
السردية الخفية
هذه السردية الموجهة لا تظهر في هيئة عدو صريح أو خصم معلن، بل تتسلل في شكل قصة مشوقة، أو محتوى ساخر، أو وثائقي مزيف، أو تقرير مدسوس يُبنى على أنصاف الحقائق. تكمن خطورتها في أنها لا تطلب من الجمهور أن يصدقها فوراً، بل تهدف إلى إثارة الشك، وبث الارتباك، وإعادة تشكيل الصورة الذهنية عن الوطن وتاريخه ورجاله وحاضره.
السردية الموجهة هي أشبه برواية كبرى، يتم بناؤها عبر سلسلة من الرسائل التي تتراكم وتتشكل، إلى أن تتحول إلى «قناعة» غير واعية في أذهان البعض. ليست هجوماً فجاً، بل استنزاف طويل للثقة. تبدأ بسؤال مشبوه، تمر بتقرير متحيز، تتردد على لسان مؤثر مغمور في بودكاست، ثم تنتهي بمشهد سينمائي أو إنتاج درامي يُقدَّم كأنه حيادي، بينما هو يُغذي سردية مغلوطة عن المجتمع أو القيم أو القيادة.
ما يجري ليس مجرد «تشويه صورة»، بل إعادة تشكيل وعي. فالسردية ليست في ظاهرها عدوانية، بل تستدرج العقول تدريجياً إلى أن تتبنى رؤية منحرفة دون مقاومة. هي لا تصرخ بالكراهية، بل تهمس بالتحريف. ولذلك، فهي أخطر من الحملات الإعلامية المباشرة، لأنها تلبس ثياب «التحليل» و«الطرح الموضوعي»، بينما هي محمولة على نية خبيثة وأجندة خارجية.
السرديات الموجهة غالباً ما تستهدف القيم التي تُشكّل أساس اللحمة الوطنية، كفكرة الانتماء، والاعتزاز بالهوية، والثقة في المؤسسات. هي لا تُنكر هذه القيم علناً، بل تُفرغها من مضمونها، وتُعيد تقديمها بعيون الخارج، أو بلغة تثير الريبة في جدواها. تارة تُقدّم المواطن كضحية، وتارة تُصوّر الدولة كغول، وتارة تُشيطن التحولات التنموية بوصفها «تغريباً»، أو تُبَسّطها بوصفها «مشروعاً تجميلياً».
وما يزيد هذه السرديات خطورة، أنها تستثمر في أدوات الثقافة الشعبية الحديثة. لم تعد تعتمد فقط على المقال أو التحليل السياسي، بل تغلغلت في الترفيه، والإعلانات، والميمات، والأفلام، والمواسم، والتغريدات، والحوارات العفوية التي تُبث على نطاق واسع وتُستهلك على أنها «محتوى عادي»، بينما هي رسائل موجهة تخاطب الوجدان وتُحرّك المشاعر.
ولأن السردية ليست حدثاً لحظياً بل «مسار زمني»، فإن مقاومتها لا تكون بشعار لحظي أو تغريدة تصحيحية، بل برواية مضادة، أصيلة، تنبع من الداخل، وتُروى بلسان الوطن لا بلسان الوكلاء. إن تحصين المجتمع ضد هذه السرديات يتطلب وعياً متقدماً بطرق تشكيل الرأي، ونقداً ذكياً للمحتوى، وتدريباً على كشف المكر في لغة الصورة والكلمة.
رئاسة أمن الدولة حين أشارت إلى هذا المفهوم، كانت تدق ناقوس الخطر، وتوجّه البوصلة إلى معركة ناعمة تُخاض في ميدان الوعي، لا في ميدان السياسة أو الحرب. ولهذا فإن الانتصار فيها لا يكون بالقمع ولا بالصوت العالي، بل ببناء وعي جمعي قادر على تمييز النية من النغمة، والحقيقة من التحوير.
إن السردية الموجهة ضد السعودية ليست اختباراً للدولة فحسب، بل امتحانٌ لذكاء المجتمع، ونضج أفراده، وفطنة نخبته، وصدق مؤسساته الإعلامية والثقافية. وهي دعوة مفتوحة لكل مواطن أن يُعيد التفكير في المحتوى الذي يتلقاه، لا بعين التسلية فقط، بل بعين الوعي والتفكير الناقد. فالوطن لا يُحمى بالسلاح وحده، بل بالحكاية التي نرويها نحن عن أنفسنا، قبل أن يرويها غيرنا.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 14 دقائق
- الشرق الأوسط
الرياض تحشد في نيويورك لتجسيد حل الدولتين
انطلقت، أمس، أعمال المؤتمر الدولي الذي تستضيفه الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على مدى يومين، وترعاه المملكة العربية السعودية بمشاركة فرنسية، «من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين»، وسط عدم اعتراض جدّي من الولايات المتحدة، على الرغم من اختيارها عدم المشاركة. وفي الافتتاح، شكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المملكة العربية السعودية التي ترعى المؤتمر الدولي بمشاركة فرنسا، وقال إن المؤتمر «يُمثل فرصة نادرة»، داعياً إلى إنشاء «دولتين مستقلتين، ومتجاورتين، وديمقراطيتين، وذواتي سيادة، ومعترف بهما من الجميع، ومندمجتين بالكامل في المجتمع الدولي... على أساس خطوط ما قبل عام 1967، والقدس عاصمة لكلتا الدولتين». من جانبه، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة تؤمن بأن حل الدولتين مفتاح لاستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن مؤتمر نيويورك محطة مفصلية نحو تنفيذ هذا الحل، ومثمناً إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطين. وأكد الوزير السعودي أن الكارثة الإنسانية في غزة يجب أن تتوقف فوراً، وأن بلاده أمَّنت مع فرنسا تحويل 300 مليون دولار من البنك الدولي لفلسطين. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في كلمته: «علينا أن نعمل على جعل حل الدولتين واقعاً ملموساً»، وأضاف: «أطلقنا زخماً لا يمكن وقفه للوصول إلى حل سياسي في الشرق الأوسط». وتشارك في المؤتمر 17 دولة، دعت في مداخلاتها إلى الاستفادة من الزخم الذي أحدثه باتجاه حل الدولتين، فضلاً عن الرئاسة السعودية - الفرنسية المشتركة في لجان مختلفة، لإعداد وثيقتين رئيسيتين يُتوقع صدورهما عن المؤتمر.


