logo
رحيل الدكتور سالم النويدري .. العملاق المجهول والفارس الذي لم ينكص

رحيل الدكتور سالم النويدري .. العملاق المجهول والفارس الذي لم ينكص

مرآة البحرين٢٨-٠٣-٢٠٢٥

طود شامخ يغيب عن هذه الدنيا، وفارس يترجل بعدما طالما صال وجال في الميدان بقلب صلب وبصيرة نافذة وأفق متطلّع للتغيير. منارة علم شامخة اتشحت طوال عمرها بالتواضع ورفض البهرجات الإعلامية والدعائية.
بعروج روح الأستاذ الدكتور سالم عبد الله النويدري إلى بارئها، يُسدل ستار أبدي على شخصية ساهمت بأسلوبها الخاص في عدد من جوانب الحياة في بلد ما يزال يبحث عن حرّيّته وهويّته. فلم يكن "الأستاذ سالم" رقما عاديّا في مسيرة شعب ما برح يناضل لتحقيق العدالة لسكانه الأصليين (سنة وشيعة) لكي تتوفر لهم فرصة حقيقية للشراكة السياسية بعد عقود من النضال الذي استمر أجيالا عديدة على مدى أكثر من مائة عام. بل ترك بصماته على تلك المسيرة من خلال دوره القيادي منذ نعومة أظفاره. وبرغم شيء من الإعاقة الجسدية، فقد كانت روحه كبيرة وأفقه واسعا. فلم يكتف بالنمط التقليدي في مجال العمل، بل تربّع في ذروة مشروع التغيير الذي طرحه روّاد العمل الإسلامي في البحرين من ستينيات القرن الماضي.
بدأ الفقيد حياته بالسعي لامتلاك الأدوات الفكرية التي تخدم خطه التغييري. وفي مقدمة ذلك حرصه على التعمّق في معرفة الإسلام سواء بالاطّلاع على الكتب والمؤلفات، أم المشاركة في الندوات والمؤتمرات، أم الالتحق بالدراسات الأكاديمية التي دفعته للتعمّق في البحث والتواصل مع أمّهات الكتب ومصادر الحديث والتاريخ. ولذلك تنقّل في تحصيله العلمي الإسلامي من بيروت التي تخرّج من جامعتها العربية في العام 1971 بليسانس في الآداب (قسم اللغة العربية)، حتى حصل شهادة دكتوراه الثقافة من الاكاديمية العالمية في لندن في العام 2003. وخلال العقود الثلاثة الفاصلة بينهما التحق بالجامعات المصرية ليحصل منها دبلوم الدراسات الإسلامية العليا من معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة في العام 1976، ودبلوم عام في التربية ودبلوما خاص في التربية أيضا من جامعة عين شمس.
إنها مسيرة أكاديمية ساهمت في توجيه فكره الإسلامي خصوصا مع بحوثه المستمرة في بطون الكتب الإسلامية لاحقا. يضاف إليها تجربته الشابّة في ميدان العمل الإسلامي، ودوره الرائد في تأسيس المكتبة العامة للثقافة الإسلامية في المنامة في مطلع السبعينات، وهي مؤسسة كانت يومها معلما ثقافيا بارزا، أسّست لنمو جيل الصحوة الإسلامية الذي رفع راية الدين في حقبة كان النشاط فيها محصورا بالليبراليين واليساريين.
ربما السمة الأبرز في شخصية الدكتور النويدري نزعته للتربية. وهذا يتجلّى في مجالين من نشاطه: الأول انخراطه في مشروع فكري سياسي أيديولوجي يتبنى التربية كوسيلة لتكوين الكوادر القادرة على التغيير الاجتماعي والسياسي. وهذا الانخراط لم يكن ناجما عن حماس شبابي بل عن قناعة دفعته لاختيار موقع قيادي ضمن عمل سرّي استمر فيه ردحا من الزمن. كان يرى ضرورة إعادة صياغة عقلية الشباب وتطويرها إلى مستويات قيادية تبعث في النفس استعدادا