تحت عنوان «رِحالنا» انطلاق بينالي الشارقة 16
تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في إمارة الشارقة، والإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.
وقد حضرت "سيدتي" افتتاح بينالي الشارقة 16، في بيت النابودة بالشارقة.
بحضور جمهور غفير من الفنانين والمهتمين والإعلاميين، انطلقت الدورة السادسة عشرة من بينالي الشارقة 2025، بمشاركة 200 فنان من جميع أنحاء العالم يقدمون أكثر من 650 عملاً فنياً، من بينها 200 تكليف جديد، تُعرض في 17 موقعاً على امتداد مدينة الشارقة، من بينها مدن الحمرية والذيد وكلباء، إلى جانب برنامجٍ شاملٍ من العروض الأدائية والموسيقية والسينمائية.
وقد أشرفت على هذه الدورة خمسُ قيّماتٍ، هُنّ: علياء سواستيكا، أمل خلف، ميغان تاماتي كيونيل، ناتاشا جينوالا، وزينب أوز، وتقام تحت عنوان «رِحالنا» كمقترح يحمل في طياته أصواتاً متعددة ويفتح المجال أمام التأويلات المختلفة، إذ يركز البينالي على استكشاف أحمالنا خلال رحلاتنا الحياتية، وكيف ننقل هذه الأحمال إلى العالم من حولنا، كما يدعو المشاركين والجمهور إلى استكشاف الأعمال الفنية المتنوعة التي تتبناها القيّمات الخمس، والرؤى والتأملات التي استلهمنها من تجاربهنّ التقييمية.
قصص الأجيال
تحدثت في المؤتمر الشيخة حور بنت سلطان القاسمي،رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، وشرحت كيف يسعى البينالي عبر عنوان «رِحالنا» إلى محاولة فهم هشاشتنا في المساحات التي ليست لنا أو تلك التي لا ننتمي إليها، مع الحفاظ على قدرتنا على التفاعل مع هذه الأماكن من خلال الثقافات التي نحملها معنا، وليكون العنوان جسرًا يربطُ بين أزمنةٍ متعددةٍ، حاملاً معهُ قصصاً متناقلةً عبر الأجيال وأساليب متنوعة من الإرث الثقافي، مما يطرح التساؤلات التالية: ما الذي نحمله عندما يحين وقت السفر، الهروب، أو الانتقال؟ ما هي المسارات التي نخوضها عندما ننتقل بين الأراضي وعبر الزمن؟ ماذا نحمل عندما نبقى؟ وماذا نحمل عندما ننجو؟.
حوارات نقدية
ثم ألقت الشيخة نوار بنت أحمد القاسمي ، مديرة مؤسسة الشارقة للفنون، كلمتها التي ركزت على شرح عمل القيّمات معاً، وكل واحدة بشكل منفرد، لتطوير مشاريعهن بصفتهن حامِلاتٍ لأساليب ورؤى مختلفة، مما أتاح لهنّ مساحةً للاستماع والدعم المتبادل، وهذا ما جعل المنهجيات التقييمية المتنوعة، بدءاً من الإقامات الفنية والورش والإنتاج الجماعي، وصولاً إلى الكتابة، والتجارب الصوتية، والمنشورات المصاحبة الشاملة- حاضرة باستمرار في أجواء البينالي، وشجعت على إجراء حوارات نقدية مستمرة وبناء أشكال متطورة من السرديات بوجهات نظرٍ وجغرافيات ولغات متعددة.
مهمات القيمات
توفر مشاريع القيّمات مساحاتٍ تؤطرُ رؤاهن وتصوراتهن الفنية للبينالي، حيث تسلط علياء سواستيكا الضوء على التفاعلات الناشئة بين القوة والشعر والسياسة والدور المركزي والأساسي للمعرفة النسوية، بالإضافة إلى تصور مستقبل افتراضي من خلال التدخلات التكنولوجية ، أما أمل خلف فتقترح أن تكون المرويّات والأغاني والعرافة بمثابة طقوسٍ للتعلم الجماعي والمقاومة في أوقات الأزمات السياسية والبيئية. وانطلاقاً من منظور السكان الأصليين تجمع ميغان تاماتي كيونيل بين مشاريع شعرية وفق مفهومين متداخلين، الأول متعلق بالأرض وأفكار عدم الثبات أو المتغير والمستقبل الافتراضي، والثاني مرتبط بالتبادل والاحترام، فيما تركز ناتاشا جينوالا على المواقع الساحلية في المحيط الهندي وآبار المياه في الشارقة باعتبارها مخازن تبوحُ بذاكرة الأجداد والمكان والصوت، أما زينب أوز فتسلط عدسة التاريخ على الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشُ ونشارك فيها، وبالأخص تلك التي تطورت كاستجابة للتغيّرات المتسارعة في التكنولوجيا والعلم.
