
ما مدى أضرار الضربات الأميركية في البرنامج النووي الإيراني؟
لا يزال من الباكر جداً تحديد مدى التأخير في البرنامج النووي الإيراني في أعقاب عمليتي "الأسد الصاعد" و"مطرقة منتصف الليل"، كما أطلقت عليهما إسرائيل والولايات المتحدة على التوالي، وفي الواقع يقدر تقرير استخباراتي أميركي أولي مسرب أن الضربات لم تؤخر مرحلة التخصيب إلا لبضعة أشهر وحسب، وفي المقابل يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الضرر كان أكبر بكثير، وبينما تدعم التقييمات الرسمية الصادرة حتى اللحظة من إسرائيل والولايات المتحدة فكرة أن الضربات أعاقت البرنامج النووي الإيراني بصورة كبيرة، إلا أنها تركز على الأضرار العامة وتفتقر إلى التفاصيل الدقيقة عن أثرها في الوقت الذي تحتاج إليه إيران لتجاوز عتبة تصنيع السلاح النووي.
في الحقيقة أنه حتى إيران نفسها على الأرجح لا تدرك تماماً حجم الضرر الذي لحق ببرنامجها، ولا يزال قادتها يدرسون الخطوة التالية، ومع ذلك يمكن للخبراء البدء في حصر النتائج الملموسة، فهم يعلمون أن الهجمات ألحقت أضراراً جسيمة بمنشآت التخصيب الإيرانية وأسفرت عن مقتل عدد من كبار العلماء، وهم يعلمون أيضاً أن معدات حيوية دمرت وطمرت تحت الأنقاض، لكن إيران لا تزال تمتلك ربما معظم ما تحتاج إليه لصنع سلاح، بما في ذلك اليورانيوم العالي التخصيب، سواء لأنه مخزن في أماكن آمنة أو لأنه يمكن استخراجه من تحت الأنقاض، وإضافة إلى ذلك فإن الحكومة الإيرانية ستجعل الآن جهودها أكثر غموضاً من أي وقت مضى، حتى لو دخلت في مفاوضات دبلوماسية، وبالتالي قد يتفاوت الجدول الزمني الإيراني الجديد تفاوتاً كبيراً، فالبلاد قد لا تنتج سلاحاً على الإطلاق، أو قد تنتجه بسرعة كبيرة.
ما خسرته إيران
بغض النظر عن تأثير الضربات في وقت تحتاج إليه طهران لتجاوز مرحلة التخصيب، فإن ما هو واضح تماماً أن البرنامج النووي الإيراني قد تعرض لضربة موجعة، فقد لحقت أضرار جسيمة بـ "مركز أصفهان للبحوث النووية"، و"منشأة نطنز لتخصيب الوقود" والمنشآت المرتبطة بها، و"منشأة تخصيب الوقود في فوردو"، وهي المواقع النووية الرئيسة الثلاثة في إيران، كما دمرت أجزاء كاملة من منشأتي أصفهان ونطنز تدميراً تاماً، وعلاوة على ذلك دُمر مفاعل آراك الإيراني، مما قضى على أية فرصة في المدى القريب لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة، وكذلك استهدفت إسرائيل مواقع بحث وتطوير عدة منتشرة في أنحاء إيران، بما في ذلك أجزاء من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومنظمة الابتكار والبحوث الدفاعية التابعة للجيش الإيراني، والتي يشتبه المحللون في أنها مسؤولة عن البحوث والتطوير المتعلقة بالأسلحة النووية، ويذكر أن مقتل ما لا يقل عن 12 عالماً إيرانياً في الغارات الإسرائيلية قد كلف إيران عقوداً من المعرفة العملية التي تعد ضرورية لتطوير الأسلحة النووية، أما الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت برنامج إيران الصاروخي فقد تعوق قدرة البلاد على تطوير سلاح نووي يمكن تركيبه على رأس حربي.
لكن مثل هذه الأضرار كانت متوقعة، فعندما فكرت إسرائيل والولايات المتحدة في اتخاذ إجراء عسكري في الماضي، لم تشككا قط في قدرتهما على استهداف أي موقع تحاولان الوصول إليه، ومن خلال ضمان امتلاك ذخائر قادرة على ضرب أهم المواقع النووية الإيرانية وإجراء تدريبات مكثفة وخطط دقيقة، دخل البلدان النزاع بثقة عالية، وكانت الهجمات النهائية مبهرة من الناحية التشغيلية ومعقدة تقنياً، وهو ما يعزى إلى احترافية القوات المسلحة، لكن هذا النجاح التكتيكي لا يجيب عن الأسئلة المفتوحة في شأن ما حققته تلك الضربات فعلياً، وبالتالي كم من الوقت قد تحتاجه إيران لامتلاك سلاح نووي؟
والسؤال الأهم حالياً هو ما إذا كانت مخزونات إيران من اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60 في المئة لا تزال موجودة ويمكن الوصول إليها، إذ تشير التقارير الحالية إلى أن هذه المواد مدفونة في منشأتي فوردو وأصفهان تحت الركام الناجم عن الضربات الأميركية والإسرائيلية، لكن الإيرانيين كانوا قد وضعوا جزءاً كبيراً من اليورانيوم في أعماق الأرض لحمايته من الهجمات الأميركية، وتشير تقارير عدة إلى أن طهران أغلقت بنفسها بعض مداخل الأنفاق في أصفهان لحمايتها من القصف، وإذا بقي جزء من هذه المخزونات سليماً فكل ما تحتاج إليه إيران هو إخراجه من تحت الأنقاض ليستخدم مجدداً كمادة خام في عملية التخصيب، فلدى البلاد كل ما يلزم من المعدات للقيام بذلك.
