logo
السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟

السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟

BBC عربية٠٢-٠٥-٢٠٢٥

على مدار أكثر من 750 عاماً، ظلّت القواعد الصارمة التي تحكم ما يُسمح للكرادلة بتناوله وما يُمنع ثابتة دون تغيير؛ وذلك لمنع الرسائل المخفية المحشوة داخل الطعام أو الأدوات كالمناديل.
خلال الأسبوع الماضي، لاحظ زوار روما ارتياد عدد من الكرادلة لمطاعمهم المفضلة. وقبيل آخر انتخاب بابوي في عام 2013، أفادت وسائل إعلام إيطالية أن العديد من هؤلاء الكرادلة حرصوا على زيارة مطعم عائلي شهير يُدعى 'أل باسيتو دي بورغو'، ويقع على بُعد 200 متر فقط من كاتدرائية القديس بطرس.
ويُعرف عن الكاردينال دونالد ويليام وورل تفضيله للازانيا هناك، فيما يُقال إن الكاردينال فرانشيسكو كوكوبالميريو – الذي يُزعم أنه كان أكثر الكرادلة الإيطاليين حصولاً على الأصوات في 2013 – يفضل الحبار المشوي.
قد يشعر الكرادلة ببعض العجلة في الاستمتاع بوجبة أو اثنتين قبل انطلاق المجمع البابوي في 7 مايو/أيار، حيث سيشارك 135 كاردينالاً في انتخاب سري لاختيار بابا جديد داخل كنيسة سيستينا بالفاتيكان.
وخلال هذه الفترة، سيكونون معزولين تماماً عن العالم الخارجي لفترة غير محددة، إذ تُجرى عمليات التصويت، والنوم، وتناول الطعام جميعها ضمن عزلة صارمة وتحت إجراءات رقابية مشددة.
تُعرف المجامع البابوية بسريتها الشديدة. يُجمع الكرادلة في مكان واحد مشترك، ولا يُسمح بدخول أو خروج الرسائل، باستثناء الدخان الذي يُشير إلى نجاح التصويت.
يُشير الدخان الأبيض إلى انتخاب بابا جديد، بينما يعني الدخان الأسود ضرورة إجراء تصويت آخر للوصول إلى إجماع الثلثين زائد واحد اللازم لتتويج بابا جديد.
لا يُعرف ما يحدث تحديداً في هذه المجامع، لكن المؤكد هو أن الكرادلة سيتناولون طعامهم على مدار الأيام أو الأسابيع التي يستغرقها انتخاب الزعيم الجديد لـ 1.4 مليار كاثوليكي في العالم.
لكن مع تداخل الأحكام، كيف يُحافظ على سرية المجمع؟ كيف يمكن للكرادلة ضمان نزاهة التصويت، بعيداً عن أي تأثير للرأي الخارجي؟
تاريخياً، كانت الوجبات تشكل خطراً محتملاً: فقد يُحشى طعام الكاردينال برسالة سرية من موظفي المطبخ، أو قد ينجح أحدهم في تهريب تحديثات التصويت إلى العالم الخارجي عبر مناديل متسخة.
ومع ذلك، تُعد الوجبات الجماعية من السياقات التي يمكن أن تُجرى فيها المفاوضات الخفية. وقد استغلَّت الأعمال الثقافية الشعبية الحديثة هذه الفكرة، مستخدمةً ثقافة الطعام في المجمع البابوي لخلق جو من الشكوك والمكائد والسيطرة.
خذ على سبيل المثال فيلم "المجمع" الذي أُنتج عام 2024، فمعظم أحداث القصة ليست في قاعات التصويت، بل في الكافتيريا.
تتناقض الوجبات الصاخبة مع المجمع البابوي الهادئ تماماً، الذي يسير بدون مناقشات رسمية. التصويت الصامت يُقاطع فقط في بعض الأحيان بلحظات من الخطاب الطقسي، مثل القسم الذي يردده الكاردينال بصوت مسموع أثناء إلقائه بطاقة التصويت في صندوق الاقتراع.
