
"نيوتوبيا".. دراما كورية تطرح أسئلة لا تجيب عنها التكنولوجيا
يظهر الفارق بين الإبداع البصري الأميركي ونظيره الكوري الجنوبي على الشاشة جليا، حين تزدحم الشاشة الأميركية بالإجابات التي تدفع بها الأفلام والمسلسلات الأميركية إلى أذن المشاهد وعينيه، والتي تبدو كأحكام نهائية على الحياة والأحياء، بينما تبحث الأعمال الفنية الكورية الجنوبية عن المعنى في الحياة وما بعدها، وتطرح أسئلة تحاول من خلالها أن تعرف ماهية الواقع، وشكل المستقبل، والحكمة من كل قرار يتخذه البشر في حيواتهم.
ولعل ذلك الفارق هو المحدد الرئيسي لموضوعات السينما الأميركية التي تتعلق غالبا بالحياة، بينما يتجاوز الكوريون تلك الحياة إلى ما بعدها، ورغم ذلك فإن مسلسل "نيوتوبيا" (Newtopia)، الذي يعرض حاليا على منصة أمازون، ليس كوريا خالصا، فالاسم مشتق من اسم المدينة التي يتصورها الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون وهي "يوتوبيا" (المدينة الفاضلة)، وينبع الرعب في العمل من "الزومبي" الذي تعود جذوره إلى الدراما الأميركية إلى مسرحية "فودو" لهنري فرانسيس داونينغ عام 1914، ثم المخرج فيكتور هالبرين عبر فيلمه "الزومبي الأبيض" عام 1932.
يصطحب مسلسل "نيوتوبيا"، للمخرجة الشهيرة أنيا شارما، المشاهدين إلى عالم مصمم بدقة من أجل المستقبل، حيث تبدو مشاكل المجتمع وكأنها من مخلفات الماضي. ولكن كما هي الحال مع جميع المدن الفاضلة التي تعرض على الشاشة، غالبًا ما يُخفي السطح المتلألئ واقعا أكثر تعقيدا، وأحيانا مُقلقا.
يقدم المسلسل مدينة "إيثيلبورغ" النابضة بالحياة والوعي البيئي، المدينة الرائدة في مجتمع عالمي نهض من رماد الانهيار البيئي والاجتماعي في القرن الـ21. في "نيوتوبيا"، يتمتع المواطنون بصحة لا مثيل لها، وطول عمر، وحياة متناغمة، يديرها ذكاء اصطناعي متطور وخيّر يُعرف باسم "القناة". لا يوجد فقر، ولا جريمة، ويبدو أنه لا يوجد غضب. المشهد البصري جميل، والعمارة أنيقة وعضوية تمتزج بسلاسة مع مزارع عمودية خصبة.
يبدأ المسلسل من خلال "إيلارا" (الممثلة بريا أناند)، وهي شابة "نساجة انسجام" يتمثل دورها في ضمان التوازن العاطفي داخل مجتمعها. تبدأ إيلارا بملاحظة تناقضات دقيقة، وبالتحديد وميض في واجهة "ذا كوندويت" الهولوغرافية الحاضرة في كل مكان، ومحادثة صامتة تنتهي فجأة، وتعبير عابر لمواطن عن شيء آخر غير الرضا الهادئ. تقودها هذه الإشارات إلى اكتشاف أسئلة كبيرة عن الأسس التي بُنيت عليها نيوتوبيا.
أصول متعددة وحالة كورية
رغم الجذور المختلفة للعمل، فإن ذلك الأفق الكوري الجنوبي الذي يضج بأسئلة الواقع والمستقبل، وما بعد الحياة يبدو واضحا، وأيضا، ذلك الميل إلى التجريب عبر تداخل غريب بين كافة الأنواع سواء الرعب أو الكوميديا أو الرومانسية، ورغم أن "نيوتوبيا" يبدو في البداية عملا كوميديا رومانسيا عن الزومبي، فإن وراء عبثية مطاردات الموتى الأحياء يكمن سؤال أكثر كآبة عن هوية إنسان ما بعد الديجيتال الممزقة، والتحلل الأيديولوجي، والشوق إلى الوضوح العاطفي في زمن مسكون بالغربة والاغتراب.