تعرض البرنامج النووي الإيراني لضربة موجعة
وفوق ذلك لا يعرف المحللون ما إذا كانت إيران لا تزال تمتلك أجهزة طرد مركزي قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى درجة تستخدم في صنع الأسلحة، كما أن الخبراء غير متأكدين مما إذا كانت إيران لا تزال تحتفظ بالمعدات اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح نووي فعلي، فطهران في نهاية المطاف عملت على إخفاء حجم هذه المعدات التي بحوزتها، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2015، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، بدأت إيران في تصنيع مكونات أجهزة طرد مركزي متقدمة، وفي عام 2021 نقلت إنتاج هذه المكونات إلى منشأة تحت الأرض في نطنز، وتوقفت عن نشر معلومات علنية حول عددها. وفي الـ 13 من يونيو الماضي، وهو اليوم الذي بدأت فيه الهجمات الإسرائيلية، كانت إيران على وشك الإعلان عن افتتاح موقع تخصيب جديد قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إنه سيكون في أصفهان، لكن غروسي لم يقدم حتى الآن معلومات دقيقة، وقد لا يكون بحوزته مزيد من التفاصيل، وقد يكون هذا الموقع ضمن الأنفاق التي خزنت فيها النسبة الكبرى من مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب، ومع ذلك لا يعلم الخبراء ما إذا كانت تلك الأنفاق قد دمرت أو ما إذا كانت محتوياتها قد أصبحت غير قابلة للاستخدام، ومن شبه المؤكد أن الضربات التي طاولت أجزاء أخرى من أصفهان قد دمرت معدات كان من الممكن استخدامها لتحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى مكونات لأسلحة نووية، لكن من المحتمل أن تكون إيران قد خزنت معدات مماثلة في أماكن أخرى.
في الواقع كان رفض إيران الرد على أسئلة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في شأن أنشطتها السابقة المرتبطة بتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية من بين الأسباب التي دفعت الوكالة إلى اعتبارها، في الـ 12 من يونيو الماضي، في حال خرق رسمي لمعاهدة "عدم انتشار الأسلحة النووية"، وعليه قد لا تزال لدى إيران خيارات لكسر العتبة النووية على المدى القصير، فربما لا تزال تمتلك ما يكفي من اليورانيوم والمعدات الخاصة بصنع الأسلحة، والأمر نفسه ينطبق على الخبرات البشرية، فهناك علماء نوويون إيرانيون لا يزالون، على حد علم الجميع، أحياء وبصحة جيدة ويواصلون عملهم، وإذا كان مشروع القنبلة النووية الإيراني بمثابة سباق ماراثوني يعتمد على عدد قليل من كبار الخبراء، فإن البرنامج ربما يكون قد تلقى ضربة قوية نتيجة مقتل أولئك العلماء خلال الأسبوعين الماضيين، أما إذا كان البرنامج أشبه بسباق تتابع يتعاون فيه العلماء ويتشاركون المعرفة والمهارات العملية في ما بينهم، فقد يكون فقدان عدد من الخبراء أقل تأثيراً بكثير، إذ إن من بقي من العلماء قد يمتلك أو يكتسب بسرعة كل ما يحتاج إليه من معرفة.
أضرار جانبية
حتى في أفضل السيناريوهات، حين تكون الولايات المتحدة وإسرائيل قد تمكنتا من تأخير طهران لأعوام عدة، فإن الحملة العسكرية قد تلحق ضرراً بجهود واشنطن في التعامل مع إيران في مجالات أخرى، فعلى سبيل المثال أقر البرلمان الإيراني أخيراً تشريعاً يقلص بصورة كبيرة تعاون إيران مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" (IAEA)، وقد لا يكون مفتشو الوكالة مثاليين، وربما لم يكن وصولهم إلى البرنامج الإيراني كاملاً، فمثلاً منشأة فوردو أنشئت سراً لأعوام قبل الكشف عنها للوكالة وإخضاعها للتفتيش، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ظلت ذات قيمة كبيرة، فقد نبهت العالم عندما أعادت إيران تشغيل منشأة تحويل اليورانيوم في أغسطس (آب) 2005، وعندما بدأت تشغيل أول أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض في نطنز، أما الآن فقد تفقد الوكالة قدرتها على الوصول إلى البلاد، وسيكون لهذا الأمر تبعات خطرة، فإضافة إلى قدرتها على رصد الاختراقات التقنية الكبرى، وفّر مفتشو الوكالة رقابة شفافة وموثوقة للتحقق من صحة المعلومات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الأجنبية في شأن البرنامج النووي الإيراني، فعندما نشرت الوكالة معلومات عن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، على سبيل المثال، تمكن الخبراء المستقلون من حساب كمية المواد القابلة للاستخدام في إنتاج الأسلحة النووية، وهو ما أظهر للعالم أن مزاعم واشنطن لم تكن مجرد نظريات مؤامرة، وكذلك استخدمت أجهزة الاستخبارات التقارير العامة التي أصدرتها الوكالة للتحقق من تقييماتها الخاصة، مما منحها ثقة أكبر في فهم البرنامج النووي الإيراني، ولعل الأهم من ذلك أن مفتشي الوكالة تمكنوا من طمأنة الدول الأخرى إلى أن إيران لم تنتج أسلحة نووية، وبعبارة أخرى أدت الوكالة دورها الأساس في توفير الشفافية اللازمة للسماح باستمرار برامج الطاقة النووية المدنية.
