قدرات إيران النووية ومعوقات الاتفاق مع أمريكا! اكرم كمال سريوي
قدرات إيران النووية ومعوقات الاتفاق مع أمريكا!
اكرم كمال سريوي*
بحسب بعض المصادر الغربية، فإن لدى الولايات المتحدة الامريكية شكوكاً، حول امتلاك إيران للسلاح النووي، وهناك معلومات استخباراتية متداولة عن شراء إيران رؤوس نووية جاهزة من كوريا الشمالية، أو من مصادر أخرى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وتؤكد المصادر أنه لدى إيران كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 90% وهو صالح للاستخدام في صناعة سلاح نووي، وأن إيران كانت قد حصلت على 2 كيلوغرام من الولايات المتحدة الامريكية نفسها في زمن الشاه، وقسم آخر اشترته من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
الشيء المؤكد هو ما أعلنت عنه إيران، من أنها قامت بعمليات تخصيب في منشأتها نطنز وفوردو وصلت إلى نسبة 60%، وأوضحت أنها باتت تمتلك أجهزة طرد مركزية متطورة جداً من نوع IR-6 و IR-8 و IR-9، وهذا يعني أنها قادرة على انتاج سلاح نووي خلال أشهر قليلة إذا قررت ذلك.
لا شك أن إيران باتت تمتلك كل المعلومات اللازمة والتقنيات الضرورية لتخصيب اليورانيوم بنسبة عالية ولانتاج سلاح نووي، والسؤال الكبير هو هل هي فعلت ذلك حقاً، أمًا أنها ما زالت تخشى الاقدام على هذه الخطوة.
بالطبع تريد إيران امتلاك قوة ردع نووية، مثلها مثل كل دول العالم المعرّضة للتهديد التي تريد فعل ذلك، لكن السياسة العالمية المتبعة منذ توقيع اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية عام 1968، والتي انضمت اليها 191 دولة حتى عام 2016، نجحت في الحد من طموحات بعض الدول بامتلاك أسلحة نووية.
ولم تخرج عن القاعدة سوى أربع دول، هي الهند وباكستان اللتان قد تندلع بينهما حرب ضروس بعد التوترات الأخيرة في كشمير، وإسرائيل التي صنعت أسلحة نووية، بمساعدة فرنسية وأمريكية دون أن تُعلن عن ذلك، وهي دول لم توقع على المعاهدة، كما أن كوريا الشمالية انسحبت من المعاهدة عام 2003، و بدأت بتصنيع أسلحة نووية.
تنص المعاهدة على منع انتشار الاسلحة النووية، وكذلك على ضرورة التخلص منها، ولكن بالرغم من توقيع اتفاق خفض الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية، وتدمير قسم كبير من الترسانة النووية للاتحاد السوفياتي السابق، لكن ما زال يوجد لدى الدول النووية عدد كبير من هذه الأسلحة، والتي تكفي لتدمير الكرة الارضية أكثر من مرة.
بالنسبة لإيران لم تعد العوائق علمية أو تقنية لامتلاك السلاح النووي، بل المسألة مرتبطة بعدة عوامل أخرى:
أولاً موضوع العقوبات، فإيران تعلم أنها اذا قامت بتصنيع سلاح نووي ستتعرض لعقوبات دولية قاسية، وقد تتحول إلى كوريا شمالية أخرى، ولن تتمكن من استثمار ثرواتها الهائلة من نفط وغاز ومعادن، وهذا طبعاً سيعيق تقدم إيران، ويضعفها اقتصادياً وتكنولوجياً بشكل كبير.
ثانياً على الدولة التي تخطط لامتلاك سلاح نووي، أن تكون قادرة على إيصاله إلى أرض أعدائها، وحتى اليوم لا تمتلك إيران صواريخ عابرة للقارات تستطيع حمل رؤوس نووية، تصل إلى الولايات المتحدة الامريكية، العدو الرئيسي نظرياً لإيران.