هذا وتلتقي هذه المشاريعُ على امتداد مواقع العرض لتشكل فضاءات مشتركة تحتضن مجموعة من الأعمال التي اختارتها القيّمات الخمس، ولتقترح إطاراً مفاهيمياً يستلهم السياق التاريخي والثقافي لتلك المواقع. وعبر هذا الجهد المشترك في البحث عن صدى للأفكار التقييمية تنشأ تعبيرات جماعية تضيف قراءاتٍ متجددة للبينالي.
أعمال الفنانين
وانطلاقاً من التاريخ البحري والجغرافيات الساحلية للشارقة، تتناول القيّمات عدة مواضيع مشتركة تتعلق بالمعابر والتقاطعات المائية والصلات الإقليمية وأهمية استمرارية الثقافات الأصلية والمحلية، حيث يستعرض عمل الفنانة مريم م. النعيمي العلاقات التاريخية والمعاصرة في منطقة الخليج العربي مع المسطحات المائية، باعتبارها كيانات حيّة ويعيد أداء الطقوس المحلية في المواقع التي تأثرت باستصلاح الأراضي.
ثقافة وسياحة أبوظبي تطلق معرض بينالي أبوظبي للفن العام
ملايين السنين
عبر سلسلة صوره الفوتوغرافية التي تُعرض على امتداد كورنيش الشارقة يوثق الفنان أكينبودي أكينبيي مشاهد التجارة والأنشطة المجتمعية وأوقات الاستجمام على السواحل المتنوعة، كاشفاً عن الروحانيات اليومية والبنى التي تضج بالحياة على هذه الشواطئ. فيما تتعاون مجموعة سيرابيس مارايتايم الفنية التي تجمع بين الفن والتصميم والأزياء، مع منتجين وحرفيين محليين، لإنتاج مشروع يستلهم تاريخ الملاحة البحرية الإقليمي من خلال استخدام مواد من أحواض السفن والمرافق الصناعية في الشارقة. أما لوحات الفنانة كاسي نامودا فتبرز ذاكرة الأسلاف، ومشهدية الحياة الساحلية، والإدارة الأمومية للأرض والموارد، مسلطةً الضوء على السرديات والأساطير التاريخية ذات الطابع البرتغالي-الإفريقي، ومتوغلة في تفاصيل الحياة اليومية وحكايات المدن الساحلية القديمة. وفي حديقة بُحيص الجيولوجية تنتصب منحوتة الفنانة ميغان كوب والتي تحمل عنوان «كينينغارا غُوينيانبا» أو «مكان صخور المحار»، كشاهد على التاريخ الجيولوجي السحيق والبحر الضحل الذي غطى الشارقة قبل ملايين السنين. حول هذه المواضيع كانت جولة دار بها الحاضرون في أجواء تجميع قصص هذه القطع الفنية الأصيلة.