ومع ذلك، يتخلل الصمت كثيرٌ من التواصل، ويحدث جزء كبير منه عبر الطعام.
ورغم أنه لا يمكننا الافتراض أن الفيلم يعكس بدقة ما يحدث وراء الأبواب المغلقة، إلا أنه من المؤكد أن ثقافة الطعام البابوية – كما هو الحال في الثقافة بشكل عام – تحمل رسائل كبيرة في ما تأكله، وكيف تأكله، ومع من تأكله.
تعود قوانين سريّة المجمع البابوي إلى عام 1274، عندما وضع البابا غريغوريوس العاشر اللوائح التي لا تزال جزئياً تحكم كيفية إجراء الانتخابات البابوية حتى اليوم.
كما هو الحال مع تتويج العديد من البابوات، كانت انتخابات البابا غريغوريوس العاشر مثيرة للجدل. وقد تميزت أيضاً بأنها كانت الأطول على الإطلاق، إذ استغرقت ما يقارب ثلاث سنوات (1268-1271) للوصول إلى الإجماع المطلوب لتعيين بابا جديد.
ووفقاً للعالم الكنسي الإيطالي هنريكوس دي سيغوسيو، الذي خدم في ذلك المجمع، فقد هدد السكان المحليون بتقييد طعام الكرادلة من أجل تسريع عملية الوصول إلى قرار.
تضمنت القواعد الجديدة التي وضعها البابا غريغوريوس العاشر عزلة المجمع البابوي – وهي قاعدة لا تزال سارية حتى اليوم – بالإضافة إلى تقنين طعام الكرادلة.
بعد ثلاثة أيام من دون اتفاق، كان يُسمح للكرادلة بتناول وجبة واحدة فقط يومياً؛ وبعد ثمانية أيام، كانت الوجبات تقتصر على الخبز والماء.
وفي منتصف القرن الرابع عشر، قام البابا كليمنت السادس بتخفيف هذه القواعد، حيث سمح بتقديم وجبات من ثلاثة أطباق تتكون من الحساء؛ طبق رئيسي يحتوي على السمك أو اللحوم أو البيض؛ والحلوى التي يمكن أن تشمل الجبن أو الفاكهة.
ورغم أن تقنين الطعام لم يستمر، فإن السيطرة المُحكمة على المجامع البابوية ظلت قائمة.
أدق سرد تاريخي لثقافة الطعام في المجامع البابوية يأتي من بارتولوميو سكابي، الذي كان أشهر طهاة عصر النهضة (وربما أول طاهٍ مشهور في العالم) وخدم في بلاط الباباوين بيوس الرابع وبيوس الخامس.
في كتابه الذي نشره عام 1570 أوبرا ديل آرتي ديل كوتشيناري (فن الطهي) – الذي يُعد أول كتاب طبخ نشره طاهٍ ممارس – أصبح سكابي مشهوراً بشكل واسع.
في هذا الكتاب، يكشف سكابي عن أسرار إطعام المجمع الذي انتخب البابا يوليوس الثالث، بالإضافة إلى الممارسات الصارمة في المراقبة التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
وفقاً لسكابي، كانت وجبات الكرادلة اليومية تُحضّر في مطبخ مشترك من قبل الطهاة والسقاة، وهما مجرد اثنين من العديد من المناصب المنزلية التي كانت تضمن سير عمل المجمع.
يشير سكابي إلى أن المطبخ كان مساحة يمكن من خلالها تمرير الرسائل غير المشروعة، ويلاحظ أن الحراس كانوا موجودين هناك تحديداً لمنع ذلك.
لذلك، مرتين في اليوم، وبترتيب تحدده القرعة، كان الخدم يقومون بتقديم الطعام من خلال عجلة مدمجة في الجدار، يُسمح من خلالها تمرير الطعام والشراب إلى الكرادلة في قاعتهم الداخلية.
