
«الاستهلاك المؤدلج» تهديد صامت لجودة الحياة يقوده المؤثرون
وفي سياق التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة تبرز بشكل صامت ظواهر سلوكية تستدعي تأملاً عميقاً، وتوصيفاً أكاديمياً وعلمياً دقيقاً وحتى ذلك الحين لنتفق على تسميتها هنا بـ"ثقافة الاستهلاك المؤدلج" أو "التبعية الاستهلاكية"، هذه ليست مجرد ممارسات فردية عابرة، بل هي أنماط سلوكية جماعية تتجذر في اللاوعي الجمعي، وتشكّل تحدياً معقداً يتقاطع مع محاور التنمية المستدامة، ويثقل كاهل الأفراد والمجتمع والاقتصاد على حد سواء، ويكمن جوهر المشكلة في الميل عن مبدأ الاستهلاك المبني على الحاجة الفعلية أو القيمة الحقيقية، والتحول نحو استهلاك مدفوع بأبعاد أيديولوجية خفية، تُشكلها روايات وصور مجتمعية وإعلانية، تكرس لدى الفرد قناعة بأن الامتلاك أو محاكاة أنماط معينة من الاستهلاك هو السبيل لتحقيق المكانة الاجتماعية، والسعادة، أو حتى تأكيد الذات.
وتتشكل هذه الظاهرة وتتضح في صور متعددة، باتت مألوفة في حياتنا اليومية على سبيل المثال الاستهلاك الرمزي لسلع وخدمات فاخرة، والتفضيل المطلق لعلامة تجارية معينة، أو وجهة سياحية، والإفراط في الإنفاق على الكماليات، وتتولى قيادة هذه الظاهرة وتوجيه الأفكار مجموعات من المؤثرين "المنتفعين" بطبيعة الحال من وراء الترويج لهذه السلوكيات التي أصبح الاستهلاك فيها أداة للتعبير عن الذات ضمن معايير اجتماعية مفروضة، هذه الممارسات وإن بدت ظاهرياً أمراً اختيارياً إلا أنها في الواقع تعكس تغلغلاً أيديولوجيا يُشجع على التماهي مع نموذج استهلاكي بعينه، يعمل كصناعة تحويلية للخيارات والمنتجات من أدوات ومتطلبات نفعية إلى مؤشرات ومعايير للهوية الفردية والاجتماعية.
وتتجاوز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة البعد الفردي لتُشكل تحديات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من خلال إنفاق مبالغ طائلة على سلع وخدمات ذات قيمة مضافة محدودة أو غير ضرورية، مما يُقلص من فرص الادخار والاستثمار في الأصول الإنتاجية التي تُعزز النمو الاقتصادي المستدام، وتفاقم المديونية الاستهلاكية مما يُعرض الأسر لمخاطر مالية، ويُضعف قدرتها على مواجهة الأزمات، والنفقات الطارئة، وتشتيت الانتباه عن الإنتاجية والابتكار، والتأثير على الكفاءة الاقتصادية، أما على الصعيد الاجتماعي فتبرز زيادة الضغوط النفسية على الفرد وجعله تحت وطأة ضغط مستمر لمواكبة أنماط استهلاكية معينة، مما يُولد شعوراً بالقلق، وعدم الرضا، والشعور بالنقص، ويهدد الصحة النفسية للفرد، والتماسك الاجتماعي، وتراجع الحس والذوق العام القائم على الاخذ بمعايير الجودة، والأصالة، أو الملاءمة للظروف الاقتصادية، وتراجع قيم القناعة، والاعتدال، لصالح ثقافة المباهاة، والمفاخرة.
وإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، مستمدة ومستلهمة من نماذج في نجاحاتنا الوطنية لمعالجة تحديات مشابهة، كأنموذج "كفاءة" لترشيد استهلاك الطاقة الذي يُعد مثالاً ملهماً لكيفية تحويل سلوك استهلاكي سائد إلى وعي بالترشيد، ومشروع "المسار الرياضي" الذي يسعى لربط السلوك الرياضي بالفوائد الصحية المباشرة، لتغيير نمط وسلوك مجتمع بأكمله نحو الأفضل، كما يمكن الاستفادة من التجارب الفكرية في محاربة الأفكار المتطرفة في رصد وتحليل آليات الأدلجة الاستهلاكية، وفهم رواياتها المتجذرة في اللاوعي الجمعي، وتقديم روايات وسرديات بديلة تُعزز قيم الاعتدال، والرضاء، نحو إنفاق مبرر، وهادف، وانطلاقاً من مبادرة هيئة الإعلام المرئي والمسموع في إلزام صناع المحتوى بتوضيح الإعلانات، وفرض ضوابط على المحتوى التجاري، في خطوة استباقية مواكبة مؤهلة لأن تتطور وتصبح جزءًا من استراتيجية أوسع لـ "رفع الذوق العام في الاختيار"، وتستهدف المجتمع بشكل مباشر من خلال نشر محتوى إيجابي يعزز للحياة المتوازنة والإنفاق المدروس، وتقديم برامج توعوية للجمهور تتناول أساليب التسويق الخفية، والفصل بين الحاجات والكماليات، والرغبات، ونشر الوعي اللازم للاستفادة القصوى من هذه الخيارات والفرص الاستثنائية المتاحة.
وختاماً فان التحدي الذي تُمثله "ثقافة الاستهلاك المؤدلج" لا يتعلق بالحد من الاستهلاك، بل بتوجيهه نحو مسار أكثر وعياً، وكفاءة، واستدامة، و تمكين الفرد من اختيار ما يناسبه بوعي وإدراك، من خلال مزاحمة الأفكار الأيديولوجية الاستهلاكية التي قد تحوّل وفرة الخيارات إلى عبء، والرفاهية إلى سباق لا ينتهي نحو الامتلاك والمباهاة، والايمان بأن هذا التحول ليس هدفاً اقتصادياً فحسب، بل هو استثمار في رأس المال البشري، وتعزيزُ لجودة الحياة، ورفاهية المجتمع التي تعد مرتكزاً أساسياً في تحقيق تطلعات رؤية 2030.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 35 دقائق
- عكاظ
أرامكو: لدينا برنامج رأسمالي نشط مع مشاريع ضخمة بـ90 مليار دولار
أكد رئيس شركة أرامكو السعودية كبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين الناصر أن شركة أرامكو السعودية مستمرة في برنامجها الاستثماري المبني على تعزيز القيمة وتحقيق النمو في جميع قطاعات أعمالها. وقال الناصر في مقابلة مع «العربية Business»: «لدينا برنامج رأسمالي نشط مع مشاريع ضخمة بنحو 90 مليار دولار قيد التنفيذ حالياً». وأضاف: «الشركة تشهد نمواً في أعمال الغاز تحديداً، حيث من المتوقع أن تنمو أعمال الغاز بنسبة 60% بحلول العام 2030، وخير مثال على ذلك مشروع تطوير حقل الجافورة الذي يمضي وفق الجدول الزمني المحدد». وأشار الناصر إلى أن حقل الجافورة للغاز غير التقليدي يعد أحد أهم مشاريع التطوير من هذا النوع على مستوى العالم. ويتوقع أن يصل إنتاج غاز البيع من حقل الجافورة إلى معدل مستدام من الغاز الطبيعي يبلغ ملياري قدم مكعبة قياسية في اليوم بحلول العام 2030. وأفاد بأن المشروع يحقق تقدماً وفق الجدول الزمني المحدد، ومن المتوقع الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع في العام 2025، لافتاً إلى أن أعمال تطوير المرحلة الثانية تمضي أيضاً وفق الجدول الزمني المحدد. وبين أن استراتيجية النمو في «أرامكو» تشمل قطاعات أخرى، بما في ذلك توظيف التقنية المتقدمة والذكاء الاصطناعي حيث كانت. وذكر الناصر بقوله: «ما زالت شركة أرامكو السعودية من الشركات الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لثقتنا