تعرفي على أهم
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 أيام
- الرياض
جائزة الشارقة للاتصال الحكومي تحول القوة الناعمة إلى ميدان ابتكار وتنافس عالمي
تتميز جائزة الشارقة للاتصال الحكومي التي ينظمها المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، بمواكبتها لآخر التطورات وآليات التواصل الفعّالة على مستوى العالم. ومن هذا المنطلق، رسّخت الجائزة مفهوم "القوة الناعمة" باستخدام الثقافة والفنون والرياضة والتكنولوجيا والموسيقى والدراما في التواصل بين الحكومات والمجتمعات والتأثير الإيجابي. وتأتي الدورة الـ 12 من الجائزة لتكون أكثر تحفيزاً للجهات الحكومية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص للمشاركة في فئة "أفضل رسائل اتصالية عبر عناصر القوة الناعمة" التي تقدم منظوراً متطوراً ومتكاملاً للتفاعل الإنساني. وتُعدّ هذه الفئة إحدى الفئات المتميزة في الجائزة الـتي تعيد تشكيل مفاهيم الاتصال بما يتواكب مع تطورات العصر والتقنيات التكنولوجية الحديثة والأساليب الابتكارية. وتواصل الجائزة هذا العام استقبال طلبات الترشح حتى 24 يوليو المقبل، كما تتضمن (23) فئة، منقسمة على 5 قطاعات رئيسية وهي: جوائز الجهات الحكومية، والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، والجوائز الفردية، وجوائز الشركاء، وجوائز لجنة التحكيم. ويمكن للراغبين في خوض منافسات دورة 2025، التي سيُكرّم الفائزين فيها سبتمبر القادم، تقديم طلباتهم عبر الموقع الإلكتروني للجائزة ووفقاً لسعادة طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، فإن الجائزة تعزز المكانة المرموقة والسمعة الطيبة لدولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة في التأثير الإيجابي من خلال الاتصال الحكومي الفعال، مشيراً سعادته إلى أن توظيف القوة الناعمة في الاتصال مع الجمهور يسهم في دعم الصور الإيجابية على المستوى العالمي، ويتيح بناء شراكات، وجذب الاستثمارات، واستقطاب العقول، بما ينعكس على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ويفتح آفاقاً أرحب للتبادل الثقافي والعلمي. وتؤمن جائزة الشارقة للاتصال الحكومي بأن أدوات وعناصر القوة الناعمة مثل الموسيقى، والفنون، والدراما، والسينما، والرياضة من الوسائل الفعّالة في بناء رسائل اتصالية مؤثرة، تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، ما يجعلها قادرة على تشكيل الوعي الجماهيري، وتعزيز الهوية، وترسيخ القيم الاجتماعية. وتُسهم هذه الأدوات من خلال سرد القصص أو عرض الإنجازات، في إيصال رسائل قوية تبني الفكر الاجتماعي وتعزز صورة الدول والمجتمعات على الساحة العالمية. وتركّز لجنة تحكيم الجائزة، التي تضم نخبة من الخبراء والمتخصصين في الإعلام والاتصال، في فئة "أفضل رسائل اتصالية عبر عناصر القوة الناعمة' على معايير دقيقة تستند إلى أسس علمية واضحة. وتشمل عملية التقييم عدة جوانب، منها أصالة الرسالة ووضوحها، وارتباطها بأداة من أدوات القوة الناعمة، إضافة إلى مدى انتشارها على المستوى العالمي. كما يُؤخذ بعين الاعتبار قدرتها على تغيير الصور النمطية أو ترسيخ القيم الإنسانية، ومدى تفاعل الجمهور معها. وتولي الجائزة أهمية خاصة للابتكار في تقديم الرسائل، ومدى قدرتها على إحداث أثر مستدام. يذكر أنه فاز بفئة "أفضل استثمار في القوة الناعمة" العام الماضي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28) الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة، لتوظيف المؤتمر المتميز لعناصر القوة الناعمة في إيصال رسائل بيئية واقتصادية مؤثرة. وتشكيله نموذجاً عالمياً رائداً في كيفية توظيف الدبلوماسية الثقافية والرسائل الإبداعية لرفع الوعي بالتحديات المناخية، مع إبراز فرص الاستثمار المستدام.