قبل أن يُمرر الطعام والشراب عبر الجدار، كان يتم فحصهما من قبل مختبرين لضمان عدم احتوائهما على رسائل غير قانونية. وكل خطوة كانت تخضع لمراقبة دقيقة من قبل الحراس الإيطاليين والسويسريين.
كانت المواد الغذائية تحت مراقبة صارمة، حيث لم يُسمح بأي شيء قد يخفي رسالة سرية. لم يكن يُسمح بالفطائر المغلقة، ولا الدجاج الكامل. وكان يجب تقديم النبيذ والماء في أكواب شفافة. كما كانت المناشف القماشية تُفتح وتفحص بعناية.
كان جزء من هذه الترتيبات يهدف لضمان العزلة التامة للكرادلة، وجزء آخر منها للتخفيف من المخاوف المتعلقة بالتسمم. فبعد كل شيء، خاصة خلال عصر النهضة، كانت البابوية تمثل منصباً سياسياً ذا تأثير كبير.
بعيداً عن البروتوكولات الصارمة وقيود الطعام، تبدو الوجبات التي يصفها سكابي غنية ومتوازنة، حيث تشمل السلطة، الفاكهة، اللحوم المدخنة، النبيذ والماء العذب.
وبالمثل، يصف سكابي الإقامات المريحة للكرادلة، حيث كان لكل منهم غرفته الكبيرة الخاصة، المزينة بالحرير والمفروشة جيداً، وتحتوي على سرير، وطاولة، وحامل للملابس، وكرسيين، ووعاء للطوارئ، ووعاء يمكن غلقه، بالإضافة إلى العديد من العناصر الأخرى.
وفقاً لسكابي، لم يكن العمل في المجمع البابوي خلال عصر النهضة عملاً سيئاً – طالما أنك لا تمانع المراقبة المستمرة.
في المجمع البابوي القادم الذي يبدأ في 7 مايو/أيار، ستقوم الراهبات في دوموس سانكتي مارثا - المقر الحديث الذي يقيم فيه الكرادلة أثناء عزلتهم - بتحضير أطباق بسيطة تعكس تقاليد منطقة لاتسيو الإيطالية المحيطة بالفاتيكان، ومنطقة أبروتسو القريبة: الحساء (مينستروني)، السباغيتي، الأروستيسيني (أسياخ لحم الضأن) والخضروات المسلوقة.
ورغم أن هذا قد يبدو مختلفاً عن المجامع البابوية في عصر النهضة حيث كانت الوجبات تُعد من قبل خدم علمانيين يعملون تحت بروتوكول صارم وحراسة مشددة، إلا أن النتيجة هي نفسها: يتم التحكم في العملية بدقة، لضمان عدم تسرب أي معلومات سواء إلى الداخل أو إلى الخارج.
يحرص فيلم "المجمع" في أول مشاهده على إظهار الراهبات وهن يطهون دجاجات كاملة لتحضير مرق – وهو طعام بسيط للغاية. لكن المهم هنا هو الرمزية. فالكنيسة الكاثوليكية الحديثة – وخاصة بعد قيادة البابا فرنسيس – تأمل في نقل صورة بسيطة وصحية.
لقد تلاشت المخاوف بشأن احتمال احتواء الطعام (مثل الدجاج الكامل) على رسائل سرية حرفياً. أما الآن، فإن القلق يكمن في التواصل غير المشروع عبر الوسائل الإلكترونية، وهو رمز متكرر آخر في الفيلم.
وبينما يتم تفتيش الفاتيكان بحثاً عن أجهزة إلكترونية مخفية استعداداً للمجمع البابوي القادم، سيقوم الكرادلة بتحضيراتهم الشخصية الخاصة، حيث يتوجهون إلى شوارع روما للاستمتاع بوجبة أو اثنتين من أطباقهم المفضلة، ربما متسائلين عما إذا كانت تلك هي وجبتهم الأخيرة قبل أن يُنّصبوا بمنصب بابا الفاتيكان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست بابا للفاتيكان
انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست بابا للفاتيكان

