
زمن يركض بلا استراحة
هذا الإيقاع المتلاحق لم يعد مجرد انطباع شخصي، بل أصبح موضوعًا لدراسات وكتابات معاصرة عن "مجتمع الإرهاق"، والتي تشير إلى أن غياب ما يمكن تسميته بـ"الوقت ما بين الأشياء" يضع الإنسان في حالة من النشاط المفرط المستمر. الدماغ في طبيعته يحتاج إلى فواصل انتقالية قصيرة ليستوعب ما مضى ويتهيأ لما هو قادم. وحين تغيب هذه الفواصل، نصبح أكثر عرضة للقلق، ضعف التركيز، والإرهاق النفسي.
ولأن هذه الفواصل تكاد تختفي، نجد انعكاس ذلك بوضوح في تفاصيل حياتنا اليومية. حتى فنجان القهوة لم يعد يُشرب بهدوء، بل صار يصاحبه هاتف ممتلئ بالإشعارات. الاجتماعات تتلاحق بلا استراحة تسمح بترتيب الأفكار. الواجبات الاجتماعية تُؤدى أحياناً كالتزام ثقيل أكثر من كونها مساحة للوصل. وحتى السفر، الذي كان في الماضي فسحة للهدوء والاكتشاف، تحوّل إلى سلسلة من ترتيبات وحجوزات تستنزفنا قبل أن تبدأ الرحلة. كل ما كان ثانوياً وخفيفاً صار إجبارياً يملأ المساحات التي كنا بحاجة إليها لنستعيد توازننا.
ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن التسارع ليس دومًا سلبياً. فهناك مجالات تحتاج إلى هذا الإيقاع السريع، كالاستجابة الطبية في حالات الطوارئ، أو إنجاز بعض الأعمال التي يتطلبها الموقف بسرعة ودقة. التسارع أحياناً ضرورة، لكنه يصبح مرهِقاً حين يبتلع كل تفاصيل حياتنا، ويزحف حتى على اللحظات التي يفترض أن تكون لنا، لا علينا.
ولم يقتصر هذا الأثر على الكبار، بل امتد إلى الأطفال والمراهقين. فطلاب المدارس لم يعودوا ينقطعون عن الدراسة بانتهاء اليوم الدراسي، وصحيح أن من الطبيعي أن يكون هناك وقت قصير مخصص لحل الواجبات أو أداء بعض الأنشطة البسيطة، لكن ما يحدث اليوم هو أن هذه المهام تمتد إلى ساعات المساء بلا إدارة واضحة للوقت. فيضيع وقت الراحة الذي كان يفترض أن يسبق النوم، ويتراجع معه النوم المبكر الذي تحتاجه هذه الفئة العمرية. وفي المقابل، يقضي كثير من الأبناء وقتهم بين الأجهزة الإلكترونية والألعاب، بينما يتحمل الأهل عبء الأنشطة والأعمال وحدهم. ومع مرور الوقت، يفقد الطفل أو المراهق شعوره بقيمة المشاركة والعمل، لتغدو المسؤولية أمراً مؤجلاً أو مفروضاً على غيره.
وإذا وسعنا الدائرة أكثر، سنجد أن هذا الإيقاع المتسارع صار يفرض نفسه على مختلف الفئات العمرية، وحتى على أنماط العمل عند الكبار. فكثيرون اليوم يعملون في أكثر من وظيفة: واحدة تخدم دراستهم أو تخصصهم، وأخرى تسد متطلبات الحياة أو تحقق شغفاً إضافيًاً. هذا التسارع قد يكون ضرورة وليس خياراً. لسنا مطالبين بإبطاء الزمن أو إلغاء مسؤولياتنا، لكننا بحاجة إلى قليل من الوعي بكيفية العيش وسط هذا الإيقاع. لحظات قصيرة من التوقف تكفي لتعيد إلينا الإحساس بالمعنى، وتمنحنا استمرارية لا يصنعها العمل المتواصل وحده.
وفي العلاج النفسي يُستخدم مفهوم "اليقظة الذهنية"، وهي ببساطة أن نحضر بكامل وعينا في اللحظة التي نعيشها. هذه الممارسة لا تعني تأملات معقدة، بل قد تكون مجرد انتباه واعٍ لفنجان قهوة يُشرب بهدوء، أو لخطوات تُقطع في طريق العمل دون تشتيت. إدخال هذه الممارسة البسيطة في يومنا يساعدنا على استعادة تلك الفواصل التي نفتقدها، ويمنح عقولنا فرصة للراحة وإعادة التوازن.
