logo
النفايات موت بطيء يتربص بالمواطنين في قطاع غزة

النفايات موت بطيء يتربص بالمواطنين في قطاع غزة

الدستور١٢-٠٤-٢٠٢٥
أخذت النفايات الصلبة منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تتراكم أكثر فأكثر، محولة الشوارع إلى مشهد مأساوي، مخلفة آثارا مدمرة في صحة وحياة الناس، وشلت البيئة المأهولة في القطاع.
تتواصل مأساة قطاع غزة البيئية، بسبب تبعات عدوان الاحتلال المتواصل الذي دمر البنى التحتية، وعطل الخدمات المحلية، ولا يزال جمع النفايات من الشوارع يمثل مشكلة خطيرة تهدد بانتشار الأمراض، وذلك بسبب منع الاحتلال من الوصول إلى مكبات النفايات الكبيرة شرق القطاع، الأمر الذي أدى إلى تجميعها في مناطق غالبا قريبة من مناطق الخيام والنزوح، لعدم توفر وقود لتشغيل المركبات المخصصة بجمع النفايات والاكتفاء بتجميعها عن طريق عربات تجرها حيوانات، ووضعها في مناطق قريبة. وقالت الحاجة أم جمال النازحة في مواصي خان يونس: تعبنا وأرهقتنا روائح النفايات والصرف الصحي القريبة منا في منطقة جامعة الأقصى غربا، خاصة أننا أصحاب أمراض مزمنة ونعاني من مشاكل صحية في القلب والتنفس.
وتطرقت إلى أن ما يزيد الطين بلة وهو رمي جيف الحيوانات قرب تلك المكبات لصعوبة نقلها لمدافن بعيدة، الأمر الذي يزيد من الروائح الكريهة وانتشار الأمراض بسبب خروج الديدان منها وانتشار الحشرات في المكان.
وتطلق النفايات بحسب خبراء البيئة والصحة غازات ضارة كالميثان وثاني أكسيد الكربون الذي يلوث الهواء ويسبب روائح كريهة، ويشكل خطرا على صحة الجهاز التنفسي، خاصة عند إشعال النيران في تلك النفايات.
ويردف أبو شاب، لا يقتصر الأمر على الروائح الكريهة والحشرات والقوارض، بل إن عبث الأطفال قرب النفايات المتراكمة في الشوارع ولقلة مساحات اللهو واللعب، ينقل أمراضا خطرة إليهم وقد سجلت لدينا في المخيم عدة حالات لمشكلات في التنفس.
بينما يقول رامي شاهين، إن مكب النفايات في منطقة جنوب شرق مدينة أصداء والقريب من بركة تجمع مياه الأمطار في حي الأمل على طريق شارع رقم 5، تمتزج به رائحة النفايات مع رائحة الصرف الصحي الذي يتجمع في البركة مخلفة رائحة قوية وقاتلة، تسبب الإزعاج والأرق للمواطنين والنازحين في المناطق القريبة مثل أحياء الأمل والياباني والإماراتي والهولندي القريبة، علاوة على تسببها لضيق تنفس لمرضى الربو والأمراض الصدرية، كما أنها تسبب أمراضا جلدية ناتجة عن الحشرات والبعوض.
ويضيف شاهين: كميات النفايات المعدنية المتراكمة في الشوارع وعلى مكبات النفايات المؤقتة زادت بشكل كبير وملحوظ بسبب تناول المواطنين المعلبات، وإلقاء العلب في القمامة، إضافة إلى اعداد السيارات الكبيرة التي دمرتها آلة الحرب خلال الاجتياحات البرية لمناطق القطاع زاد من أثرها السلبي على المواطنين خاصة الأطفال الذين يلعبون في الشوارع، ويتعرضون للجروح.
فيما يقول الطبيب محمد العماوي، إن المخلفات الطبية زادت من معاناة المواطنين خاصة أنها تحتوي على شاش وقطن ملوثين، وحقن وبقايا علب المحاليل والدماء، وبعض ملابس الشهداء الممزوجة بالدماء، حيث تتم عملية تجميع تلك النفايات في زاوية أو أكثر من ساحة المستشفى الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابة بعض المواطنين بأمراض، ومن الممكن أن تكون معدية عند اقترابهم منها خاصة الأطفال.
ويقول مدير التخطيط في الأونروا سام روز، رأينا بركا من الرواسب ذات اللونين الرمادي والبني، ويعيش حولها الناس لأنه ليس لديهم خيار، وقد رأينا أكواما كبيرة من القمامة، حيث تترك هذه الرواسب خارج منازل السكان أو في داخل بعض الأماكن كما يُضطر الناس إلى التحرك، قرب مدافن النفايات المؤقتة التي أُنشِئت.
وحسب تقارير محلية فإن النفايات في قطاع غزة، تمثل جبلا مرعبا ينمو يوما بعد يوم، فعلى مساحة لا تتجاوز 378 كيلومترا مربعا، يعيش نحو 2.23 مليون نسمة، وهو ما يجعل القطاع واحدا من أكثر المناطق ازدحاما في العالم، حيث كان ينتج القطاع يوميا قبل الحرب نحو 1770 طنًا من النفايات الصلبة المنزلية، وهذا الإنتاج ليس مجرد أرقام تحصى، بل أيضا هو واقع يتعاظم مع الزمن، وخصوصا في ظل حصار مستمر منذ أكثر من 17 عاما من العزلة والضائقة.
«وفا»
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأونروا : أسوأ سيناريوهات المجاعة يتحقق حاليا في قطاع غزة
الأونروا : أسوأ سيناريوهات المجاعة يتحقق حاليا في قطاع غزة

