logo
أمريكا.. وقراءة التاريخ

أمريكا.. وقراءة التاريخ

صحيفة الخليجمنذ 2 أيام

رغم فشل التوقعات والتقديرات المستقبلية المستندة إلى نماذج وسيناريوهات تاريخية في كثير من الأحيان، إلّا أن الرجوع إلى التاريخ أمر ضروري للتقرير بشأن الحاضر والمستقبل. لا ينطبق ذلك على صناع القرار فحسب وإنما أيضاً على النخب والمثقفين ومن يشكلون الرأي العام، وأيضاً الأفراد بشكل عام.
فالتاريخ، بغض النظر عن أن روايته ليست بالضرورة دقيقة تماماً لأنه كما يقال «يكتبه المنتصر»، معين خصب لتفسير كثير من الظواهر في الحاضر بما يجعل المرء قادراً على استشراف المستقبل من دون مبالغات أو تصورات تفتقر للحد الأدنى من الموضوعية وبالتالي الدقة.
على سبيل المثال، ينتشر على نطاق واسع أن الولايات المتحدة في تراجع كقوة عظمى وكقطب سياسي وحيد في عالم ما بعد الحرب الباردة. ويجادل كثيرون بأن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية بتوجّهها نحو الانعزالية والتركيز على «أمريكا أولاً» إنما تعبّر عن مسار ضعف وانهيار مكانتها في العالم. بالطبع هناك من بين الأصوات القائلة بذلك من ينطبق عليهم أصحاب «التفكير بالتمنّي» لموقفهم المسبق من أمريكا وسياساتها العالمية التي لا يمكن الدفاع عنها في كثير من الأحيان.
لكن هناك من بين الكتاب والمعلقين من يتفادى الهوى، باعتباره آفة الرأي، ويحاول أن يكون تحليله منطقياً وعقلانياً. وهنا تأتي أهمية التاريخ الذي وإن كان لا يدحض تماماً تلك الحجج على تراجع الدور الأمريكي في العالم لكنه يمكن أن يفسر كثيراً أن المغالاة في توقع «انهيار أمريكا» كما يروج البعض مجرد استسهال يريح البعض من دون أن يكون له أي أساس من المنطق.
فحتى ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وربما حتى بعدها، كانت الولايات المتحدة «منكفئة» على نفسها وغير معنية بأي دور عالمي واسع ومؤثر، مع أنها الوريث الشرعي للامبراطوريات الأوروبية التي كانت بدأت تنهار وينحسر دورها العالمي مع استقلال أغلب مستعمراتها السابقة. ولم تكن تلك الانعزالية ناجمة عن عدم القدرة، لا عسكرياً ولا اقتصادياً ومالياً. فقد كانت أمريكا وقتها متقدمة عسكرياً واقتصادياً بشكل يسبق أوروبا وغيرها من مراكز القوة التقليدية. وكان تدخلها العسكري إلى جانب الحلفاء حاسماً في الانتصار على دول المحور. كما أن دعمها الاقتصادي والمالي لأوروبا بعد الحرب كان في غاية الأهمية كي تقف أوروبا على قدميها مجدداً بعدما أنهكتها الحرب.
وظلت واشنطن، ربما حتى نهاية ستينات القرن الماضي، مترددة في توسيع دورها العالمي إلى أن أصبحت عملياً تقود المعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت فيما عرف بـ«الحرب الباردة».
