logo
ضرورة منع انتشار السلاح النووي لتحقيق الاستقرار الإقليمي

ضرورة منع انتشار السلاح النووي لتحقيق الاستقرار الإقليمي

تُعد منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر جيوسياسي معقد، وتزداد هذه التعقيدات حدةً مع استمرار المخاوف المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية. وبالتالي، فإن السعي نحو شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية ليس مجرد هدف مثالي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتتضح التحديات المتمثلة في المواقف المتباينة لدول المنطقة، لا سيما إسرائيل وإيران، مما يلقي بظلال كثيفة على مستقبل الأمن في المنطقة.
دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزام الدول
تضطلع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدور حيوي في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي، وذلك من خلال تعزيز مبادئ عدم الانتشار النووي وتوسيع نطاق الاستخدامات السلمية للتكنولوجيا النووية بما يخدم أهداف التنمية المستدامة. ويُنظر بتقدير كبير إلى جهود المدير العام للوكالة، رفائيل غروسي، والإنجازات التي تحققت منذ توليه منصبه، مع التأكيد على أهمية تعزيز التعاون مع الوكالة للاستفادة من خبراتها الفنية وضمان تطبيق أعلى المعايير الدولية في مجالات الأمان والأمن النووي؛ ذلك أن إسهامات الوكالة في منع الانتشار النووي والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية تُعد ركيزة أساسية في السعي نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية.
ومع ذلك، تواجه منظومة منع الانتشار تحديًا كبيرًا في الشرق الأوسط يتمثل في الخلل التعاهدي القائم؛ فبينما تلتزم معظم دول المنطقة بمعاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، تظل إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم للمعاهدة وترفض إخضاع جميع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الشاملة. وهذا الوضع يفاقم حالة عدم الاستقرار ويقوض مصداقية نظام منع الانتشار العالمي. لذا، تتصاعد الدعوات المطالبة بانضمام إسرائيل للمعاهدة كدولة غير نووية، ويُعرب عن التطلع لقيام المدير العام للوكالة ببذل المزيد من الجهد لتنفيذ القرار السنوي الصادر عن المؤتمر العام للوكالة بشأن تطبيق الضمانات في الشرق الأوسط.
البرنامج النووي الإيراني: بين السلمية والردع النظري
على الجانب الآخر، يمثل البرنامج النووي الإيراني أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في المنطقة والعالم. ورغم إصرار طهران على الطبيعة السلمية البحتة لبرنامجها، فإن سياساتها النووية تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من عقيدتها الدفاعية، حيث تسعى من خلاله لتحقيق أهداف متعددة تتعلق بالأمن القومي والسيادة والردع ضمن معادلة القوة والتوازن الإقليمي. وقد بدأ البرنامج في خمسينيات القرن الماضي بتعاون غربي، لكن هذا التعاون توقف بعد الثورة الإسلامية عام 1979. ومع تصاعد الحرب مع العراق والحاجة إلى القدرات الدفاعية، استؤنفت البحوث النووية، وشهدت التسعينيات تعاونًا مع روسيا. إلا أن الكشف عن منشآت نووية غير معلنة عام 2003 من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعّد الخلافات مع الغرب.
وتعتمد إيران بشكل كبير على مفهوم 'الردع' في عقيدتها الدفاعية، ويُعد برنامجها النووي، حتى لو كان سلميًا، أداة 'ردع' استراتيجية هامة؛ حيث يصرّح القادة الإيرانيون أن القدرات التقنية والعلمية التي تطورها بلادهم تمنحها نفوذًا وورقة ضغط استراتيجية في مواجهة التهديدات المحتملة من الخصوم الإقليميين والدوليين. وفي هذا الإطار، يبرز مفهوم'الردع النووي الكامن'، والذي يعني امتلاك الدولة للمعرفة والعلماء والتكنولوجيا واليورانيوم اللازم لصناعة الأسلحة النووية دون الشروع الفعلي في تصنيعها، إلا إذا تعرضت لتهديد وجودي. ويرى المسؤولون الإيرانيون أن هذه الاستراتيجية لا تتعارض مع القانون الدولي وتمنحهم القدرة على الردع والحصول على تنازلات في المفاوضات، مع الاستمرار في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار معاهدة عدم الانتشار. وبحسب رأيهم تأتي فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية لتعزيز الموقف الرسمي، لكن استراتيجية الردع الكامن تظل أداة سياسية فعالة.
تصاعد القلق الدولي: تخصيب اليورانيوم ومستقبل المفاوضات
زاد من حدة القلق الدولي التصريح الأخير للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بأن إيران تمتلك نحو 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 60%. ورغم أن هذه الدرجة أقل من اللازمة لصنع الأسلحة (90%)، إلا أنها تُعد مرحلة متقدمة جدًا ومقلقة تقنيًا. ووفقًا لتقديرات الوكالة، فإن هذه الكمية تكفي، من حيث المبدأ، لصنع خمس قنابل نووية إذا تم تخصيبها بشكل أكبر. وأشار غروسي أيضًا إلى أن إيران زادت معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى سبعة أضعاف مؤخرًا، مما يُظهر تسارعًا في برنامجها قد يكون بهدف تحقيق مكاسب تقنية وسياسية في ظل جمود المفاوضات النووية. وهذه التطورات تمثل خرقًا واضحًا لالتزامات إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وتثير تساؤلات جدية حول نواياها الحقيقية ومدى استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع خطر تصعيد نووي محتمل. لذلك، فإن الحاجة إلى جهود دبلوماسية مكثفة، مدعومة بضغوط اقتصادية، لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات والالتزام باتفاق جديد أكثر صرامة وشفافية، أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
نحو شرق أوسط آمن وخالٍ من الأسلحة النووية
إن قضية منع انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط تظل ذات أهمية قصوى للأمن الإقليمي والعالمي. فالتحديات المتمثلة في عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة عدم الانتشار، وتطورات البرنامج النووي الإيراني المقلقة، واستراتيجية 'الردع الكامن'، كلها عوامل تزيد من حالة عدم الاستقرار وتُهدد بإطلاق سباق تسلح نووي مدمّر في المنطقة.
ونحن نثمّن الدور الذي تلعبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن فعاليته تعتمد على التزام جميع دول المنطقة بالمعاهدات الدولية وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة. وبالتالي، فلا بد من تكثيف الجهود الدبلوماسية لإيجاد حلول شاملة تضمن حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مع منع انتشار الأسلحة النووية بشكل قاطع.
وفي الخلاصة، إن تحقيق هدف شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية، وتعاونًا دوليًا فعالًا لضمان مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للمنطقة والعالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قرار "الوكالة" يقترب وطهران تتأهب
قرار "الوكالة" يقترب وطهران تتأهب