أخبارنا

timeمنذ 4 أيام

  • أخبارنا

الأونروا : أسوأ سيناريوهات المجاعة يتحقق حاليا في قطاع غزة

أخبارنا : الأونروا لـ "المملكة": تموز شهد ارتفاعا حادا في معدلات سوء التغذية في غزة الأونروا: أكثر من 20 ألف طفل في غزة تلقوا علاجا من سوء التغذية الحاد بين نيسان ومنتصف تموز الأونروا: أكثر من 3 آلاف طفل في غزة يعانون من سوء تغذية حاد الأونروا: مستويات سوء التغذية بين أطفال غزة دون سن الخامسة تضاعفت أربع مرات خلال شهرين لتصل إلى 16.5% الأونروا: نسبة الأسر التي تعاني من الجوع الشديد تضاعفت بين أيار وتموز في قطاع غزة الأونروا: تدفق المساعدات بشكل فعال ودون انقطاع هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة في غزة قالت مسؤولة مكتب الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة، إيناس حمدان، إن أسوأ سيناريوهات المجاعة يتحقق حاليًا في القطاع، حيث تنخفض إمكانية الوصول إلى الغذاء والخدمات الأساسية الأخرى إلى مستويات غير مسبوقة. وأضافت حمدان لـ"المملكة" أن تحذير "IPC" (وهو التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) يشير إلى أن 2 من أصل ثلاثة مؤشرات رئيسية للمجاعة تمّ تجاوزهما بالفعل في أجزاء من القطاع، مشيرة إلى أن تموز شهد ارتفاعًا حادًا في معدلات سوء التغذية. وأوضحت أن أكثر من 20,000 طفل دخلوا لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد بين نيسان ومنتصف تموز، من بينهم أكثر من 3,000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد وخطير. وبينت حمدان أن سوء التغذية الحاد – وهو المؤشر الأساسي الثاني للمجاعة – ارتفع في غزة بمعدل غير مسبوق، لا سيما في مدينة غزة، حيث تضاعفت مستويات سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة أربع مرات خلال شهرين، لتصل إلى 16.5%. وهذا يشير إلى تدهور حاد في الحالة التغذوية وزيادة خطر الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية. وأضافت أن استهلاك الغذاء – المؤشر الأساسي الأول للمجاعة – انخفض بشكل حاد في غزة منذ آخر تحديث لتقرير "IPC" في أيار 2025؛ حيث إن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص لا يتناول الطعام لعدة أيام متتالية، كما تضاعفت نسبة الأسر التي تعاني من الجوع الشديد بين شهري أيار وتموز. وأكّدت حمدان أن الطريقة الوحيدة لمنع تفاقم الكارثة الحالية هي من خلال تدفق فعال ودون انقطاع للمساعدات، بما لا يقل عن 500 إلى 600 شاحنة يوميًا. وأشارت إلى أن الأمم المتحدة أثبتت، خلال الهدنة، قدرتها على توزيع المساعدات على نطاق واسع، والوصول إلى السكان في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفًا. ولفتت حمدان النظر إلى أنه خلال الهدنة، دخلت عشرات الآلاف من الشاحنات إلى غزة، ووصلت المساعدات الغذائية إلى جميع السكان، وكانت الأونروا جزءًا كبيرًا من هذا الجهد.

