
لهذه الأسباب إيران وأميركا تتفقان على مخاطر تطبيق واتساب على الأمن القومي
عُرفت منطقة الشرق الأوسط –كما يسميها الغرب– بأنها ساحة صراع تجمع دول الجوار مع الكيان الصهيوني منذ عقود، ولكن الحرب الأخيرة ليست كباقي الحروب، إذ تفاجأ الجميع بقدرة إسرائيل على تحديد مواقع شخصيات بارزة واستهدافها وتحقيق إصابات مباشرة.
وفي الأسبوعين الماضيين أعلنت إسرائيل استهداف أبرز علماء وقادة إيران في عملية أطلقت عليها اسم "ا لأسد الصاعد"، مما أصاب العالم بالذهول من هذه القدرة الاستثنائية في جمع المعلومات واستهداف الضحايا بدقة، وهذا ما أثار تساؤلا لدى الجميع –كيف تمكنت إسرائيل من تحديد أهدافها بدقة رغم الحماية المكثفة لهذه الشخصيات؟ الجواب يكمن في التكنولوجيا التي تستخدمها.
ويبدو أن إيران وجهت أصابع الاتهام نحو تطبيق واتساب المملوك لشركة ميتا الأميركية، حيث قالت، إن التطبيق سرب بيانات حساسة عن مستخدميه إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأشارت إلى أن هذا الخرق للخصوصية ربما ساعد إسرائيل على تنفيذ غارات جوية أسفرت عن مقتل العديد من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين وعلماء نوويين.
وحثت إيران مواطنيها عبر التلفزيون الرسمي على حذف تطبيق واتساب من هواتفهم الذكية فورا، زاعمة أن التطبيق الأميركي يجمع معلومات المستخدمين ثم يرسلها إلى إسرائيل.
ومن جهتها استنكرت ميتا هذا الكلام مُدعيه، أن التطبيق يستخدم تقنية التشفير التام بين الطرفين مشيرة إلى أنه حتى مزود الخدمة لا يستطيع قراءة الرسائل، وصرحت "نحن لا نتتبع مواقع المستخدمين بدقة ولا نحتفظ بسجلات رسائلهم ولا نتتبع الرسائل الشخصية التي يرسلها المستخدمون، وأيضا لا نمنح أي معلومات لأي جهة حكومية".
ورغم ادعاءات ميتا بنظافة تطبيقها فإن مجلس النواب الأميركي أعلن عن حظر استخدام واتساب على جميع الأجهزة الخاصة بالمجلس، وذلك عقب مخاوف أمنية متعلقة بالتطبيق وآلية تشفير البيانات الخاصة به.
وبالاستناد إلى هذه التطورات، يبدو أن حظر واتساب باعتباره تطبيقا غير آمن هو الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة وإيران معا.
مساعي "العيون الخمس" لفتح باب خلفي في واتساب
يُعرف تحالف "العيون الخمس"، بأنه أحد أقوى وأقدم التحالفات الاستخبارية في العالم ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، وفي شهر يوليو/تموز عام 2019 اختتمت وكالات الاستخبارات البريطانية والأميركية وغيرها من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية اجتماعا استمر يومين في لندن، وسط دعوات لمنح الجهات الأمنية، مثل الشرطة وأجهزة الاستخبارات صلاحيات خاصة للوصول إلى الرسائل المشفرة على تطبيق واتساب عن طريق باب خلفي.
وقال مسؤولون، إن أحد أبرز المواضيع التي نوقشت في الاجتماع كان عن كيفية التعامل مع التحديات التي تفرضها تقنيات التشفير الحديثة، خاصة في ظل سعي شركات التكنولوجيا إلى تعزيز أمان خدماتها بعد تعرضها لسلسلة من الاختراقات الأمنية.
ولكن الاجتماعات عُقدت سرا، ولم يُعلن عن جدول أعمالها، مما يجعل من الصعب معرفة التفاصيل الدقيقة لما ناقشه الوزراء والمسؤولون ووكالات الاستخبارات المشاركة.
