
تاريخياً.. كيف تؤثر تقلبات أسعار النفط على العالم؟
شهد التاريخ العديد من الفترات التي شهدت ارتفاعات حادة في أسعار النفط ، كان لها آثار عميقة ومتفاوتة بين الدول المنتجة والمستوردة، فتسببت أحياناً في موجات تضخم وركود اقتصادي، وأحيانًا أخرى أدت إلى تحولات استراتيجية في سياسات الطاقة والأمن القومي.
كما تؤثر تقلبات النفط على تكاليف الإنتاج والنقل، مما ينعكس على أسعار السلع والخدمات، ويغذي أو يحد من معدلات النمو والإنفاق الاستهلاكي حول العالم.
في ظل التصعيد الراهن بين إسرائيل وإيران، يتجدد القلق من تأثيرات هذه التقلبات على الأسواق العالمية ، خاصة مع تصاعد المخاطر حول مضيق هرمز ، الذي يعد شرياناً حيوياً يمر عبره نحو خمس إمدادات النفط العالمية. ومع تزايد الضربات العسكرية وتوترات الصراع، تعود السيناريوهات التاريخية إلى الواجهة، لتطرح تساؤلات حول مدى استمرارية هذا الصراع وتأثيره على استقرار الإمدادات النفطية وأسعار الخام، وتأثير ذلك الأوسع نطاقاً على التضخم العالمي، سياسات البنوك المركزية، و سلاسل التوريد.
يعيد هذا المشهد التأكيد على أهمية رصد تداعيات أسعار النفط المتقلبة، وكيف يمكن أن تشكل عاملًا حاسمًا في تحديد مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل جغرافيا سياسية متوترة.
دروس من التاريخ
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى أن:
الخطر الجيوسياسي الذي يتجسد الآن أصبح أكثر تقليدية، وهو خطر الصراع طويل الأمد في الشرق الأوسط الذي يُعرِّض إمدادات النفط العالمية للخطر.
ارتفعت أسعار النفط بنسبة تصل إلى 12 بالمئة في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تصاعد الصراع أكثر مع قيام إسرائيل بضرب أهداف أخرى، من بينها محطة نفط رئيسية في طهران.
تنتج إيران حوالي 3.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، يتم تصدير مليوني برميل منها.
بالنظر إلى أن الطلب العالمي على النفط يقدر بنحو 103.9 مليون برميل يومياً من قبل وكالة الطاقة الدولية، وأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قادرتان على زيادة الإنتاج بسرعة بأكثر من 3.5 مليون برميل يوميًا، فمن المرجح أن يكون حتى الاضطراب الشديد في الإنتاج الإيراني قابلاً للإدارة.
الارتفاع الحاد في أسعار النفط عقب الضربات الإسرائيلية الأولى عكس مخاوف أوسع نطاقًا من أن الصراع قد يتفاقم إلى حد تحاول فيه طهران إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط أو حتى مهاجمة منشآت النفط التابعة لجيرانها.
ويشير التقرير إلى أنه نادراً ما يكون التفاعل بين حالة عدم اليقين الجيوسياسي وأسعار النفط والاقتصاد الكلي مباشراً، كما تشير بعض الأبحاث الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي في العام 2023.
طبقاً لتلك الأبحاث فإن أسعار خام برنت قفزت بنسبة 5 بالمئة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر مباشرةً، حيث راعى المستثمرون احتمالية اندلاع حرب في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى انقطاع الإمدادات. لكنها انخفضت بنسبة 25 بالمئة في غضون 14 يومًا مع تصاعد المخاوف من أن تباطؤ الاقتصاد العالمي قد يُضعف الطلب على النفط. وفي الأسبوعين التاليين لبدء الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 ارتفعت أسعار برنت بنسبة 30 بالمئة، لكنها عادت إلى مستواها قبل الحرب بعد ثمانية أسابيع.