العربي الجديد

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست بابا للفاتيكان

أعلن الفاتيكان، اليوم الخميس، أن الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست أصبح أول بابا يتحدر من الولايات المتحدة، وقد اتخذ له اسم ليون الرابع عشر. والبابا الجديد مولود في شيكاغو، وكان مساعداً مقرباً من البابا الراحل فرنسيس، ويعرف في أوساط حكومة الفاتيكان بأنه شخصية معتدلة قادرة على التوفيق بين وجهات النظر المتباينة. وتصاعد الدخان الأبيض في الساعة 16:08 (بتوقيت غرينتش) من مدخنة كنيسة سيستينا في الفاتيكان، الأمر الذي يعني انتخاب بابا جديد من جانب الكرادلة الناخبين الـ133 الذين التأموا في مجمع منذ بعد ظهر أمس الأربعاء. وتجمع آلاف المسيحيين في ساحة القديس بطرس انتظاراً لتصاعد الدخان من مدخنة الكنيسة. وُلد البابا ليون الرابع عشر في شيكاغو عام 1955، لكنه قضى معظم حياته المهنية في بيرو، حيث خدم مبشراً وأسقفاً، وحصل على الجنسية البيروفية. في عام 2015، عيّنه البابا فرنسيس أسقفاً على أبرشية تشيكلايو في بيرو، وفي عام 2023، تم تعيينه رئيساً لدائرة الأساقفة في الفاتيكان، وهي الهيئة المسؤولة عن تعيين الأساقفة في جميع أنحاء العالم. ويُعتبر البابا ليون الرابع عشر من المؤيدين لنهج البابا فرنسيس الإصلاحي، وقد اتخذ مواقف نقدية تجاه سياسات الهجرة التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أعاد نشر تغريدات تنتقد حظر اللاجئين وخطاب ترامب المعادي للمهاجرين، كما دخل في جدال علني مع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، منتقداً تفسيره اللاهوتي لمفهوم "ترتيب المحبة" الذي استخدمه فانس لتبرير سياسات الهجرة التقييدية. ووجّه البابا ليون الرابع عشر "نداء سلام إلى جميع الشعوب" في أول كلمة ألقاها من شرفة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان. وقال الرأس الجديد للكنيسة الكاثوليكية: "السلام معكم!". واستطرد بعد تصفيق حارّ من آلاف المحتشدين في ساحة القديس بطرس: "أريد أنا أيضاً أن تدخل تحيّة السلام هذه إلى قلوبنا، أن تصل إلى أسركم، إلى كلّ الأشخاص أينما كانوا، إلى كلّ الشعوب، إلى المعمورة كافة". وتوسل أول بابا يتحدر من الولايات المتحدة في تاريخ الفاتيكان بنبرة مطمئنة، داعياً إلى "بناء الجسور" عبر "الحوار"، و"المضي قدماً بدون خوف، متحدين، يداً بيد مع الله وبعضنا مع بعض". وفي خطابه الذي ألقاه بالإيطالية المطعّمة بلكنة أميركية، وجّه تحيّة بالإسبانية إلى أبرشيته السابقة في البيرو التي حاز جنسيتها. وأشاد أيضاً بذكرى سلفه البابا فرنسيس الذي عيّنه كاردينالا ورقّاه في أسمى المناصب في الفاتيكان. وقال: "ما زال ذاك الصوت الضعيف لكن الجريء في آذاننا، صوت البابا فرنسيس يمنح بركته لروما" في أحد الفصح عشيّة وفاته، "فشكراً للبابا فرنسيس". وأمس الأربعاء، تصاعد دخان أسود من مدخنة الكنيسة بعد فشل أول اقتراع أجراه الكرادلة، ويعد هذا المجمع الانتخابي من بين الأكثر تنوعاً من حيث الجنسيات، إذ يضم 133 كاردينالاً من 70 دولة، تمثل القارات الخمس، في سابقة هي الأولى من نوعها. وقد عيّن البابا الراحل فرنسيس ما نسبته 81% من هؤلاء، وهو ما يمنح تياره الإصلاحي حضوراً وازناً في المجمع. ومن بين أبرز الأسماء التي كانت مرشحة لخلافة فرنسيس، الكرادلة الإيطالي بييترو بارولين، والفرنسي جان-مارك أفلين، والمالطي ماريو غريش، والإيطالي بييرباتيستا بيتسابالا، والفيليبيني لويس أنطونيو تاغلي. أخبار التحديثات الحية تحديد موعد اختيار البابا الجديد.. طقوس الانتخاب وأبرز المرشحين ولا تقتصر أهمية انتخاب البابا الجديد على الأوساط الكاثوليكية فحسب، بل تمتد إلى الجغرافيا السياسية والدبلوماسية الدولية، لا سيما في ظل تصاعد النزعات الشعبوية وعودة دونالد ترامب إلى الساحة الدولية والحرب الدائرة في غزة. وكان فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للشؤون الدينية، قد قال إن "الكرادلة قد يأخذون بعين الاعتبار التحولات السياسية العالمية ويفضّلون شخصية ذات خبرة واسعة في العلاقات الدولية". ويشهد الحدث متابعة إعلامية عالمية، مع توافد أكثر من خمسة آلاف صحافي لتغطية وقائعه، بينما حظي الحدث باهتمام شعبي واسع، إذ تابعه المئات في ساحة القديس بطرس عبر شاشات عملاقة. وصدر الدخان الأبيض من المدخنة المخصصة على سطح كنيسة سيستينا ليشير إلى نتيجة الاقتراع، وفق تقليد متّبع منذ قرون. (فرانس برس، العربي الجديد)

