logo
المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير

المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير

إيطاليا تلغرافمنذ يوم واحد
إيطاليا تلغراف
* د. شَنْفَار عَبْدُ اللَّه
ننطلق في تحليل هذا الموضوع من سؤال الواقعة إلى سؤال البنية:
في المجتمعات التي تتجذّر هويتها في المرجعيّة الإسلاميّة، لا يُختزل تحريم التّجْديف في كونه حُكماً فقهياً أو ممارسة عقديّة، بل يتجاوز ذلك ليشكّل عصباً من أعصاب البنية الرمزيّة الضامنة للتماسك الاجتماعي واستمرارية المخيال الجمعي.
هنا، لا يصبح الأمر مجرد جدل قانوني أو فقهي، بل يدخل في صميم الصراع على تعريف المجال العام وحدوده القيمية.
وتبرز الإشكالية الجوهرية: كيف يمكن هندسة فضاء عمومي قادر على احتضان النقاش النقدي المفتوح، دون أن يتحوّل ذلك إلى منصة لتقويض مرتكزات الهوية الرمزية؟ وهل يمكن، نظرياً وعملياً، فصل التعبير الفردي عن أفقه الجمعي في بيئات حيث الرموز المقدّسة ليست مجرّد معتقدات شخصية، بل مكوّنات من نسيج الاجتماع نفسه؟
وهنا يتفرّع سؤال آخر أكثر استفزازاً: هل يمكن للأفعال الرمزية الصادمة أن تعمل كـ'صدمة معرفية' تدفع باتجاه إعادة التفكير، أم أنها محكومة بأن تُستقبل كتهديد مباشر، يعيد إنتاج الانغلاق ويغذّي الاستقطاب؟ وإذا سلّمنا بأن التوازن بين حرية التعبير وحماية المعايير الرمزية ممكن نظرياً، فما الضمانات البنيوية التي تجعله واقعاً مستقراً لا هشاً ينهار مع أول اختبار اجتماعي أو سياسي؟
مفهوم التجديف: من التصوّر الديني إلى التمثّل الاجتماعي
يُعرَّف التجديف، وفق المدونة الدينية والأنظمة القانونية في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، باعتباره كل قول أو فعل أو إشارة ــ مباشرة كانت أو ضمنية، لفظية أو رمزية ــ تُفهم على أنها ازدراء، استهزاء، أو إنكار للمقدّسات، وعلى رأسها الذات الإلهية، الأنبياء، والكتب السماوية.
لكن التعريف القانوني أو العقدي، وإن بدا محدداً، يظل غير كافٍ لفهم أثر الظاهرة. فمن منظور سوسيو-أنثروبولوجي، لا يمثّل التجديف مجرد تعبير فردي مثير للجدل، بل يُستقبل في المخيال الجمعي كخرق لعقد رمزي غير مكتوب، يحدد مجال القول المشروع ويرسم الحدود الفاصلة بين النقد البنّاء والعدوان الرمزي.
الحالة المغربية: من الاختلاف إلى التهديد الوجودي
في السياق المغربي، يبدو أن تجاوز هذه الحدود لا يُؤوَّل كاختلاف معرفي مشروع، بل يُتمثّل كاستفزاز لهوية الجماعة وتهديد لركيزة من ركائز السلم الاجتماعي الرمزي، الذي يقوم على الاعتراف المتبادل بالمقدّسات باعتبارها خطوطاً حمراء غير قابلة للمساس.
هنا، تتحوّل كل حادثة 'تجديف' إلى حدث يعيد اختبار العقد الاجتماعي نفسه، ويستفز آليات الدفاع الرمزي لدى المجتمع.
جدليّة الحرية والمقدّس: بين الرغبة في الانفتاح والحاجة إلى الصون
يتموضع النقاش حول حرية التعبير والتجديف ضمن جدلية مشدودة بين طرفين متوترين: من جهة، مطلب توسيع آفاق التعبير والنقاش، ومن جهة أخرى، ضرورة صون الثوابت الرمزية التي تمنح المجتمع تماسكه واستقراره.
إلا أن هذه الجدلية، في عمقها، ليست صراعاً صفرياً بين حرية وفقدانها، بل هي مختبر حيّ لاختبار إمكانيات صياغة 'لغة مشتركة' تتيح النقد دون نزع القداسة، وتضمن الحماية الرمزية دون تحويلها إلى أداة لكبت التفكير.
* خلاصة: بين البنية والعرضية؛
الأفعال التي تُصنَّف كتجديف وازدراء؛ ليست مجرد انزلاقات خطابيّة، بل نقاط توتّر تكثّف صراعاً أعمق حول تعريف حدود الفضاء العام.
إنها لحظات تُجبر المجتمع على إعادة التفاوض حول شروط العيش المشترك، وصياغة معادلة تحفظ المقدّس من جهة، وتبقي نافذة مفتوحة على النقد والحوار من جهة أخرى.
التحدي الأكبر يكمن في تصميم منظومة ثقافية وقانونيّة ترفض الاختيار بين القيمتين، وتصرّ على إمكانيّة الجمع بينهما في صيغة عضوية واحدة، بحيث لا تُختزل حرية التعبير في حق الفرد ولا يتحوّل المقدّس إلى أداة إقصاء، بل يتعايشان ضمن هندسة فكرية تستوعب التعقيد بدل أن تلغيه.
*****
* نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛
المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛
يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب.
– محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة)
– ومحصل على شهادتين للدراسات العليا:
1. الأولى في علم السياسة
2. والثانية في علم الإدارة.
– محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة.
– محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق
* وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش
* له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته:
* الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000).
* الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)،
* والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020).
* الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025)
إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير
المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير

