
يوم الطواف العظيم فى مياديـن الحريـة
تغزل فى 30 يونيو كما شئت.. قُل عنه يوم القيامة ويوم الحسم العظيم ويوم المصير، لكنك أبداً لن تتمكن من وصف يليق بعظمته وقدسيته.. وصف تخطف به الألباب.. فى هذا اليوم خرج المصريون ليس على حاكم أجهز على ثورة 25 يناير وهوى ببلد عظيم.. حاكم لم يقدّر الكرسى الذى جلس عليه ففرط فى دماء الشهداء بل وسفك دماء جديدة منذ أن حكم.. فى هذا اليوم خرج المصريون على جماعة لا تقدّر معنى الوطنية وترى المصريين أصواتاً يشترونها بالزيت والسكر.. جماعة كانت تظن أن المصريين أدمنوا عبادة الآلهة فلا يستطيعون العيش بدونها..
خرج المصريون مبكراً رداً على رسائل التخويف التى أرسلتها الجماعة وأنصارها.. وتزينت الشوارع انتظاراً لفرحة كبرى.
يمكنك أن تقول وضميرك مرتاح أن «الشعب خلّص على الجماعة».. أجهز على أفكارها وتنظيمها.. أجهز على ما كانت تروّجه من أساطير وحكايات عن وطنيتها ونضالها واضطهادها، والأهم أنه عرّاها أمام العالم من أنها جماعة تُعلى من شأن الإسلام وكلمة الله فى الأرض.. الجماعة التى تؤمن بالأستاذية لا تعرف أن الشعب هو الأستاذ.. لا تؤمن أن الشعب الحر حاكم ولو كان محكوماً.. هذا اليوم أثبت للجماعة وهم ما كانوا يصدّعون به أدمغتنا بأنها الوحيدة القادرة على الحشد.. النغمة التى أجبرت أمريكا ألا ترى غيرها بديلاً لنظام مبارك فى حال سقوطه.. فى هذا اليوم جاء المصريون من كل فج عميق.. أكثر من 30 مليون مصرى فى شوارع وميادين مصر حسب وكالة رويتر التى قالت إنه أكبر خروج فى التاريخ.. وكالات عالمية قالت إنهم 17 مليون مصرى.. لكن الجماعة الحاكمة وأنصارها لم تر هذه الملايين بل خرج علينا من يقول إنهم آلاف.. الجماعة لا تريد أن ترى ما يزعجها ولم تصدق أن المصريين خرجوا طواعية.. لم تصدق أن الميادين امتلأت بمصريين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية، ولا يمكن أن تحسبهم على تيار سياسى بعينه.. مصريون ضاقوا بحكمها وممارساتها وقراراتها وتجارتها بالدين.. ضاقوا بمراوغاتها وخداعها لهم.. مصريون قرروا أن يستردوا البهجة التى أجهزوا عليها.. البهجة التى كانت تصبرهم على فقرهم ومرضهم فى ظل كل الأنظمة التى حكمت مصر.. فى هذا اليوم لم نر أصحاب اللحى سوى فى ميدان رابعة العدوية.. اللحى التى ربما نشاهدها مستقبلاً فى الأفلام والمسلسلات فقط.. فى هذا اليوم اختفت قيادات الجماعة واختفى معها من كانوا يمطروننا بوابل من التصريحات الإرهابية.. توعدوا فيها المصريين بالإبادة إذا ما قرروا الخروج ونزلوا الشوارع.. اختفى هؤلاء من الشوارع واختفوا من على الفضائيات باستثناء أعضاء ينتمون إليهم وكان حضورهم ضعيفاً.. تخلوا فيه عن الغطرسة والكبر والتهديد بالإبادة.. الشعب فى هذا اليوم «خلّص» على الجماعة.. لذلك لم يكن غريباً أن يتندر المصريون ويقولون «الإخوان جماعة أسسها حسن البنا وأغلقها محمد بديع وخيرت الشاطر».