دخان أسود في الفاتيكان مع عدم انتخاب الكرادلة بابا في أول تصويت
دخان أسود في الفاتيكان مع عدم انتخاب الكرادلة بابا في أول تصويت

العربي الجديد

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

دخان أسود في الفاتيكان مع عدم انتخاب الكرادلة بابا في أول تصويت

تصاعد دخان أسود من مدخنة كنيسة سيستينا في الفاتيكان، مساء الأربعاء، إيذاناً بفشل أول اقتراع أجراه الكرادلة الـ133 المجتمعون في المجمع الانتخابي المغلق لانتخاب بابا جديد خلفاً للبابا الراحل فرنسيس . وجاء الدخان في تمام الساعة 19:00 بتوقيت غرينتش، بحسب مراسلي وكالة فرانس برس، ما يعني أن الكرادلة لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق على شخصية البابا الجديد في أول جولة تصويت. وانعزل الكرادلة داخل كنيسة سيستينا بعد قداس احتفالي أقيم في كنيسة القديس بطرس، حيث دخلوا بزيهم التقليدي الأحمر والأبيض، وأدّوا القسم على سرية المجمع، رافعين أيديهم على كتاب الإنجيل. ثم أمر المطران دييغو رافيلي، المسؤول عن الاحتفالات الليتورجية البابوية بإخراج غير المصرح لهم من المكان عبر النداء الشهير باللاتينية: "Extra Omnes!" (ليخرج الجميع). أجواء انتخابية مشددة وأُغلقت أبواب الكنيسة الساعة 17:45 بالتوقيت المحلي، ليبدأ الكرادلة إجراءات الاقتراع في ظل انقطاع كامل عن العالم الخارجي، إذ صودرت هواتفهم وجرى تعطيل شبكة الاتصالات داخل الفاتيكان. وتُجرى أربع جولات تصويت يومياً، اثنتان صباحاً واثنتان بعد الظهر، ويُشترط الحصول على ثلثي الأصوات (89 صوتاً) للفوز بمنصب البابا. ويشهد هذا "الكونكلاف" متابعة إعلامية عالمية، مع توافد أكثر من خمسة آلاف صحافي لتغطية وقائعه، بينما حظي الحدث باهتمام شعبي واسع، إذ تابعه المئات في ساحة القديس بطرس عبر شاشات عملاقة. وصدر الدخان الأسود من المدخنة المخصصة على سطح كنيسة سيستينا ليشير إلى نتيجة الاقتراع، وفق تقليد متّبع منذ قرون، إذ يدلّ الدخان الأسود على عدم انتخاب بابا، بينما يشير الأبيض إلى التوافق على خليفة جديد للقديس بطرس. أخبار التحديثات الحية كرادلة يبدأون عزلة عن العالم لانتخاب بابا الفاتيكان الجديد ويعد هذا المجمع الانتخابي من بين الأكثر تنوعاً من حيث الجنسيات، إذ يضم 133 كاردينالاً من 70 دولة، تمثل القارات الخمس، في سابقة هي الأولى من نوعها. وقد عيّن البابا الراحل فرنسيس ما نسبته 81 بالمائة من هؤلاء، وهو ما يمنح تياره الإصلاحي حضوراً وازناً في المجمع. ومن بين أبرز الأسماء المرشحة لخلافة فرنسيس، الكرادلة الإيطالي بييترو بارولين، والفرنسي جان-مارك أفلين، والمالطي ماريو غريش، والإيطالي بييرباتيستا بيتسابالا، والفيليبيني لويس أنطونيو تاغلي. رهانات دولية وظلال الجغرافيا السياسية ولا تقتصر أهمية انتخاب البابا الجديد على الأوساط الكاثوليكية فحسب، بل تمتد إلى الجغرافيا السياسية والدبلوماسية الدولية، لا سيما في ظل تصاعد النزعات الشعبوية، وعودة دونالد ترمب إلى الساحة الدولية، والحرب الدائرة في غزة. وقال فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للشؤون الدينية، إن "الكرادلة قد يأخذون بعين الاعتبار التحولات السياسية العالمية، ويفضّلون شخصية ذات خبرة واسعة في العلاقات الدولية". ومن المتوقع أن تتواصل جلسات الاقتراع الخميس، بواقع أربع جولات يومياً، حتى يتمكن الكرادلة من التوصل إلى توافق، بينما تظل أنظار العالم شاخصة إلى المدخنة فوق الكنيسة، في انتظار لحظة الدخان الأبيض التي ستعلن انتخاب الحبر الأعظم الجديد. (فرانس برس)

السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟
السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟

BBC عربية

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • BBC عربية

السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟

على مدار أكثر من 750 عاماً، ظلّت القواعد الصارمة التي تحكم ما يُسمح للكرادلة بتناوله وما يُمنع ثابتة دون تغيير؛ وذلك لمنع الرسائل المخفية المحشوة داخل الطعام أو الأدوات كالمناديل. خلال الأسبوع الماضي، لاحظ زوار روما ارتياد عدد من الكرادلة لمطاعمهم المفضلة. وقبيل آخر انتخاب بابوي في عام 2013، أفادت وسائل إعلام إيطالية أن العديد من هؤلاء الكرادلة حرصوا على زيارة مطعم عائلي شهير يُدعى 'أل باسيتو دي بورغو'، ويقع على بُعد 200 متر فقط من كاتدرائية القديس بطرس. ويُعرف عن الكاردينال دونالد ويليام وورل تفضيله للازانيا هناك، فيما يُقال إن الكاردينال فرانشيسكو كوكوبالميريو – الذي يُزعم أنه كان أكثر الكرادلة الإيطاليين حصولاً على الأصوات في 2013 – يفضل الحبار المشوي. قد يشعر الكرادلة ببعض العجلة في الاستمتاع بوجبة أو اثنتين قبل انطلاق المجمع البابوي في 7 مايو/أيار، حيث سيشارك 135 كاردينالاً في انتخاب سري لاختيار بابا جديد داخل كنيسة سيستينا بالفاتيكان. وخلال هذه الفترة، سيكونون معزولين تماماً عن العالم الخارجي لفترة غير محددة، إذ تُجرى عمليات التصويت، والنوم، وتناول الطعام جميعها ضمن عزلة صارمة وتحت إجراءات رقابية مشددة. تُعرف المجامع البابوية بسريتها الشديدة. يُجمع الكرادلة في مكان واحد مشترك، ولا يُسمح بدخول أو خروج الرسائل، باستثناء الدخان الذي يُشير إلى نجاح التصويت. يُشير الدخان الأبيض إلى انتخاب بابا جديد، بينما يعني الدخان الأسود ضرورة إجراء تصويت آخر للوصول إلى إجماع الثلثين زائد واحد اللازم لتتويج بابا جديد. لا يُعرف ما يحدث تحديداً في هذه المجامع، لكن المؤكد هو أن الكرادلة سيتناولون طعامهم على مدار الأيام أو الأسابيع التي يستغرقها انتخاب الزعيم الجديد لـ 1.4 مليار كاثوليكي في العالم. لكن مع تداخل الأحكام، كيف يُحافظ على سرية المجمع؟ كيف يمكن للكرادلة ضمان نزاهة التصويت، بعيداً عن أي تأثير للرأي الخارجي؟ تاريخياً، كانت الوجبات تشكل خطراً محتملاً: فقد يُحشى طعام الكاردينال برسالة سرية من موظفي المطبخ، أو قد ينجح أحدهم في تهريب تحديثات التصويت إلى العالم الخارجي عبر مناديل متسخة. ومع ذلك، تُعد الوجبات الجماعية من السياقات التي يمكن أن تُجرى فيها المفاوضات الخفية. وقد استغلَّت الأعمال الثقافية الشعبية الحديثة هذه الفكرة، مستخدمةً ثقافة الطعام في المجمع البابوي لخلق جو من الشكوك والمكائد والسيطرة. خذ على سبيل المثال فيلم "المجمع" الذي أُنتج عام 2024، فمعظم أحداث القصة ليست في قاعات التصويت، بل في الكافتيريا. تتناقض الوجبات الصاخبة مع المجمع البابوي الهادئ تماماً، الذي يسير بدون مناقشات رسمية. التصويت