logo
تونس في عصر 'الجنون القضائي'.. لوموند تحذر من انزلاق البلاد نحو الاستبداد

تونس في عصر 'الجنون القضائي'.. لوموند تحذر من انزلاق البلاد نحو الاستبداد

الوطن الخليجية٢٦-٠٤-٢٠٢٥

في تقرير صادم نشرته صحيفة 'لوموند' الفرنسية، سلطت الضوء على الانحدار الخطير الذي تشهده تونس، البلد الذي كان يُعتبر منارةً للربيع العربي عام 2011، وتحول اليوم إلى نموذجٍ مأساويٍ للعودة إلى الاستبداد،وجاء التقرير تحت عنوان 'تونس في عصر الجنون القضائي'، مبرزًا كيف أصبحت البلاد ساحةً لقمعٍ سياسيٍ وقضائيٍ غير مسبوق.
محاكمات صورية وعقوبات قاسية
أشارت لوموند إلى أن يوم السبت 19 أبريل 2024 شهد صدور أحكامٍ قضائيةٍ استثنائيةٍ ضد ما يقارب 40 شخصًا، بينهم نشطاء سياسيون، مدنيون، مثقفون، صحفيون، ورجال أعمال، حيث تراوحت العقوبات بين سنوات طويلة وصلت في بعضها إلى 66 عامًا.
ووصفت الصحيفة هذه المحاكمات بأنها 'صورية'، مشيرةً إلى انتهاك حقوق الدفاع وغياب المعايير القانونية الدولية.
ونقلت لوموند عن المحامي التونسي سمير ديلو وصفه لهذه الأحكام بأنها 'جنون قضائي'، مؤكدةً أنها تشكل 'إهانةً لسمعة تونس'، التي نالت عام 2015 جائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهودها الديمقراطية.
قيس سعيد: الرئيس الذي حوّل الديمقراطية إلى ديكتاتورية
كشفت لوموند أن الرئيس التونسي قيس سعيد هو المحرك الرئيسي وراء هذه الحملة القمعية، مستغلًا اتهاماتٍ غامضةٍ بـ'التآمر على أمن الدولة' لتصفية خصومه السياسيين.
وأوضحت أن معظم المُدانين كانوا يفكرون ببساطة في خياراتٍ انتخابيةٍ بديلةٍ لسعيد، في إطارٍ قانونيٍ، بسبب مخاوفهم من تحوله إلى حاكمٍ مستبد.
ولفتت الصحيفة إلى أن سعيد، الذي وصل إلى السلطة عام 2019 بوعودٍ بالإصلاح، قام بشكلٍ منهجيٍ بتفكيك مؤسسات الديمقراطية التونسية، مهاجمًا التعددية الحزبية، حرية التعبير، واستقلالية القضاء، تحت ذريعة 'الديمقراطية المباشرة'، التي تحولت في الواقع إلى غطاءٍ لتركيز كل السلطات في يده.
لماذا صعد سعيد؟ خيبة أمل التونسيين والغرب
أرجعت لوموند صعود قيس سعيد إلى خيبة أمل الشعب التونسي من فشل الطبقة السياسية بعد 2011 في تحقيق طموحات الثورة، حيث عانى المواطنون من تراجع اقتصادي حاد، انتشار الفساد، العنف الجهادي، وشلل مؤسسي. لكن بدلًا من إصلاح النظام، اختار سعيد 'محوه بالكامل'، بحسب تعبير الصحيفة.
وفي الوقت الذي كان فيه الغرب يُصور تونس كـ'قصة نجاح ديمقراطي'، كانت الواقعية المريرة مختلفةً تمامًا، مما سهّل لسعيد الاستفادة من السخط الشعبي لتبرير انقلابه على الديمقراطية.
أوروبا بين القلق والمصالح: صمتٌ مريب
انتقدت لوموند الموقف الأوروبي، وخاصةً فرنسا وألمانيا، الذي اقتصر على التعبير عن 'القلق' إزاء الأحكام الأخيرة، دون اتخاذ أي إجراءاتٍ ملموسة.
وفسرت الصحيفة هذا الصمت بـالخوف من فقدان الشريك التونسي في ملف الهجرة، حيث يُعتبر سعيد حليفًا أساسيًا للاتحاد الأوروبي في احتواء تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
وتساءلت لوموند: 'إلى متى يمكن لأوروبا أن تظل صامتةً بينما يزعزع نظام سعيد استقرار تونس ومنطقة شمال إفريقيا بأكملها؟'، محذرةً من أن الاستمرار في هذا الصمت قد يؤدي إلى كارثة إقليمية.
اختتمت لوموند تقريرها بالتشديد على أن تونس، التي كانت أمل العالم العربي، أصبحت اليوم نموذجًا للتراجع الديمقراطي، حيث يُحكم عليها بنظامٍ لا يختلف كثيرًا عن الديكتاتوريات التي ثار عليها شعبها قبل 13 عامًا