واستطراداً، قد تتوقف إيران عن الالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) التي تنص، من بين أمور أخرى، على التزام الدول الموقعة بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، وتخضعها لرقابة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في مقابل الحصول على التكنولوجيا النووية، وعلى رغم أن بعض المحللين يرون أن المعاهدة أصبحت بلا جدوى بالنسبة إلى إيران، نظراً للمشاريع النووية الواسعة التي نفذتها على مر الأعوام، فإن انتهاكاتها للمعاهدة وفرت الأساس القانوني الذي استند إليه مجلس الأمن الدولي لفرض العقوبات عليها، كما توفر المعاهدة إطاراً قانونياً للمطالبة بشفافية إيران في شأن برنامجها النووي وإلزامها بالتخلي عن تطوير أسلحة نووية، لكن طهران يمكنها الانسحاب من المعاهدة وقد تفعل ذلك قريباً، وإذا حصل ذلك فبوسعها تقديم مبررات قوية لهذا الانسحاب، ومن دون المعاهدة سيبقى الحاجز القانوني الوحيد أمام إيران لتطوير قنبلة نووية هو فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي التي تحرم امتلاكها.
ربما لا تزال إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم والمعدات اللازمة لصنع الأسلحة
ولا تقتصر أخطار الضربات الإسرائيلية والأميركية على الجانب السياسي وحسب، فإذا أعادت إيران بناء برنامجها النووي فمن المرجح أن تفعل ذلك في مواقع أكثر تحصيناً، فكلما كشف أو استهدف جزء من برنامجها في الماضي، كانت طهران تتخذ خطوات لتأمينه، فقد نقلت ورش تصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي إلى مواقع تحت الأرض عام 2021 بعد تعرضها لهجمات بطائرات مسيرة. (ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ووسائل إعلام أخرى أن إسرائيل كانت وراء هذا الهجوم، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تؤكد ولم تنف مسؤوليتها)، ومع تعرض مخزون اليورانيوم المخصب للتهديد نقلته إيران إلى داخل الأنفاق.
صحيح أن القنبلة الخارقة للتحصينات التابعة لسلاح الجو الأميركي قادرة على تدمير المخابئ العميقة، لكن إيران لا تزال تستفيد من إبقاء برنامجها تحت الأرض، خصوصاً أن واشنطن قد لا تملك سوى عدد محدود من هذه القنابل بعد الضربة على "فوردو"، وتشير تقارير مفتوحة المصدر إلى أن طهران ربما نقلت بعض المواد من "فوردو" قبل أن تبدأ الولايات المتحدة القصف، وعلاوة على ذلك فإذا لم تكن الضربات الأميركية والإسرائيلية قد دمرت كامل المواد والمعدات النووية الإيرانية، فستكون لدى إيران الآن فرصة خلال عمليات إعادة التأهيل لتهريب جزء من المعدات والمواد التي كانت خاضعة لرقابة الوكالة، مع الادعاء بأنها دمرت خلال الهجمات، وهذا يجب أن يثير قلق كل من يخشى إعادة إيران بناء برنامجها النووي.
وأخيراً ربما تكون الولايات المتحدة قد أضاعت فرصة التعامل مع البرنامج النووي دبلوماسياً، فقد تختار طهران لاحقاً الدخول في مفاوضات أو حتى التوصل إلى اتفاق جديد، لكنها على الأرجح لن تثق فيه، فقد كانت الولايات المتحدة في خضم التفاوض على اتفاق نووي جديد عندما بدأت حليفتها إسرائيل شن ضرباتها، والواقع أن المحللين لا يعرفون حتى الآن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه إيران وإسرائيل، بما في ذلك ما إذا كانت بعض الأنشطة تعد خرقاً له.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المحتمل مثلاً أن تعتبر عمليات التعافي الإيرانية، مثل إرسال جرافة لإعادة فتح "فوردو"، انتهاكاً للاتفاق، وإذا حدث ذلك فقد تعاود الولايات المتحدة وإسرائيل قصف المنشأة، مما يعيد إشعال النزاع، وقد أشار ترمب إلى أن الأمر لا يستدعي ذلك لأن البرنامج الإيراني، بحسب تعبيره، "جرى القضاء عليه بالكامل"، لكن ذلك على الأرجح غير دقيق.
استعدوا للتبعات
لقد وجهت الهجمات الإسرائيلية والأميركية ضربة قوية لطموحات إيران النووية، في الأقل خلال المدى القريب، لكن من الواضح أنها ليست نهاية القصة، ونتيجة لذلك يجب على صناع القرار في واشنطن الاستعداد لاحتمال أن تكون إيران قادرة على الإسراع في الوصول إلى السلاح النووي، وقد تكون بدأت بالفعل هذا المسار، وأحد السيناريوهات المحتملة في المدى القريب هو أن تجمع إيران ما بقي من اليورانيوم وتخصبه إلى مستويات صالحة للاستخدام العسكري داخل موقع جديد محصن في أنفاق أصفهان أو نطنز، وإذا كانت إيران تمتلك المعدات التشغيلية اللازمة لذلك، وهي لا تحتاج إلى كثير منها، فقد تتمكن من إنتاج معدن اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة خلال وقت قصير جداً، وبعدها يمكنها تشكيل هذه المادة إلى مكونات لصنع جهاز نووي، ومن ثم قد تدمجها مع متفجرات شديدة مما ينتج قنبلة أولية تصلح في الأقل للاختبار.
وفي ظل وقف إطلاق النار يمكن لإيران أن تفعل كل ذلك بهدوء وبطء، بخاصة إذا لم تتحمل أي كلفة على جهود إعادة الإعمار والتعافي، وقد تأخذ وقتها في بناء القنبلة إلى أن تتقن العملية بالكامل، أما إذا بدا وقف إطلاق النار هشاً فقد تختار التحرك بسرعة أكبر، وحتى إن قررت عدم التوجه نحو إنتاج سلاح نووي في الوقت الحالي، فمن شبه المؤكد أنها ستعيد بناء برنامجها في مواقع أكثر تحصيناً وبعيداً من أعين "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
قد يختار ترمب تجاهل أية تحذيرات في شأن امتلاك إيران لسلاح نووي
ولمواجهة هذه الأخطار ستعتمد إسرائيل والولايات المتحدة بصورة أكبر على أجهزتهما الاستخبارية لكشف أنشطة إيران وتتبعها، وقد تكون وكالات التجسس التابعة لهما قادرة على أداء هذه المهمة، فقد أظهرت إسرائيل، على وجه الخصوص، أنها اخترقت عمق المنظومة النووية الإيرانية، لكن بعد هذا الصراع، ومع ارتفاع الشعور بعدم الأمان، سيكون عملاء مكافحة التجسس الإيرانيون في حال تأهب قصوى.
