
حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة وطنية!
إيطاليا تلغراف
بقلم/ التجاني بولعوالي
تم كتابة هذه المقالة في الأصل باللغة الهولندية بهدف وضع القارئ الغربي في الصورة الحقيقية لما يحصل في فلسطين وغزة. هذا القارئ الذي لا يستطيع تبيّن الحقيقة بسبب التزييف الإعلامي والتوظيف السياسي وهيمنة المفاهيم والسرديات المغلوطة، ومن بينها اعتبار المقاومة الفلسطينية عامة ومقاومة حركة حماس خاصة ممارسة إرهابية ضد المواطنين الإسرائيليين. وقد حاولنا بلورة مجموعة من الحقائق التاريخية في فقرات مختصرة ومركزة؛ لعلّ صداها يصل إلى المواطن الأوروبي والغربي المضلل إعلاميا والمقولب سياسيا والمموّه فكربا.
في الحقيقة، لا يمكن وضع المسلمين كلهم في سلة واحدة، فالإسلام يتسم بتنوع ثقافي هائل قد لا نجده في ديانات وثقافات أخرى. ومرد ذلك إلى أن انتشار الإسلام وتوسعه سواء قديما عبر الفتوحات العسكرية وتنقلات التجار والرحالة، كما حصل في أسيا وأفريقيا وأجزاء مهمة من أوروبا، أو حديثا عبر الهجرة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو دراسية، حيث أصبح المسلمون يعيشون اليوم في أغلب قارات وبلدان العالم.
وهذا التنوع لا يقتصر على ما هو ثقافي فقط، بل يتجاوزه إلى ما هو فقهي وقانوني وإلى طبيعة التدين الذي يتأثر بالجغرافيا والأعراف والسياسية. وقد أدى هذا إلى ظهور تيارات وتوجهات ومذاهب مختلفة ضمن الإسلام، منها ما هو فقهي، ومنها ما هو عقدي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما تمتزج فيه هذه الاختلافات كلها. وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من التيارات المحسوبة على ما يطلق عليه 'الإسلام السياسي'، سواء الجهادي، مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، أو المعتدل مثل جماعة الإخوان المسلمين بمختلف حركاتها وتفرعاتها وأحزابها السياسية التي تكاد تغطي أغلب الأقطار العربية والإسلامية، ومنها ما هو محظور كجماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وجماعة العدل والإحسان في المغرب، وغيرهما، ومنها ما هو مسموح له، مثل حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، وغيرها.
ومن بين الحركات الإسلامية النشيطة والحاضرة بشكل مكثف في الإعلام والسياسة منذ سنوات طويلة، حركة المقاومة الإسلامية، التي يطلق عليها اختصارا 'حماس'، والتي ازدادت شهرة مباشرة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، لا سيما في المشهد اليومي والإعلامي الأوروبي والغربي. وقد أصبحت كلمة 'حماس' تتردد على لسان كل إنسان غربي، لكن للأسف الشديد بشكل سلبي في الغالب العام، حيث تُقدم هذه الحركة على أنها حركة إرهابية. ونستغرب كثيرا عندما نسمع صحافيين في وسائل إعلام أوروبية وغربية، من قنوات تلفزية وجرائد ومنصات إلكترونية، يتبنون أيضا هذه النظرة السلبية إلى حركة حماس، ومنهم من كنا نعتبره في السابق موضوعيا ومحايدا.
وقد ساهم مثل هذا الخطاب الإعلامي المدعوم إيديولوجيا وسياسيا من دول غربية مختلفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في شيطنة حركات حماس، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، دون التمييز الموضوعي بين سياق هذه الحركة التاريخي والسياسي وسياق غيرها من الحركات المتطرفة، مثل داعش وبوكو حرام. لكن لماذا يجب علينا أن لا نضع حركة حماس في السلة نفسها ونماثلها بالحركات المتطرفة في المنطقة العربية أو خارجها؟
في الواقع، لا يمكن الإجابة بشكل سليم عن هذا السؤال دون الرجوع إلى الجذور التاريخية لهذه الحركة، وهذا ما لا يعرفه أغلب المواطنين الأوروبيين والغربيين، وغالبا بسبب تأثير وسائل الإعلام المسيسة، وتواطؤ السياسات الغربية مع السرديات الإسرائيلية. بل وهذا ما يتجاهله أيضا عدد من المثقفين والمدرسين والإعلاميين والكتاب في الغرب، والذين كان يُنتظر منهم إنصاف القضية الفلسطينية، أو على الأقل التعاطي بموضوعية مع ما يرتكب من مجازر بشعة في غزة وفلسطين منذ حوالي قرن من الزمن. ويمكن تفسير هذا التجاهل، إما بسبب الخوف من المتابعة القضائية بتهمة معاداة السامية، أو بسبب المصالح السياسية أو الشخصية، أو بسبب تأثير المناهج التربوية والتاريخية والجغرافية التي يتلقاها التلاميذ في المدارس عن تاريخ فلسطين والاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية على العموم.