الصامت يُقاطع فقط في بعض الأحيان بلحظات من الخطاب الطقسي، مثل القسم الذي يردده الكاردينال بصوت مسموع أثناء إلقائه بطاقة التصويت في صندوق الاقتراع. ومع ذلك، يتخلل الصمت كثيرٌ من التواصل، ويحدث جزء كبير منه عبر الطعام. ورغم أنه لا يمكننا الافتراض أن الفيلم يعكس بدقة ما يحدث وراء الأبواب المغلقة، إلا أنه من المؤكد أن ثقافة الطعام البابوية – كما هو الحال في الثقافة بشكل عام – تحمل رسائل كبيرة في ما تأكله، وكيف تأكله، ومع من تأكله. تعود قوانين سريّة المجمع البابوي إلى عام 1274، عندما وضع البابا غريغوريوس العاشر اللوائح التي لا تزال جزئياً تحكم كيفية إجراء الانتخابات البابوية حتى اليوم. كما هو الحال مع تتويج العديد من البابوات، كانت انتخابات البابا غريغوريوس العاشر مثيرة للجدل. وقد تميزت أيضاً بأنها كانت الأطول على الإطلاق، إذ استغرقت ما يقارب ثلاث سنوات (1268-1271) للوصول إلى الإجماع المطلوب لتعيين بابا جديد. ووفقاً للعالم الكنسي الإيطالي هنريكوس دي سيغوسيو، الذي خدم في ذلك المجمع، فقد هدد السكان المحليون بتقييد طعام الكرادلة من أجل تسريع عملية الوصول إلى قرار. تضمنت القواعد الجديدة التي وضعها البابا غريغوريوس العاشر عزلة المجمع البابوي – وهي قاعدة لا تزال سارية حتى اليوم – بالإضافة إلى تقنين طعام الكرادلة. بعد ثلاثة أيام من دون اتفاق، كان يُسمح للكرادلة بتناول وجبة واحدة فقط يومياً؛ وبعد ثمانية أيام، كانت الوجبات تقتصر على الخبز والماء. وفي منتصف القرن الرابع عشر، قام البابا كليمنت السادس بتخفيف هذه القواعد، حيث سمح بتقديم وجبات من ثلاثة أطباق تتكون من الحساء؛ طبق رئيسي يحتوي على السمك أو اللحوم أو البيض؛ والحلوى التي يمكن أن تشمل الجبن أو الفاكهة. ورغم أن تقنين الطعام لم يستمر، فإن السيطرة المُحكمة على المجامع البابوية ظلت قائمة. أدق سرد تاريخي لثقافة الطعام في المجامع البابوية يأتي من بارتولوميو سكابي، الذي كان أشهر طهاة عصر النهضة (وربما أول طاهٍ مشهور في العالم) وخدم في بلاط الباباوين بيوس الرابع وبيوس الخامس. في كتابه الذي نشره عام 1570 أوبرا ديل آرتي ديل كوتشيناري (فن الطهي) – الذي يُعد أول كتاب طبخ نشره طاهٍ ممارس – أصبح سكابي مشهوراً بشكل واسع. في هذا الكتاب، يكشف سكابي عن أسرار إطعام المجمع الذي انتخب البابا يوليوس الثالث، بالإضافة إلى الممارسات الصارمة في المراقبة التي لا تزال قائمة حتى اليوم. وفقاً لسكابي، كانت وجبات الكرادلة اليومية تُحضّر في مطبخ مشترك من قبل الطهاة والسقاة، وهما مجرد اثنين من العديد من المناصب المنزلية التي كانت تضمن سير عمل المجمع. يشير سكابي إلى أن المطبخ كان مساحة يمكن من خلالها تمرير الرسائل غير المشروعة، ويلاحظ أن الحراس كانوا موجودين هناك تحديداً لمنع ذلك. لذلك، مرتين في اليوم، وبترتيب تحدده القرعة، كان الخدم يقومون بتقديم الطعام من خلال عجلة مدمجة في الجدار، يُسمح من خلالها تمرير الطعام والشراب