أما بالنسبة لاستهداف إسرائيل، فصحيح أن صواريخ إيران باتت قادرة على الوصول إليها، لكن هناك تعقيدات كثيرة أمام استخدام السلاح النووي، فإسرائيل دولة نووية وسترد بقوة عى ايران، وكذلك يوجد في فلسطين أكثر من ستة ملايين عربي سيتأذون جراء استخدام السلاح النووي، وقد يقول البعض أن إيران لا تهتم لهؤلاء، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، فلو كانت ايران لا تهتم بهم وبالمقدسات في فلسطين، فما هو سبب عدائها مع إسرائيل إذن؟
ثالثاً في حال قررت إيران امتلاك أسلحة نووية، فهي على الأرجح ستكرر النموذج الاسرائيلي وليس الكوري الشمالي، بحيث تصنع عدة رؤوس نووية دون أن تُعلن عن ذلك، أو تجري تجارب على أراضيها في الوقت الحاضر، وقد تنتظر تغيّراً في الموازين والعلاقات الدولية لتفعل ذلك، لكن هذا الخيار يبقى مستبعدًا الآن، ولن تُقدم إيران على ذلك، على الأقل ليس قبل تطوير دفاعاتها الجوية، بما يضمن حماية كاملة لمنشآتها النووية.
ما يجري من مفاوضات الآن بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، ظاهرها هو الملف النووي، لكن حقيقتها افادة اقتصادية لكلا الطرفين.
لقد كان الاتفاق النووي موجوداً، وكان يسمح لمفتشي الوكالة الدولية بتفتيش كل منشآت إيران النووية، في أي وقت، إضافة إلى تحديد نسبة تخصيب اليورانيوم، بما لا يزيد عن 3,6%، وهذه الشروط كانت كافية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ولهذا السبب قال الرئيس الأمريكي الأسبق يومها باراك اوباما في عام 2015 'أن الاتفاق ممتاز'.
وصل دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية في عام 2017، وفي أيار 2018 فاجأ الجميع وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، مما دفع بعدة دول أهمها فرنسا والمانيا وبريطانيا، للقول بأن ترامب انتهك قرار مجلس الأمن الذي يؤيد الاتفاق، وأعربوا عن أسفهم لخروج أمريكا من الاتفاق.
قال ترامب يومها أن الاتفاق لا يضمن وقف البرنامج النووي الإيراني، وادّعى بأن هذا هو سبب الخروج من الاتفاق، لكن الحقيقة هي غير ذلك.
فبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، دخلت الشركات الاوروبية والصينية بقوة إلى السوق الإيراني، ولعدة أسباب إدارية داخلية، تأخرت الشركات الامريكية بالدخول والمنافسة على تلك الثروات الهائلة، ولم يجد ترامب من سبيل أمامه لإخراج الشركات الاوروبية والصينية من إيران، سوى الانسحاب من الاتفاق، والعودة إلى فرض العقوبات.
اليوم بعد أن نجح ترامب في إخراج الأوروبيين من السوق الإيرانية، جاء يفاوض وحده، وليس كما حدث سابقاً بطريقة 5+1، وكل ما يريده ترامب هو احتكار السوق الإيرانية، تماماً كما فعل مع أوكرانيا، عندما طلب من زيلينسكي توقيع صفقة المعادن، بشكل منفرد، دون إشراك الأوروبيين أو غيرهم من دول حليفة.
تدرك إيران مقاصد ترامب، وتعلم أنها من دون اتفاق مع الأمريكي لا عودة للاستثمارات الاجنبية إلى إيران، ولكنها لا تستطيع فك شراكتها الاستراتيجية مع روسيا والصين، وكذلك لا مصلحة لها بإعطاء شك على بياض لدونالد ترامب، والسماح باحتكار الشركات الامريكية للعمل في إيران.
