
مسح وطني للمستوى المعيشي للأسر بداية أكتوبر القادم
❊ مراجعة وتحديث الحسابات الوطنية وتحيين معطياتها ومؤشراتها
❊ إطلاق مسح وطني لهيكلة المؤسّسات الاقتصادية
أعلنت الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة، مريم بن مولود، أمس، عن انطلاق المسح الوطني الهيكلي الخاص بنفقات الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر بداية من شهر أكتوبر القادم، حيث سيغطي 540 بلدية موزعة على 52 ولاية، على مدار 13 شهرا كاملا لتمسّ الفصول الأربعة، تجسيدا لالتزامات السيد رئيس الجمهورية الرامية إلى تعزيز موثوقية الإحصاءات والمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية من أجل إصلاحات أكثر فعالية ونجاعة.
قالت الوزيرة خلالها إشرافها، أمس، على افتتاح الدورة التكوينية للمسح الوطني لنفقات الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر، أمس، بكلية الإعلام والاتصال جامعة الجزائر، أن العملية الإحصائية الهامة تعد محطة استراتيجية هامة في مسيرة الإصلاحات الشاملة التي تقوم بها الدولة.
وفي هذا الشأن، أكدت المتحدثة، أن المسح الوطني الهيكلي الخاص بنفقات الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر، يمثل أحد المحاور الاستراتيجية التي تضمنتها ورقة الطريق التي وضعتها المحافظة السامية للرقمنة مع الديوان الوطني للإحصائيات، المتعلقة بإنجاز ركائز التأسيس إلى السنة المرجعية الجديدة 2025، التي سيتم اعتمادها في تحيين وتقييم الإحصائيات الوطنية الرسمية والحسابات الاقتصادية والإجمالي الأساسي لها، ألا وهو الناتج الداخلي الخام الذي ترتكز عليه السلطات العمومية في إعداد ومتابعة وتقييم السياسات العامة للبلاد.
وأشارت الوزيرة في هذا الخصوص، أنّه بعد تحقيق الانتقال إلى السنة المرجعية 2001 ونشر نتائجها في ديسمبر 2023، سيتم في القريب العاجل الإعلان عن نتائج الانتقال إلى السنة المرجعية أو سنة الأساس وهي 2011.
وأوضحت بن مولود، أنه قبل إطلاق المسح الوطني الهيكلي الخاص بنفقات الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر، تمّ اعتماد مسار تحضيري مدروس ومحكم استنادا على المعايير الدولية التي تنصّ عليها هيئات الإحصاء التابعة للأمم المتحدة يرتكز على مرحلتين أساسيتين وهما الدورة التكوينية التي تهدف إلى تكوين إطارات، معظمهم مهندسون في الإحصائيات، والرفع من قدراتهم التأهيلية في هذا المجال، من خلال تخصيص 308 محققة و84 مراقبا تم تعيينهم من وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، سيكونون مكلّفين بالمسح الميداني على مستوى ولايات إقامتهم.
وكشفت الوزيرة، أن المرحلة الثانية، تتمثل في انطلاق المسح التجريبي مباشرة بعد المرحلة التكوينية، يتم فيها تطبيق العملية المسحية على عينة صغيرة من الأسر، من أجل ضبط اللمسات العملية الأخيرة وتجريب كافة الآليات المعتمدة من أجل اكتشاف الصعوبات المحتملة وتصحيحها قبل الانطلاق الرسمي للمسح لضمان الفعالية ونجاح العملية الإحصائية الكبرى.
وفي هذا الإطار، قالت المسؤولة الأولى عن القطاع، إنّ المحافظة السامية للرقمنة اعتمدت خطط عمل واضحة سيتم تنفيذها ما بين سنتي 2025 و2027، لعمليات إحصائية حيوية تتمثل في المسح الوطني لنفقات الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر، والمسح الوطني لهيكلة المؤسّسات الاقتصادية، موضّحة أن هذه العمليات الإحصائية المترابطة تهدف إلى مراجعة وتحديث الحسابات الوطنية وتحيين معطياتها ومؤشراتها، لتوفير رؤية أوضح وأكثر واقعية حول أداء اقتصادنا الوطني وتحسين ترتيب بلادنا في الساحة الاقتصادية الدولية.