ووفق أبحاث البنك المركزي الأوروبي فإن الصدمات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد العالمي من خلال مسارين:
الأول هو "مسار المخاطر" الذي يدفع أسعار النفط للارتفاع سريعًا بسبب ارتفاع قيمة ما يُعرف بعائد الراحة.
المسار الثاني هو "مسار النشاط الاقتصادي"، حيث تؤدي الشكوك إلى تراجع الاستثمارات والاستهلاك وتباطؤ التجارة ، ما يضغط على الطلب العالمي وأسعار النفط.
ويلفت التقرير إلى أنه رغم أن بعض صدمات أسعار النفط في السبعينيات أدت إلى ركود اقتصادي، إلا أن دراسة حديثة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس توصلت إلى أن المخاطر الجيوسياسية وحدها نادرًا ما تُحدث تأثيرات ركودية كبيرة، وقدّر الباحثون أن صدمة مماثلة لأزمات 1973 أو 1979 قد تخفض الناتج العالمي بنسبة 0.12 بالمئة فقط.
أما في الأسواق المالية ، فإن التقلبات الجيوسياسية غالبًا ما تؤدي إلى تراجع محدود في أسعار الأسهم على المدى القصير دون آثار طويلة الأمد، كما حدث بعد حرب الخليج الأولى عام 1990 و الحرب في أوكرانيا عام 2022. بينما الاستثناء الأبرز كان في 1973، حين تسببت أزمة الحظر النفطي في هبوط حاد للأسواق العالمية.
ويشدد التقرير على أن تداعيات الصراع بين إسرائيل وإيران ستعتمد على مداه الزمني ومستوى التصعيد. وحتى خلال "حرب الناقلات" في الثمانينيات، استقرت أسعار النفط بعد الارتفاع الأولي، ما يرجح احتواء التأثيرات ما لم يحدث تعطيل كبير ومستمر للإنتاج النفطي في الشرق الأوسط.
استاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، تقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
لا شك أن المشهد يؤكد أن الاقتصاد العالمي على موعد دائم مع أزمات متتالية.
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثيرها المباشر على أجندة الطاقة العالمية، تشهد أسواق النفط والغاز تحركات قوية، وتبدأ في تسعير نفسها استناداً إلى السيناريوهات المحتملة، لا إلى الواقع فقط، إذ يتقلص الأفق الزمني أمام سوق تتأثر معنويًا.
عندما يتصاعد نبض الأسواق وترتفع الأسعار نتيجة تعرض الإمدادات لمخاطر جيوسياسية، تضاف إلى الأسعار علاوات المخاطر وتكاليف التشغيل ومحددات القدرة الإنتاجية، بالتوازي مع ارتفاع أسعار ناقلات النفط وتزايد خطر انقطاع إمدادات الغاز.
هنا يعود التضخم للارتفاع مجددًا، مما يقود بطبيعة الحال إلى السيناريو الأسوأ: تباطؤ النمو الاقتصادي، لاسيما في الدول المستوردة للنفط والغاز، ويُلوّح في الأفق شبح ما يخشاه الجميع: الركود التضخمي.
ولطالما شكلت تقلبات أسعار النفط عاملاً محورياً في تحديد مسارات الاقتصاد العالمي، إذ تؤدي ارتفاعات الأسعار إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل، ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات، ويغذي موجات التضخم حول العالم. بينما في المقابل، تستفيد الدول المنتجة من هذه الارتفاعات عبر تحقيق فوائض مالية، فيما تتحمل الدول المستوردة أعباء إضافية تثقل موازناتها وتقلص من قدرتها على تمويل برامج التنمية والدعم الاجتماعي.
أما في حالات الانخفاض الحاد، فتنقلب الصورة؛ إذ تستفيد الاقتصادات المستوردة من تراجع التكاليف، مما يعزز معدلات النمو والإنفاق الاستهلاكي، بينما تواجه الدول المصدرة ضغوطاً على إيراداتها العامة، مما قد يدفعها إلى تقليص الإنفاق أو اللجوء للاقتراض. وبهذا، فإن تقلبات أسعار النفط لا تقتصر على تأثيراتها المباشرة على أسواق الطاقة، بل تمتد لتطال الاستقرار المالي، والسياسات النقدية، وحتى التوازنات الجيوسياسية في العالم.