ولهذه الأسباب ستكون المفاوضات طويلة وصعبة بين الجانبين، رغم علمهما بأن مصلحة الطرفين هي في التوصل إلى اتفاق، وأن المواجهة العسكرية لا تخدم مصلحة أي منهما، وستجر الويلات على المنطقة والعالم، وحتى على ترامب نفسه كما على إيران.
لقد سرّب ترامب وعوداً لإيران، بأنها اذا وافقت على الاتفاق، ستجني فوائد جمّة، ووعد باستثمارات أمريكية في إيران، بأكثر من أربعة ترليون دولار، وهذا يوضح أن الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وبحث الملفات الاقتصادية بين الجانبين، ستكون هي الأهم والأساس في أي اتفاق مستقبلي، بالرغم من وجود ملفات أخرى مهمة، مثل برامج الصواريخ، ودعم حلفاء إيران، والدور الايراني في المنطقة.
أما التهديدات الأمريكية بضربة عسكرية لإيران، وفرض عقوبات جديدة، فهي أوراق ضغط بهدف الوصول إلى اتفاق شامل، يلبي مطالب ومصالح الولايات المتحدة الامريكية، ولا يرغب ترامب بأي حرب جديدة يُدرك أنها لن تحقق مصلحة بلاده الاقتصادية.
وحدها إسرائيل تريد الحرب ومنع الاتفاق، لأنها تدرك أن لا مجال لها لدخول السوق الإيرانية، وأن الاتفاق سيخدم مشاريع إيران في المنطقة، في حين ترغب إسرائيل بتنفيذ مشروعها لشرق أوسط جديد، تهيمن هي على كل دوله، وتكون شرطيه الوحيد، والدولة الأكثر قوة ونفوذاً، وتدرك جيداً أن الاتفاق سيسمح بتدفق الأموال على إيران، ويجعلها ثرية وقوية، ولا شك أن ذلك سيتحول إلى تعزيز دور إيران ونفوذها، على حساب المشروع الإسرائيلي في الشرق الاوسط.
ليس وحدها دول المنطقة في حلبة الصراع، بل هناك أيضاً دول أخرى، وكل طرف يتحين الفرصة المناسبة لاسقاط الخصم والفوز بالجائزة، ولذلك يمكن القول أن الأمور ما زالت في بداياتها، وقد تنفجر الصراعات بشكل عنيف في أي لحظة، لكن الواضح أن الولايات المتحدة الامريكية ترغب بشدة بالاستئثار بالثروات الإيرانية، ومستعدة لتوقيع معاهدة استراتيجية مع ايران لتحقيق ذلك.
الخبير بأسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي
2025-04-27
The post قدرات إيران النووية ومعوقات الاتفاق مع أمريكا! اكرم كمال سريوي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 18 دقائق
- شفق نيوز
مصادر: إيران قد تلجأ للصين وروسيا "كخطة بديلة" بتعثر المحادثات مع واشنطن
شفق نيوز/ افادت ثلاثة مصادر إيرانية، أن القيادة الإيرانية تفتقر إلى خطة بديلة واضحة لتطبيقها في حال انهيار الجهود الرامية إلى حل النزاع النووي المستمر منذ عقود، وذلك في ظل تعثر المحادثات بين واشنطن وطهران جراء التوتر المتصاعد بين الطرفين بشأن تخصيب اليورانيوم. وقالت المصادر إن إيران قد تلجأ إلى الصين وروسيا "كخطة بديلة" في حال استمرار التعثر، لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة. وقال مسؤول إيراني كبير: "الخطة البديلة هي مواصلة الاستراتيجية قبل بدء المحادثات. ستتجنب إيران تصعيد التوتر، وهي مستعدة للدفاع عن نفسها تشمل الاستراتيجية أيضا تعزيز العلاقات مع الحلفاء مثل روسيا والصين". ونقلت وسائل إعلام رسمية عن المرشد الإيراني علي خامنئي قوله في وقت سابق، الثلاثاء، إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبرا عن شكوكه فيما إذا كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق. وبعد 4 جولات من المحادثات التي تهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات. وقال اثنان من المسؤولين الإيرانيين ودبلوماسي أوروبي إن طهران ترفض شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج أو الدخول في مناقشات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية. كما أن انعدام الثقة من كلا الجانبين وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية قد زاد من أهمية حصول إيران على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق مستقبلي. ومما يضاعف من التحديات التي تواجهها طهران، معاناة المؤسسة الدينية في إيران من أزمات متصاعدة - ومنها نقص الطاقة والمياه، وتراجع العملة، والخسائر العسكرية بين حلفائها الإقليميين، والمخاوف المتزايدة من هجوم إسرائيلي على مواقعها النووية – وكلها تفاقمت بسبب سياسات ترامب المتشددة.


