logo
الاحتلال ومستقبل غزة: بين وهم الاستيطان وواقع المنطقة العازلة

الاحتلال ومستقبل غزة: بين وهم الاستيطان وواقع المنطقة العازلة

وكالة شهابمنذ 2 أيام
منذ بداية الحرب على غزة، يطرح الاحتلال سيناريوهات متعددة لمرحلة ما بعد الحرب المدمرة، تتراوح بين السيطرة الأمنية المؤقتة وفرض وقائع دائمة على الأرض. ورغم التصريحات الإعلامية التي توحي بإمكانية إعادة الاستيطان في القطاع، فإن المعطيات الميدانية والسياسية تؤكد أن هذا الخيار يكاد يكون مستحيلاً لعدة أسباب جوهرية :
أولاً، العامل النفسي والأمني؛ فحتى مستوطني "غلاف غزة" الذين عاشوا على أطراف القطاع لسنوات، ما زالوا حتى اليوم يعيشون حالة خوف وذعر دائمين، رغم الإجراءات الأمنية المشددة. وإذا كان هؤلاء يترددون في العودة إلى منازلهم، فكيف يمكن إقناع المستوطنين بالقدوم إلى عمق غزة والاستقرار فيها؟
ثانياً، الكلفة الاقتصادية والبشرية لأي مشروع استيطاني في غزة ستكون باهظة للغاية، سواء على حكومة الاحتلال أو على المستوطنين أنفسهم. فإقامة بنية تحتية آمنة في منطقة عالية المخاطر، وتأمينها على مدار الساعة، أمر يفوق قدرات وإمكانيات الاحتلال على المدى الطويل.
ثالثاً، البعد العقائدي والأمني المرتبط بدفن الموتى. تاريخياً، لم تتضمن المستوطنات التي كانت قائمة في غزة قبل الانسحاب عام 2005 أي مقبرة، إذ كان قتلى المستوطنين يُدفنون في مقابر القدس أو الضفة ، التزاماً بعقيدة دينية وخشية من أي مخاطر أمنية. ويعد هذا مؤشراً على أن الاحتلال لا يرى غزة أرضاً صالحة للاستيطان الدائم.
إضافة إلى ذلك، تشير الإحصاءات إلى أن نحو 40% من مقابر المستوطنين تقع في مستوطنات الضفة المحتلة، وهو ما يعكس الرؤية الاستراتيجية للاحتلال بأن الضفة تمثل عمقاً استيطانياً طويل الأمد، على عكس غزة التي لا يخططون للبقاء فيها على هذا النحو.
لكن في المقابل، لا يخفي الاحتلال سعيه إلى فرض "منطقة آمنة" أو "عازلة" على طول أطراف غزة، وهي منطقة قد تمتد على مساحة ليست قليلة من أراضي القطاع، بما يتيح له حرية الحركة العسكرية ويُبعد السكان عن الشريط الحدودي. هذا المخطط يتكامل مع هدف آخر لا يقل خطورة، وهو تهجير أكبر عدد ممكن من أهل غزة، بعد تدمير بنيتها التحتية ومقومات الحياة فيها.
إن ما يجري اليوم يتجاوز حدود المعركة العسكرية إلى محاولة رسم خريطة جديدة للقطاع، تقطع أوصاله وتفرض واقعاً ديموغرافياً وجغرافياً مختلفاً. ومع ذلك، يبقى رهان الاحتلال على إخضاع غزة رهناً بصمود أهلها وقدرتهم على إفشال هذه المخططات.
نسأل الله أن يحفظ أهل غزة، وأن يُبطل كيد المعتدين.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ماذا بعد زيارة الأربعين؟
ماذا بعد زيارة الأربعين؟