وربما كان العمل العسكري ضرورياً في نهاية المطاف للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، لكنه دائماً ما كان ينطوي على أخطار وتعقيدات، والآن، وبعد استخدام القوة، يجب على الولايات المتحدة أن تظهر التزاماً فعلياً يوازي حجم الأخطار التي قبلت بها، وأن تضمن عدم حصول إيران على سلاح نووي، ومع ذلك قد يختار ترمب تجاهل أية تحذيرات في شأن امتلاك إيران سلاحاً نووياً، فقد أمضت إدارته الأيام الماضية في التشكيك في أي كلام يلمح إلى أن البرنامج النووي الإيراني لم يدمر كلياً، وبالتالي قد لا يرغب في الاعتراف، علناً أو سراً، بأي تحذيرات تشير إلى عكس ذلك، وأياً كان ما سيحدث لاحقاً فإن العالم يدخل مرحلة شديدة الغموض والخطورة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
مترجم عن "فورين أفيرز" 26 يونيو (حزيران) 2025
ريتشارد نيفيو باحث أول في مركز سياسات الطاقة العالمية في "جامعة كولومبيا"، وزميل مساعد في "برنامج برنشتاين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، شغل منصب نائب المبعوث الأميركي الخاص بإيران خلال إدارة بايدن، وكان عضواً في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية خلال إدارة أوباما.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
مجلس النواب الأميركي يقترب من التصويت النهائي على 'مشروع ترمب الضخم'
صوّت مجلس النواب الأميركي بواقع 219 مقابل 213 صوتًا، في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، على تمرير إجراء إجرائي يمهّد للتصويت النهائي على مشروع قانون الرئيس دونالد ترمب المعروف بـ'مشروعه الضخم والجميل'، رغم خلافات واسعة داخل الحزب الجمهوري بشأن التعديلات التي أقرّها مجلس الشيوخ. وجاء التصويت بعد تأخير دام ساعات، وسط ضغوط قوية مورست على الأعضاء المترددين من الجمهوريين، فيما يُتوقع إجراء التصويت النهائي خلال وقت قريب، بعد أن أنهى مجلس النواب مناقشاته عقب التصويت الإجرائي. الرئيس ترمب كان منخرطًا 'بشكل مباشر' في العملية، بحسب ما أكده رئيس مجلس النواب مايك جونسون، مشيرًا إلى أن النواب أرادوا ضمانات مباشرة منه بشأن مستقبل المشروع ومآلاته، وأضاف: 'كان له دور مهم ومباشر في إقناعهم'. وشهد التصويت لحظات توتر، إذ صوّت خمسة نواب جمهوريين ضد القرار، وهو ما كان كافيًا لإسقاطه نظريًا، لكن التصويت ظل مفتوحًا حتى الساعات الأولى من الخميس لإتاحة الفرصة لتغيير الأصوات. في المقابل، لم يكن ثمانية نواب جمهوريين قد أدلوا بأصواتهم، بينما لا يسمح هامش الأغلبية للجمهوريين بأكثر من ثلاث حالات تمرّد إذا كان جميع الأعضاء حاضرين. قبيل التصويت، كتب ترمب على منصة 'تروث سوشيال' أن الجمهوريين 'موحدون'، لكنه غيّر نبرته لاحقًا مع استمرار تردد بعض النواب، فكتب: 'ما الذي تنتظرونه؟! ماذا تحاولون إثباته؟! حركة MAGA غاضبة، وأنتم تخسرون الأصوات!'. وأضاف لاحقًا: 'هذا التصويت يجب أن يكون سهلًا للجمهوريين.. هذا عبث!'. تفاصيل المشروع والانقسامات الداخلية مشروع القانون يمثل أحد أبرز بنود أجندة ترمب في ولايته الثانية، ويتضمن زيادات كبيرة في الإنفاق على الأمن الحدودي والدفاع وإنتاج الطاقة، إضافة إلى تمديد تخفيضات ضريبية بمليارات الدولارات، يجري تمويلها جزئيًا من خلال تخفيضات كبيرة في برامج الرعاية الصحية والتغذية. لكن تعديلات مجلس الشيوخ على النسخة الأصلية، التي أقرها مجلس النواب في مايو بفارق صوت واحد، أثارت غضب بعض الجمهوريين. وشملت هذه التعديلات تخفيضات أعمق في برنامج 'ميديكيد'، ورفعًا أكبر لسقف الدين، وتغييرات في سياسات الطاقة الخضراء، فضلًا عن حذف بنود مثيرة للجدل كمنع الولايات من تنظيم الذكاء الاصطناعي لعشر سنوات، وفرض ضريبة جديدة على قطاع الطاقة المتجددة. وتصدّى نواب من كتلة 'فريدوم كوكَس' المحافظة لتلك التعديلات، حيث وصف النائب الجمهوري رالف نورمان ما فعله مجلس الشيوخ بأنه 'أمر غير مقبول'، مؤكدًا رفضه المشروع بصيغته الحالية. ومع ذلك، بدا بعض النواب أكثر تقبّلًا، إذ أعلن النائب الجمهوري وارن ديفيدسون أنه سيصوّت لصالح المشروع رغم تحفظاته، واصفًا إياه بـ'أفضل ما يمكن تحقيقه'. الخيانة الكبرى للشعب الأميركي ترمب التقى عددًا من النواب الجمهوريين المترددين الأربعاء، ووُصفت الاجتماعات بأنها 'مثمرة'، واعتُبرت عاملًا مساعدًا في كسب بعض الأصوات. وقال النائب داستي جونسون من داكوتا الجنوبية: 'ترمب يعرف كيف ينجز الأمور.. كثير من الأعضاء يتجهون للتصويت بنعم'. في المقابل، أعلن زعيم الأقلية الديمقراطية حكيم جيفريز رفض حزبه الكامل للمشروع، واصفًا إياه بـ'الخيانة الكبرى للشعب الأميركي'، مضيفًا: 'نحتاج فقط إلى أربعة نواب جمهوريين لينضموا إلينا لحماية ناخبيهم من هذا التشريع القاسي'. وأكد جيفريز: 'كل نائب ديمقراطي سيصوّت بـ'لا' صريحة ضد هذا المشروع القبيح'، بينما اتهم النائب الديمقراطي جيم ماكغفرن ترمب بمحاولة 'تدمير البلاد لمصلحة أصدقائه الأثرياء'. وبينما لم يُعرف بعد إن كانت الكتلة الجمهورية ستنجح في تمرير المشروع بصيغته المعدّلة، حذّر جونسون من أن أي تعديل جديد سيعيد الملف إلى مجلس الشيوخ، ما قد يُفشل المشروع برمّته، مؤكدًا: 'نحن الآن على بعد ياردة واحدة من الهدف'.