يحمل عنوان العمل "نيوتوبيا" تورية لغوية مزدوجة، فهو مزيج بين "يوتوبيا جديدة" و"يوتوبيا" أفلاطون، التي تترجم إلى العربية بكلمتي "المدينة الفاضلة"، وعبر حلقاته الثماني يتساءل العمل عن حقيقة وجود أي منهما، ويسأل عن هذا العالم وهل يحاول أن يولد من جديد من بين أنقاض الخراب أم أنه تأكيد على أن "المدينة الفاضلة" لن تأتي أبدًا.
منذ البداية، تبدو العاصمة الكورية الجنوبية "سيول"، في العمل، منظمة، ومليئة بناطحات السحاب، ومفرطة في التكنولوجيا، لكنها باردة عاطفيًا ومنفصلة. يعيش غاي يون (الممثل بارك جونغ مين) ويونغ جو (كيم جيسو) في مجتمع حيث تكبت المشاعر وتباع العلاقات. انفصالهما في الحلقة الأولى ليس بسبب الخيانة، بل لأنهما لم يعودا يشعران ببعضهما بعضا، ويعكس انفصالهما حالةً اجتماعيةً أوسع نطاقًا، إذ يصاب جزء كبير من المجتمع بما يشبه الذهول العاطفي، في ما يبدو عرضا لمرض مأساوي أخطر وأكثر تجذرا.
لا يسلك الزومبي في نيوتوبيا كوحشٍ عادي عديم العقل، وإنما يبدو شبه مستسلم، بطيئا في البداية، يُظهر أنماطا سلوكية تحاكي الحياة اليومية، فها هو أحدهم يعود إلى كشك مترو الأنفاق، وآخر يتجول في مبنى مكاتب، وهو يعني ببساطة أن الموتى الأحياء في نيوتوبيا ليسوا مجرد مصابين، بل هم استعارات لمواطنين أموات روحيا بالفعل، يكررون روتينهم اليومي بلا هدف.
ظهر الأحياء في العمل يتصرفون كالزومبي قبل تفشي الفيروس بوقت طويل، وبعد انتشار الفيروس، لم يعد هناك فرق يذكر بين "المصابين" و"الناجين". ويتجلى ذلك في الحلقة الرابعة، في مشهد تختبئ خلاله يونغ جو بين الزومبي في مركزٍ تجاريٍّ مهجور، إذ كان من الصعب عليها التمييز بينهم، مما يؤكد بصريًا فكرة أن نزع الصفة الإنسانية مسألة درجة، لا نوع.
تدور أحداث المسلسل في برج شاهق مستقبليٍ يطلق عليه اسم "برج ميراج"، وقد أجاد صناع العمل استخدام الفضاء المعماري ليعبر عن الحالات النفسية والاجتماعية لساكنيه، فالطوابق السفلية مظلمة، ضيقة، ومُغمورة بالمياه، في إشارة رمزية إلى الخوف الجماعي والانهيار. ومع صعود الشخصيات، يواجهون بيئاتٍ أنظف وأكثر تعقيما، حيث أنشأ الناجون من النخبة "مناطق آمنة" صناعية تحتوي على طعام، وإضاءة، وأدوية لتحسين الحالة النفسية.
ويعكس هذا التسلسل الهرمي العمودي التقسيم الطبقي في العالم الحقيقي، ولكنه يصبح أيضًا استعارة للطبقية العاطفية، فكلما ارتقيت، قلّت المشاعر التي تواجهها. وفي أعلى البرج، يقف الرئيس التنفيذي شين، قطب التكنولوجيا الذي أغلق الطوابق العليا للبرج مبكرا، سامحا فقط لكبار الشخصيات والمؤثرين بالدخول. تعكس أيديولوجية شين -التي يلخصها بجملة واحدة: "المشاعر هي الفيروس"- اتجاهات ما بعد الإنسانية الحالية في العالم الحقيقي، حيث تُعامل المشاعر البشرية كعيوب يجب تحسينها أو محوها.