ومن خلال نتائج المسح، أكدت بن مولود أن السلطات العمومية، ستكون لها نظرة شاملة حول التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للأسر، تتضمن مؤشرات أنماط الإنفاق والاستهلاك للأسر، وتوزيع الدخل ومستويات المعيشة، لفهم كيفية تأثير السياسات الاقتصادية على معيشة المواطنين، ومدى نجاعة الإجراءات المتخذة للحدّ من التضخم ومراقبة القدرة الشرائية، كما ستوفر فهما أعمق لسلوك المستهلكين، مما يساعد على توجيه الإنتاج والاستثمار في القطاعات التي تلبي احتياجات السوق بشكل فعّال وصياغة برامج اقتصادية واجتماعية، موجّهة بأكثر دقة نحو الفئات الأكثر احتياجا، كما يسهم هذا المسح بشكل مباشر في تطوير الحسابات الوطنية والناتج الداخلي الخام.
أما على المستوى الاجتماعي، سيقدم هذا المسح بيانات ومؤشرات لصورة مفصلة حول النواحي المعيشية للأسر الجزائرية، ومستوى رفاهيتها ومدى وصولها إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحية، والسكن، والماء والكهرباء والغاز والإنترنت مما يسمح بتقييم فعالية الخدمات الحكومية وتحديد مجالات التحسين، وتقييم أثر برامج الدعم الاجتماعي والتحقق من وصولها إلى مستحقيها لضمان العدالة الاجتماعية.
بدوره، قال المدير العام للديوان الوطني للإحصائيات، توفيق حاج مسعود، إنّ عدد العائلات المعنية بعملية المسح، يقدر بـ24 ألف عائلة، حيث ستقوم 80 فرقة مكوّنة من محققين ومراقبين من القيام بزيارات للعائلات تقدرة بـ 11 زيارة خلال سنة كاملة، لمعرفة نمط الاستهلاك ونفقات الأسر على مدار 13 شهرا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التلفزيون الجزائري
منذ 9 دقائق
- التلفزيون الجزائري
وزير الري يشرف على تدشين محطة تصفية المياه المستعملة بتيميمون – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
أشرف وزير الري، طه دربال، اليوم الأربعاء، على تدشين محطة تصفية المياه المستعملة لمدينة تيميمون، وذلك خلال زيارة عمل التي قادته إلى الولاية. وحسب ما أفاد به بيان لوزارة الري فإن هذه 'المحطة تندرج في إطار الجهود الرامية للحفاظ على الموارد المائية وحماية البيئة، من خلال إعادة معالجة المياه وتثمينها في مجالات السقي الفلاحي والمساحات الخضراء، بما يساهم في التنمية المستدامة للمنطقة'. كما أستمع الوزير إلى عرض شامل حول واقع وآفاق الخدمة العمومية للمياه على مستوى الولاية، تضمن أهم المؤشرات، التحديات، والمشاريع المستقبلية'.