حضرموت نت
منذ 2 ساعات
- حضرموت نت
ماذا يعني تعليق إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المصادقة على قرار مجلس الشورى القاضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران، الشهر الماضي. وكان مجلس الشورى (البرلمان) قد صوّت الأسبوع الماضي لصالح القرار، في خطوة وصفها نواب بأنها 'ردّ على انتهاك سيادة إيران واستهداف منشآتها النووية والعلمية'. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها على علم بالتقارير الصادرة عن إيران بشأن تعليق التعاون معها، مشيرة إلى أنها تنتظر توضيحات رسمية من طهران. وجاء القرار الإيراني عقب صراع استمر 12 يوماً، شهد تبادلاً للقصف بين الجانبين، بدأ بغارات إسرائيلية مباغتة استهدفت مواقع عسكرية وعلمية داخل الأراضي الإيرانية، تلتها ردود صاروخية إيرانية قالت طهران إنها استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية. ما الذي ينص عليه القرار؟ نص القانون وفق ما نشرته قناة 'العالم' الإيرانية أن الحكومة 'ملزمة، فور المصادقة، بتعليق كافة أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية… إلى حين ضمان أمن المنشآت النووية والعلماء الإيرانيين'، مستنداً إلى المادة 60 من اتفاقية فيينا 1969 . وأقر البرلمان الإيراني في 25 حزيران/يونيو، غداة بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، مشروع قانون يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة التي كان مفتشوها يراقبون مختلف الأوجه المعلنة لأنشطة البرنامج النووي في إيران. ولم يحدد القانون الخطوات الاجرائية لذلك. وصادق مجلس صيانة الدستور، الهيئة المعنية بمراجعة التشريعات في إيران، على مشروع القانون، وأحاله على السلطة التنفيذية المعنية بتنفيذه. وجاء في النص الذي نشرته وسائل إعلام إيرانية أن التشريع يهدف إلى 'ضمان الدعم الكامل للحقوق الجوهرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية' بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، 'وخصوصا تخصيب اليورانيوم'. أثار استخدام مصطلح 'تعليق' بدلاً من 'إيقاف نهائي' تفسيرات بأن القرار مؤقت، مشروط بتحقيق مطالب أمنية. أفاد المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فريديريك دال، في تصريح لـ'بي بي سي'، بأن الوكالة تنتظر تفاصيل إضافية من الجانب الإيراني بشأن القرار. ماذا يعني التعليق عملياً؟ في تصريح لوكالة الطلبة الإيرانية (إسنا)، قال النائب الإيراني علي رضا سليمي إن القرار يشمل منع دخول مفتشي الوكالة الدولية إلى المنشآت النووية في إيران. بدوره، اتهم رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ'تسريب معلومات حساسة' إلى إسرائيل. وفي منشور عبر منصة 'إكس'، كتب قاليباف: 'الوكالة التي لم تدن حتى بشكل محدود الهجوم على منشآتنا النووية، فقدت مصداقيتها الدولية'. ونقلت وكالة 'مهر' الإيرانية عن قاليباف تأكيده أن البرنامج النووي الإيراني 'سيتقدم بوتيرة أسرع'، في ما بدا تلميحاً إلى وقف تبادل المعلومات مع الوكالة الدولية. 'إشارة كارثية' كان المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، قد طلب زيارة المواقع المتضررة في إيران، ولا سيما منشأة 'فوردو'، لكن الحكومة الإيرانية رفضت طلبه. وكانت الوكالة الدولية قد أصدرت في 12 حزيران/يونيو تقريراً اتّهم إيران بعدم الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بأنشطتها النووية. وأشارت إلى أن مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران قد يقلّص الوقت اللازم لصنع سلاح نووي، رغم أنها لم تجد دليلاً على امتلاك أو تطوير أسلحة نووية حتى الآن. اعتبرت السلطات الإيرانية أن تقرير الوكالة شكّل 'ذريعة' للهجمات الإسرائيلية. وعبّر عن هذا الموقف المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، الذي اتّهم في منشور المدير العام غروسي بـ'تحويل الوكالة إلى طرف في النزاع'. وقد شُنّت الغارات الإسرائيلية فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو، بعد يوم من صدور التقرير. وفي 22 من الشهر نفسه، انضمّت الولايات المتحدة إلى الهجوم من خلال قصف منشأة 'فوردو' النووية. وفي اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتّهم الرئيس الإيراني الوكالة الدولية بـ'ازدواجية المعايير'، قائلاً إن 'غروسي لم يتصرّف بحيادية'، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إيرانية. وتعقيباً على الإعلان الإيراني، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر المجتمع الدولي إلى 'التحرك بحزم' لوقف البرنامج النووي الإيراني. وحثّ ساعر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على 