شبكة النبأ

timeمنذ 9 دقائق

  • شبكة النبأ

ماذا بعد زيارة الأربعين؟

لنجعل زيارة الأربعين نقطة انطلاق نحو حياة جديدة تشرق فيها أنوار الإيمان والعمل الصَّالح، حياة نُجسِّد فيها رسالة أبي عبدالله الحسين بكلِّ تفاصيلها، ونحيي بها الثَّورة على الظلم والطغيان، متمسكين بعهد الوفاء والثَّبات مهما تعاظمت العقبات في طريقنا؛ فالإيمان الحقيقي هو ذلك الالتزام المستمر الذي يدفعنا لأن نمضي قدمًا... زيارة الأربعين رحلة تقود الإنسان إلى كربلاء المقدَّسة، تتلاقى فيها خطوات الأقدام مع نبضات القلوب، فتتحوَّل كلُّ خطوة على الطَّريق إلى نداء يوقظ الوعي بأنَّ العمر فرصة ثمينة، واللحظة التي نعيشها قد لا تتكرر أبدًا. في درب الأربعين الحسيني، هناك نداء خفي يرافق كلَّ زائر؛ نداء أمير المؤمنين (عليه السلام): "أيُّها الناسُ ألآنَ، ألآنَ! مِن قَبلِ النَّدَمِ، ومِن قَبلِ (أنْ تَقولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ وإنْ كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أو تَقولَ لَو أنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِن المُتَّقِينَ* أو تَقولَ حِينَ تَرَى العَذابَ لَو أنَّ لي كَرَّةً فَأكُونَ مِن المُحْسِنِينَ)(1)"(2). وكأنَّ الطَّريق يهمس في أذنك: الآن هو وقتك، الآن هو أوانك، قبل أن يتحوَّل الشَّوق إلى حسرة، وقبل أن تقول يومًا: "يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ"؛ فالأربعين عهدٌ يعقده الزَّائر مع ربِّه (تبارك وتعالى) ومع إمامه (عليه السلام) ومع نفسه، بأن يكون باقي أيَّامه امتدادًا لخطواته في هذا الدَّرب. وعلى امتداد هذا المسير المبارك، تتجلَّى حقيقة أخرى أطلقها الإمام علي (عليه السلام): "اِنتَهِزُوا فُرَصَ الخَيرِ؛ فإنّها تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ"(3)؛ فإنّك في الأربعين أمام غيمة رحمة، وسحابة إلهيَّة تمطر على القلوب، فإن فتحت قلبك لها ارتويت إيمانًا ووفاءً، وإن أغلقت قلبك عنها مرَّت سريعًا، كما تمر السُّحب في سماء لا تنتظر أحدًا. هنا يدرك الزَّائر أنَّ ما يعيشه موسم ربَّاني لو عرف قيمته لبذل فيه كلَّ ما يستطيع من طاعة وإصلاح. وفي كلِّ لحظة على الطَّريق، يذكِّرك الإمام الحسن (عليه السلام) بحقيقة العمر بقوله: "يابنَ آدمَ، إنَّكَ لم تَزَلْ في هَدمِ عُمرِكَ مُنذُ سَقَطتَ مِن بَطنِ اُمِّكَ، فَخُذْ مِمَّا في يَدَيكَ لِما بَينَ يَدَيكَ؛ فإنَّ المؤمنَ يَتَزوَّدُ، والكافِرَ يَتَمتَّعُ"(4)؛ فالأيَّام تتساقط من حياتك كما تتساقط حبَّات الرَّمل من بين أصابعك، ولن يبقى لك إلَّا ما تزودت به في محطَّات النُّور؛ لأنَّ المؤمن يتزوَّد، والكافر يتمتع، وفي الأربعين الحسيني أنت تختار: أتكون ممَّن جمع الزَّاد، أم ممَّن أضاع العمر في اللهو والفراغ؟ لكن المسألة لا تقف عند نهاية الطَّريق. فما إن ينتهي المسير وتعود الأقدام إلى الدِّيار، حتَّى يبقى السُّؤال حاضرًا في قلب كلِّ مؤمن ومؤمنة: كيف أُبقي ذلك النُّور الذي أضاء قلبي في الأربعين؟ وكيف أحوّل المشاعر التي غمرت كياني في الأربعين إلى وقود دائم لمسيرتي؟ هنا يكمن الجواب العميق: أن تجعل الأربعين موعدًا دائمًا يسكن قلبك لا ورقةً في تقويمك، وأن تحوِّل أيَّامك كلَّها إلى مسيرة تمضي فيها مع الإمام الحسين (عليه السلام). وأن تحمل نوره في تفاصيل حياتك؛ في كلماتك وأعمالك، في قراراتك واختياراتك، حتَّى يصبح الإمام الحسين (صلوات الله عليه) رفيق أنفاسك، وشعاره نبض عمرك، فلا يحدُّه زمن ولا تحجبه المسافات. ولكي نستثمر بركات زيارة الأربعين بعد انقضائها، لا بدَّ أن نجسِّدها في حياتنا عبر جملة من المحاور: المحور الأوَّل: الحفاظ على آثار الزيارة. من المعلوم أنَّ زيارة الأربعين ليست حدثًا عابرًا، وإنَّما نفحة إلهية تُودع في القلب نورًا لا يبهت، وشعورًا بالسَّكينة والطَّمأنينة يتجاوز حدود الزَّمان والمكان، فهي جسر يصل بين لحظات الاستقامة التي عاشها الزَّائر في كربلاء، وبين تفاصيل حياته اليوميَّة التي تحتاج إلى دوام الاتصال بنهر الإيمان والعمل الصَّالح. لكن هذا الأثر العظيم يبقى ناقصًا إن لم نحرص على رعايته وتغذيته بعد العودة من الزِّيارة. وأوَّل ما يحفظ هذا النُّور أن يبقى ذكر الله (تعالى) حيًّا في وجدانك، حاضرًا في عملك، يرافقك في كلِّ حركة وسكون؛ فإنَّ ذكر الله (تعالى) سكينة للقلوب، ومرفأ أمان تلجأ إليه في كلِّ لحظة، ثمَّ يجيء ذكر الإمام الحسين (عليه السلام)، ليكون إشعالًا متجدِّدًا لمصباح الهداية في قلبك؛ وكلَّما استحضرت سيِّد الشهداء (عليه السلام)، عادت إليك تلك العزيمة التي غمرت قلبك وأنت تمضي في درب الأربعين، ويبقى هذا الذكر المستمر هو الملاذ والجسر الذي يصلك به مهما باعدت بينكما المسافات. وفي هذا المعنى، يضيء لنا الإمام الرضا (عليه السلام) طريق الاستمرار، حين قال: "إنَّ يَومَ الحُسَينِ عليه السلام أقرَحَ جُفونَنا، وأسبَلَ دُموعَنا، وأذَلَّ عَزيزَنا، بِأَرضِ كَربٍ وبَلاءٍ أورَثَتنَا الكَربَ وَالبَلاءَ، إلى‏ يَومِ الانقِضاءِ، فَعَلى‏ مِثلِ الحُسَينِ عليه السلام فَليَبكِ الباكونَ، فَإِنَ‏ البُكاءَ يَحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ"(5). ومن يتأمَّل في هذه الرِّواية الشَّريفة سيجد دعوة صريحة لأن يبقى الإمام الحسين (عليه السلام) حاضرًا في قلوبنا ودموعنا طوال العمر، في كلِّ يومٍ من أيَّام حياتنا، لا في مواسم محدودة مثل عاشوراء أو الأربعين. ولا ينبغي أن نغفل عن قراءة الأدعية والأذكار التي رافقتنا في الطَّريق، فإنَّها أنفاس تحمل المعاني السَّامية التي أبقت القلب متوهجًا أيَّام الزيارة. وكل تلاوة منها تجدد العهد وتفتح أبواب الرَّحمة، ليبقى القلب متصل بحضور الإمام الحسين (عليه السلام) حتَّى من وراء المسافات. إنَّ المحافظة على هذه العبادات، وعلى تجديد العهد مع أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)، تجعل من زيارة الأربعين نقطة انطلاق لحياة جديدة، ثابتة على المبادئ، قريبة من الله (تعالى)، ومشرقة بأنوار الإمام الحسين (عليه السلام). وعندها يتحوَّل الأثر من ذكرى جميلة إلى قوَّة دافعة نحو الخير والتَّضحيَّة، في كلِّ لحظة من لحظات العمر. المحور الثَّاني: تطوير النفس. وبعد أن عاش الزَّائر تلك اللحظات الإيمانيَّة، تبدأ المرحلة التَّالية، وهي أن تبقى تلك المشاعر حاضرة ومتجددة في سلوكياته وأعماله اليومية؛ لأنَّ زيارة الأربعين هي انطلاقة تعيد ترتيب بوصلة الحياة، وتفتح أبواب النُّور لمن