لتحمّل المشقة والتعب من أجل تحقيق ذلك. وكان يعلم بوضوح أن تبعات ذلك كبيرة، وقد توصله إلى السجن كما حدث للعديد ممن انخرط في مشروع التنظيم الحزبي السرّي خصوصا في السبعينات والثمانينات. الثاني: انهماكه في مشروع التأليف في المجال التربوي حتى أصدر عددا من المؤلفات الهادفة لإعادة صياغة عقلية الجيل الناهض خصوصا في مرحلة الصحوة الإسلامية قبل اربعة عقود. وهي مؤلفات ذات مستوى رفيع من حيث التقعيد ورصانة اللغة والأسلوب.
هذه المؤهلات الأكاديمية والدوافع الأيديولوجية أفادته كثيرا عندما وجد نفسه مجبرا على العيش في المنفى. فعندما كانت الثورة الإسلامية في إيران في ذروتها كان يتلقى دورة تعليمية في بريطانيا، يومها كان له دور قيادي محدود، وساهم في تسهيل التواصل بين بعض كوادر العمل الإسلامي في البحرين وبعض العناصر الفاعلة في الثورة، انطلاقا من شعوره بضرورة دعم التغيير في إيران آنذاك. كما كان على تواصل مع التجمعات الطلابية في أمريكا وبريطانيا لمتابعة شؤون البلاد وما جرى فيها من اعتقالات واضطهاد ابتداء من سبتمبر 1979.
وعندما استهدفت حكومة البحرين التيار الإسلامي العام الذي يمثل سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم لولبه في نهاية العام 1983 كان خارج البلاد، مستمرا في دورات التدريب في بريطانيا. وكانت اتصالاته مع الرموز الناشطة مستمرة، وساهم في بلورة بعض المواقف والسياسات المرتبطة بتلك القضية. وكانت تلك الضربة مؤذية كثيرا لنفسه، فقد كان معنيّا لأنه كان عنصرا قياديا في الجهة التي كانت وراء الحراكات الشعبية التي أعقبت إعدام الشهيد السيد محمد باقر الصدر في أبريل 1980.
وكانت الضربة الأمنية التي حدثت في مطلع 1984 عاملا في اتخاذه قرار البقاء خارج البلاد حتى يتغير الوضع. وبعد فترة انتقل إلى سوريا ليبقى فيها حتى عودته إلى البلاد في العام 2000. وهناك كان له دور تربوي كبير. فقد قام بتدريس العلوم اللغوية، والدراسات الإنسانية في «حوزة الإمام» في دمشق، من منتصف الثمانينيات حتى مطلع التسعينيات. وشارك في تلك الفترة في عدد من اللقاءات والمؤتمرات الخاصة بالمعارضة. كما كان يتردد على مدينة قم للتواصل مع العلماء والنشطاء وطلاب العلم هناك، وللزيارة أيضا.
عندما كان في سوريا التي استقر بها في العام 1987 كان النويدري على علاقة عملية مع شخصين أساسيين هما سماحة السيد عبد الله الغريفي والسيد معتوق الماجد. فقد وصل السيد عبد الله إلى سوريا بعد إبعاده من دبي في العام 1984 التي كان يقيم فيها منذ العام 1973 بعد انتخابات المجلس الوطني في البحرين. ولم يعد إلى البحرين إلا في العام 2000، أي في نهاية الانتفاضة الشعبية التي كانت قد انطلقت في العام 1994. وتمكّن الاثنان من القيام باعمال فكرية ودينية مشتركة ومن بينها التدريس في الحوزة. أما السيد معتوق السيد هاشم الماجد فقد هاجر في العام 1984م إلى سوريا بعد ضرب جمعية التوعية الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية.
