
بولندا.. والتوجه الأوروبي صوب «اليمين»
بولندا.. والتوجه الأوروبي صوب «اليمين»
في الأسبوع الماضي نشرت وزارة الخارجية الأميركية مقالاً يدعو إلى حلفاء «حضاريّين» في أوروبا. وتماشياً مع خطاب «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً (ماجا)»، وباسم «الديمقراطية والتراث الغربي»، هاجم المقال حكومات المنطقة وسيادة القانون ولوائحها الخاصة بشركات التكنولوجيا الكبرى .
وبينما فشلت هذه الدعوة في قلب موازين القوى في الانتخابات الأخيرة من كندا إلى ألمانيا، يبدو أنها لقيت صدى واضحاً في بولندا، حيث يوجّه فوز القومي «كارول ناوروكي» في الانتخابات الرئاسية إنذاراً أوسع لقارة مُثقلة بالضغوط الجيوسياسية. «ناوروركي» يرفع شعار «بولندا أولاً، البولنديون أولاً»، بمنطق يشبه شعار «ماجا» الذي تبناه ترامب خلال حملته الرئاسية.
أصبح من الواضح على نحو متزايد أنّ الهجمات الترامبية على الثوابت القديمة في العلاقة عبر الأطلسي لا تخلق رد فعل مساوياً ومعاكساً. فقد كانت الاستقطابات حول قضايا الهجرة والإجهاض وأوروبا جليّة في فوز الملاكم ناوروكي بنسبة 51 % مقابل 49 %، وهو مرشحٌ يمينيٌّ دعمه دونالد ترامب. وأظهر ناوروكي قِيَمه الكاثوليكية علناً، وهاجم «الصفقة الخضراء» التي طرحها الاتحاد الأوروبي، وعارض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومع تحطّم هيمنة الحزبين في البرتغال والتي استمرت 50 عاماً، يبدو أن الانتصار الأخير لتيار الوسط في رومانيا أشبه بنهاية اتّجاه لا بدايته.
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ إن خطاب ناوروكي ضد «احتكار قوى الشر» لرئيس الوزراء البولندي الموالي لأوروبا «دونالد توسك» يوحي بسياسة أكثر انقساماً وتعطيلاً لأسرع اقتصاد نمواً في الاتحاد الأوروبي وأكبر جيش فيه. فالرئاسة في بولندا منصب فخري إلى حد كبير، لكنها تملك حق النقض التشريعي، ما سيعقّد عمل حكومة توسك الائتلافية قبيل الانتخابات البرلمانية الجديدة عام 2027.
وقد ظهرت آثار العرقلة المؤسسية منذ تولي توسك منصبه عام 2023، حيث قيّد الرئيس المنتهية ولايته «أندجي دودا» محاولات الإصلاح الشامل بعد سنوات من الحكم المحافظ. وكانت خطط الإصلاح أساسية لاستعادة دعم تمويل الاتحاد الأوروبي.
وفي عالم ما بعد الجائحة، حيث تتفاقم الديون والإنفاق من دون قدرة على كبحها على جانبي الأطلسي، أصبحت التوقعات بالنسبة لبولندا الآن أكثر قتامة في الأسواق المالية. فقد تراجعت عملة «الزلوتي» بنحو نصف نقطة مئوية مقابل اليورو، وارتفعت عائدات السندات الدولية البولندية في تداولات صباح الاثنين. وعارض ناوروكي علناً زيادات الضرائب خلال حملته وتعهد بمنعها؛ ومع بقاء بضع سنوات فقط على الانتخابات البرلمانية، ستتضاءل شهية ضبط الميزانية. ويرى محللون أن القطاع المصرفي قد يُعتبر هدفاً مغرياً لفرض ضرائب مستقبلية.
والرسالة الموجهة إلى عواصم مثل بروكسل وبرلين وباريس – التي وقّعت مؤخراً معاهدة دفاع مع وارسو – ألّا تركن إلى أمجادها السياسية، فيما تتخذ بولندا موقفاً أكثر تشككاً تجاه أوكرانيا. فحتى وسط حرب تجارية، يحظى سياسيون مؤيدون لشعار «ماجا» بشعبية واسعة، إذ يتصدّر حزب «البديل من أجل ألمانيا» استطلاعات الرأي في ألمانيا، ومن المتوقع فوز «التجمّع الوطني» اليميني في فرنسا بالجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لعام 2027 أيّاً كان من سيقوده.
وإلى جانب خيبة الأمل من الأحزاب الحاكمة وسياسات «الطريق الثالث» التي تجمع بين الليبرالية الاجتماعية والمحافظة المالية، يتزايد إنجذاب الناخبين الشباب للسياسيين المناهضين للمؤسسة في عصرٍ يشهد ارتفاعاً في أسعار المساكن، وانعدام الأمن الوظيفي، وسياسات تيك توك.
وعلى غرار جاذبية شعار «ماجا» الأساسية التي تلقي اللوم على الغرباء وتَعِد بـ«نهضة صناعية»، ما زالت الجغرافيا الاقتصادية للشعبوية في أوروبا ذات أهمية. لقد كان تحول بولندا ما بعد الشيوعية استثنائياً، إذ لحقت بالغرب اقتصادياً، وسلكت مسارها الخاص في السياسة الخارجية بعد أقل من 20 عاماً من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، كان الانقسام الحضري–الريفي حاضراً في هذه الانتخابات، تماماً كما في البرتغال. و«انتقام الأماكن غير المهمّة» بات ملموساً بشكل متزايد. لا توجد عصا سحرية لدرء ضغوط ترامب وبوتين معاً، لكنّ الوقت ينفد أمام قادة أوروبا لفهم سبب إنصات الناخبين إلى نداء «ماجا» والسعي لمعالجته.
