
هل تحفز جزيئات البلاستيك مقاومة المضادات الحيوية؟
حذر باحثون من أن تلوث الجسم بالجزيئات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن يسهم في تعزيز قدرة البكتيريا والفيروسات على مقاومة تأثيرات المضادات الحيوية.
باحثون في جامعة بوسطن، قالوا الأسبوع الماضي إنهم شعروا بـ"الصدمة" عند اكتشاف أن مقاومة البكتيريا للمضادات الميكروبية تزداد عند تعرضها لجزيئات البلاستيك الدقيقة.
وأوضحت نيلا غروس، ضمن بيان صحافي أعلنت فيه عن هذا "الاكتشاف المذهل"، أن "البلاستيك يوفر سطحاً تلتصق به البكتيريا وتستعمره".
وهذه النتيجة تسلط الضوء على مشكلة كبيرة تواجه المتخصصين في المجال الطبي، إذ تشير الإحصاءات إلى أن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تسببت في وفاة 1.27 مليون شخص بصورة مباشرة عام 2019، وأسهمت في نحو 5 ملايين وفاة حول العالم، بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي السياق ذاته، أفادت "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" في الولايات المتحدة بأن أكثر من 35 ألف شخص يموتون سنوياً بسبب العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.
ومن الناحية الاقتصادية، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن مقاومة المضادات الحيوية قد تؤدي إلى زيادة في كلف الرعاية الصحية تصل إلى تريليون دولار على مدى الـ 25 عاماً المقبلة.
وبالطبع، تحمل الجزيئيات البلاستيكية الدقيقة أخطاراً صحية خاصة بها، ولكن التأثير الكامل لها في الجسم البشري لا يزال غير واضح بصورة كاملة. فقد أظهرت الدراسات الأخيرة وجودها في أماكن حساسة مثل القلب والدماغ والأعضاء التناسلية. كما جرى ربطها بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وقد تكون مرتبطة أيضاً بالخرف. وتُعد هذه الجزيئات المتناهية الصغر منتشرة على نطاق واسع في البيئة، حيث يتعرض لها البشر من خلال المنتجات الحيوانية والأدوات البلاستيكية والمياه وحتى الهواء.
وعندما تتحور البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات بمرور الوقت، قد تتوقف عن الاستجابة للأدوية، مما يجعل علاج العدوى أكثر صعوبة ويزيد من خطر انتشار الأمراض والوفيات. ويُعد الاستخدام المفرط وغير السليم للمضادات الحيوية من العوامل الرئيسة التي تسهم في تطور الكائنات المقاومة للأدوية والتي تسبب الأمراض.
وفي ضوء هذا التحدي، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن العالم يواجه "أزمة في إمدادات المضادات الحيوية وإمكان الوصول إليها"، نظراً إلى عدم كفاية الأبحاث والتطوير في ظل تزايد مستويات المقاومة.
كما أن مقاومة العوامل المضادة للميكروبات تؤثر بصورة غير متناسبة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث يؤدي الفقر وعدم المساواة إلى تفاقم العوامل المسببة لهذه المشكلة وعواقبها.
وقال محمد زمان، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية من كلية الهندسة في جامعة بوسطن: "كثيراً ما كانت مقاومة المضادات الحيوية مرتبطة بسلوك المرضى، مثل عدم اتباع تعليمات تناول الأدوية، لكن الحقيقة هي أن الأشخاص لا يختارون العيش في بيئة معينة، والواقع أن بعض الأفراد أكثر عرضة للإصابة بعدوى مقاومة للمضادات الحيوية".
وللتوصل إلى هذه النتائج، قام مختبر زمان بدراسة كيفية تفاعل بكتيريا الإشريكية القولونية (المعروفة بأنها تسهم في الأمراض المنقولة عبر الغذاء) في بيئة مغلقة تحوي الجزيئيات البلاستيكية الدقيقة. عندما تلتصق البكتيريا بأي سطح، تفرز مادة لزجة تشكل درعاً يحميها ويثبتها في مكانها. وخلال التجارب، لاحظ الباحثون أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة التي استخدموها عززت هذا الدرع إلى حد كبير، لدرجة أن المضادات الحيوية لم تتمكن من اختراقه.