إيطاليا تلغراف

timeمنذ يوم واحد

  • إيطاليا تلغراف

المقدّس في الفضاء العام: مقاربة نقديّة في حدود الرمز واستراتيجيات استفزاز المعايير

إيطاليا تلغراف * د. شَنْفَار عَبْدُ اللَّه ننطلق في تحليل هذا الموضوع من سؤال الواقعة إلى سؤال البنية: في المجتمعات التي تتجذّر هويتها في المرجعيّة الإسلاميّة، لا يُختزل تحريم التّجْديف في كونه حُكماً فقهياً أو ممارسة عقديّة، بل يتجاوز ذلك ليشكّل عصباً من أعصاب البنية الرمزيّة الضامنة للتماسك الاجتماعي واستمرارية المخيال الجمعي. هنا، لا يصبح الأمر مجرد جدل قانوني أو فقهي، بل يدخل في صميم الصراع على تعريف المجال العام وحدوده القيمية. وتبرز الإشكالية الجوهرية: كيف يمكن هندسة فضاء عمومي قادر على احتضان النقاش النقدي المفتوح، دون أن يتحوّل ذلك إلى منصة لتقويض مرتكزات الهوية الرمزية؟ وهل يمكن، نظرياً وعملياً، فصل التعبير الفردي عن أفقه الجمعي في بيئات حيث الرموز المقدّسة ليست مجرّد معتقدات شخصية، بل مكوّنات من نسيج الاجتماع نفسه؟ وهنا يتفرّع سؤال آخر أكثر استفزازاً: هل يمكن للأفعال الرمزية الصادمة أن تعمل كـ'صدمة معرفية' تدفع باتجاه إعادة التفكير، أم أنها محكومة بأن تُستقبل كتهديد مباشر، يعيد إنتاج الانغلاق ويغذّي الاستقطاب؟ وإذا سلّمنا بأن التوازن بين حرية التعبير وحماية المعايير الرمزية ممكن نظرياً، فما الضمانات البنيوية التي تجعله واقعاً مستقراً لا هشاً ينهار مع أول اختبار اجتماعي أو سياسي؟ مفهوم التجديف: من التصوّر الديني إلى التمثّل الاجتماعي يُعرَّف التجديف، وفق المدونة الدينية والأنظمة القانونية في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، باعتباره كل قول أو فعل أو إشارة ــ مباشرة كانت أو ضمنية، لفظية أو رمزية ــ تُفهم على أنها ازدراء، استهزاء، أو إنكار للمقدّسات، وعلى رأسها الذات الإلهية، الأنبياء، والكتب السماوية. لكن التعريف القانوني أو العقدي، وإن بدا محدداً، يظل غير كافٍ لفهم أثر الظاهرة. فمن منظور سوسيو-أنثروبولوجي، لا يمثّل التجديف مجرد تعبير فردي مثير للجدل، بل يُستقبل في المخيال الجمعي كخرق لعقد رمزي غير مكتوب، يحدد مجال القول المشروع ويرسم