الغرض من التماثل التاريخي هنا أن انعزالية الولايات المتحدة لم تحُل بينها وبين لعب دور قيادي عالمي فيما بعد، بل وأن تصبح قطباً هو الأهم في ميزان القوى الدولية. وبالتالي فالحديث عن أن التراجع الأمريكي سيسير في خط نزولي حتمي وأن السياسات الانعزالية الحالية هي انسحاب من العالم ودليل على التدهور حتى النهاية، لا يستقيم ولا يتسق مع ما تعلمنا من التاريخ.
من دروس التاريخ أيضاً أن الامبراطوريات التي توسعت بالاحتلال والاستعمار، كالبريطانية والفرنسية والبرتغالية وغيرها، في القرن الماضي حملت بذور نهايتها في توسعها ذلك. لكن العصر الأمريكي في العالم لم يشهد ذلك النمط من التوسع الإمبراطوري بالاحتلال والاستعمار المباشر. إنما ربطت واشنطن بها دولاً ومناطق مختلفة في العالم عبر السياسة والاقتصاد وغيرها من الأدوات.
مرة أخرى تأتي أهمية التاريخ في القياس والمناظرة بأن «الامبراطورية الأمريكية»، ليست مثل امبراطوريات القرن العشرين تحمل بذور نهايتها داخلها. بل على العكس، تميزت الولايات المتحدة منذ تكونها قبل قرون قليلة جداً بمرونة غير عادية تنعكس ليس فقط في اقتصادها الأكبر عالمياً ولكن أيضاً في أسلوب الحكم الفيدرالي لخمسين ولاية ضمن اتحاد قومي واحد.
هذا مجرد مثال واحد على أهمية التاريخ للحكم على الحاضر وتوقع المستقبل. لكن ذلك لا يعني بالطبع أن التحليلات والتعليقات التي ترى تراجع الدور الأمريكي عالمياً ليست صحيحة. فالشواهد الحاضرة على هذا التراجع جلية تماماً، والأرجح أن سياسات الإدارة الحالية ستزيد من هذا التراجع. ويبدو أثر ذلك واضحاً في كثير من الحالات الساخنة حول العالم التي لو لم تكن واشنطن تفقد قدراً من مكانتها الدولية؛ لاختلف شكل تلك الصراعات ونتائجها.
الأمثلة على أهمية التاريخ كثيرة، لذا لا عجب في أن كثيراً من برامج مراكز الأبحاث والدراسات الاقتصادية تستخدم سيناريوهات تاريخية للقياس عند معالجة البيانات والأرقام لاستنتاج مؤشرات على الأداء المستقبلي للشركات والقطاعات. وإذا كان التاريخ في بعض الأحيان يحمل من الأمثلة والدروس ما يثبط الهمم فإن أغلبه يحفز على الإنجاز والتطوير والتقدم.
لا تعني أهمية التاريخ اعتماد السلفية في التفكير، ولا التحجر والغرق في «أوهام الزمن الجميل». فليس الماضي كله جميلاً ولا الحاضر كله ثقيلاً محبطاً. ولا يختلف هؤلاء الذين يتخذون من التاريخ تكئة للاستسهال وطريقاً للتخلف عن هؤلاء الذين يغالون في استحضار التاريخ وإسقاطه على الحاضر لتقديم رؤى مغالية للمستقبل. إنما هو التوازن الذي يضمنه العقل ويؤطره العلم ما يجعل أهمية التاريخ مؤثرة بشكل إيجابي في حاضرنا ومستقبلنا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض: لا نية لدى ترامب للاتصال بماسك
البيت الأبيض: لا نية لدى ترامب للاتصال بماسك