وقالت غروس: "وجدنا أن الأغشية الحيوية على الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، مقارنة بالأسطح الأخرى مثل الزجاج، أقوى وأكثر سماكة بكثير، تماماً كما لو كان المنزل محاطاً بعازل سميك للغاية. لقد كان الأمر مذهلاً حقاً". غروس هي المؤلفة الرئيسة لهذا البحث الذي نشر في مجلة "العلم التطبيقي للأحياء البيئية المجهرية" Journal Applied and Environmental Microbiology.
وفي إطار التجارب، أجرى الباحثون التجربة نفسها مرات عدة، وظلت النتائج ثابتة في كل مرة: البكتيريا التي تعرضت للجسيمات البلاستيكية أصبحت مقاومة لأنواع متعددة من المضادات الحيوية التي تستخدم عادة في علاج العدوى.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد زمان: "نحن نثبت أن وجود البلاستيك لا يقتصر على توفير سطح للبكتيريا للالتصاق به فحسب، بل إنه يسهم فعلياً في تطور كائنات مقاومة".
إلى جانب ذلك، تكمن الخطوة التالية في فهم كيفية تطبيق هذه النتائج في الحياة الواقعية، وتحديد الآليات التي تمكن البكتيريا من الالتصاق بالبلاستيك. كما أشار المؤلفون إلى احتمال أن تمتص الجزيئات البلاستيكية التي تبدأ باحتواء الرطوبة مع مرور الوقت، المضادات الحيوية قبل أن تصل إلى البكتيريا المستهدفة.
وعلى رغم ذلك، لا يزال من الضروري إجراء مزيد من الأبحاث لفهم تأثير الجزيئيات البلاستيكية الدقيقة بصورة كاملة.
في النهاية، تؤكد منظمة الصحة العالمية الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير إضافية لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات الجديدة والقائمة، فضلاً عن الأدوية الأخرى.
وقال زمان: هناك بالتأكيد مخاوف من أن تشكل هذه الظاهرة خطراً أكبر في المجتمعات المحرومة، مما يبرز الحاجة إلى مزيد من اليقظة وفهم أعمق للتفاعلات بين الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والبكتيريا".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
رحلة بحث السودانيين عن دواء في الخرطوم مريرة
مع دخول حرب السودان المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" عامها الثالث، لا يزال النظام الصحي يعاني تداعيات كارثية، وسط تحذيرات من انتشار الأمراض والأوبئة، وبخاصة أن البلاد على أعتاب بدء موسم الخريف، مما يسهم في توالد النواقل المسببة للأمراض في ظل خروج المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، إضافة إلى انقطاع خدمات البيئة. في خضم هذه التداعيات ظهرت أزمة خانقة في الدواء داخل العاصمة وعلى وجه التحديد مدينة الخرطوم، على رغم تقدم الجيش الذي أعلن خلوها من قوات "الدعم السريع"، مما أدى إلى عودة النازحين إلى مناطقهم وتزايد أعداد طالبي العلاج، خلال وقت تعرضت فيه أكثر من 60 في المئة من الصيدليات للنهب، إلى جانب مستودعات الدواء التي طاولها الدمار والتلف. وبحسب ناشطين في غرف الطوارئ، فإن المرضى الموجودين في الخرطوم يعيشون قلقاً مستمراً جراء البحث عن المستشفيات العاملة في ظل الحرب، علاوة على الدواء، مما يضطرهم إلى مواصلة البحث داخل مدينة أم درمان في ظل أزمة المواصلات وزيادة تعرفتها". وأرجع الناشطون أزمة الدواء إلى احتمال وجود خلل إداري حكومي أو مخاوف المستثمرين في هذا النشاط من نقل الشحنات إلى الخرطوم وتعرضها للسلب، مع عدم توافر مخازن أو القدرة الشرائية الناتجة من توقف سبل كسب العيش. وكانت وزارة الصحة السودانية أوضحت في تقاريرها بعد مرور عامين من اندلاع الصراع، أن الحرب أسفرت عن أزمة صحية متفاقمة، إذ بات النظام الصحي أحد ضحايا النزاع المستمر، فضلاً عن إفراز