'إعادة فرض جميع العقوبات على إيران'. وأضاف 'يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بحزم الآن ويستخدم جميع الوسائل المتاحة له لوقف الطموحات النووية الإيرانية'. من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن غيزه، إنّ خطوة إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الذرية تعدّ 'إشارة كارثية'. وقال الباحث في 'مبادرة الخطر النووي' إريك بروير تعقيباً على إعلان طهران 'بعد عقود من النفاذ الصارم للوكالة الدولية للطاقة الذرية الى برنامج إيران النووية، ندخل الآن مرحلة جديدة أخطر'. وتابع في منشور عبر منصة إكس 'مهمة فهم ما يحصل في المواقع النووية الإيرانية، الجديدة والقديمة، ستصبح بالكامل على عاتق أجهزة الاستخبارات'.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
حلم الدولة الفلسطينية يترنّح أمام «آخر الحروب»... والضفة تترقب
إذا كان يمكن اعتبار الحرب الإسرائيلية على إيران، آخر حروب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، اليوم الذي بدأ بهجوم «غير متخيل»، ثم جرّ سلسلة من الردود والحروب التي كانت قبل ذلك «غير ممكنة»، داميةً ومكلفة ومنهكة من غزة إلى لبنان إلى إيران، فإن حرباً أخرى بالتأكيد ستظل مشتعلة على جبهة إقامة الدولة الفلسطينية. كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أن هجوم السابع من أكتوبر الذي بدأ في قطاع غزة لن ينتهي فيها، بعدما وضع العالم كلّه وليس المنطقة فحسب على طريق مواجهة مفتوحة، فشكّل بذلك لحظة تاريخية فاصلة، غيّرت كل شيء؛ غيرت العالم والإسرائيليين والفلسطينيين على السواء. وإذا كان قد تغير شيء في العالم، فهو دفع التفكير باتجاه ضرورة إقامة دولة فلسطينية وجعلها حاجة دولية تفادياً لتكرار سيناريوهات على غرار 7 أكتوبر. وهذا وضع يحاول الفلسطينيون اليوم استغلاله بكل الطرق الممكنة على أمل دفع مسار سياسي يقود إلى الدولة المرجوة. لكن المسألة لا تتعلق بالمنطق والأمنيات أو بالحقوق، وإنما باستجابة إسرائيل، الدولة المحتلة و«المنتصرة» على عدّة جبهات، والتي تغيرت بدورها فغيرت وجه المنطقة برمتها، حتى صارت تفكر بالتخلص من الفلسطينيين كلهم، وليس إعطاءهم دولة أو كياناً أياً كان اسمه. فكما قال محمود درويش ذات مرة: «ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة، ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة». لم ينتظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس كثيراً بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتهاء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، ليرسل له مستغلاً اللحظة التي أرادها أن تكون بداية نهاية الحرب في المنطقة، مبدياً استعداده الكامل لمفاوضات فورية مع إسرائيل من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام شامل. الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقاء سابق في البيت الأبيض عام 2017 (صفحة الرئيس الفلسطيني عبر فيسبوك) وفي محاولة واضحة لاستمالة ترمب، كتب عباس له: «معكم، يمكننا تحقيق ما كان يبدو مستحيلاً: فلسطين معترفاً بها، حرّة، ذات سيادة وآمنة، وإسرائيل معترفاً بها وآمنة، ومنطقة تنعم بالسلام والازدهار والتكامل». ولم ينسَ عباس استذكار مواقف ترمب «الشجاعة» حول وقف الحروب، بما في ذلك في قطاع غزة. وقال له إن العدالة يمكن أن تسود، «إذا ما توفرت الإرادة والقيادة التي تمثلونها». وكان عباس يدرك أهمية الرسالة في هذا التوقيت الحساس بعدما كثف ترمب تدخله المباشر في المنطقة، وكان يأمل بطبيعة الحال أن يستدرجه إلى تدخل أكبر. وقالت مصادر مطلعة في السلطة الفلسطينية إن الرئيس عبّاس يعمل ويأمل أن يتدخل ترمب مباشرة في عملية السلام، ويعتقد أن ثمة فرصة تلوح في الأفق إذا ما تدخل ترمب بنفس الطريقة التي تدخل بها في إيران وأوكرانيا. ويدرك عباس جيداً أن ترمب هو الشخص الوحيد في العالم القادر على إجبار إسرائيل على تقديم شيء ما، وشجعه في ذلك كيفية إنهاء الحرب على إيران، بتغريدة، ثم أجبر الطائرات الإسرائيلية على إلغاء ضربة كبيرة كانت وشيكة لطهران، قبل أن يعود ويعلن لاحقاً عن اتفاق محتمل بشأن غزة. ويراهن عباس على أن شغف ترمب بإظهار نفسه كرجل أنهى الحروب، يجب أن يتوّج بإنجاز أعظم له، مرتبط بصنع السلام الدائم، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما يسعى له الرجل مع قادة دول عربية وأوروبية. وقال مسؤول مطلع على التفاصيل: «محاولة إقناع ترمب تجري ضمن رؤية مشتركة مع الدول العربية والأوروبية». وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة عمل من أجل دفع مسار الدولة، بدأ بعد قليل