
ما خيارات الفلسطينيين لمواجهة 'الدعوة غير الملزِمة' لفرض 'السيادة الإسرائيلية' على الضفة الغربية؟
أثارت مصادقة البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على مقترح يدعو الحكومة إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك غور الأردن، ردود فعل واسعة، فرغم كونها خطوة رمزية وغير ملزمة قانونياً، إلاّ أن هناك من اعتبرها خطوة تعكس توجهاً سياسياً وذات دلالات استراتيجية.
وحاز المقترح على دعم 71 عضواً بينهم نواب من الائتلاف اليميني بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ونواب في المعارضة، مقابل 13 نائباً صوتوا ضده.
ويستند النص إلى ما وصفه بـ"الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب اليهودي على أرض إسرائيل"، معتبراً "الضفة وغور الأردن جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية".
ودعا المقترح، الحكومة إلى العمل دون تأخير على "فرض السيادة القانونية والقضائية والإدارية على مناطق الاستيطان اليهودي"، مشدداً على أن ذلك يعزز "أمن إسرائيل وحقها في السلام"، كما طالب مؤيدو المقترح "أصدقاء إسرائيل حول العالم" بدعمه.
ولاقى المقترح تنديداً من الجانب الفلسطيني، خصوصاً من السلطة الفلسطينية التي تمارس حكماً ذاتياً في أجزاء من الضفة الغربية.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، ويعيش نحو 500 ألف إسرائيلي في مستوطنات يعتبرها القانون الدولي غير قانونية.
Reuters
وقال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إن "محاولات فرض قوانين وقرارات حكومية عنصرية تحت مسمى فرض السيادة الإسرائيلية على الأماكن الاستيطانية في الضفة الغربية، تمثل تصعيداً خطيراً وتقويضاً لحقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وذات السيادة".
ودعا عباس، في كلمة متلفزة بثها تلفزيون فلسطين الرسمي، مساء الخميس، المجتمع الدولي، إلى "رفض هذه الانتهاكات، والذهاب إلى الاعتراف بدولة فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية"، مؤكداً أن "دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة سيتم تجسيدها على أرض فلسطين، بفضل وحدتنا وثباتنا وتمسكنا بحقوقنا الشرعية".
وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن دعوة الكنيست "تشكّل تحدياً لإرادة المجتمع الدولي بتحقيق السلام العادل والشامل وفق حل الدولتين القائم على قرارات الشرعية الدولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967".
من جانبها، اعتبرت حركة حماس، القرار، "إجراءً باطلاً ولا شرعية له، ولن يغيّر هوية الأرض الفلسطينية"، مشيرة إلى أنه "يشكل تحدياً للقوانين والقرارات الدولية، وامتداداً للانتهاكات الواسعة التي ترتكبها حكومة الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، من سرقة للأراضي وتوسيع للاستيطان".
EPA
"ليست رمزية"
وفي مقابلة مع بي بي سي، اعتبر مساعد وزير الخارجية الفلسطيني، عمر عوض الله، أن الخطوة "ليست رمزية" لأنها "تُظهر النوايا الاستعمارية الإسرائيلية"، مشيراً في ذات السياق إلى "محاولة إسرائيل سابقاً ضم مدينة القدس، لكن القرارات الأممية وخصوصاً مجلس الأمن اعتبرتها لاغية وباطلة ولا قيمة قانونية لها"، على حد وصفه.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، هاني المصري، قرار الكنيست "مرحلة جديدة على طريق تطبيق برنامج الحكومة الإسرائيلية الذي ينص على ضم الضفة الغربية"، متحدثاً لبي بي سي، عن ضغوط من داخل الحكومة وخارجها للمضي قدماً في الضم، مع إعلان أكثر من وزير بينهم بتسلئيل سموتريتش أن "2025 عام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة" كما يقول.