وهناك شرع في دراساته الحوزوية حيث تتلمذ على يد الكثير من العلماء، وحضر البحث الخارج عند سماحة المرجع الديني آية الله السيدمحمد حسين فضل الله. وقد التقيته في طهران في العام 1986 عندما ذهب لكي يضع الإمامُ الخميني رحمه الله العمامة على رأسه. وبعد وصول الدكتور سالم النويدري إلى سوريا أصبح الإثنان صديقين حميمين ومارسا أعمالا علمية وفقهية مشتركة. وكان الاثنان كذلك على علاقة مع المعارضين من التيارات الأخرى، ومن بينهم المرحوم عبد الرحمن النعيمي والأستاذ عبد النبي العكري وأحمد الذوادي، وكذلك مع رموز الجبهة الإسلامية مثل الشيخ محمد علي المحفوظ والمرحوم عبد الأمير العرب والسيد جعفر العلوي.
لقد كان النويدري عنصرا وحدويا، جادّا في مواقفه وعمله، مع قدر من الدعابة والطرفة، الأمر الذي جعله محبوبا لدى الآخرين. كما كان قلمه سيّالا، فكان له دور في الكتابات التنظيمية والسياسية بالإضافة لتركيزه على التأليف وإصدار الكتب.
لقد كان ارتباط الفقيد الدكتور سالم النويدري بوطنه متينا، نابعا من القلب. ولذلك كتب الشعر في حب الوطن. وألّف ما يمكن اعتباره ملحمة شعرية بعنوان: "التحف الأوليّة" وهي منظومة تربو على ألف بيت والتعليق عليها في 'المعالم والمقامات الدينيّة في البحرين'. وألّف كتبا عديدة حول البحرين ونشر البحوث والدراسات التراثية والتاريخية في بعض المجلات المتخصصة.
ولعلّ من أهمّ ما قدّمه الدكتور النويدري من مساهمات تهدف للحفاظ على التراث العلمي والفكري والفقهي لأبناء هذا البلد عبر التاريخ موسوعة "أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرنا" التي تتألف من 3 مجلّدات، وتؤرّخ لعلمائها منذ القرون الأولى للإسلام، وقد صدرت في العام 1992. هذه الموسوعة تؤكّد رسوخ هويّة الغالبية الساحقة من البحرانيين تاريخيّا وعلميّا، إذ تتصل بالإسلام الحنيف، قبل أن تصبح ضحيّة للاحتلال من قبل جهات أجنبية عديدة، وقع آخرها في العام 1783 م.
هذه اللمحة الخاطفة عن حياة الدكتور سالم عبد الله سالم علي النويدري تسلط الضوء على حياة امتدت ثمانية عقود تخلّلتها معاناة شخصية وسياسية، ساهمت في صقل ذهنه ووضعه ضمن قائمة المفكرين البحرانيين التاريخيين، فلم ينحصر اهتمامه بالتحصيل الأكاديمي بل توسّعت دائرة اهتماماته لتصل دائرة التأليف والتوجيه والمساهمة في السجالات الفكرية والتربوية التي شهدتها البلاد حتى الفترة الأخيرة من حياته. ولا يمكن تغافل دوره في مرحلة الشباب وخلال حقبة العيش في المنفى، وهو دور شدّ في أزر فصائل المعارضة آنذاك وكان سندا معنويا للناشطين. ومن المؤكد أن بقاءه في سوريا كان عاملا في إضفاء توجه حذر على شخصيته، إذ لم يُعرف ذلك البلد بتسامحه في مجال الحرّيّات العامة.
مع ذلك استطاع النويدي الاستفادة من سنوات بقائه هناك في مجالات ثلاثة: مد جسور التواصل مع الآخرين خصوصا السياسيين المنفيين من بني وطنه، استكمال دراساته الأكاديمية، وتأليف الكتب التاريخية والفكرية. لهذا ترك وراءه، بعد أن ودّع أهله وأصدقاءه وعالَمَه، تراثا فكريا وسياسيا كبيرا، سيبقى مرجعا للمهتمّين بالتعرّف على الحقيقة، واستيعاب ديناميكية التطور في بلد ما برح يكافح ضد محاولات تغيير هويّته وتاريخه وانتمائه.