شفق نيوز
منذ 17 ساعات
- شفق نيوز
"الهاوية النووية".. طهران ترفع نبرتها وواشنطن تحفر الخطوط الحمر
شفق نيوز/ بعد أربع جولات من المحادثات غير المباشرة التي جرت خلف كواليس الدبلوماسية في مسقط وروما، بات من الصعب إنكار الوقائع التي تتسرب بهدوء إلى التصريحات الرسمية والدوائر الدبلوماسية: مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني تعيش واحدة من أخطر لحظاتها، منذ الخروج عن السكة عام 2018. فكل جولة من الجولات الماضية تركت انطباعًا واحدًا، أن الجانبين الإيراني والأميركي يتحدثان لغتين لا تلتقيان. الاختراق السياسي المنتظر لم يأتِ، والمواقف تشدّدت، واللغة صارت أكثر خشونة. ففي خطابه الأخير، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بلهجة يصفها المراقبون بأنها الأكثر تشاؤمًا منذ الجولات التفاوضية: "الجمهورية الإسلامية لا ترى أن المفاوضات مع أمريكا الجارية الآن سوف تثمر عن نتائج إيجابية"، مضيفًا أن بلاده لن تنتظر إذن أحد، وأن التركيز الغربي على قضية التخصيب "ليس بريئًا" بل يكشف عن نوايا مبيتة. هذا التصعيد يتجاوز البعد الإعلامي، وفق ما يراه الدكتور جلال جراغي، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإيرانية والإقليمية، الذي قال لوكالة شفق نيوز من طهران: "نحن أمام مشهدين: الأول هو المشهد الإعلامي الذي تتقنه الإدارة الأميركية باستخدام لغة التهديد والتطمين بالتناوب، ضمن ما يعرف بسياسة العصا والجزرة. والثاني، هو مشهد التفاوض الحقيقي الذي يجري خلف الكواليس بوساطة سلطنة عمان". ويشير إلى أن إيران ترى في تخصيب اليورانيوم حقًا سياديًا غير قابل للتنازل، مستندًا إلى المادة الرابعة من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تتيح للدول الأعضاء تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. ويضيف: "إيران خصبت بنسبة 60%، وهذا قانوني، بل إن دولًا مثل اليابان والأرجنتين تخصب بنسبة مماثلة دون امتلاك سلاح نووي، فلا يُفترض الربط بين التخصيب والتسلح تلقائيًا". ضغط أمريكي vs. تمسك إيراني تعتمد الإدارة الأمريكية نهجًا تكتيكيًا يقوم على تصريحات متضاربة لإرباك إيران والضغط عليها. ففي وقت يعرب فيه الرئيس دونالد ترامب عن تفاؤله بقرب إبرام اتفاق نووي مع طهران، ليعود بعد يوم واحد ويحذّرها من 'أمر سيء' إذا لم تُسارع بالتفاوض، هذه الرسائل المتناقضة تبدو كأنها جزء من حرب نفسية تهدف إلى زعزعة حسابات صُنّاع القرار في طهران. ويعلق خبراء من واشنطن وطهران لوكالة شفق نيوز، بأن تصعيد ترامب الإعلامي قد يكون 'مناورة ضغط' أكثر منه خطة فعلية، خاصة أن مسؤولين إيرانيين يؤكدون أن تبدّل واشنطن المستمر لمطالبها وإطار التفاوض لا يخدم التقدّم. في المقابل، تنتهج إيران خطابًا يرتكز على حقها في التخصيب، عباس عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين ووزير خارجيتها شدّد مرارًا على أن التخصيب في إيران 'غير قابل للتفاوض'، رافضًا بالكامل مطلب 'صفر تخصيب' الذي تردد على لسان بعض المسؤولين الأميركيين. وتذهب طهران أبعد من ذلك بتأكيدها العلني أن أي اتفاق لن يُفرَض عليه التخلي عن أجهزة الطرد المركزي أو شحن اليورانيوم المخصب إلى الخارج. وتقول الباحثة في العلاقات الدولية فاطمة الصياحي من طهران، في حديثها لشفق نيوز، إن الملف النووي تجاوز اليوم كونه مشروعًا علميًا أو تفاوضيًا، وأصبح قضية سيادة وهوية سياسية. وتضيف: "إيران مستعدة لتقليل نسبة التخصيب ولكنها لن تقبل أبدًا بمطلب التخصيب الصفري. حتى الإصلاحيون الذين كانوا يضغطون لتقديم تنازلات أصبحوا اليوم رافضين لهذا الطرح، خاصة بعد التهديدات الأميركية الأخيرة ومحاولات العبث بالرموز السيادية مثل اسم الخليج". الصياحي تشير إلى أن الطرح الغربي الجديد، القائم على إبقاء المنشآت النووية مقابل وقف التخصيب تمامًا، هو مقترح غير عملي: "إيران ترى أن إعادة بناء المنشآت أسهل من خسارة القدرة نفسها، لأن المعرفة والخبرة لا يمكن قصفها. ولهذا، الحفاظ على القدرة التقنية هو خط الدفاع الأخير لضمان الردع الاستراتيجي". خط أمريكا الأحمر على الجانب الآخر من الطاولة، يقف المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بخطاب لا يقل تشددًا، إذ أعلن أن "تخصيب اليورانيوم في إيران، ولو بنسبة 1%، هو خط أحمر"، مضيفًا أن السماح بأي درجة من التخصيب سيُنظر إليه كتمهيد لتصنيع سلاح نووي. وهو ما فسره مسؤولون إيرانيون بأنه بمثابة نسف كامل لمرتكزات اتفاق 2015. هذا التصلب المتبادل في المواقف يدفع مراقبين من كلا الجانبين إلى التشكيك في جدوى استمرار المسار التفاوضي. لكن محللين أميركيين مثل البروفسور إيفان ساشا شيهان يرون أن تفسير هذه التصريحات على أنها تهديد صريح أمرٌ مبالغ فيه. وقال شيهان لوكالة شفق نيوز من واشنطن: "الإدارة الأميركية لا تزال ترى أن الاتفاق ممكن ومرغوب، لكنها تدرك أن إيران غير مستعدة لتقديم التنازلات المطلوبة، وهو ما يعقد المسار". ويرى شيهان أن عدم تحقيق أي اختراق بعد أربع جولات من التفاوض قد يدفع الولايات المتحدة إلى خيارات حاسمة: "إذا لم تُظهر طهران مرونة، فمن المرجح أن ننتقل إلى مرحلة أخرى من المواجهة، قد تكون أكثر حدة من سياسة الضغط القصوى السابقة". أما المحلل الإيراني في واشنطن حسن هاشميان، فيقدّم قراءة أكثر تشاؤمًا في حديثه مع شفق نيوز: "المفاوضات تسير نحو طريق مسدود. لا توجد نقاط التقاء حقيقية، وإذا استمرت الخلافات على هذا النحو، فربما نكون أمام مواجهة تدريجية تبدأ بالتهديدات وتتصاعد لاحقًا. لكن المواجهة المباشرة لن تحدث قبل استنفاد كل مراحل التصعيد السياسي والإعلامي". هاشميان يضيف أن تصريحات ويتكوف تمثل