
من السلاح إلى السياسة، تحوّلٌ نحو سلام شامل لكل مكونات الشرق الأوسط
إيمان العليان ــ
منذ تأسيسه في عام 1978 على يد القائد عبد الله أوجلان، لم يكن حزب العمال الكردستاني مجرّد تنظيم كردي يسعى لاستقلال قومي ضيق، بل كان منذ البداية مشروعًا فكريًا وأخلاقيًا يُراد له أن يكون ثورة على الظلم والاستبداد، ليس للأكراد وحدهم، بل لكل الشعوب والمكونات التي تعاني من القهر في الشرق الأوسط.
من هذا المنطلق، تبنّى الحزب قضايا 'العرب، والسريان، والكلدان، والأرمن، والتركمان، والشركس، والفرس، والآشوريين' وكل مكونات المجتمع التي عاشت تاريخيًا في هذه الجغرافيا المتعددة. لقد كانت رؤية 'أوجلان' واضحة منذ اللحظة الأولى، وهي أن 'الحرية لا تكتمل إذا لم تشمل الجميع' والنضال لا يكون نزيهًا إن اقتصر على فئة دون سواها.
انطلقت مقاومة الحزب ردًا على سياسات الإبادة الثقافية التي استهدفت الشعب الكردي، لكن سرعان ما تطوَّر المشروع ليصبح مدرسة فكرية تطمح لبناء نموذج جديد للعيش المشترك، لا يقوم على التفوق القومي أو الطائفي، بل على المساواة التامة بين كل المكونات. وقد تجسَّدت هذه الرؤية بأوضح صورها في تجربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حيث باتت الشعوب تتشارك القرار السياسي
والإداري والأمني، دون أن تطغى هوية على أخرى، أو يُقصى مكوّن لحساب مكوّن آخر.
لقد لعب حزب العمال الكردستاني دورًا كبيرًا في بناء هذه الثقافة الجديدة، عبر دعمه للمشروع الديمقراطي وتقديمه لتجربة رائدة في التنظيم المجتمعي والحكم الذاتي، ومن خلال مساهمته في تشكيل قوات الحماية التي دافعت عن الشعوب ضد هجمات الإرهاب، خصوصًا في المعارك المصيرية ضد تنظيم داعش.
ورغم أن الحزب قد دُفع في بدايته إلى خوض العمل المسلح نتيجة غياب أي أفق سياسي، فأن بوصلته لم تفقد اتجاهها، وظلّ هدفه الأسمى هو تأسيس سلام حقيقي وشامل، لا سلام قائم على القمع والهيمنة.
اليوم، وبعد سنوات طويلة من النضال المسلح، أعلن حزب العمال الكردستاني، في مؤتمره الأخير (الثاني عشر)، عن تحوّل تاريخي مفصلي في مساره، معلنًا انتهاء مرحلة الكفاح المسلح وبدء مرحلة جديدة تقوم على العمل السياسي والحوار والانخراط المدني. هذا القرار لم يكن خطوة تكتيكية أو مجرّد مراجعة مؤقتة، بل كان ترجمة عملية لرؤية القائد 'عبد الله أوجلان' التي ظل ينادي بها منذ سنوات من داخل محبسه، وهي أن 'الشرق الأوسط لا يُبنى بالسلاح، بل بالعقل والحوار والتفاهم بين مكوناته كافة'.
عبد الله أوجلان لطالما رأى أن الكفاح يجب أن يكون لأجل الإنسان أولًا، بغض النظر عن انتمائه القومي أو الديني، وأن السلام لا يتحقق إذا اقتصر على طرف واحد دون غيره.
من هنا، فإن القرار التاريخي الذي اتخذه الحزب لا يُمثل فقط نهاية مرحلة بالنسبة لأعضائه أو للمجتمع الكردي، بل هو بداية مرحلة جديدة لكل المكونات التي تعيش في شمال وشرق سوريا، وفي عموم الشرق الأوسط. إنه نداء للسلام يشمل العرب والكرد والسريان والأرمن وكل الشعوب التي أنهكتها الحروب والحصار والصراعات.
وفي واقعٍ يتآكل فيه الأمل بفعل الانقسامات والاقتتال، جاء إعلان حزب العمال الكردستاني ليمنح شعوب المنطقة نموذجًا جديدًا في التحوّل والنضج السياسي. فأن ينتقل حزب بهذه الخلفية النضالية من السلاح إلى السياسة، معناه أنه أدرك أن الزمن قد حان لصياغة مشروع السلام من الداخل، لا عبر التنازلات، بل عبر إعادة تعريف النضال بما يخدم جميع الشعوب.