الرحمة لروحه والدعاء من الله يتقبّل عمله ويسكنه فسيح جنّاته.
سعيد الشهابي
لمحة عن حياة المرحوم الدكتور سالم النويدري
الاسم :
سالم عبدالله سالم علي واسم الشهرة في الأعمال الكتابية سالم عبدالله النويدري.
مكان وتاريخ الميلاد:
مملكة البحرين – المنامة 1945.
الوظيفة:
اختصاصي مناهج اللغة العربية – إدارة المناهج – وزارة التربية والتعليم – مملكة البحرين (سابقا).
الحالة الاجتماعية:
متزوّج، وله سبعة أولاد (3 ذكور و 4إناث).
المؤهلات العلمية (الجامعية والعليا):
1. ليسانس في الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة بيروت العربية – العام 1971.
2. دبلوم الدراسات الإسلامية العليا – معهد الدراسات الإسلامية – القاهرة – العام 1976 .
3. دبلوم عام في التربية – جامعة عين شمس – العام 1977.
4. دبلوم خاص في التربية – جامعة عين شمس – العام 1983.
5. درجة دكتوراه الثقافة (على مجموعة الأعمال المنجزة في الدراسات التوثيقية) – أكاديمية يونيفرسال universal academy – لندن – العام 2003.
الأنشطة والفعاليات في المجال التربوي:
1. كان عضوا في «اللجنة الاستشارية للغة العربية والتربية الإسلامية» في الفترة من 1979 إلى 1982.وكانت مهمتها العمل على تطوير المناهج الدراسية في مملكة البحرين.
2. العضوية في «لجنة تطوير مناهج التربية الإسلامية في المعهد الديني الجعفري» التابع لوزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين.
3. المشاركة في عدد من الفعاليات واللقاءات التربوية محليا وإقليميا.
4. القيام بتأليف وتعديل الكتب الدراسية بمشاركة زملاء في القطاع التربوي في مملكة البحرين.
5. تدريس العلوم اللغوية، والدراسات الإنسانية في «حوزة الإمام» في دمشق، من منتصف الثمانينيات حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، و«حوزة النور الأكاديمية» في مملكة البحرين حاليا.
الأنشطة والفعاليات العامّة:
1. إلقاء المحاضرات في المنتديات والمراكز الثقافية العامّة في البحرين.
2. كتابة الشعر وإلقاؤه في المحافل العامّة، ونشره في الصحافة المحلية.
3. نشر البحوث والدراسات التراثية والتاريخية في بعض المجلات المتخصصة.
المؤلفات:
1. أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرنا (3 مجلدات) – العام 1992.
2. أسر البحرين العلمية: أنسابها، وأعلامها، وتاريخها العلمي والثقافي – العام 1994.
3. الكلمة السواء: بحث حول الإسلام والمسيحية – العام 2001.
4. إعداد وتحقيق «ديوان ديك العرش». نظم: الخطيب حسن آل ماجد – العام 2002 .
5. الشيخ جعفر أبو المكارم: حياته العلمية والأدبية والاجتماعية (معد للطبع).
6. مناطق البحرين: معجم جغرافي.
7. نظرات في لهجة البحرين وأصولها اللغويّة في المعجم العربي.
8. التحف الأوليّة: منظومة تربو على ألف بيت والتعليق عليها في 'المعالم والمقامات الدينيّة في البحرين'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا تسعى دول الخليج والعربي وآسيا الوسطى لتعزيز العلاقات بين المنطقتين؟
لماذا تسعى دول الخليج والعربي وآسيا الوسطى لتعزيز العلاقات بين المنطقتين؟