وأشار المصري إلى خطورة "ما يجري على الأرض من قضم تدريجي وضم زاحف وتحويل بعض المناطق من الضفة لمسؤولية الوزارات الإسرائيلية وفرض القوانين الإسرائيلية على المستوطنات وتوسيع صلاحيات الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية" على حد وصفه.
وقال المصري إن ذلك "يدل على أن ما يجري هو ضم فعلي" و"النتيجة الطبيعية له تجميع الفلسطينيين في معازل ودفع أكبر عدد ممكن منهم إلى الهجرة، وهذه هي العملية في نهاياتها"، مضيفاً: "يجب أن نرى من الآن خطورتها ونعمل على أساس التصدي لها قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة".
فما هي الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية، في حال قررت الحكومة الإسرائيلية فرض "سيادتها" على الضفة الغربية؟
"حراك دولي كبير"
بعد تصديق الكنيست، طلبت وزارة الخارجية الفلسطينية من سفرائها ومقراتها ومنظماتها، "حث الدول ومطالبتها بأهمية الاعتراف الفوري بدولة فلسطين وتمكينها من نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وفرض السلام انسجاماً مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية" وفق بيان للوزارة.
ويرى عوض الله أنه على الرغم من أن تصديق الكنيست "لا أثر قانوني" له، إلاّ أنه يجب على "الدول التي تعتبر الضم خطاً أحمر، محاسبة ومساءلة إسرائيل".
وقال عوض الله إن "فرض السيادة شكل من أشكال الضم، والضم هو جريمة حرب بناء على قواعد القانون الدولي"، متهماً "كل من صوّت على هذا القرار - 71 عضواً في الكنيست - بالمشاركة في جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني".
وتحدّث في هذا الصدد، عن "حراك دولي كبير"، مع انعقاد مؤتمر دولي بشأن مستقبل الدولة الفلسطينية في نهاية هذا الشهر، وحث الدول على "أخذ خطوات لا رجعة فيها" ومن بينها "الاعتراف بالدولة الفلسطينية لتوجيه رسالة واضحة لإسرائيل أنها لن تعترف بإسرائيل داخل حدود عام 1967".
وأشار عوض الله إلى "مجموعة من المطالبات التي تعتبر أولوية"، خلال المؤتمر، تتمثل في وقف الحرب وإدخال المساعدات لمنع "المجاعة" في غزة، "ثم تأتي المطالبات السياسية والاقتصادية والأمنية في الاعتراف العالمي بدولة فلسطين لمواجهة هذا المشروع الاستعماري الإسرائيلي" على حد تعبيره، داعياً إلى "دعم اقتصادي لدولة فلسطين من أجل أن تستمر وتبقى قابلة للحياة".
وعن إمكانية وقف الاتفاقيات السابقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل للرد على القرار، قال عوض الله إنه "لا توجد اتفاقيات سابقة تنفذ بأي شكل من الأشكال"، وأضاف أن إسرائيل "لا تنفّذ أي شيء من أي من هذه الاتفاقيات".
وأوضح أن السلطة الفلسطينية "لا ترى" الاتفاقيات مع إسرائيل "ثنائية بل دولية عقدت بوجود دولة من أجل تجسيد الدولة الفلسطينية، وكانت اتفاقيات مرحلية". ومتهماً الجانب الإسرائيلي، بـ"انتهاك الاتفاقيات ومحاولة تفكيك السلطة الفلسطينية".
"استنفار فلسطيني"
من جانبه، رأى المصري، أن المطلوب لمواجهة القرار "الرهان على الفلسطينيين وطاقاتهم وجهودهم، والعمل على توحيدهم على أساس برنامج واحد وباتجاه واحد، داعياً إلى عدم الانتظار لأن يأتي الحل "دون جهود ومبادرات وعمل فلسطيني حقيقي".
ويوضح المصري أن الوضع الفلسطيني "يعاني من مأزق على كل المستويات والأصعدة. مأزق قيادة ومؤسسات وبرنامج، وبالتالي بدون معالجة جذور وأسباب هذا المأزق وإجراء تغييرات حقيقية في الأداء وفي السياسات وفي الأهداف وفي طرق العمل، لا يمكن أن نواجه التحديات الخطيرة والوجودية".
