logo
قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

العرب اليوم١٩-٠٣-٢٠٢٥

استقرّ الرأي في الأنظمة الحديثة والمعاصرة على أنّ الدولة هي التي يكون من حقّها ممارسة العنف بمفردها. والسلطة في ممارساتها الشاملة تكون محايدة. أمّا في الواقع فقد سادت أنظمة غلبة، تارةً باسم الأقلّية وطوراً باسم الأكثريّة. وتتصاعد اليوم صرخات 'المكوِّنات' الطائفية والإثنيّة والجهويّة، وهي تشكو من الغلبة والتمييز. وهي مشكلة سورية والعراق واليمن والسودان. فكيف الخروج من الاضطراب بعد فشل الأنظمة الشمولية وأنظمة الأقلّيات والميليشيات؟ هذه هي محنة دول المشرق العربي واليمن والسودان.
مقولة الإرغام أو احتكار العنف وأنّ ذلك من حقّ الدولة أو السلطة الشرعيّة، هي مقولة السوسيولوجيّ الألماني الكبير ماكس فيبر (1864-1920). يقول مفكّرو نقد الخطاب الاستعماري اليوم إنّ احتكار العنف هو شأن الدولة الحديثة، سواء اتّبعت الآليّات الديمقراطية أو لم تتبعها. وأصل الفكرة يعود لتوماس هوبز (1588-1697) صاحب كتاب 'الليفياثان' الذي قال بسوء الطبيعة البشرية وإنّ الإنسان لا يكتفي بحاجاته الأساسية، ويميل على الدوام إلى تكبير حصّته بالقوّة فيتصدّع المجتمع وينهار بسبب حرب الجميع على الجميع.
لذلك صيغة 'العقد الاجتماعي' عنده تكون بتسليم الجميع لسلطةٍ واحدةٍ هي الملك أو الدولة التي تحتكر العنف وتملك حقّ الإرغام، وتستطيع ممارسة القوّة ضدّ الجميع عندما يخرجون جميعاً أو تخرج فئات منهم على مقتضى العقد (= الخضوع للسلطة شبه المطلقة). ولذلك في الصيغة الأصلية لا تعني العدالة الإنصاف ومراعاة الحقوق بل أن تكون السلطة شموليّةً ليس فيها تمييز في استخدام القوّة عندما يكون ذلك ضروريّاً. وقد تعرّضت هذه الرؤية لنقدٍ كثيرٍ، لكنْ ما تشكّك أحدٌ في أصلها، وهو أنّ العنف يقع في أصل الدولة وينبغي أن يكون من حقّ جهةٍ واحدةٍ وإلّا صارت الحروب الأهليّة هي الحالة السائدة.
في المرحلة الجديدة هناك دائماً اندفاعٌ نحو نظامٍ للغلبة من أقلّية أو أكثريّة. وفي الحالتين ما عاد الاستقرار ممكناً أو مضموناً
لنذكر هنا النقد الماركسيّ فقط. فالماركسيون لا ينكرون الطبيعة العنيفة للدولة، لكنّهم ينكرون أن تتحقّق القاعدة القائلة: ظلمٌ بالسويّة عدلٌ في الرعيّة. فالذي يحدث دائماً أن تغلب فئةٌ على فئة وتحكم باسم مصالحها، ولذلك حتّى عند الوصول إلى مرحلة سيطرة البروليتاريا يسمّونها: ديكتاتورية البروليتاريا على الفئات الأخرى.
للخروج من العنف
كيف يمكن الخروج من هذا العنف اللاإنساني، سواء أكان ماديّاً أو معنويّاً؟ جون لوك (1632-1704) بل كلّ الآخرين قالوا بسلطة الإرادة العامّة التي تظهر من خلال الاقتراع العامّ أو الانتخابات. فالأكثريّة التي تأتي بها الانتخابات هي التي تحكم أو تملك ولو مؤقّتاً سلطة استخدام العنف، واستجدّت على ذلك آليّات حفظ الحقوق الأساسية للأقلّيات استناداً إلى فكرة المواطنة.
يفترض أن تكون الأكثرية سياسية، لكنّ الواقع أنّها كانت في غالب الأحيان دينية أو إثنية أو جهويّة وإن لم يبدُ ذلك بوضوحٍ قصداً. وهكذا قد يصبح حقّ الدولة في استخدام العنف نوعاً من الغلبة لفئةٍ على سائر الفئات. وبالكفاءة المتطوّرة في الهندسات الاجتماعية والتدخّلات الخارجية تصبح الفئة المسيطرة بالانتخابات أو بدونها، هي 'الأقليّة المنظّمة' بالمعاني الدينية أو الاقتصادية أو السياسية.
لماذا هذه الفذلكة الطويلة في أصل الدولة ووظائفها الاجتماعية والسياسية؟
الدولة
لأنّ المسألة الآن صارت عالمية. كنّا نظنّها قاصرةً على الدول الجديدة في آسيا وإفريقيا، التي تسود فيها غالباً الجيوش باعتبارها 'أقلّيات منظّمة'. لكن مع عودة الدين وتفاقم الوعي بالخصوصيات عادت الأقلّيات المنظّمة سائدةً في كلّ مكان. لقد سقطت الإمبراطوريّات، ثمّ سقطت الدول القومية، والدول (الديمقراطية) المتقدّمة والأخرى الوطنية معرّضة للتهديد الشديد في بناها الداخلية المتنافرة.
أنظمة 'الأقلّيّات المنظّمة'
بعد الحرب العالمية الثانية أُدخلت ضمانات كثيرة على نظام الدولة تعود لحقوق الإنسان ولمنع تعدّي القوى الكبرى على الصغرى. لكنّ الضمانات للجهتين داخَلها الاختلال الشديد في الحرب الباردة والزمن الحالي. ويتّجه العالم اليوم، باستثناءات قليلة، نحو أنظمة 'الأقلّيات المنظّمة' مع مراعاة الشكليّات الديمقراطية أو بدون مراعاتها.