أراد أن يجعل من كربلاء منبعًا لطريق راسخ وإيمان متجدِّد. أولى خطوات هذا التَّطوير تتمثَّل في مراقبة النَّفس بصدق ووضوح، وأن نواجه بجرأة ما يبعدنا عن درب الحقِّ والعدل، وأن نحاربه بإرادة صلبة. وأن يتجسَّد هذا الارتباط العميق في أفعالنا واختياراتنا التي تشكِّل هويتنا الحقيقيَّة؛ وبعد ذلك ننتقل إلى مرحلة محاسبة النَّفس؛ التي هي بمثابة مرآة صادقة نطلُّ منها على أخطائنا، ونقيِّم من خلالها خطواتنا نحو الأفضل، ونراجع فيها ما كنَّا عليه، ونحدِّد أين يمكن أن نتحسن، وكم اقتربنا من القيم العظيمة التي نستمدها من ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام). وعن طريق هذه المحاسبة المنتظمة، نبني الجسور المتينة بين إرادتنا وحياتنا، فتتحوَّل كلُّ خطوة إلى مسار مدروس نحو الكمال الإنساني؛ ولذلك نجد الإمام عليًّا (عليه السلام) يحثنا على محاسبة أنفسنا باستمرار، فيقول: "ما أحَقَّ الإنْسانَ أنْ تَكونَ لَهُ ساعةٌ لا يَشْغَلُهُ شاغِلٌ، يُحاسِبُ فيها نَفْسَهُ، فيَنْظُرُ فيما اكْتَسَبَ لَها وعلَيها في لَيلِها ونَهارِها"(6)؛ فهذا الوقت المخصص للمراجعة الذَّاتية يشكِّل نقطة انطلاق نحو الثَّبات في طريق الاستقامة. ويؤكد الرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه) وآله على أهميَّة المراقبة الدقيقة للنفس، حين يقول: "لا يَكونُ الرّجُلُ مِن المُتَّقينَ حتّى يُحاسِبَ نَفسَهُ أشدَّ مِن مُحاسَبَةِ الشَّريكِ شَريكَهُ، فَيعْلَمَ مِنْ أينَ مَطْعَمُهُ؟ ومِن أينَ مَشْرَبُهُ؟ ومِنْ أينَ مَلْبَسُهُ؟ أمِن حِلٍّ أمْ مِن حَرام ؟"(7). وهذا التَّأكيد يجسِّد ضرورة أن تبقى وسائل الحياة نقيَّة، بما يعزِّز صفاء الإيمان وعمقه وصدق الانتماء إلى طريق الحقِّ. وبجانب ذلك، يبرز الالتزام بتغيير العادات القديمة التي تعيق تقدمنا؛ فالكثير من هذه العادات تكون متجذرة منذ زمن بعيد؛ لكن زيارة الأربعين تمنحنا دفعة قويَّة لنفتح صفحة جديدة مع أنفسنا؛ فنعمل على إعادة ترتيب حياتنا، للتخلص من كلِّ ما يثقل كاهل النَّفس، والتَّمسك بكلِّ ما يقرِّبنا إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإلى قيم الحقِّ والعدل. وبهذا المعنى، تتحوَّل زيارة الأربعين إلى نقطة انطلاق حقيقيَّة نحو تحسين الذَّات، والارتقاء بالسلوك، وعيش حياة متزنة ينبع نورها من قوَّة الإرادة. المحور الثَّالث: الاستمرارية في التعلم. من ينظر إلى زيارة الأربعين بعين الباحث عن الحقيقة سيقف عند معنى كبير وقاعدة مهمَّة، وهي: إنَّها بداية لرحلة طويلة تتسع يومًا بعد يوم في فكر الإنسان. ومع كلِّ خطوة نحو كربلاء ينبض القلب بحبِّ الإمام الحسين (عليه السلام)، وتزداد في النَّفس الرَّغبة المتجددة لاستكشاف عمق رسالته. وهذه المشاعر تتجدد ولا تنطفئ، وتنتقل مع الزَّائر إلى تفاصيل حياته اليوميَّة، فيحتاج القلب إلى غذاء دائم من العلم والتَّدبر للحفاظ على وهجها متقدًا. لذا يصبح الاستمرار في التَّعلم أمرًا لا بدَّ منه، ويكون الاستماع إلى المحاضرات وقراءة الكتب التي تحكي قصَّة الطَّف وسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) جسرًا يربط بين القلب والفهم العميق؛ حيث تفتح كلُّ كلمة نافذة على عالم جديد من المعاني النَّبيلة. وهذا