ورأى المصري أن القيادة الفلسطينية "لا تفعل ما يجب عليها القيام به، وتنتظر الفرج من الآخرين"، لافتاً إلى "الحاجة إلى استنفار وطني لكل الفلسطينيين، ليس فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، وإنما في كل العالم".
وأوضح المصري أن ذلك يمكن أن "يشكل قاطرة تقود تحركاً عربياً ودولياً، ويصبح جبهة عالمية لا تستطيع إسرائيل أن تواجهها" كما يقول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ 4 ساعات
- المغرب اليوم
ستارمر يندد بمعاناة غزة ويهدد باعتراف بدولة فلسطينية وسط إستمرار الدعم الاستخباراتي لإسرائيل
صرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأن على المجتمع الدولي "بذل كل ما في وسعه" للتخفيف من حدة الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، مؤكدا أن بريطانيا تدعم إرسال مساعدات إنسانية ضخمة إلى القطاع. وشدد ستارمر، على ضرورة أن تفرج حركة حماس عن الرهائن فورا، مؤكدا في الوقت نفسه أن "لا مكان لحماس في مستقبل الحكم الفلسطيني". وأضاف ستارمر أنه يشعر "بالاشمئزاز إزاء المعاناة التي يتعرض لها سكان غزة"، مشيرا إلى أن بلاده قد تعترف رسميا بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل، إذا لم تبادر إسرائيل إلى معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة. يأتي هذا الموقف البريطاني في ظل توتر متصاعد بين حكومة ستارمر ونظيرتها الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، على خلفية الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في غزة، والدعوات المتزايدة من لندن لوقف إطلاق النار. ورغم هذه الخلافات السياسية، تواصل المملكة المتحدة تقديم دعم استخباراتي لإسرائيل، من خلال تسيير طائرات تجسس عسكرية غير مسلحة فوق غزة. مهام استطلاع بريطانية من قبرص إلى غزة أكدت وزارة الدفاع البريطانية أن طائرات الاستطلاع من طراز "Shadow R1"، التابعة لسلاح الجو الملكي، نفذت مئات المهام فوق قطاع غزة منذ ديسمبر 2023. وتهدف هذه الطلعات، وفق الوزارة، إلى المساعدة في تحديد مواقع الرهائن والمفقودين. وتشارك لندن بشكل روتيني المعلومات التي تجمعها هذه الطائرات مع الجانب الإسرائيلي، مما يوفر لإسرائيل تفوقًا استخباراتيًا على الأرض، بفضل قدرات الطائرات على رصد التحركات وتحديد الأهداف بدقة عالية. وتنطلق هذه المهام من قاعدة أكروتيري الجوية البريطانية في قبرص، وكان أحدثها خلال الشهر الماضي، حيث نفذت الطائرات عمليات مراقبة فوق عدة مناطق داخل القطاع. يتزامن استمرار المهام البريطانية مع تصريحات لمسؤولين إسرائيليين حول نية جيش الاحتلال شن هجوم واسع بهدف السيطرة الكاملة على قطاع غزة وهزيمة حركة حماس، وهي تحركات تثير قلقًا دوليًا متصاعدًا وتحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية. ورغم استمرار التنسيق الأمني، فرضت بريطانيا مؤخرا عقوبات على عدد من الوزراء الإسرائيليين المتشددين، كخطوة احتجاجية على تجاوزات الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين. من جانبه، عبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن "صدمته" من التقارير التي تتحدث عن استهداف المدنيين الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية.