استقرّ الرأي في الأنظمة الحديثة والمعاصرة على أنّ الدولة هي التي يكون من حقّها ممارسة العنف بمفردها
فلنعُد مرّةً أخرى لتعليل أسباب الحديث عن نظام الدولة الآن. علّة ذلك الشكاوى المتصاعدة في بلداننا من سيطرة الأقلّيات تارةً، وتارةً أُخرى من سيطرة الأكثريّات (!). ويحدث هذا في سورية والعراق ولبنان والسودان واليمن… والشكاوى ليست جديدة، بل تعود للخمسينيات والستّينيات من القرن الماضي، لكنّها تفاقمت في العقود الأخيرة.
أخيراً، أثارها بقوّةٍ سقوط نظام آل الأسد بعد سيطرة أربعةٍ وخمسين عاماً (في جمهورية يرث فيها الابن الأب!)، وكانت سيطرةً للأقلّية العلويّة بغطاءٍ أيديولوجيّ شفّاف بعثي – قومي. ومنذ الوهلة الأولى جرى اعتبار الحركة التي استولت على دمشق سنّية، وهي طائفة الأكثريّة، وقد حضرت بعد طول غياب. وعلى الفور تصاعد تذمّر العلويين الذين فقدوا السلطة أو بعضهم، والأكراد، والدروز، والحجّة الاستئثار بالسلطة، وهم يريدون أمرين متناقضين: حقوق المساواة بالمواطنة، والتمايز في ما يشبه الحكم الذاتي.
لبننة النّظام العراقيّ
لا تكفي المواطنة، فلا بدّ من الأمرين والتمايز أهمّ! وحدث الأمر نفسه من قبل في العراق حيث حلّت الأكثرية الشيعية محلّ البعثيّة السنّية. وزاد الأمر تفاقماً التدخّل الإيراني الذي أحلَّ فوضى تعدّدية في كيانٍ تسرح فيه الحركات المسلّحة الشيعية والسنّية وتمرح على الرغم من وجود الجيش والأمن والسيادة المدّعاة في كيانٍ مستقلٍّ علناً!
صنع الأميركيون الغزاة النظامَ العراقي على شاكلة النظام اللبناني الذي أرساه الفرنسيون. لكنّ النظام اللبناني، نظام التقسيم الطائفي، ما كان يستحقّ التقليد. فهو نظامٌ مضطربٌ دائماً، وتتحكّم فيه في كلّ حقبة إحدى أقلّياته. في حقبة العقدين ونصف العقد الأخيرة تحكّمت الطائفة الشيعية بواسطة ميليشيا مسلّحة تعمل حسب الاستراتيجية الإيرانية. وقد انكسرت أخيراً أمام إسرائيل، فعاد شيء من التوازُن وجرى الاصطلاح دولياً ولبنانياً على أن يكون رئيس الجمهورية هو الأبرز في ترتيبات النظام.
بعد الحرب العالمية الثانية أُدخلت ضمانات كثيرة على نظام الدولة تعود لحقوق الإنسان ولمنع تعدّي القوى الكبرى على الصغرى
لكنّ دستور الطائف يضع السلطة بيد مجلس الوزراء، وهو منصبٌ للسنّة. ولذلك يشعر الشيعة بالصدمة بسبب الهزيمة ويميلون للمناطحة بالداخل، وعاد السنّة يشعرون بالقهر، وما استقرّ نظام الغلبة بعد، لأنّ المشكلات المتراكمة ما سمحت للنظام بالاستقرار.
الاندفاع نحو نظام الغلبة
في المرحلة الجديدة هناك دائماً اندفاعٌ نحو نظامٍ للغلبة من أقلّية أو أكثريّة. وفي الحالتين ما عاد الاستقرار ممكناً أو مضموناً، لأنّ الوضع العالمي الصراعيّ لا يسمح بذلك. الأكثريّة السورية تجرّب بعد طول غياب. والأكثريّة العراقية الغالبة لا تُقنع حتى المشاركين فيها. والتوازن اللبناني هشٌّ لمخالفات الممارسة للدستور، وللإحساسات المتناقضة لدى الفئات المختلفة التي تعبت من الحروب ومن سوء العيش، لكنّها ما تعبت من المناكفة.
في السودان يتصارع الجيش مع ميليشيا سبق له هو أن أوجدها. ودول الجوار تتربّص بوحدة السودان بعد فصل جنوبه عن شماله في دولةٍ غير مستقرّةٍ أيضاً! وفي اليمن انقسمت الدولة إلى دولتين، إحداهما تحاول أن تكون مذهبية وراثية(!)، وهي تعتمد في ممارستها للعنف على الدعم الإيراني.
إنّ دول الاضطراب العربي يزيد عدد سكّانها على مئة مليون، وهم يعانون من القتل والتهجير والوقوع على حافة المجاعة. وتريد أميركا أن تقرّر كلّ شيء لديهم للضعف المسيطر نتيجة صراعات 'المكوِّنات'.
إقرأ أيضاً: سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة
فهل تكون العلّة في تعدّد الجهات التي تمارس العنف، أو لأنّ الأقلّيات اكتسبت وعياً جديداً بسبب ضعف السلطة المركزية؟ وكيف يكون المخرج من الاضطراب في المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد الدولة القومية؟ هل تكون الفدراليّات بعدما فشلت الصرامة الاندماجيّة والميليشيات الطائفية؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خواطر على هامش العيد!  #عاجل
خواطر على هامش العيد!  #عاجل

