت تُنافس في كلا الاتجاهين: التكنولوجيا المتقدمة والسلع منخفضة التكلفة. وهذا يضغط بشدة على الاقتصادات النامية، التي كانت تراهن على التدرج الطبيعي لخروج الصين من هذه الصناعات.
هذا التوسع يفرض على الحكومات حول العالم خيارات صعبة. فإما السماح بانهيار الصناعات المحلية أمام المنافسة الصينية، أو اتخاذ تدابير حمائية قد تثير غضب الصين أو الولايات المتحدة. وتقول سونال فارما، من "نومورا"، إن "سلاسل التوريد باتت تنقسم على أسس جيوسياسية"، في إشارة إلى الاستقطاب الحاد في السياسات التجارية.
والخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الخسائر الاقتصادية، بل في احتمال تفكك النظام التجاري العالمي. مع تفكك سلاسل التوريد وتسارع تدفقات البضائع الصينية، وقد تتغير قواعد اللعبة العالمية. فالقرارات التي تُتخذ الآن -سواء في بكين أو واشنطن أو عواصم أخرى- سترسم ملامح الاقتصاد والسياسة الدولية لعقود قادمة.
aXA6IDEwNC4yNTIuNDIuMTMxIA==
جزيرة ام اند امز
IT

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 31 دقائق
- الاتحاد
«داماك» تستثمر 2.3 مليار دولار لتطوير مركز بيانات بإندونيسيا
جاكرتا (الاتحاد) أعلنت شركة «مراكز بيانات إيجنكس من داماك»، التابعة لمجموعة «داماك» إنشاء مركز بيانات متطور من الجيل الجديد المُحسن بالذكاء الاصطناعي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، ليكون المركز الثاني للشركة في هذا السوق الحيوي ويعد هذا المشروع ضمن أبرز مراكز البيانات المعززة بالذكاء الاصطناعي في جنوب شرق آسيا، بقدرة تشغيلية مستقبلية متوقعة تصل إلى 144 ميجاواط واستثمار إجمالي يبلغ 2.3 مليار دولار. وبعد أن استحوذت مجموعة «داماك» على الأرض في شهر مارس 2025 ومع بدء مراحل الأعمال الإنشائية في الموقع، من المتوقع أن يتم تدشين المرحلة الأولى من عمليات المركز بحلول شهر ديسمبر من العام 2026، وسيتضمن تقنيات متطورة وعالية الكثافة معززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يُرسي معايير جديدة كلياً للبنية التحتية الرقمية في تلك المنطقة ويُعد هذا المشروع أحد العناصر الرئيسية في مسيرة التحول الرقمي في إندونيسيا، حيث سيلعب دوراً محورياً في تسريع الانتقال من البنية التقليدية إلى اقتصاد رقمي قوي ومُحسن بالذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من أن إندونيسيا لا تزال تواجه تحديات تتعلق بوجود فجوات على مستوى البنية التحتية الرقمية، وضعف جاهزية الحوسبة السحابية واسعة النطاق، إلى جانب تحديات متزايدة تتعلق بارتفاع زمن الاستجابة، إلا أنها تعد أحد الأسواق الواعدة في جنوب شرق آسيا وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، يأتي هذا المشروع كاستجابةٍ مباشرة للطلب المتزايد على بنية تحتية قابلة للتوسع وموفرة للطاقة.


الاتحاد
منذ 4 ساعات
- الاتحاد
هل ينجو «تيك توك» من الحظر الأميركي؟
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الثلاثاء إنه من المحتمل أن يمدد الموعد النهائي لشركة بايت دانس ومقرها الصين للتخارج من أصولها في الولايات المتحدة بتطبيق المقاطع المصورة القصيرة «تيك توك». وكان أعلن في مايو أنه سيمدد الموعد النهائي الذي ينقضي في 19 يونيو بعد أن ساعده التطبيق في استقطاب الناخبين الشباب في انتخابات 2024. وأكد الأمر في تعليقاته للصحفيين على متن طائرة الرئاسة اليوم الثلاثاء. وقال ترامب عندما سُئل عن تمديد الموعد النهائي «ربما، نعم... ربما يتعين الحصول على موافقة الصين، لكنني أعتقد أننا سنحصل عليها. أعتقد أن الرئيس شي سيوافق في النهاية». ومنح ترامب بالفعل مهلة مرتين لتأجيل تطبيق الحظر الذي فرضه الكونجرس على «تيك توك»، والذي كان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في يناير. وألزم القانون «تيك توك» بالتوقف عن العمل بحلول 19 يناير ما لم تكمل بايت دانس تصفية أصول التطبيق في الولايات المتحدة.