المغرب اليوم
منذ 7 ساعات
- المغرب اليوم
كذبٌ يطيل أمد الحرب
كريستينا باترسون صحافية وإذاعية وكاتبة بريطانية، تطل عبر شاشة «سكاي نيوز»، ضمن ضيوف برنامج يعرض عناوين وأبرز موضوعات صحف لندن. تتسم السيدة باترسون بهدوء شخصيتها، فلا تنفعل، ولا يرتفع صوتها حين تُعقب على موضوع. ليل السبت الماضي، لاحظتها تخرج عن سماتها تلك، فطالبت غاضبةً بمحاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام محكمة العدل الدولية، وأضافت أنها لم تعد تصدق أي كلمة تصدر عن نتنياهو، أو فريق حكومته، لتبرير الأوضاع في غزة. بالتأكيد، كريستينا باترسون ليست أول من رمى نتنياهو وحكومته الحالية بصفة الكذب، وليست أول صوت من خارج العالم العربي يطالب بمثول نتنياهو أمام محكمة دولية... إنما جائز القول إن غضبها إزاء كذب نتنياهو المتواصل تأكيد آخر يثبت أن كيل الصبر على كذب ومراوغات رئيس أشد حكومات إسرائيل تطرفاً، قد فاض في معظم دول العالم. بالطبع، معروف أن الكذب أحد سبل الخداع في الحروب كلها. ولذا؛ اتفق المراقبون على أن «الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب». ولعل جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في فريق أدولف هتلر النازي، هو الأشهر ضمن هذا السياق، فهو صاحب المقولة الشهيرة: «اكذب، اكذب، ثم اكذب... حتى يصدقوك». صحيح أن ذلك النصح الخبيث كان ممكناً إبان الحرب العالمية الثانية، وربما قبلها، أو بعدها، وصولاً إلى مطالع القرن الحادي والعشرين، إنما، مع انفجار ثورة الاتصالات التقنية، وطلوع عصر وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، المصطلح على تسميتها «سوشيال ميديا»، العصية الإخضاع للرقابة، فقد أصبح عصياً، وربما من المستحيل، الحيلولة دون وصول أدق التفاصيل والمعلومات بشأن أحداث أي جزء في مشارق الأرض ومغاربها. نعم؛ صحيح كذلك أن تطور «الذكاء الاصطناعي» المذهل أتاح بدوره إمكانية تزوير بعض الحقائق، أو ادعاء وقوع حدث لم يقع، لكن انكشاف أمر تزييف كهذا ممكن أيضاً، وبالتالي سوف يحق عليه القول المعروف: «حبل الكذب قصير، ولو طال». أصِل الآن إلى السؤال التالي: لماذا أصلاً يمارس الكذب، أو التكاذب، خصوصاً في الحروب؟ الإجابة المختصرة تقول إن الغاية هي إطالة أمد الحرب، حتى تحقق أطرافها المُتَوخى من أهدافها. معنى هذا أن فريق نتنياهو ليس وحده الذي يمارس المراوغة، بغرض إطالة أمد الحرب التي تقترب من إتمام عامها الثاني، وهذا في حد ذاته هدف مهم لقيادة «حماس»، التي يعنيها ألا تضع الحرب أوزارها بالشطب التام لوجودها بوصفها فصيلاً فلسطينياً. الطرفان غير معنيين بآلام الضحايا، مع ضرورة التنبه إلى حجم الفارق الهائل عند النظر إلى الجانبين. لو شاءت قيادة «حماس» لما وضعت من الشروط ما يعرقل هدنة توفر للغزيين فرصة التقاط الأنفاس. ولو شاء نتنياهو لتوقف عن الكذب القائل إن من تبقوا من مقاتلي «حماس» في غزة يشكلون تهديداً لأمن إسرائيل. يكشف عن كذبه هذا نداءٌ وجهه أكثر من 600 مسؤول أمني سابق في إسرائيل إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الاثنين الماضي، يناشدونه فيه الضغط على نتنياهو لوقف حرب قطاع غزة؛ لأن حركة «حماس» لم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل. أين العقدة إذن؟ إنها في رؤوس وأطماع المتلاعبين بمصائر بسطاء الناس.