الرياض
منذ 35 دقائق
- الرياض
كلمة الرياضدعم اقتصاد سوريا
على مر العقود الماضية وحتى اليوم، والمملكة مُنشغلة بالشأن العربي وتسعى إلى تعزيزه وتقوية أركانه، والنهوض به، مُسخّرةً كل إمكاناتها وقدراتها من أجل المحافظة على مكتسبات الأمة العربية، وتمكين شعوبها، وذلك من خلال مبادرات ومواقف كثيرة، تعكس مكانة المملكة في المنطقة، ودورها المحوري في الارتقاء بالتعاون والتكامل بين الدول العربية في مختلف المجالات، وتجسيداً لهذا المضمون، جاء توجيه سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بتنظيم منتدى الاستثمار السعودي السوري، الذي اختتم فعالياته بنجاح في سوريا. توقيت المنتدى وأهدافه وأجندة أعماله، تعكس إدراكاً كاملاً من قيادة المملكة لمتطلبات الدولة السورية في الوقت الحالي، وفي مقدمتها إعادة بناء الاقتصاد السوري على مرتكزات قوية وصلبة، تُعيد عجلة الإنتاج إلى الدوران من جديد، للمساهمة في توفير فرص العمل للسوريين، وإعادة الإعمار، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية، التي خلفت دماراً شاملاً عمّ أرجاء البلاد. توجيه سمو ولي العهد بعقد منتدى الاستثمار السعودي السوري، كان محل إشادة من الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية المتخصصة، التي أدرجت هذا التوجيه ضمن جهود مكثفة وشاملة، تبذلها القيادة السعودية لدعم سوريا وشعبها، بعد رفع العقوبات الأميركية عنها بدعم من سمو ولي العهد، وهو ما يعكس نهجاً سعودياً راسخاً، يستند إلى حتمية نهوض سوريا من جديد وتعويض ما فاتها خلال فترة الحرب عبر نافذة إنعاش الاقتصاد، بما يخدم تطلعات الشعب السوري، ويدعم استقرار المنطقة. النجاح الذي بدا عليه المنتدى، جسدته الأرقام التي أشارت إلى توقيع 47 اتفاقية استثمارية سعودية سورية بقيمة تلامس 24 مليار ريال، شملت مجالات العقار والبيئة والبنية التحتية والمالية والاتصالات وتقنية المعلومات والطاقة والصناعة والسياحة والتجارة والاستثمار والصحة وغيرها من المجالات التي أدركت المملكة أهمية الاستثمار فيها، لتعزيز استقرار الاقتصاد السوري حالياً، ومن ثم دفعه إلى المزيد من النمو والازدهار مستقبلاً. الدعم السعودي للاقتصاد السوري لم يقتصر على أعمال المنتدى، وإنما يتواصل أيضاً في لقاءات مستمرة بين مسؤولي البلدين، كان آخرها لقاء جمع بين وزيري الطاقة في البلدين، ناقشا خلاله فُرص التعاون وسبل تعزيزها في مجالات البترول وإمداداته، والكهرباء، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وفرص الاستثمار، والاستفادة من الخبرات في تطوير المشروعات والسياسات والأنظمة في قطاع الطاقة في المملكة، هذا المشهد يبشر بسرعة تعافي الاقتصاد السوري، وقدرته على تجاوز تأثيرات حقبة الحرب، وبدء صفحة جديدة من الازدهار.


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
باكستان تدعم مبادرة الرياض وباريس لحل الدولتين: وقف النار أولًا.. ودولة ذات سيادة ثانيًا
أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار دعم بلاده الكامل لمبادرة المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. وأوضح دار، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الباكستانية اليوم، أن المؤتمر الدولي الذي انطلقت أعماله في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا حول حل الدولتين، يُعد خطوة مهمة نحو وضع خارطة طريق عملية لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة. وأعرب عن أمله في أن يسهم المؤتمر في تحقيق هدفين رئيسيين، هما: التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى الشعب الفلسطيني دون عوائق، إلى جانب السعي الدولي الجاد نحو الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة. كما شدد دار على أهمية احترام القانون الدولي وتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة بحفظ الأمن والسلم الدوليين.