وليس من المستغرب أن تحالف العيون الخمس متعاون مع إسرائيل، ففي شهر يناير/كانون الثاني عام 2024 اغتالت إسرائيل نائب رئيس حركة حماس وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري بناء على معلومات استخبارية صادرة عن منشأة "باين غاب" (Pine Gap) التي تقع في أستراليا.
يُذكر أن منشأة "باين غاب" تُدار شراكة بين الولايات المتحدة وأستراليا، وهي عقدة بالغة الأهمية في شبكة المراقبة العالمية "العيون الخمس"، حيث تجمع البيانات الرئيسية بواسطة مجموعة أقمار صناعية تضم 40 قمرا مخصصا للتجسس.
لِم يُعد واتساب خطرا على الأمن القومي الأميركي؟
أصدر مجلس النواب الأميركي قرارا يمنع استخدام واتساب، حيث أرسل مذكرة إلى جميع الأعضاء والموظفين يؤكد فيها حظر هذا التطبيق بسبب مخاطر أمنية، ويشمل ذلك غياب الشفافية بشأن حماية بيانات المستخدمين وعدم تشفير البيانات المخزنة، مما ينتج عنه ثغرات أمنية عديدة.
وجاء هذا القرار بفعل خمسة مخاوف أساسية قد تنتج عن استخدام واتساب للأعمال الرسمية للبيت الأبيض، خاصة للمحادثات المتعلقة بالأمن القومي، وتشمل هذه المخاوف ما يلي:
البيانات الوصفية هي معلومات تجمعها شركات الاتصالات اللاسلكية عن مكان وزمان وهوية من يجري مكالماته الهاتفية دون أن تتضمن أي تسجيلات للمكالمة نفسها.
ورغم أن شركة واتساب تدّعي، أن محادثات المستخدمين مشفرة بتقنية التشفير التام بين الطرفين، ولكنها تجمع البيانات الوصفية للمحادثات، وتوضح واتساب، أن ما تجمعه في سياسة الخصوصية الخاصة بها، فهي تُصنف المعلومات التي تجمعها إلى 3 فئات وهي: المعلومات التي يقدمها المستخدم والمعلومات التي يجمعها تلقائيا والمعلومات التي تقدمها جهات خارجية.
المعلومات التي يقدمها المستخدم معلومات حساب، كرسائل اتصالات كدعم العملاء المعلومات التي تُجمع تلقائيا، معلومات الاستخدام والسجل، معلومات المعاملات، معلومات الجهاز والاتصال، ملفات تعريف الارتباط، معلومات الحالة، معلومات الأطراف الخارجية، المعلومات التي يقدمها الآخرون عنك، مقدمي الخدمات من جهات خارجية، خدمات الطرف الثالث.
ومن الواضح أن شركة واتساب تجمع معلومات عن مستخدميها، مما قد يُقدم فهما أعمق للسياسة والاتصالات والمشاركين في المحادثات وحتى بيانات تحديد الموقع الجغرافي.
ويمكن تصنيف بعض هذه البيانات كبيانات وصفية، بينما يُعتبر بعضها الآخر مجرد بيانات -ولكنها بيانات قيّمة مع ذلك، وقد بنت وكالة الأمن القومي "إن إس إيه" (NSA) عملية استخبارية كاملة عن البيانات الوصفية.
اتفاقية واتساب القانونية
كثير من المستخدمين لا يطلعون على شروط اتفاقية واتساب ولكن البيت الأبيض يفعل ذلك تأكيدا، فقد جاء في أحد البنود "يحق لنا تعيين حقوقنا والتزاماتنا الواردة بشروطنا بحرية لأي من الشركات التابعة لنا أو التي ترتبط بنا من خلال عمليات دمج أو استحواذ أو إعادة هيكلة أو بيع أصول أو بموجب القانون أو غيره، كما يحق لنا نقل معلوماتك إلى أي شركات تابعة لنا أو كيانات لاحقة بنا أو مالك جديد. في حالة إجراء مثل هذا التنازل، تظل شروطنا هي الحاكمة لعلاقتك مع هذه الأطراف الثالثة".
