
أنين الجوعى يجبر الصحافة الغربية على الالتفات لمأساة الإنسان في غزة
لكن هذا الحال تغير مؤخرا لدى العديد من المؤسسات الصحفية، حتى تلك اليمينية التوجه التي كانت تتخذ مواقف يصفها مراقبون بالمتطرفة ضد كل ما هو فلسطيني.
نلقي في التقرير التالي نظرة على بعض من هذه الصحف التي تناولت الشأن الفلسطيني أمس واليوم، وخاصة سياسة التجويع الممنهجة التي تتبعها إسرائيل ضد سكان القطاع المحاصر، وسط صمت عربي ودولي، لا يقل ألما من لسعات الجوع.
ويبدو أن هذا التوجه الجديد والمتأخر جاء في أعقاب تكشّف المأساة في غزة، ووضوح ممارسات وأهداف ومرامي سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في غزة، وهي سياسة وجدت مؤخرا نقدا لاذعا من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العالمية، وكذلك من العديد من الدول الغربية.
ويوم الاثنين الماضي، صدر بيان عن الاتحاد الأوروبي و28 دولة غربية، بينها بريطانيا وفرنسا، دعا إسرائيل إلى إنهاء الحرب فورا. واستنكرت الدول، في البيان المشترك، ما وصفته "بالتدفق غير المنتظم للمساعدات" المقدمة للفلسطينيين في غزة، وقالت إنه من "المروع" مقتل أكثر من 800 مدني أثناء سعيهم للحصول على المساعدات.
ونبدأ من صحيفة تلغراف البريطانية ذات التوجه اليميني، وذات الخط المعروف بمناهضة كل ما هو فلسطيني، والمدافعة دوما عن السردية الإسرائيلية، والمتماهية معها مهما كانت محتشدة بالأخطاء والروايات التي لا تستند على رجلين.
جسدها يضعف يوما بعد يوم
فقد أوردت الصحيفة في عددها الصادر اليوم تقريرا حمل عنوان: "جسدها يضعف يوما بعد يوم.. أطفال في غزة يتضورون جوعا حتى الموت". ويظهر التقرير لقطات مصورة لأطفال يعانون من حالات سوء تغذية حادة في أحد المرافق الطبية القليلة المتبقية في القطاع، على حد وصف تلغراف.
وأوردت تلغراف التحذير الذي صدر أمس الأربعاء، عن أكثر من 100 من المنظمات الإغاثية والحقوقية العالمية والذي حذر من انتشار التجويع الجماعي في غزة. ومن بين الموقعين على البيان المذكور منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة أوكسفام ومنظمة إنقاذ الطفولة.
أما صحيفة تايمز البريطانية ذات التوجه المحافظ فقد نشرت خبرا بسيطا عن غزة، ليس في صفحتها الأولى وإنما في قسم الشرق الأوسط، وجاء الخبر المذكور بعنوان: "مجاعة جماعية" -هكذا وضعت بين فاصلتين- في غزة مع بدء مبعوث أميركي محادثات لوقف إطلاق النار.
وجاء فيه أن منظمات إغاثة تصدر تحذيرات بينما تقول الأمم المتحدة إن أكثر من ألف فلسطيني قتلوا أثناء وقوفهم في طوابير للحصول على الطعام خلال الشهرين الماضيين.
صحيفة إندبندنت البريطانية التي تُعرف بتوجهها السياسي الليبرالي التقدمي، وتميل إلى دعم قضايا مثل حقوق الإنسان، وحماية البيئة، والتعاون الأوروبي، وحرية التعبير، والتي غالبا ما تتبنى مواقف قريبة من الوسط واليسار، فقد أبرزت المزيد من الاهتمام بما يجري في غزة.
ونشرت إندبندنت في صفحتها الأولى فيديو حمل عنوان: "الفلسطينيون الجائعون يقايضون الذهب مقابل الدقيق ويخاطرون بحياتهم للحصول على المساعدات مع تفاقم أزمة الغذاء في غزة".
وجاء في التقرير الذي صاحب الفيديو أن الأطفال الرضع الذين كانوا مجرد جلد وعظام ماتوا لأن أمهاتهم كنّ جائعات للغاية ولم يستطعن إدرار الحليب لإطعامهم، وحتى الأشخاص الذين يحاولون الحصول على الطعام من مواقع الإغاثة يعرضون حياتهم للخطر.