إيطاليا تلغراف
منذ 33 دقائق
- إيطاليا تلغراف
يُنحر الصحفيون في الميدان ثم في وسائل إعلام غربية
إيطاليا تلغراف حُسام شاكر باحث ومؤلف، استشاري إعلامي، كاتب ومحلل في الشؤون الأوروبية والدولية وقضايا الاجتماع والمسائل الإعلامية يقع الاغتيال في غزة فتنطلق دعاية التبرير في أنحاء أوروبا. هكذا ينحر الصحفي الفلسطيني مرتين؛ أولاهما في الميدان والثانية في منابر إعلامية غربية تصر على المروق من مسؤولية التغطية وأمانة المهنة. هذا ما جرى أيضا عندما نزع الاحتلال الصفة الصحفية عن المراسل الشجاع أنس الشريف، لتبرير جريمة اغتياله الجبانة مع رفاقه، فسرعان ما تبنت منابر إعلامية في بلدان أوروبية وغربية هذه الذريعة المحبوكة وصارت روايتها المعتمدة بلا تردد بشأن مجزرة الصحافة في غزة. تنصاع أوسع صحف ألمانيا انتشارا لهذا النهج بشكل سافر، فيومية 'بيلد' لا تنفك عن إخلاصها المستدام لسرديات الدعاية الإسرائيلية الملفقة، حتى إنها جعلت المراسل المثابر أنس الشريف 'إرهابيا مموها كصحفي'!، كما أوردت في عنوانها. بدت الحالة صادمة لدى تناقل عنوان 'بيلد' التحريضي حول العالم بعد ساعات معدودة من إقدام جيش الاحتلال على قصف خيمة صحفيي 'الجزيرة' في ساحة مجمع الشفاء الطبي بغزة 10 أغسطس/ آب. تجسد 'بيلد' نموذجا نمطيا لتقاليد الدعاية الرخيصة في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، فالصحيفة الأوسع انتشارا في ألمانيا تصطف في صدارة أبواق الدعاية الإسرائيلية في أوروبا والعالم الغربي، التي تمنح الانطباع بأنها تخدم كحرس إبادة إعلامي مخصص لتجميل جرائم الحرب وتسويغ التمادي بها حتى عندما يسرف الاحتلال في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير الشامل والتجويع الرهيب، فضلا عن اغتيال الصحفيين الفلسطينيين بلا هوادة. تتبع الصحيفة دار نشر 'آكسل شبرنغر' العملاقة التي تلزم الصحفيين المتعاقدين مع الصحف والوسائط التابعة لها بالانحياز الأعمى إلى الجانب الإسرائيلي. لا عجب أن يأتي هجوم 'بيلد' التحريضي السافر على شهيد الصحافة العالمية أنس الشريف، فهو جزء من حملتها المحمومة، المدفوعة إسرائيليا، ضد من يحاولون نقل واقع الإبادة الجماعية والتجويع الرهيب إلى العالم. لم تبتعد منصات الانحياز الأوروبية المتعددة عن حبكة دعاية الاحتلال، كما فعلت مثلا صحيفة 'إل جورناله' الإيطالية اليمينية التي أبرزت في عنوان تقريرها الثلاثاء 12 أغسطس/آب اتهام الاحتلال التحريضي ضد أنس الشريف بأنه 'إرهابي'، وطمست جريمة الاغتيال الجماعي في ظلال ذلك، بل أوردت الصحيفة تقريرا رديفا ذهب عنوانه إلى حد نعت الشريف بأنه 'صوت السنوار'! على أن صحفا أخرى لم تنزلق إلى دركات التحريض، ومنها قليل معروف أساسا بتعاطفه مع قضية الشعب الفلسطيني، مثل 'إل مانيفيستو' اليسارية التي أبرزت على صدارتها الثلاثاء 12 أغسطس/ آب، مشهد تشييع المراسلين المغدورين وتناولت الحصيلة القياسية التي بلغها منسوب قتل الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة على أيدي جيش الاحتلال، وكذلك فعلت 'لومانيتي' الفرنسية اليسارية أيضا. حرس الإبادة والتجويع إن ما أقدمت عليه 'بيلد'، التي لها في الواقع