
من رحم الحروب والصراعات تخلق التكنولوجيا!
ا.د. غادة محمد عامر
خبير الذكاء الاصطناعي – مركز دعم واتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء
زميل وحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
تُعتبر الصراعات الدولية والحروب من المحركات الأساسية التي تؤدي إلى تطوير الابتكارات التكنولوجية. فعلى مر التاريخ، شهدنا كيف أن الحاجة إلى التفوق العسكري أو الاستجابة للأزمات قد أدت إلى تقدم تكنولوجي كبير. وبينما يتمثل الهدف الرئيسي في زمن الحرب في تحقيق ميزة استراتيجية، فإن العديد من هذه الابتكارات تجد تطبيقاتها في نهاية المطاف في الحياة المدنية، مما يدفع عجلة التقدم المجتمعي.
لقد كانت الدوافع الرئيسية للابتكار والتقدم التكنولوجي اثناء الصراعات والحروب ، إما للاحتياجات العسكرية، حيث تزداد الحاجة إلى تقنيات جديدة لتحسين الأداء العسكري، مثل تطوير الأسلحة المتقدمة. أو لضمان الأمن القومي فتسعى الدول إلى حماية نفسها من التهديدات الخارجية، مما يحفز البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا. أول للتنافس الاقتصادي حيث تسعى الدول إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية من خلال الابتكارات التكنولوجية. على سبيل المثال، شهدت الحرب العالمية الأولى تطوير الدبابات والطائرات والأسلحة الكيميائية، بينما لعبت الحرب العالمية الثانية دورًا محوريًا في ابتكار الرادار والمحركات النفاثة والقنبلة الذرية. وكانت الحرب الباردة سبابا للتسابق في ابتكارات الفضاء وتطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية. وساهمت الحرب على الإرهاب في تطوير تقنيات المراقبة والأمن السيبراني، كانت هذه الابتكارات مدفوعة في البداية بالحاجة إلى التفوق على الخصوم، لكنها وجدت تطبيقاتها لاحقًا في زمن السلم. فمثلا أرسى تطوير المحركات النفاثة خلال الحرب العالمية الثانية أسس صناعة الطيران التجاري، محدثًا ثورة في السفر والتجارة. وبالمثل، أصبحت تقنية الرادار، التي طُوّرت لكشف طائرات العدو، أساسي في الأرصاد ومراقبة الحركة الجوية، مما عزز السلامة والكفاءة في الطيران المدني. ولم يُغيّر مشروع مانهاتن، الذي طوّر القنبلة الذرية، الاستراتيجية العسكرية فحسب، بل حفّز أيضًا التطورات في مجال الطاقة النووية. حيث شهدت فترة ما بعد الحرب انتشار محطات الطاقة النووية، مما وفّر مصدرًا هامًا للكهرباء. مع التطور التكنولوجي انتقلت الصراعات بشكل متزايد إلى المجال الرقمي. تُظهر الحرب السيبرانية -كما تجسدها التكتيكات السيبرانية الروسية خلال غزو أوكرانيا- كيف تستخدم الدول التكنولوجيا لتعطيل البنية التحتية والاتصالات لدى خصومها. هذا التحول دفع إلى تطورات كبيرة في الأمن السيبراني والتشفير وتكنولوجيا المعلومات. كما توسع استخدام الطائرات بدون طيار، مما أتاح أساليب جديدة للمراقبة والضربات الموجهة. وقد وجدت هذه التقنيات تطبيقات مدنية في مجالات مثل الزراعة وإدارة الكوارث، مما يُظهر الطبيعة المزدوجة للاستخدام في الابتكارات العسكرية.
كذلك الإنترنت، الذي تم تطويره من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، أحدث تحولًا في الاتصالات والتجارة العالمية. وبالمثل، أصبحت تقنية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي استُخدمت لأول مرة في الملاحة العسكرية، جزءًا لا يتجزأ من تطبيقات متنوعة، بدءًا من الملاحة في السيارات وصولًا إلى خدمات تحديد الموقع على الهواتف الذكية. كما استفادت التطورات الطبية من الأبحاث العسكرية، حيث حسّنت تقنيات مثل رعاية الإصابات والأطراف الصناعية المتقدمة، التي طُوّرت في البداية لعلاج الجنود المصابين، ثم استخدمت بنفس الطريقة لرعاية الطبية للمدنيين.
