
حين يُشعل الفشل شرارة الابتكار
د. سعيد الدرمكي
في عالم الإبداع والابتكار، لم يعد الفشل مجرد عقبة تُعيق التقدم، بل أصبح عنصرًا جوهريًا في عملية التعلم والتطوير. فهو يُمثل فرصة ثمينة لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها، وإعادة تقييم الأفكار والأساليب، مما يجعله حجر الأساس لصقل المهارات وتحقيق التميز. فبدلًا من اعتباره نهاية المطاف، بات يُنظر إليه كخطوة ضرورية على درب النجاح، حيث يولّد الإلهام، ويحفّز التفكير الإبداعي، ويدفع الأفراد والمؤسسات إلى استكشاف آفاق جديدة للابتكار.
عندما يتم التعامل مع الفشل بعقلية إيجابية ونهج استراتيجي، يتحول من عائق إلى محفّز قوي للإبداع. فهو يشجع على التفكير التجريبي والبحث عن حلول غير تقليدية، مما يدفع الأفراد والشركات إلى إعادة النظر في طرقهم وأساليبهم. على سبيل المثال، لم يستسلم توماس إديسون بعد مئات المحاولات الفاشلة، بل واصل سعيه حتى نجح في اختراع المصباح الكهربائي، مؤكدًا أنَّ كل إخفاق يمكن أن يكون خطوة أقرب نحو النجاح.
الفشل ليس مجرد تجربة عابرة، بل هو محرك أساسي للتعلم المستمر والتطوير التدريجي، حيث تحمل كل تجربة غير ناجحة دروسًا قيّمة تساعد في تطوير الأفكار والمشاريع المستقبلية. شركة "سبيس إكس"، على سبيل المثال، حللت كل تجربة إطلاق فاشلة، واستخدمت النتائج لتحسين تكنولوجيا الصواريخ، مما أدى إلى تطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، وهو إنجاز غير مسبوق في عالم الفضاء.
إضافة إلى ذلك، يعزز الفشل المرونة والقدرة على التكيف، مما يجعل الأفراد والمؤسسات أكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية. مثال على ذلك "نتفليكس"، التي بدأت كمزود لخدمات تأجير أقراص "DVD"، ولكن بعد فشلها في مواجهة المنافسة التقليدية، تحولت إلى نموذج البث الرقمي، مما جعلها رائدة في صناعة الترفيه.
يساهم الفشل أيضًا في بناء ثقافة التحفيز والمخاطرة المحسوبة، حيث يشجع الأفراد والفرق على تجربة أفكار جديدة دون الخوف من العواقب. هذه العقلية تتبناها شركات كبرى مثل "جوجل" و"أمازون"، التي تتيح بيئة تشجع على التجريب وترى الفشل كخطوة نحو الابتكار وليس كحاجز أمامه.
التجارب غير الناجحة ليست مجرد إخفاقات؛ بل فرص لاكتساب الخبرة والتطور. فهي تكشف نقاط الضعف وتدفع إلى تصحيحها، كما حدث مع شركة "نوكيا" الفنلندية التي فقدت ريادتها لعدم مواكبة تطورات الهواتف الذكية. الفشل يعزز أيضًا المرونة والتكيف، كما فعلت "أبل" الأمريكية بتطوير تقنياتها بعد إخفاقات سابقة، مما أدى إلى نجاح "آيفون". إلى جانب ذلك، يعلم الفشل الصبر والمثابرة، كما أثبت إديسون بعد أكثر من 1000 محاولة قبل اختراع المصباح الكهربائي. كذلك، يدفع الفشل الأفراد والشركات إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم، كما فعل جيف بيزوس الذي مر بتجارب فاشلة قبل تحقيق نجاحه الهائل مع شركة "أمازون".
الفشل كان وراء العديد من الابتكارات العظيمة، حيث ساهمت الأخطاء والتجارب غير الناجحة في اكتشافات غير متوقعة أدت إلى تطوير منتجات ثورية. رواد الأعمال الذين ارتبطت أسماؤهم بالنجاح، مثل ستيف جوبز، الذي طُرد من "آبل" لكنه عاد ليحولها إلى واحدة من أكثر الشركات نجاحًا في العالم، وجيف بيزوس، الذي خاض العديد من المشروعات الفاشلة قبل أن يحقق نجاحًا هائلًا مع "أمازون"، هم خير دليل على ذلك.