البلاد البحرينية

timeمنذ 5 أيام

  • البلاد البحرينية

لماذا تسعى دول الخليج والعربي وآسيا الوسطى لتعزيز العلاقات بين المنطقتين؟

استعدادًا لقمة مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى التي ستُعقد في أوزبكستان في مايو 2025، يطرح السؤال نفسه: ماذا تهدف إليه هذه الدول من خلال تعزيز العلاقات بين المنطقتين؟ وما هي الفرص المتاحة؟. تمثل القمة القادمة الحلقة الثانية التي تجمع الطرفين، بعد انعقاد الأولى في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في عام 2023. وقد أسفرت أول قمة عن صدور خطة عمل مشتركة تغطي الفترة من 2023 إلى 2027، تضمنت عددًا من المحاور الأساسية التي تنظم العلاقة بين دول مجلس التعاون ونظرائها في آسيا الوسطى. وكان أول محور هو الحوار السياسي - الأمني، الذي تناول قضايا مختلفة، من بينها سبل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، سواء على أساس ثنائي يجمع المنطقتين، أو على أساس دولي من خلال منظمة التعاون الإسلامي. فقد بذلت دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهودًا كبيرة للتصدي لتحدي الإرهاب على مدى السنوات الـ25 الماضية، شملت منع تمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين. ومع ذلك، فإن وضع تلك الجهود تحت مظلة تعاونية من شأنه أن يعزز كفاءتها، وذلك بسبب قدرة المنظمات الإرهابية على عبور الحدود السياسية، تهربًا من جهود أي دولة تعمل بمعزل عن تنسيق مع الدول الصديقة. وعلى الصعيد الاقتصادي-الاستثماري، عبّر الطرفان عن رغبة في إحداث قفزة نوعية في حجم التبادل التجاري بين المنطقتين، في ظل وجود فرص متعددة في مجال الطاقة، لا سيما الطاقة المتجددة. فإحدى نقاط القوة لدى دول آسيا الوسطى تكمن في ثرواتها الطبيعية، خصوصًا المعادن النفيسة التي تُستخدم في البطاريات الحديثة، والتي أصبحت حلقة محورية في سلسلة توليد وتفعيل الطاقة النظيفة. ومن الجانب الخليجي، فإن دول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية طورت قدرات متقدمة في مجال رسم وتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية، وبالتالي فإن التعاون مع دول آسيا الوسطى يُعد أمرًا منطقيًا ضمن سلاسلها التنموية. وأحد أسباب رغبة الطرفين في تنمية العلاقات في مختلف الأبعاد هو التجانس الثقافي والقيمي بينهما. إذ يُعد الإسلام التيار الديني المهيمن في المنطقتين، وقد انتشر إلى آسيا الوسطى وترسخ أساسًا بفعل التجارة والدعوة السلمية خلال القرون الوسطى. ونتيجة لذلك، يشعر سكان المنطقتين بألفة وأمان عند السفر من دولتهم إلى إحدى دول المنطقة الأخرى، وقد شهدت الحركة السياحية بين الخليج وآسيا الوسطى نموًا كبيرًا خلال السنوات العشر الماضية. ومهّد هذا التبادل البشري لتوسيع إطار التعاون ليشمل التعليم والرياضة والإعلام وشؤون الشباب، وتخطط دول المنطقتين لتحقيق المزيد من المكاسب في هذا السياق. ومثل هذا التبادل يُولّد الثقة بين الطرفين، وهي من أهم العوامل التي تدفع دول الخليج العربي لاختيار دول آسيا الوسطى شريكًا في مجال الأمن الغذائي، الذي يُعد ملفًا حساسًا للغاية. فقد أظهرت أزمات مثل جائحة كوفيد - 19 والحرب الروسية - الأوكرانية أهمية تنويع مصادر المواد الغذائية للدول الخليجية، التي تواجه صعوبات في تحقيق الاكتفاء الذاتي زراعيًا، بسبب المناخ الصحراوي، وشح الأراضي الصالحة للزراعة، وندرة المياه الجوفية. وقد دفع ذلك الدول الخليجية إلى الاستثمار في القطاعات الغذائية لدى دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى الاستثمار في القطاع المكمل لذلك، وهو الشبكات اللوجستية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا عن استثمارات جديدة في الموانئ لدى تلك الدول على بحر قزوين. في ضوء ما سبق، يتضح أن العلاقة بين دول مجلس التعاون وآسيا الوسطى ليست مجرد تقارب دبلوماسي مؤقت، بل هي توجه استراتيجي طويل الأمد، يستند إلى مصالح متبادلة وتكامل في الموارد والرؤى. ومن خلال البناء على ما تحقق منذ قمة جدة، تُعد قمة سمرقند المقبلة فرصة حقيقية لترسيخ شراكة متعددة الأبعاد، تجمع بين الأمن والتنمية والهوية الثقافية المشتركة. وإذا ما وُضعت الآليات المناسبة لمتابعة التنفيذ وتجاوز العوائق البيروقراطية، فإن هذه العلاقة مرشحة لتصبح نموذجًا يُحتذى به في التعاون بين التكتلات الإقليمية المتقاربة في التطلعات والتحديات.

