
التنين الرقمي: كيف تشيّد بكين إمبراطورية بيانات لقلب موازين القوى العالمية؟
- بل تمضي اليوم في تشييد صرح تاريخي أكثر جرأة وطموحًا: إمبراطورية بيانات متكاملة، حيث للمعلومات قيمة الذهب والنفط، لتصبح الركيزة الأساسية للقوة الاقتصادية والأمن القومي.
- والشاهد هنا أن هذه الرؤية، التي يقودها الرئيس الصيني شي جين بينغ، تتجاوز حدود التطوير التقني لتؤسس لنموذج حكم سلطوي جديد، يطرح تحديًا وجوديًا على الديمقراطيات، ويعيد رسم خريطة القوة في القرن الحادي والعشرين.
البيانات: وقود النهضة الصينية
- لم يعد الحديث في بكين عن البيانات باعتبارها مجرد أداة ثانوية، فقد أعلنتها خطط الدولة رسميًا "عنصر إنتاج" جوهرياً، تتساوى أهميته مع العمالة ورأس المال والأرض.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- منح الرئيس شي جين بينغ البيانات صفة "المورد الاستراتيجي ذي التأثير الثوري"، مؤكدًا أن الهيمنة عليها هي مفتاح حسم المنافسة الدولية.
- ومن الملاحظ أن هذه الفلسفة لم تعد حبيسة التنظير، بل امتدت خيوطها لتتحكم في كل شيء؛ بدءًا من الحريات المدنية، مرورًا بأرباح عمالقة التكنولوجيا، وصولًا إلى طموح الصين الأكبر بالتربع على عرش الذكاء الاصطناعي العالمي.
- وتسير بكين بخطى محمومة لتجسيد هذه الرؤية على أرض الواقع؛ فبعد أن استلهمت في عام 2021 بعض القواعد التنظيمية من اللائحة الأوروبية لحماية البيانات، سرعان ما بدأت تبتعد عن المعايير الغربية لتؤسس نموذجها الخاص والفريد.
- واليوم، تعمل أجهزة الدولة على كافة المستويات على "تسييل" البيانات التي تمتلكها، أي تحويلها إلى أصول مالية ملموسة.
- إذ يجري تقييم كنوز المعلومات لدى الشركات الحكومية بهدف إدراجها في ميزانياتها أو تداولها في بورصات بيانات متخصصة.
- وفي خطوة مفصلية، أصدر مجلس الدولة في الثالث من يونيو الماضي، قواعد تُلزم جميع الهيئات الحكومية بتبادل بياناتها، في سعي لإنشاء "محيط بيانات وطني موحد".
الهوية الرقمية الموحدة: عين الدولة الساهرة أم قبضة "الأخ الأكبر"؟
- لعل الخطوة الأكثر جرأة وإثارة للجدل، هي إطلاق نظام "الهوية الرقمية" الموحدة في الخامس عشر من يوليو الجاري.
- بموجب هذا النظام، ستُحكِم السلطات المركزية قبضتها على سجل موحد يوثّق كل موقع وتطبيق يرتاده أي مواطن.
- وهنا سيصبح من المستحيل تقريبًا بالنسبة لشركات التكنولوجيا، ربط هوية المستخدم بنشاطه الرقمي، فلن يصلها سوى رموز مشفرة مبهمة.
- أما الدولة، فستمتلك بفضل هذا السجل عينًا لا تنام ترصد كل حركة وسكنة لمواطنيها، محققةً بذلك جنة "الأخ الأكبر"، ومانحةً نفسها قدرة غير مسبوقة على التتبع والرصد.
- بات الهدف الاستراتيجي النهائي واضحًا: إنشاء محيط بيانات وطني لا يقتصر على بيانات المستهلكين، بل يضم البيانات الصناعية والحكومية.
- سيمنح هذا التكامل الصين ميزة ساحقة، أهمها "وفورات الحجم" التي ستتيح لها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع وأكثر كفاءة من أي منافس عالمي، فضلًا عن تمكين الشركات الصغيرة من الاستفادة من هذا الكنز المعلوماتي الهائل.
