
غزة: 600 يوم من الصمود الأسطوري
حين يصبح الإنسان أقوى من الحديد، وتصبح الحقيقة أقسى من الصمت!
غزة، هذه البقعة الصغيرة المحاصرة منذ ما يقارب العقدين، لم تعد مجرد اسم على خارطة الشرق الأوسط! إنها الآن رمز.. أيقونة.. صرخة حارقة في وجه عالم أصابه العطب الأخلاقي حتى نخاعه.
ستمائة يوم من الحرب، ولم تنكسر.. لم ترفع راية بيضاء، ولم تُطفئ جذوة الأمل رغم ركام البيوت، ورائحة الموت، وارتعاش الأطفال في أحضان الليل بلا كهرباء، ولا دواء، ولا ماء نظيف.
الحرب كما ترويها غزة ليست توازن قوى، بل توازن مبادئ.. ليست تفوقًا تقنيًّا، بل تفوقًا أخلاقيًّا.. ليست مناورات تكتيكية، بل استعدادًا لتقديم الروح فداءً لما تؤمن به
الحروب ليست دبابات وصواريخ فقط
في كتب التاريخ العسكري، تُروى الحروب غالبًا عبر الخرائط، وأسماء المعارك، وحجم الخسائر، والنسب المئوية للنجاح أو الفشل.. لكن غزة قدمت درسًا مختلفًا.
الحرب كما ترويها غزة ليست توازن قوى، بل توازن مبادئ.. ليست تفوقًا تقنيًّا، بل تفوقًا أخلاقيًّا.. ليست مناورات تكتيكية، بل استعدادًا لتقديم الروح فداءً لما تؤمن به.
إنها حرب الإنسان الأعزل ضد آلة تجسدت فيها البشاعة الحديثة بأبشع صورها: طائرات بدون طيار، قنابل ذكية، قنابل فسفورية، جرافات، عزل كامل، وكل ذلك في مواجهة صدور مفتوحة لا تملك إلا الإيمان.
العالم بلا أقنعة
في ستمائة يوم، لم تكشف غزة وجه إسرائيل فقط، بل وجه العالم كله..
كم بدا هذا الكوكب صغيرًا، جبانًا، كثير الكلام، لكنه قليل الفعل! كم من "قمة طارئة" عُقدت، وكم من "جلسة خاصة" خُصصت لمناقشة العدوان.. كلمات، خطب، دبلوماسية مُنمّقة، بيانات ختامية.. ثم لا شيء!
إعلان
كأنما غزة كائن خارق لا تنطبق عليه قواعد الرحمة الدولية، كأن أطفالها لا يحق لهم البكاء، وكأن نساءها لا يحق لهن النجاة.
كل شيء انكسر في هذه الحرب: شرعة حقوق الإنسان، ميثاق الأمم المتحدة، وهم العدالة الدولية.. كل ذلك أصبح رمادًا تحته نار صامتة، اسمها غزة.
قهرٌ على الهواء
غزة لم تُقهر، بل قهرت.. لم تُحرج، بل أحرجت.
كشفت عورات أنظمة عربية هرعت للتطبيع، ثم التزم بعضها الصمت، والبعض الآخر راح يلوم الضحية لأنها لم تمت "بشكل لائق"!
وحتى بعض المنظمات الحقوقية العالمية لم تسلم من فضيحتها الأخلاقية؛ إذ ساوت بين الضحية والجلاد، وابتكرت تعابير جديدة مثل "الدعوة إلى التهدئة من الطرفين"، وكأنما طفلٌ يقذف حجرًا يوازي قصف أبراج بأكملها.
غزة لم تصمد فقط، بل صنعت ذاكرة! هذه الذاكرة ستلاحق كل المتواطئين، كل المتفرجين، كل من آثر الحياد في زمن يجب فيه الانحياز للمظلومين ولو بالكلمة
قادة لا يحتاجون لجيوش
القيادة في غزة لم تكن صورة في مكتب رئاسي.
كانت أمهات يخبزن الخبز تحت القصف، أطفال يرسمون الشمس في كراساتهم الرمادية، شباب ينقلون المصابين وهم يلفظون أنفاسهم.. هؤلاء هم الجنرالات الحقيقيون، قادة الظل الذين لا تصنعهم البروتوكولات، بل تصنعهم المأساة عندما يتفوق الإنسان على نفسه.
التاريخ يُعلّمنا: البقاء للشرفاء
أجل، من يقرأ التاريخ جيدًا يعرف أن القوة العارية لا تدوم.
الإمبراطوريات التي حكمت العالم بالسيف سقطت لأن الشرف لم يكن جزءًا من معادلتها.. النازية، الفاشية، الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وحتى الاستعمار الإسرائيلي، مهما طال عمره فلن يستطيع أن يزرع جذوره في أرضٍ لا تنحني.
غزة لم تصمد فقط، بل صنعت ذاكرة! هذه الذاكرة ستلاحق كل المتواطئين، كل المتفرجين، كل من آثر الحياد في زمن يجب فيه الانحياز للمظلومين ولو بالكلمة.