وعندما نتصفح المصادر التاريخية نجد أن حركة حماس ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها تاريخيا لعقود طويلة؛ إلى ثلاثينات القرن الماضي أثناء ظهور جماعة الإخوان المسلمين مع حسن البنا، وظلت القضية الفلسطينية حاضرة في أجندتها السياسية، وتُوج ذلك بفتح فرع لجماعة الإخوان المسلمين في القدس عام 1945، وافتتاح مقر رئيس للجماعة في غزة في 1946. وفي عام 1973، تأسست الجمعية الخيرية الدينية الاجتماعية في غزة كفرع لجماعة الإخوان المسلمين من طرف أحمد ياسين. والغريب في الأمر أن الكيان الإسرائيلي شجع هذه المؤسسة على التوسع، وذلك بهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) بها.
هذا، إذن، عن الجذور التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وغزة بكونها الحركة – الأم لما يعرف اليوم بحماس، والتي هي اختصار لاسم الحركة الذي هو 'حركة المقاومة الإسلامية'. ومنذ ديسمبر 1987 سوف يتم الإعلان الرسمي عن حركة حماس، وقد تزامن ذلك مع الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994.
وكل من يطّلع على تاريخ الحركة الإسلامية الفلسطينية عامة، وحركة المقاومة الإسلامية 'حماس' خاصة، يدرك أنه لا يمكن مماثلتها بالجماعات الإسلامية العنيفة التي ظهرت أثناء العقود الأخيرة، في مختلف البلدان العربية والإسلامية، لأنه كما يظهر من اسم هذه الحركة ومن بيانها التأسيسي في ديسمبر 1987، أنها حركة مقاومة خالصة، ظهرت كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين. وهذا يعني أنها لا تختلف سواء عن حركات المقاومة الأوروبية ضد النازية والفاشية في أربعينات القرن العشرين، أو عن حركات المقاومة في شمال أفريقيا والبلدان الإسلامية وفيتنام والهند والصين وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ضد الاستعمار الأوروبي والغربي التقليدي.
لماذا أصبحت العديد من الدوائر الغربية السياسية والإعلامية والأكاديمية تتعامل اليوم مع حركة المقاومة الفلسطينية 'حماس' على أنها حركة إرهابية ينبغي محاصرتها قانونيا واقتصاديا والضرب بيد من حديد على قاداتها وأتباعها ومناصريها، بينما تقدم حركات المقاومة الأخرى في المناهج الدراسية والأبحاث الأكاديمية والبرامج الوثائقية على أن زعماءها أبطال عظماء ينبغي اعتمادهم قدوات لأطفالنا وتلامذتنا وطلابنا؟ ألم تكشف أحداث غزة الأخيرة بالملموس عن ازدواجية التعامل الأوروبي والغربي مع المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة؟ ألم يفضح ما يُمارس في غزة من إبادة وتقتيل وتشريد عن زيف السردية الإسرائيلية وكذب صناعها وداعميها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ ألا تعني الحركة الاحتجاجية الهائلة التي تشهدها أغلب البلدان الأوروبية والغربية أن الحقيقة بدأت تنكشف للعالم، وأنه بات واضحا من هو الجلاد الحقيقي ومن هي الضحية الحقيقية؟ ألا تشكل موافقة 17 دولة في الاتحاد الأوروبي على مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ضربة موجعة للعدوان الصهيوني؟
وفي الختام، نخلص إلى أن أحداث غزة الدموية والمأساوية الأخيرة التي تديرها بلا رحمة ولا إنسانية الآلة الحربية الإسرائيلية بدعم عسكري ولوجستيكي وديبلوماسي من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا وخارجها، من شأنها أن تجعل الكثير من الناس في أوروبا والغرب يعيدون النظر في السردية الإسرائيلية الزائفة حول أرض فلسطين المحتلة. وهذا ما نتوقعه لا سيما من فئة معينة من العقلاء والحكماء والشرفاء. ولعل هذا الأمر بدأ يُترجم على أرض الواقع من خلال تزايد الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية عامة وبطبيعة حركة المقاومة 'حماس' خاصة. إن الحركات الاحتجاجية التي تشهدها اليوم مختلف العواصم والمدن الأوروبية ضد المجازر الإسرائيلية في فلسطين، والتحولات التي بدأت تطرأ على المواقف السياسية الأوروبية تجاه إسرائيل، ما هي إلا دليل على أن المسألة الفلسطينية سوف تشهد منعطفا 'إيجابيا' جديدا. وإن لم يكن ذلك في الواقع الأوروبي والغربي الحالي، فعلى الأقل على مستوى التصور والوعي حيث تبدأ عملية التغيير الحقيقية، كما نعتقد.