جو 24

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • جو 24

خواطر على هامش العيد! #عاجل

جو 24 : كتب: كمال ميرزا الحمد لله على نعمة اختلاف الأنظمة العربيّة في رؤية هلال العيد! أخيراً سمعنا أصوات بعض الغيورين على الدين وحياضه، هؤلاء الذين ألفيناهم خلال الخمسة عشر شهراً الماضية يلتزمون الصمت حدّ الخَرَس عندما يتعلّق الأمر بغزّة وأهل غزّة، ويركنون إلى توكّل كاذب على الله هو في حقيقته تواكل، مكتفين بدعاء ينافقون به أنفسهم أكثر ممّا أنّهم يرتجون الإجابة، ويركنون إلى وجوب طاعة أولياء الأمر ليبرروا السكوت والخنوع والخذلان والتواطؤ والخيانة! قطرة دم طفل غزّاوي واحد أهم من جميع أهلّتكم منذ بدء الخليقة! فقط لو تغضبون لغزّة وأهلها وتتفصّدون حميّة من أجلها معشار حميّتكم لهلال العيد! كان الناس قد تنادَوا العام الماضي للتخفّف من مظاهر العيد تضامناً مع الأهل في غزّة وعموم فلسطين، واقتصار ضيافة العيد على القهوة السادة والتمر. يا ترى هل ما يزال هذا التضامن قائماً وسارياً هذا العيد أم أنّ "الترند" قد بهت وانتهى؟! المؤسف أنّني لا أجرؤ على طرح هذا السؤال حتى على أقرب المقرّبين منّي لكي لا أكتشف أنّني "ما بمون" وتلافياً لـ "تسقيع وجهي"! أهل غزّة لا يحتاجون مثل هذه اللفتات، وآخر همّهم مثل هذه اللفتات في غمرة كلّ هذا الخذلان والتنصّل والتآمر الذي يتعرّضون له. نحن الذين بحاجة لمثل هذه اللفتات من باب تذكير أنفسنا، وللتشبّث ببقايا إنسانيّتنا، وعلى أمل زرع بذرة ما أو عِبرة ما في نفوس أطفالنا قد تُزهر في المستقبل بطرق لا نتصوّرها حين نقول لهم: لا شوكولا في العيد ولا معمول في العيد تضامناً مع إخوانكم أطفال غزّة! أتى العيد على البعض في الوطن العربي وقد أصبحوا وزراء بعد أن كانوا مطاريد! مبارك! في ضوء "الأخلاق البروتستانتيّة" على طريقة "ماكس فيبر" التي يتميّز بها نمط تديّن هؤلاء الإسلاميّين، أعلم أنّهم سيعتبرون مناصبهم الجديدة مؤشراً على رضا الله تعالى وتوفيقه (وليس ابتلاءً أو مدّاً لهم مثلاً)، وضرباً من تعجيل الثواب لهم في الدنيا إضافة إلى ما يدّخره الله لهم من نعيم في الآخرة! من هنا إلى أن يلقى أصحاب المعالي الجدد ربّهم، سؤال لخبراء أنظمة الموارد البشريّة والضمان الاجتماعي في الوطن العربيّ: عندما يُعيَّن وزير جديد في حكومة "ثوريّة" عربيّة (وضع ثوريّة بين مائة قوس)، ولغايات احتساب سنوات الخبرة من أجل العلاوات، وسنين الخدمة من أجل التقاعد.. هل تُحتسَب المدّة التي قضاها واحدهم وهو يعمل كـ "مُرتزَق" متفرّغ بدوام كامل؟! وهل يحتاج إلى شهادات خبرة مصدّقة حسب الأصول لهذه الغاية؟! ومن أين يمكن استصدار مثل هذه الشهادات وتصديقها: الجهة التي خطّطتْ ونظّمتْ وأشرفتْ.. الجهة التي جنّدتْ.. الجهة التي موّلت.. الجهة التي سلّحت.. الجهة التي درّبتْ.. الجهة التي مرّرتْ.. الجهة التي سهّلتْ.. الجهة التي آوتْ.. أم جميع هذه الجهات؟! في غمرة التركيز على ما يحدث في غزّة والضفّة وجبهات الإسناد، إنْ مع وإنْ ضد، مرّ خبر الشهداء من أبناء قرية "كويا" جنوب سوريّة مروراً سريعاً، ولم ينل هؤلاء الأبطال حقّهم من الحفاوة والتقدير حين هبّوا للتصدّي لمحاولة العدو الصهيونيّ التوغّل في قريتهم! ألا يستحقّ هؤلاء الشهداء الأبطال ـ كأضعف الإيمان ـ أن يكونوا موضوعاً لدعاء نبتهل به إلى الله تعالى؟ ـ اللهم طهّر بوصلتنا من الزيغ والانحراف كطهارة بوصلة شهداء "كويا"! يا ترى هل كان حجاب المرأة وعفافها هو الموضوع الأثير لجميع خطباء العيد في العالم العربيّ والإسلاميّ المُحتفِل بفطره؟ أم كانت هناك تنويعات؟ هل تطرّق الخطباء للمرأة الفلسطينيّة التي يباغتها القصف الصهيو - أمريكيّ قبل أن تتمكن من ستر عورتها كما ينبغي؟ أو التي تُكشف عورتها وتتبعثر للأسف حين تمزّقها القذيفة إلى أشلاء؟ وماذا عن المرأة الفلسطينيّة التي لا تستطيع أن تخلع حجابها لساعة من ليل أو نهار لأنّها محشورة وسط أكداس النازحين في الخيام؟ هل من رخصة ما هنا على غرار الرُخَص "المبحبحة" التي اعتاد هؤلاء العلماء والفقهاء قطعها لولاة الأمر وأصحاب القرار؟! وماذا عن عفاف الرجال؟ أليس التخاذل عن نصرة إخوتنا الذين يُستباحون ويُبادون هو قمة العُري والسفور وكشف العورة وهتك الحياء والعِرض؟! من حكمة الله تعالى ورحمته أنّ خطبة العيد هي بعد الصلاة وليس قبلها. أظنّ أنّ الأمر ضربٌ من "العيديّة"؛ فإذا كان المصلّون مضطرون لتحمّل خطباء وزارات الأوقاف/ الداخليّة طوال السنة، فقد منحهم الله فرصة في العيد ليفرّوا بأنفسهم بعد الصلاة مباشرة دون الاضطرار لسماع الخطيب! قد يجادل البعض أنّ الأجر هكذا لا يكتمل. حسناً، نصف أجر خير من الاستماع لأمثال هؤلاء! قبل أيام تداول الناس عبر "السوشال ميديا" وصية لطفل غزّاوي شهيد كتبها بخطّ يده: ((أنا عمر الجماصي، عليّا دين "واحد شيكل" من ولد اسمه عبد الكريم النيرب... عبد الكريم ساكن بشارع أبو نافذ... وأنا يا أحبابي أحبكم، وأتمنى أن لا تتركوا الصلاة.. وأن تحافظوا على قراءة القرآن والاستغفار)). لولا أنّ كلمة الله عزّ وجلّ قد سبقت بأنّ الرسالات قد خُتمتْ، والوحي قد انقطع، لما اندهشتُ لو أنّ سيدنا "جبريل" قد تنزّل من الملأ الأعلى، ووقف بين السماء والأرض، وهتف بالثَقَلَيْن مُبلِّغَاً: ((ألا لا يقضيّن أحدكم دَيْن عمر الجماصي.. ألا إنّه دَيْنٌ الله وليّهُ ووليُّ صاحبه في الدنيا والآخرة))! قد نكون أُمْة "الترليونات" التي تُنثر جُزافاً، لكنّنا عند الله لا نساوي شيكل عمر الجماصي! كلّ عام وغزّة ومخيمات الضفة وجبهات إسنادهما بخير... فقط! أمّا نحن البقيّة، فمجرد أنّنا ما نزال على قيد الحياة، ومجرد أنّ الأرض لم تُخسَف بنا بعد، والسماء لم تهوِ علينا لتخاذلنا وتقاعسنا عن نصرة إخواننا.. فهذه أكبر منيّة ورحمة وفضل من الله تعالى! قصة قصيرة: ناح "عزرائيل" حتى أوشكت دموعه أن تفيض وتُغرق أهل الأرض؛ الطفلة الغزّاوية ذات العامين والضفيرتين والسنّين اللبنيّين التي قبض روحها توّاً كانت تمدّ يدها مبتسمةً لتعطيه حلوى العيد! تابعو الأردن 24 على

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟
قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