وهذا البند يسمح لواتساب، ليس فقط جمع البيانات الوصفية، بل أيضا توزيعها حسب الضرورة أو وفقا لما يقتضيه القانون، وقد تختلف هذه القوانين في الصين أو الاتحاد الأوروبي، وهذا يُبرز أيضا حقيقة أن البيانات الوصفية المجمّعة لا تقتصر على مركز بيانات في سانتا كلارا، بل في أي مكان قررت واتساب نسخ تلك البيانات إليه في أي مكان في العالم.
وكما أن هناك بندا آخر مفاده، "يجوز أن تتيح لك خدماتنا إمكانية الوصول إلى أو استخدام أو التفاعل مع مواقع ويب وتطبيقات ومحتوى ومنتجات وخدمات أخرى تابعة لطرف ثالث.
فمثلاً، قد تختار استعمال خدمات النسخ الاحتياطي للبيانات التي توفرها أطراف ثالثة، مثل كلاود و غوغل درايف، والتي تكون مدمجة مع خدماتنا، أو تستعمل التفاعل من خلال زر مشاركة موجود على موقع ويب تابع لطرف ثالث، والذي يتيح لك إرسال معلومات إلى جهات الاتصال لديك على واتساب".
وهذا البند يفتح الباب واسعا لشروط وأحكام الجهات الخارجية، إضافة إلى إمكانية نسخ البيانات إلى تطبيقات أخرى، ولكن هل يمكن نسخ محادثات واتساب احتياطيا إلى خدمات جهات خارجية دون تشفير؟ ربما المسؤولون في مجلس النواب الأميركي يعرفون الجواب.
استخدام لقطات الشاشة والبريد الإلكتروني
إحدى المشكلات التي ظهرت من استخدام الأجهزة الشخصية والتطبيقات، مثل واتساب في العمل الحكومي، هي أنها قد تخالف قوانين أميركية مهمة، مثل قانون السجلات الفدرالي وقانون حماية الوثائق السرية، وهذه القوانين تطلب من المسؤولين حفظ جميع الاتصالات الرسمية بشكل آمن ومنظم.
وبحسب تقرير "سي إن إن" فإن جاريد كوشنر مستشار سابق لرئيس الولايات المتحدة، كان يأخذ لقطات شاشة للمحادثات من واتساب، ويرسلها إلى بريده الإلكتروني في البيت الأبيض كي يلتزم بهذه القوانين، وهو ما أثار مخاوف خبراء الأمن السيبراني.
فعند أخذ لقطة شاشة على الهاتف، فإنها تُحفظ تلقائيا في الصور، والتي تكون غالبا على "كلاود" أو صور غوغل، فهل كوشنر كان يستخدم كلاود؟ أو غوغل؟ وأين أصبحت تلك البيانات الآن؟ هل لا تزال آمنة؟
ومن جهة أخرى، لا أحد يعرف إن كان كوشنر يستخدم تشفيرا قويا عند إرسال تلك الصور من هاتفه إلى بريده الحكومي، ولو لم يستخدم تشفيرا قويا، فهو فعليا ألغى الحماية الأمنية التي يوفرها واتساب، وأرسل معلومات حساسة عبر الإنترنت بغير تشفير.
اختراق الهواتف المحمولة
إذا أراد أحد ما، اختراق حساب واتساب لمسؤول رفيع، فغالبا لن يهاجم واتساب لأنه يعتمد على التشفير التام، وهذا ما يُصعّب المهمة، ولكنه قد يستهدف الهاتف نفسه ومن ثم يتحكم في واتساب.
وتكمن خطورة هذه الخطوة في إمكانية إرسال برمجيات خبيثة أو تعليمات مضللة لأشخاص بارزين منه، مما قد يتسبب في كارثة تنعكس سلبا على الأمن القومي.
نقطة الضعف الحقيقية البشر
من الطبيعي أن يُفضل موظفو الحكومة مثل وزراء الخارجية، استخدام هواتفهم الشخصية وتطبيقات سهلة مثل واتساب، لأنها ببساطة أكثر راحة وسرعة من الأنظمة الرسمية المعقدة مثل "لينكس"، ومن هنا ظهر مصطلح "شادو آي تي" (Shadow IT) والذي يعني استخدام الموظفين كأدوات دون موافقة أو علم قسم تكنولوجيا المعلومات.