تحديات ومشكلات أثرت في صحة المواطن، مبينة أن خسائر القطاع الصحي المادية بلغت نحو 11 مليار دولار، وتعطيل أكثر من 250 مستشفى في القطاعين الخاص والعام شملت المباني والأجهزة والمعدات الطبية وسيارات الإسعاف والأدوية، وكذلك المعينات والمستهلكات ومستودعات الإمدادات الطبية. وأشارت الوزارة إلى أن هناك مساعي لإعادة المستشفيات والمراكز الصحية للخدمة بصورة تدرجية نظراً إلى حجم الدمار الكبير الذي لحق بهذا القطاع. ويأتي ذلك خلال وقت أشارت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن السودان يشهد تفشي عدداً من الأمراض مثل الملاريا والكوليرا والتيفويد والدفتريا والإسهالات المائية والحصبة، نتيجة سوء الأوضاع المعيشية وإيقاف حملات التطعيم، لافتة إلى أن نحو 60 في المئة من سكانه البالغ عددهم 49 مليون نسمة في حاجة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الرعاية الصحية في ظل انهيار النظام الصحي بصورة تامة. تفاقم المعاناة تقول المواطنة سعاد آدم التي وصلت إلى ضاحية الصحافة بالخرطوم بعد رحلة نزوح طويلة داخل ولاية نهر النيل إن "فترة ما قبل الحرب كان الوضع الصحي مستقراً وكنت تحت مظلة التأمين الصحي، فأنا أعاني مرضي السكر والضغط، إذ أتابع شهرياً وأتلقى من خلالها الرعاية الصحية من تحاليل شاملة وصرف الدواء المدعوم، لكن اندلاع الحرب أدى إلى خروج المستشفيات والمراكز الصحية التي كانت تنتشر بكثافة وسط الأحياء السكنية وفقدنا معها المتابعة والرعاية الطبية، لذلك يضطر غالب المرضى للتنقل والبحث عن المستشفيات والدواء لعدم توافرهما، والآن يوجد مستشفى وحيد يوفر الخدمات العلاجية في مدينة أم درمان، لكنه يواجه ضغطاً كبيراً نظراً إلى كثرة المرضى مقابل شح المستشفيات". وأضافت آدم "عقب وصولنا إلى منزلنا بعد فترة النزوح وجدنا سكان منطقتنا في حال يرثى لها من سوء أوضاع صحية وانتشار مريع للأمراض والأوبئة، وبخاصة الملاريا والكوليرا والإسهالات المائية، إلى جانب الأمراض المزمنة في ظل انعدام الدواء وصعوبة الحصول عليه إلا من أم درمان التي تعيش استقراراً نسبياً، لا سيما أزمة المواصلات وارتفاع تعرفتها، علاوة على تصاعد كلفة الأدوية، إذ إن الزيادة مطردة وكل يوم يشهد سعراً جديداً في ظل اتساع نشاط السوق السوداء نتيجة لعدم الرقابة، خلال وقت يعجز كثير من المرضى عن شراء حاجتهم من الدواء لعدم امتلاكهم المال بسبب فقدانهم أعمالهم والدخل اليومي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتابعت المتحدثة قولها "أزمة الدواء جعلت المواطنين يلجأون للتداوي بالأعشاب، وبخاصة استخدام القرض والكركديه، بعد نقعهما معاً والمداومة على تناولهما بصورة يومية، إذ لا توجد فترة زمنية محددة للعلاج فيما يواظب المريض على تناولهما حتى يشعر بالتحسن، فضلاً عن أن هذه الطريقة الشائعة لا تعد علاجاً ناجعاً للقضاء على الملاريا ولكنها تخفف حدة الآلام الناتجة من الحمى، بينما يلجأ أصحاب الأمراض المزمنة الذين يعانون الضغط والسكر إلى شراب القرفة وأعشاب الحرجل بعد غليهما، علاوة على بدائل أخرى استخداماتها متعددة ومتوافرة في الأسواق الشعبية". وتوقعت آدم أن يؤدي تحرير ولاية الخرطوم بصورة كاملة من قبضة قوات "الدعم السريع" وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين العالقين والعائدين إلى حدوث انفراج في جميع أوجه الحياة، خصوصاً الغذاء والدواء وعودة المستشفيات إلى الخدمة. مسرح للمعارك في السياق، أوضح عضو غرفة طوارئ الخرطوم الوليد كمال الدين أن "المواطنين في الخرطوم يشكون من انعدام الرعاية الصحية مع تفاقم