العرب اليوم

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • العرب اليوم

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

استقرّ الرأي في الأنظمة الحديثة والمعاصرة على أنّ الدولة هي التي يكون من حقّها ممارسة العنف بمفردها. والسلطة في ممارساتها الشاملة تكون محايدة. أمّا في الواقع فقد سادت أنظمة غلبة، تارةً باسم الأقلّية وطوراً باسم الأكثريّة. وتتصاعد اليوم صرخات 'المكوِّنات' الطائفية والإثنيّة والجهويّة، وهي تشكو من الغلبة والتمييز. وهي مشكلة سورية والعراق واليمن والسودان. فكيف الخروج من الاضطراب بعد فشل الأنظمة الشمولية وأنظمة الأقلّيات والميليشيات؟ هذه هي محنة دول المشرق العربي واليمن والسودان. مقولة الإرغام أو احتكار العنف وأنّ ذلك من حقّ الدولة أو السلطة الشرعيّة، هي مقولة السوسيولوجيّ الألماني الكبير ماكس فيبر (1864-1920). يقول مفكّرو نقد الخطاب الاستعماري اليوم إنّ احتكار العنف هو شأن الدولة الحديثة، سواء اتّبعت الآليّات الديمقراطية أو لم تتبعها. وأصل الفكرة يعود لتوماس هوبز (1588-1697) صاحب كتاب 'الليفياثان' الذي قال بسوء الطبيعة البشرية وإنّ الإنسان لا يكتفي بحاجاته الأساسية، ويميل على الدوام إلى تكبير حصّته بالقوّة فيتصدّع المجتمع وينهار بسبب حرب الجميع على الجميع. لذلك صيغة 'العقد الاجتماعي' عنده تكون بتسليم الجميع لسلطةٍ واحدةٍ هي الملك أو الدولة التي تحتكر العنف وتملك حقّ الإرغام، وتستطيع ممارسة القوّة ضدّ الجميع عندما يخرجون جميعاً أو تخرج فئات منهم على مقتضى العقد (= الخضوع للسلطة شبه المطلقة). ولذلك في الصيغة الأصلية لا تعني العدالة الإنصاف ومراعاة الحقوق بل أن تكون السلطة شموليّةً ليس فيها تمييز في استخدام القوّة عندما يكون ذلك ضروريّاً. وقد تعرّضت هذه الرؤية لنقدٍ كثيرٍ، لكنْ ما تشكّك أحدٌ في أصلها، وهو أنّ العنف يقع في أصل الدولة وينبغي أن يكون من حقّ جهةٍ واحدةٍ وإلّا صارت الحروب الأهليّة هي الحالة السائدة. في المرحلة الجديدة هناك دائماً اندفاعٌ نحو نظامٍ للغلبة من أقلّية أو أكثريّة. وفي الحالتين ما عاد الاستقرار ممكناً أو مضموناً لنذكر هنا النقد الماركسيّ فقط. فالماركسيون لا ينكرون الطبيعة العنيفة للدولة، لكنّهم ينكرون أن تتحقّق القاعدة القائلة: ظلمٌ بالسويّة عدلٌ في الرعيّة. فالذي يحدث دائماً أن تغلب فئةٌ على فئة وتحكم باسم مصالحها، ولذلك حتّى عند الوصول إلى مرحلة سيطرة البروليتاريا يسمّونها: ديكتاتورية البروليتاريا على الفئات الأخرى. للخروج من العنف كيف يمكن الخروج من هذا العنف اللاإنساني، سواء أكان ماديّاً أو معنويّاً؟ جون لوك (1632-1704) بل كلّ الآخرين قالوا بسلطة الإرادة العامّة التي تظهر من خلال الاقتراع العامّ أو الانتخابات. فالأكثريّة التي تأتي بها الانتخابات هي التي تحكم أو تملك ولو مؤقّتاً سلطة استخدام العنف، واستجدّت على ذلك آليّات حفظ الحقوق الأساسية للأقلّيات استناداً إلى فكرة المواطنة. يفترض أن تكون الأكثرية سياسية، لكنّ الواقع أنّها كانت في غالب الأحيان دينية أو إثنية أو جهويّة وإن لم يبدُ ذلك بوضوحٍ قصداً. وهكذا قد يصبح حقّ الدولة في استخدام العنف نوعاً من الغلبة لفئةٍ على سائر الفئات. وبالكفاءة المتطوّرة في الهندسات الاجتماعية والتدخّلات الخارجية تصبح الفئة المسيطرة بالانتخابات أو بدونها، هي 'الأقليّة المنظّمة' بالمعاني الدينية أو الاقتصادية أو السياسية. لماذا هذه الفذلكة الطويلة في أصل الدولة ووظائفها الاجتماعية والسياسية؟ الدولة لأنّ المسألة الآن صارت عالمية. كنّا نظنّها قاصرةً على الدول الجديدة في آسيا وإفريقيا، التي تسود فيها غالباً الجيوش باعتبارها 'أقلّيات منظّمة'. لكن مع عودة الدين وتفاقم الوعي بالخصوصيات عادت الأقلّيات المنظّمة سائدةً في كلّ مكان. لقد سقطت الإمبراطوريّات، ثمّ سقطت الدول القومية، والدول (الديمقراطية) المتقدّمة والأخرى الوطنية معرّضة للتهديد الشديد في بناها الداخلية المتنافرة. أنظمة 'الأقلّيّات المنظّمة' بعد الحرب العالمية الثانية أُدخلت ضمانات كثيرة على نظام الدولة تعود لحقوق الإنسان ولمنع تعدّي القوى الكبرى على الصغرى. لكنّ الضمانات للجهتين داخَلها