ولكن سهولة الاستخدام لا تعني الأمان، ولا تعني أن هذا السلوك مقبول، مثلا في مجالات أخرى مثل التمويل، تمنع الجهات الرقابية منعا باتا إرسال أي رسائل عبر تطبيقات فورية لمنع الاحتيال، فهل من المنطقي ألا تُطبق نفس المعايير على من يديرون شؤون الدولة؟
التحدي الأكبر في الأمن السيبراني هو العامل البشري، فمهما تطورت أنظمة الحماية، يبقى الإنسان هو الحلقة الأضعف، حيث إن اختراقا واحدا كفيل بحدوث كارثة.
حتى لو كانت واتساب جادة في حماية الخصوصية، فهي في النهاية شركة، يديرها بشر لديهم وصول واسع إلى البيانات، ويكفي خطأ فرد واحد لتقع كارثة على مستوى الأمن القومي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تحذيرات من تداعيات إنسانية لقانون أميركي يقطع تمويل طالبان
كابل- أثار إقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانون "منع دفع الضرائب للإرهابيين"، في 24 يونيو/حزيران الجاري، جدلا واسعا في أفغانستان، ونددت حكومة حركة طالبان بما اعتبرته محاولة لتسييس المساعدات الإنسانية، بينما يحذر سياسيون ومحللون من تداعياته التي قد تعمّق عزلة البلاد وتهدد استقرارها. والقانون، الذي يهدف إلى منع طالبان من الاستفادة من الأموال الأميركية، سواء بشكل مباشر أو عبر قنوات المساعدات الدولية، يمنح وزارة الخارجية الأميركية صلاحيات موسعة لمراقبة تدفقات التمويل عبر المنظمات غير الحكومية و الأمم المتحدة ، وسط تقارير تشير إلى استفادة الحركة من المساعدات عبر فرض رسوم وضرائب، مما أثار انتقادات حادة في الكونغرس. ورحّب برايان ماست، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، بإقرار هذا القانون، مؤكدا في بيان له أن "هذا المشروع يضمن ألا تصل حتى روبية واحدة من أموال الشعب الأميركي إلى طالبان، لا بشكل مباشر، ولا عبر قنوات سرية، ولا من خلال حكومات ضعيفة أو منظمات غير حكومية مشبوهة. من يرسل أموالا إلى طالبان، لا يمكن اعتباره صديقا للولايات المتحدة". رفض أفغاني وقال ماست إن القانون يردّ على تقرير المفتش العام الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان في مايو/أيار 2024، الذي كشف أن 10.9 ملايين دولار من المساعدات المخصصة لأفغانستان دُفعت كضرائب لطالبان من قبل منظمات إغاثة، ويُلزم وزارة الخارجية بتنفيذ برامج رقابية صارمة وتقديم تقارير دورية ل لكونغرس ، مما يعكس دعما جمهوريا واسعا لتشديد السياسة تجاه الحركة. وردا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة المالية الأفغانية أحمد ولي حقمل، للجزيرة نت "نتابع تطورات القانون الأميركي بقلق، ونرفض استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي. إدارتنا تعتمد على الإيرادات المحلية، ونحن مستعدون للتعاون مع الجهات الدولية لضمان الشفافية في توزيع المساعدات". وأضاف أن القيود الأميركية "ستضر الشعب الأفغاني أكثر من أي جهة أخرى"، داعيا إلى آليات دولية تحترم سيادة أفغانستان. وهذا الموقف يتماشى مع تصريحات سابقة لمسؤولي طالبان، ففي يناير/كانون الثاني الماضي، نفى الملا حمد الله فطرت، نائب المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، تلقي أي مساعدات أميركية، قائلا إن "الولايات المتحدة لم تقدم دولارا واحدا لإمارة أفغانستان، بل جمّدت مليارات الدولارات من أصولنا". وفي فبراير/شباط الماضي، أكدت وزارة الاقتصاد الأفغانية أن "أي إجراء أميركي بشأن تخصيص أو تحويل الأصول المجمدة غير مقبول"، محذرة من أن ذلك يمثل "انتهاكا لسيادة أفغانستان". وفي 2 يونيو/حزيران