العين الإخبارية
منذ 5 ساعات
- العين الإخبارية
صدمة صينية جديدة تعيد تشكيل المشهد التجاري العالمي
اعتبر تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إنه منذ عشرين عاماً، غيّرت «الصدمة الصينية» الأولى ملامح الاقتصاد العالمي. حدث ذلك عندما تحولت البلاد إلى مصنع العالم عبر إنتاج ضخم وتكاليف منخفضة. واليوم، يواجه العالم موجة ثانية من هذه الصدمة، لكنها تختلف في عمقها وتأثيرها، إذ تتجاوز الاقتصاد لتعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية. وبدأت هذه الصدمة الجديدة في ظل توترات تجارية متصاعدة، خاصة بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية على الواردات الصينية. وكنتيجة مباشرة، تراجعت قدرة بكين على النفاذ إلى السوق الأمريكية، فلجأت إلى إعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مثل جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا. وبحسب "نيويورك تايمز"، ارتفع فائض الصين التجاري مع العالم إلى 500 مليار دولار في النصف الأول من 2025، بزيادة 40% عن العام الماضي. لكن السياسة الأمريكية ليست السبب الوحيد وراء هذا التغير. فداخليًا، تواجه الصين أزمة عقارات خانقة منذ عام 2021، أثّرت سلبًا على ثروات ملايين الأسر. وردًا على ذلك، ضخت الحكومة الصينية أموالًا في القطاع الصناعي لتعويض التباطؤ، مما زاد الإنتاج بشكل غير متوازن مع الطلب المحلي، وأجبر المصانع على تصدير الفائض. في ظل القيود الأمريكية، وجدت هذه السلع طريقها إلى أسواق أخرى، وغزتها بأسعار منخفضة تفوقت على المنتجات المحلية. زيادة في الحصة العالمية ووفقًا لـ"ليا فاهي" من "كابيتال إيكونوميكس"، ارتفعت حصة الصين من الصادرات العالمية في معظم القطاعات، مما يصعب على الدول الأخرى منافسة التدفق الصيني. وكانت دول جنوب شرق آسيا من بين أكثر المتضررين. فبينما استفادت بعض هذه الدول من الاستثمارات الأجنبية بديلة عن الصين، فإنها في الوقت ذاته تواجه منافسة شديدة من الواردات الصينية، بل إن بعضها تحول إلى ممر لعبور هذه البضائع إلى الأسواق الأمريكية للالتفاف على الرسوم. وفي إندونيسيا، فقد حوالي 250 ألف عامل وظائفهم في قطاع النسيج بين عامي 2023 و2024، بسبب انخفاض الطلب على المنتجات المحلية أمام الملابس الصينية الأرخص. وفي تايلاند، أغلق العديد من مصانع السيارات الصغيرة بسبب تدفق السيارات الكهربائية الصينية. أما في البرازيل، فقد طالبت شركات السيارات الحكومة بالتحقيق في شبهات "إغراق" صيني للسوق. وحتى ألمانيا، القوة الصناعية الأوروبية، بدأت تشعر بالضغط. فقد ارتفعت الواردات الصينية إليها بنسبة 20% في مايو/أيار 2025، وتشعر شركات صناعة السيارات الألمانية بالقلق من هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية. وكانت الصين قد رفعت إنتاجها بنسبة 45% رغم تباطؤ الطلب المحلي، بينما قفزت صادراتها في هذا القطاع بنسبة 64.6%، مما يعكس سعيها الشديد لتصريف الفائض. صدمة مزدوجة وهذه التحولات ليست جديدة بالكامل. منذ عام 2015، تبنّت بكين سياسة "صُنع في الصين 2025" للانتقال نحو الصناعات التقنية مثل أشباه الموصلات والبطاريات والسيارات الكهربائية. لكن ما يميز الصدمة الجديدة هو أن الصين لم تتخلَّ عن الصناعات التقليدية الرخيصة، بل أصبحت تُنافس في كلا الاتجاهين: التكنولوجيا المتقدمة والسلع منخفضة التكلفة. وهذا يضغط بشدة على الاقتصادات النامية، التي كانت تراهن على التدرج الطبيعي لخروج الصين من هذه الصناعات. هذا التوسع يفرض على الحكومات حول العالم خيارات صعبة. فإما السماح بانهيار الصناعات المحلية أمام المنافسة الصينية، أو اتخاذ تدابير حمائية قد تثير غضب الصين أو الولايات المتحدة. وتقول سونال فارما، من "نومورا"، إن "سلاسل التوريد باتت تنقسم على أسس جيوسياسية"، في إشارة إلى الاستقطاب الحاد في السياسات التجارية. والخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الخسائر الاقتصادية، بل في احتمال تفكك النظام التجاري العالمي. مع تفكك سلاسل التوريد وتسارع تدفقات البضائع الصينية، وقد تتغير قواعد اللعبة العالمية. فالقرارات التي تُتخذ الآن -سواء في بكين أو واشنطن أو عواصم أخرى- سترسم ملامح الاقتصاد والسياسة الدولية لعقود قادمة. aXA6IDEwNC4yNTIuNDIuMTMxIA== جزيرة ام اند امز IT