سلاح ذو حدين: بين الهيمنة التقنية ووأد الابتكار
- لكن لهذا النموذج وجهه المظلم؛ إذ إن سجل الدولة الصينية في حماية البيانات سيئ السمعة، وخير دليل على ذلك فضيحة تسريب بيانات مليار مواطن من قاعدة بيانات شرطة شنغهاي.
- وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن تجريد الشركات الخاصة من ملكية البيانات التي تنتجها قد يؤدي إلى خنق روح المبادرة وقتل حوافز الابتكار والتأثير سلبًا على أرباحها.
- أما على صعيد الحريات، فمع أن نظام الهوية الرقمية قد يحل محل آليات رقابية قائمة أقل تنظيمًا، إلا أنه في جوهره يرسّخ نظامًا رقابيًا مركزيًا مرعبًا في كفاءته، ويقضي على آخر ما تبقى من مساحات الخصوصية الهشة في الفضاء الرقمي.
تحدٍ عالمي: هل يصبح النموذج الصيني إغراءً لا يُقاوم؟
- في الوقت الذي تتخبط فيه معظم دول العالم في كيفية إدارة ثورة البيانات، تقدم الصين نموذجًا جاهزًا، وإن كان ثمنه باهظًا من الحريات.
- فبينما تفكر الولايات المتحدة في الاستعانة بشركات خاصة مثل "بالانتير" لدمج بياناتها الحكومية، ويسعى الاتحاد الأوروبي لتحديث قوانينه، وترجح الهند في نظامها "آدهار" كفة الخصوصية على النمو، تضع الصين الكفاءة والسيطرة المطلقة فوق كل اعتبار.
- ويكمن جوهر التحدي في أن الديمقراطيات تجد نفسها مقيّدة بضرورة إقامة ضوابط وتوازنات لحماية حقوق الملكية والخصوصية والحريات، وهو ما يجعل مهمتها أصعب وأبطأ. في المقابل، تندفع الصين في تجربتها العملاقة دون الالتفات لهذه "القيود".
- والشاهد هنا أنه على مدى عقود، كانت الصين "التلميذ النجيب" الذي يقلّد الابتكارات الغربية، لكنها اليوم تطمح لدور "المعلّم" الذي يُظهر للعالم القيمة الاقتصادية الفائقة لمحيط البيانات الوطني.
- وإذا ما نجحت في ذلك، فإن نموذجها المركزي لن يمثل تحديًا اقتصاديًا فحسب، بل سيصبح تحديًا سياسيًا وأيديولوجيًا مباشرًا للنظام الديمقراطي العالمي.
المصدر: إيكونيميست
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 3 ساعات
- الاقتصادية
"إنفيديا" تطلب 300 ألف شريحة H20 بدعم الطلب القوي في الصين
قدمت شركة إنفيديا طلباً للحصول على 300 ألف شريحة من طراز H20 لدى شركة "تي إس إم سي" الأسبوع الماضي، وفقاً لما ذكره مصدران مطّلعان تحدثا مع رويترز، أحدهما أشار إلى أن الطلب القوي من السوق الصينية دفع إنفيديا إلى تغيير خطتها السابقة، التي كانت تقتصر على الاعتماد على المخزون المتاح لديها فقط. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد سمحت هذا الشهر باستئناف مبيعات شرائح H20 إلى الصين، لتلغي بذلك الحظر الذي فُرض في أبريل الماضي، والذي كان يهدف إلى منع وصول رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وطورت إنفيديا شريحة H20 خصيصاً للسوق الصينية بعد فرض قيود تصدير على شرائحها الأخرى أواخر عام 2023، وتتميّز H20 بقدرات حوسبة أقل مقارنةً بشرائح H100 وسلسلة Blackwell التي تُباع في الأسواق