ومن الأمثلة التي توضح كيف قادت الأخطاء إلى ابتكارات جديدة، اكتشاف البنسلين بالصدفة من قبل ألكسندر فليمنج أثناء فحصه لعفن نما في مختبره، مما أدى إلى تطوير المضادات الحيوية. أما الميكروويف، فقد تم اكتشافه بالخطأ عندما لاحظ المهندس بيرسي سبنسر ذوبان قطعة شوكولاتة في جيبه أثناء عمله على موجات الرادار، بينما اكتُشف البلاستيك أثناء محاولة تطوير مادة جديدة لعزل الأسلاك الكهربائية.
إلى جانب ذلك، هناك أمثلة عديدة من مختلف الصناعات، ففي مجال التكنولوجيا ساعد فشل "جوجل جلاس" شركة "جوجل" في تطوير تقنيات جديدة للواقع المعزز، وفي قطاع الأعمال، بدأت "كوكاكولا" كدواء طبي لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، مما دفعها للتحول إلى واحدة من أشهر المشروبات في العالم.
خلاصة القول.. إنَّ الفشل ليس نهاية المطاف، وإنما هو خطوة ضرورية على طريق النجاح. الابتكار الحقيقي لا يأتي من النجاحات المتكررة فقط؛ بل من التجريب المستمر والتعلم من الأخطاء. في كثير من الأحيان، كان الفشل هو الدافع وراء أعظم الاختراعات والإنجازات، مما يثبت أن التجربة والخطأ هما أساس التقدم الحقيقي.
لا تدع الخوف من الفشل يُوقِفك؛ بل اجعله خطوة نحو نجاح أكبر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 4 أيام
- جريدة الرؤية
اليوم العالمي للموارد البشرية 2025.. ما بعد الاحتفاء
د. سعيد الدرمكي في 20 مايو من كل عام، يُحتفى باليوم العالمي للموارد البشرية، وهي مناسبة دولية تُسلط الضوء على الأدوار الحيوية التي تضطلع بها إدارات الموارد البشرية في دعم استدامة المؤسسات وتعزيز ثقافتها المؤسسية. وقد جاء شعار عام 2025 "تمكين الذكاء الاصطناعي.. قيادة التغيير معًا"، ليُعبِّر عن الحاجة إلى إيجاد توازن مسؤول بين التقدم التكنولوجي والقيم الإنسانية في بيئة العمل. هذا اليوم لا يمثل مُجرد لحظة احتفالية؛ بل يُجسّد إدراكًا عالميًا متزايدًا لأهمية الموارد البشرية باعتبارها ركيزة استراتيجية في تطوير الأعمال. فقد أصبحت إدارات الموارد البشرية تلعب دورًا فاعلًا في تصميم السياسات، وتحسين تجربة الموظف، وقيادة التحولات التنظيمية نحو الأفضل. يحمل شعار هذا العام رسالة واضحة مفادها: "التقنية يجب أن تخدم الإنسان، لا أن تحل محله". وفي ظل التوسع المتسارع لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، والتقييم، وتحليل البيانات، بات من الضروري الحفاظ على البُعد الإنساني في اتخاذ القرار، وضمان الشفافية والعدالة في العمليات المرتبطة بالأفراد. وتقع على عاتق إدارات الموارد البشرية مسؤولية تحقيق توازن واعٍ بين التحول الرقمي ومتطلبات الواقع المهني، بحيث تُوظف التكنولوجيا كأداة داعمة للإنسان لا بديلاً عنه، وتعزز من جودة بيئة العمل دون الإخلال بالقيم المؤسسية. وقد شهدت فعاليات هذا العام مشاركة واسعة من مختلف دول العالم. وفي سلطنة عُمان، كان الحضور المؤسسي لافتًا في فعاليات اليوم العالمي للموارد البشرية 