الصحفي في أوروبا والدول الغربية أقران وأشباه، يبقى سلوكا نمطيا تعتمده لتبرير جرائم الاحتلال جميعا وقطع حبال التعاطف المحتمل مع الإنسان الفلسطيني وإن قتل على مدار الساعة تحت الأسماع والأبصار. فعنوان 'بيلد' التحريضي ضد أنس الشريف يبدو للوهلة الأولى صادما ومستفزا؛ لكنه لا يشكل أي مفاجئة للعارفين بالصحيفة الهابطة التي تثير الشفقة على جذوع الأشجار الغابية التي تقتطع لنشر الهراء الذي تطبعه كل يوم بالألوان. فصحيفة الرصيف الألمانية الرائجة لم تنفك عن دعم الاحتلال الإسرائيلي منذ البدء، مثل عموم إصدارات دار 'آكسل شبرنغر'، وسرعان ما تجندت في خندق جيش الاحتلال منذ انطلاق حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير الشامل في قطاع غزة. أملى عليها دورها هذا أن تتدخل في الأسابيع الأخيرة لتشن حملة ضارية لا هوادة فيها لطمس جريمة التجويع الوحشية التي يواكبها العالم أجمع من قطاع غزة عبر حيلة التشكيك في مصداقية الصور، تأسيسا على فحوى الدعاية الرسمية الإسرائيلية في هذا الشأن. كثفت 'بيلد' مؤخرا تقاريرها المحبوكة لغرض تضليل الجمهور وتشكيكه في حقيقة ما ترويه المشاهد الفاجعة المحمولة من غزة عن حشود الأطفال المجوعين، وموجز رسالة الصحيفة هي، عليكم أن تفهموها: لا مجاعة في غزة! صورها مفتعلة! هذه دعاية مصطنعة من 'حماس'!. من أغراض هذه الحملة أن تضع كل وسائل الإعلام المحترمة التي تنقل المشاهد الإنسانية المروعة من غزة في موضع اتهام بالضلوع في ترويج 'دعاية' فلسطينية، طبعا مع إغفال تقارير الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية والهيئات الحقوقية المرموقة وحتى تقارير منظمات إسرائيلية مثل 'بتسيلم'، فضلا عن تصريحات أعضاء حكومة الاحتلال وقادة الجيش وكبار الضباط التي تصرح باعتماد سياسة تجويع شنعاء. عمدت الصحيفة المذكورة في سياق حملة إنكار التجويع إلى ضخ عناوين متلاحقة، من قبيل: 'ثماني حقائق عن جوع غزة لا يريد أن يسمعها أحد' (31 يوليو/تموز)، 'أزمة الجوع في غزة: كيف استُغل هذا الطفل لأجل الدعاية' (31 يوليو/تموز)، 'أسامة استعمل لأجل الدعاية: حالته ليست ذات صلة بالوضع في غزة' (1 أغسطس/آب)، 'صور غزة الملفقة: هذا المصور افتعل دعاية حماس' (5 أغسطس/آب)، وغير ذلك كثير على المنوال ذاته. كي لا يذرَف دمع على الفلسطيني ما إن ذرفت أمهات ألمانيا وأوروبا والعالم الدمع على أطفال غزة الذين تتضاءل أبدانهم النحيلة وتبرز عظامهم من تحت الجلد؛ حتى تجندت 'بيلد' فورا في جبهة التضليل الأمامية كأنها ناطقة باسم جيش الاحتلال أو كمكتب إعلامي يتبع سموتريتش وبن غفير. تركز حبكة 'بيلد' وأشباهها على تشكيك الجمهور بمصداقية الصور والمقاطع المحمولة من الميدان الغزي كل يوم، عبر حيلة استهداف صور محددة تصدرت الأغلفة وحظيت بالرواج، وتلفيق سردية ساذجة تشكك بمصداقيتها. مما يبتغيه هذا النهج الدعائي المستهلَك أن يردع وسائل الإعلام عن إبراز صور الأطفال المجوعين حتى الموت في غزة، عبر شن حملة استهداف محبوكة لهذا الغرض، كما جرى ضد 'نيويورك تايمز' و'واشنطن بوست' و'الغارديان' و'ديلي ميل' و'تايمز'، علاوة على 'سي إن إن' و'بي بي سي'. هكذا أنشبت 