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
بينالي "أمار" يستعيد "الأغاني الساخرة" في العالم العربي
معروف أن البينالي يختار في كل دورة، موضوعاً محدداً من الأرشيف الموسيقي العربي من أجل دراسته المعمقة، عبر أنشطة ووسائط عدة بالتعاون مع مجموعة من المتخصصين من مجالات علمية ومهنية مختلفة. وتهدف هذه الأنشطة إلى دراسة الإرث الثقافي في مختلف المناطق العربية وإلى فهم أفضل لخصوصيته ولأطره التاريخية والاجتماعية والسياسية. ويشكل رصيد هذه الأعمال وثائق تاريخية في معرفة التحولات المجتمعية، وهو بالتالي أحد مكونات الذاكرة الجماعية التي يجب حفظها ونشرها في وجه المحاولات الممنهجة لمحوها. تنوعت أعمال هذه الدورة من إقامة فنية إلى إطلاق إصدارٍ سمعي وبحثي جديد، إضافة إلى ندوات وعروض أفلام وثائقية مختصة وسلسلة من الفيديوهات المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي. وتختتم الأنشطة بحفلة من الأغاني الساخرة يقدمها المشاركون في الإقامة الفنية. شارك في الأنشطة 10 باحثين ومخرجين إضافة إلى سبعة موسيقيين. وقد أقيمت الدورة الأولى من البينالي بدعم من الحكومة النرويجية والصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، وقدمت الندوات في متحف سرسق. أعمال البينالي تكون برنامج البينالي من خمسة أنواع من الأنشطة، هي: إطلاق إصدار موسيقي، وندوات، وعروض أفلام، وعروض سلسلة فيديوهات قصيرة منتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي إضافة إلى الإقامة الفنية والحفلة الختامية. في ما يلي نبذة عنهم: أطلقت مؤسسة "أمار" إصدارها الجديد بعنوان "الأغاني الساخرة: أصوات معارضة من بلاد الشام 1920-1950" يستعرض هذا الإصدار مجموعة من الأغاني الساخرة والنقدية التي ظهرت في بلاد الشام خلال فترة الانتدابين الفرنسي والبريطاني، وهي مرحلة شهدت تحولات سياسية واجتماعية عميقة. من خلال تسجيلات أرشيفية نادرة، يكشف هذا العمل عن كيفية تجاوز هذه الأغاني الحدود الاستعمارية لتعبّر بأسلوب يجمع بين الفكاهة والنقد الحاد عن قضايا الهوية والمقاومة والحياة اليومية. تشكل هذه التسجيلات اليوم وثائق تاريخية مهمة في معرفة تحديات تلك الحقبة، ولعل دراستها ونشرها ضرورة للحفاظ على هذا التراث ومنعه من الزوال واعتبارها مكوناً من الذاكرة الجماعية للمنطقة، خصوصاً في وجه محاولات الإبادة والمحو الممنهجين لتاريخها وهويتها. يشمل الكتيب ثلاث دراسات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية إضافة إلى 78 تسجيلاً سمعياً من الأغنيات الساخرة. ندوات بحثية شهد البينالي ندوات دراسية شارك فيها متخصصون في علوم الاجتماع والتاريخ واللسانيات وعلم موسيقى الشعوب حول تأثير الأغنية الساخرة وتطورها في القرن الـ20 في المنطقة العربية. ويشمل ذلك إطلاق إصدار مؤسسة "أمار" الجديد بعنوان "الأغاني الساخرة: أصوات معارضة من بلاد الشام 1920-1950" إضافة إلى أربع حلقات نقاشية تركز على الأغنية الساخرة في مصر وفلسطين والجزائر واليمن، إلى جانب حلقة ختامية تقدم خلاصات واقتراحات عما تمت مناقشته خلال البينالي، يدير هذا النشاط أكرم الريس. عروض أفلام وتفرد البينالي بتخصيص حيز لعروض أفلام تتناول الشأن الموسيقي. قد تكون في بعض الأحيان روائية، وثائقية أو تسجيلية، وفي أحيان أخرى حفلات موسيقية مصورة. وتتم معالجة هذه الأفلام ليس بالضرورة من الجانب السينمائي البحت، إنما من جانب التحليل الإتنوموسيقي. في هذه الدورة تم التركيز على أفلام تطرقت لدور