ارتفاع حصيلة شهداء التجويع في قطاع غزة
ارتفاع حصيلة شهداء التجويع في قطاع غزة

البوابة

timeمنذ 6 أيام

  • البوابة

ارتفاع حصيلة شهداء التجويع في قطاع غزة

أفادت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الاثنين، تسجيل خمس وفيات جديدة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، نتيجة الجوع وسوء التغذية، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر. وبحسب بيان الوزارة، ارتفع عدد ضحايا التجويع وسوء التغذية في غزة إلى 180 شهيدا، بينهم 93 طفلًا، منذ اشتداد الأزمة الناتجة عن الحصار المستمر والعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من تسعة أشهر. وفي ظل النقص الحاد في الإمدادات الغذائية والطبية، تحذر الجهات الصحية من انهيار شبه كامل في البنية التحتية للمستشفيات، ما يهدد بموجة جديدة من الوفيات، لا سيما بين الأطفال والمرضى المزمنين. وفي وقت سابق، أعلنت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا قُتلوا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 27 مايو/أيار، أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الغذائية، في مشهد وصفته مؤسسات حقوقية بأنه "مجزرة مفتوحة بحق المدنيين الجائعين". من جهتها، شددت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) على أن "المجاعة في غزة من صنع الإنسان بالكامل"، داعية إلى السماح العاجل للوكالات الإنسانية، بما فيها الأونروا، بالوصول الآمن لتقديم المساعدات لمليون طفل يعانون من الجوع. وفي السياق ذاته، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن الاحتلال الإسرائيلي "حوّل عملية توزيع المساعدات في غزة إلى نظام عسكري معيب تسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وحوّلها إلى مصيدة موت". وتواصل منظمات أممية ومؤسسات إغاثية التحذير من انهيار وشيك للمنظومة الصحية في القطاع، وسط تفشي سوء التغذية والأمراض، وغياب شبه تام لمياه الشرب والدواء والرعاية الصحية، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم في العصر الحديث.