وفيما يخص الصحافة الأميركية فقد اضطرت صحيفة واشنطن تايمز إلى نشر خبر تحذير المنظمات الإنسانية، حيث جاء فيها بعنوان: "أكثر من 100 منظمة إغاثة تحذر من المجاعة في غزة بعد أن أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 29 شخصا، وفقًا للمسؤولين".
وقد أصرت على حشر الرواية الإسرائيلية في تقريرها الذي خلا من أي صورة للأطفال المجوعين، حيث أوردت: "تقول إسرائيل إنها تسمح بدخول ما يكفي من المساعدات إلى غزة وتنتقد جهود وكالات الأمم المتحدة في إيصالها".
ويشار إلى أن واشنطن تايمز تعرف بتوجهها السياسي المحافظ، وتميل إلى دعم السياسات والأفكار المرتبطة باليمين الأميركي، بما في ذلك الحزب الجمهوري والتيارات التقليدية والدينية.
أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد نشرت في قسمها الخاص بالشرق الأوسط -وليس الصفحة الأولى- تقريرا من مراسلها في تل أبيب بعنوان: "الأطفال يتضورون جوعا في غزة مع تفاقم أزمة الجوع".
وجاء في التقرير الذي غابت عنه صور مأساة التجويع في غزة "تقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 10 أطفال لقوا حتفهم جوعا هذا الشهر؛ وسوء التغذية يتفاقم بسرعة".
الموت تحت القنابل لم يعد يخيفنا
أما الصحافة الناطقة بالفرنسية فقد تناولت "لوتان" السويسرية المأساة تحت عنوان: "الجوع يضرب بأطنابه في غزة" ونقلت الصحيفة ذات التوجه الليبرالي الوسطي صرخة مدوية من غزة على لسان الصحفية الفلسطينية فدوى الحورد.
تقول الصحفية "إذا لم تستطيعوا إيقاف القنابل، فعلى الأقل أوقفوا الجوع.. يجب أن يكون هناك شخص ما قادر على التدخل.. الموت تحت القنابل لم يعد يخيفنا بعد الآن، لأنه سريع. لكن المفارقة (أن تموت من الجوع أن تشعر بأن جسدك يتلاشى شيئًا فشيئًا)، وفق ما جاء على لسان الدكتور فادي البرعي الطبيب الذي عمل جراحا في مستشفيي العودة والقدس الصغيرين، اللذين تم إخلاؤهما الآن بأمر من الجيش الإسرائيلي".
أما لوفيغارو ورغم ما يعرف عنها من تماه مع الأفكار اليمينية المتطرفة وتأييد لإسرائيل فقد خصصت فقط أمس مدونة لما تشهده غزة من تجويع، اختارت لها عنوان: الحرب في غزة: نحو 100 منظمة غير حكومية تحذر من بداية "المجاعة الجماعية".
وأوردت في المدونة ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة وما قالته وزارة الخارجية الفرنسية، فضلا عما ورد في بيان المنظمات غير الحكومية، حيث أدان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو "الوضع الرهيب" في قطاع غزة، في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي غاراته القاتلة.
وخصصت لوموند الفرنسية وهي صحيفة تحاول أن تظل في الوسط، صدر صفحتها الرئيسية لمجاعة غزة، حيث عنونت افتتاحيتها قائلة: "الغضب على إبادة غزة لم يعد كافيا".. فإلى جانب العنف والمجاعة والعطش، فإن الحصار القديم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع الفلسطيني يتطلب ردود فعل متناسبة مع المذبحة المستمرة، أي فرض عقوبات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية على إسرائيل.
غارديان.. تغطية مختلفة
يذكر أن ثمة صحفا غربية عديدة تعطي اهتماما معقولا لما يجري في غزة من إبادة وتجويع متعمد، وتحاول أن تبرز مأساة الإنسان في هذه الرقعة الجغرافية الضيقة والمحرومة من كل ما يعين على الحياة.
ويمكن أن نشير في هذا الخصوص إلى صحيفة "ذي غارديان" البريطانية التي خصصت لتغطية الإبادة في غزة مدونة حية، تبث فيها أخبار القطاع المنكوب لحظة بلحظة.
وقد عنونت الصحيفة البريطانية التي تهتم بقضايا المساواة، وحقوق الإنسان، والهجرة، والعدالة مدونتها بالتالي: "الناس في غزة جثث تسير والأونروا تقول إن لديها 6000 شاحنة مساعدات جاهزة بانتظار السماح لها بدخول غزة".