رسائل من غزة '2'
رسائل من غزة '2'

الوطن

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • الوطن

رسائل من غزة '2'

بدر علي قمبر في كل يومٍ نتنفس فيه الخير، تدور خواطرنا حول بعض السطور والمشاعر التي لا تنفكّ عن أذهاننا كلما نُعايش مجمل الظروف التي يعيشها المسلمون في أنحاء الأرض، وبخاصة تلك الظروف الصعبة المُزرية التي لا تليق بكرامة الإنسان ومكانته وصونه في الشريعة الإسلامية. أحوال أهلينا في غزة مازالت هي المسيطرة على تفكيرنا، وبخاصة لأولئك الذين فهموا حقيقة وجودهم على هذه الأرض، وفهموا مقاصد العيش ومعاني خلافة الله تعالى في الأرض. فليس كل تفكيرٍ يتعلّق بهم، وليس كل شعورٍ يُصبّ في صالحهم، فهناك البعض مازال يفكر في منحًى آخر، منحى (النفوس المريضة) التي تفكر في المشاعر السلبية، وإثارة الشكوك في مناحي الحياة. غزة اليوم مازالت تعطينا دروساً في الأمل، وفي تنفّس العطاء، وفي استنشاق أجواء الآخرة. لمَ لا، وهم مازالوا صامدين على أرضهم، يذودون عن حياض الإسلام والمسلمين، يدافعون عن كرامتهم وعن أرضهم المباركة التي ذكرها المولى الجليل في القرآن الكريم. فهي رسالة عزة وصمود، لكل مسلمٍ لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يعرف لغزة مكانتها في نفسه، أو أن يعيد التفكير في قضية «فلسطين» المنسية، التي أُعيدت إلى الأذهان مرة أخرى، وأُعيد تاريخها المنسي ليكون شعاراً لأبنائنا الصغار حتى ينشؤوا على معاني العزة وحب الإسلام، الذي لولا حبه، لما كنا نستنشق عبير السعادة. فالسعادة الحقيقية إنما تتمثل في محافظتنا على المعاني السامية التي حثنا عليها ديننا الحنيف، وأن نتمسك بهويتنا، ونتمسك بالقيم الإسلامية التي نعيش تحت ظلالها، ونعلم أبناءنا على سوانحها السامية. رسالة «العزة» والثبات على مبادئ الإسلام، هو الفخر الحقيقي للمسلم، ويجب عليه أن يعتز بها، لا أن يتجرّد تفكيره منها، ويفصل عيشته عن «مقومات الإسلام وقيمه السامية»، فذلك -لعمري- توجهٌ سلبيٌّ عقيم، قد يردي بصاحبه إلى متاهات الشرود الذهني، والانعكاس عن الثبات على طريق الاستقامة، التي يسلك فيها المسلم طريق الصراط المستقيم، ولا يحيد عن الطاعات التي تقرّبه إلى الخطوة الأولى للفردوس الأعلى. ولو تأملنا معاني الهداية، نجدها في دعواتنا التي نكررها في الصلاة كل يوم في سورة الفاتحة: «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ»، وإن زاغ المرء عنها، تذكّر قوله تعالى: (فاستقيموا إليه واستغفروه). وجاء