2025، حيث نظّمت وزارة الطاقة والمعادن منتدىً متخصصًا لقطاع الطاقة، تحت شعار "الموارد البشرية الاستراتيجية في قطاع الطاقة"، بمشاركة قيادات تنفيذية ومهنيين. ويهدف المنتدى إلى بناء منظومة موارد بشرية متكاملة تتماشى مع رؤية "عُمان 2040"، من خلال مناقشة أربعة محاور رئيسية: تعزيز المرونة القيادية، توسيع فرص التوظيف للعمانيين، التطوير المهني، وتحسين بيئة العمل من حيث الصحة النفسية والرفاهية. أما على المستوى الخليجي والدولي، فقد شهدت دول الخليج تنظيم فعاليات متنوعة بمناسبة اليوم العالمي للموارد البشرية، ركّزت على التحول الرقمي وتجربة الموظف. ففي السعودية، أُقيم منتدى التهيئة الرقمية للقوى العاملة، والذي ناقش سبل تمكين الكوادر الوطنية من المهارات الرقمية لمواكبة التحول في سوق العمل. وفي الإمارات، أُطلقت مبادرة بعنوان "مستقبل الإنسان في ظل الذكاء الاصطناعي"، بهدف تمكين مسؤولي الموارد البشرية من أدوات التحليل والتنبؤ الذكي في إدارة المواهب. وفي البحرين، نُظّمت ندوة حول دور الذكاء الاصطناعي في العدالة التنظيمية، ركّزت على استخدام التقنيات الحديثة لضمان الشفافية والمساواة داخل بيئات العمل. كما شهدت قطر فعاليات توعوية ومهنية هدفت إلى إبراز تجارب التحول الرقمي الناجحة في إدارة الموارد البشرية وتعزيز ثقافة الابتكار المؤسسي. وعلى الصعيد الدولي، أطلق المعهد المعتمد للأفراد والتنمية (CIPD)، بالتعاون مع الرابطة الأوروبية لإدارة الأفراد (EAPM)، منتدى بعنوان "قيادة التغيير في عالم رقمي". كما دشّن فرع المعهد في الشرق الأوسط جوائز التميز في الموارد البشرية. من جهتها، شاركت جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية (SHRM) عبر منصاتها الإقليمية في حملات توعوية ومحتوى ركّز على إبراز قصص النجاح، وتعزيز ثقافة التعلم المستمر، واستشراف مستقبل العمل. ومن أبرز الدروس المستفادة هذا العام: تمكين الكوادر البشرية بالمهارات الرقمية والتحليلية، وتعزيز الشراكة بين الموارد البشرية والإدارة العليا، إلى جانب مواصلة الاهتمام بجوانب الصحة النفسية والرفاهية كعنصرين أساسيين في الحفاظ على الأداء العالي. كما أكدت التجارب الناجحة أهمية تطوير آليات اتخاذ القرار بما يراعي الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية. ولا ينبغي أن يقف تأثير هذا اليوم عند حدوده الزمنية، بل يجب ترجمته إلى خطة عمل سنوية تُسهم في ترسيخ ثقافة التحسين المستمر داخل المؤسسات. من خلال بناء برامج تدريبية، وإطلاق مبادرات تنموية تعزز من تجربة الموظف، وتوفير قنوات تواصل داخلي فعالة، يمكن للمؤسسات أن تجعل من هذا اليوم محطة انطلاق لتغيير أعمق وأكثر استدامة. لقد أثبت اليوم العالمي للموارد البشرية 2025 أن المستقبل يتطلب نماذج عمل مرنة، وقيادات واعية قادرة على توجيه التغيير. وما دامت الموارد البشرية تحافظ على دورها كمحرّك للعدالة والتطوير، فستبقى في طليعة من يقودون التحول الحقيقي في المؤسسات.


