logo
الجزائر أمس وغزة اليوم.. ما أشبه اليوم بالبارحة

الجزائر أمس وغزة اليوم.. ما أشبه اليوم بالبارحة

الخبر١١-٠٥-٢٠٢٥

أحيى الشعب الجزائري ذكرى مجازر الثامن من ماي 1945، حيث راح ضحيتها أكثر من خمسة وأربعين ألف مواطن جزائري بريء، ذنبه أنه طالب بحريته واستقلال بلاده، ولكن المستدمر الفرنسي أبى إلا أن يكافئ الجزائريين الذين حاربوا في صفوفه ضد ألمانيا النازية بالبطش والقتل والتنكيل والإبادة.
إذ يحيي الجزائريون هذه الذكرى الأليمة في هذه الأيام، ترتكب الغطرسة الإسرائيلية بتواطؤ وسكوت العالم أجمع مذابح ومجازر يومية لإخواننا في فلسطين وغزة بالذات، حيث يعاني إخواننا في غزة وفي فلسطين شتى أنواع الظلم والاضطهاد والتخطيط لتهجيرهم من أرضهم وأرض أجدادهم منذ آلاف السنين، آلة الحرب التي لا تفتأ تهدأ من قتلهم وإبادتهم جميعا، نساء وأطفالا وشيوخا، على مرأى ومسمع العالم أجمع، وبسكوت وتواطؤ الجيران من العرب والمسلمين دون أن يحرك فينا وفي هؤلاء جميعا أي مشاعر أو إحساس بوجوب نصرتهم وحمايتهم من هذا العدوان الغاشم؛ مع العلم بأن عدم نصرتهم وتركهم لليهود الغاصبين يفعلون بهم ما يشاؤون إثم كبير وتخاذل عظيم.
في غزة الآن دفاع عن النفس، معاناة وألم وجراح وجوع وتشريد، كما عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
سجل التاريخ أن بني إسرائيل كانوا هم ألأم وأمكر خلق وقف ضد الإسلام والمسلمين؛ ولقد استخدمت الصهيونية والصليبية في العصر الحديث من ألوان الحرب والكيد والمكر أضعاف ما استخدمته طوال القرون الماضية، وهي في هذه الفترة بالذات تصرّ على إزالة هذا الدين بجملته؛ وتحسب أنها تدخل معه في المعركة الأخيرة الفاصلة. لذلك، تستخدم جميع الأساليب التي جربتها في القرون الماضية كلها، بالإضافة إلى ما استحدثته منها، جملة واحدة!
والحرب المشتعلة الآن في فلسطين، وإبادة الحياة كلها في غزة، لهي أحدث هذه المحاولات لإبادة المسلمين وإسلامهم بكل بشاعة؛ الإبادة في كل مجالات الحياة، وبكل أسلحة الدمار التي أنتجتها مصانعهم في أمريكا وأوروبا وإسرائيل. إنها المعركة الوحشية الضارية، يخوضها اليهود والنصارى والماسونية والصهيونية العالمية، مع هذا الدين الإسلامي وأهله في غزة.
منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في 15 ماي 1948، ارتكبت عددا من الجرائم والمجازر في حق الشعب الفلسطيني، كثير منها ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعية. ومن أبرز الأمثلة على جرائم الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ما وقع في حرب 1948 وحرب 1967، وكذا مذابح صبرا وشاتيلا ودير ياسين والطنطورة ومذبحة خان يونس وكفر قاسم ومجزرة الحرم الإبراهيمي ومذبحة مخيم جنين، كما أمعنت إسرائيل في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في سلسلة من الاعتداءات التي ارتكبتها في قطاع غزة في سنوات 2008 و2009 و2012 و2014 و2021. وفي أكتوبر 2023، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما غير مسبوق على القطاع، استمر أكثر من سنة ونصف، وتجاوزت الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي كل الحدود والخطوط الحمراء، دون وجود موقف حازم من المجتمع الدولي لوضع حد لهذا العدوان.
وما يقع اليوم في الحرب على إخواننا في غزة معركة تاريخية ونقطة تحول وتغيير في المنطقة، حقد يهودي متجدد وشعب مضطهد صامد، ومجاهدون مؤمنون ثابتون، ومنافقون يتربصون ويخونون، والشعوب تغلي غضبا، والعالم الدولي ما بين متفرج أو مشارك، ودولنا العربية في تفرق وضعف، وانقسام للصف، وخذلان مهين. وعلى علماء الأمة واجب المدافعة بإعلان النصرة لإخواننا هناك، وتوجيههم والتضامن معهم، وحث الأمة على دعمهم والوقوف معهم، ومخاطبة الأعداء من اليهود والأمريكان بالكف عن الظلم والعدوان، وتهديدهم إن لم يكفوا بتوجيه الأمة إلى الانتقام ورد العدوان وإلحاق الأذى بمصالحه. وعلى الأغنياء في هذه الأمة واجب المدافعة، بدعمهم بالمال الذي يخفف من معاناتهم ويعينهم على جهاد أعدائهم. وعلى أصحاب الأقلام والمنابر الإعلامية النَّفرة لنصرة إخواننا هناك؛ بالتعريف بقضيتهم، وفضح أعدائهم من الكفرة والمنافقين، وإظهار صور الظلم والعدوان التي يواجهونها، ومخاطبة الأمة بالوقوف معهم ونصرتهم. وعلى المسلمين عامة واجب المدافعة؛ بالاهتمام بشؤونهم، والحزن لمصابهم، والدعاء لهم، ودعمهم قدر الإمكان.
إن أمل المظلومين في فلسطين، وأمل الأحرار في هذه الأمة، معقود بعد الله بموقف شجاع من الحكام العرب والمسلمين، والروح الأبية للشعوب، لدفع المظالم ونصرة المظلومين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!
في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