سفيان الثقفي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله، ثم استقم». رسالة ذلك الأب الجريح الصامد الصابر، الذي فقد في لحظة واحدة ستة من أبنائه، وصلى عليهم الجنازة، وقد استُشهدوا وهم في طريقهم (لعمل الخير) في سيارتهم التي كانوا يستقلّونها ليُقدّموا المساعدات لغيرهم، وقد كانوا، ومنذ بداية الحرب، في شعلة من النشاط والعمل الخيري ليُقدّموا وجبات الطعام للأسر في غزة. العظة هنا أن الأبوين، وفي مسير حياتهما، يعانيان الكثير من أجل أن يربّيا أبناءهما، ويزرعا فيهم القيم السامية، ويُضيّقا على أنفسهما من أجل أن يتعلّم أبناؤهما أفضل تعليم، ومن أجل أن يُؤدّوا أمانتهم في هذه الحياة، فيُربّوا الأجيال على معاني الهداية، ويُمهدوا لهم سبل الخير من أجل أن يُساهموا في رفعة ونهضة الأوطان. ولعل النتاج الحقيقي في نهاية المطاف، هو ما كتبه الله تعالى لهم وهم في بطون أمهاتهم. وقد تأتي لحظة خاطفة، لحظات الفقد المريرة، يحسّ فيها الأبوان أنهما قد أحسنا الزرع، بثمارٍ يانعةٍ عاشوا أثرها في عمرٍ متقدم، وهذا ما يتمناه كل الآباء، وفي المقابل قد يعتري قلبهما الحنون، إحساس الخوف والوجل وعدم الرضا، من علاماتٍ غير مستساغة، ظهرت ملامحها في الأبناء وقد كبروا وكبرت معهم أحلامهم. من هنا، فإن الدعاء هو الفيصل في كل مقام؛ الدعاء بالخير والهداية لهم. رددوا دائماً أدعية القرآن الكريم للذرية: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً). وقال تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ). رسالة من غزة، أن لا ننساهم ولو للحظة واحدة من «الدعاء»، وأن لا نفتر عن مناصرتهم بما نستطيع، فقد اشتدّ بهم الكرب، وعظم الخطب، وليس لهم سوى المولى الكريم، ودعواتنا الصادقة، بأن يرفع عنهم المولى الكريم ما هم فيه من البلاء والمحنة، وأن يستر عوراتهم، ويؤمّن روعاتهم، وأن يحفظهم بعينه التي لا تنام. نسأل الله تعالى أن يكتب لهم الخير حيثما كان، وأن يعجل بزوال هذه الغمة عنهم، وعن أمتنا الإسلامية جمعاء، وأن يفك الحصار عنهم، وأن ترجع غزة كما كانت آمنة شامخة عزيزة إلى أيديهم، وأن تُعمر بالخير، وتعود الحياة السعيدة إلى جنبات حياتهم، وأن يُعوّضهم الرحمن خيراً عن كل فقد، ويجمعهم بأحبتهم في الفردوس الأعلى. ومضة أملرسائل الحياة لا تتوقف، وفي كل يوم يرسل لك المولى عز وجل رسالة جديدة، تُعيدك إلى صوابك، وتحذّرك من أعاصير الحياة، وتكشف لك الحقائق المستورة، لتضع حدّاً لبعض المسالك.