العالمية خارج الصين. ووفقاً للمصادر، ستُضاف الطلبية الجديدة إلى مخزون حالي يتراوح بين 600 و700 ألف شريحة من طراز H20. وبحسب شركة الأبحاث الأمريكية "سيمي أناليسيس"، كانت إنفيديا قد باعت نحو مليون شريحة H20 في 2024. وقال الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، خلال زيارته إلى بكين هذا الشهر، إن حجم الطلبات التي تتلقاها الشركة على شرائح H20 سيُحدّد ما إذا كانت ستُعيد تشغيل سلسلة الإنتاج، مشيراً إلى أن استئناف التصنيع سيستغرق نحو 9 أشهر. وكان تقرير لموقع "ذا إنفورميشن" قد أفاد بعد الزيارة بأن إنفيديا أبلغت عملاءها بوجود مخزون محدود من شرائح H20، ولا توجد خطط فورية لإعادة تصنيعها. وتحتاج إنفيديا إلى الحصول على تراخيص تصدير من الحكومة الأمريكية لشحن شرائح H20، وقد قالت الشركة في منتصف يوليو تموز إنها تلقّت تطمينات من السلطات الأمريكية بأنها ستحصل على التراخيص قريباً، إلا أن وزارة التجارة الأمريكية لم توافق عليها حتى الآن، بحسب ما أفاد به مصدران آخران. ورفضت كل من إنفيديا و"تي إس إم سي" التعليق على الطلبات الجديدة أو على وضع التراخيص، فيما لم ترد وزارة التجارة الأمريكية على طلب للتعليق. وطلبت إنفيديا من الشركات الصينية الراغبة في شراء شرائح H20 تقديم مستندات جديدة تتضمّن توقّعات حجم الطلب من عملائها، بحسب ما ذكره مصدران آخران. شريحة H20 في قلب الحرب التجارية بين بكين وواشنطن جاء استئناف مبيعات H20 في إطار المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين بشأن صادرات معادن الأرض النادرة، وهي عناصر حيوية في عديد من الصناعات، وكانت بكين قد فرضت قيوداً على تصديرها مع تصاعد التوترات التجارية. وقد أثار القرار انتقادات من مشرعين أمريكيين من الحزبين، أعربوا عن مخاوفهم من أن السماح ببيع H20 إلى الصين قد يضعف جهود الولايات المتحدة في الحفاظ على ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن شركة إنفيديا وغيرها من الشركات ترى أن الحفاظ على اهتمام السوق الصينية بشرائحها أمر مهم، نظراً لأن هذه الشرائح تعمل ضمن منظومة أدوات البرمجيات الخاصة بالشركة، ما يمنع المطورين في الصين من التحوّل الكامل إلى حلول منافسة مثل تلك التي تقدمها هواوي. وقبل حظر أبريل، كانت شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مثل "تينسنت" و"بايت دانس" و"علي بابا" قد كثّفت طلبياتها من شرائح H20، مع اعتمادها على نماذج ذكاء اصطناعي منخفضة التكلفة مثل DeepSeek ونماذجها الخاصة. ورغم ظهور رقائق منافسة من هواوي، فإن منتجات إنفيديا لا تزال تحظى بشعبية واسعة في الصين، ويؤكد ذلك الطلب الكبير على إصلاح شرائحها الأخرى المحظورة التي تم تهريب الكثير منها إلى السوق الصينية. وبعد حظر أبريل، كانت إنفيديا قد حذّرت من احتمال شطب مخزون بقيمة 5.5 مليار دولار، كما أشار هوانغ في مقابلة صوتية إلى أن الشركة تخلّت عن مبيعات محتملة تصل إلى 15 مليار دولار بسبب الحظر.