أما عن الاتجاهات المستقبلية والتقنيات الناشئة، من المرجح أن تتأثر تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة بالصراعات العالمية. فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعزز قدرات صنع القرار والتنبؤ في التطبيقات العسكرية والمدنية على حد سواء، بينما تُحقق التكنولوجيا الحيوية إنجازاتٍ في مجالي الرعاية الصحية والزراعة. ويمكن لتقنيات الطاقة المتجددة، -مدفوعةً بضرورة أمن الطاقة- أن تُخفف من آثار صراعات الموارد وتُعزز التنمية المستدامة.
الخلاصة هو أنه غالبًا ما تنبثق التطورات التكنولوجية من بوتقة الصراعات العالمية، مدفوعةً بالحاجة إلى التفوق الاستراتيجي. وبينما قد تؤدي هذه الابتكارات إلى معضلات أخلاقية وعواقب غير مقصودة، إلا أنها تنطوي أيضًا على إمكانية تحقيق فوائد كبيرة للحياة المدنية. إن فهم طبيعة الاستخدام المزدوج لهذه التقنيات يُتيح فهمًا أعمق لكيفية تسخير المجتمعات لهذه التطورات لتحقيق السلام والتنمية مع معالجة آثارها الضارة المحتملة. وهذا يحتاج إلى التكيف والتعلم المستمرين لكل افراد المجتمع وقياداته، كذلك يجب على صانعي السياسات وخبراء التكنولوجيا والمجتمع ككل البقاء على اطلاع دائم بالاتجاهات الناشئة وآثارها المحتملة. والأهم أنه تُعد الاستثمارات في التعليم والبحث أساسية للتحضير للمستقبل وضمان مساهمة التطورات التكنولوجية في قوة الدول وبقائها في ظل عالم يتغير ويتطور بسرعة لا يتخيلها عقل!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لبنان اليوم
منذ 2 أيام
- لبنان اليوم
'توفيك': طائرة انتحارية روسية جديدة بذكاء اصطناعي تتخطى الدفاعات الجوية
في تطور جديد لأسلحة الذكاء الاصطناعي، أعلن الجيش الروسي الانتهاء من اختبار طائرة انتحارية مسيّرة أطلق عليها اسم 'توفيك'، وذلك في منطقة العملية العسكرية الخاصة، تمهيداً لبدء إنتاجها على نطاق واسع. وتتميّز هذه المسيّرة الجديدة بقدرات متقدّمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يمكّنها من تفادي أنظمة الدفاع الجوي ووسائل الحرب الإلكترونية، والبقاء على المسار المحدد حتى تدمير الهدف في المرحلة النهائية من التحليق، دون الحاجة للاتصال المباشر بالمشغّل أو استخدام الملاحة الفضائية. مواصفات تقنية متقدمة المدى الأقصى : 30 كيلومتراً : 30 كيلومتراً مدة التحليق : 25 دقيقة : 25 دقيقة السرعة القصوى : 180 كيلومتر/ساعة : 180 كيلومتر/ساعة الرأس الحربي : 2 كيلوغرام (يعادل قنبلة RPG جوفاء) : 2 كيلوغرام (يعادل قنبلة RPG جوفاء) آلية الإطلاق: منجنيق خاص وبحسب مصمّم الطائرة، المعروف باسم 'أوبي-فان'، فإن 'توفيك' هي نسخة مصغرة من المسيّرة الهجومية 'غيران'، لكنها تعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي، وتُصنّف كـ 'جناح ضارب' مستقل. قدرات ذاتية في بيئة معادية أوضح المصمّم أن الطائرة مزوّدة بنظام ملاحة بصري متطور، يتيح لها التحليق الذاتي من خلال مطابقة المشهد الأرضي مع خريطة مدمجة مسبقًا في ذاكرتها. ويمكنها التعرف على الأهداف من خلال قاعدة بيانات إلكترونية، تسمح لها بتحديد الهدف وتوجيه ضربة دقيقة، حتى في ظل تشويش إلكتروني حاد أو فقدان الاتصال. ما يميز 'توفيك'؟ لا تحتاج لنظام GPS أو ارتباط مباشر بالمشغل مقاومة عالية لوسائل الحرب الإلكترونية دقة عالية في التعرف على الأهداف وتنفيذ الضربات مناسبة للعمليات التكتيكية السريعة والقصف الدقيق خلف خطوط العدو هذا التطور يعكس توجّهًا جديدًا في صناعة الطائرات المسيّرة الانتحارية، حيث تُدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل يسمح بتنفيذ مهام قتالية أكثر تعقيدًا وذات استقلالية كاملة.