تبدأ يونغ جو، التي تجسدها كيم جيسو، حياتها المهنية مهندسة روبوتات صارمة، وقد كافأتها مسيرتها المهنية على كبت مشاعر التعاطف، ولكن مع انزلاق المدينة إلى الفوضى، تكتشف أن ذكاءها العاطفي هو الشيء الوحيد الذي يُبقيها والآخرين على قيد الحياة، فتُعيد برمجة طائرة بدون طيار لإنقاذ امرأة عجوز، وتُغني لطفل لتهدئته، ويعكس مسار الخير صورتها بوصفها بطلة ترمز للخير في العمل، في حين يرمز "شين" للبطل الشرير. يونغ جو ليست مجرد "البطلة" أو الاهتمام الرومانسي، بل هي المحور الأخلاقي للمسلسل. فرحلتها من المنطق إلى الحب، من الخوف إلى التسامح، تعكس رؤية صناع العمل وهي أن النجاة لا تكفي، بل يجب أن نتعلم كيف نشعر من جديد.
لم يُقدم لمّ شمل الزوجين غاي يون ويونغ جو في الحلقة السابعة ليكون ذروة رومانسية، بل ليكون مشهدا مُعاكسا لانفصالهما الأصلي. يقفان متقابلين في مقهى مُدمر -المقهى نفسه الذي انفصلا فيه أول مرة- لكنهما الآن مُحاطان بالموت، وقد جعلهما ذلك الموت شفافين. لم يعد هناك مجال للأنانية. هذا التصالح الأخير لا يتعلق بالحب الرومانسي بقدر ما يتعلق بالتكامل، إذ استعاد كل منهما نطاقه العاطفي بهذا المعنى.
في المشهد الأخير، يسير غاي يون ويونغ جو نحو برج منارة، غير متأكدين إن كان هناك أي شخص آخر على قيد الحياة. لكنهما يمسكان بأيدي بعضهما بعضا. العالم من حولهما مُدمر، لكن المسلسل يشير إلى أن "يوتوبيا جديدة" لا يمكن أن تظهر إلا من خلال التجديد العاطفي، وليس الخلاص التكنولوجي.
ربما لا تُحقق "نيوتوبيا" كل نبضة كوميدية أو ترضي مُحبي أفلام الزومبي التقليدية الذين يبحثون عن الدماء. لكن ما تحققه يعد نادرا في هذا النوع، وهو رحلة شعرية ورمزية عبر الأنقاض العاطفية للحداثة، وتأكيد صارم بأن الخطر الأكبر على البشرية ليس الفيروس، بل التخلي عن المشاعر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
"نيوتوبيا".. دراما كورية تطرح أسئلة لا تجيب عنها التكنولوجيا
يظهر الفارق بين الإبداع البصري الأميركي ونظيره الكوري الجنوبي على الشاشة جليا، حين تزدحم الشاشة الأميركية بالإجابات التي تدفع بها الأفلام والمسلسلات الأميركية إلى أذن المشاهد وعينيه، والتي تبدو كأحكام نهائية على الحياة والأحياء، بينما تبحث الأعمال الفنية الكورية الجنوبية عن المعنى في الحياة وما بعدها، وتطرح أسئلة تحاول من خلالها أن تعرف ماهية الواقع، وشكل المستقبل، والحكمة من كل قرار يتخذه البشر في حيواتهم. ولعل ذلك الفارق هو المحدد الرئيسي لموضوعات السينما الأميركية التي تتعلق غالبا بالحياة، بينما يتجاوز الكوريون تلك الحياة إلى ما بعدها، ورغم ذلك فإن مسلسل "نيوتوبيا" (Newtopia)، الذي يعرض حاليا على منصة أمازون، ليس كوريا خالصا، فالاسم مشتق من اسم المدينة التي يتصورها الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون وهي "يوتوبيا" (المدينة الفاضلة)، وينبع الرعب في العمل من "الزومبي" الذي تعود جذوره إلى الدراما الأميركية إلى مسرحية "فودو" لهنري فرانسيس داونينغ عام 1914، ثم المخرج فيكتور هالبرين