درس من التاريخ يُظهر بجلاء كيف أن تقلبات أسعار النفط كانت ولا تزال أحد أبرز العوامل المؤثرة في الاقتصاد العالمي. ففي سبعينيات القرن الماضي، تسببت أزمة النفط عام 1973، عقب الحظر النفطي العربي، في ارتفاع حاد في أسعار الخام، ما أدى إلى موجات من التضخم والركود في الاقتصادات الغربية. كما أثّرت الأزمة على سياسات الطاقة، فدفعَت الدول المستوردة إلى تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على النفط، بل وأعادت تشكيل أولويات الأمن القومي والاقتصادي لعدة حكومات.
وفي سياق الوضع الراهن، فقد أدى أحدث تبادل للضربات بين إسرائيل وإيران يوم الأحد إلى سقوط ضحايا من المدنيين وتزايد المخاوف من اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقا، حيث حث الجيشان المدنيين على الجانب الآخر على اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد المزيد من الضربات. وأثارت التطورات الأخيرة مخاوف بشأن إمكانية حدوث اضطرابات في مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي حيوي.
ويمر عبر المضيق نحو خمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، أو ما يقرب من 18 إلى 19 مليون برميل يوميا من النفط والمكثفات والوقود.
وفي هذا السياق، نقل تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية عن المحلل في فوجيتومي للأوراق المالية، توشيتاكا تازاوا، قوله إن "الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران، مع عدم وجود حل في الأفق، كان الدافع وراء عمليات الشراء".
وأضاف أنه في حين تراقب الأسواق اضطرابات محتملة في إنتاج النفط الإيراني بسبب الضربات الإسرائيلية على منشآت الطاقة، فإن المخاوف المتزايدة بشأن حصار مضيق هرمز قد ترفع الأسعار بشكل حاد.
وتنتج إيران، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حاليا نحو 3.3 مليون برميل يوميا وتصدر أكثر من مليوني برميل يوميا من النفط والوقود.
ويقول المحللون ومراقبو أوبك إن الطاقة الفائضة لدى أوبك وحلفائها، بما في ذلك روسيا، لضخ المزيد من النفط للتعويض عن أي اضطراب تعادل تقريبا إنتاج إيران، بحسب التقرير.
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أسعار النفط، في حال ارتفاعها، تكون بلا شك ذات تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي، إذ أن أي زيادة في أسعار النفط تشكل ضغطاً مباشراً على معدلات التضخم، مما يجبر البنوك المركزية على الاستمرار في السياسات النقدية المتشددة ورفع أسعار الفائدة".
وبالتطبيق على المشهد الحالي، فيما يخص الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران وانعكاساته الأوسع نطاقاً، يشير إلى أن مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما بين 15 إلى 19 مليون برميل يومياً، يُمثل نحو 20 بالمئة من الاستهلاك العالمي، ما يجعله نقطة محورية في حركة الطاقة العالمية. وفي حال قررت إيران استخدام المضيق كسلاح في صراعها مع إسرائيل، سواء عبر إغلاقه أو تهديد الملاحة فيه، فإن التأثير سيكون بالغًا. حتى استهداف الحقل الغازي المشترك بين إيران وقطر سيكون له أثر كبير، نظراً لأن جميع صادرات الغاز القطرية تمر عبر هذا المضيق.
ويضيف: "نحن أمام ضغوط قوية محتملة في حال تصاعد التوترات، خاصة وأن إيران تصدر حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا، 80 بالمئة منها يتجه إلى الصين. أي تراجع في هذه الصادرات سيُخرج كميات كبيرة من السوق، مما يزيد المخاطر، ويطرح تساؤلاً حول قدرة تحالف "أوبك بلس" على تعويض هذا النقص.