الأمراض والأوبئة، وبخاصة الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، إذ إن المستشفيات العاملة تفتقر للكوادر والمعينات الطبية والعلاجات المنقذة للحياة، مما جعل سكان منطقة جبل أولياء الواقعة في أقصى جنوب الخرطوم يجوبون بمكبرات الصوت، للمطالبة بإغلاق المراكز الصحية التي أصبحت غير مجدية ولا تقدم أبسط الخدمات الطبية، فضلاً عن افتقارها لأي نوع من الدواء". وأردف كمال الدين "أصبحت العقاقير الطبية متوافرة إلى حد ما في أم درمان، وبخاصة داخل المستشفيات التي ظلت تعمل وتقاوم طوال أشهر الحرب، لكن من المؤسف أن هناك صعوبة في الوصول إليها لبعد المسافة التي تصل إلى أكثر من 70 كيلومتراً، لا سيما أن أعضاء غرف الطوارئ يبذلون جهداً مقدراً لمساعدة المرضى من أجل توفير الدواء وغيره من الحاجات الملحة، لكن هذه الفرق تواجه حملات ممنهجة من جهات معروفة للحد من مزاولة مهامها، مما يعد تهديداً واضحاً واستهدافاً للعمل الإنساني الذي ظل الناشطون والمتطوعون يمارسونه لأكثر من عامين، فضلاً عن أن عودة النازحين ضمن هذه الظروف القاسية تتطلب مزيداً من المساندة". وأشار عضو غرفة الطوارئ إلى أن الأجسام التي كونت خلال فترة الحرب وعرفت باسم غرف الطوارئ المجانية ظلت تقدم خدمات مضاعفة للمدنيين في ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، بالتالي يجب أن تواصل في خدماتها التطوعية دون مضايقات حتى ينصلح حال البلاد وتعود الحياة إلى طبيعتها. شح ومخاوف وعلى الصعيد نفسه عزا الصيدلاني أبو عبيدة عبدالغفار ندرة الدواء إلى مخاوف شركات الأدوية من عمليات النهب الواسعة في الخرطوم، وقال إن "تفاقم معاناة المرضى في الحصول على الدواء منذ اندلاع الشرارة الأولى للصراع بسبب إغلاق الصيدليات وتعرضها للنهب والسرقة، إلى جانب عدم توافر مستودعات آمنة في الخرطوم خلال الوقت الحالي لتخزين الأدوية، إذ دمرت بالكامل خلال سيطرة 'الدعم السريع' على ولاية الخرطوم". وزاد عبدالغفار "على سبيل المثال أن مخازن الإمدادات الطبية التابعة للحكومة طاولها التخريب، والذي شمل الأدوية ومعدات ومستهلكات طبية قيمتها تقدر بأكثر من 500 مليون دولار، مما شكل فجوة كبيرة في عدم الحصول على الدواء، وبخاصة أن البلاد تعاني الأمراض والأوبئة في ظل انتشار الجثث المتحللة مع الافتقار للمستشفيات". ولفت الصيدلاني إلى أنه "بات من المؤكد أن شح الأدوية في الخرطوم ناتج من مخاوف شركات الأدوية من عمليات النهب، حتى في المناطق المحررة لعدم بسط الشرطة الأمن بصورة كاملة، لذلك تخشى الشركات من المخاطرة بجلب الدواء إلى الخرطوم في ظل هذه التهديدات، إذ يجب توفير ضمانات وحماية من الشرطة لكي يصبح انسياب الدواء مستمراً دون قلق".


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
بريطانيا ترصد فيروس غرب النيل للمرة الأولى في بعوض
أعلنت وكالة الأمن الصحي البريطانية أمس الأربعاء أنها اكتشفت للمرة الأولى فيروس غرب النيل في بعوض جُمع داخل البلاد. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الفيروس، الذي ينتقل في الغالب إلى البشر عبر لدغات البعوض، قد يسبب حالات مرضية حرجة تهدد الحياة لدى حالة واحدة تقريباً من بين كل 150 إصابة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقالت وكالة الأمن الصحي البريطانية إنه لا دليل حتى الآن يشير إلى انتشار الفيروس بين الطيور أو البعوض في المملكة المتحدة، مضيفة أن الخطر على عامة الناس منخفض للغاية. وأكدت الوكالة أنه حتى الساعة لم تُرصد أية إصابة لدى البشر أو الأحصنة في المملكة المتحدة بفيروس غرب النيل.