عبر فيلمه "الزومبي الأبيض" عام 1932. يصطحب مسلسل "نيوتوبيا"، للمخرجة الشهيرة أنيا شارما، المشاهدين إلى عالم مصمم بدقة من أجل المستقبل، حيث تبدو مشاكل المجتمع وكأنها من مخلفات الماضي. ولكن كما هي الحال مع جميع المدن الفاضلة التي تعرض على الشاشة، غالبًا ما يُخفي السطح المتلألئ واقعا أكثر تعقيدا، وأحيانا مُقلقا. يقدم المسلسل مدينة "إيثيلبورغ" النابضة بالحياة والوعي البيئي، المدينة الرائدة في مجتمع عالمي نهض من رماد الانهيار البيئي والاجتماعي في القرن الـ21. في "نيوتوبيا"، يتمتع المواطنون بصحة لا مثيل لها، وطول عمر، وحياة متناغمة، يديرها ذكاء اصطناعي متطور وخيّر يُعرف باسم "القناة". لا يوجد فقر، ولا جريمة، ويبدو أنه لا يوجد غضب. المشهد البصري جميل، والعمارة أنيقة وعضوية تمتزج بسلاسة مع مزارع عمودية خصبة. يبدأ المسلسل من خلال "إيلارا" (الممثلة بريا أناند)، وهي شابة "نساجة انسجام" يتمثل دورها في ضمان التوازن العاطفي داخل مجتمعها. تبدأ إيلارا بملاحظة تناقضات دقيقة، وبالتحديد وميض في واجهة "ذا كوندويت" الهولوغرافية الحاضرة في كل مكان، ومحادثة صامتة تنتهي فجأة، وتعبير عابر لمواطن عن شيء آخر غير الرضا الهادئ. تقودها هذه الإشارات إلى اكتشاف أسئلة كبيرة عن الأسس التي بُنيت عليها نيوتوبيا. أصول متعددة وحالة كورية رغم الجذور المختلفة للعمل، فإن ذلك الأفق الكوري الجنوبي الذي يضج بأسئلة الواقع والمستقبل، وما بعد الحياة يبدو واضحا، وأيضا، ذلك الميل إلى التجريب عبر تداخل غريب بين كافة الأنواع سواء الرعب أو الكوميديا أو الرومانسية، ورغم أن "نيوتوبيا" يبدو في البداية عملا كوميديا رومانسيا عن الزومبي، فإن وراء عبثية مطاردات الموتى الأحياء يكمن سؤال أكثر كآبة عن هوية إنسان ما بعد الديجيتال الممزقة، والتحلل الأيديولوجي، والشوق إلى الوضوح العاطفي في زمن مسكون بالغربة والاغتراب. يحمل عنوان العمل "نيوتوبيا" تورية لغوية مزدوجة، فهو مزيج بين "يوتوبيا جديدة" و"يوتوبيا" أفلاطون، التي تترجم إلى العربية بكلمتي "المدينة الفاضلة"، وعبر حلقاته الثماني يتساءل العمل عن حقيقة وجود أي منهما، ويسأل عن هذا العالم وهل يحاول أن يولد من جديد من بين أنقاض الخراب أم أنه تأكيد على أن "المدينة الفاضلة" لن تأتي أبدًا. منذ البداية، تبدو العاصمة الكورية الجنوبية "سيول"، في العمل، منظمة، ومليئة بناطحات السحاب، ومفرطة في التكنولوجيا، لكنها باردة عاطفيًا ومنفصلة. يعيش غاي يون (الممثل بارك جونغ مين) ويونغ جو (كيم جيسو) في مجتمع حيث تكبت المشاعر وتباع العلاقات. انفصالهما في الحلقة الأولى ليس بسبب الخيانة، بل لأنهما لم يعودا يشعران ببعضهما بعضا، ويعكس انفصالهما حالةً اجتماعيةً أوسع نطاقًا، إذ يصاب جزء كبير من المجتمع بما يشبه الذهول العاطفي، في ما يبدو عرضا لمرض مأساوي أخطر وأكثر تجذرا. لا يسلك الزومبي في نيوتوبيا كوحشٍ عادي عديم العقل، وإنما يبدو شبه مستسلم، بطيئا في البداية، يُظهر أنماطا سلوكية تحاكي الحياة اليومية، فها هو أحدهم يعود إلى كشك مترو الأنفاق، وآخر يتجول في مبنى