د. احمد بن سالم باتميرا سلطنة عمان دولة آمنة للدول والشعوب الأربعاء 16 أبريل 2025
د. احمد بن سالم باتميرا سلطنة عمان دولة آمنة للدول والشعوب الأربعاء 16 أبريل 2025

البلاد البحرينية

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • البلاد البحرينية

د. احمد بن سالم باتميرا سلطنة عمان دولة آمنة للدول والشعوب الأربعاء 16 أبريل 2025

هي لا تختار أن تكون دولة وساطة أو دولة مفاوضات، لكن الآخرين يسعون لها أن تكون كذلك لما عرف عنها من مبادئ أساسية لم تتغير في نظامها السلطاني وحكمتها 'التسامح، التفاهم، التعايش'، وهي رسالة السلام التي أطلقتها سلطنة عمان للعالم. وأيضًا لكونها دولة لا تتدخل في شؤون الآخرين، ولا تشارك في النزاعات أو إثارة الفتن أو الحروب وغيرها، دولة لها فلسفة سلمية دبلوماسية منذ التاريخ، حتى أن أهلها دخلوا الإسلام طواعية، لذا فإن منهاجها وسياستها ودبلوماسيتها تدعو وتعزّز وتخلق عقيدة السلام والحوار والتعايش بين الأديان وبين الدول والشعوب. واليوم لا يختلف أحد على أن لعُمان هذه المكانة، وهذه الثقافة، والأرضية التي تجعل منها بلدًا آمنًا للحوار والتفاوض، لما لها من تاريخ وحضارة ومكانة يشهد لها الجميع، وكانت ولا تزال على نفس النهج والتواصل الحضاري مع الأمم والدول والحضارات والشعوب ولمن يبحث عن السلام والأمان والاستقرار الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والمالي والاستثماري. فخيار السلام مدرسة سلطانية عمانية باقتدار، وعبر التاريخ نجحت كل الاجتماعات، إذا كانت النوايا والأهداف واضحة، وما بقي منها هو الاستثناء الذي لم يحل بسبب التدخلات الخارجية، والاضطرابات النفسية لبعض الدول، فالعنف لا يولد إلا العنف والخراب والدمار والوفيات، وتكلفة الحروب أكثر بكثير من تكلفة السلام. لذا نأمل أن يعم السلام والأمان الكرة الأرضية عمومًا، وأن تتفرّغ الإنسانية للعيش والإبداع والازدهار والتقدم في كل المجالات، فالعالم المضطرب الذي نعيشه اليوم بأمس الحاجة إلى السلام والتسامح وخلق بيئة وواحة للاستقرار والوئام، والنأي بالنفس عن الصراعات والحروب والفتن. ومن هنا، فإن العالم مطالب بالتدخل لوقف الحرب في غزة وفلسطين، وفي السودان، وفي أوكرانيا، وفي كل بقعة توجد فيها حروب أو نزاعات سواء حدودية أو سياسية أو اقتصادية، فاليوم نحن أمام صراعات مختلفة سيبرانية وصحية، ثم تحولت لاقتصادية وضرائب، وغدا موجة أخرى لا يمكننا مواجهتها لقوة رياحها السريعة التي ستخترق العالم بأكمله، فالصراع الحالي والقادم صراع نفوذ وعقيدة، واليوم النموذج انكشف وسقطت الأقنعة، وعرفت الدول والشعوب مكانتها، ومن معها ومن ضدها، ولغة المصالح أيضًا لا مكان لها في القاموس الجديد، إلا ما ندر! ومع ذلك تبقى سلطنة عمان على نفس النهج الإسلامي والسياسي الذي تؤمن به، وتفرض احترامها إقليميًّا ودوليًّا، وساحة للحلول لا للنزعات، وأنها لا تتردد في بذل جهودها الخيرة ومساعيها الحميدة للإسهام في حل أية خلافات أو منازعات بين طرفين أو أكثر، خصوصًا عندما تطلب منها الأطراف ذلك. وكما قال وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إحدى زياراته لسلطنة عمان بأن مسقط 'لا تبيع ولا تشتري بالقضية الفلسطينية وأن بوصلتها ثابتة'، وهذا ما تؤكده السلطنة في كل مواقفها المعلنة وغيرها. فهذا نهج اختطته هذه البلاد، ليس طارئًا أو آنيًّا أو وليد التحولات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، لكنه إيمان حقيقي وراسخ لها بالعقل والحكمة، لذا اختارت طهران وواشنطن أن تكون مسقط هي التي تحتضن مفاوضات السلام بين الجانبين، والتي تحتاج دائمًا إلى رعاية ونهج ورؤية وتمهيد للحوار ومعادلة لا يعرفها إلا العمانيون، وهي ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة أيضًا على الدول الأخرى! واليوم ترى سلطنة عمان أن هناك حاجة ماسة لترسيخ السلم والأمن الدوليين، لتعيش الشعوب باستقرار من خلال تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف المتنازعة لإبرام اتفاقيات سلام ومعاهدات تعزز الاستقرار الإقليمي والدولي، فأهلًا بالجميع في دولة شعارها التعايش والتسامح وفي قبلة الحوار والسلام وهي أيضًا آمنة للدول والشعوب للاستثمار فيها بكل حرية وأمان.. والله من وراء القصد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store