الأيام
منذ 10 ساعات
- الأيام
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
Getty Images لطالما ارتبطت الكوفية بلونيها الأبيض والأسود بالـ"قضية الفلسطينية"، وأصبحت رمزاً لـ "المقاومة والنضال" عند الفلسطينيين ومناصريهم، وتحولت من مجرد لباس تقليدي إلى رمز لدعم الفلسطينيين في كل مكان. فما هي حكاية الكوفية، وكيف أصبحت جزءاً من الهوية الفولكلورية ورمزاً للفلسطينيين؟ يروي لنا الباحث والكاتب في التاريخ الفلسطيني، حمزة العقرباوي، حكاية الكوفية الفلسطينية بمراحلها الفاصلة، فيقول: تبدأ الحكاية عام 1936 عندما اندلعت "الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) ضد الانتداب البريطاني". كانت الكوفية اللباس التقليدي لأهل القرى الفلاحين، أما الطربوش العثماني فتميز به أهل المدن الفلسطينية. شكّل المقاتلون الفلاحون - أو كما عُرفوا فلسطينياً بـ "الثوار" - عماد تلك الثورة، فـ"نصبوا الكمائن وأطلقوا النيران ونفذوا عمليات اغتيال ضد القوات البريطانية في المدن الفلسطينية". ومن أجل إخفاء هويتهم وتجنب الاعتقال، ارتدى المقاتلون الكوفية على كامل رؤوسهم لتغطية وجوههم، وحينها لم يكن للكوفية لون محدد، فمنهم من لبسها بيضاء اللون أو سوداء أو صفراء أو حتى مخططة، كما يروي العقرباوي. "الحطة والعقال بـ 5 قروش.. والنذل لابس طربوش" Getty Images كان الطربوش العثماني غطاء رأس أهل المدن الفلسطينية ويكمل العقرباوي الحديث عن مرحلة أخرى من مراحل الكوفية، فيقول: بعد فترة من الزمن تنبهت القوات البريطانية إلى أن من يقومون بالتصدي لهم هم الملثمون، فبدأت بملاحقة واعتقال كل من يرتدي الكوفية وحاولت حظرها، ليصدر بعدها بيان من "قيادة الثورة الفلسطينية" في شهر أغسطس/آب 1938، يمنع لبس الطربوش في المدن ويلزم كل الفلسطينيين الذكور بلبس الكوفية أو كما تعرف بـ"الحَطّة" والعقال؛ حتى يتعذر تمييز المقاتلين عن عموم الناس. بدأ الباعة والأطفال ينادون على المارة: "الحطة والعقال بـ 5 قروش.. والنذل لابس طربوش. الحطة والعقال بـ 10 قروش.. والنذل لابس طربوش"، فارتدى جميع الفلسطينيين الكوفية "تضامناً مع المقاتلين"، حتى حلّت تدريجياً محل الطربوش العثماني. ومن عام 1938، لعبت الكوفية أول دور "سياسي مقاوم"، فبها "يبرز المقاتل فعله ويخفي وجهه"، كما يقول الباحث والكاتب في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي. Getty Images من أجل إخفاء هويتهم وتجنب الاعتقال، ارتدى المقاتلون الكوفية على كامل رؤوسهم لتغطية وجوههم لم تنته فصول الحكاية عند هذا الحد، إذ أن للون الكوفية فصل آخر. يقول العقرباوي: ظل الفلسطينيون يرتدون كافة ألوان الكوفية "حتى حلّ عام نكبتهم"، عندما أصبح نحو 750 ألف فلسطيني لاجئاً خارج الأرض التي أصبحت لإسرائيل عام 1948. وبعد "النكبة" جاءت أولى إشارات التحول للكوفية المقلمة باللون الأبيض والأسود المعروفة حالياً، عندما بدأ الفلسطينيون بـ "التعلّق بكل ما يربطهم بالوطن، من طبق القش إلى الثوب المطرز وصولاً للكوفية". ظلت الكوفية باللون الأبيض والأسود حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، كدلالة على "الهوية الفلسطينية"، ومنذ عام 1965 نالت الكوفية زخماً كبيراً كـ"رمز ثوري للكفاح المسلح" عند الفلسطينيين كما يقول