مكاتب، وهو يعني ببساطة أن الموتى الأحياء في نيوتوبيا ليسوا مجرد مصابين، بل هم استعارات لمواطنين أموات روحيا بالفعل، يكررون روتينهم اليومي بلا هدف. ظهر الأحياء في العمل يتصرفون كالزومبي قبل تفشي الفيروس بوقت طويل، وبعد انتشار الفيروس، لم يعد هناك فرق يذكر بين "المصابين" و"الناجين". ويتجلى ذلك في الحلقة الرابعة، في مشهد تختبئ خلاله يونغ جو بين الزومبي في مركزٍ تجاريٍّ مهجور، إذ كان من الصعب عليها التمييز بينهم، مما يؤكد بصريًا فكرة أن نزع الصفة الإنسانية مسألة درجة، لا نوع. تدور أحداث المسلسل في برج شاهق مستقبليٍ يطلق عليه اسم "برج ميراج"، وقد أجاد صناع العمل استخدام الفضاء المعماري ليعبر عن الحالات النفسية والاجتماعية لساكنيه، فالطوابق السفلية مظلمة، ضيقة، ومُغمورة بالمياه، في إشارة رمزية إلى الخوف الجماعي والانهيار. ومع صعود الشخصيات، يواجهون بيئاتٍ أنظف وأكثر تعقيما، حيث أنشأ الناجون من النخبة "مناطق آمنة" صناعية تحتوي على طعام، وإضاءة، وأدوية لتحسين الحالة النفسية. ويعكس هذا التسلسل الهرمي العمودي التقسيم الطبقي في العالم الحقيقي، ولكنه يصبح أيضًا استعارة للطبقية العاطفية، فكلما ارتقيت، قلّت المشاعر التي تواجهها. وفي أعلى البرج، يقف الرئيس التنفيذي شين، قطب التكنولوجيا الذي أغلق الطوابق العليا للبرج مبكرا، سامحا فقط لكبار الشخصيات والمؤثرين بالدخول. تعكس أيديولوجية شين -التي يلخصها بجملة واحدة: "المشاعر هي الفيروس"- اتجاهات ما بعد الإنسانية الحالية في العالم الحقيقي، حيث تُعامل المشاعر البشرية كعيوب يجب تحسينها أو محوها. تبدأ يونغ جو، التي تجسدها كيم جيسو، حياتها المهنية مهندسة روبوتات صارمة، وقد كافأتها مسيرتها المهنية على كبت مشاعر التعاطف، ولكن مع انزلاق المدينة إلى الفوضى، تكتشف أن ذكاءها العاطفي هو الشيء الوحيد الذي يُبقيها والآخرين على قيد الحياة، فتُعيد برمجة طائرة بدون طيار لإنقاذ امرأة عجوز، وتُغني لطفل لتهدئته، ويعكس مسار الخير صورتها بوصفها بطلة ترمز للخير في العمل، في حين يرمز "شين" للبطل الشرير. يونغ جو ليست مجرد "البطلة" أو الاهتمام الرومانسي، بل هي المحور الأخلاقي للمسلسل. فرحلتها من المنطق إلى الحب، من الخوف إلى التسامح، تعكس رؤية صناع العمل وهي أن النجاة لا تكفي، بل يجب أن نتعلم كيف نشعر من جديد. لم يُقدم لمّ شمل الزوجين غاي يون ويونغ جو في الحلقة السابعة ليكون ذروة رومانسية، بل ليكون مشهدا مُعاكسا لانفصالهما الأصلي. يقفان متقابلين في مقهى مُدمر -المقهى نفسه الذي انفصلا فيه أول مرة- لكنهما الآن مُحاطان بالموت، وقد جعلهما ذلك الموت شفافين. لم يعد هناك مجال للأنانية. هذا التصالح الأخير لا يتعلق بالحب الرومانسي بقدر ما يتعلق بالتكامل، إذ استعاد كل منهما نطاقه العاطفي بهذا المعنى. في المشهد الأخير، يسير غاي يون ويونغ جو نحو برج منارة، غير متأكدين إن كان هناك أي شخص آخر على قيد الحياة. لكنهما يمسكان بأيدي بعضهما بعضا. العالم من حولهما مُدمر، لكن المسلسل يشير إلى أن "يوتوبيا جديدة" لا يمكن أن تظهر إلا من خلال التجديد العاطفي، وليس الخلاص التكنولوجي. ربما لا تُحقق "نيوتوبيا" كل نبضة كوميدية أو ترضي مُحبي أفلام الزومبي التقليدية الذين يبحثون عن الدماء. لكن ما تحققه يعد نادرا في هذا النوع، وهو رحلة شعرية ورمزية عبر الأنقاض العاطفية للحداثة، وتأكيد صارم بأن الخطر الأكبر على البشرية ليس الفيروس، بل التخلي عن المشاعر.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