الفهم المتجدد يعين على تحويل قيم الإمام الحسين (عليه السلام) من أفكار إلى ممارسات نعيشها يوميًا، فتتجلَّى في سلوكنا وتؤثِّر في مجتمعنا. وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم سنجد تأكيدًا على أهميَّة هذه الرِّحلة المستمرة لتزكية النَّفس وتهذيبها؛ إذ يقول (تعالى): (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)(8)، وهذا يوجهنا نحو إدراك أنَّ النَّجاح لا يتحقق في لحظة واحدة، وإنَّما عبر استمراريَّة العمل على تطوير النَّفس. ومع تعمق هذا الفهم في القلب، يمتد أثره إلى المجتمع كلِّه، فتتولد مسؤوليَّة بناء مجتمع متماسك قائم على الرَّحمة والتَّعاون والتَّضامن. وبهذا التَّكامل بين التَّعلم والمشاركة، تتحوَّل زيارة الأربعين من ذكرى إلى نور يقودنا نحو مجتمع ينعم بالعدل والمحبَّة، مجسدًا رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) في كلِّ فعل وكلمة في حياتنا. المحور الرَّابع: تقوية الروابط الاجتماعية. من القضايا التي لا نختلف فيها أنَّ زيارة الأربعين تزرع في القلب قيم الوحدة والمحبَّة التي تتجاوز كلَّ اختلاف في الأصول والمشارب؛ ففي درب كربلاء، يتعلَّم الإنسان كيف يفتح قلبه للجميع من دون استثناء، وكيف تتحوَّل المحبَّة من شعور إلى فعل ينبض في كلِّ خطوة، ينبع من رحم التَّراحم والتَّكافل الإنساني الصَّادق، ليصبح نبضًا حقيقيًا يربطنا بعضنا ببعض. والشَّاهد على ذلك هذه الروح التي نشهدها في مواكب الأربعين، والوفاء الذي ظهر في الأيادي المتشابكة لخدمة الزَّائرين،؛ فمحبَّة النَّاس، ومواصلة نشر الخير، ومدّ يد العون إلى المحتاج؛ إنَّها انعكاس لجزء من روح الفداء التي جسَّدها الإمام الحسين (عليه السلام) بكلِّ ما تحمله العظمة من معنى. وفي هذا السياق، يذكِّرنا الإمام الصَّادق (عليه السلام) بقيمة الأخوة الحقيقيَّة التي أضاءتها زيارة الأربعين، حين قال: "اَلْمُؤْمِنُ أَخُو اَلْمُؤْمِنِ عَيْنُهُ وَدَلِيلُهُ لاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَغُشُّهُ وَلاَ يَعِدُهُ عِدَةً فَيُخْلِفَهُ"(9)؛ وهذه الحقوق هي أسس يجب أن نفعِّلها في حياتنا. ولقد أدركنا قيمتها في أيَّام الأربعين، ولنا القدرة على مواصلة تنميتها وتقويتها في كلِّ يومٍ من أيَّام العام، ولو استطعنا أن نحيا محبَّة الأربعين في تفاصيل حياتنا، سنصبح جسدًا واحدًا ينبض بالرَّحمة والتَّكافل. ولتقوية هذه الروابط، ينبغي التَّركيز على مجموعة من الأعمال المحوريَّة: 1. تقديم الوقت والاهتمام والتَّعاطف الحقيقي مع الفقراء والمحتاجين؛ فكل خطوة نخطوها لتخفيف ألم قلب مكروب، أو لرفع معاناة إنسان محتاج هي امتداد لرسالة الأربعين، وقيمة تعيش في أعماق قلوبنا وتتحرَّك بأفعالنا. 2. المشاركة المستمرة في المجالس الحسينيَّة والفعَّاليات الدِّينيَّة التي تفتح أمامنا أبوابًا لتجديد العهد مع قيم الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ففي هذه المساحات، يجتمع القلب مع القلب، فتولد روح الأخوة والإخلاص، ويُغذى الإيمان ويُبنى المجتمع على دعائم الرَّحمة والتَّواصل المثمر. 