صحيفة سبق
منذ 3 ساعات
- صحيفة سبق
"رعاية وتحفيز الولادة".. الصين ترفع إنفاقها الاجتماعي إلى أعلى مستوى منذ جيل كامل
رفعت الصين إنفاقها الحكومي على الرعاية الاجتماعية إلى أعلى مستوى له منذ جيل، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتعزيز الاستهلاك المحلي، بحسب ما أفادت به وكالة بلومبرغ نيوز. ووصل الإنفاق العام على بنود تشمل التعليم والتوظيف والضمان الاجتماعي إلى نحو 5.7 تريليون يوان (795 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الجاري، بزيادة نسبتها 6.4% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ بدء تسجيل هذه البيانات في 2007، وفقًا لبيانات وزارة المالية الصينية. وتزامن ذلك مع تقليص بكين لاستثماراتها في البنية التحتية، حيث تراجعت مخصصات مشروعات حماية البيئة ومرافق الري والنقل بنسبة 4.5% على أساس سنوي، وسط ضغوط متزايدة على شبكة الأمان الاجتماعي التي تضررت من تبعات الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت الحكومة عن تخصيص دعم نقدي سنوي يبلغ 3600 يوان لكل طفل دون سن الثالثة، في محاولة لتحفيز الأسر على الإنجاب، بعدما انخفض معدل الولادة في البلاد بشكل حاد. وبحسب وكالة شينخوا، يُقدَّر إجمالي مخصصات هذا البرنامج بنحو 117 مليار يوان للنصف الثاني من العام، فيما يرى بنك "مورغان ستانلي" أن الكلفة السنوية قد تصل إلى 100 مليار يوان، بناء على توقعات بولادة نحو 9 ملايين طفل سنويًا. ويُنتظر أن تؤكد القيادة الصينية خلال اجتماع اقتصادي مرتقب هذا الشهر استمرارها في دعم الطلب المحلي باعتباره أولوية استراتيجية للفترة المقبلة.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
برنت يتخطى 70 دولاراً وسط تفاؤل بانحسار الحروب التجارية
ارتفعت أسعار النفط، خلال النصف الثاني من جلسة الثلاثاء، على خلفية التفاؤل بانحسار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين ومع تكثيف الرئيس دونالد ترمب الضغوط على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. وزادت العقود الآجلة لخام برنت 47 سنتاً، بما يعادل 0.7 في المائة، إلى 70.51 دولار للبرميل بحلول الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش، لتلامس أعلى مستوى منذ 18 يوليو (تموز). كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 53 سنتاً، أي 0.8 في المائة، إلى 67.24 دولار للبرميل. كانت العقود الآجلة للخامين قد ارتفعت بأكثر من 2 في المائة عند التسوية في الجلسة السابقة. وفرض الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسوم استيراد 15 في المائة على معظم سلع الاتحاد الأوروبي، وحال دون اندلاع حرب تجارية شاملة بين الحليفين الرئيسيين، التي كانت ستؤثر على نحو ثلث التجارة العالمية وتقلل من توقعات الطلب على الوقود. ونصَّ الاتفاق أيضاً على أن يشتري الاتحاد الأوروبي منتجات طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار في السنوات الثلاث القادمة، وهو ما يقول محللون إنه من شبه المستحيل أن يفي به الاتحاد الأوروبي. وجاء في الاتفاق أن تستثمر الشركات الأوروبية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة الولاية الثانية لترمب. ويجتمع مسؤولون اقتصاديون كبار من الولايات المتحدة والصين في استوكهولم الثلاثاء، لليوم الثاني لحل النزاعات الاقتصادية القائمة منذ فترة طويلة وتهدئة الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم. وحدد ترمب يوم الاثنين، مهلةً جديدة «10 أيام أو 12 يوماً» لروسيا لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا أو مواجهة عقوبات. وهدد ترمب بفرض عقوبات على كل من روسيا ومشتري صادراتها ما لم يُحرَز تقدم. وقال محللون من «آي إن جي» في مذكرة «ارتفعت أسعار النفط بعد أن قال الرئيس ترمب إنه سيقلص المهلة المحددة لروسيا للتوصل إلى اتفاق مع أوكرانيا لإنهاء الحرب، مما أثار مخاوف إزاء الإمدادات». ويترقب المتعاملون في سوق النفط أيضاً اجتماع اللجنة الاتحادية الأميركية للسوق المفتوحة يومي 29 و30 يوليو (تموز). وقالت بريانكا ساشديفا، كبيرة محللي السوق في شركة «فيليب نوفا» للسمسرة، إنه من المتوقع على نطاق واسع أن يُبقي مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) على أسعار الفائدة دون تغيير، لكنه قد يشير إلى الميل نحو سياسة التيسير النقدي وسط مؤشرات على تباطؤ التضخم.