"آبل" تسعى لتغير أسماء أنظمة التشغيل التابعة لها
تفصلنا أيام قليلة عن مؤتمر " آبل" السنوي للمطورين الذي يحمل تحديثات نظم آبل المختلفة والمزايا الجديدة الموجودة في كل نظام، لذا فقد بدأت الشائعات بالانتشار عن المؤتمر وما يضمه من إعلانات جديدة. وبحسب تقرير بلومبيرغ الأخير، فإن الشركة تفكر في تغيير طريقة تسمية الأنظمة الخاصة بها، وذلك عبر التخلي عن التسلسل الرقمي لأنظمة الشركة، والانتقال إلى تسمية تعتمد على العام الذي يصدر فيه التحديث، أي أن نظام "آيفون" القادم لن يكون "آي أو إس 19″، ولكن بدلًا من ذلك سيكون "آي أو إس 26″، في إشارة إلى أن التحديث يغطي غالبية عام 2026. من المتوقع أيضًا أن تكشف آبل عن تغيير كامل في واجهة الأنظمة لتصبح أقرب إلى نظام النظارات الذكية "فيجين أو إس" (VisionOS)، ولكن يجب علينا أن ننتظر المؤتمر حتى نتأكد من المعلومات الموجودة فيه، تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر الشركة القادم سيكون في 9 يونيو/حزيران الجاري وسيتم بثه مباشرةً كما جرت العادة.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
"الصمت تواطؤ".. شعار وثائقي أميركي عن استهداف الصحفيين بغزة
واشنطن- عندما قرّر المخرج الأميركي روبرت غرينوولد كشف جرائم إسرائيل بحق الصحافة والإنسانية، وذلك بتتبّعه قصص استشهاد 3 صحفيين فلسطينيين في قطاع غزة ، لم يكن يخطط فقط لإنتاج فيلم جديد يضاف إلى أعماله التي تتجاوز 65 فيلما، بل كان يخوض مواجهة شخصية مع "صمت كان سيكون تواطؤا ونفاقا أخلاقيا"، حسب تعبيره. "أنا يهودي من نيويورك، وكلما رأيت الصور والمشاهد القادمة من غزة، كنت أشعر أن امتناعي عن تناول الموضوع سيكون خيانة لمبادئي"، يقول غرينوولد في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت. يستعرض فيلم "غزة: صحفيون تحت النار" (Gaza: Journalists Under Fire) قصص الصحفيين الفلسطينيين بلال جاد الله وهبة العبادلة و إسماعيل الغول ، ومن خلال لقطات أرشيفية ومقابلات مع ذويهم وزملائهم، يعيد سرد اللحظات الأخيرة التي سبقت استهدافهم. فكرة أساسية ويُعد الفيلم الوثائقي محطة جديدة في مسيرة المخرج المعروف بأفلامه التي تطرق قضايا العدالة الاجتماعية ومناهضة الحروب، وأبرزها فيلم "كشف الحقيقة" الذي شكّل تحولا في الخطاب السينمائي السياسي داخل الولايات المتحدة عام 2004 عندما هاجم سياسات الرئيس السابق جورج بوش الابن في العراق. في نظر غرينوولد، "هناك فئة من الناس لن يتعاطفوا مع أي فلسطيني أبدا، لكن توجد شريحة واسعة من الجمهور في أميركا والعالم لا تقف بالضرورة مع القضية، لكنها أيضا لا تقبل