3. المشاركة الفاعلة في الأعمال الجماعيَّة، التي تشكِّل وسيلة حقيقيَّة لنقل بعض دروس الأربعين وتجسيدها في واقع حياتنا اليوميَّة، بحيث تصبح أثرها ملموسًا ومستدامًا؛ فالتطوع في المؤسسات الخيريَّة والدينيَّة، على سبيل المثال، هو أجمل تعبير عن هذه الروح النبيلة، وخاصَّة حين نكرِّس بعض وقتنا وجهدنا بنيَّة صادقة لبناء مجتمع أكثر رحمة وعطاءً. 4. التَّعاون في تنظيم الزيارات والفعَّاليات الحسينيَّة؛ فإنَّ ذلك يُرسِّخ أواصر الجماعة ويربطنا بتراثنا العظيم، ويجعلنا جزءًا فاعلًا ومستمرًا في مسيرة تتجاوز حدود المكان والزَّمان. فمشاركتنا في هذه الفعَّاليات هي تجسيد للوحدة والتلاحم، وتجعلنا نشعر بأننا حملة لواء قصة ملهمة نعيشها ونُحييها في كلِّ مناسبة. 5. التواصل المستمر مع الزَّائرين، فهم رفقاء دربنا في رحلة الإيمان والتضحيَّة؛ لأنَّ تبادل الدَّعم المعنوي معهم يقوي عزيمتنا ويثبّت أقدامنا، ويؤكِّد لنا أننا لسنا وحدنا في هذه المسيرة، وأنَّ هناك من يشاركنا الأهداف والقيم والرؤية التي توحدنا على طريق الإمام الحسين (عليه السلام). وبهذه المشاركة الحقيقيَّة والفاعلة، تتحوَّل زيارة الأربعين من ذكرى عابرة إلى تجربة فكريَّة واجتماعيَّة تنبض في مجتمعنا، وتدفعنا للعمل معًا بروح واحدة لبناء عالم أفضل، نستمد فيه قوَّتنا وإلهامنا من نور الإمام الحسين (عليه السلام)، ومن الأخوة الصَّادقة التي جمعتنا على دربه المبارك. إنَّ الحفاظ على شعلة الأربعين متقدة في قلوبنا وأفعالنا مسؤوليَّة عظيمة وأجمل ما يمكن أن نحمله في حياتنا؛ إذ تمثِّل هذه الشعلة نورًا يهدي دروبنا ويغذي نفوسنا بنور المحبَّة والتَّضحيَّة؛ وباحتضاننا لهذه المعاني الشَّامخة، نصبح قادرين على العيش بقيم العطاء والرَّحمة، لنكون عوامل حقيقيَّة في نشر الخير والعدل، ونحدث تغييرًا ملموسًا في واقع مجتمعاتنا، متمسكين بالرِّسالة التي استلهمناها من نهج الإمام الحسين (عليه السلام)، والذي علَّمنا الصَّبر والثَّبات في وجه الظلم، والإيثار في سبيل الحقِّ والإنسانيَّة. لذلك، لنجعل زيارة الأربعين نقطة انطلاق نحو حياة جديدة تشرق فيها أنوار الإيمان والعمل الصَّالح، حياة نُجسِّد فيها رسالة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) بكلِّ تفاصيلها، ونحيي بها الثَّورة على الظلم والطغيان، متمسكين بعهد الوفاء والثَّبات مهما تعاظمت العقبات في طريقنا؛ فالإيمان الحقيقي هو ذلك الالتزام المستمر الذي يدفعنا لأن نمضي قدمًا بلا تراجع، نواجه الصعاب بروح متجددة، ونحمل نور الإمام الحسين (عليه السلام) عاليًا في قلوبنا وأفعالنا. ولتكن الأيَّام التي تعقب زيارة الأربعين حاملة لمعاني الوفاء والإخلاص، ينبض فيها أثر تلك الرحلة المقدَّسة التي غيَّرت قلوبنا وأفكارنا، وفتحت أمامنا آفاق الأمل واليقين، ولتكن أنفاسها ضياءً يبدِّد العتمة، وخطى واثقة تمهِّد لنا دروب المستقبل نحو غدٍ مشرق يزهر فيه الإيمان والعمل الصَّالح. ........................................ الهوامش: 1. سورة الزمر/ الآيات: 56-58. 2. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام): ج ٢، ص 408. 3. غرر الحكم ودرر الكلم: ص١٥٢. 4. بحار الأنوار: ج ٧٥، ص ١١٢. 5. أمالي الشيخ الصدوق: ص ١٩٠. 6. مستدرك الوسائل: ج ١٢، ص ١٥٤. 7. مكارم الأخلاق: ص ٤٦٨. 8. سورة الشمس/ الآيتان: 9-10. 9. الكافي: ج ٢، ص ١٦٧.