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

قرار "الوكالة" يقترب وطهران تتأهب

تستعد طهران لاحتمال صدور قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينتقد أنشطتها النووية، خلال الاجتماع المرتقب لمجلس المحافظين الأسبوع المقبل، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الجانبين. ونقلت صحيفة "طهران تايمز" عن مصدر مطّلع على صلة بوزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية، أن السلطات في إيران توصّلت إلى تقييم داخلي يُرجّح صدور قرار ضدها، وسط تزايد الضغوط الغربية بشأن برنامجها النووي. وبحسب المصدر، تدرس طهران مجموعة من الإجراءات المضادة التي سيتم تنفيذها فور صدور القرار، دون الكشف عن طبيعتها، ما يعكس احتمال تصعيد سياسي وتقني في الملف النووي الإيراني. في المقابل، وجّهت إيران اتهامات مباشرة لمفتشي الوكالة، واصفة إياهم بـ"المفترين والجواسيس"، ومعتبرة أنهم يستندون إلى "أدلة غير موثقة". وجاء ذلك ضمن مذكرة قانونية وزّعتها طهران قبل أيام من اجتماع دبلوماسي حاسم في العاصمة النمساوية فيينا، بحسب ما نقلت شبكة "بلومبرغ". وكشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير سري صدر في ٣١ أيار ٢٠٢٥، أن إيران جمعت حتى تاريخ ١٧ أيار نحو ٤٠٨.٦ كلغ من اليورانيوم المخصّب بنسبة تصل إلى ٦٠٪، أي على مسافة خطوة واحدة فقط من نسبة ٩٠٪ اللازمة لصناعة السلاح النووي. وتشير هذه الكمية إلى ارتفاع يقارب ٥٠٪ مقارنة بشهر شباط الماضي. وأثار التقرير القلق بشأن أنشطة نووية سرّية في ثلاثة مواقع غير معلنة على مدى أكثر من عشرين عامًا، وهو ما وصفته الوكالة بأنه "مصدر قلق بالغ"، داعية طهران إلى تغيير نهجها والتعاون الكامل مع التحقيقات. بدورها، اعتبرت إيران أن التقرير مسيء ويحتوي على "ادعاءات لا أساس لها"، مجدّدة التأكيد أن برنامجها النووي "سلمي بالكامل" ولا يستهدف إنتاج أسلحة. غير أن الوكالة أكدت في تقريرها أنها لم تعد قادرة على التحقّق من سلمية البرنامج النووي الإيراني، بسبب منع المفتشين الكبار من الوصول إلى المواقع المطلوبة، وغياب الإجابات الكافية حول قضايا عالقة. ومن المرتقب أن يناقش مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقرير الكامل خلال جلساته المقبلة في فيينا، وسط ترقّب لمواقف الدول الأعضاء حيال أي قرار محتمل ضد إيران.