ويستطرد:
كل الأنظار تترقب إذا ما ستتوسع الأعمال العسكرية، خاصة إذا مارست الولايات المتحدة أو حلفاؤها ضغوطاً لدعم إسرائيل، وهو ما قد يقود إلى أيام صعبة اقتصادياً.
أي ارتفاع إضافي في أسعار النفط سيكون بمثابة ضغط كبير على البنوك المركزية وعلى معدلات التضخم، وسيمثل تهديدًا أوسع للاقتصاد العالمي، دون الحديث عن ما قد يطرأ من مخاطر على سلاسل التوريد في حال تفاقم الأوضاع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 17 دقائق
- صحيفة الخليج
نتنياهو: اغتيال المرشد الإيراني خامنئي «سينهي الصراع»
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشبكة «ايه.بي.سي» نيوز الأمريكية: إن اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي سينهي الصراع مع إيران. صرّح نتنياهو أن القضاء على الزعيم الإيراني «لن يتسبب في تصاعد وتيرة الصراع بل سيضع نهاية له»، متهماً إيران بنشر الإرهاب والتخريب. وأضاف: «إن من مصلحة الولايات المتحدة دعم إسرائيل في سعيها للقضاء على البرنامج النووي الإيراني» وقال: «إن الصراع سيستمر طالما لزم الأمر وإن التهديدات الإيرانية ستُمحى بطريقة أو بأخرى». وفي وقت سابق هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الاثنين أن إسرائيل ستضرب «المرشد الإيراني أينما وُجد» وذلك بعد استهداف هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية في طهران. وقال كاتس في بيان: «تم استهداف هيئة البث التابعة للنظام الإيراني، المسؤولة عن الدعاية والتحريض.. وذلك بعد تنفيذ عملية إخلاء واسعة للسكان في المنطقة». وأضاف: «سنضرب خامنئي أينما وُجد». وتواصل إسرائيل وإيران تبادل الضربات الجوية والصاروخية منذ يوم الجمعة وتشن تل أبيب هجمات على أهداف إيرانية مختلفة، فيما شنت إيران عدة موجات بمئات الصواريخ الباليستية على الدولة العبرية، تسببت بمقتل 24 شخصاً على الأقل منذ يوم الجمعة.


صحيفة الخليج
منذ 17 دقائق
- صحيفة الخليج
عبدالله بن زايد و نواف سلام يبحثان هاتفياً تداعيات الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران
أبوظبي - وام بحث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال اتصال هاتفي اليوم، مع الدكتور نواف سلام رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية الشقيقة، التطورات الأخيرة في المنطقة وتداعياتها على السلم والأمن الإقليميين، وذلك في أعقاب الاستهداف العسكري الإسرائيلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتناول سموه ورئيس الوزراء اللبناني، خلال الاتصال، أهمية تجنب اتساع رقعة الصراع، والعمل على خفض التصعيد. كما تطرقا إلى أهمية اعتماد الحلول الدبلوماسية والحوار البناء وسيلة لمعالجة الأزمات، بما يسهم في الحفاظ على استقرار المنطقة وصون أمن شعوبها.


الإمارات اليوم
منذ 18 دقائق
- الإمارات اليوم
إيران تمدد تعليق جميع الرحلات الجوية
أعلنت منظمة الطيران المدني الإيرانية إلغاء جميع الرحلات الداخلية والدولية في إيران حتى الساعة الثانية من صباح يوم غد 'الثلاثاء' بتوقيت طهران. كانت المنظمة قد أعلنت عن تمديد تعليق جميع الرحلات الجوية الداخلية والخارجية في البلاد حتى الساعة 14:00 من ظهر اليوم 'الإثنين' بتوقيت إيران. وقال متحدث باسم المنظمة إن هذا الإجراء يأتي في ظل الظروف الاستثنائية الحالية في إيران وحرصاً على ضمان أمن وسلامة المسافرين والطائرات، داعياً إلى الامتناع عن التوجه إلى المطارات والاعتماد فقط على القنوات الرسمية لمتابعة مستجدات الرحلات الجوية.