كثيرون قبل هذا اليوم كانوا يتوقعون هذا الطوفان البشرى.. كل المؤشرات كانت تؤكد على ذلك.. فالمصريون خرجوا مبكراً.. خرجوا يومى الجمعة والسبت، أى قبل 30 يونيو بيومين.. خرجوا للإطاحة بالجماعة الحاكمة.. لم يكن أمامهم سوى الرد عليها وبقوة.. لقد رأوا منها ما لا يمكن لعاقل أن يقدم عليه.. جماعة لا تسمع ولا ترى.. جماعة لا يعنيها سوى نفسها.. جماعة تقود البلد للجحيم.. جماعة تعاند شعباً بأكمله وتحاصره وتريده يدين بدينها، ويقدس مؤسسها ومرشدها.. الشعب كله فى ميادين مصر والجماعة وأنصارها فى ميدان رابعة العدوية.. رسالة لا يمكن للجماعة أن تدرك معناها ولا تصل لجوهرها ولكى يحدث ذلك هى تحتاج لمعجزة فى زمن انتهت منه المعجزات.. هذا الشعب العظيم لا يمكن لأحد أن يهزمه مهما بلغت قوته.. دول مرت عليه كسرها وأذلها حتى لو طال احتلالها.. أنظمة حكمته ولم تتمكن منه مهما طال سنوات حكمها.. إذاً لا يمكن لهذه الجماعة أن تهزم هذا الشعب مهما تحصنت بالميليشيات ومهما هددت أو حاولت إدخال الرعب فى قلوب الناس.
قبل 30 يونيو بيومين وبالتحديد يوم الجمعة كانت الجماعة وأنصارها فى ميدان رابعة العدوية ينظمون مظاهرة قالوا عنها أيضاً إنها مليونية.. مظاهره عنوانها «الشرعية خط أحمر».. الشرعية التى يقصدونها هى شرعية الجماعة الحاكمة وشرعها الخاص.. فى هذه المظاهرة خرج منظموها يتوعدون الغاضبين والمتمردين بالسحل والسحق، ورغم أنهم يدّعون أنهم ينبذون العنف إلا أن خطابهم كان يقطر دماً.. ألسنتهم كانت تقطر سخافات فى حق المعارضين والإعلاميين.. ما من شخص اعتلى المنصة إلا سب وأهان كل من يفكر فى الخروج فى 30 يونيو.. فى هذا اليوم ذهبت الجماعة وأنصارها إلى الميدان.. ذهبوا فى الصباح الباكر بعد أن بنوا 50 حماماً.. ذهبوا ونصبوا الخيام وأعلنوا أنهم سيقيمون فيها حتى يأتى يوم 30 يونيو.. صرفوا النظر عن استمرار الأخوات فى الخيام خوفاً عليهن.. رفعوا أعلام مصر والسعودية وتنظيم الرايات السوداء.. ارتدوا الخوذ وحملوا الشوم والعصى لتحذير كل من تسول له نفسه الاقتراب من قصر الاتحادية.. غنوا أناشيد دينية تحث شباب التيارات الإسلامية على الجهاد.. فى خطبة الجمعة راح خطيب مسجد رابعة العدوية يصور الخروج على محمد مرسى بأنه خروج على الإسلام.. راح يتهم المعارضين بما ليس فيهم ويضرب أمثلة من وحى خياله لتأليب المصريين على المتمردين.. قال إن «واحدة منهم تطالب بفتح قنوات جنسية لتثقيف البنات، وواحد يقول إن الهرم أقدس من القدس، وأن المحجبات معاقات ذهنياً والحجاب تخلف، وأن بالقرآن آيات متناقضة».. كل ما قاله خطيب المسجد كان هدفه النيل من سمعة المتظاهرين والتعريض بهم أخلاقياً.. هدفه أن ينصرف المصريون عنهم لأنهم وبهذا الشكل يدعون إلى الانحلال ولا يلتفتون إلى الدين.. لكن خطيب المسجد فاته أن المصريين أصبحوا أكثر وعياً مما يظن الذين يحكمون.. أصبحوا يفرقون جيداً بين من يعلون كلمة الله الحق ومن يتاجرون بها.. بين من يريدون لهذا الوطن الخير وبين من يضمرون