logo
لو لم تُحرَق كتبنا عبر التاريخ

لو لم تُحرَق كتبنا عبر التاريخ

صراحة نيوز١٦-٠٧-٢٠٢٥
صراحة نيوز-بقلم: نادية إبراهيم نوري
من الثابت تاريخيًا أن أول ما يسعى إليه أي مستعمر عند احتلاله لبلد ما هو تدمير مراكز القوة الفكرية والعلمية فيه. فيبدأ بتصفية العلماء والمثقفين والأطباء، ويحرق الكتب، ويخرب المتاحف، ليُضعف ارتباط الشعب بماضيه ويحرمه من مصادر وعيه وقدرته على مقاومة الاحتلال والتمسك بأرضه.
هذه سياسة ممنهجة تبنّتها معظم قوى الاستعمار، إذ لا يكتفي المحتل بنهب الثروات، بل يعمل على زرع الفتن والانقسامات بين أبناء الشعب الواحد، ويُنفذ مبدأ 'فرّق تسد'، حتى يُجزئ المجزّأ ويحول الأوطان إلى كيانات متصارعة يسهل السيطرة عليها.
والذاكرة العربية مليئة بشواهد الاستعمار الذي سعى بكل قوته إلى طمس حضارتنا. والتاريخ لا ينسى ما فعله المغول في بغداد زمن الخلافة العباسية، حين تحولت مياه دجلة والفرات إلى اللونين الأحمر والأزرق، اختلاطًا بدماء الشهداء وحبر الكتب التي كانت تملأ خزائن ومكتبات بغداد، تلك العاصمة التي كانت منارة العلم ومقصد العلماء من شتى بقاع الأرض.
لقد قيل الكثير عن بغداد في أوج مجدها؛ قال عنها يونس بن عبد الأعلى الصدفي: 'قال لي الإمام الشافعي: هل رأيت بغداد؟ قلت: لا، فقال: لم ترَ الدنيا.'
وأضاف الشافعي: 'ما دخلت بلدًا إلا عددته سفرًا، إلا بغداد، فإني حين دخلتها عددتها وطنًا.'
ووصفها آخرون: 'الدنيا بادية وبغداد حاضرتها.'
وقال ابن علية: 'ما رأيت أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد ولا أحسن رغبة.'
وأبو بكر بن عياش قال: 'من لم يرَ بغداد لم يرَ الدنيا.'
كل هذا يعبّر عن قيمة بغداد كرمز للعلم والحضارة والنهضة، لكنّ همجية الغزاة لم تكن لتدرك أن بإحراقها للكتب واغتيالها للعقول، لا تضر الأمة المحتلة وحدها، بل تُلحق الأذى بالبشرية جمعاء.
يؤكد ذلك العالم الفرنسي الحاصل على نوبل في الفيزياء عام 1903، بيير كوري، بقوله: 'لقد تمكنت من تقسيم الذرة بالاستعانة بثلاثين كتابًا من بقايا الحضارة الأندلسية.'
وتابع قائلاً: 'لو أُتيحت لنا فرصة الاطلاع على المئات أو الآلاف من كتب المسلمين التي أُحرقت، لكنا اليوم نتنقل بين المجرات.'
إنّ إحراق تراث المسلمين لم يكن خسارة للأمة وحدها، بل للعالم أجمع، خصوصًا أن العصرين الأموي والعباسي شهدا ذروة التقدم العلمي والثقافي، وكانت الأندلس بوابة أوروبا إلى علوم العرب والمسلمين، من طب وفلك ورياضيات وفلسفة وغيرها.
ولا يمكن إغفال دور الحضارات القديمة الأخرى في منطقتنا، مثل حضارات وادي الرافدين ووادي النيل واليمن والفينيقيين، التي أسهمت في بناء الفكر الإنساني منذ آلاف السنين.
ومن الشواهد المهمة على ذلك، رُقيم طيني وُجد في بابل يصوّر مثلثًا قائم الزاوية، مما يُرجّح أن فيثاغورس – الذي زار بابل ومكث فيها – استقى نظريته من البابليين، إن لم يكن قد نقلها حرفيًا.
إن ما توصل إليه الغرب من تطور علمي اعتمد بدرجة كبيرة على ما بقي من إرث حضارتنا، التي تعرّضت في مراحلها المختلفة إلى حملات تدمير ممنهجة عبر الحروب والاحتلالات.
ولعل من أهم الأسباب التي ساهمت في تراجعنا أيضًا هو تراجع شغف الأجيال الجديدة بالبحث والاطلاع، وضعف تقديرهم للإرث العلمي والحضاري الذي أنجزه الأجداد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دولة آسيوية تنضم إلى قائمة مُرشحي ترمب لجائزة نوبل للسلام
دولة آسيوية تنضم إلى قائمة مُرشحي ترمب لجائزة نوبل للسلام