الشروق

timeمنذ 39 دقائق

  • الشروق

في عصر الشعوذة… ما أحوج الجزائريين إلى فكر بن نبي!

عاشت الجزائر، خلال الأيام الأخيرة، حدثين بارزيّن في اتجاهين متعاكسين، لكن أحدهما استأثر باهتمام الجمهور على نطاق واسع، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما توارى الثاني في زحمة الأخبار وزخم الحياة اليومية للجزائريين. يتعلق الحدث الأول بحملات تطوّع قادها شباب وجمعيات لتنظيف المقابر عبر الوطن، وهي مبادرة رائعة يقينا، تستحق الإشادة والتشجيع، غير أن اللافت فيها هو الإفراط في حديث الأوهام عن أعمال الشعوذة، حتى يظن المتابع أن هؤلاء السحرة لهم القدرة الخارقة على تعطيل حياة الناس خارج الأسباب السّننيّة والإرادة الإلهيّة. إن مثل هذه المعتقدات الخرافيّة ليست إلا تجليات ثقافيّة واجتماعيّة لحالة التخلّف العقلي والدّرك الحضاري، بل هي من صور الاهتزاز العقدي والإيماني لدى المسلم، حين يصبح تفكيره السلبي يتماهى مع منطق العبثيّة في خلق الكون، أي أنّ البارئ، جلّى في علاه، قد خلق الحياة بكل أبعادها، ثم تركها سبهللا، من غير قوانين سببيّة ضابطة، حيث تؤول فيها مصائر العباد إلى شياطين الإنس والجان، وفق تصوّر الخرافييّن! لكن دعونا نعود إلى الحدث الأهمّ، وإن كان خافت الصدى تحت صخب الدروشة، وهو إطلاق 'الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية'، بمبادرة راقية من مؤسسة 'آفاق للدراسات والتدريب'، لأجل مناقشة ونشر وتسليط الضوء على الرجل من منظور حديث. نحن على يقين جازم بأنّ ما أصاب عقولنا الكليلة من علل فكرية وقلوبنا السقيمة من أدواء إيمانيّة، سببه الابتعاد عن قراءة مثل أفكار بن نبي والعمل بها في تمثّل الإسلام عقيدة وفهما وسلوكا فرديّا واجتماعيّا، حتى وقع المجتمع في عمومه ضحيّة الدروشة والتفكير البدائي الساذج. في أحد مؤلفاته الزاخرة فكرا وعمقا وتأملا في التخلّف الحضاري للأمة العربية الإسلامية، صرحت نجلة مالك بن نبي، رحمه الله، أن والدها أسرّ لها، مطلع سبعينيّات القرن العشرين، أنه لا يكتب لجيله، لكن ستأتي أجيال أخرى بعد 30 سنة تقرأه وتفهم أطروحاته. نحن اليوم تجاوزنا نصف قرن من رحيل العقل الملهم فكريّا والقلب المهموم وجدانيّا بمصير الأمة، ولا شكّ أن استشرافه باحتفاء الأجيال اللاحقة بأفكاره قد صدق نسبيّا، بل إنه انتقل أبعد من المستوى المحلّي، حتى صار بن نبي في صدارة المفكّرين الكبار من العرب والمسلمين، بينما لا نزال عن ذخائره غافلين؟ ها هي أعماله وتراثه النفيس الذي 'جمع بين ثقافتي الشرق والغرب، وبين الفهم والحكم الشرعي وبين عمق الفكرة وإشراق الروح'، يملأ المكتبات من طنجة إلى جاكرتا وعبر جامعات العالم في أقطاره الخمس، مثلما يتردّد صداها في المنتديات الثقافية والفكرية والأكاديمية الدولية، لأنّ الفكر الأصيل المنطلق والرصين النهج والعميق النظر والدقيق التحليل والتشخيص والاستشراف لا تحدّه الأقطار ولا يحول دون انتشاره الحصار. كم ضايق الاستعمار الفرنسي بن نبي كي يحرمه من العلم أولا، ثم من نشر فكره الواعي ثانيا، مثلما ظلّ 'مضطهدا' معنويّا في دولة الاستقلال، خوفا من إشعاع ثورة العقل والروح التي حمل لواءها عبر كتبه ومقالاته، لكن التاريخ كتب لها في النهاية القبول والصدى بين النخب وأفراد الأمّة، بل إنها أضحت مرجعا رئيسا في تفكيك أزمة التخلّف العربي ورسم معالم الاستئناف الحضاري الإسلامي. ينبغي الإشارة إلى أن المؤسسة الرسمية في الجزائر بدأت، منذ سنوات، تعيد الاعتبار لمالك بن نبي عبر ملتقيات متخصّصة، وهي كلها مبادرات محمودة وخطوات مهمة على طريق محاربة التنكّر والنسيان، غير أنها تبقى جهودا محدودة وغير كافية لإيفاء هذه القامة الفكريّة العالمية حقها من الامتنان والتقدير والاستفادة من فتوحاتها العقليّة في التخلّص من معضلة التخلّف القومي عن مواكبة الركب الحضاري الإنساني. إن الاهتمام الجادّ بفكر بن نبي لا تترجمه ندوات موسمية مغلقة أو ومضات إعلامية في نشرات الأخبار، لتغطية نشاطات ثقافية هنا وهناك، بل ينبغي أن يتوجّه رأسا إلى طبع كل مؤلفاته، وتدارسها وإعادة قراءتها نقديّا في ضوء التحوّلات والرهانات الطارئة، خاصة منها ما تعلق بشروط النهضة والصراع الفكري والمسألة الثقافية والقضايا الكبرى التي اشتغل عليها دهرا من الزمن والمكابدة النفسيّة، وما تعلق بها من أبحاث ودراسات نقدية رصينة. وليس المقصود بذلك استنهاض القطاع التجاري الخاص ولا حتّى المؤسسات الجمعويّة، وقد قامت، مشكورة، بجهد معتبر في هذا الاتجاه، ومبادرة 'الكرسي العلمي' تصبّ ضمن المسعى المبارك، لكن إحياء فكر شخصية في مقام بن نبي وترويجه، يقع في أعراف الأمم التي تحترم أعلامها على عاتق الدولة مباشرة، فهل تكفلت، حتى الآن، بهذا الواجب العلمي والوطني والأخلاقي والحضاري؟ حان الوقت ليدرك المخطئون في تصوراتهم أن بن نبي ليس زعيم طائفة أيديولوجيّة ولا فصيل سياسي، بل هو من مراجع الأمة الجزائرية والعربية والإسلامية في تاريخها المعاصر، وأنّ الاحتفاء بتراثه من مقتضيات الأمن القومي بمفهومه الشامل، في أبعاده الفكريّة والثقافيّة والدينيّة، أمّا الاستمرار في سلوكيات الإقصاء الممنهج أو العفوي ضدّه، فليس أبدا في مصلحة الجزائر والهويّة الوطنية، بل إنه سيفتح الباب واسعا أمام تيارات الاختراق والتبعيّة والتغريب الاستعماري في عصر العولمة العابرة لكل الحدود.