الجاري، رفض المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد ، مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة معدات عسكرية بقيمة 7 مليارات دولار، واعتبرها "غنائم حرب". ضغوط أميركية من جانبه، حذّر وزير الداخلية الأفغاني الأسبق محمد عمر داودزي، من أن القانون قد يجر أفغانستان إلى "كارثة إنسانية ومالية"، مشيرا إلى أن طالبان "لن تستطيع تمويل ميزانية الدولة من الضرائب المحلية وحدها". وأوضح داودزي للجزيرة نت أن واشنطن كانت تقدم 3 أنواع من الدعم: تنظيم الدولة الإسلامية. مساعدات إنسانية تصل عبر قنوات دولية، استفادت منها طالبان جزئيا. تمويل لاستكمال مشاريع أميركية متعثرة. وأكد أن قطع هذه المساعدات سيؤدي إلى نقص حاد في الدولار بالسوق الأفغانية، مما سيضعف العملة الوطنية ويمنع الحكومة من دفع رواتب الموظفين. ودعا طالبان إلى "مراجعة سياساتها المنغلقة وكسب رضا الشعب" لتحسين علاقتها مع المجتمع الدولي، محذرا من أن "فشلها سيؤدي إلى فوضى سياسية واجتماعية". يأتي القانون الأميركي وسط ضغوط داخل الكونغرس لتشديد السياسة تجاه طالبان، خاصة بعد تقرير المفتش العام الأميركي الذي أشار إلى أن 10.9 ملايين دولار من المساعدات الأميركية ذهبت إلى طالبان عبر رسوم وضرائب. وقال مقدّم القانون النائب الجمهوري تيم براغيث "منذ أغسطس/آب 2021، أرسلت الولايات المتحدة نحو 5 مليارات دولار نقدا إلى أفغانستان، استفادت منها طالبان بشكل غير مباشر". في حين زعم نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، أن الحركة تلقت "12 مليار دولار سرا" منذ 2021، وهي ادعاءات لم تُؤكد رسميا. كما أشار منتقدون إلى أن "نحو 40 مليون دولار تُسلَّم أسبوعيا إلى طالبان"، لكن هذه الادعاءات تفتقر إلى دليل قاطع، حيث تنفي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسليم أي مساعدات مباشرة للحركة. والقانون، الذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع ترامب، يثير تساؤلات حول إستراتيجية واشنطن: هل تسعى لعزل طالبان أم لاحتوائها لضمان استقرار المنطقة؟ حذّر الخبير الاقتصادي عبد الله ولي زاده من أن تقييد المساعدات سيؤدي إلى "تضييق مالي حاد"، موضحا للجزيرة نت أن المساعدات الدولية تغذي الاقتصاد المحلي عبر المشاريع الإغاثية. وأن قطعها قد يؤدي إلى انهيار سعر العملة وارتفاع التضخم. ورأى أن الخطوة الأميركية "ليست معزولة عن الحسابات الجيوسياسية"، وربما تمثل ضغطا سياسيا أكثر منها إجراء ماليا بحتا. أما المحلل السياسي أحمد سعيدي فيقول إن القانون الأميركي "يعكس ارتباكا في سياسة واشنطن تجاه أفغانستان"، ويضيف للجزيرة نت "القانون قد يدفع طالبان نحو مزيد من العزلة، مما يفتح المجال أمام دول مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها. كيف يمكن ضمان المساعدات الإنسانية دون التعامل مع النظام القائم؟". وأشار إلى أن موسكو أزالت مؤخرا الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، وباكستان عينت سفيرا في كابل، مما يعكس تحولات دبلوماسية قد تملأ الفراغ الأميركي. وأضاف أن المجتمع الدولي "مطالب بابتكار آليات تحول دون معاقبة الشعب الأفغاني أو منح طالبان شرعية غير مقصودة". انعكاسات إنسانية من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق من تأثير القانون على عملياتها الإنسانية في أفغانستان. وقال نائب المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لايركه، للجزيرة نت "أي قيود على المساعدات ستفاقم معاناة الملايين