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 22 دقائق
- إيطاليا تلغراف
مغالطات وزير الأوقاف أحمد توفيق حول تأسيس الأحزاب الإسلامية
إيطاليا تلغراف الدكتور محمد عوام باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة. المتتبع لتدبير الشأن الديني في بلدنا، يلحظ أن السياسة المتبعة لدى الوزير أحمد توفيق، هي المزيد من التضييق، وشد الوثاق، وتأميم المجال الديني، وفصل هذا المجال عن باقي المجالات، التي من طبيعة الشريعة الإسلامية أنها تؤطرها، ولها في ذلك كلمتها ومبادؤها وأصولها وقواعدها، أعني كل مجالات الحياة، الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والأسرية،…غير أن الوزارة أخذت على نفسها، أن تقصر مجال الشريعة وتحصره في الخطاب الوعظي الروحي، أو ما يتعلق بالعبادات دون التطرق إلى تناول باقي الموضوعات، ولو كانت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا أدل على ذلك، من توقيف بعض الخطباء والدعاة، لكونهم تحدثوا عن بعض المنكرات، كحديث أحدهم عن مهرجان موازين، وآخر عن الاحتفال بالسنة الميلادية، وآخر عن اليهود والنصارى. وهكذا ولائحة الموقوفين طويلة، وأسماؤهم مشتهرة. واليوم اطلع علينا الوزير توفيق بمنطق جديد، أو على حد تعبيره 'المسعى الجديد'، وخلاصته كما صرح بذلك 'أن بسبب الفراغ في المشيخة العلمية ظهرت الأحزاب السياسية الإسلامية' ولولا هذا الفراغ ما احتاج الناس أن يؤسسوا أحزابا باسم الإسلام، لأن الإسلام هو للأمة جمعاء،… ثم أثار اعتراضه على الذين سألوه عن خطة التبليغ بقوله لهم: 'لكنكم تسقطون في شبكة السياسة التي تفسد'. ونتعقب هذه الكلمات منه بما يلي: أولا: ينبغي التفريق بين الإسلام للجميع، والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فكل الأحزاب لها خلفية تصورية فكرية، ومقولات فلسفية، تمتح منها، وتعتبرها مرجعيتها الفكرية وخلفيتها العقدية، بها تحلل، وعلى ضوئها تقترح وتناقش وتعترض، وهذا ما نجده عند أعرق الأحزاب المغربية. فحزب الاستقلال -مثلا- المحافظ منذ تأسيسه كانت خلفيته محافظة وإسلامية. وبخاصة مع رعيله الأول وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي، وأبو بكر القادري وغيرهما رحمهم الله جميعا، وكذلك أستاذنا محمد بلبشير حفظه الله، وهذا ما تنطق به كثير من مواقفه، ومواقف مناضليه الكبار. وحزب الاتحاد الاشتراكي فخلفيته يسارية علمانية، تمتح من الماركسية وغيرها. وهكذا، لا تجد أي حزب كان وإلا وله هذه الخلفية التصورية. ولا يجد أصحابه غضاضة في أن يصرحوا بذلك، كما فعل مصطفى بن علي رئيس جبهة القوى الديمقراطية، وهو حزب يساري، لم يخف خلفيته ولا توجهه، كباقي الأحزاب، وهكذا كافة الأحزاب، فلها مرجعيتها وخلفيتها الفكرية، تظهر في برامجها، وبياناتها، واقتراحاتها، ونظرتها للإصلاح والتغيير. إذن ما العيب في وجود أحزاب سياسية، ذات مرجعية إسلامية؟ حلال على الآخرين أصحاب المرجعيات الدخيلة، والمناقضة للإسلام نفسه، كمن يمتح من الماركسية، أو الاشتراكية، أو الليبرالية العلمانية. وحرام على الإسلاميين من أن يؤسسوا أحزابهم بخلفية إسلامية. وإذا كان الوزير يقر بأن هناك فراغا، تسبب حسب رأيه في ظهور الأحزاب السياسية الإسلامية، فإن الحاجة والفراغ ما زال حاصلا، مما يستدعي أن تكون لدينا أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، لتناضل من أجل تثبيت الأحكام الشرعية، والدفاع عن حقوق الناس، وتسعى إلى خدمة بلدها. فالحاجة اليوم ملحة أمام تغول العلمانية واللادينية في البلد، والذي يتحاشى الوزير ذكرهما أو انتقادهما، لأنه يبدو ليس من اختصاصه مناكفة هؤلاء، وليسوا داخلين في مسعاه الجديد، ولو اقتحموا عقبة الثوابت، التي ما فتئ الوزير توفيق يلهج بذكرها كل حين. فالفراغ داؤه وعطبه قديم، حين رسمت للعلماء حدودا لا يتجاوزونها، فكان من الطبيعي أن تهب طائفة من الغيورين على دينهم ليملؤوا الفراغ، بل إن معظمهم من أهل الشأن. ثانيا: العمل السياسي في أمتنا عريق، منذ نشأتها وفتوتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين السلطة السياسية المتمثلة في تدبير شأن دولته بالمدينة، والسلطة الدينية المتمثلة في التبليغ والهداية وغيرها. ولا تناقض بين السلطتين، ولم يعرف المسلمون الانفصام بينهما، بل هما متكاملان متآزران، لا متناقضان ومتعارضان. ثم سار صحابته الكرام على ذلك، وهو ما جرى عليه من جاء بعدهم من حيث الإطار العام. فكثرت بعد ذلك التصانيف فيما سمي بالسياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية. كل ذلك وقع والأمة مسلمة موحدة، لم يمنعها اجتماعها على الإسلام من أن تكون بها أحزاب وفرق سياسية، مما أغنى الفكر السياسي الإسلامي بنظريات كثيرة، عبر مساره التاريخي. ثالثا: إذا كان السيد الوزير يقر -لا ريب في ذلك- بتعدد المذاهب الفقهية، وتباين الاجتهادات بينها، بل قد يحصل الخلاف والتباين داخل المذهب الواحد، كما هو الشأن في المذهب المالكي، بناء على كيفية إعمال الأدلة، وقوة الاستنباط، فعندنا اجتهادات مالك، وابن القاسم، وابن رشد الجد، وغيرهم كثير. فلماذا لا يحصل مثله في الاجتهادات السياسية، فهي أيضا من قبيل الفقه، لأن كيفية تدبير الشأن العام، ليس إلهاما يحصل لبعض الناس دون آخرين، وليس بخاص بالتيارات العلمانية دون أن يكون للإسلاميين نظر واجتهاد، وإنما هو حاصل بقوة النظر. من هنا نقول بأن السيد الوزير لم يكن رأيه سديدا، ولا حكيما موفقا، لأنه حسب زعمه ظهور الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، إنما هو دخيل على الأمة، وأنه لا ينبغي تأسيس الأحزاب باسم الإسلام. فيلزم على كلامه أن لا تؤسس أحزاب باسم العلمانية، ولا باسم الاشتراكية، ولا الليبيرالية، ولا غير ذلك، لأجل أن مرجعيتها وخلفيتها مناقضة أصلا لثوابت المملكة، وعلى رأس الثوابت الإسلام، فضلا عن مناقضتها لمرجعية الأمة. وما أطلق عليه الوزير الإمامة العظمى، التي تؤطرها البيعة كما ذكر غير ما مرة، وهي مشروطة بتطبيق الشريعة وحفظ الحوزة، وهذا ما دأب عليه العلماء. إذن فما مسوغ وجود هذه الأحزاب ذات الخلفية والمرجعية المناقضة للإسلام. فإن قلت: ذلك في سياق التعددية التي تشهدها الدولة الحديثة. قلنا: فليكن كذلك الأمر مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فلماذا التفريق بينهم؟. هذا يجعلنا نجنح إلى أن الوزير توفيق، صاحب مشروع واستراتيجية، وهي إعادة تشكيل الحقل الديني، بتأميمه، ورسم الخطوط له، لا ينبغي أن يتجاوزها، ولو كانت من صميم الدين. وهذا يتماهى مع السياسة الفرنسية ونظرتها للشأن الديني زمن الحماية، كما يتماهى مع السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والحركات الإسلامية، التي تظهر جليا وواضحا من تقارير وتوصيات مؤسسة راند الاستخباراتية. رابعا: هل السياسة تفسد؟ أو هل السياسة فساد؟ مما جاء في كلمة الوزير توفيق، حينما سئل عن 'خطة تسديد التبليغ' معقبا على كلام السائلين، حسبما ذكر، 'لكنكم تسقطون في شبكة السياسة التي تفسد'. وهذا اعتراف صريح، لا يحتمل التأويل، بأن 'السياسة تفسد'، فهي فساد في فساد. وإذا كان هذا يعتبر دليلا عند الوزير لتسويغ عدم الحاجة إلى الأحزاب الإسلامية، فإنما هو دليل مناقض لما أراد الوزير، فهو يستعمل في المناقضة وإبطال كلام الوزير، ذلك أن المجال السياسي إذا كان فاسدا، أو شبكة السياسة تفسد، فهذا يعني أنه لا بد من إصلاح السياسة، ولا تنصلح إلا بتقديم نموذج إسلامي سياسي يدبر الشأن العام بمصداقية وأخلاق عالية، لأن السياسة في حقيقتها سوس وتدبير، وهذا التدبير وسياسة الأمور يحتاج إلى أمرين نص عليهما القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، الذي تولى الولاية في ظل الحاكم الكافر، وهما: العلم بكيفية التدبير، والأمانة. قال تعالى: 'وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦٓ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِيۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِين قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم' [يوسف: 