له شراً مبيناً.. بين من ينشدون الحرية وبين من يريدونها ظلاماً وخراباً.. فات الشيخ أن أجمل ما فى ثورة يناير وتوابعها أنها أسقطت الآلهة وأسقطت وهم من كانوا يتشدقون بالدين ويتاجرون به ليحصلوا على أصوات البسطاء فتتحقق مصالحهم الضيقة لا مصلحة الإسلام والمسلمين.. الذين ينبذون العنف خرجوا ليصوروا أن خروج المصريين فى هذا اليوم خروج على الإسلام.. خرجوا ليقولوا إن قتلاهم فى الجنة وقتلانا فى النار.. ببساطة شديدة جردوا الذين ينشدون الحرية من دينهم.. ببساطة وضعوهم فى خندق المشركين فلا تجوز عليهم الرحمة ولا يحق أن نطلق عليهم شهداء.. هم لوحدهم من يتحدثون باسم الله وباسمه يدخلون فئة الجنة وفئة النار.. لو كان هؤلاء يريدون إعلاء كلمة الله وعدم الإساءة للإسلام ما أقحموه أصلاً فى السياسة.. ما رفعوا شعاراته وأنزلوه من عليائه وجعلوه عُرضة لأخطاء بشرية.. لو كان خروج المصريين على الجماعة الحاكمة خروجاً على الإسلام فالذين خرجوا على أنور السادات وقتلوه خرجوا أيضاً على الإسلام.. فالرجل كان حريصا على بناء المساجد ودعم مشيخة الأزهر.. كان حريصاً على صلاة أيام الجمع التى تسبق مناسبات دينية مهمة وربما كان يؤدى صلاة الجمعة لكنه لم ينقلها على الهواء ولم ينشر صورها فى الجرائد.. كان حريصاً أيضاً على أداء العمرة والحج مثله مثل كل الحكام الذين حكموا مصر.. لو كان هذا هو مقياس الجماعة وأنصارها فثورة يناير نفسها خروج على الإسلام.. المصريون لم يتعودوا الإساءة للإسلام.. لقد جُبلوا على احترامه.. يحرصون على أداء فرائضه وتنفيذ تعاليمه دون غلو أو تشدد.. المصريون عندما يخرجون على حاكم تأكد أنهم قد وصلوا لذروة الغضب والاحتقان.. تأكد أنهم فقدوا البهجة وقرروا أن يستردوها.. تأكد أن الحال قد ضاق بهم فلا عيش ولا حياة كريمة ولا حرية ولا عدالة اجتماعية.. تأكد أنهم ضاقوا بطوابير البنزين وطوابير البوتاجاز وطوابير الحياة بالتقسيط.. لقد وعدتهم الجماعة الحاكمة بالجنة فلم يجدوا سوى النار.. وعدتهم بطائر نهضة سيقفز بهم إلى السماء السابعة وإذا بهم يجدون أنفسهم أسفل سافلين، ورغم ذلك تخيل هؤلاء أن الجماعة الحاكمة ربما تتخذ قرارات تنجّى هذا البلد من الجحيم.. قرارات توقف شلال الدم الذى بدأ فى الانفجار بالمحافظات، وكان من المتوقع ألا تتوقف وحدث فعلاً وأمطرتنا الجماعة الفاشية بعمليات إرهابية لا حصر لها.. تخيلوا أنه ربما تتنازل الجماعة عن عنادها وتستغنى عن خدمات النائب العام طلعت عبدالله فإذا بها تتمسك به، ليس هذا فحسب وإنما راحت تعرّض بالنائب العام السابق عبدالمجيد محمود وتعرّض بالقضاة وتتهم أحدهم بالتزوير.. تخيلوا أنها ستقيل حكومة هشام قنديل الفاشلة وتأتى بحكومة ائتلاف وطنية فإذا بها تثنى على أداء حكومة قنديل وتثمن دور كل وزير فيها وكأنه أتى بما لم يأت به الأوائل.. تخيلوا أنها من الممكن أن تفوت الفرصة على الغاضبين والمتمردين وتدعو هي -من باب أضعف الإيمان- ليس لانتخابات رئاسية مبكرة وإنما استفتاء على استكمال