الأغنية الساخرة في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية. يرافق هذه العروض، نقاد باحثون أو مخرجون من مختلف أنحاء المنطقة العربية لتقديم آرائهم حول الموضوع والحوار مع الحضور. واحتفل البينالي بالفنان اللبناني عمر الزعني في تظاهرة بعنوان "رجع عا بيروت" وقدم سلسلة فواصل فيديو قصيرة منتجة باستخدام الذكاء الاصطناعي. استطاعت التسجيلات السمعية القديمة للفنان عمر الزعني أن تنجو وتعبر من القرن الماضي إلى يومنا هذا، ولكن لم تتوفر مقاطع فيديو توثق نشاطه الفني ويومياته، ونظراً إلى قدرة أعماله على محاكاة التحديات الاجتماعية والسياسية للزمن الحاضر ومن ثم مخاطبة الجيل الجديد، استعانت المؤسسة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مستندة إلى بعض الصور من هنا ومن هناك، وإلى بعض الأبحاث والحكايات التي تدور حوله وحول أغانيه، لإعادة إحياء تراث هذا الفنان الساخر الملتزم بقضايا الشعب. حفلة موسيقية قدم الفنانون المقيمون في البينالي، حفلة موسيقية استناداً إلى الأغاني الساخرة في أرشيف مؤسسة "أمار"، بما في ذلك أعمال أقل شهرة لعمر الزعني والشيخ إمام وسيد درويش وسلامة الأغواني وموسيقى "الشعبي" الجزائرية وآخرين. وبدت الحفلة نتيجة لإقامة فنية على مدار أسبوع، في مقر مؤسسة "أمار" في قرية قرنة الحمراء، وشارك فيها سبعة فنانين من لبنان والدول العربية، قاموا بتبادل المعلومات والخبرات والتجارب الموسيقية والبحث في أرشيف "أمار" عن الأغاني الساخرة ودراسة المخزون الموسيقي. من خلال هذا المسار التعاوني، أضاء الموسيقيون على أعمال أقل شهرة لعمر الزعني والشيخ إمام وسيد درويش وسلامة الأغواني ولور دكاش وسهام رفقي وغيرهم من الأعلام. جرى الافتتاح الرسمي للبينالي في متحف سرسق – بيروت، بحضور حوالى 100 شخص من فنانين وباحثين ومهتمين. استهلت المؤسسة الحدث بكلمة ترحيبية من مديرة المشروع هبة الحاج فيلدر، أعقبتها كلمة من السفيرة النرويجية، ثم مداخلة ممثلة "آفاق". بعدها، تم تقديم عرض بصري متقن صُمم باستخدام الذكاء الاصطناعي، تناول أرشيف الفنان عمر الزعني، أحد رموز الأغنية الساخرة في لبنان. ثم أقيمت ندوة نقاشية ضمت الدكتورة ديانا عباني، الدكتور نادر سراج، والأب الدكتور بديع الحاج، تم خلالها استعراض نماذج الغنائية الساخرة من بلاد الشام بين عامي 1920 و1950، إضافة إلى خصائصها اللغوية والموسيقية مرفقة بعرض سمعي. ركز المتحدثون على أن هذا النوع من الأغاني هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية و"كاريكاتير سمعي" يتجاوز الحدود الاستعمارية، ويعكس فضاء ثقافياً مشتركاً. بلاد الشام ومصر والجزائر قامت مؤسسة "أمار" بإطلاق إصدارها السمعي-البحثي الجديد حول "الأغنية الساخرة" في بلاد الشام بين 1920 و1950، ويتألف من كتيب يتناول جانباً نادراً من التراث الغنائي الساخر في بلاد الشام خلال فترة الانتدابين الفرنسي والبريطاني. ويضم الإصدار مجموعة مختارة من 78 أغنية نادرة عكست ردود فعل الناس على القضايا الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة، حيث تلتقي الروح الشعبية بالتوثيق التاريخي.أما ندوة "الأغنية الساخرة المصرية"، فجمعت بين البحث الأكاديمي والعرض الموسيقي التفاعلي. افتتحت الندوة بعرض مسجل قدمه الباحث الفرنسي فريدريك لاغرانج، المتخصص في الموسيقى المصرية في عصر النهضة، حيث أضاء من خلاله على تطور الأغنية الساخرة في مصر من منتصف القرن الـ19 حتى الثلاثينيات من القرن الـ20، وسياقاتها الاجتماعية والثقافية. أعقبه عرض تحليلي موسيقي قدمه طارق عبدالله، الباحث المصري المتخصص في آلة العود، تناول فيه مفهوم "التطريز الغنائي" وأنواع الفكاهة في الأغنية الساخرة منذ الأربعينيات حتى ميدان التحرير، مستخدماً أداء مباشراً على آلة العود لتوضيح المفاهيم بصورة غير تقليدية ولافتة.