ولم تكتفِ غارديان بهذه التغطية المميزة، ولكنها خصصت افتتاحيتها أمس لغزة ومأساتها، وجاءت تحت عنوان: "سيتطلب الأمر أكثر من مجرد كلمات لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل".
وجاء فيها أن "وراء هذه الوفيات الظاهرة يكمن رعب المجاعة المنظمة، فهي على حسب تعبير البروفيسور أليكس دي وال الخبير في الأزمات الإنسانية: مهندسة بدقة، وخاضعة للمراقبة الدقيقة، ومصممة بعناية".
وخلصت الصحيفة إلى أن على دول العالم أن تتعاون لمواجهة التدمير الممنهج لحياة الفلسطينيين في غزة، ولتقديم رد منهجي وشامل وملموس وبشكل فوري، محذرة من أن السماح بتمزيق القانون الإنساني الدولي، ستطال تداعياته الكثيرين حول العالم في السنوات المقبلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
مستشار ماكرون: مندهشون لزوبعة إسرائيل تجاه الاعتراف بفلسطين
عبّر أوفير برونشتاين، مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط ، عن استغرابه الشديد من ردّ الفعل الإسرائيلي الحاد تجاه إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرا أن تلك الخطوة تأتي امتدادا لمسار سياسي بدأ منذ أشهر ولا يحمل ما يستدعي كل هذا التصعيد الدبلوماسي. وقال برونشتاين، في مقابلة مع قناة الجزيرة، إن باريس فوجئت من حجم الاستياء الإسرائيلي واستدعاء سفيرها لجلسة توبيخ، رغم أن المبادرة الفرنسية ليست مفاجئة وتمثل استمرارا لموقف ثابت منذ أكثر من 4 عقود يدعو لحل الدولتين. وأوضح أن المساعي الفرنسية جاءت في إطار محاولة وضع حد للحرب المستمرة في غزة، لا سيما أن هذه الحرب باتت بلا جدوى وتُلحق الضرر بالجميع، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي يخسر جنودا بشكل يومي دون أن يتمكن من تحرير الرهائن. ولفت إلى أن فرنسا طالبت مرارا بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وأنها تجد صعوبة في فهم أسباب الغضب الإسرائيلي من تصريحات الرئيس ماكرون، الذي جدّد دعم بلاده لقيام الدولة الفلسطينية كسبيل وحيد لإنهاء الصراع. وأضاف أن القيادة الفلسطينية نفسها باتت أكثر وضوحا في توجهها نحو إعادة بناء السلطة الوطنية وتوسيع شرعيتها، مما يعزز من مصداقية المسار الدبلوماسي الذي تتبناه فرنسا، ويؤكد أن المبادرة الفرنسية ليست انحيازا بل استجابة لرؤية دولية متماسكة. تحريك المبادرات وفي معرض رده على سؤال حول قدرة فرنسا على التأثير، شدد برونشتاين على أن بلاده ليست طرفا هامشيا، بل دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقادرة على تحريك المبادرات، خاصة إذا تعلق الأمر بوقف المجاعة في غزة ووقف عمليات التهجير القسري. وأوضح أن مفتاح التحرك الفعلي يبدأ بوقف الحرب، وهو ما يتطلب من الأطراف كافة التحرك دون تأخير، معتبرا أن إصرار إسرائيل على مواصلة العمليات العسكرية رغم الكلفة البشرية الباهظة يجب أن يخضع للمساءلة الدولية. وأشار إلى أن إسرائيل تصرّ على ربط وقف الحرب بتحرير الرهائن، فيما تواصل حركة حماس هجماتها التي تسفر عن سقوط جنود إسرائيليين، مما يضع الاحتلال أمام اختبار حقيقي بشأن أهدافه من استمرار القتال. وقال إن فرنسا ترفض تجاهل انتهاك القانون الدولي تحت أي ذريعة، وتدعو إلى ممارسة الضغط على إسرائيل من أجل احترام التزاماتها، مضيفا أن الصمت الدولي لم يعد مبررا في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة. وردا على سؤال حول الرسالة التي توجهها فرنسا لإسرائيل، شدد برونشتاين على أن الموقف الفرنسي واضح ومكرّر منذ أشهر: يجب وقف الحرب، وتحرير الرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية فورا، دون شروط. موقف واضح وأعرب عن أسفه لأن أحدا لا ينصت، لا في إسرائيل ولا في حماس، رغم وضوح الموقف الفرنسي، مضيفا أن تبادل الاتهامات بين الطرفين يفرض ضرورة العودة إلى الوسطاء في مصر وقطر للوقوف على حقيقة ما يجري. وقال إن المطلوب من إسرائيل الآن هو الالتزام بما وعدت به من قبل، والانخراط في الاتفاق، لا سيما بعد تصفيتها لعدد من قادة حماس، معربا عن أمله في أن توافق بقية القيادة على مغادرة القطاع إلى دول عرضت استقبالهم. وأثار قرار فرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية عند انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول تنديدا من إسرائيل والولايات المتحدة، وسط استمرار حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وبعث الرئيس الفرنسي برسالة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شدد فيها على أن باريس باتخاذها خطوة الاعتراف تنوي "تقديم مساهمة حاسمة من أجل السلام في الشرق الأوسط" و"ستحشد كل شركائها الدوليين الراغبين في المشاركة".