محمد مرسى مدته من عدمه؛ وهو اقتراح ينجى الجماعة ويبقيها فى الصورة، وربما كان تبرئة لكل التهم التى وجهت لها.. لكن الجماعة لمن يعرفها لم ولن تتنازل وقد وصلت إلى كرسى لم تكن تحلم به يوماً ما.. ركبت الجماعة رأسها حتى لا يظن المصريون أنها ضعيفة وأن تقديمها لأى تنازل سيطمع المصريين فيها، وبدلاً من مطالبهم هذه يطالبون برحيل الجماعة.. خافوا أن يتكرر سيناريو الإطاحة بمبارك معهم، ونسوا أنهم يمشون على خطاه ويرتكبون نفس أخطائه وربما يلقون مصيراً أقسى من مصيره.. أخذه الكبر فى الأيام الأولى للثورة، واستهان بمطالب الثوار ولم يلتفت إليها فوجد ما لم يسره.. فبعد أن كانوا يطالبون بتغيير الحكومة وإلغاء نتيجة انتخابات مجلس الشعب طالبوا برأسه.. هتفوا «الشعب يريد إسقاط مبارك».. أخذ نظامه الكبر وظهر ذلك فى خطاباته فأجبروه أن يغير لهجته فخرج عليهم بخطاب عاطفى، ولولا موقعة الجمل لأكمل مبارك مدته.. ظل النظام طوال أيام الثورة يتهم الثوار بالعمالة والخيانة والتحرش فى الميدان وشرب الخمر وممارسة الرذيلة فى الخيام.. ما فعله نظام مبارك أعادته الجماعة حرفياً.. تبقى فقط النهاية التى يصر المصريون على كتابتها انتصاراً لحريتهم.. النهاية التى يسعون فيها لاسترداد الوطن من جماعة أصرت طوال فترة حكمها على اختصاره فى تنظيم.. مجرد تنظيم.. هم يعرفون أن مهر هذا الوطن غالٍ لكنهم مؤمنون بدفعه.. مؤمنون بأن أرواحهم فداء له وضمان لمستقبل «نظيف» لأبنائهم ولجيل مقبل يستحق حياة أفضل من التى عشناها.. هم يعرفون أن الجماعة الحاكمة لن تستسلم بسهولة وستدفع بأبناء غيرها -لا أبناء قياداتها- فى هذه المعركة.. لكنهم مستعدون للمواجهة والتضحية.
لقد كان يوم الجمعة بروفة ليوم الأحد المقدس -30 يونيو-.. امتلأت ميادين مصر كلها بالمصريين فى مواجهة جماعة.. مجرد جماعة.. خرجوا مبكراً عن الموعد المحدد رداً على رسائل التخويف التى أرسلتها الجماعة وأنصارها طوال الأيام الماضية.. تزينت الشوارع لاستقبال المصريين انتظاراً لفرحة كبرى.. فى طريقى إلى ميدان التحرير - يوم الجمعة- وجدت إصراراً لا مثيل له على إسقاط هذه الجماعة.. فى المعادى خرج الأهالى فى مظاهرة هتفوا فيها برحيل محمد مرسى، ورفعوا لافتات مكتوب عليها «يا رئيس الجمهورية.. المعادى مش بلطجية» و«يسقط يسقط حكم المرشد».. كانوا يرددون الأغانى الوطنية ومعظمها كان من نصيب العندليب عبدالحليم حافظ.. الأغانى التى جرى تقديمها فى زمن الزعيم جمال عبدالناصر.. فى شارع البحر الأعظم نظم الأهالى مظاهرة أستعانوا فيها بالدى جى ولافتات مكتوب عليها كل كوارث الجماعة الحاكمة فى سنة.. لم يضق أصحاب السيارات بالمظاهرة بل راحوا يشجعون المتظاهرين بكلاكسات تضامناً معهم واستجابة للافتة مكتوب عليها «اللى بيكره الإخوان يضرب كلاكس».. فى ميدان التحرير كان المشهد رائعاً.. مشهد استعاد معه الميدان أجواء ثورة يناير.. منصة وحيدة أمام الجامعة الأمريكية.. أغانى وطنية وباعة جائلون يرزقون من بيع الشاى والمياه