الحدود الفاصلة بين النقد البنّاء والعدوان الرمزي. الحالة المغربية: من الاختلاف إلى التهديد الوجودي في السياق المغربي، يبدو أن تجاوز هذه الحدود لا يُؤوَّل كاختلاف معرفي مشروع، بل يُتمثّل كاستفزاز لهوية الجماعة وتهديد لركيزة من ركائز السلم الاجتماعي الرمزي، الذي يقوم على الاعتراف المتبادل بالمقدّسات باعتبارها خطوطاً حمراء غير قابلة للمساس. هنا، تتحوّل كل حادثة 'تجديف' إلى حدث يعيد اختبار العقد الاجتماعي نفسه، ويستفز آليات الدفاع الرمزي لدى المجتمع. جدليّة الحرية والمقدّس: بين الرغبة في الانفتاح والحاجة إلى الصون يتموضع النقاش حول حرية التعبير والتجديف ضمن جدلية مشدودة بين طرفين متوترين: من جهة، مطلب توسيع آفاق التعبير والنقاش، ومن جهة أخرى، ضرورة صون الثوابت الرمزية التي تمنح المجتمع تماسكه واستقراره. إلا أن هذه الجدلية، في عمقها، ليست صراعاً صفرياً بين حرية وفقدانها، بل هي مختبر حيّ لاختبار إمكانيات صياغة 'لغة مشتركة' تتيح النقد دون نزع القداسة، وتضمن الحماية الرمزية دون تحويلها إلى أداة لكبت التفكير. * خلاصة: بين البنية والعرضية؛ الأفعال التي تُصنَّف كتجديف وازدراء؛ ليست مجرد انزلاقات خطابيّة، بل نقاط توتّر تكثّف صراعاً أعمق حول تعريف حدود الفضاء العام. إنها لحظات تُجبر المجتمع على إعادة التفاوض حول شروط العيش المشترك، وصياغة معادلة تحفظ المقدّس من جهة، وتبقي نافذة مفتوحة على النقد والحوار من جهة أخرى. التحدي الأكبر يكمن في تصميم منظومة ثقافية وقانونيّة ترفض الاختيار بين القيمتين، وتصرّ على إمكانيّة الجمع بينهما في صيغة عضوية واحدة، بحيث لا تُختزل حرية التعبير في حق الفرد ولا يتحوّل المقدّس إلى أداة إقصاء، بل يتعايشان ضمن هندسة فكرية تستوعب التعقيد بدل أن تلغيه. ***** * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب. – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). * الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025) إيطاليا تلغراف

النزاعات حول أراضي الجموع ودور الزوايا الصوفية في صيانة الحوز الجماعي
النزاعات حول أراضي الجموع ودور الزوايا الصوفية في صيانة الحوز الجماعي