'بيلد' يوم 31 يوليو/تموز أظفارها في مجلة 'شتيرن' الألمانية الرصينة المصورة، لمجرد أنها خصصت غلافها لأم فلسطينية مع طفلها المجوع حتى الموت بين ذراعيها، فردّت 'شتيرن' سريعا بمرافعة تفصيلية للدفاع عن موقفها دون أن تكف 'بيلد' عن انهماكها في حملة التشكيك بالصور المنقولة من الميدان. هكذا تسعى منظومة التضليل إلى صرف الانشغال العام بعيدا عن جوهر الموضوع ليصير جدلا إعلاميا منهكا بشأن مواصفات الصور ومصادرها لا بشأن الواقع الفظيع المشهود فيها، ولتعطيل حس الانفعال الوجداني مع واقع غزة المرئي للعالم في غمرة جدل 'مهني' مفتعل بشأن مواصفات الصورة بعيدا عن الواقع الذي التقطت فيه. يمثل التشكيك بالصور التي تنجح بالرواج حيلة تقليدية تلجأ إليها دعاية الاحتلال وأذرعها، بما فيها 'بيلد' الألمانية، كما جرى في محطات عدة من قبل، مثل إقدام جيش الاحتلال على قتل الطفل محمد الدرة وهو في حضن والده عند مفرق الشهداء في قطاع غزة في نهاية سبتمبر/ أيلول 2000. حضرت الكاميرا حينها ونقلت المشهد المروع إلى العالم، فانهمكت دعاية الاحتلال سنين عددا في نسج حبكات مضللة للتشكيك في الواقعة المرئية وتفاصيلها وأشخاصها. لا يتوقف الأمر عند حدود تضليل 'بيلد' المتواطئ مع دعاية الاحتلال، فالصحيفة الأوسع انتشارا في ألمانيا تحظى منذ سنوات مديدة بعرى وثقى مع نتنياهو ومقربيه وأركان حكومته، بمن في ذلك زوجه المتنفذة سارة التي خصصت لها الصحيفة مقابلة رحبة لتلميعها سنة 2012 تحت عنوان 'كم هو صعب أن تكوني سيدة أولى في إسرائيل!'. تتسم مقابلات 'بيلد' المتكررة مع نتنياهو شخصيا بالطابع الودي بعيدا عن أي نقد مهني أو مساءلة جادة، وكذلك في المقابلات مع مقربيه مثل وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ووزير حربه يسرائيل كاتس. تمنح قيادة الاحتلال وجوقة الإبادة الجماعية صحيفة 'بيلد' أفضلية خاصة لإجراء المقابلات معها لا تحظى بها وسائل إعلام ألمانية وأوروبية أخرى. وفي سبتمبر/أيلول 2024 اختار فريق نتنياهو الدعائي صحيفة 'بيلد' تحديدا لنشر وثائق سرية مزعومة لتعزيز موقف رئيس الحكومة في مواجهة النقد الداخلي المتصاعد؛ بسبب رفضه إبرام صفقة لإخراج الأسرى من قطاع غزة، خاصة بعد تورط جيش الاحتلال في مقتل ستة من الأسرى. تسبب الحدث بفضيحة سياسية وإعلامية في الدوائر الإسرائيلية بعد أن تكشفت ذيوله وأغراضه الدعائية الخاصة بنتنياهو، لكن بالطبع ليس في الجمهورية الاتحادية التي تحرص على إظهار إخلاصها المستدام نحو الجانب الإسرائيلي حتى عندما يطلق المستشار فريدريش ميرتس انتقادات خجولة لفظائع التجويع في غزة. تتجند الصحيفة الهابطة في حملة إنكار التجويع الوحشي، وتشن في الوقت ذاته هجومها التحريضي على الصحفيين الفلسطينيين الذين ينقلون الواقع إلى العالم، كما فعلت مع أنس الشريف بعد جريمة اغتياله مع رفاق الخيمة الصحفية. أما طريقتها هي في التغطية من الميدان الغزي فتتضح في تقرير نشرته يوم 6 أغسطس/آب بقلم اثنين من مراسليها جرى استحضارهما للتحليق الاستعراضي في طائرة تتبع سلاح الجو الألماني لإلقاء 'مساعدات' مزعومة على قطاع غزة. ينشغل الصحفيان في التقرير في وصف محتوى الصناديق ومشهد الطائرة وأجواء الرحلة في الصيف الحار؛ دون التفاتة إلى الواقع الإنساني على الأرض. ثم يصفان مشهد قطاع غزة بأنه 'صحراء أنقاض'، وأنه جرى إلقاء مساعدات على 'جحيم حماس'، ويأتي السؤال: 'هل ستهبط لدى الأهالي المدنيين أم في أيدي إرهابيي حماس؟ نحن لا نعلم ذلك'. قدم الصحفيان تقريرا دعائيا للترويج المبالغ به لما تقدمه ألمانيا للفلسطينيين الذين يبيدهم حليفها الإسرائيلي في غزة، والتقرير موجه في الوقت ذاته لإعفاء الاحتلال الإسرائيلي وجيشه من أي مسؤولية عن مشهد الدمار الشامل الذي أحدثه في قطاع غزة، فيأتي تعليقا على صورة التقطاها: 'أنقاض غزة من الجو. حماس تضحي بسكانها المدنيين من خلال إقامة مرافق عسكرية بصفة مقصودة تحت المباني السكنية'. إنها التغطيات الملائمة تماما لتبرير فظائع الحاضر والماضي مهما بلغت من الأهوال. انحياز متعدد الأنماط يأخذ الانحياز إلى دعاية الاحتلال أنماطا متعددة في وسائل الإعلام الأوروبية والغربية. تمثل صحيفة 'بليك' نسخة سويسرية من نماذج صحف الرصيف الأوروبية التي تندرج 'بيلد' الألمانية و'صن' البريطانية وغيرها ضمنها. فعلى سبيل المثال؛ نشرت 'بليك' 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تقريرا عن جريمة استهداف أسرة مراسل 'الجزيرة' الأبرز في غزة، وائل الدحدوح، وكيف تلقى النبأ الصادم خلال حديثه عبر البث المباشر. حظيت الواقعة باهتمام إعلامي عالمي حينها، على أن تقرير 'بليك' رغم تناوله الموضوع بصفة لا تبدو ضالعة في الانحياز تورط في طمس ضلوع جيش الاحتلال في عملية القتل الجماعي التي استهدفت أسرة الصحفي الفلسطيني المرموق. اكتفت الصحيفة في العنوان بالإشارة إلى 'مقتلهم في انفجار'، وأسقطت الإشارة إلى الضلوع الإسرائيلي في الجريمة، وهكذا فعلت في متن التقرير حتى منتصفه، ثم اضطرت إلى أن تنقل عن الدحدوح تسديده ما سمتها الصحيفة: 'اتهامات جسيمة ضد الجيش الإسرائيلي'. ما إن أتت 'بليك' في هذا السياق على ذكر إسرائيل حتى شككت في ذلك بالقول: 'حسب 'سي إن إن' ليس من الممكن بعد التأكيد المستقل بأن الانفجار وقع عبر هجوم إسرائيلي'!. هكذا تتذاكى بعض التغطيات المنحازة في محاولة عزل الفعل الجسيم عن الفاعل الإسرائيلي، فالفلسطيني عندها 'يموت' غالبا ولا يقتل، وهو إن قُتل تثير الشك بشأن ملابسات مقتله، فالأمر حينها 'لم يتضح بعد بصفة مستقلة'، أو يبقى 'بانتظار التحقيقات'، أو أن 'الروايات متضاربة'، وقد يعد الفلسطيني ضحية ذاته ببساطة حسب نزعة لوم الضحية التي تمسك بخطام تقاليد تحريرية تهيمن على بعض وسائل الإعلام الأوروبية والغربية. على أن الواقع الذي يصنعه الاحتلال الإسرائيلي على الأرض كل يوم يتجاوز قدرة أعتى منظومة دعائية على مواصلة كنسه تحت البساط الذي غطى وفرة من جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة المتستر عليها إعلاميا. ففي النهاية؛ فرضت مأساة أسرة وائل الدحدوح ذاتها على الصحافة العالمية بعد أن تكررت جرائم الاحتلال السافرة ضد أفرادها، وبعد أن أصيب هو أيضا باستهدافه مع مرافقيه المهنيين في ميدان التغطية. صار وائل رمزا عالميا لا نظير له في حقل الصحافة، وباشرت وسائل إعلام أوروبية وغربية إجراء مقابلات