وشملت الندوة عرضاً لأعمال ساخرة لإسماعيل ياسين، الشيخ إمام، محمود عبدالعزيز وعلي الحجار، إلى جانب عرض فيلم وثائقي بعنوان الشيخ المغني لهيني سرور حول حياة الشيخ إمام ودوره في ترسيخ الأغنية الساخرة كأداة فنية مقاومة، وذلك بالتعاون مع نادي لكل الناس. وفي الندوة المخصصة للأغنية الفلسطينية، أبرز البرنامج تداخل الفن مع قضايا النضال، لا سيما في السياق الفلسطيني. وبينما تعذر حضور الباحث حازم جمجوم نتيجة ظرف طارئ، قامت منسقة البرنامج، هبة الحاج فلدر، بإلقاء محاضرتها نيابة عنه. كانت الكلمة تلخيصاً لندوة كان من المزمع أن يقدمها جمجوم بعنوان "فلسطين: قرن من الموسيقى والنضال"، التي كانت ستستعرض تحولات الأغنية الفلسطينية الساخرة والاحتجاجية في سياقاتها السياسية والتاريخية المختلفة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقدم البينالي ندوة بعنوان "الأغنية الساخرة في الجزائر – تاريخ وواقع". قدم الندوة الفنان والباحث في التراث الشعبي عبدالقادر بن دعماش، وحاوره الباحث الفرنسي جان لامبير، بدأت الندوة بعرض لتاريخ الثقافي وتنوعها عبر المناطق المختلفة في الجزائر، تخللها حديث عن تنوع الأنماط الموسيقية، من التراث الأندلسي، والموسيقى التقليدية الكلاسيكية، والموسيقى الفلكلورية البدوية، وصولاً إلى الأشواق (الموال) وغيرها من الأنماط التي تعكس غنى المشهد الثقافي الجزائري، مع التأكيد أن الأغنية الساخرة في الجزائر لم تكن مجرد شكل فني، بل أداة نضالية في مواجهة الاستعمار وتثبيت الهوية الوطنية. وتناول المحاضر تطور هذا الفن منذ بدايات القرن الماضي، حيث لعبت الأغنية الساخرة دوراً فاعلاً في معالجة كثير من القضايا والمواضيع، مثل أزمة الإفقار، الأزمات الاقتصادية، الواقع الاجتماعي، النضال ضد المستعمر، الظروف السياسية، وانتقاد السلطات، إضافة إلى دورها في إيقاظ الوعي والروح الوطنية. وقد تخلل الندوة عرض لنماذج سمعية مختارة من الأغاني الشعبية الساخرة التي شكّلت علامات بارزة في هذا السياق. اختتمت سلسلة الندوات الخاصة بـ"الأغاني الساخرة" ندوة عن اليمن. وقدم الباحث في علوم موسيقى الشعوب جان لامبير مداخلة تمحورت حول تجميع أولي ونادر لأرشيف الأغاني الساخرة الأقل شهرة في اليمن، بالتحديد تلك التي تناولت مواضيع سياسية واجتماعية، وظهرت في وقت مبكر مع بدايات التسجيلات الصوتية الأولى في عدن. حاوره أكرم الريس، العضو المؤسس في الهيئة الإدارية لـ"أمار". جاءت الجلسة تحت عنوان "من مقبرة الأناضول إلى حصاد الوطن"، في إشارة إلى المراحل التاريخية التي مر بها اليمن من المعارك ضد الإمبراطورية العثمانية إلى نهايات الاستعمار البريطاني. وهذا عبر عرض بصري مدعوم بأمثلة سمعية، سلطت الندوة الضوء على التأثير المباشر للمعارك والتحولات السياسية في الفن والموسيقى. كما أبرزت كيف تحول الغناء إلى وسيلة رمزية للتعبير عن الانتماء القومي، خصوصاً مع تصاعد الحركة القومية في خمسينيات القرن الماضي. وأكدت الندوة أهمية دراسة الأغاني الساخرة في عدن، ودورها بوصفها مرآة للذاكرة الجماعية للنضال السياسي والاجتماعي، مشيرة إلى ندرة الأبحاث في هذا الحقل وضرورة توثيقه أكاديمياً.