رؤيا

timeمنذ 8 ساعات

  • رؤيا

دولة آسيوية تنضم إلى قائمة مُرشحي ترمب لجائزة نوبل للسلام

سون: "يجب أن يحصل (ترمب) على جائزة نوبل" أعلن نائب رئيس الوزراء الكمبودي سون، أن الحكومة الكمبودية تخطط لترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام، تقديرًا لدوره في حل النزاع بين تايلاند وكمبوديا. وفي مقابلة مع الصحيفة، قال سون: "يجب أن يحصل (ترمب) على جائزة نوبل ليس فقط لعمله في حل الصراع الذي يشمل كمبوديا، بل وكذلك في مناطق أخرى". وأشار إلى أن التوصل إلى اتفاق بين تايلاند وكمبوديا لولا مشاركة ترمب كان أمرًا مستبعدًا، ولذلك تنوي الحكومة الكمبودية تقديم ترشيح للرئيس الأمريكي إلى لجنة نوبل. وفي يوليو الماضي، أكد ترمب أنه تحدث مع زعماء من كمبوديا وتايلاند، ونبههم إلى أن الولايات المتحدة لن تبرم صفقات تجارية مع أي دولة تنخرط في نزاعات مسلحة. كما أعلن ترمب أن الدولتين وافقتا على الاجتماع فورًا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وبعد ذلك ستستأنف واشنطن المحادثات التجارية معهما. وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم أن تايلاند وكمبوديا اتفقتا في محادثات كوالالمبور على وقف إطلاق النار، والذي دخل حيز التنفيذ عند منتصف الليل بالتوقيت المحلي. وأضاف أنه تم مناقشة خطوات أخرى لتهدئة الصراع الحدودي بين البلدين، بما في ذلك اجتماع لقادة المنطقتين العسكريتين الأولى والثانية في تايلاند والمنطقتين العسكريتين الرابعة والخامسة في كمبوديا صباح 29 يوليو، بالإضافة إلى عقد اجتماع للجنة المشتركة بشأن قضايا الحدود بين البلدين في 4 أغسطس.