شباب الأربعين: من هموم الذات الى مسؤولية الأمة
شباب الأربعين: من هموم الذات الى مسؤولية الأمة

شبكة النبأ

timeمنذ 9 دقائق

  • شبكة النبأ

شباب الأربعين: من هموم الذات الى مسؤولية الأمة

إن طريق الامام الحسين هو طريق الإصلاح الفردي والجماعي بما يتطلب الأمر صبراً، وزمناً طويلاً، ولكن يستحق العناء لأن النتائج كبيرة، فالذي يكون في موقع يرى فيه الناس شخصية يأخذون منه العلم والفكر والثقافة مثل؛ الاستاذ الجامعي، والخطيب، والأديب، وعالم الدين، وهو متخرج من المدرسة الحسينية، لن يكون سواء مع يعد نفسه قائداً للمجتمع... التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى في العالم تحققت على أيدي الشباب بصرخاتهم في الشوارع، وتحديهم البطولي لبنادق السلطة، و استخفافهم بالاعتقال والتعذيب، وحتى الموت في الزنزانات وفي ميادين الإعدام، وفي العراق دور مشهود للشباب في تحدي الاستبداد الحزبي، والدفاع عن العقيدة والايمان في عهد النظام الصدامي، وفي مرحلة لاحقة أثبتوا دورهم البطولي في الدفاع عن هذه العقيدة وعن الإيمان ضد أيتام ذلك النظام فيمن تقمصوا الدين و"حكم الإسلام"، وبين النضال في سني السبعينات والثمانينات، ثم الجهاد في العقد الثاني من الألفية الثالثة، ما يزال الشباب يواظب على طلب العلم والمعرفة ليتمكن من خلالها الإسهام في تطور بلده، وفي نفس الوقت المشاركة في حل أزماته. هؤلاء الشباب نجدهم اليوم في المواكب الخدمية على طريق زوار الامام الحسين، عليه السلام، في ذكرى اربعينيته، وفي الهيئات والحسينيات، يقومون بمختلف الاعمال، فما الذي جاء بهم الى أماكن وأجواء كهذه؟! القضية تاريخية تعود الى اكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، بينما الشباب يتطلعون الى المستقبل، وهي مفارقة بحد ذاتها تدعو للتأمّل، فالشباب، من حيث المبدأ، يشارك في مشروع او يسير في طريق يرجو المكسب المادي من ورائه، فهو يدخل الجامعة ليحصل على شهادة اكاديمية تعرفه في المجتمع كمتخصص في جانب علمي يتخذه مهنة وفرصة عمل، كأن يكون طبيباً أو محامياً، او محاسباً، او مهندساً، وكذا الحال في عالم المال والاعمال والتجارة، بينما هنا؛ خلال زيارة أربعين الامام الحسين، بل وفي الزيارات المليونية ايضاً، تختفي هذه المعادلة بشكل غريب. كما هي الطائرة المتكونة من آلاف، وربما ملايين الأجزاء الصغيرة والمعقدة والمتشابكة، ولا تحلق إلا بسلامة جميع هذه الأجزاء، ولكن؛ شيء واحد ينقصها، وهو؛ البوصلة الموجودة في دماغ الطيار الذي يحدد لها وجهتها، وإلا فهي جثّة هامدة على أرض المطار. الشباب المعروف بصفات أربع –من جملة صفات وخصال-: 1- الرغبة في الحرية. 2- الرغبة في كل جديد يدعو الى الإثارة والتنوع. 3- ركوب العاطفة والحماس 4- حب الظهور و إثبات الذات في كل تجارب التغيير بالعالم نجد الشباب تحرك، وقدم، وضحّى، وأصبح جسراً للآخرين فتقدم الجميع وبقي هو بين المغادرين للحياة، او المغادرين الى المنافي في بلاد الغربة، او الانقياد للسلطة الحاكمة بحثاً عن لقمة العيش كما هو الحال في العراق، ولكن هذا لم يحدث عند شباب الأربعين الحسيني مطلقاً منذ أن وجدت هذه الشعيرة الحسينية بهذه الفعاليات الواسعة قبل عقود خلت، فمن قضى من الشباب نحبه من أبناء الأجيال الماضية، تحول الى رمز لمكافحة الفساد والظلم لمن ينتظر من أبناء الجيل الجديد، وربما لسان حاله، ما قال أخا الأوس (إحدى القبائل العربية) لابن عمّه الذي أراد ثنيه عن الالتحاق بإحدى غزوات رسول الله: سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى اذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما و واسى الرجال الصالحين بنفسه وخالف مثبوراً وفارق مجرما إن عشت لم أُلم وإن متّ لم أندم كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما والسبب بات واضحاً للقارئ الكريم؛ البوصلة الحقّ والكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، أطلقها الامام الحسين، عليه السلام، لخصت كل آلام وهموم وتطلعات البشرية، بالحرية مع الكرامة، فلن يشعر الشباب بأي خسارة في طاقتهم العضلية، ولا جهدهم الذهني، ولا في أموالهم وعمرهم وهم يقضون الأيام والليالي لإحياء قضية الامام الحسين. هنا ربما يقفز السؤال وسط كل هذا الحماس في الشارع: من أين للشباب أن يجمع بين تفهمه واستيعابه لمفاهيم النهضة الحسينية، وهي قضية معنوية، في وقت هو منهمك بطبخ الطعام، وتوزيع المشروبات، او الجري هنا وهناك لتوفير مستلزمات مبيت الزائرين، وغيرها من خدمات متنوعة؟ والسؤال الرديف ايضاً؛ بأن شريحة واسعة من هؤلاء الشباب يحملون سلوكيات وأفكار وأنماط عيش مختلفة لا تتطابق بالضرورة مع الأجواء التي يعيشونها هذه الأيام، وما هي إلا أيام وينتهي كل شيء ويعودون الى تصرفاتهم وافكارهم التي يشكوا منها الآباء، وربما المجتمع ايضاً؟ انه سؤالي من صميم الواقع، بيد أن الحقائق تكشف عن واقع آخر يجسده عديد من الشباب المشارك في الجهد الخدمي، فهو يجد في الموكب الخدمي مدرسة لتعلّم الأخلاق والآداب والثقافة الصحيحة، كما هو الحال في شهر الصيام، عندما يجد الانسان إنه في أجواء تذكره دائماً بفعل الصحيح وتجنب الخطأ، واذا كان الصيام فريضة عبادية، فان الشعائر الحسينية، ومنها شعيرة المشي والخدمة في زيارة الأربعين فرصة تربوية للإصلاح الذاتي، ومن ثم الانتقال الى مشروع إصلاح المجتمع والأمة، فالعطاء، والتسامح، والعفو، والصبر، والصدق، وغيرها من الفضائل لها مدخلية في تفاصيل حياتنا اليومية على مدار السنة والعمر. من هنا؛ ليس من الانصاف والمنطق مطالبة الشباب بأن يتحولوا الى ملاك خلال هذه الزيارة، وإلا ليس من حقهم العمل في المواكب الخدمية، ولا التحدث عن النهضة الحسينية! إن طريق الامام الحسين، عليه السلام، هو طريق الإصلاح الفردي والجماعي بما يتطلب الأمر صبراً، وزمناً طويلاً، ولكن يستحق العناء لأن النتائج كبيرة، فالذي يكون في موقع يرى فيه الناس شخصية يأخذون منه العلم والفكر والثقافة مثل؛ الاستاذ الجامعي، والخطيب، والأديب، وعالم الدين، وهو متخرج من المدرسة الحسينية، لن يكون سواء مع يعد نفسه قائداً للمجتمع وهو متخرج من المدرسة الحزبية، او المؤسسة العسكرية، وعندما نقرأ بفخر شعار الإصلاح الذي رفعه الامام الحسين في نهضته، فاننا نحمل انفسنا مسؤولية ايجاد المصداقية العملية لهذا الإصلاح في واقعنا عندما نتحمل مسؤولية مكافحة الفساد وتغيير الواقع.