إلى الكرادلة في قاعتهم الداخلية. قبل أن يُمرر الطعام والشراب عبر الجدار، كان يتم فحصهما من قبل مختبرين لضمان عدم احتوائهما على رسائل غير قانونية. وكل خطوة كانت تخضع لمراقبة دقيقة من قبل الحراس الإيطاليين والسويسريين. كانت المواد الغذائية تحت مراقبة صارمة، حيث لم يُسمح بأي شيء قد يخفي رسالة سرية. لم يكن يُسمح بالفطائر المغلقة، ولا الدجاج الكامل. وكان يجب تقديم النبيذ والماء في أكواب شفافة. كما كانت المناشف القماشية تُفتح وتفحص بعناية. كان جزء من هذه الترتيبات يهدف لضمان العزلة التامة للكرادلة، وجزء آخر منها للتخفيف من المخاوف المتعلقة بالتسمم. فبعد كل شيء، خاصة خلال عصر النهضة، كانت البابوية تمثل منصباً سياسياً ذا تأثير كبير. بعيداً عن البروتوكولات الصارمة وقيود الطعام، تبدو الوجبات التي يصفها سكابي غنية ومتوازنة، حيث تشمل السلطة، الفاكهة، اللحوم المدخنة، النبيذ والماء العذب. وبالمثل، يصف سكابي الإقامات المريحة للكرادلة، حيث كان لكل منهم غرفته الكبيرة الخاصة، المزينة بالحرير والمفروشة جيداً، وتحتوي على سرير، وطاولة، وحامل للملابس، وكرسيين، ووعاء للطوارئ، ووعاء يمكن غلقه، بالإضافة إلى العديد من العناصر الأخرى. وفقاً لسكابي، لم يكن العمل في المجمع البابوي خلال عصر النهضة عملاً سيئاً – طالما أنك لا تمانع المراقبة المستمرة. في المجمع البابوي القادم الذي يبدأ في 7 مايو/أيار، ستقوم الراهبات في دوموس سانكتي مارثا - المقر الحديث الذي يقيم فيه الكرادلة أثناء عزلتهم - بتحضير أطباق بسيطة تعكس تقاليد منطقة لاتسيو الإيطالية المحيطة بالفاتيكان، ومنطقة أبروتسو القريبة: الحساء (مينستروني)، السباغيتي، الأروستيسيني (أسياخ لحم الضأن) والخضروات المسلوقة. ورغم أن هذا قد يبدو مختلفاً عن المجامع البابوية في عصر النهضة حيث كانت الوجبات تُعد من قبل خدم علمانيين يعملون تحت بروتوكول صارم وحراسة مشددة، إلا أن النتيجة هي نفسها: يتم التحكم في العملية بدقة، لضمان عدم تسرب أي معلومات سواء إلى الداخل أو إلى الخارج. يحرص فيلم "المجمع" في أول مشاهده على إظهار الراهبات وهن يطهون دجاجات كاملة لتحضير مرق – وهو طعام بسيط للغاية. لكن المهم هنا هو الرمزية. فالكنيسة الكاثوليكية الحديثة – وخاصة بعد قيادة البابا فرنسيس – تأمل في نقل صورة بسيطة وصحية. لقد تلاشت المخاوف بشأن احتمال احتواء الطعام (مثل الدجاج الكامل) على رسائل سرية حرفياً. أما الآن، فإن القلق يكمن في التواصل غير المشروع عبر الوسائل الإلكترونية، وهو رمز متكرر آخر في الفيلم. وبينما يتم تفتيش الفاتيكان بحثاً عن أجهزة إلكترونية مخفية استعداداً للمجمع البابوي القادم، سيقوم الكرادلة بتحضيراتهم الشخصية الخاصة، حيث يتوجهون إلى شوارع روما للاستمتاع بوجبة أو اثنتين من أطباقهم المفضلة، ربما متسائلين عما إذا كانت تلك هي وجبتهم الأخيرة قبل أن يُنّصبوا بمنصب بابا الفاتيكان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store