جريدة الرؤية
٢١-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
بالفيديو.. أمريكا تطلق "القبة الذهبية".. مشروع دفاعي بتكلفة 500 مليار دولار
واشنطن - الوكالات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن إطلاق مشروع دفاع صاروخي جديد يُعرف باسم "القبة الذهبية"، يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من التهديدات الصاروخية المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار. وفي تصريحاته من البيت الأبيض، أوضح ترامب أن النظام سيعتمد على تقنيات فضائية متقدمة، مثل الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار، لاعتراض التهديدات المحتملة حتى لو تم إطلاقها من الفضاء أو من أقصى بقاع الأرض. تبلغ التكلفة المتوقعة للمشروع حوالي 175 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، مع إمكانية ارتفاعها إلى أكثر من 500 مليار دولار خلال العقدين المقبلين. وقد تم تعيين الجنرال مايكل غيتلين من قوة الفضاء الأمريكية لقيادة المشروع، مع احتمال تعاون شركات مثل سبيس إكس ولوكheed مارتن في تنفيذه. أثار المشروع ردود فعل متباينة؛ حيث أعربت الصين عن قلقها، معتبرة أن "القبة الذهبية" قد تزعزع استقرار الأمن الدولي. كما شكك بعض المشرعين الأمريكيين في جدوى المشروع وتكلفته الباهظة، مشيرين إلى أنه قد يؤدي إلى سباق تسلح جديد في الفضاء. من جانبه، أكد ترامب أن النظام سيكون "أكثر تطورًا" من نظيره الإسرائيلي "القبة الحديدية"، مشددًا على أن جميع مكوناته ستُصنع في الولايات المتحدة. يُذكر أن ترامب يطمح إلى تشغيل النظام قبل نهاية ولايته الرئاسية في يناير 2029، رغم أن خبراء الصناعة يرون أن هذا الجدول الزمني طموح للغاية.


جريدة الرؤية
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
هل الموارد البشرية جاهزة لقيادة الاستدامة؟
د. سعيد الدرمكي في ظل التحديات البيئية المتسارعة كتغير المناخ وشُح الموارد، والضغوط الاجتماعية المتزايدة لتحقيق العدالة والمسؤولية المؤسسية، أضحت المؤسسات مطالبة بإعادة النظر في طريقة عملها ونموذجها الإداري. لم تعد الاستدامة خيارًا هامشيًا أو مسؤوليةً حصريةً على الإدارات البيئية أو المجتمعية، بل أضحت خيارًا استراتيجيًا من خلاله يُعاد تصميم السياسات والعمليات لمواكبة متطلبات المستقبل. وبهذا التحول يبرز سؤال جوهري: هل إدارة الموارد البشرية مستعدة للعب دور قيادي في تعزيز الاستدامة المؤسسية؟ هل تمتلك الأدوات والوعي الكافي لتقود التغيير في الثقافة التنظيمية وسلوك الموظفين ونظم الحوافز والتطوير؟ فمن خلال تبني ممارسات تسهم في تقليل الأثر البيئي وتعزيز الوعي المجتمعي، أصبحت قيادة الاستدامة في سياق الموارد البشرية شريكًا فاعلًا في تحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية للمؤسسة. ويُعرف هذا التوجه بمفهوم "الموارد البشرية الخضراء"، الذي يتمثل في دمج مبادئ الاستدامة ضمن جميع وظائف الموارد البشرية، بدءًا من التوظيف الأخضر الذي يُركز على استقطاب كفاءات ذات وعي بيئي، مرورًا بتصميم برامج تدريبية تعزز الوعي البيئي والسلوك المسؤول، وانتهاءً بإدراج مؤشرات أداء ترتبط بالممارسات المستدامة. علاوة على ذلك، تسهم الموارد البشرية في ترسيخ ثقافة تنظيمية تشجع على الترشيد، والابتكار، والمسؤولية المجتمعية. وترتبط هذه الأدوار ارتباطًا مباشرًا بأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة (SDGs) وتحديدًا: العمل (الهدف 8)، والاستهلاك والإنتاج المسؤولين (الهدف 12)، والعمل المناخي (الهدف 13). ولهذا، فإنَّ إدارة الموارد البشرية أصبحت محورًا استراتيجيًا. وتشير الممارسات الحديثة إلى تزايد تفاعل إدارات الموارد البشرية مع قضايا الاستدامة، حيث بدأت تلعب دورًا محوريًا في دعم التحول الأخضر داخل المؤسسات. عالميًا، اعتمدت شركات رائدة مثل يونيليفر ومايكروسوفت سياسات توظيف تستند إلى الأهداف البيئية والاجتماعية، وخصصت برامج لبناء كفاءات مستدامة، إضافة إلى ربط الحوافز الوظيفية بمؤشرات أداء بيئية. محليًا، برزت مبادرات نوعية في سلطنة عُمان، مثل جهود شركة "بيئة" في خلق وظائف خضراء، ومبادرة "تنمية نفط عُمان" في دمج الاستدامة ضمن برامج التدريب. كما يبرز دور جيل الشباب من المهنيين، الذين يدفعون نحو سياسات أكثر شفافية ووعيًا بيئيًا. ويعزز هذا التوجه ما أشار إليه تقرير "مستقبل الوظائف 2025" للمنتدى الاقتصادي العالمي، بأن التحول الرقمي والمهارات الخضراء سيُعيدان تشكيل سوق العمل، مما يتطلب تطويرًا مستمرًا للمهارات. تعكس هذه المؤشرات أن الموارد البشرية تخطو بثبات نحو دور قيادي في الاستدامة، رغم الحاجة إلى مزيد من التكامل والتمكين المؤسسي. ورغم وجود مؤشرات إيجابية تعكس استعداد بعض إدارات الموارد البشرية للانخراط في مسار الاستدامة، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات تعيق هذا الدور القيادي. أبرزها ضعف المعرفة والتدريب المتخصص في مفاهيم الاستدامة البيئية والاجتماعية، مما يحدّ من قدرتها على دمجها ضمن العمليات التشغيلية. كما أن غياب المؤشرات البيئية في تقييم الأداء يقلل من ربط إنجازات الموظفين بأهداف المؤسسة البيئية، ما يؤثر سلبًا على التحفيز والممارسة اليومية. إضافة إلى ذلك، لا تزال الاستدامة منفصلة عن استراتيجية الموارد البشرية في العديد من المؤسسات، حيث تُعالج كقضية جانبية تُدار من جهات أخرى، بدلًا من دمجها ضمن التخطيط المؤسسي بعيد المدى. ولكي تتمكن إدارات الموارد البشرية من أداء دور قيادي حقيقي في دعم الاستدامة، هناك مجموعة من المتطلبات الأساسية التي يجب العمل عليها لتعزيز جاهزيتها. أولًا، من الضروري بناء القدرات البيئية لموظفي الموارد البشرية، وذلك من خلال توفير برامج تدريب متخصصة تُعزز فهمهم لمفاهيم الاستدامة مثل التغير المناخي، الاقتصاد الأخضر، والمسؤولية المجتمعية، إلى جانب مهارات قياس الأثر البيئي. ثانيًا، ينبغي دمج الاستدامة في السياسات الداخلية للمؤسسة، بحيث تصبح جزءًا من أنظمة العمل اليومية، مثل ربط المكافآت بأداء الموظف في المجال البيئي، وتضمين مفاهيم الاستدامة في برامج التهيئة والتدريب المستمر. وأخيرًا، يجب إشراك الموارد البشرية في فرق القيادة الاستراتيجية المسؤولة عن تنفيذ خطط التحول الأخضر داخل المؤسسة، مما يُعزز دورها كشريك فاعل في رسم السياسات وصناعة القرار، بدلًا من أن تكون مجرد جهة تنفيذية. تحقيق هذه المتطلبات يفتح المجال أمام الموارد البشرية لتقود التحول نحو بيئة عمل مستدامة ومتكاملة. في الختام.. يبرز التساؤل: هل نحن مستعدون فعلًا لتمكين الموارد البشرية من قيادة مسار الاستدامة؟ لم يعد دورها تقليديًا، بل بات محوريًا في تحفيز ثقافة العمل المستدام وصياغة السياسات المواكبة للتغيرات العالمية. وعليه، فإن تمكين الموارد البشرية لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة لبناء مستقبل مؤسسي أكثر شمولًا واستدامة.