صرخة ضمير
إذا كان هناك معنى حقيقي للبطولة في القرن الحادي والعشرين، فهو موجود في غزة.
بطولة ليست في هوليود، ولا في كتب "التنمية الذاتية"، بل في دمعة طفل فقد أهله وما زال يقول "أنا بخير".. في وجه أم تودّع أبناءها وتقول للكاميرا "لن ننكسر".. في طبيب يعمل في مستشفى بلا أجهزة ولا أدوية، ويصرخ: "أنقذوا ما تبقى من إنسانيتكم".
إعلان
ستمائة يوم من الدم والدمع والصمود، وستكتب غزة سطرها الأخير بنفسها.
لن تكتبه تل أبيب، ولا مجلس الأمن، ولا عواصم الكذب الدولي.. بل سيكتبه قلب طفل نجا من المجزرة، وقرر أن يحمل الحجر من جديد ليبني لا ليقذف، لأن شعبًا كهذا لا يُهزم.
وغدًا، حين يُعاد ترتيب العالم، سيكون السؤال: "أين كنت يوم صمدت غزة؟".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 دقائق
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. عشرات الشهداء بالقطاع وحراك سياسي عقب رد حماس على مقترح ويتكوف
في اليوم الـ75 من استئناف حرب الإبادة على غزة، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفها لمناطق مختلفة من القطاع، وتزامن ذلك مع حراك سياسي متعلق بمقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف.


الجزيرة
منذ 22 دقائق
- الجزيرة
تفاصيل عملية أمنية لسرايا القدس استولت فيها على متفجرات للاحتلال
حصلت قناة الجزيرة على صور حصرية تظهر مراحل عملية أمنية نفذتها سرايا القدس -الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي – في حي التفاح (شرقي مدينة غزة) وتمكنت خلالها من الاستيلاء على عشرات الكيلوغرامات من مادة شديدة التفجير ألقتها مسيّرات إسرائيلية فوق أحد المباني قبل بضعة أيام. ويشير تقرير بثته الجزيرة إلى أن هذه المواد كانت جزءا من عملية خاصة خطط جيش الاحتلال لتنفيذها على أيدي وحدات خاصة تابعة أو عملاء للجيش في مناطق بعيدة عن حدود التوغل (شمال القطاع). وحصلت الجزيرة على صور حصرية للمسيّرة الإسرائيلية، وعلى معلومات خاصة بالمهمة التي كانت بصدد تنفيذها. ويشير التقرير إلى أن وحدة الرصد في سرايا القدس تمكنت من ملاحظة مسيّرتين إسرائيليتين على الأقل تحملان مستوعبات غامضة. ونفذت المسيّرتان، ابتداء من السادسة صباحاً، عدة رحلات نحو نقطة محددة في حي التفاح، وألقتا نحو 17 مستوعبا داخل أحد المباني بالمنطقة. ووفق المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة، تصنّف فصائل المقاومة هذا التوقيت باعتباره جزءا أساسياً من العملية، فمن الناحية العسكرية يسمى هذا التوقيت "بالرخو" إذ إن ضوء النهار والقدرات الاستخبارية للمسيّرات الإسرائيلية تمنع أو تقلل من احتمال وفاعلية الرصد المضاد. وفور الإبلاغ عن حركة المسيّرات، بقيت مجموعة الرصد في موقعها وطلبت دعما نحو المكان الذي ألقت فيه المسيّرات حمولتها. وعند انسحاب الطائرات، نجحت مجموعة من التسلل إلى المبنى وسحبت معها كامل ما ألقته الطائرات، حسبما تظهر الصور الحصرية، ثم سلّمت المواد إلى مجموعة هندسية مختصة، ليتبين -بحسب المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة- أنها مواد شديدة التفجير، مرفقة أيضاً بصواعق لكنها لم تكن جاهزة للتفجير، إذ تتطلب جهدا بشريا لتحويلها إلى قنابل جاهزة للاستخدام. وتقول سرايا القدس إن هذه المادة حديثة التصنيع، وتشبه في تكوينها وقدراتها التفجيرية مادة "C4". إحباط العملية وبحسب تقرير الجزيرة، فإن الصور تظهر أن الحاويات حملت تحذيرا واضحاً بأنها "مواد متفجرة سائلة" وأن كل حاوية تتسع 10كيلوغرامات وتحمل رقما متسلسلا، بالإضافة إلى أنها حملت معها أيضاً ما يُعتقد أنها صواعق عليها تحذير باللغة العبرية بأنها "أداة تسرّع التفجير" أو "تفعّل التفجير". وتقول سرايا القدس إن المسيّرات عادت إلى المكان نفسه بعد 3 أيام وألقت حاوية إضافية يُعتقد أنها بقية التجهيزات الكهربائية الضرورية لتفعيل نظام التفجير. وبما أن المسيّرات تحمل كاميرات تبث بشكل مباشر إلى غرف العمليات لدى الجيش الإسرائيلي، تمت ملاحظة اختفاء حاويات المواد المتفجرة، ورُصدت طائرات مقاتلة تستهدف المبنى بداية بصاروخ واحد. وبحسب سرايا القدس، فإن غياب انفجار ضخم -كان من المفترض