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 3 أيام

  • إيطاليا تلغراف

النزاعات حول أراضي الجموع ودور الزوايا الصوفية في صيانة الحوز الجماعي

إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه – آليات الضبط التقليدي ورهانات الاستئناف الروحي: تمثّل الأرض، في السياق القروي والقبلي المغربي، أكثر من مجرد حيز جغرافي أو مورد اقتصادي؛ فهي مكوّن بنيوي من الذاكرة الجماعيّة، ورمز للعرض والشرف والهوية. ومن ثَمّ، فإن أي اعتداء أو نزاع حولها لا يختزل في أبعاده المادية أو القانونيّة، بل يتجاوزها إلى رهانات رمزية تمسّ تماسك الجماعة وهيبتها. وفي قلب هذه النزاعات، التي غالبًا ما تتسم بحدة عالية، برزت الزاوية الصوفية بوصفها فاعلًا رمزيًا يمتلك شرعية تاريخية وأخلاقية تمكّنه من التدخل لإعادة التوازن وضبط المجال. تثير هذه الظاهرة أسئلة جوهرية حول طبيعة السلطة الرمزية التي راكمتها الزوايا عبر القرون، وآلياتها في احتواء النزاع وتفكيك التوتر، بل وإعادة هندسة المجال الاجتماعي والمجالي من جديد. كيف أمكن لهذه المؤسسات الروحيّة أن تفرض ما يُعرف بـ 'التحرام' على أرض متنازع عليها، فيلتزم به الخصوم دون إكراه مادي مباشر؟ وكيف نجحت في الجمع بين حماية الحوز الجماعي وردع الاعتداءات، وبين الحفاظ على موقعها كفضاء للبركة والصفاء الروحي؟ وفي ظل التحولات الراهنة التي يشهدها العالم القروي من تفكك تدريجي للنسيج الاجتماعي، وضغوط اقتصادية وديمغرافية متزايدة، وتنامي النزاعات حول أراضي الجموع؛ يصبح من المشروع التساؤل: هل ما تزال آليات الضبط التقليدي التي اعتمدتها الزوايا قادرة على الاستمرار والفعالية؟ أم أن الأمر يستدعي ما يمكن تسميته بـ 'الاستئناف الروحي'، أي تكييف الأدوار الرمزية للزوايا بما يستجيب للمتغيرات المعاصرة، دون تفريغها من مضمونها الأخلاقي وعمقها التاريخي؟ لا يسعى هذا البحث إلى تقديم قراءة فلكلورية للزوايا الصوفيّة، بل إلى تحليل أدوارها في صيانة الحوز الجماعي وحماية الأمن المجتمعي، بوصفها وسيطًا أخلاقيًا ورمزيًا قادرًا على تحويل النزاعات العقارية من بؤر توتر إلى فرص للصلح وترميم النسيج الاجتماعي. ويهدف، من خلال مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية، إلى تفكيك البنية الرمزية لهذه الوساطة، واستشراف إمكانيات إدماجها ضمن منظومات تسوية النزاعات في إطار السياسات العمومية. أولًا: الأرض في المخيال القبلي: من المورد إلى الشرف الرمزي في البنية القبلية المغربية، لا تُختزل الأرض في كونها ملكية مادية أو مجالًا للاستغلال الاقتصادي، بل تُشكّل عنصرًا جوهريًا في تعريف الهوية الجماعية والشرف والانتماء. فالـ 'رجل صاحب العرض'، كما يُقال في العرف المحلي، لا تُكتمل مكانته الاجتماعية إلا من خلال ثلاثية وجودية: الزوجة، والأبناء، والأرض. بهذا المعنى، تصبح الأرض امتدادًا للعرض والكرامة والجدود، وأي اعتداء عليها يمثّل مساسًا مباشرًا بالأمن الرمزي للجماعة. ويزداد هذا البعد الرمزي وضوحًا في حالة 'أراضي الجموع'، التي تُدار تقليديًا تحت إشراف 'كبير القوم' أو زعيم القبيلة، بوصفه الحامي والضامن لاستمرارية المجال وحمايته من أي توغّل خارجي أو تحايل داخلي. لذلك، فإن محاولات التوسع من قبل جماعة على حساب أخرى غالبًا ما تتحوّل من مجرد خلاف على حدود أو موارد إلى صراع رمزي ذي أبعاد شرفية، وقد يتخذ هذا الصراع أشكالًا عنيفة مباشرة أو غير مباشرة، تبعًا لحساسية الوضع ومكانة الأرض في الوجدان الجمعي. ثانيًا: مظاهر التوتر الرمزي في النزاعات حول الأرض تظهر النزاعات العقارية في السياق القبلي المغربي في صورة توتر مزدوج الأبعاد: 1. البعد المادي/الموارد: صراع واضح حول ملكية الأرض، أو حدود الاستغلال، أو السيادة على المجال. 