54-55]. لذلك اقترح يوسف عليه السلام نفسه للولاية، ليقوم بالمصالح، لما أحس من نفسه الأهلية لذلك. وهذا المعنى هو الذي بسط الكلام عنه العلامة ابن عاشور رحمه الله وغيره من العلماء. قال رحمه الله: 'واقتراح يوسف- عليه السلام ذلك إعداد لنفسه للقيام بمصالح الأمة على سنة أهل الفضل والكمال من ارتياح نفوسهم للعلم في المصالح، ولذلك لم يسأل مالا لنفسه ولا عرضا من متاع الدنيا، ولكنه سأل أن يوليه خزائن المملكة ليحفظ الأموال ويعدل في توزيعها ويرفق بالأمة في جمعها وإبلاغها لمحالها.' (التحرير والتنوير 13/ 8). والسعي في مصالح العباد، هي في حد ذاتها عبادة، وهذا ما نص عليه المحققون من العلماء. قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في (ميزان العمل): 'فاعلم أن مراعاة مصالح العباد من جملة العبادة، بل هي أفضل العبادات. قال عليه السلام: ' الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله'. والله عز وجل إنما بعث الأنبياء 'لإقامة مصالح العباد في المعاش والمعاد' (ميزان العمل 383). فليكن أتباعهم على هذا المنوال، وعلى رأسهم سيد الأنبياء. فلا جرم أننا اليوم في حاجة ماسة لتخليق الحياة السياسية خاصة، وبث فيها روح المصداقية والنزاهة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتقديم نموذج إسلامي خالص، والأقدر على تمثيل ذلك هي الأحزاب الإسلامية، ولا ريب أنها أكدت ذلك، ويشهد لها التاريخ بذلك، بالرغم من المكائد العلنية والخفية، التي تصدر من القريب والبعيد. ولهذا فالسياسة تصير فاسدة بتصدر الفاسدين لها، وهيمنتهم على دواليبها، كما تصير نقية طاهرة بيضاء إذا ولجها الصالحون المصلحون أصحاب الهمة العالية والمصداقية. غير أن الوزير أشاح بنفسه عن هذا التفصيل، واستنكف عنه، لحاجة في نفسه وعند غيره، وهي المسكوت عنها، تفضي على لسان حالهم ومقالهم: 'إننا لسنا في حاجة إلى أحزاب إسلامية'، ونتعقب هذه المقالة: بأننا من باب أولى لسنا في حاجة إلى أحزاب تنسف ثوابت الإسلام، وتقضي على مقدرات البلد، وتبدد خيراته، وتعيده إلى التقهقر والتخلف سنوات. وإذا كان الوزير توفيق يرى العلمانية واللادينية قد اكتسحت الدولة المغربية، وهو في ذلك يلتزم الصمت، رغما عن الشعب المغربي المسلم، في الإعلام، والتعليم، والاقتصاد، والسياسة، وغير ذلك، وهو ممن يسعى جاهدا لترسيخ الثوابت، فإن ذلك لن يقع بتحنيط العلماء وإبعادهم عن الخوض في هذه المجالات، ورسم خطوط حمراء لا يمكنهم تجاوزها، وإنما تقع المحافظة على الثوابت وصيانة المجتمع المغربي من التغريب والتخريب بوجود أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، لتعيد للدولة المغربية أصالتها ومجدها وتاريخها. اللهم إلا إذا كان لا يعنيه أمر الثوابت إلا في سياق التسويق الداخلي، ورفع سيفها ضد من يعتبرهم خصوما، فهذا شيء آخر، ولا إخاله يبتغي ذلك. والحق أن الثوابت لا تستقر وتثبت إلا بقرار سياسي فعال وذي مصداقية، لا بشقشقة الكلام في المساجد، والواقع في كل المجالات بعيد عن هذه الثوابت. وختاما فإن وجود الأحزاب السياسية الإسلامية، ضرورة شرعية، وضرورة واقعية. أما كونها ضرورة شرعية فالله أمر بالإصلاح في عشرات الآيات الكريمات، ونهى عن الفساد، منها قوله تعالى: 'إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ' [هود: 88]، وقوله جل شأنه 'وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ' [الأعراف: 85]. ودعوة الأنبياء عليهم السلام دعوة إصلاح وتجديد الدين. وأما كونها ضرورة واقعية، لأن الواقع اليوم تكتسحه أحزاب ذات مشارب وعقائد وأفكار مخالفة تماما لثوابت الأمة، فوجب التدافع معها من منحى مرجعي، وكما يقال: فالطبيعة تأبى الفراغ، فإما أن يملأها الصالحون الربانيون، وإما أن يسودها الطالحون المفسدون. والعاقبة للمتقين. إيطاليا تلغراف السابق الجفاف يهدد القمح السوري والأمم المتحدة تحذر من خسائر كارثية


إيطاليا تلغراف
منذ 6 ساعات
- إيطاليا تلغراف
حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة وطنية!