الإمام الإبراهيمي وفلسطين
الإمام الإبراهيمي وفلسطين

الشروق

timeمنذ 2 ساعات

  • الشروق

الإمام الإبراهيمي وفلسطين

نظمت جامعة الإمام محمد البشير الإبراهيمي في مدينة برج بوعريريج في الأسبوع المنصور ملتقى عن القضية الفلسطينية في فكر الإمام الإبراهيمي، الذي أحيا خُلق الأنصار – رضي الله عنهم – وهو 'الإيثار'، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى عنهم: 'والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة'. (سورة الحشر. الآية 9). لقد اهتم الجزائريون بقضية فلسطين منذ نجم قرنها في نهاية القرن التاسع عشر. ومن الذين نبهوا إليها، وحَذَرُوا مما يخطط لفلسطين الأستاذ عمر راسم.. وعندما وقعت الواقعة ونفذت المؤامرة الصليبية – الصهيونية هب كثير من الجزائريين للدفاع عن فلسطين رغم محنة وطنهم، وذهب كثير من الجزائريين على أقدامهم للدفاع عن فلسطين.. كما شكل الأمير سعيد الجزائري – حفيد الأمير عبد القادر – فرقة من الجزائريين في الشام سماها 'فرقة الأمير عبد القادر'، للمشاركة في الدفاع عن فلسطين. (انظر: الأمير سعيد الجزائري: مذكراتي …)، وأبدأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأعادت الكلام عن القضية الفلسطينية، شعرا ونثرا ولم ينسها هم الجزائر هم فلسطين ، بل إن من الجزائريين من قَدَّمَ هم فلسطين على هم الجزائر.. وأما من أبدع في الحديث عن القضية الفلسطينية فهو الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي كتب ثمانية مقالات في جريدة البصائر بلغت من الروعة أسلوبا وفكرا مبلغا لم يصله أحد ممن تصدى لمعالجة هذه القضية، وقد شهد بذلك الدكتور فايز الصائغ، أستاذ الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث قال: 'لم يكتب مثلها من يوم جرت الأقلام في قضية فلسطين'. (جريدة البصائر في 11/10 /1948). كما كتب عنها في 'سجع الكهان' مقالات بديعة تحار فيها عقول ذوي العقول.. كشف فيها الخائنين، والقاعدين، والباخلين، والمثبطين. لم يكتف الإمام بالكتابة، ولكنه شكل لجنة لجمع المال لمساعدة فلسطين، وبما أنه ليس من وسع عليهم الله في الرزق فقد وضع مكتبته – وهي أغلى عند العالم من الورَق والورِق – للبيع للتبرع بثمنها لفلسطين. وشهد الأستاذ حمزة بكوشة أن الإمام الإبراهيمي اقترض مبلغا من المال، وما أن دخل ذلك المال جيبة حتى وقف أمامه شخص طالباً منه المساعدة المالية للذهاب الى فلسطين للجهاد، فأعطاه شطر ذلك المال، ولما قال له الأستاذ بوكوشة من ادراك أن الرجل كاذب، رد عليه الإمام قائلا: ومن أدراك أنه صادق. (انظر: حمزة بوكوشة: لحظات مع الإبراهيمي. جريدة الشعب في 1970/5/21). إن الإمام الابراهيمي عندما كتب ما كتب عن القضية الفلسطينية لم يكن يرائي بذلك، وعندما أسس لجنة لمساعدة فلسطين، وتبرع بمكتبته لم يكن منّانا أو مستكثرا.. أو متاجرا بها، بل كان مؤمنا بما كتب مخلصا فيما فعل.. ورغم الفاجعة فإن الإمام لم يساوره ريب في 'أن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإن نبت فإنه لا يثبت'. (البصائر في 1948/2/9). ورحم الله شهداء فلسطين، وثبت مجاهديها، وأخزى أعداءها من الصهاينة والخائنين من الأعراب.