معه، كما فعلت 'دير شبيغل' الألمانية الجادة فبراير/شباط 2025 مثلا، وتتناقل تقارير صحفية منشورة عنه بلغات الأرض نموذجه الإنساني والمهني الملهم في احتمال كل هذه الأهوال كما يشي بذلك وصفه بـ'الجبل' الذي عرف به ونقل في بعض التقارير كما هو عن العربية: Al Jabal حسب ما ورد مثلا في تقرير لصحيفة 'تاغز أنتسايغر' السويسرية (11 يناير/كانون الثاني 2024). أما بالنسبة لصحيفة 'بيلد' وأشباهها الأوروبية والغربية فإن نهجها المعهود في التقيد بتوجيهات مطبخ الدعاية الإسرائيلي يتواصل بلا تلكؤ وإن بلغت الإبادة الرهيبة مبلغها، فما ينطق به متحدث 'تساهال' (جيش الاحتلال) عن أنس الشريف سيتصدر ما تقدمه هذه الأبواق الدعائية الناطقة بالألمانية وغيرها تلقائيا، مع إضفاء مزيد من الإثارة على العناوين والصور المنتقاة، فيصير الصحفي الشجاع الذي لم يَغب عن ميدان التغطية تحت القصف قرابة سنتين، مجرد 'إرهابي مموه كصحفي'!. وإذ تتعدد حبكات التلفيق والاستغفال والتشويش والتضليل في خدمة دعاية الاحتلال وأذرعها المرتبطة بها تحت عناوين صحفية وإعلامية وشبكية؛ فإن ما يبقى أكثرها وطأة هي حيلة السكوت والتعامي والحد من منسوب الاهتمام. ذلك أن تقاليد التجاهل المستشرية لا تكترث بفواجع مرئية إن لم يكن ضحاياها من أصناف مخصوصة من البشر أو إن كان مقترفوها من طبقة معينة توضع فوق الشرائع والمواثيق. هكذا يبدو مفهوما ألا تجد وسائل إعلامية ومنابر صحفية وتعليقات سياسية ومنتديات ثقافية وفنية وأدبية في كل هذه المجزرة المتواصلة بحق الصحفيين الفلسطينيين، وبحق شعبهم بالأحرى؛ ما يستحق الاكتراث أو يقتضي الالتفات، فتدفَن قصص مميزة ينضح بها الواقع كي لا تجد سبيلها إلى التغطيات، أو تنزوي الوقائع الرهيبة إلى الهوامش والثنايا فتوحي بأنها لا تستحق انشغال الناس بها. وقد تأتي فوق ذلك مشفوعة بأحابيل التشكيك ولوم الضحايا الذين تسفَك دماؤهم وتزهَق أرواح من قد يجترئ على نقل صورتهم إلى العالم من ميدان الإبادة؛ كما فُعل بأنس الشريف، ومحمد قريقع، ومئات آخرين من فرسان الحقيقة في قطاع غزة وفلسطين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


إيطاليا تلغراف
منذ 33 دقائق
- إيطاليا تلغراف
المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير
إيطاليا تلغراف * د. شَنْفَار عَبْدُ اللَّه ننطلق في تحليل هذا الموضوع من سؤال الواقعة إلى سؤال البنية: في المجتمعات التي تتجذّر هويتها في المرجعيّة الإسلاميّة، لا يُختزل تحريم التّجْديف في كونه حُكماً فقهياً أو ممارسة عقديّة، بل يتجاوز ذلك ليشكّل عصباً من أعصاب البنية الرمزيّة الضامنة للتماسك الاجتماعي واستمرارية المخيال الجمعي. هنا، لا يصبح الأمر مجرد جدل قانوني أو فقهي، بل يدخل في صميم الصراع على تعريف المجال العام وحدوده القيمية. وتبرز الإشكالية الجوهرية: كيف يمكن هندسة فضاء عمومي قادر على احتضان النقاش النقدي المفتوح، دون أن يتحوّل ذلك إلى منصة لتقويض مرتكزات الهوية الرمزية؟ وهل يمكن، نظرياً وعملياً، فصل التعبير الفردي عن أفقه الجمعي في بيئات حيث الرموز المقدّسة ليست مجرّد معتقدات شخصية، بل مكوّنات من نسيج الاجتماع نفسه؟ وهنا يتفرّع سؤال آخر أكثر استفزازاً: هل يمكن للأفعال الرمزية الصادمة أن تعمل كـ'صدمة معرفية' تدفع باتجاه إعادة التفكير، أم أنها محكومة بأن تُستقبل كتهديد مباشر، يعيد إنتاج الانغلاق ويغذّي الاستقطاب؟ وإذا سلّمنا بأن التوازن بين حرية التعبير وحماية المعايير الرمزية ممكن نظرياً، فما الضمانات البنيوية التي تجعله واقعاً مستقراً لا هشاً ينهار مع أول اختبار اجتماعي أو سياسي؟ مفهوم التجديف: من التصوّر الديني إلى التمثّل الاجتماعي يُعرَّف التجديف، وفق المدونة الدينية والأنظمة القانونية في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، باعتباره كل قول أو فعل أو إشارة ــ مباشرة كانت أو ضمنية، لفظية أو رمزية ــ تُفهم على أنها ازدراء، استهزاء، أو إنكار للمقدّسات، وعلى رأسها الذات الإلهية، الأنبياء، والكتب السماوية. لكن التعريف القانوني أو العقدي، وإن بدا محدداً، يظل غير كافٍ لفهم أثر الظاهرة. فمن منظور سوسيو-أنثروبولوجي، لا يمثّل التجديف مجرد تعبير فردي مثير للجدل، بل يُستقبل في المخيال الجمعي كخرق لعقد رمزي غير مكتوب، يحدد مجال القول المشروع ويرسم الحدود الفاصلة بين النقد البنّاء والعدوان الرمزي. الحالة المغربية: من الاختلاف إلى التهديد الوجودي في السياق المغربي، يبدو أن تجاوز هذه الحدود لا يُؤوَّل كاختلاف معرفي مشروع، بل يُتمثّل كاستفزاز لهوية الجماعة وتهديد لركيزة من ركائز السلم الاجتماعي الرمزي، الذي يقوم على الاعتراف المتبادل بالمقدّسات باعتبارها خطوطاً حمراء غير قابلة للمساس. هنا، تتحوّل كل حادثة 'تجديف' إلى حدث يعيد اختبار العقد الاجتماعي نفسه، ويستفز آليات الدفاع الرمزي لدى المجتمع. جدليّة الحرية والمقدّس: بين الرغبة في الانفتاح والحاجة إلى الصون يتموضع النقاش حول حرية التعبير والتجديف ضمن جدلية مشدودة بين طرفين متوترين: من جهة، مطلب توسيع آفاق التعبير والنقاش، ومن جهة أخرى، ضرورة صون الثوابت الرمزية التي تمنح المجتمع تماسكه واستقراره. إلا أن هذه الجدلية، في عمقها، ليست صراعاً صفرياً بين حرية وفقدانها، بل هي مختبر حيّ لاختبار إمكانيات صياغة 'لغة مشتركة' تتيح النقد دون نزع القداسة، وتضمن الحماية الرمزية دون تحويلها إلى أداة لكبت التفكير. * خلاصة: بين البنية والعرضية؛ الأفعال التي تُصنَّف كتجديف وازدراء؛ ليست مجرد انزلاقات خطابيّة، بل نقاط توتّر تكثّف صراعاً أعمق حول تعريف حدود الفضاء العام. إنها لحظات تُجبر المجتمع على إعادة التفاوض حول شروط العيش المشترك، وصياغة معادلة تحفظ المقدّس من جهة، وتبقي نافذة مفتوحة على النقد والحوار من جهة أخرى. التحدي الأكبر يكمن في تصميم منظومة ثقافية وقانونيّة ترفض الاختيار بين القيمتين، وتصرّ على إمكانيّة الجمع بينهما في صيغة عضوية واحدة، بحيث لا تُختزل حرية التعبير في حق الفرد ولا يتحوّل المقدّس إلى أداة إقصاء، بل يتعايشان ضمن هندسة فكرية تستوعب التعقيد بدل أن تلغيه. ***** * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب. – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). * الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025) إيطاليا تلغراف