حل الدولتين قادم لا محالة
حل الدولتين قادم لا محالة

العرب اليوم

timeمنذ 10 ساعات

  • العرب اليوم

حل الدولتين قادم لا محالة

لعل صدور خريطة طريق تتضمن رؤية متكاملة لكيفية إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عبر حل الدولتين، على أن يُترك للطرفين التفاوض حول حدود الدولة الفلسطينية وملف الاستيطان ومصير القدس، من شأنه أن يُمكِّن الدول ويشجعها على الانخراط فيها، كما تشجّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتقدّم بخطوة، وتمخض عن ذلك إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعمها لحل الدولتين، وقال بيان لمكتب ستارمر: «عازمون على حماية حل الدولتين». مؤتمر حل الدولتين وتسوية الصراع برعاية المملكة العربية السعودية وفرنسا تمخضت عنه خريطة طريق ووثيقة في اجتماع نيويورك، التي من المحتمل أن تتبناها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ظل شبه ضوء أخضر أميركي بالموافقة، وحيث سُئل ترمب عن مؤتمر نيويورك فقال: «فليفعلوا ما يشاءون»، رغم تغيب أميركا وإسرائيل عن الاجتماع. بالعودة للتاريخ، الغرب في حقبة من تاريخه دفع اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين، واختلق لهم قصة إسرائيل وشعب الله، رغم أنه لا يوجد دليل واحد في العهد القديم أو الجديد يؤكد أن شعب الله هم اليهود الذين جاءوا إلى فلسطين أو هُجّروا إليها في عام 1948، فهو خلط لا مبرر له، وحتى لو تعاملنا مع هذه الفرضية لوجدنا أن شعب الله الذي جاء ذكره في النص الحالي من الكتاب هم عباد الرب، أي أن مَن يعبد الرب هو من شعب الله، ويؤكد ذلك ما جاء في رسالة بولس إلى أهل روما: «ليس جميع الذين هم من إسرائيل بإسرائيليين، ولا هم أبناء إبراهيم، وإن كانوا من ذريته». من سياسات التقوقع المجتمعي التي تمنع الاندماج في دولة واحدة، الجدار الفاصل الذي تُحاول الحكومة الإسرائيلية تسويقه للعالم على أنه جدار أمني، لكن هو في الواقع ليس إلا جداراً لاعتقال شعب جائع ومشرد منذ أكثر من 50 عاماً، إضافة إلى مناخ عنصري متطرف أنتج عنصرية وعصبية صهيونية تغذيه شريعة محرّفة عن الرب في شريعة موسى عليه السلام. ما يمنع الاندماج في دولة واحدة هو عنصرية يُغذّيها موروث ديني متطرّف، تُسوِّق له مؤسّسة صهيونيّة مكّنت جماعات إرهابيّة مثل «حركة كاخ» و«الإرغون» و«نماحيلييت» و«اليشيفا» و«كاهانا» و«أمناء جبل الهيكل» و«عصابات شتيرن» وغيرها الكثير، تنظر إلى البشر على أنهم كائنات دنيا (Inferior beings). المتطرفون في الطرفين، الإسرائيليون لا يؤمنون بالتآخي والسلام وبدولة فلسطينية على أرض يؤمنون بأنها أرض توراتية، ويسمونها «يهودا والسامرة» وفق ما قال موشي دايان: «يجب علينا أن نمتلك كل الأراضي التوراتية»، أما أريحا التي أعطوها فكانت دائماً ملعونة في كتابهم «ملعون من يبني حجراً في أريحا». وفي المقابل هناك المتطرفون في الطرف الآخر الذين يريدون رمي إسرائيل الحالية في البحر، ولكل هذه الأسباب هناك استحالة للبقاء في دولة واحدة، لكن الواقعية السياسية تؤكد الحل في الدولتين. ولهذه الأسباب قتل إسحاق رابين، ومن بعده ياسر عرفات، فالرجلان حصلا على جائزة «نوبل» للسلام مناصفة لأنهما آمنا بحل الدولتين، أحدهما قُتل برصاص متطرف، والآخر حاصروه ثم قتلوه من قِبل المؤسسة العسكرية والاستخباراتية نفسها التي قتلت شريكه في السلام إسحاق رابين. واليوم هذه المؤسسة العسكرية التي يتولى أمرها متطرفون لا يؤمنون إلا بالحرب، براً وبحراً وجواً، على شعب أعزل من السلاح لا يملك حتى رشاش ماء ليسقي به زرعه الذي أفسدته دباباتهم. تاريخياً، تعودنا من حكومات إسرائيل على إفراغ المبادرات من محتواها وتأجيلها إلى مراحل، ثم لا يتم التطبيق منها سوى أقل من 10 في المائة من محتواها، ولهذا لا بد من إلزام الحكومة الإسرائيلية بأي تفاهم دولي بشأن حل الدولتين، وإلا نصبح كمن يحرث في البحر.