الحقيقة أننا لم نعد بحاجة إلى المزيد من الإنجاز أو الحركة، بل إلى أن نتعلم كيف نتوقف. أن نعيد خلق الفواصل الزمنية بأنفسنا: لحظة صمت قبل الدخول إلى اجتماع، دقيقة تأمل قبل الرد على رسالة، أو فسحة طريق نتركها للهدوء بدل أن نملأها بانشغال جديد. ففي هذه اللحظات الصغيرة يتجدد وعينا، ويعود الزمن إيقاعاً نستطيع أن نعيشه، لا مجرد تدفق سريع يبتلعنا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
لغة لا تساوي وزنها علفًا
لغة الجسد تتقاطع مع الانثربولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ويجوز اعتبارها من أشكال الفراسة، لأنها تستدل على معرفة الدواخل بالظواهر، والدراسات أكدت أن الأشخاص يفكرون بـ800 كلمة في الدقيقة الواحدة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير إلا عن 120 كلمة في ذات المدة، وأنه ليس بإمكانهم التحكم إلا في 10% من لغة أجسادهم.. الحركات غير اللفظية، أو ما يسمونه لغة الجسد، تحولت إلى ما يشبه المهنة عند بعض مؤثري السوشال ميديا، وتحديداً في المملكة والمنطقة العربية، وأغلبهم يرددون باستمرار نتائج دراسة أميركية، نشرت في فترة سابقة، وفيها أن 93% من حالات التواصل بين الناس تتم عن طريق لغة الجسد، ويقدمونها كحجة على صحة تفسيراتهم، مع أن الثابت الوحيد هو احتفاظ الجسد بذاكرة عضلية وعصبية لا واعية، يستعيدها تلقائيا عند معايشة تجارب جديدة، وبما يحفز لديه ماضيا سلبيا أو إيجابيا مشابها، وقد يكون بعيدا كل البعد عن الموقف محل القراءة، وشطحات من يستنطقون الجسد محل اعتراض من أهل الاختصاص في دول كثيرة وبالدليل العلمي. من الشواهد على ذلك، دراسة نشرتها جامعة ماكجيل الكندية عام 2018، وتم فيها جمع ألف ورقة بحثية تناولت لغة الجسد، وبعد مراجعتها اتفق الباحثون على أنها يمكن أن تنقل إحالات عاطفية بالفعل، ولكن الادعاءات التي تربط بينها وبين حركات معينة، سواء لليدين أو القدمين أو الوجه، لم تثبت من الناحية العلمية، وفي رأيهم، محاولة ربط الأمور الذهنية بإيماءات محددة، أو الاستنتاج أنها ستؤثر على الناس، مشكوك في صحتها، وتصل إلى مستوى العلوم الزائفة، وهذه الحقيقة لوحدها، كافية لنسف كل توهمات من يسمون أنفسهم خبراء لغة الجسد، وهم في معظم الأحيان محتالون بارعون، يسرقون عقول الأشخاص بكلمات لا تساوي وزنها علفًا. بالإضافة لما سبق، أجريت دراسة مشابهة، في جامعة شمال بوسطن الأميركية عام 2019، وأشارت إلى أنه لا يوجد قاموس لمعاني السلوكيات غير اللفظية، لأن الأمر سياقي بالدرجة الأولى، ويتأثر بحالة الشخص النفسية، وبالإثنية أو الجنسية التي يحملها، وبثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، ما يفيد أن تفسيرات لغة الجسد تختلف باختلاف الأشخاص، والزمان والمكان والحدث.. ولعل اللافت دراسة أجرتها جامعة بورتسموث البريطانية عام 2020 على خبراء في لغة الجسد، تمت مطالبتهم بتحديد هويات مهربي المعابر الحدودية، بين أميركا والمكسيك، والتفريق بينهم وبين الأشخاص العاديين، وذلك عن طريق مقابلات سجلت معهم بالفيديو، وكانت النتيجة أن 39,2% من هؤلاء الخبراء استطاعوا التعرف على المهربين، والبقية أو 61,8% سجلوا فشلا مدويا، ولم يتعرفوا على أحد، ووقع بعضهم في فخ الاشتباه بأشخاص عاديين، والنسبة إجمالا أقل بمراحل من احتمال اكتشافهم بالصدفة من قبل آخرين لا يفهمون شيئا في لغة الجسد. مشروع الجينيوم البشري الذي تم إنجازه في 2004، أو قبل 21 عاماً، افترض أن الناس الموجودين في الوقت الحالي