بأثرها الإيجابي على عمليات الشركة، بما في ذلك خفض التكاليف وزيادة الكفاءة، ونحن في أرامكو دائماً نضع الأولوية لدعم أمن الطاقة والأسعار المعقولة والاستدامة في جميع أعمالنا، والتركيز على النمو وتنويع مصادر الدخل». وكانت «أرامكو» قد وقعت صفقة استئجار وإعادة تأجير بقيمة 11 مليار دولار تتعلق بمرافق معالجة الغاز في الجافورة، وذلك مع ائتلاف مكوّن من مستثمرين دوليين، بقيادة صناديق تديرها «غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز»، المعروفة باسم «جي آي بي» التابعة لشركة «بلاك روك». وأفادت الشركة، في بيان أخيراً، بأن حقل الجافورة يُعد أكبر مشروع لتطوير الغاز غير المصاحب في السعودية، حيث يُقدر حجمه بنحو 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام، و75 مليار برميل من المكثفات. ويشكل المشروع عنصراً أساسياً في خطط «أرامكو» لزيادة الطاقة الإنتاجية للغاز بنسبة 60% بين عامي 2021 و2030، لتلبية الطلب المتزايد. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 40 دقائق
- عكاظ
تراجع معظم أسواق أسهم الخليج.. و«السعودي» يربح
أغلقت معظم أسواق الأسهم الخليجية على انخفاض، ففي قطر، تراجع المؤشر الرئيسي 0.5% متأثرًا بهبوط سهم بنك قطر الوطني 1.2%. كما أغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسية في البحرين، وعُمان، والكويت على انخفاض. غير أن مؤشر السوق المالية السعودية ارتفع 0.6% مدعومًا بارتفاع سهم مصرف الراجحي 0.4%، وسهم دار الأركان للتطوير العقاري 5.2%. وزاد سهم أرامكو السعودية 0.4%. ووقّعت شركة أرامكو السعودية صفقة استئجار وإعادة تأجير بقيمة 11 مليار دولار تتعلق بمرافق معالجة الغاز في الجافورة، وذلك مع ائتلاف مكوّن من مستثمرين دوليين، بقيادة صناديق تديرها «غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز»، المعروفة باسم «جي آي بي» والتابعة لشركة «بلاك روك». وخارج منطقة الخليج، ارتفع مؤشر الأسهم القيادية في مصر 1.1 %، مع ارتفاع سهم البنك التجاري الدولي 1.7%. وأعلنت الرئاسة المصرية في بيان أمس، أن مصر سجلت فائضاً أولياً قياسيًا 629 مليار جنيه (13 مليار دولار) في السنة المالية 2024-2025، أي ما يعادل 3.6% من ناتجها المحلي الإجمالي. أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ ساعة واحدة
- الاقتصادية
الأسهم السعودية ترتفع للجلسة الثانية بصعود معظم الشركات
ارتفعت الأسهم السعودية في أولى جلسات الأسبوع وسط دعم من معظم الشركات على رأسها "أرامكو" ليصل "تاسي" إلى 10897 نقطة بمكاسب 0.6% مرتفعا للجلسة الثانية على التوالي، فيما تراجعت قيم التداول 27% إلى 3.2 مليار ريال. ستواجه السوق مقاومة عند 10900 نقطة تشكل متوسط أداء السوق في شهر، قدرة السوق في تخطيها في جلسة الغد يعزز من فرص سيطرت الجلسات الخضراء خلال الأسبوع. السوق شهدت تحركات لافتة أثناء تعاملاتها اليوم، إذ بلغ سهم "اتحاد اتصالات" أعلى مستوى له منذ 10 أعوام عند 65.15 ريال، فيما قفز سهما "رسن" و"صناعات كهربائية" إلى أعلى مستويات تاريخية عند 97.80 ريال و9.81 ريال على التوالي. في المقابل، تراجع سهم "لوبريف" إلى أدنى مستوى تاريخي عند 85.70 ريال. وعلى صعيد توزيعات الأرباح، تستحق أسهم "الخزف السعودي" و"دله الصحية" نصف ريال للسهم بنهاية تعاملات اليوم، ما يجعلها عرضة للتراجع في جلسة الغد لتداولها دون أحقية، في حين سيصرف بنك "الرياض" وشركة "المطاحن الحديثة" أرباحا لمساهميهما.