الحدث
منذ 6 أيام
- الحدث
بينالي: رحلة عبر الزمن والإبداع
بقلم ـ خليل إبراهيم القريبي في شمال شرق مدينة جدة النابضة بالحياة، وعلى امتداد عبق التاريخ الذي تحتضنه، استضافت عروس البحر الأحمر معرض ومتحف بينالي للفنون الإسلامية ٢٠٢٥، مُحوِّلاً إياها إلى محطة إشعاع ثقافي عالمي. كانت زيارتي لهذا الحدث الفني الاستثنائي بمثابة رحلة بصرية وروحية عميقة، حيث تلاقت عراقة الماضي الإسلامي الزاهر بإبداعات الحاضر المتجددة، منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي أرض المعرض، استقبلتني أجواء روحانية هادئة، عزَّزتها التصاميم المعمارية الأنيقة التي استلهمت روح الفن الإسلامي الأصيل مع لمسة عصرية جذابة. كان التنظيم الاحترافي للمعرض الذي استقطب مشاركات واسعة من مؤسسات دولية مرموقة وفنانين من شتى بقاع الأرض، دلالة واضحة على الأهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا الحدث في المشهد الثقافي المحلي والعالمي. أثار إعجابي التنوُّع الغني في الأعمال الفنية المعروضة، التي شملت مختلف تجليات الإبداع الإسلامي عبر العصور، فتجلَّى جمال الخط العربي في لوحات آسرة تحمل بين طياتها آيات الذكر الحكيم وأبيات الشعر الرصين، بينما أسرتني دقة الزخارف الهندسية التي عكست براعة الفنان المسلم في التجريد والتنظيم، ولم تغب فنون الحرف اليدوية الأصيلة، التي تحمل عبق التاريخ وحكايات الأجيال، لتضفي على المعرض لمسة من الأصالة والتراث العريق. إلى جانب هذه الروائع التاريخية، كان الحضور اللافت للفنانين المعاصرين الذين استلهموا من التراث الإسلامي لتقديم رؤى فنية مبتكرة ومعاصرة، من أبرز ملامح البينالي. تَجسَّد هذا الإبداع في المعروضات الفنية الجديدة التي قدمها فنانون من مختلف أنحاء العالم، مستخدمين وسائط فنية متنوعة للتعبير عن مفاهيمهم وأفكارهم المستوحاة من جوهر الثقافة الإسلامية. وقد وُحِّدت هذه الأعمال تحت مظلة عنوان البينالي العميق (وَمَا بَيْنَهُمَا)، المُستوحَى من الآية الكريمة ( وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ ) التي تصف عظمة خلق الله تعالى، ليُضفي على المعرض بُعداً تأمّلياً وروحياً يدعونا للتفكر في العلاقة بين الخالق والمخلوق وبين الماضي والحاضر. تجلَّى هذا المفهوم بوضوح في مختلف صالات العرض والمساحات الخارجية التي ضمَّت تحفاً وأعمالاً فنية متنوعة، كل منها يحمل في طياته محاولة فريدة لفهم روعة الخلق وعظمة الخالق. ولقد أضافت القطع النادرة التي تزيَّنت بالياقوت والزمرُّد والألماس بُعداً فاخراً واستثنائياً للمعرض، ما عكس مدى الاهتمام بالتفاصيل والحرص على تقديم أجود وأندر التحف. كما لفت انتباهي بشكل خاص قسم الأدوات الحربية والمعارك التاريخية، الذي جَسَّد قوة وبراعة الصناعة الإسلامية في هذا المجال، وبلغت الروعة ذروتها في المعروضات ذات العلاقة بالحضارات المتنوعة وهدايا البلاط الملكي في قرون متعددة من الزمن، حيث تضمنت قطعاً ذات فخامة غير مسبوقة؛ تُجسد أُبَّهة تلك الحقبة وذوقها الرفيع. ومع هذا الثراء الفني والمعرفي، أعترف بأسفي بأنه لم يتسنَّ لي استكمال الجولة الكاملة في أرجاء هذا الصرح الفني الشاسع، فكل عمل فني كان يستوقفني بجماله ودقته، ويستدعي مني التأمُّل والتفكُّر مليّاً. شاركني هذه الرحلة الشيقة ابناي الروائيان، مُهنَّا و غِنَى، اللذان أبديا بدورهما انبهاراً كبيراً لما شاهداه من إبداعات فنية، وتشاركنا أطراف الحديث حول المعاني والأفكار التي أثارتها هذه الأعمال، وأدركنا ثلاثتنا أن بينالي ليس مجرد معرض فني عابر، بل هو تجربة ثقافية وفكرية تستحق التوقف والتأمل في كل زاوية من زواياه. وبذلك؛ تبادلنا الوعود بتكرار الزيارة في أقرب فرصة ممكنة لاستكمال استكشاف ما تبقى من صالات العرض، والانغماس بشكل أعمق في هذا العالم الفني الملهم، قبل انتهاء مدته المقررة في ٢٥ الجاري ٢٠٢٥م. بينالي الفنون الإسلامية ليس مجرد معرض فني، بل هو منصة ثقافية مهمة تعزز تقديرنا للإرث الفني الإسلامي العظيم، وتؤكد على قدرته على التجدد والتأثير في مختلف العصور.