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يطلب توضيحاً في شأن تهديد ترامب بفرض رسوم 50%
الاتحاد الأوروبي يطلب توضيحاً في شأن تهديد ترامب بفرض رسوم 50%

الرأي

timeمنذ يوم واحد

  • الرأي

الاتحاد الأوروبي يطلب توضيحاً في شأن تهديد ترامب بفرض رسوم 50%

سعت المفوضية الأوروبية إلى الحصول على توضيح من الولايات المتحدة بعد أن أوصى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الجمعة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على الواردات من الاتحاد الأوروبي بداية من الأول من يونيو. وتجري مكالمة هاتفية بين المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش ونظيره الأميركي جيميسون جرير اليوم. وقالت المفوضية التي تشرف على السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة إنها لن تعلق على تهديد الرسوم الجمركية إلا بعد المكالمة الهاتفية. وتراجعت الأسهم الأوروبية بعد تعليقات ترامب وتخلى اليورو عن بعض المكاسب، في حين انخفض العائد على السندات الحكومية في منطقة اليورو بوتيرة حادة. ويواجه الاتحاد الأوروبي بالفعل رسوما جمركية أمريكية بنسبة 25 في المئة على صادراته من الصلب والألمنيوم والسيارات، إضافة إلى ما يسمى «بالرسوم المضادة» بنسبة 10 في المئة على جميع السلع، وهي رسوم من المقرر أن ترتفع إلى 20 في المئة بعد مهلة مدتها 90 يوما أعلنها ترامب وتنتهي في الثامن من يوليو يوليو. وتقول واشنطن إن الرسوم الجمركية تهدف إلى معالجة العجز التجاري للسلع مع الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ وفقا لوكالة يوروستات نحو 200 مليار يورو (226.48 مليار دولار) العام الماضي. لكن الولايات المتحدة لديها فائض تجاري كبير مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتجارة الخدمات. وقالت مصادر مطلعة إن واشنطن أرسلت إلى بروكسل الأسبوع الماضي قائمة من المطالب لتقليص العجز، بما في ذلك ما يسمى بالحواجز غير الجمركية، مثل اعتماد معايير سلامة الأغذية الأميركية وإلغاء الضرائب على الخدمات الرقمية. ورد الاتحاد الأوروبي بمقترح يعود بالنفع على الطرفين يمكن أن يشمل انتقال الجانبين إلى رسوم جمركية صفرية على السلع الصناعية وشراء الاتحاد الأوروبي مزيدا من الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا، فضلا عن التعاون في قضايا مثل الطاقة الإنتاجية الزائدة للصلب، والتي يلقي الجانبان باللوم فيها على الصين. وجرى الترتيب لمكالمة شيفتشوفيتش وجرير لاستكمال المباحثات في شأن تلك الاتفاقات وقبل اجتماع محتمل في باريس في أوائل يونيو. وقال نائب وزير الاقتصاد البولندي ميخال بارانوفسكي، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إن التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة يبدو أنه حيلة تفاوضية. وقال لصحفيين على هامش اجتماع في بروكسل «الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتفاوضان. بعض المفاوضات تجري خلف أبواب مغلقة وبعضها أمام الكاميرات»، مضيفا أن المفاوضات قد تستمر حتى أوائل يوليو يوليو. وأكدت المفوضية الأوروبية مرارا أنها تفضل التوصل لحل عبر التفاوض، لكنها مستعدة لاتخاذ إجراءات مضادة في حال فشل المحادثات.