من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولم يتوقف. وشمل من بين أشياء أخرى، إصلاحات واسعة في السلطة، حتى تكون جاهزة لمرحلة ما بعد الحرب وإطلاق مؤتمر السلام المرتقب. وطبعاً إقناع ترمب بتبني الفكرة». وكان عباس طلب من ترمب التدخل قبل عقد مؤتمر دولي للسلام، يأمل القائمون عليه أن يقنع الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، تمهيداً لإطلاق مسار يؤدي في النهاية لإقامة هذه الدولة. أجرى عباس هذا العام أكبر تغييرات على السلطة الفلسطينية منذ نشأتها قبل 32 عاماً، وعين القيادي في حركة «فتح»، حسين الشيخ، نائباً له، وهو تعيين لم يأت من فراغ، بل بعدما قلبت حرب السابع من أكتوبر كل الموازين، ووضعت السلطة في زاوية صعبة وضيقة تحت وابل من الاتهامات الإسرائيلية والأميركية والإقليمية التي ربطت أي دعم لتمكينها (السلطة) بإجراء إصلاحات وتغييرات واسعة، وهو مطلب أميركي قديم متجدد لم يجد عباس مهرباً من التعامل معه بجدية هذه المرة. وشكل تعيين نائب للرئيس عباس البالغ من العمر 90 عاماً أوضح رسالة على أن السلطة تتغير فعلاً وتتجهز. عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد المواجهات في نابلس (رويترز) وجاء الشيخ بعد سلسلة تغييرات كبيرة داخل السلطة. ففي العام الماضي، أقال عباس حكومته، وشكَّل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء محمد مصطفى. وقبل تعيين الشيخ هذا العام قاد عباس عاصفة طالت جميع قادة الأجهزة الأمنية تقريباً، وعيَّن رؤساء جدداً لأهم الأجهزة، وجاءت غالبيتهم هذه المرة من حرس الرئيس الخاص. ولم يكتفِ عباس بذلك، بل تخلَّص من مئات الضباط برتبة عميد، وأحالهم للتقاعد بمرسوم رئاسي. وجاء في نص القرار أنه يهدف إلى إعادة هيكلة الموارد البشرية في قوى الأمن الفلسطيني بما يتلاءم مع خطط تطوير الأجهزة الأمنية وعملها. وإضافة إلى ذلك، غيّر عباس نظام دفع الرواتب لمقاتلين وأسرى بعد احتجاجات أميركية وإسرائيلية. وقال مصدر في السلطة الفلسطينية إن كل هذه التغيرات وحملة الإصلاحات الجارية الآن تمهد لتجديد وتغيير السلطة، استعداداً لمرحلة جديدة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نقول للعالم إن السلطة جاهزة لتسلم قطاع غزة. وأكثر من ذلك (جاهزة) للدولة الفلسطينية». لكن هل تكفي الخطط والاجتماعات والمؤتمرات لتحقيق حلم الدولة؟ يعتقد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن الحديث المتصاعد عن الدولة منذ حرب غزة لن يجلب الدولة فعلاً. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيبقى مجرد مصطلح. ففي إسرائيل لا يوجد أدنى قبول للفكرة، وحتى حكومة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لم تمتلك الجدية الكافية، فما بالك بحكومة ترمب؟!». وتابع إبراهيم: «أجندة ترمب ونتنياهو واضحة؛ حل في غزة من أجل توسيع نطاق التطبيع العربي، واعتراف أميركي بالسيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية. ولا أرى أبعد من ذلك». وترفض إسرائيل فعلاً أي حديث عن الدولة الفلسطينية، بل ترفض حتى الآن عودة السلطة إلى قطاع غزة، ويرفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شعاره الشهير «لا فتحستان (حركة فتح) ولا حماستسان (حركة حماس)، ويمهد الطريق لحكم عسكري طويل الأجل. وفي مفارقة لافتة، يبرر نتنياهو رفضه للدولة الفلسطينية بهجوم السابع من أكتوبر، قائلاً إنه سيتكرر مجدداً إذا أخذ الفلسطينيون دولة؛ لأنه «لا فرق بين السلطة و(حماس)». ووصف نتنياهو، في وقت سابق، فكرة الدولة الفلسطينية بـ«السخيفة». وقال إن «دولة فلسطينية تُقام على بُعد دقائق فقط من المدن الإسرائيلية ستتحوّل إلى معقل للإرهاب الإيراني»، مضيفاً: «لن نُعرّض وجودنا للخطر جرّاء أوهام منفصلة عن الواقع». وكان نتنياهو يرد على مطالبات رؤساء دول بإقامة الدولة الفلسطينية برفض واضح، حتى إنه ووزير خارجيته جدعون ساعر هاجما بشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما أعلن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قائلين له: «اذهب وأقم الدولة الفلسطينية على أراضي فرنسا الشاسعة إذا كنت متشوقاً لذلك». ويعكس رد إسرائيل على ماكرون، إلى أي حد يمكن أن تذهب تل أبيب في رفض فكرة الدولة، حد معاداة العالم، بمن في ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب إذا لزم الأمر. وأوضح وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية، مستبقاً زيارة نتنياهو لواشنطن، الاثنين المقبل، قائلاً إن «إسرائيل لن تسلم أي قطعة من الأرض للأعداء». وكتب على موقعه على «إكس» في رسالة لا تحمل التأويل أن دولة إسرائيل لن تقبل أبداً بتقسيم البلاد، وتسليم أراضٍ للعدو، وإقامة دولة إرهابية تُهدد وجودها ومستقبلها، حتى تحت ستارٍ من «إصلاحات وهمية في السلطة الفلسطينية أو أكاذيب أخرى». بيني غانتس وبنيامين نتنياهو (أرشيفية - د.