الاختلال الشديد في الحرب الباردة والزمن الحالي. ويتّجه العالم اليوم، باستثناءات قليلة، نحو أنظمة 'الأقلّيات المنظّمة' مع مراعاة الشكليّات الديمقراطية أو بدون مراعاتها. استقرّ الرأي في الأنظمة الحديثة والمعاصرة على أنّ الدولة هي التي يكون من حقّها ممارسة العنف بمفردها فلنعُد مرّةً أخرى لتعليل أسباب الحديث عن نظام الدولة الآن. علّة ذلك الشكاوى المتصاعدة في بلداننا من سيطرة الأقلّيات تارةً، وتارةً أُخرى من سيطرة الأكثريّات (!). ويحدث هذا في سورية والعراق ولبنان والسودان واليمن… والشكاوى ليست جديدة، بل تعود للخمسينيات والستّينيات من القرن الماضي، لكنّها تفاقمت في العقود الأخيرة. أخيراً، أثارها بقوّةٍ سقوط نظام آل الأسد بعد سيطرة أربعةٍ وخمسين عاماً (في جمهورية يرث فيها الابن الأب!)، وكانت سيطرةً للأقلّية العلويّة بغطاءٍ أيديولوجيّ شفّاف بعثي – قومي. ومنذ الوهلة الأولى جرى اعتبار الحركة التي استولت على دمشق سنّية، وهي طائفة الأكثريّة، وقد حضرت بعد طول غياب. وعلى الفور تصاعد تذمّر العلويين الذين فقدوا السلطة أو بعضهم، والأكراد، والدروز، والحجّة الاستئثار بالسلطة، وهم يريدون أمرين متناقضين: حقوق المساواة بالمواطنة، والتمايز في ما يشبه الحكم الذاتي. لبننة النّظام العراقيّ لا تكفي المواطنة، فلا بدّ من الأمرين والتمايز أهمّ! وحدث الأمر نفسه من قبل في العراق حيث حلّت الأكثرية الشيعية محلّ البعثيّة السنّية. وزاد الأمر تفاقماً التدخّل الإيراني الذي أحلَّ فوضى تعدّدية في كيانٍ تسرح فيه الحركات المسلّحة الشيعية والسنّية وتمرح على الرغم من وجود الجيش والأمن والسيادة المدّعاة في كيانٍ مستقلٍّ علناً! صنع الأميركيون الغزاة النظامَ العراقي على شاكلة النظام اللبناني الذي أرساه الفرنسيون. لكنّ النظام اللبناني، نظام التقسيم الطائفي، ما كان يستحقّ التقليد. فهو نظامٌ مضطربٌ دائماً، وتتحكّم فيه في كلّ حقبة إحدى أقلّياته. في حقبة العقدين ونصف العقد الأخيرة تحكّمت الطائفة الشيعية بواسطة ميليشيا مسلّحة تعمل حسب الاستراتيجية الإيرانية. وقد انكسرت أخيراً أمام إسرائيل، فعاد شيء من التوازُن وجرى الاصطلاح دولياً ولبنانياً على أن يكون رئيس الجمهورية هو الأبرز في ترتيبات النظام. بعد الحرب العالمية الثانية أُدخلت ضمانات كثيرة على نظام الدولة تعود لحقوق الإنسان ولمنع تعدّي القوى الكبرى على الصغرى لكنّ دستور الطائف يضع السلطة بيد مجلس الوزراء، وهو منصبٌ للسنّة. ولذلك يشعر الشيعة بالصدمة بسبب الهزيمة ويميلون للمناطحة بالداخل، وعاد السنّة يشعرون بالقهر، وما استقرّ نظام الغلبة بعد، لأنّ المشكلات المتراكمة ما سمحت للنظام بالاستقرار. الاندفاع نحو نظام الغلبة في المرحلة الجديدة هناك دائماً اندفاعٌ نحو نظامٍ للغلبة من أقلّية أو أكثريّة. وفي الحالتين ما عاد الاستقرار ممكناً أو مضموناً، لأنّ الوضع العالمي الصراعيّ لا يسمح بذلك. الأكثريّة السورية تجرّب بعد طول غياب. والأكثريّة العراقية الغالبة لا تُقنع حتى المشاركين فيها. والتوازن اللبناني هشٌّ لمخالفات الممارسة للدستور، وللإحساسات المتناقضة لدى الفئات المختلفة التي تعبت من الحروب ومن سوء العيش، لكنّها ما تعبت من المناكفة. في السودان يتصارع الجيش مع ميليشيا سبق له هو أن أوجدها. ودول الجوار تتربّص بوحدة السودان بعد فصل جنوبه عن شماله في دولةٍ غير مستقرّةٍ أيضاً! وفي اليمن انقسمت الدولة إلى دولتين، إحداهما تحاول أن تكون مذهبية وراثية(!)، وهي تعتمد في ممارستها للعنف على الدعم الإيراني. إنّ دول الاضطراب العربي يزيد عدد سكّانها على مئة مليون، وهم يعانون من القتل والتهجير والوقوع على حافة المجاعة. وتريد أميركا أن تقرّر كلّ شيء لديهم للضعف المسيطر نتيجة صراعات 'المكوِّنات'. إقرأ أيضاً: سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة فهل تكون العلّة في تعدّد الجهات التي تمارس العنف، أو لأنّ الأقلّيات اكتسبت وعياً جديداً بسبب ضعف السلطة المركزية؟ وكيف يكون المخرج من الاضطراب في المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد الدولة القومية؟ هل تكون الفدراليّات بعدما فشلت الصرامة الاندماجيّة والميليشيات الطائفية؟