ينحدرون في الأصل من مجموعة بشرية واحدة، عاشت في شرق أفريقيا قبل خمسين ألف عام، وعددها قرابة خمسة آلاف زوج وزوجة، وفي تلك الأيام لم تكن اللغة حاضرة، وكان التواصل يتم عن طريق الأصوات والحركات والإيماءات، ما جعلها بمثابة قاموس لغوي، يتعاملون به مع بعضهم، أو هذا ما يروج له أصحاب لغة الجسد، والأخير لم ينتشر بشكل واسع، إلا في 1976، عندما قام الأميركي من أصل أفريقي يوليوس فاست، بنشر كتابه "لغة الجسد"، وبعدما حقق من ورائه مبيعات وصلت لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة، ما حرض الكثيرين على البحث في الموضوع وتطويره، ومن ثم المتاجرة به. بعض المهتمين يعتقدون أن نظرة العين كافية لكسب أو خسارة الشخص المقابل، ويعتبرون الجلوس والوقوف بأسلوب معين، سبباً لفقد الشخص فرصته في الحصول على وظيفة، ولغة الجسد لا تزال محلاً للاهتمام، خصوصا في مناظرات سباق الرئاسة الأميركية، والمحللون يتعاملون معها وكأنها حقائق، ويعتقد محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أنها مناسبة في مرحلة الاستجواب، ومن وجهة نظرهم، تعتبر الجبهة المكان الأكثر إنتاجا للإشارات، وبالأخص علامات الغضب والتعجب، وشكلها يساعد في معرفة ما إذا كان الشخص عصبيا أو هادئاً أو متوتراً، وما سبق يمثل رأياً جنائياً، وأرجح أنها مجرد افتراضات مفيدة كقرائن مساعدة، ولكنها لا تصل إلى مستوى الدليل أو تقترب منه. لغة الجسد تتقاطع مع الانثربولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ويجوز اعتبارها من أشكال الفراسة، لأنها تستدل على معرفة الدواخل بالظواهر، والدراسات أكدت أن الأشخاص يفكرون بـ800 كلمة في الدقيقة الواحدة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير إلا عن 120 كلمة في ذات المدة، وأنه ليس بإمكانهم التحكم إلا في 10% من لغة أجسادهم، وخبراء قراءة الأجساد كثيرون في المجتمع السعودي، لدرجة أن أحدهم اكتشف أن معلم الشاورما المجاور لبيته يمكنه قراءة هذه اللغة باحترافية، وكلهم يقعون في خطأ استخدامها لتحليل الشخصية، والصحيح أنها لا تصلح في أحسن الأحوال إلا لتحليل المواقف اللحظية، وأكثر من يهتم بها السياسيون والإعلاميون والممثلون، ومتحدثو الأجهزة الحكومية والخاصة، باعتبارها مفيدة لهم في أعمالهم، كونها تعتمد على التصرفات الآنية المباشرة، وتنقل رسائل غير منطوقة تستهدف من يشاهدونهم.


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
مفاجأة غذائية.. فواكه غنية بالبروتين تنافس المصادر التقليدية كاللحوم والأجبان والبقوليات
أوضح أستاذ وعالم الأبحاث المتخصص في المسرطنات، الدكتور فهد الخضيري، أن الأطعمة الغنية بالبروتين لا تقتصر على اللحوم والبيض والبقوليات ومشتقات الألبان، بل إن بعض الفواكه تحتوي على نسب عالية من البروتين قد تفوق بعض هذه الأطعمة. وأشار الخضيري إلى قائمة بالفواكه الغنية بالبروتين وفق بيانات موقع "WebMD"، حيث تتصدر الجوافة القائمة بـ4.2 غرامات من البروتين لكل كوب، يليها الأفوكادو بـ3 غرامات، ثم الكاكايا (Jackfruit) بـ2.8 غرام. كما تضم القائمة المشمش (2.3 غرام لكل كوب)، الكيوي (2 غرام)، التوت الأسود والأحمر (1.5 – 2 غرام)، الكرز (1.6 غرام)، الجريب فروت (1.6 غرام للثمرة المتوسطة)، الموز (1.3 غرام للثمرة المتوسطة)، البرتقال (1.2 غرام)، والزبيب (1 غرام لكل أونصة). وأكد الخضيري أن إدخال هذه الفواكه ضمن النظام الغذائي يساهم في تعزيز الصحة وتوفير مصدر طبيعي وآمن للبروتين.