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا
قبل تسع سنوات اتخذت بريطانيا قرار الاستفتاء للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبعد خمس سنوات من البريكست، إسبانيا ومن خلالها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تمكنوا من التوصل إلى اتفاق تاريخي بخصوص موضوع جبل طارق، اتفاق من شأنه أن ينهي معاناة آلاف العمال الإسبان وغيرهم من المطالَبين بالعبور يوميًا إلى الصخرة من أجل العمل وكسب لقمة العيش. وهي معاناة قل نظيرها في التاريخ البشري المعاصر. اتفاق يونيو/حزيران 2025 شكل منعرجًا هامًا في العلاقة بين إسبانيا وبريطانيا، وبين الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا. حيث إنه بمقتضى هذا الاتفاق سيتم إلغاء ما يعرف في إسبانيا بـ "الفيرخا"، أي إلغاء الحدود ورفع المراقبة عن الأشخاص والسلع. "الفيرخا" هذه التي كانت مصطلحًا محفورًا في اللغة اليومية لسكان البلدات الحدودية الإسبانية، اليوم ستصبح فقط جزءًا من الذاكرة اللسانية لهؤلاء. يشار إلى أنه في السابق، كان الجانبان: الإسباني والأوروبي قد توصلا 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020 إلى اتفاق مبدئي يضمن حرية تنقل الأشخاص ودخول السلع بين إسبانيا وجبل طارق. بيد أن هذا الاتفاق عرف عدة عراقيل، منها ما هو ذو طبيعة سياسية أحيانًا، ومنها ما هو ذو طبيعة اقتصادية واجتماعية أحيانًا أخرى، هذا إلى جانب ما هو تقني ولوجيستي. لكن الجميع كان عازمًا على تدبير مجمل الخلافات بإرادة سياسية واضحة تُوّجت اليوم بالتوصل إلى اتفاق وصفته جميع الأطراف المتفاوضة بالتاريخي. وضع جبل طارق في منظور الأمم المتحدة يعتبر جبل طارق في المنظور الأممي بلدة محتلة من طرف بريطانيا التي تحتل كذلك تسع مناطق أخرى بعيدة جغرافيًا عن بريطانيا، والمنتسبة إلى الأطلسي والكاريبي من جهة، والمحيط الهادئ من جهة ثانية. في بلاغ للحكومة البريطانية الصادر بعد الاتفاق اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيره الإسباني بيدور سانشيز، الاتفاق فرصة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وصناعة مستقبل أفضل للجميع. هذا، وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن الاتفاق بين بريطانيا، وإسبانيا، ثم بريطانيا، والاتحاد الأوروبي يضمن السيادة البريطانية على المنطقة والوجود العسكري لبريطانيا، في إشارة للقاعدة العسكرية البريطانية الموجودة هناك، والتي شكلت واحدة من عوائق الحسم في موضوع الاتفاق. بلاغ وزارة الخارجية البريطانية هو الآخر، أشار إلى أنّ اتفاق اليوم أوجد حلولًا عملية لمشكلات عالقة دامت سنوات، وأنه بفضل جهود الحكومة المحلية لجبل طارق تمّ التوصل إلى اتفاق ينتصر للسيادة البريطانية، ويدعم اقتصاد جبل طارق، ويُمكّن المقاولات المحلية من النموّ على المدى البعيد. من جانب آخر، أكّد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الاتفاق هو تدشين لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الإسبانية البريطانية، ليس فقط في موضوع تدبير الخلافات بين البلدين وإنما كذلك في كل ما له علاقة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. أما تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، فقد أكدت أن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من شأنه إلحاق جبل طارق بفضاء شنغن وبالسوق الأوروبية المشتركة، ومن ثمة بالمنظومة الجمركية الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي. مؤكدة في نفس السياق أهمية الاستقرار في المنطقة ودلالات الأمن القانوني والتنمية والازدهار على المستوى الجهوي. ومن المعلوم تاريخيًا، أن فيليبي الخامس ملك مملكة آل بوربون بإسبانيا تنازل عن جبل طارق لصالح التاج البريطاني بمقتضى اتفاقية أوترخت 1713، في أفق تشكيل ميزان قوى جديد يحُول دون استفراد أي طرف بالقوة على مستوى أوروبا، مع كسر شوكة إسبانيا من خلال الحيلولة دون اتحاد فرنسا، وإسبانيا تحت حكم واحد. جبل طارق كذلك هو من المناطق السبع عشرة التي تعتبرها الأمم المتحدة مناطق محتلة وغير مشمولة بالاستقلال في منظور القانون الدولي لحدود اليوم. فمنذ ذلك الوقت وإسبانيا تطالب باسترجاعها، وتذكر العالم في كل مناسبة بأحقيتها في ذلك ضمن فعاليات الأمم المتحدة. سواء مع الحكومة الاشتراكية الأولى في تاريخ التحول الديمقراطي في إسبانيا، حكومة فيليبي غونزاليس ماركيز الذي نجح في حلحلة موضوع الحدود بين إسبانيا وجبل طارق مع بريطانيا بعد فشل وزير خارجية حكومة فرانكو الدكتاتورية فرناندو ماريا كاستييا إي مايز في ذلك، أو الحكومة اليمينية بقيادة خوسيه ماريا أزنار لوبيز الذي طرح موضوع السيادة المشتركة على الصخرة، أو حكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ساباثيرو، أو حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي بري، أو حكومة اليساري بيدرو سانشيز بيريز كاستيخون الحالية. يشار إلى أن منسوب الضغط على بريطانيا ارتفع بعدما متّعت بريطانيا البلدة بوضع مدينة لها حكومتها المحلية وبرلمانها 2022، باعتبارها مدينة ذات هوية تاريخية وخصوصيات ثقافية تضمن لها موقعها مثل باقي المدن البريطانية في خريطة المملكة المتحدة. الأمر الذي مَكّنها من مجموعة من الحقوق والامتيازات كتأسيس جامعة وكاتدرائية، إلى جانب إدارة ومؤسسات محلية تستجيب لاحتياجات المواطنين؛ وهو وضْع سبق أن أعلنت عنه الملكة فيكتوريا 1842 دون تثبيته رسميًا. مضمون الاتفاق في تصريح مثير، اعتبر خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية الإسباني أن الاتفاق هو بمثابة آخر حائط يسقط في أوروبا القارية، في إشارة منه إلى تعزيز الروابط السياسية والثقافية للدول المشكِّلة للاتحاد الأوروبي وفضاء شنغن، وهو ما يجعل منها قوة حقيقية بإمكانها فرض منظورها الإستراتيجي في المنطقة. إن الهدف الأساسي للاتفاق هو تحقيق رفاهية الشعبين، حيث ستعمل السلطات على إلغاء الحدود ورفع الرقابة عن الأشخاص والسلع بين إسبانيا وجبل طارق. هذا مع العمل على تأمين فضاء شنغن للاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة الموحدة، إلى جانب منظومة جمركية أوروبية موحدة تشمل جبل طارق. باعتبار أن توحيد المنظومة الضريبية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق يضمن تنافسية عادلة، حسب عبارة ألباريس. فبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سيصبح جبل طارق جزءًا من فضاء شنغن، وسيتمتع العمال كما الإسبان بجميع الحقوق الاجتماعية المرتبطة بالتغطية الاجتماعية والصحية، مع الحق في التقاعد الذي كان يطرح إشكالًا حقيقيًا قبل الاتفاق. أي أن هذا الاتفاق سيضع حدًا لمعاناة ما كان يعرف بالعمال الحدوديين، أي العمال الذين يأتون من البلدات الإسبانية الواقعة على الحدود مع جبل طارق، خصوصًا بلدة لالينيا دي لا كونسبسيون، والجزيرة الخضراء، وسان روكي، ولوس باريوس، وطريفة. فهؤلاء العمال كانوا مطالَبين بعبور الحدود يوميًا والعودة إلى