2. البعد الرمزي/الهيبة: منافسة مضمّنة تتجلى في المباهاة، والتعبيرات الهجائية أو الساخرة، وإقامة الولائم والمناسبات، بل وحتى استثمار الاستحقاقات الانتخابية كمنصات لإعلان 'الانتصار' الرمزي على الخصوم. في هذا الإطار، قد يتحول فوز أحد أبناء القبيلة أو الفخذة بمقعد انتخابي إلى رسالة رمزية تُقرأ في سياق النزاعات العقارية، وتُستغل كأداة لإعادة تثبيت الهيبة أو لتصفية حسابات تاريخية، مما يزيد من تعقيد النزاع وتوسيع دائرة رمزيته إلى ما يتجاوز المجال العقاري نفسه. ثالثًا: الزاوية الصوفيّة كفاعل رمزي في تدبير النزاعات العقاريّة في مواجهة هذا التشابك بين البعدين المادي والرمزي للنزاع، تتدخل الزاوية الصوفية ليس بوصفها مؤسسة دينية فحسب، بل كسلطة رمزية تتمتع بشرعية تاريخية وقدرة على إعادة ترتيب المجال القبلي وضبط التوازنات. ويستند هذا التدخل إلى منظومة من القيم والآليات التقليدية، من أبرزها: 1. تحييد المجال المتنازع عليه: عبر إعلان 'التحرام'، أي منحه صفة الحرمة بشكل مؤقت، ما يوقف التصعيد ويوفر وقتًا ومساحة للحوار. 2. مائدة الصلح: دعوة الأطراف المتنازعة إلى الزاوية في إطار جماعي، بما يعيد النقاش إلى منطق المصلحة المشتركة بدل المواجهة الثنائية. 3. تفعيل الذاكرة المشتركة: استحضار سير الأولياء والحكماء الذين حالوا دون إراقة الدماء بسبب نزاعات على الأرض، بما يعزز قيم التسامح والصفح. 4. الوساطة الوجدانية: إخراج النزاع من الإطار الإداري أو القضائي الجاف، وتوفير فضاء يسمح بالتنازل المتبادل دون شعور بالمهانة، في حضور شرفاء ووجهاء وشخصيات مرجعية. بهذا، تتحول الزاوية إلى مؤسسة أخلاقية تسهم في صيانة الحوز الجماعي ليس من خلال النصوص القانونيّة فقط، بل عبر الرمز، والهيبة، والبركة، ومقام الصلح في حضرة شيوخ ووجهاء وشرفاء واعيان ومريدي الزاوية. رابعًا: من حماية المجال إلى صيانة التوازن المجتمعي لا يقتصر تدخل الزوايا على معالجة النزاع العقاري في ذاته، بل يمتد إلى حماية النسيج الاجتماعي من الانهيار بفعل تراكم الأحقاد والنزاعات القديمة. فالنزاع، وإن بدا مرتبطًا بمتر من الأرض، غالبًا ما يختزن صراعات نفسية وذاكرات جرح وروابط اجتماعية متوترة بين العائلات والفخذات. وهنا يظهر البعد الاستباقي للتدخل الصوفي، الذي يعيد تعريف الأرض باعتبارها حوزًا رمزيًا مشتركًا، ويشدد على أن الحفاظ عليها يتطلب تسويات رضائية، واحترامًا متبادلًا، ونظرًا بعيد المدى نحو مصالح الأجيال المقبلة. * استنتاج عام تركيبي: أثبتت التجربة المغربية، خاصة في السياقات القروية والقبلية، أن النزاعات العقارية لا تُحل دائمًا عبر المسارات القضائية أو الإدارية، بل تستلزم في كثير من الحالات تدخل فاعلين رمزيين يمتلكون شرعية وثقة المجتمع. وتأتي الزوايا الصوفية في مقدمة هؤلاء، بفضل موقعها الوسيط بين الدولة والمجتمع، وقدرتها على تحويل النزاع إلى مناسبة للصفح بدل أن يكون شرارة للاحتراب. غير أن هذا الدور يطرح تساؤلات مفتوحة: كيف يمكن إدماج أدوار الزوايا في السياسات العموميّة لحل النزاعات العقاريّة، دون أن تفقد هذه الوساطة بعدها الرمزي وأصالتها القيمية؟ وهل يمكن تصميم منظومة وساطة مؤسسية تستلهم من التجربة الصوفيّة آلياتها الأخلاقيّة والرمزيّة، مع ضمان فعاليتها في بيئة اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة وبيئيّة متغيرة؟ ******* * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب. – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). * الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025) إيطاليا تلغراف السابق في جذور أزمة الحكم والدولة في سورية الحديثة التالي عندما يوفر المصري الرفاهية للإسرائيلي بمليارات الغاز