ترامب يلتقي الرئيس السوري في الرياض غداة قرار رفع العقوبات عن دمشق
ترامب يلتقي الرئيس السوري في الرياض غداة قرار رفع العقوبات عن دمشق

الوطن الخليجية

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الوطن الخليجية

ترامب يلتقي الرئيس السوري في الرياض غداة قرار رفع العقوبات عن دمشق

التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع في أول اجتماع مع نوعه منذ 25 عاما، غداة إعلانه قرار رفع العقوبات عن دمشق التي رحبت بالخطوة واعتبرتها 'نقطة تحول محورية'. وأفادت مسؤولة في البيت الأبيض وكالة فرانس برس بأن الزعيمين التقيا قبل اجتماع أوسع لقادة الخليج في الرياض خلال جولة ترامب في المنطقة. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية التركية الأربعاء أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان شارك عبر الفيديو في لقاء ترامب مع الرئيس السوري. وأتى لقاء ترامب في الرياض، الوجهة الخارجية الأولى له كزيارة دولة في ولايته الثانية، وأحمد الشرع الذي كان زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر والذي بات رئيسا انتقاليا لسوريا، بعد كشف الرئيس الأميركي عن قرار رفع العقوبات التي تفرضها واشنطن على دمشق. وأعلن ترامب الثلاثاء أنه قرر رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد استجابة لمطالب حلفاء الشرع في تركيا والمملكة العربية السعودية، في خطوة خلافية مع إسرائيل، حليفة واشنطن الوثيقة. وقال ترامب أمام منتدى الاستثمار السعودي الأميركي 'سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا من أجل توفير فرصة لهم' للنمو، وسط تصفيق حار للحضور ومن بينهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأضاف 'كانت العقوبات قاسية وتسببت بشلل. لكن الآن حان وقتهم للتألق'. كان بيل كلينتون آخر رئيس أميركي يلتقى رئيسا سوريا وقد حاول في العام 2000 من دون جدوى إقناع حافظ الأسد، والد بشار، بالسلام مع إسرائيل. بدا إعلان ترامب مفاجئا حتى للمسؤولين الأميركيين، إذ لم تُحدد وزارة الخزانة الأميركية أي جدول زمني فوري لرفع العقوبات. فرضت الولايات المتحدة قيودا شاملة على المعاملات المالية مع سوريا خلال الحرب الأهلية الدامية التي اندلعت في 2011، وأوضحت أنها ستستخدم العقوبات لمعاقبة أي شخص يشارك في إعادة الإعمار طالما بقي الأسد في السلطة من دون محاسبة على الفظائع التي ارتكبها. ولم يشر ترامب إلى أن الولايات المتحدة سترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو إجراء اتخذ في عام 1979 بسبب دعم دمشق للمسلحين الفلسطينيين، ما يُعيق الاستثمار بشدة. فتح باب الاستثمار وسبق للاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا أن خففت العقوبات التي تم تشديدها أبان الحرب الأهلية. لكن الولايات المتحدة أحجمت عن رفع العقوبات، التي أعاقت الاستثمار في إعادة إعمار سوريا التي دمرت الحرب اقتصادها. بعد سقوط الأسد، وضعت واشنطن، برئاسة جو بايدن آنذاك، شروطًا لرفع العقوبات، بما في ذلك حماية الأقليات. في الأسابيع الأخيرة، شهدت سوريا سلسلة من الهجمات القاتلة على الأقليتين العلوية والدرزية. وقالت الخبيرة في مركز 'الأهرام' للدراسات السياسية والاستراتيجية رابحة سيف علام إنّ رفع العقوبات يعيد دمج سوريا في الاقتصاد العالمي بعد سنوات من العزلة ويتيح التحويلات الدولية من ملايين السوريين الذين فرّوا خلال الحرب. وصرّحت أنّ 'وقف العمل بالعقوبات سيمنح سوريا فرصة حقيقية لاستقبال التمويل اللازم لإنعاش الاقتصاد وفرض سلطة الدولة المركزية وإطلاق مشاريع إعادة الاعمار بدعم خليجي واضح'. جدل الطائرة القطرية كذلك، يلتقي ترامب بقادة وممثلين من دول مجلس التعاون الخليجي الست: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر، والكويت، وسلطنة عمان. ووصل ملك البحرين وأميرا قطر والكويت وممثلون عن سلطان عُمان ورئيس الإمارات إلى الرياض. بعدها يتوجه ترامب إلى قطر، المحطة الثانية في جولته الخارجية الأولى التي طغى عليها جدل بسبب اعتزامه قبول طائرة بوينغ فخمة هدية من الدوحة لتحلّ محلّ الطائرة الرئاسية الحالية. واستضافت قطر التي تضم قاعدة جوية أميركية مترامية الأطراف، محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس بهدف إنهاء الحرب المدمّرة في غزة. لكنّ الزيارة شابها جدل كبير بعد أنباء عن اعتزام ترامب قبول طائرة فخمة بقيمة 400 مليون دولار هدية من العائلة الحاكمة في قطر. وتثير هذه الخطوة تساؤلات دستورية وأخلاقية كبيرة في الولايات المتّحدة، بالإضافة إلى مخاوف أمنية بشأن استخدام طائرة تبرّعت بها دولة أجنبية كطائرة رئاسية. والثلاثاء، ندّد زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر بالأمر، واصفا ذلك بأنه 'فساد خالص'، ومعلنا أنه سيعمل على تعطيل تثبيت جميع الأشخاص الذين اختارهم ترامب لمناصب في وزارة العدل. وقال السناتور المتحدر من نيويورك في خطاب نشره مكتبه ومن المقرر أن يلقيه في المجلس الثلاثاء 'هذا ليس مجرد فساد خالص، بل هو أيضا تهديد خطر للأمن القومي'. وتأتي زيارة ترامب لقطر بعد أيام قليلة من تفاوض واشنطن مباشرة مع حماس لتأمين إطلاق سراح الرهينة الأميركي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر. وتوصلت قطر، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، لكنه فشل في إنهاء الحرب في شكل دائم. ويختتم ترامب جولته الخليجية بمحطة أخيرة في أبوظبي في وقت لاحق من الأسبوع.