التفكير الإسلامي ونفحُه الطيّب
التفكير الإسلامي ونفحُه الطيّب

الشروق

timeمنذ 2 ساعات

  • الشروق

التفكير الإسلامي ونفحُه الطيّب

يبقى الفلاسفة يبحثون عن الحقيقية، والأنبياء قد بينوها للناس، وعلى الباحث في الفلسفة أن يفكر ويختار. سيرة 'تشيخوف' لا تعني أنه استفاد لنفسه من فلسفة التوازن التي تهب الشعور بالاستمتاع الطبيعي من خلال إفراز 'الدوبامين'، ثم إن البحث الدائب عن قصص تشبه ما كتبه إدمان آخر قد لا نجد مسكنا له إذا ما قرأنا كلما كتب الرجل أو غيره. تبقى الفلسفة تمدنا بأفكار مجنّحة تطير بنا علنا نلتقط غيوما تتفلت من بين أيدينا على الدوام، في انتظار أن نهبط إلى الواقع ونجد فيه من الحقائق ما يجعلنا متوازنين فطريا. هل التربية الصالحة لها أمراض؟ وما هي الأثمان التي سندفعها من حياتنا لما نجرّب هذه الفلسفة أو تلك، وإذا ما وجدنا أنها غير مجدية؟ إن عمر الإنسان محدود وإن طال، ولا يسع ابن آدم إلا أن يقضيه في طريق آمن. حواضر العالم الإسلامي كلها طرق حرير وبخور، وآداب وعلوم، وحج ومصاهرة وفتوح… أنَّى رحت ألفيت العمارة والبشر والسعادة. الأسباب باتت تتهيأ اليوم أكثر من ذي قبل للتواصل والوحدة، فعلى الله الاتكال يا مسلم. على العملاق النائم أن يصحو وينهض ليتوازن العالم، لا أن تقوم للأوروبيين قائمة تعدِّل مزاج الأمريكيين، وإلا فسنكون ضحية مرة أخرى يتقاسمها مفترسان أو أكثر. الترامبية آخر صيحات الحضارة الغربية وليست حالة معزولة، لقد انتخب الرئيس الأمريكي مرتين ويطمح لولاية ثالثة، وسيفرخ أسلوبه أجيالا يمينية أكثر راديكالية. فلسطين ولّادة، وموجات المقاومين لا تنتهي. لكننا بحاجة إلى فهم أعمق لمفهوم التضحية، عندما تكون بالنفس، وعندما تكون بالنفيس؛ لأن فهمها على حقيقتها يدني الاحتلال من أجله، الذي سينتهي لا محالة طال عمره أو قصر. استدعاء تاريخ قد لا يُعاد للحركة الوطنية الفلسطينية وتنزيله على ما يقع في غزة دعايةٌ مجانية لأطروحة السلطة المهزومة. الولايات المتحدة تمنع دبلوماسييها وأهاليهم من العلاقات الرومنسية مع الصينيين، إنها الدولة الحديثة عندما تمارس التدخل السياسي حتى في قضايا الحب! أيهما أعمق وعيا وأكثر نضجا: دعاة هذا الحظر، وهم قادة العالم في القرن الواحد والعشرين، أم الذي أباح الزواج بالأجنبيات وقال لأمته: 'سنوا بهم سنة أهل الكتاب'؟ هذه هي مخرجات الممارسة السياسية عندما تكون 'لعبة ديموقراطية'، علما بأن الإمامة (أي السلطة بالمصطلح القانوني) مباحثها فقهية بحتة، لكنها صُنِّفت في آخر أبواب العقائد لعظم شأنها. وقد عدّ الفيلسوف أبو حامد النشاط السياسي أهم فعل للإنسان على الأرض، لأن به صلاح حال الفرد كله أو فساده. تبقى الأفكار نظريات مثالية حتى تختبر في الواقع، الديموقراطية تساوي بين العالم والجاهل وبين الصالح والطالح وتسمح لكلٍّ أن يطلب الولاية. الشورى، كما في مبادئها وتطبيقاتها في العهدين النبوي والراشدي، لا تساوي بين هؤلاء ولا تولي أحدا طلب السلطة أو الحرص عليها. ومن معضلات الديموقراطية أنها تمكِّن الحاكم الذي شارك في اللعبة الديموقراطية من مفاصل الدولة ولو كانت تراه يلتفُّ حولها، انظر إلى تجارب ذلك في آخر ما أفرزته السياسة الغربية. بدأ تشرذم السودان من الجيش ولا يعود التئامه بما بدأ به. الاستبداد وقلة الوعي بالانتماء للأمة الواحدة والتواني عن تفعيل ذلك في كل المجالات بما فيها الشورى السياسية كنظام يجمع الناس على كلمة سواء… كل ذلك يوفر أرضا خصيبة لنمو الصراعات وحركات التمرد، وقد دفع السودان نصف أرضه نتيجة لذلك، ولا يزال يعيد الأخطاء ذاتها في نصفه الثاني. الخطوات التي يقترحها أولو الرأي للخروج من الأزمة السودانية قوالب جاهزة فقدت معناها في ظل الممارسة السياسية للزعماء الحاليين الموكول إليهم اتخاذ هذه الإجراءات، أي أن السودان جرَّب المجرَّب ودخل في حروب ولم يخرج منها بعد. يحتاج السودان إلى قادة جدد يؤمنون بمبادئ الأمة السودانية وقيمها، يعملون على تخليص شعبهم من معضلته برؤية نبوية وأيديهم متوضِّئة. ليس لأطراف النزاع في السودان غير رد الخصومة إلى الله والرسول إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وإلا فأزمات هذا البلد المسلم ستطول، ولن يرحم ضعفه أحدٌ يتربص به الدوائر. ليست هذه منافسة شريفة على خدمة العراق وأهله، في كل مرة تعدَّل فيها القوانين لشرعنة الانتخابات تُذبح الفضيلة، مرة تلو الأخرى، من طوائف متفرقة، كانت بالأمس القريب صائمة قائمة. هذه مشهدية مخزية تكتبها الحفظة على مرتكبيها، وستنتهي هذه المهزلة لا محالة في يوم قريب يفرح المستضعفون فيه بنصر الله. اصطفاف المناصرين لتركية المسلمة في الشوارع- لو كانوا يريدون- سيكون أكثر هولًا من الجانب الآخر، هذا إذا كان إظهار القوة والتعبير عن الرأي في الشوارع عملا مجديا في استقرار الدول وقوتها؛ إذن سنعود بالديمقراطية إلى بداوتها الأولى. هذه تناقضاتٌ تطفو على السطح عندما يمر المجتمع بحالة تحوُّل كبرى، وسوف يتخلص المجتمع التركي منها بعد معاناة ليلبس فروا جديدا إن شاء الله؛ فروا يكون أليق به من شرنقة أثقلت كاهله خلال مئة عام من التيه والضلال. طبيعة النظام السياسي في تركية تتيح هذه اللعبة للسياسيين وهم يتنافسون على الحكم. ولكن إلى متى سيظل هذا الوضع مجديا في دولة محورية كتركيا؟ وإلى متى سيبقى حزب العدالة والتنمية في السلطة؟ وما مصير الإنجازات الجيوسياسية لأردوغان إذا تولى حزب الشعب الجمهوري مقاليد البلاد؟ تركيا بلدٌ يقف على رمال متحركة، والتعويل عليه في قضايا الأمة غير مأمون. تكفي جلسة الملك الأردني مع 'ترامب' لاتخاذ مواقف رجولية جريئة. الحكم في الأردن يجب عليه أن يعوّل على الله وعلى الأمة ليشتدّ ساعده ويشتد. وعند الله سبحانه والأمة خزائن السماوات والأرض، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وحدة الأحرار في ما بينهم أي نعم، أما الأحرار وغيرهم فلا تعول عليه كثيرا. فلسطين ولّادة، وموجات المقاومين لا تنتهي. لكننا بحاجة إلى فهم أعمق لمفهوم التضحية، عندما تكون بالنفس، وعندما تكون بالنفيس؛ لأن فهمها على حقيقتها يدني الاحتلال من أجله، الذي سينتهي لا محالة طال عمره أو قصر. استدعاء تاريخ قد لا يُعاد للحركة الوطنية الفلسطينية وتنزيله على ما يقع في غزة دعايةٌ مجانية لأطروحة السلطة المهزومة، فسبحان من بيده النصر والتمكين! ويسعنا أن نقرأ كذلك في معركة 'طوفان الأقصى' صمودا وانتصارا ووضعا جديدا قد تفرضه نتائج معركة لا تزال مشتعلة، وقد تدوم وتدوم. الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين هيئةٌ محترمة، لكنها مقرَّبة من قطر وتركيا، ثم هل لدى الاتحاد كلمة مسموعة عند هؤلاء أم أنه هيئة استشارية عند الحاجة؟ سنرى موقفهما وموقف الاتحاد من التطبيع غير المعلن لقطر والتطبيع الكامل لتركيا مع الصهاينة. كما أهيب بمن وقَّع على فتوى الجهاد في فلسطين أن يكون أول الملبّين، فليلبس لأمته ويلتحق بالثغور مرابطا، ويطوي عنه الدفاتر والأسفار كما صنع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. هل يعيد لبنان إعمار ما هدمته الحرب ليعاد تهديمه بعد ذلك في حرب قادمة لا محالة؟ ومتى كان الدستور حاكما بين الطوائف لنحاججهم بمواده قانونيا؟ أظن أن البلد كله بُني على خطأ، والدستور نفسه غير قابل للحياة طويلا. يحسن باللبنانيين أن يفكّروا في دفع الضرر عنهم أولا، ثم ليفكر حكماؤهم بعد ذلك في مصلحة شعبهم أين تكون. ليست مقولة شكسبير، في مسرحية «ماكبث»: «ما الحياة سوى حكاية، يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف، ولا تعني أي شيء»، على إطلاقها، وليس كل العنف إرهابا ووحشية، بعض العنف للعنف يجدي، كما قالت العرب: 'إن الحديد بالحديد يفلح'. التحرر من الصهيونية وداعميها الإمبرياليين والإبقاء على المنعة يتطلبان يقظة وخشونة، قال تعالى: 'يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store