ب.أ) وأضاف: «لقد كنا بالفعل في فيلم رعب منذ (الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات وهو يُلقي خطابات سلام شفهية باللغة الإنجليزية، ويُحرض الإرهابيين على تفجير أنفسهم في المدن الإسرائيلية باللغة العربية. وحده الأحمق يُكرر نفس الخطأ مراراً وتكراراً، ويتوقع نتيجة مختلفة في كل مرة». وتابع: «إن الحكومة الإسرائيلية التي أنتمي إليها لن تضيع الانتصارات التاريخية التي كلّفتنا دماءً طائلة، ولن ترضخ لأحد. بل على العكس، سنستغل القوة العسكرية والأمنية التي بنيناها بعون الله وبطولة مقاتلينا على مدى العشرين شهراً الماضية، ونترجمها إلى قوة سياسية واقتصادية، بشعور من الكرامة والفخر الوطني، ومع جيراننا الراغبين في البقاء بالقرب منا، وبالمساهمة الهائلة التي يمكننا تقديمها لهم، دون مطالب متعجرفة تُعرّض مستقبلنا للخطر». وكي يقطع الشك باليقين، قال سموتريتش: «أعرف رئيس الوزراء نتنياهو جيداً. إنه رجل دولة عظيم، ويفهم هذا التحليل البسيط. أعرف معارضته الشديدة لفكرة الدولة الفلسطينية الوهمية، وأنا على ثقة بأنه لن يفكر أبداً في الموافقة، ولو تلميحاً، على التفريط في إنجازات الحرب ومنح جائزة للإرهاب». لا تتوقف إسرائيل عند رفض الفكرة وتخويف العالم من دولة يريدها لمنع هجوم 7 أكتوبر جديد، بالقول إنها هي التي ستنتج لهم 7 أكتوبر جديد، بل إنها تعمل على تقويض «الكيانية الفلسطينية». ولم يخف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، القطب الثاني بعد سموتريتش في الحكومة، سعيه إلى توجيه ضربة إلى السلطة بعد إيران. صبي إسرائيلي يحمل لعبة على هيئة بندقية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة... مارس الماضي (أ.ف.ب) وقال بن غفير: «نحن الآن في زخم لن يعود، وبينما رأس إيران في محنة وتلقى ضربة قاضية، فهذه فرصة لتوجيه ضربة لأعدائنا في الضفة الغربية أيضاً. لا فرق، فكلاهما يحمل أجندة تسعى إلى تدمير الشعب اليهودي». وقالت «آي 24 نيوز» العبرية إنه يخطط لتحويل الحرب بعد إيران إلى الضفة، عبر مهاجمة العناصر المسلحة من الجو باستخدام المسيرات في الضفة الغربية، وسن قانون عقوبة الإعدام لما يصفهم بالإرهابيين، وتوسيع العقوبات على السلطة الفلسطينية إلى درجة وقف عملها وشلّها كلياً. وليس سراً أن السلطة تعيش اليوم أصعب مرحلة منذ نشأتها، فهي ضعيفة ومفلسة، وتحت التهديد المعلن بتفكيكها. وأكد كريم عساكرة، المحلّل الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن مناقشة فكرة الدولة أصبح غير ممكن في إسرائيل اليوم، وليس أمراً واقعياً. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بعد السابع من أكتوبر أصبح الأمر غير ممكن ولا واقعي. لقد أثر السابع من أكتوبر على بنية التفكير الإسرائيلي بشكل عام، وغير من منظور غالبية الإسرائيليين تغييراً جذرياً للصراع مع الفلسطينيين. ناهيك عن أن نتنياهو وحكومته اليمينية يعتبرون الدولة الفلسطينية أحد الأخطار الوجودية لدولة إسرائيل، على اعتبار أن أي كيان فلسطيني سيعمل على إزالة إسرائيل وتدميرها، ومن هنا نجد إسرائيل تستخدم أسلوب (الموت البطيء) مع السلطة الفلسطينية؛ لإنهاء آخر رمزية فلسطينية على الأرض، وإن كانت سلطة بهذا الشكل الضعيف». فلسطينيون يحملون ما تيسّر من أمتعة بعد تهديد أحيائهم بالتدمير في مخيم طول كرم في الضفة الغربية (رويترز) وأضاف: «برأيي التقدم الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر في تدمير المحاور المرتبطة بإيران وإخضاع سوريا و(حزب الله)، واجتثاث المشروع النووي الإيراني، لن يجعل إسرائيل تهرول للاعتراف بدولة فلسطينية، بل على العكس من ذلك، أرى أن ضم الضفة الغربية وربما تهجير جزء من سكانها هو المخطط الإسرائيلي المقبل». يعلم الفلسطينيون في الضفّة الغربية أنهم اليوم في عين العاصفة، لكنهم يتمسكون بالأمل. وقال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن الفلسطينيين اليوم يراهنون «على حتمية الانتصار». وأضاف: «نراهن على الحق التاريخي لنا، والقناعة المطلقة بأن العالم يدعم مبدأً واحداً وهو قيام الدولة الفلسطينية، ولا أحد يستطيع إلغاء ذلك، ونعرف في نهاية المطاف أننا سننتصر». لقد جرب الفلسطينيون فعلاً كل شيء؛ الثورة من الخارج، والثورة من الداخل، وحرب العصابات والعمليات الموجهة، والانتفاضات المتتالية من انتفاضة حجارة إلى أخرى مسلّحة وجربوا كذلك اتفاقات السلام، وأغصان الزيتون، ثم قدموا التنازلات حتى قال عباس مرة: «رضينا بالبين والبين ما رضي فينا».