البيان

timeمنذ 2 ساعات

  • البيان

البيت الأبيض: لا نية لدى ترامب للاتصال بماسك

بدّد البيت الأبيض تكهّنات بإمكان رأب الصدع بين دونالد ترامب وإيلون ماسك بعد سجالهما الحاد، مشدّدا على عدم وجود نيّة لدى الرئيس الأميركي للاتصال بمساعده السابق الجمعة. ووجّه ترامب انتقادات جديدة لماسك المولود في جنوب إفريقيا، غداة سجال مفاجئ نسف تحالفا لم تكن أسسه متينة، معتبرا أن رجل الأعمال "فقد عقله". في مؤشر يدل على مدى تدهور العلاقة بينهما، يدرس الرئيس الأميركي بيع أو منح سيارة تيسلا كان اشتراها لإظهار دعمه لماسك إبان احتجاجات طالت الشركة. وانهار التحالف السياسي الخميس مع سجال ناري هدد خلاله الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة مبرمة مع الحكومة بعدما وجّه ماسك انتقادات لمشروع قانون الميزانية الضخم الذي يسعى ترامب إلى إقراره في الكونغرس. وقال ترامب في تصريحات نقلها التلفزيون من المكتب البيضوي "خاب أملي كثيرا" بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الانفاق المطروح أمام الكونغرس. ويصف الرئيس الأميركي المشروع بأنه "كبير وجميل"، في حين يعتبره ماسك "رجسا يثير الاشمئزاز". وأشارت تقارير إلى أن ماسك وترامب يمكن أن يتحادثا هاتفيا الجمعة في محاولة لرأب الصدع، لكن البيت الأبيض نفى ذلك. وردا على سؤال عما إذا يعتزم الرجلان التحادث، قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض في تصريح لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته "إن الرئيس لا يعتزم التحدث إلى ماسك اليوم". وفي وقت سابق الجمعة، قال ترامب في اتصال هاتفي أجرته معه محطة إيه بي سي إنه "غير مهتم" بالتحدث إلى ماسك. ونقلت المحطة عن ترامب قوله "انت تعني الرجل الذي فقد عقله؟". ترامب الذي سبق أن وصف ماسك بأنه "عبقري"، عاد ووصفه في منشور على شبكة للتواصل الاجتماعي الخميس بأنه "مجنون". السجال قد تكون له تداعيات كبرى سياسيا واقتصاديا، إذ تدهورت بشكل كبير أسهم شركة تيسلا المملوكة لماسك الذي تعهّد بوقف برنامج مركبات الفضاء الأميركي الحيوي جدا. ودعا البيت الأبيض الخميس إلى اجتماع خاص لمناقشة كيفية التعامل مع الأزمة القائمة مع ماسك. في الأثناء، قد يتخلّى ترامب عن سيارة تيسلا حمراء كان اشتراها من الشركة المملوكة لماسك حين كانت العلاقات بين الرجلين في ذروتها، الجمعة كانت السيارة الكهربائية لا تزال مركونة في فناء البيت الأبيض. وردا على سؤال لفرانس برس حول ما إذا قد يبيع ترامب السيارة أو يهبها قال المسؤول الرفيع في البيت الأبيض "إنه يفكر في ذلك، نعم". وكانت التقطت صور لترامب وماسك داخل السيارة في حدث شديد الغرابة أقيم في مارس حوّل خلالها ترامب البيت الأبيض إلى صالة عرض لسيارات تيسلا بعدما أدت احتجاجات على الدور الحكومي الذي اضطلع به ماسك إلى تراجع أسهم الشركة. منذ أمد سادت تكهنات بأن العلاقة بين الرجلين لا يمكن أن تستمر بسبب شخصيتيهما القائمتين على جعل نفسيهما محور الاهتمام، لكن سرعة الانهيار جاءت مفاجئة. وتصاعد السجال مع قول ماسك إن اسم ترامب "وارد في ملفات ابستين" في إشارة إلى وثائق للحكومة الأميركية حول الثري الذي انتحر في زنزانته في العام 2019 بانتظار محاكمته. وقد أثارت قضية انتحاره نظرية مؤامرة. وظل التوتر بين الرجلين حول مشروع الضرائب والإنفاق مكبوتا إلى أن انتقد ماسك الخطة الأساسية في سياسة ترامب الداخلية لأنها ستزيد العجز برأيه. وأطلق ماسك استطلاعات للرأي لمعرفة إن كان عليه تشكيل حزب سياسي جديد ما يشكل تهديدا كبيرا من جانب رجل قال إنه مستعد لاستخدام ثروته لإطاحة مشرعين جمهوريين يعارضون رأيه.