الرجل
منذ 7 ساعات
- الرجل
دراسة حديثة ربطته بالخصوبة: السكر الطفيف قد يكون العدو الخفي للرجال
كشفت دراسة طويلة الأمد عُرضت في مؤتمر ENDO 2025، أن ارتفاع السكر في الدم بشكل طفيف، حتى دون الوصول إلى مرحلة السكري، يمكن أن يشكل عاملًا خفيًا يؤدي إلى تراجع الخصوبة والقدرة الجنسية لدى الرجال. وخلص الباحثون إلى أن هذا العامل قد يكون أكثر تأثيرًا من العمر أو مستويات هرمون التستوستيرون في تفسير ضعف الأداء الجنسي بمرور الوقت. أُجريت الدراسة في مستشفى جامعة مونستر بألمانيا، ضمن مشروع بحثي موسع يعرف باسم FAME 2.0، شارك فيها 200 رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و85 عامًا، وجرى تتبع حالتهم الصحية على مدى ست سنوات بدأت عام 2014. جميع المشاركين كانوا أصحاء عند بدء الدراسة، إذ لم يكن أي منهم مصابًا بالسكري أو أمراض القلب أو السرطان، وبحلول عام 2020، أنهى 117 رجلًا جميع الفحوصات المطلوبة، التي شملت قياس مستويات السكر التراكمي (HbA1c)، وتحليل الهرمونات، وفحص السائل المنوي، بالإضافة إلى تقييمات للرغبة الجنسية والانتصاب. تأثير ارتفاع السكر على الخصوبة أوضحت النتائج أن الرجال الذين أظهروا ارتفاعًا طفيفًا في معدلات السكر — مع بقائها أقل من العتبة التشخيصية للسكري (6.5%) — شهدوا انخفاضًا ملحوظًا في حركة الحيوانات المنوية وضعفًا تدريجيًا في وظيفة الانتصاب. المدهش أن مستويات التستوستيرون لم تتأثر، وهو ما يشير إلى أن السبب الأبرز وراء هذا التراجع لا يعود إلى التغيرات الهرمونية أو عامل العمر، بل إلى التغيرات الأيضية المرتبطة بالسكر. وأكد البروفيسور مايكل زيتسمان، المشرف الرئيس على البحث، أن هذه النتائج تتحدى الفرضيات القديمة، التي تلقي باللوم على نقص التستوستيرون في تدهور الصحة الجنسية. وأوضح أن المؤشرات الأيضية وارتفاع السكر حتى بمستويات طفيفة هي عوامل يمكن السيطرة عليها، وهو ما يفتح الباب أمام الأطباء لوضع خطط وقائية أكثر فعالية. ويرى زيتسمان أن الكشف المبكر عن معدلات السكر، قد يتيح للرجال الحفاظ على قدراتهم الإنجابية والحميمية حتى مع التقدم في العمر. أهمية فحص مستويات السكر للرجال تؤكد الدراسة أن الاهتمام بمستويات السكر لا يقتصر على الوقاية من أمراض القلب أو السكري فحسب، بل يشمل أيضًا حماية الصحة الجنسية، وهو جانب قد يكون مهملاً في الفحوص الروتينية. كما تبرز النتائج ضرورة توسيع برامج التوعية الصحية لتشمل الرجال الأصحاء ظاهريًا، إذ قد يخفي الجسم تغيرات صغيرة لكنها ذات تأثير كبير على المدى البعيد. ويرى الخبراء أن هذه النتائج تمثل دعوة قوية لإعادة النظر في الفحوص الدورية، بحيث لا تقتصر على الحالات المصابة بالسكري أو المعرضة له، بل تشمل أيضًا الفئات العمرية الأصغر، التي قد تتأثر سلبًا دون أن تدرك ذلك، فالحفاظ على استقرار السكر لا يحمي الصحة العامة فحسب، بل يحافظ أيضًا على الحيوية الجنسية وجودة الحياة.