والشعارات والأعلام وصور الزعماء والرؤساء بمن فيهم الذين أساءوا لهذا الوطن.. القبطى بجوار المسلم يرفعان الصليب مع المصحف.. محجبات ومنقبات.. أسر بكاملها.. أطفال وشباب وكبار فى السن.. الحماس يضرب الميدان والحضور على قلب رجل واحد.. لا تجد واحداً يرفض مَن بجواره حتى لو كان مؤمناً بأشخاص خربوا هذا البلد وأصبحوا من الماضى.. الكل نحى رأيه فى معارضين يأكلون على كل موائد الأنظمة.. معارضين يرفعون شعارات ولا يعملون بها.. معارضين لا يسعون لشىء سوى مصالحهم ومكاسبهم الشخصية.. الكل هدفه رحيل الجماعة أولاً ثم يبدأ الحساب فيما بعد للمعارضين المزيفين والمنافقين والطبالين والزمارين العابرين للأنظمة.. الكل ارتضى بأن يكون سيناريو ما بعد رحيل هذه الجماعة أن يتولى السلطة رئيس المحكمة الدستورية -رئاسة شرفية- على أن تشكل حكومة ائتلاف وطنية تترأسها شخصية وطنية لا تنتمى لأى حزب مع تشكيل مجلس رئاسى يعبر عن كل أطياف المجتمع، ويتم خلال المرحلة الانتقالية -6 شهور- كتابة دستور جديد وبعده الإعلان عن انتخابات رئاسية وبرلمانية.
كان خروج المصريين فى المحافظات متجلياً.. فى المحلة خرجوا فى مظاهرات مهيبة تندد بسياسات الإخوان.. رافضين لتهديداتها وإهاناتها للقضاء والإعلاميين.. خرجوا وقد صمموا على إقصاء هذه الجماعة.. لم يثنهم عن الصمود محاولات التيارات الإسلامية إفساد مظاهراتهم بالتحرش والضرب وإطلاق الخرطوش.. المحلة تبدأ وعلينا جميعاً أن نتذكر أهاليها عندما يغضبون.. علينا ألا ننسى أن أهل المحلة أحرقوا صور مبارك وهو فى الحكم.. حدث هذا فى سنة 2008.. أهل المحلة لا يخافون.. يحملون أرواحهم على أكفهم.. نفس الحالة ستجدها فى بورسعيد.. المدينة الباسلة.. المدينة التى كسرت إرادة الجماعة الفاشية عندما قررت إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول.. لا شىء يخيف أهالى بورسعيد وقد تعودوا على مواجهة المحتلين.. جيناتهم تؤكد على أنهم الأبرع فى المقاومة.. ما جرى فى هذه المحافظة من قبل هذه الجماعة أثناء حكمها كان من الممكن أن ينال من عزيمتها وإرادتها.. مدينة جرت فيها مجزرة فى استادها لا أحد حتى هذه اللحظة يعرف مَن وراءها.. جرى معاقبتها على جريمة لم ترتكبها.. عاقبوها فقط لأن المجزرة جرت على أرضها، وقتها تم شن حملة سخيفة على البورسعيدية بهدف عزلها، وفشلت الحملة.. ثم كانت محاكمة المتهمين وحدثت فوضى راح ضحيتها أكثر من 60 شهيداً.. خرج أبناء المدينة لتوديعهم فتعاملت معهم الشرطة بقسوة مفرطة وعنف شديد زاد من غضب البورسعيدية تجاه الجماعة الحاكمة التى لم تجد ما تفعله سوى إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول فما كان منهم سوى أن دهسوه تحت أقدامهم.. بورسعيد أشعلت الدنيا ثورة وخرج الآلاف فى مظاهرات حاشدة يرفضون حكم الجماعة.. قدمت بورسعيد أول شهيد صحفى كان موجوداً فى مكان جرى تفجيره بعبوة ناسفة بدائية الصنع.. سقوط شهيد يعنى أن البورسعيدية سيصمدون حتى جلاء حكم الجماعة وهو ما حدث فعلاً.