ترامب يطالب الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة نقطة مئوية
ترامب يطالب الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة نقطة مئوية

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

ترامب يطالب الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة نقطة مئوية

واشنطن ـ (رويترز) دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة، وأكد مجدداً أن رئيس المجلس جيروم باول يسلك نهجاً بطيئاً للغاية في خفض تكاليف الاقتراض. وكتب ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: «أوروبا تبنت 10 تخفيضات في أسعار الفائدة، بينما لم نجر أي خفض. على الرغم من ذلك، تمضي بلادنا بصورة ممتازة. (لنخفض أسعار الفائدة) نقطة مئوية كاملة». وعادة ما يقتصر تحرك البنوك المركزية على تغيير أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية. وأكد ترامب أن بوسع مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع أسعار الفائدة مرة أخرى إذا أدت التخفيضات إلى تضخم. انتقادات لباول ووجه ترامب انتقادات مراراً إلى باول بسبب عدم خفض أسعار الفائدة. والتقى الرجلان وجهاً لوجه لأول مرة الأسبوع الماضي، حين أخبر ترامب باول أنه يرتكب «خطأ» بعدم خفض أسعار الفائدة. وفي مايو/أيار، أبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي سعر الفائدة الرئيسي عند نطاق 4.25 % و4.50 %، وهو النطاق ذاته منذ ديسمبر/كانون الأول، وأشار صانعو السياسات منذ ذلك الحين إلى أنهم قد يبقون عليه لبضعة أشهر أخرى في انتظار مزيد من الوضوح بشأن رسوم ترامب الجمركية.

الاقتصاد الأميركي يضيف 139 ألف وظيفة خلال شهر مايو
الاقتصاد الأميركي يضيف 139 ألف وظيفة خلال شهر مايو

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

الاقتصاد الأميركي يضيف 139 ألف وظيفة خلال شهر مايو

واستقر معدل البطالة عند 4.2 بالمئة للشهر الثالث على التوالي، مما يعكس استقرارًا نسبيًا في سوق العمل رغم التحديات الاقتصادية المستمرة. تباطؤ في نمو الوظائف وسط تحديات اقتصادية على الرغم من تجاوز عدد الوظائف المضافة للتوقعات، إلا أن وتيرة النمو تباطأت مقارنة بالشهور السابقة. فقد تم تعديل بيانات أبريل بالخفض إلى 147 ألف وظيفة، بعد أن كانت 177 ألفًا، مما يشير إلى تباطؤ في سوق العمل. هذا التباطؤ يُعزى جزئيًا إلى حالة عدم اليقين الاقتصادي الناتجة عن السياسات التجارية والرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب ، والتي أثرت على خطط التوظيف لدى الشركات. أداء متباين للقطاعات الاقتصادية شهدت بعض القطاعات زيادات ملحوظة في التوظيف، حيث أضاف قطاع الرعاية الصحية 62 ألف وظيفة، وقطاع الترفيه والضيافة 48 ألفًا، والخدمات الاجتماعية 16 ألفًا. في المقابل، فقد القطاع الحكومي الفيدرالي 22 ألف وظيفة، مما يعكس تأثيرات تقليص الميزانية والتغييرات الإدارية. تأثيرات السياسات التجارية والمالية تسببت السياسات التجارية، بما في ذلك الرسوم الجمركية المرتفعة، في خلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات، مما أدى إلى تباطؤ في قرارات التوظيف. كما أن التوترات السياسية بين الرئيس ترامب ورجال الأعمال البارزين، مثل إيلون ماسك ، ساهمت في زيادة الضغوط على الأسواق والشركات، مما أثر على خطط التوظيف والاستثمار. توقعات السياسة النقدية مع استمرار تباطؤ نمو الوظائف واستقرار معدل البطالة، يتوقع المحللون أن يحتفظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأسعار الفائدة الحالية في اجتماعه المقبل، مع إمكانية النظر في تخفيضها لاحقًا هذا العام إذا استمر التباطؤ الاقتصادي. هذا التوجه يأتي وسط ضغوط من الإدارة الأميركية لخفض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي. نظرة مستقبلية رغم التحديات، يرى الخبراء أن سوق العمل الأميركية لا تزال تظهر مرونة نسبية، ومع ذلك، فإن استمرار التوترات التجارية والسياسات الاقتصادية غير المستقرة قد يؤدي إلى مزيد من التباطؤ في التوظيف والنمو الاقتصادي في الأشهر المقبلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store