إسرائيل تتعهد عدم ضرب إيران قبل فشل المفاوضات النووية
إسرائيل تتعهد عدم ضرب إيران قبل فشل المفاوضات النووية

المدن

timeمنذ 4 ساعات

  • المدن

إسرائيل تتعهد عدم ضرب إيران قبل فشل المفاوضات النووية

ذكر موقع "أكسيوس" مساء أمس الخميس، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين، أن إسرائيل أكدت للولايات المتحدة أنها لن تضرب المنشآت النووية الإيرانية، إلا إذا أشار الرئيس دونالد ترامب إلى فشل المحادثات مع طهران. ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "أبلغ ترامب بأنه متشكك بشأن فرص التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران". وأشار المسؤولون إلى أنه "من غير المتوقع عقد جولة جديدة من المحادثات بين ستيف ويتكوف وعباس عراقجي هذا الأسبوع". تخصيب اليورانيوم وكان "أكسيوس" قد نقل الأربعاء عن مسؤول إيراني كبير قوله إن طهران منفتحة على إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يدور حول فكرة تشكيل اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم يتخذ من إيران مقراً له. وأضاف المسؤول الإيراني أنه إذا كان الاتحاد الإقليمي لتخصيب اليورانيوم "يعمل داخل الأراضي الإيرانية، فقد يستحق النظر فيه. وإذا كان مقره خارج حدود البلاد، فإنه محكوم عليه بالفشل بالتأكيد". وسبق للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن أكد تمسكه بحق بلاده في تخصيب اليورانيوم "لأغراض سلمية"، مشيراً إلى عدم سعي طهران لامتلاك أسلحة نووية. ويوم الإثنين أعلن ترامب أن أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران لن يسمح للأخيرة بـ"أي تخصيب لليورانيوم" قرار غربي ضد إيران في سياق آخر، يعتزم الأوروبيون والولايات المتحدة أن يطرحوا الأسبوع المقبل على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ضد ايران، مع تهديد بإحالة الملف على الأمم المتحدة، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية عدة. وقال مصدر دبلوماسي مطلع الخميس إنه بعد نشر الوكالة التابعة للامم المتحدة تقريراً يؤكد "عدم تعاون كامل من جانب طهران، سيتم تقديم قرار لعدم احترامها التزاماتها النووية". وأكد دبلوماسيان آخران لوكالة "فرانس برس" هذه المبادرة الغربية الهادفة إلى "تشديد الضغط" على إيران. وأورد أحد هذين المصدرين أن النص الذي اعدته واشنطن ولندن وباريس وبرلين، "يستند إلى التقرير الكامل" الذي كشفته الوكالة قبل أيام، متوقعاً أن يتم التصويت عليه الأربعاء المقبل خلال الاجتماع المقرر في فيينا. وفي هذا التقرير الذي وصفته طهران بأنه "سياسي"، دعت الوكالة الذرية إيران إلى مزيد من الشفافية في شأن برنامجها النووي.

الأسبوع المقبل… قرار غربي ضد إيران أمام الطاقة الذرية
الأسبوع المقبل… قرار غربي ضد إيران أمام الطاقة الذرية

بيروت نيوز

timeمنذ 6 ساعات

  • بيروت نيوز

الأسبوع المقبل… قرار غربي ضد إيران أمام الطاقة الذرية

تعتزم أوروبا والولايات المتحدة الاسبوع المقبل طرح قرار ضد إيران على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع تهديد بإحالة الملف على الأمم المتحدة، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية عدة. وقال مصدر دبلوماسي مطلع الخميس إنه بعد نشر الوكالة التابعة للامم المتحدة تقريراً يؤكد 'عدم تعاون كاملاً من جانب طهران، سيتم تقديم قرار لعدم احترامها التزاماتها النووية'. وأكد دبلوماسيان آخران لوكالة فرانس برس هذه المبادرة الغربية الهادفة إلى 'تشديد الضغط' على إيران. وأورد أحد هذين المصدرين أن النص الذي اعدته واشنطن ولندن وباريس وبرلين، 'يستند الى التقرير الكامل' الذي كشفته الوكالة قبل أيام، متوقعاً ان يتم التصويت عليه الأربعاء المقبل خلال الاجتماع المقرر في فيينا. وفي هذا التقرير الذي وصفته طهران بأنه 'سياسي'، دعت الوكالة الذرية إيران إلى مزيد من الشفافية في شأن برنامجها النووي. وكتبت الوكالة أن 'إيران عمدت مراراً إما إلى عدم الرد، وإما إلى عدم تقديم اجوبة تقنية ذات صدقية، فضلاً عن تنظيفها' الأماكن المعنية، مشيرة أيضاً إلى سرقة وثائق سرية. وسرعت طهران في الأشهر الاخيرة من وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب حتى 60%، وهو سقف قريب من نسبة 90% الضرورية لصنع قنبلة. وتنفي طهران أي نية عسكرية لديها، مؤكدة حقها في إنتاج الطاقة النووية لأغراض مدنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store