عن الصمود.. وأطفال فلسطين
عن الصمود.. وأطفال فلسطين

الغد

timeمنذ 6 أيام

  • الغد

عن الصمود.. وأطفال فلسطين

ترجمة: علاء الدين أبو زينة اضافة اعلان د. م. رضا بهنام* - (كاونتربنش) 25/7/2025صمود هي كلمة عربية تُجسّد القدرة على تحمّل المشقة والحفاظ على الحسّ بالهوية والهدف، على الرغم من التحديات التي يشكلها العيش تحت الاحتلال.إن أمة تشوه، وتقتل، وتجوّع الرجال والنساء والأطفال، من غير المرجّح أن تبقى. كما أن قادة الأمم الذين ساعدوا -أو شاركوا في- هذه الفظائع سيواجهون على الأرجح المصير نفسه.تقول "محكمة غزة"، التي تم إنشاؤها حديثًا لمواجهة تواطؤ العديد من الدول الغربية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل: "تمثّل غزة نقطة قطع في المسيرة التاريخية للإنسانية، عندما يسود نظام عالمي قائم على القوة، لا على العدالة". وقد وصف ريتشارد فولك، رئيس المحكمة، غزة، في جلستها الأولى في سراييفو، بأنها "التحدي الأخلاقي لزمننا".إنهم أطفال غزة، مستقبل فلسطين، هم الذين يتحملون عبء فظائع إسرائيل. وتصف "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسف) غزة بأنها أخطر مكان في العالم على الأطفال. وفي معرض تعليقه على حرب إسرائيل على غزة، قال فيليب لازاريني، المفوض العام لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، فيليب لازاريني: "هذه حرب على الأطفال. إنها حرب على طفولتهم ومستقبلهم".ثلثا الفلسطينيين الذين قتلهم في غزة "الجيش الأخلاقي" -المعلن ذاتيًا كذلك- هم من النساء والأطفال. وواحد من كل عشرة أطفال في غزة يعاني من سوء التغذية بسبب الحصار المُحكم الذي تضربه إسرائيل على المساعدات الإنسانية. ويعاني أكثر من 40.000 طفل من إعاقات ناجمة عن الحرب نتيجة الهجمات: "أصبحت غزة الآن تضم أعلى نسبة من مبتوري الأطراف بين الأطفال وفق نسبة الأفراد مقارنة بأي مكان آخر في العالم".ويلاحظ طبيب نفسي للأطفال يعمل مع منظمة "أطباء بلا حدود في فلسطين" أنه "لا يوجد شيء اسمه (ما بعد) في اضطراب ما بعد الصدمة. إنها صدمة مستمرة؛ إنها صدمة مطوّلة؛ إنها حرب (إسرائيلية) تليها حرب أخرى".بينما يعتصرني الألم من المعاناة والصدمة التي تفوق الوصف والتي يختبرها أطفال غزة، لا تفارقني لازمة أغنية بيلي هوليداي الحزينة للعام 1941: "فليبارك الله الابن الذي لا ينتظر عون أحد".هذا النشيد المؤلم مصمم لكل أولئك الذين يعانون من الألم الجسدي والنفسي. يبدو الأمر كما لو أن كلمات الأغنية كُتبت خصيصًا من أجل الفلسطينيين.تشجع القصيدة الاعتماد على قوة المرء وقدراته الذاتية حتى يتمكن من البقاء والنجاة من ظلم الحياة وقسوتها. وعلى الرغم من لهجتها الحزينة، فإنها تحمل رسالة قوية عن الإصرار على تقرير المصير والتحدي في وجه المحن. ومع مرور الوقت، أصبحت نشيدًا للاستقلال والاعتماد على النفس.لقد عانت أجيال من الفلسطينيين من ظلم لا يُحصى، وأجبِر الفلسطينيون على النضال من أجل البقاء وحدهم. وكان الصمود، باعتباره قيمة أساسية في المجتمع الفلسطيني، هو نجمهم الهادي.على مدى عقود، لجأت الأنظمة الإسرائيلية المدعومة أميركيًا إلى القسوة المنهجية والقوة الساحقة لقمع المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، جعلت هذه الوحشية الفلسطينيين أكثر قوة وابتكارًا في مواجهة القهر الصهيوني.الآن، شرع نضال الفلسطينيين من أجل الحرية في توحيد العالم، وأصبح عابرًا للأجيال. أصبحت فلسطين تعني الحرية، خاصة بالنسبة للمحرومين والمهمشين.على الرغم من امتلاكها ترسانة عسكرية أميركية في متناولها، عجزت إسرائيل عن هزيمة قوة تخوض حرب عصابات ولا تملك أي وسائل دفاع حقيقية. وقد اغتالت قوات الاحتلال عددًا لا يُحصى من القادة الفلسطينيين، وقصفت بلدهم بلا هوادة، وحولت غزة التاريخية إلى أنقاض، لكنها لم تنجح في سحق روح الصمود.