أما الإسكندرية فدائماً ما تعطى درساً للمصريين جميعاً.. دائماً ما تنتشر من بوابتها الأفكار لتعم مصر كلها.. المسيحية جاءت عبر بوابتها وانتشرت فى مصر، والإسلام أيضاً دخل مصر عن طريقها.. حتى الأفكار الوهابية دخلت لنا مصر عبرها، لكنها انتفضت منذ فترة ونفضت عنها غبار السلفية.. اغتسلت من الأفكار الوهابية، وها هى الآن تنتفض من جديد ضد الجماعة وأنصارها.. ها هى تقدم شهداء من أجل حرية وطن بأكمله.. فى الإسكندرية قُتل أمريكى لا أحد يعرف من قتله، وجرى الترويج للحادث للنيل من هذه المظاهرات.. كما حدث وجرى الترويج لواقعة تحرش بسائحة أمريكية لتشويه المظاهرات قبل أن تصل إلى ذروتها يوم 30 يونيو.. لم تمر مظاهرات الإسكندرية كما فى باقى المحافظات على خير.. وقعت اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين راح ضحيتها أكثر من 70 مصاباً وفق إحصائية لوزارة الصحة.. كما تم حرق مقر لحزب الحرية والعدالة لم يتبين بعد من قام بحرقه.
اشتعلت أيضاً الغربية والمنصورة والشرقية والمنوفية بالمظاهرات ووقعت اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين أصيب فيها نحو 500 شخص.. كما انتفضت بنى سويف المعروفة بسيطرة السلفيين عليها ومسقط رأس المرشد محمد بديع.. كما انتفضت المنيا وسوهاج وأعلنت قبائل هوارة بمحافظة قنا انضمامها لمظاهرات 30 يونيو.
30 يونيو كانت نقطة تحول فى الصعيد وموقفه من الجماعة الحاكمة.. فقد كان منحازاً لها ومنحها أصواته فى انتخابات الرئاسة وقبلها الانتخابات البرلمانية.. لكنه فى هذا اليوم قرر أن يتخلص من هذا العقد غير الأبدى.. سوهاج خرجت فى هذا اليوم وأعلنت استقلالها عن مصر حتى يظهر لنا رئيس، ومثلها فعلت الأقصر التى أعلنت أنها مدينة مستقلة، ولأول مرة العرب والهوارة يتفقان على شىء وهو إسقاط الجماعة الحاكمة.. الجماعة التى عليها الآن أن تؤمن أن ملايين المصريين يكرهونها الآن.. فقدوا تعاطفهم معها واتخذوا منها عدواً أبدياً!
خرج الشعب على الجماعة وأبهر العالم كله.. كان فقط أمامه خطوة واحدة ليتوج انتصاره وترحل الجماعة نهائياً.. فى هذه اللحظة ظهر الجيش المصرى العظيم ليؤدى دوره كما عهدناه.. كان يعنيه أن يوقف بحور الدم المحتملة.. فخرج ببيان قوى «شهدت الساحة المصرية والعالم أجمع أمس مظاهرات وخروج شعب مصر العظيم.. ليعبر عن رأيه وإرادته بشكل سلمى وحضارى غير مسبوق.. لقد رأى الجميع حركة الشعب المصرى.. وسمعوا صوته بأقصى درجات الاحترام.. ومن المحدد أن يتلقى الشعب رداً على حركته وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدراً من المسئولية فى هذه الظروف الخطيرة.. المحيطة بالوطن» وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته.. كان البيان يمهل القوى السياسية 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخى وأنه فى حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات المسلحة ستعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها.