الشرق السعودية
منذ 6 ساعات
- الشرق السعودية
هل يحتوي الدماغ البشري على مواد بلاستيكية دقيقة؟ دراسة تجيب
أظهرت مجموعة من الأبحاث المنشورة في عدد مايو من مجلة "برين ميديسين" (Brain Medicine) أدلة متزايدة على أن جزيئات البلاستيك الدقيقة الموجودة في الأغذية المعالجة قد تتراكم في أدمغة البشر، وربما تساهم في ارتفاع المعدلات العالمية للاكتئاب والخرف واضطرابات الصحة العقلية الأخرى. وتقدم هذه الدراسات التحليل الأكثر شمولاً حتى الآن للطرق المتعددة والمترابطة التي قد تؤثر بها هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الدماغ من خلال مسارات بيولوجية متعددة مترابطة. تصوَّر غلاف المجلة لشهر مايو 2025 دماغاً بشرياً مرصَّعاً بجزيئات بلاستيكية دقيقة ملونة، بجانب ملعقة بلاستيكية، وهو تعبير مرئي صادم عن الاكتشاف الرئيسي الذي يشير إلى احتواء الأدمغة البشرية على ما يعادل "ملعقة" من المواد البلاستيكية الدقيقة. البلاستيك في الجسم البشري وتستكشف 3 أوراق بحثية جديدة هذه القضية بالتفصيل، إلى جانب تعليق علمي سبق نشره إلكترونياً حول إزالة الجسيمات البلاستيكية من الجسم البشري. طرح الباحثون فرضية جديدة تربط بين استهلاك الأغذية المعالجة، والتعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة ونتائج الصحة العقلية. فكيف وصل البلاستيك إلى أدمغتنا؟ توجد الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في كل مكان حولنا، في الهواء والماء والطعام. وأشارت تقديرات إلى أن البشر يستهلكون ما بين 10 إلى 40 مليون طن من هذه الجسيمات سنوياً، مع توقعات بتضاعف هذه الكمية بحلول عام 2040. تأثير الجسيمات البلاستيكية وعلى الرغم من أن الأبحاث بشأن تأثير الجسيمات البلاستيكية على البشر لا تزال في مراحلها المبكرة، فإن الدراسات المخبرية والحيوانية تشير إلى أن التعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من الآثار الصحية الخطيرة، حيث تسبب الإجهاد التأكسدي نتيجة اختلال التوازن بين الجذور الحرة ومضادات الأكسدة، مما يؤدي إلى تلف الخلايا، كما تحفز التهابات مزمنة في الأنسجة والأعضاء. وبالتوازي، تُضعف هذه الجسيمات وظائف الجهاز المناعي، ما يزيد قابلية الجسم للعدوى والأمراض. ومع استمرار التعرض، يظهر تلف في الأعضاء مثل الكبد والكلى، واضطرابات في التمثيل الغذائي تؤثر على معالجة الطاقة والعناصر الغذائية. أما الأثر الأكثر إثارة للقلق فهو تسرب هذه الجسيمات إلى الدماغ، حيث تساهم في زيادة خطر الأمراض العصبية مثل الخرف، من خلال التسبب في التهابات عصبية، وتراكم البروتينات السامة التي تدمر الخلايا العصبية مع الزمن. على سبيل المثال، وجدت دراسة سابقة أن الأشخاص الذين تحتوي لويحات الشرايين لديهم على جسيمات بلاستيكية كانوا أكثر عُرضة للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. كما أظهرت دراسة أخرى أن براز مرضى التهاب الأمعاء يحتوي على كمية أكبر من الجسيمات البلاستيكية مقارنة بالأصحاء. وأكدت بعض الدراسات على التركيز العالي للجسيمات البلاستيكية في الدماغ، خاصة تلك الأصغر من 200 نانومتر والمصنوعة من البولي إيثيلين. وفي تجارب على الأسماك، تسببت الجسيمات النانوية البلاستيكية في انخفاض النشاط الحركي والقدرة على الصيد، أما في الفئران، فقد أدى التعرض للبلاستيك لمدة 8 أسابيع إلى ضعف في الذاكرة والتهابات عصبية. تقليل مخاطر الجسيمات البلاستيكية في ظل الانتشار الواسع للجسيمات البلاستيكية في البيئة المحيطة، يصبح التخلص الكامل من التعرض لها أمراً مستحيلاً، لكن تظل هناك إجراءات