غزة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم
غزة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم

اليوم الثامن

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • اليوم الثامن

غزة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم

هي ساعاتٌ قليلةٌ تسبق زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، التي سيكون لها فيما يبدو تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط خاصةً، والعالم بصورةٍ عامةٍ، إذ سبقتها مجموعة من الأخبار والتصريحات والتوقعات، تشير كلها بدرجاتٍ متفاوتة من الدقة، وإن كانت لا ترقى إلى درجة الحسم واليقين، إلا أنها تكشف شيئاً من الحقيقة، وتظهر جانباً من جوانب التغيير، أن الزيارة تحمل معها إشاراتٍ جادةً لمنعطفاتٍ قد تصل إلى درجة التحولات الكبرى في السياسة الأمريكية تجاه قضايا التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتوسيع إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعزيز التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الثلاث محل الزيارة، ودول الخليج العربي بصورةٍ عامةٍ. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يزور منطقة الشرق الأوسط في أول زيارةٍ خارجية له، في ولايته الجديدة بعد مشاركته في مراسم تشييع بابا الفاتيكان الراحل، يستثني منها الكيان الصهيوني، الذي يعتبر محطة ثابتة لدى كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يتخذون منه منطلقاً لأي جولة، وعرفاً رئيساً لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرقه أو أن يتخلى عنه، لكن مستشاريه أكدوا أنه لن يلتقي رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالتالي فإنه لن يزور كيانه، ولهذا الاستثناء دلالاتٌ كثيرة، وأشاروا إلى وجود خلافاتٍ جوهرية أدت إلى حدوث قطيعة حقيقية بينهما، إذ لا اتصالات ولا مشاورات، ولا تطمينات ولا تقدير للأولويات الإسرائيلية، أو تبني لخياراتهم الاستراتيجية. بدا من خلال تصريحات ترامب المتفرقة، والمبعثرة هنا وهناك، والمبهمة حيناً والصريحة في أحيان أخرى، والمباشرة والمنقولة عنه، أنه سيقدم على الإعلان عن قراراتٍ كبيرة وخطيرة، تتعلق بالمنطقة ودولها، وبمستقبلها واستقرارها، وهو لا يستعجل الإعلان عنها قبل وصوله إلى الرياض، لكن بات من شبه المؤكد أن إعلانه سيواكب زيارته إلى المنطقة أو سيسبقها، ولن يكون إعلانه إلا عن غزة والحرب الإسرائيلية ضدها، وسيكون، ليس ثقةً فيه ولا أملاً منه نرجوه، بل هي قناعات توصل إليها وحقائق بات يتعامل معها، بعد قرابة سنة ونصف من الحرب المدمرة التي يشنها العدو الإسرائيلي بمختلف الأسلحة الأمريكية المتطورة، والفتاكة المدمرة، إعلاناً عن الاتفاق على هدنةٍ طويلة الأمد بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وقد يكون الإعلان عنها بصورته وصوته، بما يذكرنا بالمبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو/آيار من العام الماضي، إلا أن نتنياهو استخف به حينها، ولم يحترم كلمته، ولم يلتزم بمبادرته، وضرب بها وبه عرض الحائط. الأمر هنا اليوم مختلف تماماً، ولا يشبه ما حدث مع بايدن في نهاية ولايته، التي بدا فيها عجوزاً خرفاً، متردداً جزعاً، يخشى نتنياهو ويخاف ردة فعله، ويتجنب غضبه وينأى بنفسه عن رفض خياراته، ولا يتمعر وجهه إذ يحرجه ويستخف به، ويهزأ بما عرض ولا يقيم وزناً لما أعلن، ويهز صورة الإدارة الأمريكية ويظهر ضعفها، ويكشف عن عجزها وتبعيتها، وخضوعها للكيان واستسلامها لسياساته. فترامب الغريب الأطوار، المهووس المغرور، الطاووس المختال، الراقص المتبختر، المسكون بالقوة، والمعجب بنفسه، والمتطلع لوقف مشاركة بلاده في الحروب الخارجية وتمويلها، والحالم في أمريكا قوية، عسكرياً واقتصادياً، والطموح لنيل جائزة نوبل للسلام، لا يقبل بأن يكون أجيراً عند نتنياهو، وإن كان يدعم كيانه ويحرص عليه قوياً آمناً مستقراً، ولا يتردد في إحراجه وإهماله، وإهانته والإساءة إليه، ولا يخاف من إشاعة مقاطعته وعدم الاهتمام بمقابلته، ولست أمدح ترامب وأشيد بخصاله، بقدر ما أستعرض صفاته وأبين سلوكه وتصرفاته. يبدو أن ترامب الذي لوح بالعصا في وجه نتنياهو وقطب جبينه غضباً منه وأعرض عنه، سيجبر دولاً أخرى في المنطقة على فتح المعابر وتسهيل إدخال المؤن والمساعدات، والسماح بعبور آلاف الشاحنات المصطفة طوابير طويلة تمتد لمئات الكيلومترات على الطريق الدولية، والمحملة منذ شهورٍ بالمواد التموينية والطبية، وعدم تأخيرها وتعطيل حركتها، إذ لا يكفي رضوخ حكومة الكيان الإسرائيلي لأوامر ترامب بإدخال الشاحنات، وإنما يلزم الضغط على غيره ليسهل عبور القوافل، ويزيل العقبات من طريقها، ويخفف الأعباء عنها، ويبسط إجراءات حركتها. لا يستبعد الفلسطينيون عموماً، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، ولو أملاً ورجاءً، وإيماناً بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر"، وليس أكثر فجوراً وأشد بؤساً وعداوةً من ترامب، لكن ليس أقدر منه على الفعل اليوم والضغط على الكيان، وهو ما يجعل الفلسطينيين يعيشون بارقة أملٍ، ويحبسون أنفاسهم انتظاراً لفرجٍ، ويشعرون بأنه قد يحمل معه لهم حلاً، يوقف الحرب ضدهم، ويخفف من معاناتهم، ويرفع الحصار المفروض عليهم، ويجبر نتنياهو على احترام الهدنة والقبول بالصفقة، وعدم الانقلاب عليها أو وضع العراقيل أمامها، وليس ذلك على الله عز وجل بعزيز، أن يسخر من يجري قدره، ويستخدم من يفرض قضاءه ويمضي حكمه، ولو كان فاجراً كفاراً عدواً غداراً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store