الذين يعتمدون عليها للبقاء". وتابع "في أفغانستان، يحتاج 19.2 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في 2025 بسبب انعدام الأمن الغذائي ، والجفاف، والانهيار الاقتصادي. القانون قد يعيق عملياتنا، خاصة في مناطق سيطرة طالبان، مما يهدد توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية". ووفق لايركه، يواجه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية تحديات معقدة في أفغانستان، حيث يجب التنسيق مع السلطات الفعلية (طالبان) لضمان وصول المساعدات، وهو ما قد يتعارض مع القيود الأميركية. في تقرير صدر في ديسمبر/كانون الأول 2024، أشار المكتب إلى أن 70% من سكان أفغانستان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن أزمة التمويل العالمية (47 مليار دولار مطلوبة لعام 2025) تجعل أي قيود إضافية كارثية. كما حذر المتحدث في، فبراير/شباط 2025، في سياق مماثل حول غزة ، من أن تقييد المساعدات يعرّض حياة الملايين للخطر، داعيا إلى آليات تضمن الوصول الآمن للإغاثة دون تسييس. وأكد أن الأمم المتحدة ملتزمة بمبادئ الحياد والاستقلال، لكنها تحتاج إلى دعم دولي لتجنب انهيار الخدمات الأساسية. ومع انتظار قرار مجلس الشيوخ، يبقى مصير العلاقة بين واشنطن وكابل معلقا. ويضع القانون طالبان أمام خيارين: الانفتاح على المجتمع الدولي وتخفيف سياساتها. أو مواجهة عزلة قد تهدد استقرارها الداخلي. في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديا في تحقيق توازن بين أهدافها الأمنية ومسؤولياتها الإنسانية. ووسط هذا التوتر، يظل الشعب الأفغاني رهينة قرارات دولية وواقع محلي معقّد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لماذا اعتمدت إيران على أسلحتها القديمة في هجماتها على إسرائيل؟
طهران – منذ بدء إسرائيل حربها الشاملة ضد إيران فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، أطلقت طهران مئات الصواريخ في أولى موجات ردها، لكن سرعان ما بدأ عددها يتراجع تدريجيا، مما أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت إيران قد غيّرت إستراتيجيتها العسكرية، خاصة مع تأكيد مؤسساتها العسكرية استخدام نماذج من الجيل القديم في تلك الضربات الصاروخية. وفي هذا السياق، كشف رئيس دائرة التوجيه العقائدي والسياسي في القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية علي سعيدي، أن بلاده اعتمدت على صواريخ قديمة في هجماتها الأخيرة على إسرائيل، مؤكدا -في تصريح نقلته وكالة تسنيم المقربة من الحرس الثوري – أن إدخال أسلحة متطورة إلى ساحة المواجهة "سيجعل الكيان الصهيوني يدرك الحجم الحقيقي لقوة الجمهورية الإسلامية". وفي حين تتحدث طهران عن امتلاكها مئات "المدن الصاروخية" المدفونة في أعماق الأرض، طرح تصريح سعيدي تساؤلات حول ما إذا كانت إيران تعاني بالفعل من نقص في الذخائر الحديثة بعد ضرب مستودعاتها الإستراتيجية كما تقول إسرائيل، أم إن طهران تتعمد استنزاف الدفاعات الإسرائيلية بصواريخ قديمة وتحتفظ بالأجيال الأحدث لجولات لاحقة من الصراع. تكتيك استنزاف من ناحيته، فسّر المستشار السابق للوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي اعتماد بلاده على صواريخ قديمة بأنه جزء من إستراتيجية محسوبة لتقليل الكلفة واستنزاف دفاعات إسرائيل. وفي منشور له على منصة "إكس"، كتب مرندي "معظم الصواريخ التي استخدمتها إيران عمرها بين 20 و30 عاما، لكن لاحظوا الصاروخ الحديث الذي أصاب حيفا وتسبب بانقطاع الكهرباء. انتظروا قليلا، فعندما تنفد الصواريخ القديمة ستصبح الأمور أكثر إثارة بالنسبة لهذا النظام المجرم قاتل الأطفال". ويوحي حديث مرندي بأن إيران تتبع سياسة الرد التدريجي وتحتفظ بما هو أكثر تدميرا لجولات مقبلة من المواجهة، في إطار إدارة محسوبة للصراع، قائمة على مزيج من الإرباك والاستنزاف. ما الجدوى؟ ورغم أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين توحي بأن ما جرى حتى الآن لا يمثل سوى "قمة جبل الجليد" من ترسانة إيران الصاروخية، تساءلت دوائر سياسية في طهران عن جدوى استخدام هذا الكم من الصواريخ القديمة، في حين تمتلك البلاد ترسانة حديثة ومتطورة؟ وفي تفسير لذلك، تقول الباحثة في الشؤون العسكرية إلميرا بابائي إن الاستخدام الإيراني للصواريخ لا يخضع فقط لمعياري المدى أو القدرة التفجيرية، بل يأتي في إطار "رقعة شطرنج إستراتيجية" تعتمد على خلط النماذج القديمة بالجديدة لإرباك العدو. وفي مقال لها بموقع "ألفبا خبر"، توضح بابائي أن إيران تهدف من خلال هذا التكتيك إلى استنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية التي تعتمد أنظمة مكلفة مثل " القبة الحديدية" و" ثاد" و" آرو"، حيث يمكن أن تتراوح تكلفة كل صاروخ اعتراض بين 50 ألفا و3 ملايين دولار. وبذلك، فإن استخدام صواريخ من المخزونات القديمة يجبر إسرائيل على استنزاف مواردها الدفاعية بمردود مالي ونفسي مرتفع لطهران. هشاشة في الصمود وتشير تقديرات غربية -وفق بابائي- إلى أن قدرة إسرائيل على مقاومة كثافة الضربات الصاروخية الإيرانية قد لا تتجاوز 7 إلى 10 أيام، وقد تمتد إلى 15 يوما في حال الحصول على دعم فوري من الجيش الأميركي وقواعده في المنطقة، وتضيف أن "هذه القدرة تبدو هشة للغاية في مواجهة وابل من الصواريخ ينطلق من إيران ومجموعات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق". وترى بابائي أن هذا النهج يخدم هدفا مزدوجا، من جهة، استنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، تضليل العدو بشأن الحجم الحقيقي للترسانة الإيرانية، وبالتالي عندما تبدأ طهران باستخدام صواريخها الأحدث، تكون إسرائيل قد فقدت قدراتها الفاعلة على التصدي. واعتمدت إيران، حسب المقال، على مبدأ "إشباع دفاعات العدو" من خلال إطلاق كميات هائلة من الصواريخ الرخيصة، لإجبار المنظومة الدفاعية على العمل بأقصى طاقتها، ما يؤدي إلى إنهاكها اقتصاديا وتشغيليا. كما يسمح هذا التكتيك لبعض الصواريخ باختراق طبقات الدفاع وتدمير أهداف حساسة، مما يفاقم الضغط على متخذي القرار في الجانب الإسرائيلي. وتخلص بابائي إلى أن طهران نفذت هجمات مركبة، من خلال توزيع الأجيال المختلفة من الصواريخ بشكل مدروس، لتكون بذلك قد وجّهت ضربة ذكية وغير مكلفة، تمهّد الطريق لضربات أكثر قسوة إذا تطلبت المواجهة ذلك. حماية وتضليل وفي وقت تتسابق فيه الدول الكبرى لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومات التسلح، تشير الكاتبة إلى أن إطلاق الصواريخ الحديثة قد يعرض بصماتها التقنية لخطر الرصد أو الاختراق، لذلك، فإن استخدام النماذج القديمة يوفر -وفق منظور إيراني- تغطية تكتيكية تمنع إسرائيل من فهم كامل القدرات الإيرانية. وبالإضافة إلى تلك الحسابات، يرى مراقبون إيرانيون أن بث صور لصواريخ قديمة وهي تضرب أهدافا في عمق تل أبيب، يحمل رسائل رمزية تهدف إلى تفكيك أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وفضح هشاشة الدفاعات الإسرائيلية، لا سيما أن تلك الصواريخ لا تكلف إيران شيئا يُذكَر، في مقابل خسائر نفسية وسياسية جسيمة "للعدو".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