كالعادة لم تستجب الجماعة لمطالب الذين خرجوا عليها.. لم يكن أمامها سوى تهديد المصريين بالإبادة.. بل وتهديد قادة الجيش كما سبق وأن فعلوها أثناء الانتخابات الرئاسية التى جرت بعد 25 يناير، وبالتحديد عند جولة الإعادة بين شفيق ومرسى، ونجحت الجماعة وبالتحديد مرشدها الفعلى خيرت الشاطر فى تهديده وخاف المسئولون وقتها على البلد وعلى المصريين من إراقة الدماء.. لكن فى 30 يونيو فشل خيرت الشاطر ووجد ما لا يسره عندما حاول إعادة تهديده مرة أخرى بإراقة دماء المصريين، نسى هذه المرة أن المصريين فى الشارع فهموا طبيعة الجماعة الفاشية.. هذه المرة لن يتعاطفوا معها وقد سقط القناع عنها.. كان الرد على خيرت الشاطر قاسياً جداً.. عاد إلى مكتب الإرشاد ليس حزيناً بل خائفاً من مصير ينتظره هو وجماعته.. عاد وقد تأكد له أن الجيش المصرى العظيم سوف ينحاز وكعادته إلى الشعب لا أحد غيره.. عاد وقد تأكد له أن الجماعة لن تعود إلى كرسى الحكم مرة أخرى.. لقد كان على رأس الجيش الفريق عبدالفتاح السيسى.. تحمل سخافات قادة الجماعة الفاشية وفوت عليهم ألاعيبهم وتصدى لتهديداتهم عندما كانوا فى الحكم.. فى مساء 2 يوليو خرج علينا الفريق عبدالفتاح السيسى ببيان أنهى فيه حكم الجماعة الفاشية.. وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اجتمعت عليها كل الأطياف.. الأزهر والكنيسة والتيار السلفى وحركة تمرد ومحمد البرادعى وغيرهم.. الصورة التى ظهر يتوسطها الفريق السيسى كانت تضم الجميع باستثناء الجماعة الفاشية وأنصارها من التيارات الدينية المتطرفة.. اتفق المجتمعون على تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وأداء رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. كان الفريق عبدالفتاح السيسى حريصاً على أن يؤكد فى بيانه أمام الجميع على ضرورة التزام كل أطياف الشعب بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دماء الأبرياء، وأن القوات المسلحة سوف تتصدى بالتعاون مع وزارة الداخلية بكل قوة وحسم لأى خروج عن السلمية طبقاً للقانون وذلك من منطلق مسئوليتها الوطنية والتاريخية.. كان البيان تتويجاً لخروج الشعب المصرى على الجماعة الفاشية.. انتصر الشعب ولم تجنِ الجماعة سوى الحسرة والندم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المصري اليوم
منذ ساعة واحدة
- المصري اليوم
الخريطة الكاملة لـ الإجازات الرسمية المتبقية في مصر 2025 بعد إجازة رأس السنة الهجرية
بدأ العد التنازلي لأول إجازة رسمية في النصف الثاني من عام 2025، بعدما أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء ، موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025 ، لتكون الخميس 26 يونيو، وهي عطلة رسمية مدفوعة الأجر للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص والبنوك، بمناسبة بداية العام الهجري الجديد 1447. موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025 ووفقا للقرار يمنح العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى العاملين بالبنوك، إجازة رسمية يوم الخميس 26 يونيو 2025، احتفالًا ببداية العام الهجري الجديد. الإجازات الرسمية المتبقية في مصر 2025 المناسبة اليوم التاريخ رأس السنة الهجرية الخميس 26 يونيو 2025 عيد ثورة 23 يوليو الأربعاء 23 يوليو 2025 المولد النبوي الشريف الخميس 4 سبتمبر 2025 عيد القوات المسلحة (6 أكتوبر) الإثنين 6 أكتوبر 2025 الاحتفال بإجازة المولد النبوي الشريف 2025 أفادت دار الإفتاء عبر موقعها على فيس بوك أن «المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف: إظهار الفرح في هذا اليوم، ويُقصَد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام، والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا؛ فيكون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بكل أنواع القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى». وأضافت «أمر مستحبٌّ مشروعٌ بالكتاب والسنة، وقد درج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه، ولم ينكره أحدٌ يُعتَدُّ به».