بلداتهم الإسبانية مساءً. بعد الاتفاق ستشرف السلطات الإسبانية وسلطات الاتحاد الأوروبي بتنسيق مع سلطات المملكة المتحدة والسلطات المحلية لجبل طارق على مجموع عمليات للمراقبة الحدودية، سواء على مستوى جبل طارق، أو على مستوى فضاء شنغن، إنْ في نقاط المراقبة في الميناء أو في مطار جبل طارق. في نفس السياق، تم إقرار مبدأ المساواة في الشروط في مجال المساعدات الاجتماعية والمنظومة الضريبية والشغل والبيئة والتجارة والتنمية المحلية. هذا، ويؤكّد الجانبان على ضرورة التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ومحاربة الجريمة المنظمة، التي تتقاطع مع ما تفرضه دول الساحل جنوب الصحراء من تحديات أمنية وإستراتيجية. الحق أن هذه في المجمل هي مطالب ساكنة البلدة التي يعتمد الناتج المحلي الخام بها بنسبة 25% على مضيق جبل طارق، حسب تقرير أعدته الغرفة التجارية لجبل طارق. إن العلاقة بين البلدات الإسبانية الحدودية وبلدة جبل طارق هي بالغة الأهمية بالنسبة للطرفين، حيث إن الجزء الأكبر من اليد العاملة للمدينة مصدره البلدات الإسبانية. وهو ما يفرض تحديات ورهانات كبيرة تختلط فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والاجتماعية المنُوط بالاتفاق تجاوزها، وبالتالي وضع حد للمعاناة اليومية لحوالي 15 ألف عامل، حوالي 10 آلاف منهم إسبان. تحديات ورهانات الاتفاق فبيان ريكاردو الوزير البريطاني الرئيسي لجبل طارق ورئيس الحكومة المحلية، ونائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيس وصفا الاتفاق بالهام والتاريخي. وحسب تصريحات المسؤولين الإسبان، فإن إسبانيا ستشرف على مراقبة جوازات السفر سواء على مستوى الميناء، أو على مستوى مطار جبل طارق. هي محطة تاريخية سيكون لها حقيقة ما قبلها وما بعدها، وستنعكس لا محالة على الاستقرار والتعاون بالمنطقة حسب تصريح وزير الخارجية الإسباني في ندوة صحفية تلت الاتفاق، مؤكدًا أن جبل طارق سيصبح جزءًا لا يتجزأ من فضاء شنغن، كما أن إسبانيا ستشرف بعد دخول الاتفاق حيز التطبيق على مجمل عمليات الدخول والخروج. لكن هذا الاتفاق سيطرح مجموعة من التحديات، حيث قال رئيس بلدية لالنيا دي لا كونسيبسون خوسيه خوان فرانكو رودريغيز، إن البلدية التي يترأسها هي الأكثر تأثرًا بتداعيات الاتفاق، مؤكدًا في نفس الاتجاه أن هناك مجموعة من النقاط لم تؤخذ بعين الاعتبار أثناء عملية التفاوض، من بينها إمكانية هروب شرائح واسعة من سكان البلدات الحدودية إلى بلدة جبل طارق. وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حصل بالضبط 1969، فيما يشبه الهروب شبه الجماعي من البلدات الإسبانية إلى الصخرة، مع بسطه مخاوف أخرى مرتبطة بارتفاع أسعار السكن هناك، وتكلفة الحياة. من جانب آخر، لا يمكن أن نسقط من البال أن الاتفاق بين إسبانيا وبريطانيا سيدفع لا محالة المغرب إلى المزيد من الضغط على الجارة إسبانيا من أجل استرجاع مدينتي سبتة ومليلية، وهو الذي لا يفوت أية فرصة يراها مواتية للتذكير بمطلبه التاريخي هذا.


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. المجاعة تتوسع وجيش الاحتلال يقدم خططا لاستمرار القتال
في اليوم الـ661 من حرب الإبادة على غزة ، يتواصل القصف على القطاع، وتستمر سياسة التجويع، حيث أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن المجاعة تتوسع وتزادد توحشا، في وقت سُجلت فيه وفيات جديدة جراء سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال ضد المحاصرين بالقطاع.