جوهر الموقف الأميركي الجديد: لا تخصيب داخل إيران، حتى لو بنسبة ضئيلة. ويقول: "ما صرّح به عراقجي ليس موجّهًا لواشنطن بقدر ما هو رسالة للداخل الإيراني، لأن النظام يعرف جيدًا أن هذه الجولة إما أن تنتهي بتنازل جذري أو بمواجهة صعبة. والظروف الداخلية لا تحتمل تنازلات، خاصة بعد تفكك محور المقاومة وانهيار الوضع الخدمي في الداخل". ضغط داخلي هذا الإحساس بالتهديد يضاعفه الوضع الاقتصادي الحرج في الداخل الإيراني: تضخم، بطالة، احتجاجات متكررة، وشبه انهيار في بعض القطاعات الخدمية. الدكتور جراغي يصف هذا الوضع بأنه "قنبلة ضغط داخلي"، ويضيف: "أي مرونة في الملف النووي ستُفسر داخليًا على أنها تراجع، وقد تفتح شهية الخصوم داخل النظام قبل الخارج. ولهذا، الخيار الوحيد أمام النظام اليوم هو التشدد، ولو على حساب مزيد من العزلة". في هذا السياق المعقد، تُطرح أسئلة بلا إجابات واضحة: هل تسعى واشنطن حقًا إلى اتفاق، أم أنها تُعدّ الأرضية لضربة استباقية؟ هل تراهن إيران على الوقت والصمود، أم أنها تُعدّ بدورها مفاجأة تفاوضية؟ ووسط كل هذه الاحتمالات، تقف سلطنة عمان، التي تستضيف جولات التفاوض، في موقع الوسيط المتفائل الحذر. الجولة الخامسة المقررة قد تكون، كما وصفها أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، "الفرصة الأخيرة لتفادي العاصفة". وإذا أخفقت هذه الجولة، فإن الاتفاق النووي لن يدخل فقط مرحلة موت سريري، بل إن المنطقة برمتها قد تنتقل إلى مربع جديد عنوانه: الحسابات الصفرية، وردع متبادل، ومخاوف من انفجار في لحظة غير محسوبة. في خلاصة المشهد، كما يصفه المحللون من طهران وواشنطن لشفق نيوز، فإن الاتفاق لم يعد ملفًا تفاوضيًا عاديًا، بل ساحة اشتباك مفتوح على كل السيناريوهات.


شفق نيوز
منذ 20 ساعات
- شفق نيوز
خامنئي: لا نعتقد أن المفاوضات مع أمريكا ستنجح
شفق نيوز/ استبعد المرشد الإيراني، علي خامنئي، يوم الثلاثاء، إمكانية نجاح المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، حول البرنامجين الصاروخي والنووي. وقال خامنئي، في تصريحات صحفية، إن "الجمهورية الإسلامية لا ترى أن المفاوضات مع أمريكا الجارية الآن سوف تثمر عن نتائج إيجابية، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث بعدها". وأشار المرشد الإيراني، إلى أن عدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم داخل البلاد "وقاحة زائدة"، مردفاً بالقول: "نحن لا ننتظر إذن أحد.. (الجمهورية الإسلامية) لها سياساتها، ولها منهجها، وهي تتابع سياساتها الخاصة". وتابع خامنئي: "في مناسبة أخرى سأشرح للشعب الإيراني سبب تركيزهم على قضية التخصيب، ولماذا يُصرّ الغربيون والأميركيون وغيرهم بهذا الشكل على أنه يجب أن لا يكون هناك تخصيب في إيران حتى يعرف الشعب الإيراني ما هي نوايا الطرف الآخر".