إيطاليا تلغراف بقلم/ التجاني بولعوالي تم كتابة هذه المقالة في الأصل باللغة الهولندية بهدف وضع القارئ الغربي في الصورة الحقيقية لما يحصل في فلسطين وغزة. هذا القارئ الذي لا يستطيع تبيّن الحقيقة بسبب التزييف الإعلامي والتوظيف السياسي وهيمنة المفاهيم والسرديات المغلوطة، ومن بينها اعتبار المقاومة الفلسطينية عامة ومقاومة حركة حماس خاصة ممارسة إرهابية ضد المواطنين الإسرائيليين. وقد حاولنا بلورة مجموعة من الحقائق التاريخية في فقرات مختصرة ومركزة؛ لعلّ صداها يصل إلى المواطن الأوروبي والغربي المضلل إعلاميا والمقولب سياسيا والمموّه فكربا. في الحقيقة، لا يمكن وضع المسلمين كلهم في سلة واحدة، فالإسلام يتسم بتنوع ثقافي هائل قد لا نجده في ديانات وثقافات أخرى. ومرد ذلك إلى أن انتشار الإسلام وتوسعه سواء قديما عبر الفتوحات العسكرية وتنقلات التجار والرحالة، كما حصل في أسيا وأفريقيا وأجزاء مهمة من أوروبا، أو حديثا عبر الهجرة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو دراسية، حيث أصبح المسلمون يعيشون اليوم في أغلب قارات وبلدان العالم. وهذا التنوع لا يقتصر على ما هو ثقافي فقط، بل يتجاوزه إلى ما هو فقهي وقانوني وإلى طبيعة التدين الذي يتأثر بالجغرافيا والأعراف والسياسية. وقد أدى هذا إلى ظهور تيارات وتوجهات ومذاهب مختلفة ضمن الإسلام، منها ما هو فقهي، ومنها ما هو عقدي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما تمتزج فيه هذه الاختلافات كلها. وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من التيارات المحسوبة على ما يطلق عليه 'الإسلام السياسي'، سواء الجهادي، مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، أو المعتدل مثل جماعة الإخوان المسلمين بمختلف حركاتها وتفرعاتها وأحزابها السياسية التي تكاد تغطي أغلب الأقطار العربية والإسلامية، ومنها ما هو محظور كجماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وجماعة العدل والإحسان في المغرب، وغيرهما، ومنها ما هو مسموح له، مثل حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، وغيرها. ومن بين الحركات الإسلامية النشيطة والحاضرة بشكل مكثف في الإعلام والسياسة منذ سنوات طويلة، حركة المقاومة الإسلامية، التي يطلق عليها اختصارا 'حماس'، والتي ازدادت شهرة مباشرة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، لا سيما في المشهد اليومي والإعلامي الأوروبي والغربي. وقد أصبحت كلمة 'حماس' تتردد على لسان كل إنسان غربي، لكن للأسف الشديد بشكل سلبي في الغالب العام، حيث تُقدم هذه الحركة على أنها حركة إرهابية. ونستغرب كثيرا عندما نسمع صحافيين في وسائل إعلام أوروبية وغربية، من قنوات تلفزية وجرائد ومنصات إلكترونية، يتبنون أيضا هذه النظرة السلبية إلى حركة حماس، ومنهم من كنا نعتبره في السابق موضوعيا ومحايدا. وقد ساهم مثل هذا الخطاب الإعلامي المدعوم إيديولوجيا وسياسيا من دول غربية مختلفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في شيطنة حركات حماس، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، دون التمييز الموضوعي بين سياق هذه الحركة التاريخي والسياسي وسياق غيرها من الحركات المتطرفة، مثل داعش وبوكو حرام. لكن لماذا يجب علينا أن لا نضع حركة حماس في السلة نفسها ونماثلها بالحركات المتطرفة في المنطقة العربية أو خارجها؟ في الواقع، لا يمكن الإجابة بشكل سليم عن هذا السؤال دون الرجوع إلى الجذور التاريخية لهذه الحركة، وهذا ما لا يعرفه أغلب المواطنين الأوروبيين والغربيين، وغالبا بسبب تأثير وسائل الإعلام المسيسة، وتواطؤ السياسات الغربية مع السرديات الإسرائيلية. بل وهذا ما يتجاهله أيضا عدد من المثقفين والمدرسين والإعلاميين والكتاب في الغرب، والذين كان يُنتظر منهم إنصاف القضية الفلسطينية، أو على الأقل التعاطي بموضوعية مع ما يرتكب من مجازر بشعة في غزة وفلسطين منذ حوالي قرن من الزمن. ويمكن تفسير هذا التجاهل، إما بسبب الخوف من المتابعة القضائية بتهمة معاداة السامية، أو بسبب المصالح السياسية أو الشخصية، أو بسبب تأثير المناهج التربوية والتاريخية والجغرافية التي يتلقاها التلاميذ في المدارس عن تاريخ فلسطين والاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية على العموم. وعندما نتصفح المصادر التاريخية نجد أن حركة حماس ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها تاريخيا لعقود طويلة؛ إلى ثلاثينات القرن الماضي أثناء ظهور جماعة الإخوان المسلمين مع حسن البنا، وظلت القضية الفلسطينية حاضرة في أجندتها السياسية، وتُوج ذلك بفتح فرع لجماعة الإخوان المسلمين في القدس عام 1945، وافتتاح مقر رئيس للجماعة في غزة في 1946. وفي عام 1973، تأسست الجمعية الخيرية الدينية الاجتماعية في غزة كفرع لجماعة الإخوان المسلمين من طرف أحمد ياسين. والغريب في الأمر أن الكيان الإسرائيلي شجع هذه المؤسسة على التوسع، وذلك بهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) بها. هذا، إذن، عن الجذور التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وغزة بكونها الحركة – الأم لما يعرف اليوم بحماس، والتي هي اختصار لاسم الحركة الذي هو 'حركة المقاومة الإسلامية'. ومنذ ديسمبر 1987 سوف يتم الإعلان الرسمي عن حركة حماس، وقد تزامن ذلك مع الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994. وكل من يطّلع على تاريخ الحركة الإسلامية الفلسطينية عامة، وحركة المقاومة الإسلامية 'حماس' خاصة، يدرك أنه لا يمكن مماثلتها بالجماعات الإسلامية العنيفة التي ظهرت أثناء العقود الأخيرة، في مختلف البلدان العربية والإسلامية، لأنه كما يظهر من اسم هذه الحركة ومن بيانها التأسيسي في ديسمبر 1987، أنها حركة مقاومة خالصة، ظهرت كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين. وهذا يعني أنها لا تختلف سواء عن حركات المقاومة الأوروبية ضد النازية والفاشية في أربعينات القرن العشرين، أو عن حركات المقاومة في شمال أفريقيا والبلدان الإسلامية وفيتنام والهند والصين وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ضد الاستعمار الأوروبي والغربي التقليدي. لماذا أصبحت العديد من الدوائر الغربية السياسية والإعلامية والأكاديمية تتعامل اليوم مع حركة المقاومة الفلسطينية 'حماس' على أنها حركة إرهابية ينبغي محاصرتها قانونيا واقتصاديا والضرب بيد من حديد على قاداتها وأتباعها ومناصريها، بينما تقدم حركات المقاومة الأخرى في المناهج الدراسية والأبحاث الأكاديمية والبرامج الوثائقية على أن زعماءها أبطال عظماء ينبغي اعتمادهم قدوات لأطفالنا وتلامذتنا وطلابنا؟ ألم تكشف أحداث غزة الأخيرة بالملموس عن ازدواجية التعامل الأوروبي والغربي مع المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة؟ ألم يفضح ما يُمارس في غزة من إبادة وتقتيل وتشريد عن زيف السردية الإسرائيلية وكذب صناعها وداعميها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ ألا تعني الحركة الاحتجاجية الهائلة التي تشهدها أغلب البلدان الأوروبية والغربية أن الحقيقة بدأت تنكشف للعالم، وأنه بات واضحا من هو الجلاد الحقيقي ومن هي الضحية الحقيقية؟ ألا تشكل موافقة 17 دولة في الاتحاد الأوروبي على مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ضربة موجعة للعدوان الصهيوني؟ وفي الختام، نخلص إلى أن أحداث غزة الدموية والمأساوية الأخيرة التي تديرها بلا رحمة ولا إنسانية الآلة الحربية الإسرائيلية بدعم عسكري ولوجستيكي وديبلوماسي من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا وخارجها، من شأنها أن تجعل الكثير من الناس في أوروبا والغرب يعيدون النظر في السردية الإسرائيلية الزائفة حول أرض فلسطين المحتلة. وهذا ما نتوقعه لا سيما من فئة معينة من العقلاء والحكماء والشرفاء. ولعل هذا الأمر بدأ يُترجم على أرض الواقع من خلال تزايد الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية عامة وبطبيعة حركة المقاومة 'حماس' خاصة. إن الحركات الاحتجاجية التي تشهدها اليوم مختلف العواصم والمدن الأوروبية ضد المجازر الإسرائيلية في فلسطين، والتحولات التي بدأت تطرأ على المواقف السياسية الأوروبية تجاه إسرائيل، ما هي إلا دليل على أن المسألة الفلسطينية سوف تشهد منعطفا 'إيجابيا' جديدا. وإن لم يكن ذلك في الواقع الأوروبي والغربي الحالي، فعلى الأقل على مستوى التصور والوعي حيث تبدأ عملية التغيير الحقيقية، كما نعتقد. إيطاليا تلغراف


الشروق
منذ 15 ساعات
- الشروق
الذكرى المئوية لمعهد الحياة
ذكر الكاتب الكيني- الأمريكي مُوكُومَا وَانجُوجي في كتابه: 'نهضة الرواية الإفريقية'، المنشورة ترجمته العربية في سلسلة عالم المعرفة بالكويت؛ ذكر أن شعار الأوربيين في كينيا كان: 'افعلوا بالعقل ما فعله السيف بالجسد' ( ص 47). والحقيقة، أن هذا الشعار ليس في كينيا فقط أو في المستعمرات الإنجليزية فحسب، بل هو شعار الأوربيين في كل البلدان التي احتلوها، خاصة البلدان الإسلامية، حيث يعتبر الإسلام من أقوى أسباب الجهاد ضد المعتدين. لقد نال الجزائرَ من هذا الفعل نصيب موفور على أيدي الوحوش الفرنسيين، الذين كان شعارهم هو تجريدنا من سلاحنا المعنوي، المعبر عنه بلسانهم ( le désarmement moral) بهدف 'توحيشنا' (ensauvagement)، وهو ما سماه الإمام عبد الحميد بن باديس 'الموت الفكري'، عندما علق على كلام الوالي العام الفرنسي في الجزائر، موريس فيوليت، الذي قال في إحدى خطبه بأن نسبة الموتى بين أطفال الأهالي بلغت أربعين في المائة، فكتب الإمام قائلا: 'إنه إذا كان يموت من أبناء الجزائريين أربعون في المائة موتاً جسدياً، فإنه يموت منهم نحو الألف في الألف موتا فكريا، فما نلاقيه من داء الجهل أكثر مما نلاقيه من داء الموت'. الشهاب ع 9 في 7/1/1926 ص 4). وهذا ما عبر عنه الشيخ مبارك الميلي بـ 'العقل الجزائري في خطر'. (جريدة المنتقد في 6/8/1925 س 1). بسبب تجهيلهم، أو تعليمهم تعليما ضرره أكثر من نفعه، أو بتشجيع الطرقية المنحرفة المبتدعة، أو ما سماه الإماء محمد البشير الإبراهيمي: 'ضراوة الحَجاج وطراوة الحلاج'. وكما لم يستسلم آباؤنا للغزو الصليبي المادي وجاهدوه جهادا مسلحاً استمر منذ الاحتلال حتى الربع الأول من القرن العشرين، فقد جاهدوا 'ترسانة' الغزو المعنوي- وهو الأخطر- جهادا كبيرا، ولم يقعدهم عن هذا الجهاد لا قلةُ الرجال ولا انعدام المال، فقد أَنفَقُوا قليل موجودهم في سبيل وجودهم، واستلذوا الأذى واسْتَعْذَبُوا العَذَاب. من المؤسسات التي أقيمت في بلادنا لإعداد الجيل الزاحف بالمصاحف، معهد الحياة في مدينة القرارة بولاية غرداية، الذي أسس على تقوى من الله في 1925/5/21 تحت اسم 'مدرسة الشباب' ليتطور في عام 1937 إلى معهد الحياة، ولا يزال يمد الجزائر بخيرة العناصر خلقا وعلما لمواجهة قتلة العقل المسلم. لقد قام هذا المعهد المعمور على كفي رجلين هما الشيخان إبراهيم بيوض ( 1899 – 1981) وسعيد بن بلحاج شريفي ( عدون 1202 – ما 200) دون أن نبخس الآخرين أشياءهم. لقد كان الهدف من تأسيس هذا المعهد هو إعداد 'المجاهدين' الذين يواجهون الغزو الفكري الصليبي، وكان شعاره منذ أسس إلى اليوم: 'الدين والخلق قبل الثقافة، ومصلحة الجماعة والوطن قبل مصلحة الفرد'. لقد أضاء معهد الحياة الجزائر وأنار ما حولها، وقد امتد إشعاعه إلى خارج الجزائر في تونس، وليبيا، وعُمان وشرق إفريقيا.. وممن تخرجوا في هذا المعهد- وهم كثير- محمد الأخضر السائحي، صالح خوفي، محمد ناصر، بلحاج شريفي، محمد شريفي.. وقد جدد المعهد منذ سنوات ووسع، ونظم إلى درجة أنه يفوق بعض المؤسسات العليا. وقد تمنيت أن أحضر الاحتفال بهذه الذكرى في القرارة وقد دعيت، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد مسني الكبر، ووهن العظم.