حدوثه بوجود قرابة 170 كيلوغراما من المواد شديدة الانفجار- كان كافياً لإدراك إدارة العمليات بالجيش الإسرائيلي أن المواد لم تعد في المبنى، فبدأت المقاتلات تنفيذ أحزمة نارية شاملة في المنطقة المحيطة. ووفق تقديرات سرايا القدس، فإن موقع المبنى البعيد نسبيا عن نقاط التوغل شرق مدينة غزة يشير إلى أن المواد المتفجرة أُلقيت في ذلك المكان تمهيدا لعملية أمنية كانت وحدات إسرائيلية خاصة أو عملاء لجيش الاحتلال بصدد تنفيذها، وأن المواد جزء من تجهيز مسرح العمليات، مضيفة أن القصف العنيف للموقع يؤكد أن الاستيلاء على هذه المواد المتفجرة قد أحبط تلك العملية الأمنية. وقامت مجموعات الهندسة العكسية -حسب السرايا- بتجهيز تلك المواد لاستخدامها ضد الجيش الإسرائيلي، وذلك ضمن نطاق الخطط الدفاعية، مؤكدة أن المواد أصبحت مفعلة وجاهزة للاستخدام بانتظار أي تقدم لقوات الاحتلال في المناطق الشرقية لمدينة غزة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
عامل إغاثة إيطالي: فقدت الثقة في الإنسانية بسبب أوضاع غزة
رسم عامل إغاثة إيطالي –في حوار له مع موقع "إنسايد أوفر"- لوحة قاسية عن الأوضاع في قطاع غزة ، مؤكدا أنه رأى هناك المعنى المؤلم لهول كارثة إنسانية لم تتكشف كل فصولها بعد. وقال الموقع الإيطالي إن ماتيا بيدولي -الشهير على منصات التواصل بلقب "فليب" لاستخدامه ألعاب الخفة وسيلة لإدخال القليل من الفرحة لقلوب من خسروا كل شيء- نذر أكثر من عقد من حياته للعمل في أخطر بؤر النزاع عبر العالم، وإنه أكد فقد ثقته في الإنسانية بسبب صمت العالم عما يعانيه سكان غزة. وشدد بيدولي على أن "الإنسانية لم تعد هي التي تحكمنا، بل تحكمنا مصالح أخرى، ونرى ذلك جليا في جميع أنحاء العالم، إن ما يحدث هنا يُنقل على الهواء مباشرة 24 ساعة في اليوم، كل يوم، والأمور معروفة ومرئية، لكننا لا نأبه بما يحدث". وعند سؤاله عن الفروقات الجوهرية التي لمسها بين غزة وغيرها من ساحات النزاع التي عمل بها، بما في ذلك أوكرانيا، أكد بيدولي أن غزة مكان مختلف تماما عن أي مكان آخر، وأنها أصعب منطقة ذهب إليها. وأول الأسباب -من وجهة نظره- صعوبة دخول عمال الإغاثة إلى القطاع المحاصر، وإن نجحتَ في الدخول تبدأ الصعوبة الأكبر، إذ لا توجد منطقة آمنة في غزة، عكس أوكرانيا. أيضا في غزة -يتابع بيدولي- الوضع مغاير تماما لأي مكان آخر، فالمواجهة ليست بين جيشين، فلا توجد دبابة فلسطينية، ولا يوجد جيش فلسطيني. وقال إن أكثر ما فاجأه هو قدرة الغزيين الهائلة على الصمود، وأضاف أن من ضمن فريق عمله توجد طبيبة نزحت داخل قطاع غزة 8 مرات. وتابع أن نقص الغذاء والأدوية يزيد الأوضاع سوءا، ففي غزة يموت الكثيرون بسبب الالتهابات لعدم توفر المضادات الحيوية، ويخضع الأطفال لعمليات جراحية دون تخدير، وهناك مستشفيات ومراكز تابعة لمنظمات دولية تجد نفسها مضطرة للاختيار بين المرضى نظرا لعدم كفاية الموارد الطبية. وبحسب الموقع الإيطالي، عندما سُئل بيدولي عن النداء الذي يريد توجيهه للعالم بشأن غزة، قال بمرارة ويأس "في العادة، كنت سأجيب، لكن ما حدث هنا أفقدني الأمل تماما في الإنسانية". يُذكر أن وزارة الصحة في غزة أفادت اليوم السبت أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي ارتفع إلى 54 ألفا و381 شهيدا، و124 ألفا و54 مصابا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما قالت حنان بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط إن أطفال غزة يموتون جراء الجوع والمجاعة اللذين وصلا إلى مستويات مرتفعة للغاية، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، حيث تحدث وفيات بين الكبار والصغار بسبب نقص الغذاء والدواء. وأضافت أن المجاعة في غزة بلغت مستويات مرتفعة للغاية، والناس في أمسّ الحاجة إلى الغذاء والتغذية الأساسية. وبحسب المسؤولين في غزة، تواصل إسرائيل منذ 2 مارس/آذار الماضي سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بالقطاع المحاصر، عبر إغلاق المعابر لمدة 90 يوما في وجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع المدمر مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.