المصري اليوم
منذ ساعة واحدة
- المصري اليوم
«زي النهاردة».. وفاة المفكر والسياسي والأديب وزعيم حركة «كفاية» عبدالوهاب المسيري (3 يوليو 2008)
في الثامن من أكتوبر 1938، وفى دمنهور بمحافظة البحيرة ولإحدى العائلات المعروفة هناك ولد الباحث والأديب والمفكر الكبير الدكتور عبدالوهاب المسيري، وهو مفكر مصرى يسارى، ومؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية التي تعد أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. تلقى المسيرى تعليمه الابتدائي والثانوى في دمنهور، وفى عام 1955 التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية،وتخرج فيها عام 1959، وعين معيدا فيها عند تخرجه ثم سافرللولايات المتحدة عام 1963، وهناك حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزى المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك عام 1964، ثم الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسى عام 1969. وبعد عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفى جامعات عربية أخرى منها جامعة الملك سعود من 1983إلى 1988والجامعة الإسلامية العالمية في (ماليزيا)، وكان عضوًا بمجلس الخبراء في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام في الفترة من 1970إلى 1975 ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك في الفترة من 1975 إلى 1979. وفى حوار لنا معه عن تحوله من اليسار إلى دعم الإخوان، أجاب قائلا: «أنا ماركسي على سنة الله ورسوله» وقبل وفاته شغل المسيرى منصب المنسق العام لحركة كفاية. وتعرض المسيري للاعتقال دون مراعاة لمرضه وسنه، ومما قاله: «إن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل تعنى أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهى مشروع استعمارى لا علاقة له باليهودية»، وهناك ملمح في سلوك المسيرى يدلل على براءته ونقائه وهو عشقه للشيكولاته بل كان يقول لا صوت يعلو فوق صوت الشيكولاته. ويذكر أن الدولة تخلت عن علاجه فيما تكفل به أمراء سعوديون، وكان المسيرى قد كتب سيرته الذاتية تحت عنوان «رحلتي الفكرية من البذور إلى الجذور إلى الثمار» إلى أن توفى «زي النهاردة» في 3 يوليو 2008. عبدالوهاب المسيري - صورة أرشيفية وقد نال الدكتور عبيد الوهاب المسيري عدة جوائز من بينها جائزة أحسن كتاب بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2000 عن «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، ثم عام 2001 عن كتاب رحلتى الفكرية، وجائزة العويس عام 2002عن مجمل إنتاجه الفكرى، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2004.


بوابة الفجر
منذ 3 ساعات
- بوابة الفجر
عاجل- مرتضى منصور يناشد الرئيس السيسي: أرجوك لا تُصدّق على قانون الإيجار القديم حفاظًا على استقرار الوطن
في أول تعليق علني عقب موافقة مجلس النواب على قانون الإيجار القديم، وجّه المستشار مرتضى منصور رسالة مفتوحة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي يناشده فيها بعدم التصديق على القانون في صيغته الحالية، مطالبًا بإعادته إلى البرلمان لإعادة النظر فيه، لما له من تداعيات اجتماعية قد تمس استقرار آلاف الأسر المصرية. وقال منصور في رسالته: " أنا لا مؤجر ولا مستأجر، ولا مصلحة شخصية لي، ولكن القانون بصيغته الحالية يهدد السلام الاجتماعي في وطننا العزيز مصر " وأضاف: " مع كامل الاحترام لحكم المحكمة الدستورية، فهو لم يتضمن طرد المستأجرين، بل أشار فقط إلى تحريك القيمة الإيجارية. الحكم ليس كتاب الله ولا سنة رسوله، والدستور نفسه نُجّل بعض مواده بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. " ووجّه مرتضى منصور نداءً مباشرًا إلى الرئيس قائلًا: " رجاء من سيادتك، المنحاز دائمًا لمصلحة المصريين، أن تُعيد النظر في هذا القانون، وألا تُصدّق عليه قبل تعديله بما يحقق التوازن الحقيقي بين أطراف العلاقة الإيجارية ويحمي الأسر البسيطة من التشريد. " تأتي هذه المناشدة في وقت احتدم فيه الجدل المجتمعي بشأن القانون، الذي يمنح فترة انتقالية تمتد لـ7 سنوات قبل إنهاء العلاقة الإيجارية، مع التزام الدولة بتوفير سكن بديل للمستأجرين الأصليين وأزواجهم. الرسالة أثارت تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أنها صدرت من شخصية قانونية وبرلمانية بارزة، في وقت حرج يتطلب موازنة دقيقة بين حقوق الملاك وأمان المستأجرين.