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشارقة 24
منذ 2 ساعات
- الشارقة 24
معظم دول مجموعة السبع مستعدة لخفض سقف سعر النفط الروسي
الشارقة 24 - رويترز: قالت أربعة مصادر مطلعة إن أغلب دول مجموعة السبع مستعدة للتحرك بمفردها وخفض سقف السعر الذي تفرضه المجموعة على النفط الروسي، حتى إذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم المشاركة في ذلك المسعى. ومن المقرر أن يجتمع قادة دول المجموعة في الفترة من 15 إلى 17 يونيو في كندا، وسيناقشون سقف السعر الذي جرى الاتفاق عليه لأول مرة أواخر عام 2022. ويهدف سقف السعر للسماح ببيع النفط الروسي لأطراف أخرى باستخدام خدمات التأمين الغربية، شريطة ألا يتجاوز السعر 60 دولارا للبرميل. ويسعى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا منذ أسابيع لخفض السقف بعد أن أدى تراجع أسعار النفط العالمية إلى جعل سعر 60 دولاراً الحالي غير مؤثر تقريباً. وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها، إن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مستعدان لقيادة الجهود والمضي قدما بمفردهما، بدعم من الدول الأوروبية الأخرى في مجموعة السبع وكندا. وأضافوا أنه لا يزال من غير الواضح ما الذي ستقرره الولايات المتحدة، لكن الأوروبيين يضغطون من أجل اتخاذ قرار موحد في الاجتماع. وذكروا أن موقف اليابان لا يزال غير مؤكد أيضاً.


الشارقة 24
منذ 7 ساعات
- الشارقة 24
ألمانيا: اجتماع قمة السبع في كندا سيركز على عقوبات روسيا
الشارقة 24 - رويترز: أعلن مسؤول حكومي ألماني، اليوم الخميس، إن اجتماع مجموعة السبع المرتقب في كندا سيتناول مدى إمكانية توافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن العقوبات على روسيا. واقترح الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات ضد روسيا؛ بسبب حربها مع أوكرانيا عام 2022، والتي تستهدف عائدات موسكو من الطاقة والبنوك وقطاع الصناعة العسكرية. وقال المسؤول الألماني إن الولايات المتحدة تناقش أيضاً حزمة عقوبات، موضحاً "لذا في كندا، سيكون الأمر متعلقاً برؤية إلى أي مدى يمكن تحقيق تحرك مواز". وأضاف أنه من غير المرجح أن يقر الكونغرس الأميركي مشروع قانون العقوبات قبل بدء القمة الأسبوع المقبل. وتعد قمة مجموعة السبع التي ستعقد في الفترة من 15 إلى 17 يونيو؛ علامة فارقة فيما يتعلق بأوكرانيا، إذ سيحضرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقال المسؤول الألماني إن من غير المرجح أن ينتج عنها أي انفراجة فيما يتعلق بدعم كييف ضد موسكو. وسيحضر القمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي اعتبر اجتماعه مع ترامب في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر ناجحاً على نطاق واسع.


العين الإخبارية
منذ 10 ساعات
- العين الإخبارية
دون موافقة ترامب.. دول السبع مستعدة لخفض سقف سعر النفط الروسي
تم تحديثه الخميس 2025/6/12 05:45 م بتوقيت أبوظبي قالت أربعة مصادر مطلعة إن أغلب دول مجموعة السبع مستعدة للتحرك بمفردها وخفض سقف سعر النفط الروسي حتى إذا قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم المشاركة في ذلك المسعى، بحسب «رويترز». وكان الاتحاد الأوروبي قد اقترح الثلاثاء الماضي خفض السقف المحدد لسعر صادرات النفط الروسية في إطار حزمة عقوبات جديدة في إطار الحرب في أوكرانيا. وفقا لوكالة "فرانس برس" عرضت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خفص السقف الحالي من 60 إلى 45 دولارا فيما تواصل روسيا رفض وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وقد أظهرت بيانات وزارة المالية الروسية اليوم الأربعاء الماضي، أن إيرادات النفط والغاز هوت 35% في مايو/ أيار على أساس سنوي إلى 512.7 مليار روبل (6.55 مليار دولار) مع ضغط هبوط أسعار النفط والعقوبات على اقتصاد البلاد. وتحتاج روسيا إلى أسعار نفط أعلى لتحقيق التوازن في ميزانيتها وتمويل عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وتشكل عوائد النفط والغاز أهم مصادر النقد بالنسبة للكرملين، وشكلت بين ربع ونصف إجمالي إيرادات الميزانية الاتحادية على مدى العقد المنصرم. وذكرت وزارة المالية أن الإيرادات في مايو/أيار انخفضت إلى 512.7 مليار روبل (6.55 مليار دولار) وهو ما يقل 35% عن الشهر نفسه من العام الماضي. كما انخفضت الإيرادات 53% عن أبريل/نيسان مع انخفاض أسعار النفط العالمية وارتفاع قيمة الروبل. وتوقعت "رويترز" أن تبلغ الإيرادات 520 مليار روبل. وقالت وزارة المالية أيضا إنها تتوقع أن تكون إيرادات النفط والغاز في يونيو/ حزيران أقل 40.3 مليار روبل عما كان مخططا. aXA6IDgyLjI0LjIwOS4xMTEg جزيرة ام اند امز FR