العقرباوي. وفي ذلك العام أيضاً، بدأت حركة فتح الفلسطينية نشاطها العسكري ضد إسرائيل، فارتدى مقاتلوها الكوفية السوداء والبيضاء. ويشير أرشيف الصور للفنان التشكيلي الفلسطيني إسماعيل شموط بأن فاروق القدومي، أحد مؤسسي حركة فتح، كان أول شخصية ترتدي الكوفية، حتى قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ولا شك في أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان له فضل في شهرة الكوفية، فـ"الختيار" - كما يلقبه الفلسطينيون - لم يظهر في أي مناسبة وطنية أو سياسية، دون ارتداء الكوفية على طريقته الخاصة. وعلى سبيل المثال، كان السياح يسألون الباعة في سوق خان الخليلي في القاهرة عما تعنيه الكوفية، فيجيبون: عرفات، عرفات. وفي حين مال ناشطو ومؤيدو حركة فتح إلى ارتداء الكوفيات باللون الأسود والأبيض، حمل ناشطوا ومؤيدو اليسار الفلسطيني مثل "الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين" الكوفيات الحمراء والبيضاء بحسب العقرباوي. "الكوفية إلى العالمية" Getty Images انتهت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، عندما وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو، التي وفرت إطارا لمفاوضات السلام. ويكمل الباحث والكاتب في التراث الفلسطيني، حمزة العقرباوي، الحكاية ويقول: شكّل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 – 1993) نقطة مفصلية في الدور السياسي للكوفية، حيث "جذبت مشاهد الشبان الفلسطينيين الملثمين بالكوفية وهم يلقون الحجارة والقنابل الحارقة على الجنود الإسرائيليين انتباه العالم"، وهو ما كان نقطة بداية للشهرة العالمية للكوفية كرمز لـ "التضامن والتعاطف مع الفلسطينيين". ويضيف العقرباوي أنه وخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، قرر مقاتلو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ارتداء الكوفية الحمراء بغية تفريقهم عن حركة فتح. وعندما حظرت إسرائيل رفع العلم الفلسطيني (1967-1993)، خضعت الكوفية بالأبيض والأسود للتحول، لتصبح "العلم غير الرسمي" عند الفلسطينيين. "شبكة الصيد وورق الزيتون" وبحلول العقد الأول من القرن الـ 21 أصبحت الكوفية قطعة من الأزياء الرائجة التي يتزين بها الشباب، وظهرت على منصات الأزياء العالمية بتصاميم وألوان مبتكرة غير تقليدية. لكن الخياطة السوداء المميزة على الكوفية التقليدية تشير للعديد من المعاني الرمزية، رغم عدم التحقق من أي منها، كما يقول مؤرخون. وفي الروايات المتداولة يرمز نمط شبكة صيد السمك إلى البحر الأبيض المتوسط، والخطوط الحدودية العريضة تمثل طرق التجارة، أما الخطوط المتموجة تمثل أوراق الزيتون، التي ترمز إلى المرونة والقوة. وللباحث والكاتب في التراث الفلسطيني، حمزة العقرباوي، رأي مغاير للتفسيرات المتداولة، فهذه الأنماط، بحسب العقرباوي، ما هي إلا مجرد خيوط عادية، اجتهدها من خاط الكوفية لإظهار بعد جمالي فقط. Getty Images كان زعيم جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري نيلسون مانديلا، الذي كان مؤتمره الوطني الأفريقي مقرباً من منظمة التحرير الفلسطينية، يرتدي الكوفية في بعض الأحيان "الكوفية والسابع من أكتوبر" ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، طغت الكوفية الفلسطينية