كان من المهم للغاية أن ينكشف زيف الصورة التي روّجت لها إسرائيل لنفسها كدولة ديمقراطية، متحضّرة، وأخلاقية، وأن توصم بالعار. وقد وصل المجتمع الدولي إلى إدراك طبيعة الكيان الصهيوني على حقيقته: مشروع استيطاني استعماري وحشي وغير قانوني في قلب العالم الإسلامي، يسعى إلى أن يصبح القوة الإقليمية المهيمنة بلا منازع. وبينما تنخرط في حملة بربرية بوحشية مطلقة في غزة والضفة الغربية المحتلتين، هاجمت إسرائيل أيضًا إيران، لبنان، سورية واليمن.من المؤسف أن تكون واشنطن قد ألزمت نفسها بدعم الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل -ماليًا وعسكريًا وسياسيًا. وكان موقف العرب، بدولهم الثلاث والعشرين، (باستثناء اليمن)، والتي يبلغ عددهم 500 مليون نسمة، ضعيفًا وخاضعًا للولايات المتحدة.ثمة الكثير الذي يستطيع العالم العربي، بل يجب عليه، أن يتعلمه من صمود الفلسطينيين. إن طاقتهم التحررية وثباتهم يقفان شاهدًا على ما هو ممكن: نظام إقليمي موحّد جديد يقول "لا" للهيمنة الأميركية - الإسرائيلية.من الجدير ملاحظة أن القادة العرب أدركوا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ضرورة الوقوف الحازم في وجه زرع الإمبريالية الغربية في المنطقة بشكل عام، وفي فلسطين على وجه الخصوص.على سبيل المثال، أوضح الدبلوماسي المصري وأول أمين عام لجامعة الدول العربية حديثة التأسيس، عبد الرحمن حسن عزام، المعروف أيضًا بعزام باشا، موقف الجامعة من فلسطين والمزاعم الصهيونية خلال جلسة استماع علنية للجنة الإنجليزية-الأميركية للتحقيق في القاهرة في العام 1946. وكان قد تم تشكيل هذه اللجنة في أعقاب الحرب العالمية الثانية لبحث تأثير توطين 100 ألف ناجٍ يهودي من المحرقة في فلسطين.في جلسات الاستماع التي عقدت في القاهرة، قدّم عزام باشا رؤية مستقلة لمستقبل المنطقة، فقال:"الصهيوني، اليهودي [الأوروبي] الجديد، يريد أن يهيمن، وهو يتظاهر بأنه يقوم بمهمة تمدينية يريد أن يتوجه بها إلى جنس منحط متخلف ليغرس فيه عناصر التقدّم في منطقة لا تريد أي تقدّم. حسنًا، هذه كانت دائمًا دعوى كل قوة سعت إلى الاستعمار وهدفت إلى الهيمنة... العرب يقفون ويقولون، ببساطة: لا. لسنا رجعيين ولسنا متخلفين... لدينا إرث غني من الحضارة والحياة الروحية. ولن نسمح بأن يسيطر علينا أحد...".رفض عزام باشا، كما كان حال قادة عرب آخرين في زمانه، إقامة دولة يهودية حصرية، واقترح بدلًا من ذلك قيام فلسطين مستقلة تحكم نفسها، وتُحترم فيها إرادة الأغلبية العربية وتُصان فيها المساواة الكاملة بين جميع سكانها، بغض النظر عن دياناتهم. ومن المؤسف أن المواقف الحالية تبدو صمّاء إزاء مثل هذا الطرح.ليست فلسطين الوطن الأصلي للصهاينة ولا لذريّتهم، الذين احتلوا بشكل غير قانوني طيلة 77 عامًا أرضًا مسروقة، وأداموا أنفسهم بموارد منهوبة. وهو ما يفسر الغياب الكامل لأي ندم أو تردّد لدى النظام الإسرائيلي في تدمير غزة ذات التاريخ الممتد لخمسة آلاف عام.منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلية قطاع غزة بشكل ممنهج، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب "المادة 53" من "اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949"، التي تحظر تدمير الأراضي المحتلة مسبقًا من قبل قوة احتلال. ومنذ انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار في آذار (مارس) 2025، نفذت إسرائيل عمليات هدم مسيطرًا عليها ومخططًا لها مسبقًا في كل أنحاء غزة المدمرة بالقصف، وقامت فعليًا بتسوية مدينة رفح بالأرض، وهي المدينة التي تمتد جذورها التاريخية لآلاف السنين.لدى الفلسطينيين، تمامًا مثل أشجار زيتونهم التي يعتزون بها، حيوات متجذرة عميقًا في تراب فلسطين. ومثل هذه الأشجار، رفضوا أن يُقتلعوا على يد الإمبرياليين البريطانيين، والصهاينة، والأميركيين.