كزافييه كوبولاني وصناعة الفراغ الجغرافي: في تفكيك الخرائط الاستعماريّة وإعادة إنتاج المجال السياسي المغاربي
كزافييه كوبولاني وصناعة الفراغ الجغرافي: في تفكيك الخرائط الاستعماريّة وإعادة إنتاج المجال السياسي المغاربي

إيطاليا تلغراف

time٢٧-٠٧-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

كزافييه كوبولاني وصناعة الفراغ الجغرافي: في تفكيك الخرائط الاستعماريّة وإعادة إنتاج المجال السياسي المغاربي

إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه – مدخل تأسيسي: حين يتحوّل الخط المستقيم إلى قدر جيوسياسي هل ترسم الخرائط الدول، أم أن الدول تفرض خرائطها بأثر رجعي لتُخفي عنف التأسيس؟ وما الذي يجعل من ترسيمٍ استعمارٍي بسيطٍ على ورق الجيوش، أساسًا لشرعيّة سياسيّة لاحقة؟ ليست هذه أسئلة تاريخيّة محضة؛ بل محاولة لكشف اللحظة التي تحوّلت فيها المعرفة إلى استعمار ناعم، والمجال إلى فراغ مُفترض وجب ملؤه بسلطة جديدة. في هذا السياق العام، يظهر اسم (كزافييه كوبولاني)، ليس فقط كضابط ميداني فرنسي، بل كمهندس لنموذج جغرافي سياسي يعيد تشكيل المجال المغاربي على أنقاض أنماط سيادة تقليديّة. – أولًا: كوبولاني وهندسة 'الفراغ' الرمزي: الزوايا الصوفيّة كمجال سيادة مستهدف إلى أي مدى يمكن اعتبار بناء الكيان الموريتاني فعلًا استعماريًا محضًا لا يعكس تحوّلًا ذاتيًا في البنية السياسيّة للمنطقة؟ منذ حلوله بالسودان الفرنسي سنة 1898، لم يتصرف كوبولاني كموظف إداري، بل كمخطط جيو-أنثروبولوجي مسكون بهاجس السيطرة على شبكة الزوايا الصوفيّة، باعتبارها النسيج المؤسِّس لامتداد السيادة الرمزيّة للمخزن المغربي جنوب الأطلس. في كتابه المرجعي (Les confréries religieuses musulmanes)، لم يكتف بجمع المعطيات حول التصوُّف، بل رسم خريطة استخباراتية دقيقة للبنى الاجتماعيّة والروحيّة التي كانت تقاوم التشظي السياسي. فما قام به، بحسب المؤرخة (جنيفيف فيويومان)، هو تحويل الزوايا من فاعل ديني-اجتماعي إلى 'قضية أمنيّة' ينبغي ضبطها معرفيًا قبل تطويعها عسكريًا. لكن، هل كانت هذه المعرفة الإبستيمولوجيّة بريئة؟ أم أنها شكّلت الحاضنة النظرية لتفكيك السيادة الترابيّة، عبر نزع الشرعيّة عن البنيات التقليديّة غير المُمركزة؟ – ثانيًا: الزوايا الصوفيّة والبيعة: سيادة شبكيّة في مواجهة هندسة الخطوط هل تمثّل الزوايا نمطًا بديلًا من السيادة خارج منطق الدولة الترابيّة؟ قبل أن تُرسم الحدود بالمسطرة فوق خرائط القيادات العسكريّة الفرنسيه، كانت السيادة في الجنوب تُمارس عبر شبكات ولاء ديني وبيعة رمزية، تتجاوز منطق المركز وتعيد تعريف المجال من الداخل. الزوايا الصوفيّة الكبرى، وعلى رأسها زاوية الشيخ ماء العينين، لم تكن مجرد طرق صوفيّة دينيّة، بل مراكز إشعاع سياسي واجتماعي عابر للقبيلة. لقد شكّلت امتدادًا عضويًا للمخزن المغربي، من دون أن تذوب فيه كليًا، مما منحها موقعًا رماديًا بين الدولة والمجتمع. وهذا ما جعلها مستهدفة بالضبط: إذ لا يمكن استيعابها ضمن النموذج الكولونيالي إلا عبر تفكيك منطقها وتمفصلاتها الداخليّة. فهل كان انهيار هذا النمط الزوايي ناتجًا عن ضعفه الهيكلي؟ أم عن تحوّل الخرائط نفسها إلى أدوات لإلغاء التمثّل الرمزي للسلطة في المجال؟ – ثالثًا: خرائط من ورق: من التخطيط العسكري إلى إنتاج الدولة هل يمكن لدولة أن تُولد من خريطة؟ سنة 1904، تلقى كوبولاني أوامر من رئيس الحكومة الفرنسية بإعادة هندسة جنوب المغرب سياسيًا. فكان أن رسم على مكتبه في سان-لويس حدود كيانين: 'موريتانيا الغربية' و'الصحراء الغربية'. خطوط مستقيمة بدت وكأنها تُبتر الذاكرة لا الأرض فحسب، وتُعلّق سيادة الخرائط على مشجب الدولة المقبلة. هذا الترسيم لم يكن فعلاً إداريًا عابرًا، بل لحظة تأسيس ميتافيزيقية لكيانات لم تكن موجودة قبل تدخل القلم الكولونيالي. فهل يمكن بعد ذلك الحديث عن 'سيادة' تتجاوز من أنشأها؟ وكيف نتعامل مع واقع سياسي نشأ على أساس خطوط لا على أساس شعوب؟ – رابعًا: مقاومات رمزيّة بلا تراب: حين تصبح البيعة فعلًا جيوسياسيًا هل كانت مقاومة الزوايا فعلاً دفاعيًا أم مشروعًا سياسيًا موازيًا؟ لقد واجه مشروع كوبولاني مقاومة من ثلاثة مراكز زوايا: 1. الشيخ ماء العينين، 2. الشيخ سعد بوه، 3. والشيخ سيدي بابا. هذه القوى لم تعتمد السلاح وحده، بل شرعت في حشد الرمزية، وإعادة تأويل البيعة كوسيلة لتوحيد القبائل على قاعدة ولاء سياسي عابر للجغرافيا الاستعمارية. لقد مثّلت الزوايا شكلًا متقدّمًا من المقاومة الرمزية، غير أن مفعولها السياسي ظل محصورًا في بعدها القيمي، مما جعلها عاجزة عن مجاراة آليات التفتيت الإداري الحدودي. فهل خسرت الزوايا المعركة لأنها لم تكن تُدرك منطق الدولة الحديثة؟ أم لأنها كانت تُراهن على ذاكرة مشتركة لم تعد تكفي أمام سلطة الخريطة المدعومة بالبندقية؟ خامسًا: حين تُصبح الخريطة قدرًا: في منطق السيادة المؤجلة هل يمكن اليوم تحرير الجغرافيا من الذاكرة الاستعمارية؟ يبدو أن ما فعله كوبولاني لم يكن مجرد ترسيم حدود، بل تفكيكًا منهجيًا للسيادة المغربية التاريخيّة في الجنوب، عبر نزع الشرعيّة الرمزيّة التي مثّلتها الزوايا. وحتى حين تنازلت فرنسا عن 'الصحراء الغربية' لصالح إسبانيا، ظلت الحدود الكولونياليّة قائمة، تُربك كل محاولات إعادة بناء المجال ضمن منطق وطني موحّد. أليس هذا تأكيدًا على أن الجغرافيا قد تُصاغ خارج إرادة سكانها، وتُحوّل إلى معطى فوقي تُبنى عليه السياسات والسرديات؟ – سادسًا: بين فقه الدولة وفقه الجماعة: الفتوى حين تُغفل السياق العام هل يُطلب من الفقيه أن يُفتي بمنطق الجماعة العابرة للحدود، أم ضمن الدولة الحديثة بصفتها الحاضن الشرعي للأمة؟ تصريح الشيخ محمد الحسن ولد الددو حول الصحراء المغربية يكشف تناقضًا بين تصور فقهي كلاسيكي وتمثل حديث للسيادة. ففي حين ترتكز الدولة الوطنيّة المعاصرة على منطق السيادة القانونية والاعتراف الدولي، لا يزال بعض الفقهاء يتعاملون مع الجغرافيا الإسلامية كجسد رمزي موحد، متجاهلين أن ذلك التصور يُفضي إلى فوضى سياسية، ويُبرر دون قصد، تدخلات خارجيّة باسم التضامن الديني. فهل ما زال الفقيه معفيًا من فهم التوازنات الجيوسياسية؟ أم أن فقه المرحلة يقتضي إعادة تأهيل الخطاب الديني بمنطق الدولة لا بمنطق الجماعة؟ – سابعًا: نحو فقه بذاكرة سياسية: بين البيان الشرعي وإدراك المآل السيادي ما الحاجة اليوم إلى فقه يُدرك التاريخ ولا يتجاهله؟ إن ما صدر عن الشيخ الددو، رغم مقامه العلمي، يكشف غيابًا مقلقًا للوعي بالمآلات. إذ كيف يمكن لفقيه أن يُصدر فتوى في قضيّة ذات حساسية سيادية دون معرفةٍ معمقة بالجذور الجغرافية، والمسارات القانونيّة، والتراكمات الرمزية التي رسخت مغربية الصحراء؟ أليس هذا تغافلًا عن مسؤولية الكلمة، وتفريطًا ضمنيًا في وحدة المجال المغاربي، الذي لا يزال ضحية لمشاريع تفتيتيّة تُدار باسم تقرير المصير، بينما تُنتج مزيدًا من الانقسام والتبعيّة؟ – خلاصة مفتوحة: حين تُفقد الفتوى شروطها: أي دور للفقيه في زمن الخرائط؟ هل تظل الفتوى حجة إذا فُقدت شروطها المعرفية والسياسية؟ وهل يُعقل أن يستمر الفقيه في إصدار أحكامه خارج سياق الدولة، ودون إدراك لتعقيدات الجغرافيا السياسية؟ إن تصحيح الزلة الفقهية لا يكون بالخصومة، بل بإعادة توجيه الخطاب نحو المقاصد الكبرى: صون السيادة، حفظ المجال، وتثبيت الشرعية بمفهومها المركب. ربما يكون السؤال الأعمق هو: هل نحتاج إلى فقه جديد لا يُقدّس الخرائط، ولكن أيضًا لا يتجاهلها؟ فقه لا يُنتج الانقسام باسم المبادئ، بل يُعيد وصل ما قُطع، بوعي تاريخي، وضمير استراتيجي، وعقل سياسي يميّز بين الشرعي والمشروع، وبين البيان والانحياز. *************** (*) – نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ مفكّر وباحث مغربي متخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي. له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). إيطاليا تلغراف التالي صرخة فلسطينية في غزة جراء المجاعة التي تفتك بأهالي القطاع

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store