الترجمة والثقافة والأيديولوجيا
الترجمة والثقافة والأيديولوجيا

الدستور

time٢٠-٠٢-٢٠٢٥

  • الدستور

الترجمة والثقافة والأيديولوجيا

الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش/ عميد كلية الآداب الأسبق- الجامعة الأردنية ينظر إلى الأيديولوجيا على أنها علم الأفكار الذي يدرس نشوئها ووظائفها، وتأثيراتها على الوعي الفردي، والمجتمع بمؤسساته المتنوعة، وعلى المجتمعات الأخرى. وبالمعنى السياسي هي عقيدة دولة، أو حزب سياسي، أو مجموعة من الأفراد تتكون من مجموعة القيم والتبريرات والرؤى التي تتبناها هذه البنى الاجتماعية والسياسية. ويرى عبد الله العروي في كتابه (مفهوم الأيديولوجيا) الصادر عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء، في طبعته الثامنة عام 2012 أن الأيديولوجيا هي «رؤية العالم بحسب رغبات وتفضيلات ومصالح دولة معينة أو فئة معينة، وليس كما هو العالم في ذاته». ويتداخل هذا المفهوم للأيديولوجيا مع مفهوم الثقافة المجتمعية التي هي أيضا رؤية الجماعة للعالم، ولنفسها، وهُويتها، وطريقة حياتها المنسجمة مع هذه الرؤية. وبالتالي، غالبًا ما تكون العلاقة بين الأيديولوجيات، كما هي بين الهُويات، والثقافات المجتمعية علاقة تنافس أو صراع كامن أو مكشوف بهدف الهيمنة على المعلومات والأفكار والرؤى بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج الذكاء الاصطناعي، والديبلوماسية السياسية، والصراع العسكري في نهاية المطاف. والأيديولوجيا قد تكون معرفية وإعلامية تتغلغل في ثنايا الآداب والفنون والعلوم ومناهج التعليم تعمد لنشر تحليلات ومعلومات تخدم مصالح من يقدمها بشكل مباشر كما في أدبيات الاستشراق، وفي خطابات الإعلام الإسرائيلية بشكل خاص. أو بشكل غير مباشر كما في ترجمات العديد من الروايات والدراسات الاجتماعية التي توثّق طريقة حياة الطبقة الوسطى الغربية. ومن الأمثلة على ذلك استخدام السرد الروائي في تعليم الفلسفة وتاريخها، والبحث عن الهُوية وتطوير الذات من خلال الفلسفة، كما فعل جوستاين غارود، النرويجي في كتابه (عالم صوفي) الصادر عام 1991، وقد ترجم إلى عدة لغات عالمية من بينها العربية. كذلك فإن ترجمة كتاب ماكس فيبر من الألمانية والإنجليزية إلى العربية (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) دعم توجهات قيمية ودينية إيجابية مهمة يمكن الاستفادة منها، مثل: الشغف بالعمل، وإتقان العمل وتجويد الصنعة، وعدم الغش، والعقلانية، والسلطة القانونية، والتوجهات الاستثمارية، ودافع تحقيق الربح المعتدل، والمشاركة في تنمية الاقتصاد والمجتمع. معتبرّا إياها من الحسنات التي تشفع للمؤمن يوم القيامة. ولفئة المترجمين أهمية كبيرة، فهم جسور حضارية بين الشعوب يدعمون التواصل بين الأسواق وبين الثقافات والفنون، ويوسّعون الآفاق ويزيدون المعرفة بالثقافات الأخرى خصوصًا قبل ثورة تكنولوجيا الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد كان للمترجمين القدماء عن اليونانية والفارسية من أمثال يعقوب الزهاوي، وحنين بن إسحق، وعمر ابن فرخان الطبري ابن سينا، والفارابي- وكان أغلبهم ضمن مؤسسة بيت الحكمة في بغداد أيام الخليفة العباسي المأمون- دورهم الكبير في تطور الحضارة العربية والإسلامية. ويتضح في كتاب شوقي ضيف (سلسلة تاريخ الأدب العربي: العصر العباسي الأول) الأثر الكبير لهم في نقل المعارف والعلوم والتقنيات والفنون من اليونانية والفارسية إلى الحضارة العربية والإسلامية مما أسهم في زيادة قوتها ومنعتها العسكرية. وتكررت عملية شبيهة بها فيما بعد في اليابان حيث قام المترجمون