اتهامات أممية لإسرائيل بتسريع وتيرة التهجير القسري للفلسطينيين
اتهم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، إسرائيل باتخاذ تدابير سريعة للترحيل القسري لعدد كبير من الفلسطينيين من بلدات وتجمعات فلسطينية عريقة في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وأكد المكتب، في بيان، أن الفلسطينيين يتعرضون لـ" تهجير قسري واستيلاء متزايد على الأراضي". وأفاد بأن اللجنة الفرعية الإسرائيلية للتخطيط أصدرت قرارا في 18 يونيو/حزيران الجاري، يقضي برفض جميع تصاريح البناء والتخطيط التي قدمها الفلسطينيون في مسافر يطا جنوب جبال الخليل في المنطقة التي تصنفها السلطات الإسرائيلية باسم "منطقة إطلاق النار 918". وسجل المكتب أن قرار إسرائيل رفض منح تراخيص البناء للفلسطينيين يعلل بـ"حجة أن الجيش الإسرائيلي يحتاج لاستخدام المنطقة في التدريب العسكري". وأشار مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أن إسرائيل صعدت بشكل كبير من عمليات هدم المنازل إلى جانب الاعتقال التعسفي وسوء معاملة الفلسطينيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما شددت السلطات الإسرائيلية القيود على حرية التنقل داخل وحول مسافر يطا بهدف إرغام الفلسطينيين على مغادرة المنطقة، وفق مكتب حقوق الإنسان. ولفت المكتب ذاته إلى أن المستوطنين الإسرائيليين من البؤر الاستيطانية المجاورة المقامة داخل "منطقة إطلاق النار" لم تشملهم أوامر الإخلاء، في الوقت الذي لم يسلم فيه الفلسطينيون من هجماتهم اليومية واعتداءاتهم الرامية لإجبارهم على الرحيل، والتي تطال حتى كبار السن والنساء والأطفال. كما اعتبر مكتب حقوق الإنسان أن القرار يمهد الطريق أمام الجيش الإسرائيلي لـ"هدم الهياكل والمباني القائمة في المنطقة وطرد ما يقرب من 1.200 فلسطيني يعيشون هناك منذ عقود". وعدَّ المكتب التهجير والترحيل القسري الذي يطال الفلسطينيين "جريمة حرب"، كما يمكن أن يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكب كـ"جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين مع علمهم بالهجوم". إعلان وأوضح المكتب أن 6.463 فلسطينيا هجّروا قسرا نتيجة هدم منازلهم من قبل إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 31 مايو/أيار 2025، وفقا لأرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وأشار إلى أن هذه الأرقام لا تشمل نحو 40 ألف فلسطيني هجروا من مخيمات اللاجئين الثلاثة في جنين وطولكرم نتيجة للعمليات الإسرائيلية العسكرية المكثفة في شمال الضفة الغربية منذ يناير/كانون الثاني 2025، كما تعرض أكثر من 2.200 فلسطيني للتهجير القسري بسبب اعتداءات المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول في الفترة نفسها. وشدد المكتب على أن إسرائيل تسعى إلى تكريس بيئة قسرية، وأشار إلى أن العديد من التجمعات الفلسطينية الأخرى تواجه المصير ذاته من التهجير القسري، من ضمنها عائلات في القدس الشرقية. كما بين أن هذه العمليات تشكل جزءا من حملة ممنهجة تنفذها إسرائيل ومنظمات استيطانية تستهدف الأحياء الفلسطينية للاستيلاء على منازل الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات اليهودية. وأكد المكتب أن هذه الممارسات تشكل "انتهاكا للقانون الدولي الذي يحظر مصادرة الممتلكات الخاصة في الأرض المحتلة وضمها، كما أكدت ذلك محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري في يوليو/تموز الماضي.