ليبانون 24
منذ 5 أيام
- ليبانون 24
انتبهوا من التجسس.. تحذير لمُستخدمي "Airpods"!
حذر خبير تقني من أن سماعات AirPods المقدمة من جهة العمل قد تتحول إلى أداة خفية لتتبع الموظفين دون علمهم، خاصة إذا كانت مُعدة مسبقاً بحساب Apple ID تابع للشركة أو أحد مسؤوليها. ورغم أن AirPods لا تحتوي على GPS، إلا أنها تستخدم شبكة "Find My" من آبل، لتحديد موقعها بدقة، مما يعني أن مديرك قد يعرف أنك في الحديقة أو المقهى، بينما يفترض أنك تعمل من المنزل، وفقاً لخبير التكنولوجيا مارك بوركار في شركة "QR Code Generator"، مشيراً إلى أن جميع أجيال AirPods حتى الأقدم، يمكن تتبعها، طالما كانت مرتبطة بحساب Apple ID، وفقاً لما ورد في "دايلي ميل". كيف يمكن تتبعك من خلال AirPods؟ رغم أن AirPods لا تحتوي على GPS أو اتصال خلوي، فإنها تستفيد من الأجهزة المقترنة أو شبكة 'Find My' الخاصة بآبل لتحديد الموقع بدقة. علامات تدل على أن السماعات معدّة مسبقاً: - وصول السماعات دون تغليف أصلي أو في علبة مفتوحة مسبقاً. - عدم طلبك للمصادقة عند تشغيل السماعات لأول مرة. - ارتباط السماعات بجهازك دون المرور بإعدادات جديدة. كيفية حماية خصوصيتك خطوات إعادة ضبط AirPods: لمنع تتبعك، يجب إعادة ضبط السماعات على إعدادات المصنع: 1- ضع السماعات في علبة الشحن. 2- أغلق الغطاء وانتظر 30 ثانية. 3- افتح الغطاء واضغط على زر إعادة الضبط في الخلف لمدة 15 ثانية. 4- عندما يومض الضوء الأمامي باللون الكهرماني ثم الأبيض، تكون قد أتممت الإعدادات. 5- أعد ربط السماعات بحساب Apple ID الخاص بك – وليس الخاص بالعمل. يفضل ألا تستخدم سماعات AirPods المقدمة من العمل في الأنشطة الشخصية مثل الذهاب إلى النادي الرياضي أو استخدامها بعد انتهاء ساعات العمل.


ليبانون 24
منذ 5 أيام
- ليبانون 24
تحذير.. سماعات AirPods قد تتجسس عليك!
حذر خبير تقني من أن سماعات AirPods المقدمة من جهة العمل قد تتحول إلى أداة خفية لتتبع الموظفين دون علمهم، خاصة إذا كانت مُعدة مسبقاً بحساب Apple ID تابع للشركة أو أحد مسؤوليها. ووفقاً لما ورد في "دايلي ميل، رغم أن AirPods لا تحتوي على GPS، إلا أنها تستخدم شبكة "Find My" من آبل، لتحديد موقعها بدقة، مما يعني أن مديرك قد يعرف أنك في الحديقة أو المقهى، بينما يفترض أنك تعمل من المنزل، بحسب خبير التكنولوجيا مارك بوركار في شركة "QR Code Generator". وأشار بوركار إلى أن جميع أجيال AirPods حتى الأقدم، يمكن تتبعها، طالما كانت مرتبطة بحساب Apple ID. لذا يفضل ألا تستخدم سماعات AirPods المقدمة من العمل في الأنشطة الشخصية مثل الذهاب إلى النادي الرياضي أو استخدامها بعد انتهاء ساعات العمل.