اليابانيون وبشغف قومي عميق بترجمة العلوم وأساليب صناعة التقنيات والمحركات البخارية عن اللغة الهولندية واللغات الأوروبية الأخرى. مما كان له أثره الكبير في نقل التقنيات والعلوم الحديثة، والصناعات الميكانيكية إلى الحضارة اليابانية الإقطاعية وتوطينها يابانيًا في ذلك الوقت مما أسهم في تقدمها السريع إلى الرأسمالية الصناعية. وفي المرحلة الراهنة يتوقع ازدياد أهمية المترجمين المدربين في حقول الذكاء الاصطناعي AI والثورة الصناعية الرابعة في مختلف البلدان العربية. وقد يتم تطوير قاموس جديد لهذا الحقل التقني، إضافة إلى القواميس الكلاسيكية المهمة مثل: قاموس أكسفورد الذي يقدم عدة مرادفات للكلمة باللغة الإنجليزية، وقاموس المورد (إنجليزي- عربي)، وقاموس جوجل الإلكتروني Google Translate الذي يترجم النص إلى عدة لغات بما فيها العربية. وكذلك برامج الذكاء الاصطناعي مثل نموذج ChatGPT الذي طورته شركة Open AI الأمريكية، ونموذج Meta الذي طورته شركة مايكروسوفت، ونموذج Deep Seek الذي طورته شركة صينية، ونموذج Reverso لجميع الاحتياجات اللغوية، وطورته شركة فرنسية متخصصة في الذكاء الاصطناعي. هذا وقد تحولت الترجمة من المبادرات الفردية التي ميزت المترجمين العرب في بدايات عصر النهضة الحديثة إلى مهنة لها قواعدها، وبرامجها التدريبية، ومؤسساتها، وجوائزها التشجيعية والتكريمية، وجمعياتها المتخصصة التي تقوم مقام النقابات في تنظيم المهنة وضمان الالتزام بأخلاقياتها. كما تهتم مجامع اللغة العربية بالترجمة وضبط المصطلحات المتدفقة من البلدان الصناعية المتقدمة. وسواء أكان المترجم يمارس الترجمة الأدبية، أو السياسية، أو القانونية، أو الترجمة الفورية في المنتديات والمؤتمرات، وعلى شاشات القنوات الفضائية فإن عليه أن يتقن بشكل تام العديد من المهارات اللغوية والثقافية، وأن يتحلى بالموضوعية والدقة في نقل الخطاب، خصوصا في مواقف الترجمة الفورية، بدون حذف أو تعديل، ولكن بمرونة بلاغية مناسبة بحيث يهتم بالتشبيهات والاستعارات، ولغة الجسد. إضافة إلى أمثلة التناصّ، وتفاعل الأنظمة الأسلوبية بما يشمل إعادة الترتيب، والتلميح والإيحاءات، والمحاكاة. وعند الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي في الترجمة عليه أن ينتبه لميكانيكية الترجمة في هذه البرامج، ويعمل على تداركها. وتقوم مهنة الترجمة على امتلاك المترجم المتدرب والممارس لمهارات أساسية تشمل: الحياد الأيديولوجي، ومعرفة قواعد اللغة العربية وقواعد الترقيم فيها، والتقنيات البلاغية، ودلالاتها اللغوية والثقافية. واعتبار هذه العلامات والتقنيات جزءًا من اللغة تؤثر على المعنى، وقواعد اللغة الأخرى، أو اللغات الأخرى، وعلامات الترقيم فيها ودلالاتها اللغوية والثقافية. وضرورة قراءة النص المراد ترجمته سواء أكان أدبيَا، أم سياسيَا، أم اقتصاديَا، أم دينيَا والتعمق فيه لحسن اختيار المصطلحات والمفاهيم المناسبة لكل حقل من هذه الحقول. إضافة إلى تفهم المعنى الأساسي لكل جملة ضمن سياقاتها الثقافية للوقوف على المعني الصحيح الذي قصده المؤلف الأصلي، ونقل ذلك إلى القارئ. وضرورة عدم الوقوع في شرك الميل للترجمة الحرفية الميكانيكية لإن ذلك يضعف عملية إيصال المعنى الأصلي في النص بما في ذلك إيحاءات وإيماءات المؤلف الأصلي، ويقلل من بلاغة الترجمة ومستواها. ولا شك أن انضمام المترجم لجمعيات الترجمة ومراكزها في المؤسسات الأكاديمية يزيد من كفاءة المترجم، ويعّمق معرفته وامتلاكه لهذه المهارات المهنية. [email protected]

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store