لقد عولَمَت ثورة تشرين الأول (أكتوبر) قصة النكبة الفلسطينية. لم يعد بالوسع تجاهل فلسطين. وأصبح بقاء النظام الدولي وسيادة القانون نفسيهما مرتبطًا بشكل وثيق ببقاء الأمة الفلسطينية.اليوم، أصبح دعم المجتمع الدولي للنضال الفلسطيني أكثر أهمية وحسمًا من أي وقت مضى. ومن الضروري أن يتحول هذا الدعم من كونه دعمًا سلبيًا إلى أفعال ملموسة، وهو ما بدأت بعض الدول في إدراكه أخيرًا. وأدى هذا الوعي المتزايد إلى ظهور عدد من المبادرات الدولية، منها: "محكمة غزة"، و"مجموعة لاهاي"، و"مجموعة مدريد"، على سبيل المثال لا الحصر.تستند "محكمة غزة"، التي تُعرف أيضًا باسم "محكمة الشعوب"، وهي مبادرة من المجتمع المدني، إلى خبرات مجموعة واسعة من المفكرين والأكاديميين والمحامين ونشطاء حقوق الإنسان، وشخصيات أخلاقية وثقافية، ومنظمات مدنية، وتعمل لتكون بمثابة "محكمة للضمير الإنساني"، وتتناول بشكل خاص الوضع في غزة.وعلى سبيل المثال، في "المؤتمر الطارئ لمجموعة لاهاي" الذي عُقد في بوغوتا، كولومبيا، بتاريخ 15 تموز (يوليو) 2025، اتفقت جميع الدول الثلاثين المشاركة على أن "عصر إفلات [إسرائيل] من العقاب يجب أن ينتهي -وأن القانون الدولي يجب أن يُطبق".كما أن الهدف المُعلن لـ"مجموعة مدريد"، وهي تحالف يضم أكثر من 20 دولة أوروبية وعربية، هو إنهاء الحرب والحصار الإسرائيليين على غزة.بعد مرور 22 شهرًا من الهمجية، أعرب وزراء خارجية بريطانيا و27 دولة أخرى أخيرًا عن "انتقادات حادة" لإسرائيل بسبب سلوكها في غزة. وعلى الرغم من كل محاولاتهم تجاهل المجازر، فإنهم لم يستطيعوا الاستمرار في إنكار مشهد القتل اليومي للغزّيين الذين يتضورون جوعًا ويحاولون يائسين الوصول إلى الغذاء. وقد قُتل أكثر من 1.054 شخصًا في مناطق توزيع المساعدات منذ أن استولت "مؤسسة غزة الإنسانية" -وهي مقاول أميركي مدعوم من إسرائيل- على هذه المواقع وفرضت الطابع العسكري على توزيع الإغاثة بتاريخ 26 أيار (مايو) 2025.يوم الثلاثاء، 22 تموز (يوليو) 2025، حذر العاملون الإنسانيون في الأمم المتحدة من أن شرايين الحياة التي تُبقي سكان غزة على قيد الحياة شرعت في الانهيار. وفي اليوم نفسه، أفادت المستشفيات القليلة المتبقية بأنها سجلت وفاة 21 طفلًا خلال الأيام الثلاثة السابقة بسبب سوء التغذية والجوع. إن وحشية إسرائيل لا حدود لها.كلمات المغنية بيلي هوليداي التي ترثي فيها الصمود الإنساني وقوة الروح البشرية: "فليبارك الله الابن الذي لا ينتظر عون أحد... الذي يجلب خبزه ويملك أشياءه" - يتم الشعور بها بإلحاح اليوم بشأن كل فرد في فلسطين، وبخاصة أطفالها.*د. م. رضا بهنام Dr. M. Reza Behnam: باحث وأكاديمي أميركي من أصل إيراني، متخصص في السياسات الأميركية والمقارنة في الشرق الأوسط، وله مساهمات بارزة في تحليل التاريخ السياسي والسياسات الإمبريالية وتأثيرها للمنطقة، خاصة في ما يتعلق بإيران وفلسطين. شغل مناصب أكاديمية في عدد من الجامعات الأميركية، كما عمل مستشارًا في قضايا الشرق الأوسط. له كتابات ومقالات بارزة تتناول قضايا الاحتلال والعدالة الدولية، ويُعرف بمواقفه النقدية تجاه الأنظمة التي تنتهك القانون الدولي وحقوق الشعوب المستعمرة، التي نُشرت في منصات فكرية بارزة، حيث يسلط الضوء على ازدواجية السياسات الأميركية، ودعمها غير المشروط لإسرائيل، وتأثير ذلك على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة. كتابه الأبرز بعنوان "الأسس الثقافية للسياسة الإيرانية" Cultural Foundations of Iranian Politics، الذي يتناول فيه الجذور الثقافية العميقة للسياسة الإيرانية من منظور تاريخي وحضاري.*نشر هذا المقال تحت عنوان: Sumud and the Children of Palestine

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store