عملية يمكن اتباعها لتقليل المخاطر الصحية الناتجة عنها. من أهم هذه الإجراءات التحول من المياه المعبأة في زجاجات بلاستيكية إلى مياه الصنبور، إذ يساهم هذا التغيير البسيط في خفض كمية الجسيمات البلاستيكية المستهلَكة من 90 ألف إلى 4 آلاف جسيم سنوياً. كما ينبغي تجنب استخدام الأواني البلاستيكية في تسخين الطعام، وخاصة في أفران الميكروويف، لأن الحرارة العالية تسبب انطلاق مليارات الجسيمات الدقيقة من هذه المواد. وأوصى الخبراء أيضاً بالتقليل من تناول الأغذية المعالجة اصطناعياً، مثل قطع الدجاج الجاهزة، والتي تحتوي على تركيزات أعلى بكثير من الجسيمات البلاستيكية مقارنة بالأطعمة الطازجة. ومن الإجراءات الوقائية المهمة استبدال العبوات البلاستيكية بأخرى زجاجية، أو معدنية لتخزين الأغذية، بالإضافة إلى استخدام فلاتر هواء عالية الكفاءة (HEPA) التي تزيل ما يصل إلى 99.97% من الجسيمات العالقة في الهواء، بما فيها الجسيمات البلاستيكية. وقال المؤلف الرئيسي لإحدى الدراسات، نيكولاس فابيانو، الباحث في جامعة "أوتاوا"، إن الأغذية المعالجة تشكل أكثر من 50% من السعرات الحرارية المستهلكة في بعض الدول، وهي تحتوي على تركيزات أعلى بكثير من الجسيمات البلاستيكية مقارنة بالأغذية الطبيعية، مع إمكانية عبور هذه الجسيمات للحاجز الدموي الدماغي والتراكم بكميات مقلقة. الأغذية المعالجة والمشكلات العقلية وكشفت البيانات عن علاقة مثيرة للقلق بين استهلاك الأغذية المعالجة والمشكلات العقلية، إذ تزيد مخاطر الاكتئاب بنسبة 22%، والقلق بنسبة 48%، واضطرابات النوم بنسبة 41% لدى مستهلكي هذه الأغذية. وتكمن الخطورة في أن الأغذية المعالجة مثل قطع الدجاج الجاهزة تحتوي على 30 ضعفاً من الجسيمات البلاستيكية مقارنة بلحوم الدجاج الطازجة. كما وجدت دراسات حديثة في "نيتشر ميديسين" (Nature Medicine) تركيزات أعلى بثلاث إلى خمس مرات من الجسيمات البلاستيكية في أدمغة المصابين بالخرف. وأشار الباحثون إلى تشابه آليات الضرر الناتجة عن الأغذية المعالجة والجسيمات البلاستيكية، إذ تؤثر كلتاهما على الالتهاب، والإجهاد التأكسدي، ووظائف الميتوكوندريا، وأنظمة الناقلات العصبية. ودعا العلماء إلى تطوير مؤشر غذائي لقياس التعرض للجسيمات البلاستيكية من خلال الطعام. وفي مسار موازٍ، بحثت دراسة أخرى إمكانية استخدام "تقنية الفصادة العلاجية" (فصل مكونات معينة من الدم بهدف علاج أمراض محددة)، لإزالة الجسيمات البلاستيكية من الدورة الدموية، رغم الحاجة إلى مزيد من الأبحاث في هذا المجال. وأكد الباحثون ضرورة خفض استهلاك الأغذية المعالجة، مع تطوير طرق أفضل للكشف عن الجسيمات البلاستيكية وإزالتها من الجسم البشري. أما فيما يتعلق بإمكانية التخلص من الجسيمات البلاستيكية المتراكمة في الجسم، فإن الأدلة العلمية الحالية لا تزال غير كافية لتأكيد وجود طرق فعالة لذلك. ولفتت بعض الدراسات الأولية إلى أن التعرق قد يكون وسيلة لإخراج بعض المركبات البلاستيكية، مثل "ثنائي الفينول أ"، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث لفهم آليات التخلص من هذه المواد بشكل كامل. وذكرت الدراسة أنه يجب أن تركز الأبحاث العلمية على عدة محاور رئيسية، منها تحديد المستويات الآمنة للتعرض للجسيمات البلاستيكية، ودراسة العلاقة بين التعرض المزمن لهذه المواد والإصابة بالأمراض المزمنة مثل الخرف والاضطرابات الهرمونية. كما يُعد تطوير طرق أكثر دقة لرصد وتتبع الجسيمات البلاستيكية في أنسجة الجسم البشري من الأولويات البحثية الملحة؛ لفهم التأثيرات الصحية لهذه المواد بشكل أفضل.