بلونيها الأسود والأبيض على معظم مشاهد الاحتجاجات التي خرجت في العديد من دول العالم رفضاً للحرب، وارتدى المحتجون الكوفية الفلسطينية كـ "تعبير عن الدعم للفلسطينيين". لكن الكوفية أيضاً أثارت حفيظة مؤيدي إسرائيل، الذين اعتبروها "استفزازاً وعلامة على دعم الإرهاب"، حتى أن صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية وصفت الكوفية بأنها "قماش المشكلة"، واقترحت على المتظاهرين الألمان المؤيدين للفلسطينيين ارتداء "الزي النازي" بدلاً منها. وفي بداية الحرب أفاد نشطاء لوكالة رويترز بأن الشرطة في فرنسا وألمانيا، حذرت وفرضت غرامات واحتجزت أشخاصاً كانوا يضعون الكوفية. ورغم المتاعب التي قد تلحق بمن يرتديها، إلا أن الطلب على شراء الكوفية زاد في الولايات المتحدة بنسبة 75 في المئة، منذ السابع من أكتوبر بحسب رويترز. من أين جاءت فكرة الكوفية وما تاريخها؟ اعتادت العرب قديماً تغطية الرأس، فارتدى الرجال أغطية بطرق مختلفة، بغية حماية أنفسهم من أشعة الشمس وبرد الشتاء. وتنوعت الأغطية بين العمائم التي قال عنها الخليفة عمر بن الخطاب إنها "تيجان العرب"، والكوفية التي اشتهر بها رجال البادية والفلاحون في بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى الطربوش العثماني الذي ميّز أهل المدن أو الحضر. وبالنسبة للكوفية التي تُعرف أيضاً باسم "الحَطّة" أو "الشماغ" أو "الغترة"، فهي قطعة قماش مربعة الشكل تتميز بألوان ونقوش مختلفة، ولعلّ أشهرها الكوفية باللون الأبيض والأسود أو الأبيض والأحمر، ولكل منها حكاية منفصلة. ويسود اعتقاد بأن أصل كلمة الكوفية يعود إلى مدينة الكوفة في العراق، بينما تقول روايات تاريخية أخرى إن الكوفية لها أصول تسبق الإسلام، عندما ارتداها الكهنة السومريون والبابليون قبل نحو 5000 عام. Getty Images صورة غير مؤرخة لمجموعة من الرجال البدو يرتدون الكوفية أو "الحطة" والعقال. وقدم الرحال وعالم الآثار الألماني، ماكس فون أوبنهايم، في تسعينيات القرن التاسع عشر، وصفاً دقيقاً للكوفية، حين قال: "غطاء الرأس الوطني للعرب البدو هو الكوفية أو الشاشية، وهو عبارة عن نسيج قطني أو حريري للأشخاص المتميزين، تبلغ مساحته نحو متر مربع، يطوى بشكل مثلث ويوضع على الرأس بحيث يتدلى طرفاه على الجانبين وطرفه الثالث على الظهر، يُثبت هذا القماش على الرأس بواسطة حبل من شعر الماعز [العقال]، غالباً ما يكون أسود اللون وصلباً بشكل ملحوظ، يلف مرتين حول الرأس". وجاء في الموروث الشعبي لأهل بلاد الشام أنه من المعيب على الرجل أن يخرج حاسراً رأسه، حتى أن البعض كان يرفض تزويج بناته لمن لا يرتدي الكوفية أو غيرها من أغطية الرأس. أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية، الأحد 17 نوفمبر/تشرين الثاني، إدراج الكوفية على قائمة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، إذ اعتبر وزير الثقافة الفلسطيني، عماد حمدان، إدراج الكوفية الفلسطينية "إنجازاً وطنياً لصون هذا التراث الثقافي، الذي أصبح رمزاً للهوية الوطنية". ويشير التراث الشعبي الفلسطيني إلى أن الكوفية كانت تدل على المكانة والقدرة المادية، إذ كان يحرص مختار القرية أو المقتدر على شراء أفضل أنواعها المصنوعة من الحرير أو القطن الخالص، من مدينة حلب ودمشق والقاهرة.