مبدئيا قتل الصحفيين. لذلك بدأتُ من هنا، من نقطة يصعب تبريرها". ورغم أن الفيلم يسلط الضوء على واحدة من أخطر جرائم الحرب وهي استهداف الصحفيين، فإن "الإعلام الأميركي التقليدي لم يولها أي اهتمام يذكر حتى الآن، وصمتهم تواطؤ، وهذه هي الفكرة الأساسية وراء الفيلم"، يضيف غرينوولد. ولم يقتصر هذا الصمت على وسائل الإعلام، إذ أكد المخرج -للجزيرة نت- أن منصتي فيسبوك و إنستغرام تمنعان الترويج المدفوع للفيلم من دون تقديم أي تفسير. وقد كان تطبيق إنستغرام -للمفارقة- المصدر الأساسي الذي استخدمه المخرج لاكتشاف القصص والمقاطع، ويقول "كنتُ أرى يوميا مشاهد تمزق الروح، وبدأت أتابع قصص الصحفيين واحدا تلو الآخر، راجعنا أكثر من 150 حالة، قبل أن يقع الاختيار على 3 قصص لصحفيين توافرت عنهم مواد إنسانية كافية". صدمة شخصية ويرأس روبرت غرينوولد مؤسسة "بريف نيو فيلمز" غير الربحية التي تنتج أفلاما سياسية توثيقية، وتعتمد على شبكة من عشرات الآلاف من المتبرعين الصغار، وعدد محدود من الجهات الداعمة، لكن إنتاج الفيلم كلّف المؤسسة خسارة عدد من الممولين الذين كانت تعتمد عليهم منذ سنوات. ويقول غرينوولد: "على الأقل لم أتلقّ تهديدات بالقتل مثلما حدث بعد الفيلم عن حرب العراق ، لم يحدث ذلك مع هذا الفيلم حتى الآن، لكننا ما زلنا في المراحل المبكرة، وهناك ردود فعل عاطفية وسامّة في الولايات المتحدة". ولا يخفي أن العمل سبّب له صدمة شخصية، ويوضح "قضيتُ ليالي من دون نوم، رأيت كوابيس، وتأثرت نفسيا بمشاهد تمزق الأحشاء، لكن دوري أن أعيد تشكيل هذه الصور المؤلمة في سردية تحفز الفعل لا العجز". وكان التحدي الأصعب بالنسبة إلى المخرج هو كيف يمكن توثيق الفظائع التي يرتكبها الاحتلال بنقل مجازر تصنّف بأنها فوق الوصف وعدم تجريد الضحايا من إنسانيتهم، لذلك حرص على استخدام مقاطع بسيطة من حياة الصحفيين، مثل الاحتفال بعيد ميلاد أو لحظة عائلية. كسر الصمت ويضيف غرينوولد أن "كل أم وأب وخالة في أميركا عاشوا هذا المشهد، ثم نُريهم أن هذه العائلة نفسها -التي تعيش مشهدا اعتادوه- تم محوها، هنا تبدأ المسافة بينهم وبين غزة في التلاشي". ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استُشهد أكثر من 220 صحفيا في القطاع، وفقا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، ويُعتبر هذا الرقم الأعلى في تاريخ النزاعات، متجاوزا حصيلة الصحفيين الذين قُتلوا في الحربين العالميتين و الحرب الأهلية الأميركية وحربي فيتنام وأفغانستان و الحرب الكورية ، معا. وتسعى مؤسسة "بريف نيو فيلمز" إلى توسيع نطاق عرض الفيلم عبر تنظيم مئات العروض المجانية في الجامعات الأميركية ومراكز المجتمع المدني، بهدف تحفيز النقاش العام عن استهداف الصحفيين في غزة وكسر الصمت والتجاهل المحيطين بالقضية. وأكد المخرج روبرت غرينوولد أن "هدفنا هو الوصول إلى مليون شخص عبر المنصات الرقمية، لا نريد أن يدفع الفيلم الناس لقول (لا أستطيع المشاهدة أو لا أستطيع أن أفعل شيئا)، هذه هي القضية الأخلاقية الأهم في زماننا، وأنا ملتزم بفعل كل ما بوسعي".