اسماعيل الشريف : عالم قراقوش
اسماعيل الشريف : عالم قراقوش

أخبارنا

timeمنذ 4 أيام

  • أخبارنا

اسماعيل الشريف : عالم قراقوش

أخبارنا : الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة- جورج أورويل، رواية 1984. ألقت ساحرةٌ تعويذةً في بئرٍ وسط مملكة، فصار كل من شرب من مائها يُصاب بالجنون. شرب الجميع، باستثناء الملك ووزيره. ولأنهما الوحيدان اللذان بقيا على عقل، رآهما الناس مجنونَين، فثاروا عليهما. لم يجد الملك ووزيره بدًّا من شرب الماء المسحور، وما إن فعلا حتى ابتهج الناس، واحتفلوا بعودتهما إلى «الرشد». هكذا، تحوّل العالم بأسره إلى نسخةٍ من تلك القرية المجنونة. تؤدي السيدة فرانشيسكا ألبانيز مهامها كمقرّرة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فلسطين، فتكتب وتُصرّح أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية، وتطالب بمحاكمة المسؤولين عنها أمام محكمة الجنايات الدولية. ثم تُعد تقريرًا يفضح الشركات المتورطة في دعم هذه الإبادة. فتردّ أقوى دولة في العالم، على لسان وزير خارجيتها ماركو روبيو، بشن هجوم عنيف عليها، وتفرض عليها العقوبات! أما المملكة المتحدة، فتصنّف منظمة «فلسطين آكشن» السلمية ضمن قوائم «الإرهاب»، فقط لأنها تعارض محرقة غزة. وعلى مائدة عشاء، يرشّح مجرم الحرب والمطلوب للعدالة نتن ياهو، رئيسَ أكبر دولة مصدّرة للسلاح في العالم ذاك الذي دهس القانون الدولي تحت جناح طائراته وهي تقصف المنشآت النووية الإيرانية لجائزة نوبل للسلام! وفي مشهد آخر من مشاهد العبث، يواصل الكيان المجرم منع دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، ويعتقل صحفيًا إسرائيليًا لمجرد أنه كشف تزوير قادة جيش الاحتلال لرواية حرق أطفال السابع من أكتوبر، وهي الرواية نفسها التي رددها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مرتين. أما إدارة ترامب، فتتبرأ من دم عميل الموساد جيفري إبستين، المتهم بتجارة القاصرات، وتزعم أنه انتحر، وتنفي وجود قائمة بأسماء شركائه من كبار الشخصيات، متجاهلةً كل التقارير التي تؤكد عكس ذلك. وتقوم مؤسسة تُدعى «غزة الإنسانية» بقتل أكثر من ألف غزّي ممن قصدوا مراكزها طلبًا للطعام، ويستشهد أكثر من مئةٍ منهم جوعًا، جلّهم من الأطفال. وفي ذروة هذه المأساة، يخرج الرئيس ترامب ليعلن أن الولايات المتحدة قدّمت أكثر من ستين مليون دولار للمؤسسة، دون أن تتلقى «شكرًا» واحدًا! ويُعلن وزير الحرب الصهيوني عن إنشاء مدينة أطلق عليها اسم «إنسانية» في جنوب القطاع، ليُزج فيها أكثر من مليون ونصف من سكان غزة، تمهيدًا لتهجيرهم القسري. ويفشل نتن ياهو المفاوضات الأخيرة الرامية إلى وقف الإبادة، فينحاز الوسيط الأميركي بوقاحة إلى جانب الاحتلال، متهمًا حماس بأنها من أفشل المحادثات. وفي الوقت نفسه، تُصرّ الإدارة الأميركية على منح الكيان «حق الدفاع عن النفس»، رغم ارتكابه إبادة جماعية دامت لعامين، حصدت مئات الآلاف من الأرواح ودمّرت القطاع بأكمله. وتعتقل كل من يطالب بوقف المجزرة، بتهمة «معاداة السامية». يسافر نتن ياهو، مجرم الحرب، إلى أقاصي الأرض، ويُستقبل استقبال الأبطال، بينما يُحاصر شعبٌ بأكمله في ظروف لا إنسانية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلًا. ويُهدي نتن ياهو رئيسَ أقوى دولة «بيجرًا» من ذهب، رمزًا لما يسمى «العمل العظيم» الذي أنجزه، بعدما فجّر بيجرات استهدفت حزب الله، وكان معظم ضحاياها من المدنيين. لقد غدا هذا العالم أقرب إلى نسخة معاصرة من حكم قراقوش، والي القاهرة في العصر الأيوبي، الذي تحوّل إلى رمز للظلم والقرارات العجيبة، حتى ألّف ابن ممّاتي كتابًا ساخرًا عنه بعنوان «الفاشوش في حكم قراقوش». وربما كان قراقوش بريئًا، وشوّه خصومه سيرته، لكنني أجزم أننا نعيش اليوم زمن قراقوش الحقيقي حين تُقلَب الحقائق، ويُدهس المنطق، ويُرشَّح مجرمٌ آخر لنيل جائزة السلام. حين يُبرّأ تاجر قاصرات تورّط معه أصحاب النفوذ، وتُبرَّر إبادة جماعية بأنها «دفاع عن النفس»... حين يتحوّل الضحية إلى جلاد، ويُغتال المفاوض، وتُمزّق المواثيق، وتُقصف الدول في ذروة المفاوضات... فاعلم يقينًا أنك تعيش في عالم قراقوش.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store