منير القادري بودشيش يتنازل رسمياً عن مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية لأخيه معاذ
منير القادري بودشيش يتنازل رسمياً عن مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية لأخيه معاذ

هبة بريس

timeمنذ 11 دقائق

  • هبة بريس

منير القادري بودشيش يتنازل رسمياً عن مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية لأخيه معاذ

هبة بريس – الرباط أعلن اليوم الثلاثاء 12 غشت 2025، منير القادري بودشيش تنازله رسمياً عن مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية لصالح أخيه معاذ القادري بودشيش، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأسرة واستقرار الطريقة. وجاء في بيان موجَّه إلى مريدي الزاوية أن هذا القرار نُفّذ بعد توكل واستخارة ومناجاة لله، مؤكداً أن المشيخة عندهم ليست تشريفاً بل تكليفاً، وأن الإخلاص هو المعيار الأساسي في تحمل المسؤولية. ودعا منير جميع المريدين إلى الالتفاف حول أخيه معاذ، مع التأكيد على ضرورة التحلي بالأدب وحسن الظن، والتزام مبادئ الطريقة القائمة على صفاء القصد، صحة التوجه، وخدمة العباد والبلاد، مع الابتعاد عن الجدال والتأويلات والظنون التي قد تضر بالصف الروحي للزاوية. كما جدد المعلن عزمه على خدمة العرش العلوي المجيد والالتزام بثوابت المملكة المغربية تحت قيادة أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، داعياً الجميع إلى اعتبار هذا القرار وسيلة لجمع الشمل وحفظ البيت. وأنهى بيانه مؤكداً أنه يضع أمانته في يد أخيه معاذ، وسيبقى خادماً لهذا السرّ الروحي، معتمداً على الله في التوفيق والعمل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store