هذا التحول يحمل في طياته دلالات عميقة، فهو رسالة إلى الحكومات في المنطقة بأن الحلول الأمنية والعسكرية لم تعد مُجدية، وأنه لا بديل عن الحوار السياسي. كما أنه رسالة إلى الشعوب، بأن التغيير الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من وعي جماعي يُعيد بناء الثقة بين المكونات، ويُنتج نُظمًا ديمقراطية محلية تقوم على احترام التنوع والعدالة.
تجربة شمال وشرق سوريا خير دليل على إمكانية تعايش 'العرب والكرد والسريان وسائر المكونات الأخرى' معًا ضمن نموذج لا مركزي، يحفظ الحقوق ويصون الحريات. وإن قرار حزب العمال الكردستاني الأخير هو امتداد طبيعي لهذا النموذج، ويمنحه دعمًا سياسيًا وأخلاقيًا قويًا، ويؤكد أن هذا النموذج لم يكن مؤقتًا أو طارئًا، بل نابع من فلسفة سياسية عميقة تؤمن بأن مستقبل الشرق الأوسط يُبنى من القاعدة إلى الأعلى، لا العكس.
إن الخطوة التي اتخذها الحزب، بتوجيه مباشر من السيد أوجلان، ليست مجرد مبادرة حزبية، بل لحظة نضج إقليمي. فهي تُعيد الاعتبار للعمل السياسي، وتفتح الأبواب أمام فكر 'الأمة الديمقراطية' ليكون بديلاً عن مشاريع التفتيت والاستبداد، وهي دعوة صريحة لكل المكونات أن تنخرط في هذه المرحلة، لأنها ليست حكرًا على الأكراد أو أعضاء حزب العمال الكردستاني، بل هي دعوة جماعية لبناء السلام المشترك على قاعدة الحرية والمساواة والعدالة.
وبذلك، لا يمكن النظر إلى هذا التحول إلا كخطوة شجاعة وتاريخية تمهد الطريق لإرساء سلام شامل يستفيد منه جميع من عاش تحت وطأة التهميش أو عانى من الإقصاء والصراع، إنه إعلان لمرحلة جديدة من الوعي، تتطلب
مسؤولية مشتركة من كل المكونات لترسيخ مفهوم سياسي جديد للعيش المشترك في هذه الأرض المعقدة.
إنها بداية جديدة… ليست لحزب واحد، ولا لقومية واحدة، بل لكل من يؤمن بأن الحرية لا تُختزل في البندقية، وأن الكرامة الحقيقية تتحقق حين ينصت الجميع لبعضهم البعض، وتُبنى الجسور بدل الجدران.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ 7 ساعات
- ساحة التحرير
نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري
نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال! عادل الجبوري بعد نحو شهرين ونصف من دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK) عبد الله أوجلان إلى حلّ الحزب وإلقاء السلاح، أصدر الحزب، في الثالث عشر من أيار/مايو الجاري، قرارًا وصف بالتاريخي، قضى بإنهاء العمل المسلح بأشكاله ومظاهره كافة، والشروع بمرحلة جديدة تهدف إلى إرساء السلم وترسيخ التعايش مع الدولة التركية. أثارت هذه التطورات المتسارعة ردود فعل واسعة، من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وكان العراق من بين أكثر الأطراف المعنية بتداعيات وانعكاسات القرار، نظرًا إلى أن الحزب يتخذ، منذ حوالي أربعين عامًا، من الأراضي العراقية منطلقًا لنشاطه العسكري المسلح والسياسي لاحقًا. وهذا ما شكّل ذريعة دائمة لانتهاك تركيا السيادة العراقية، من خلال إنشاء عشرات القواعد والمقرات العسكرية والاستخباراتية داخل الأراضي العراقية. وتشير تقارير متعددة إلى وجود آلاف العسكريين الأتراك في معسكرات دائمة وغير دائمة، في محافظات دهوك وأربيل والموصل. والتساؤل الذي يطرح نفسه في خضم هذه المتغيرات: هل ستنسحب تركيا فعليًا من العراق بعد حلّ حزب العمال؟ وما الذي ينبغي على الحكومة العراقية فعله حيال هذا الملف؟ على الحكومة العراقية التحرك لإخراج القوات التركية في هذا الصدد، يشير عضو الرابطة الدولية للكتاب والمحللين السياسيين قاسم سلمان العبودي إلى أنَّ: 'حجة الوجود التركي، في شمال العراق، لطالما كانت مرتبطة بوجود حزب العمال الكردستاني المصنّف تنظيمًا إرهابيًا بحسب القانون التركي، والآن وبعد حلّ الحزب نفسه، ينبغي على الحكومة العراقية أن تتحرك لإخراج القوات التركية استنادًا إلى القانون الدولي، وإلا سيكون وجود تلك القوات قوات احتلال، ما لم يُثبت أنه يستند إلى اتفاقيات رسمية مبرمة بين العراق وتركيا'. يضيف العبودي، في تصريح خاص لموقع 'العهد' الإخباري، أن: 'المعطيات الإقليمية والدولية تشير إلى أن القوات التركية لن تنسحب من شمال العراق، في انسجام مع المخطط الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية'، موضحًا أنَّ: 'تركيا لا تُخفي أطماعها، في شمال العراق وشمال سوريا، وتسعى إلى أخذ حصتها من الاستراتيجية الأميركية الجديدة المعنونة بــــ'الشرق الأوسط الجديد'، ولذلك من الصعب عليها التفريط بالمناطق التي احتلتها في شمال العراق'. يتابع العبودي بالقول: 'نعتقد أن على الدبلوماسية العراقية أن تنشط في هذا الملف، وإلا فإن الفصائل المسلحة العراقية سيكون لها موقف آخر، وهو موقف لن يُرضي الجانب التركي بالتأكيد'. لتركيا ثوابت جيوسياسية في العراق وسوريا من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي عدنان آل ردام، في حديثه لموقع 'العهد' الإخباري، أن: 'الوجود العسكري التركي في العراق ليس مرتبطًا أساسًا بأنشطة حزب العمال، وإن استُخدمت هذه الأنشطة ذريعةً لذلك، لأن لتركيا ثوابت جيوسياسية في العراق وسوريا منذ توقيع معاهدة سايكس بيكو'. كما يوضح آل ردام أن: 'تركيا، ومنذ مئة عام، تدرج في موازنتها السنوية ليرة تركية واحدة في إيرادات افتراضية من نفط كركوك، في إشارة رمزية تؤكد تمسكها بأن كركوك والموصل جزء من الكيان الجيوسياسي التركي. ومنذ عهد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك وحتى عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، تؤكد أنقرة سعيها إلى استعادة ما تعده أراضيها التي اقتطعتها المعاهدة المذكورة، وترى في المتغيرات الحالية فرصة لتحقيق ذلك، خصوصًا في ظل تصاعد نفوذ 'الإخوان المسلمين' في سوريا'. إلى ذلك؛ يشير آل ردام إلى أن: 'حلّ حزب العمال سيضع تركيا في موقع متقدم لترسيخ نفوذها السياسي، في العراق وسوريا، من خلال ما يتيحه لها وجودها العسكري من فرص جديدة'. حلّ حزب العمال قد يخلق مشكلات داخل المجتمع الكردي في تركيا أما رئيس تحرير موقع 'ألواح طينية' الإلكتروني قاسم العجرش، فقد نظر إلى القضية من زاوية مختلفة، وقال لموقع 'العهد' إن: 'مشهد نزول آلاف المقاتلين والمقاتلات من حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية يثير الاستغراب والتساؤلات، خصوصًا بشأن مكاسب الحزب بعد أربعة عقود من الكفاح المسلح، وما إذا كان سيتخلى نهائيًا عن هذا النهج، وماذا سيفعل عناصره لاحقًا؟'. ويعرب العجرش عن خشيته من انضمام مقاتلي الحزب السابقين إلى جيوش المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها المجتمع التركي، لافتًا إلى: 'السلطة الحزبية الكبيرة التي يتمتع بها زعيم الحزب عبد الله أوجلان'، متسائلًا عن: 'آفاق توظيف هذه الشخصية في المستقبل السياسي التركي'. يختم العجرش بالقول: 'إن حلّ حزب العمال قد يخلق مشكلات جديدة داخل المجتمع الكردي في تركيا، وستمتد تأثيراتها إلى العراق أيضًا، خصوصًا في المناطق التي يتواجد فيها الحزب بشكل كبير'. 2025-05-22 The post نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.


شفق نيوز
منذ 10 ساعات
- شفق نيوز
سيناريوهات التحولات المفاجئة.. تقرير ألماني يتناول خطورة المقاتلين الأجانب في سوريا
شفق نيوز/ سلّط موقع "دويتشه فيليه عربية" الألماني، يوم الخميس، الضوء على التطورات المتسارعة في الساحة السورية ما بين الحكومة الجديدة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع، والتنظيمات "الإرهابية" وفي مقدمتها "داعش" الذي أخذ في الآونة الأخيرة بتصعيد لهجته المعادية والداعية بشكل واضح إلى توجيه ضربات للنظام الجديد. وبحسب الموقع الألماني فإن تنظيم "داعش" بات يشجع المقاتلين الأجانب على الانقلاب على الحكومة السورية الجديدة، ويصف رئيسها بأنه "خائن للقضية" و"كافر" و"عبد" و"تذلل أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، وفق ما نشره في العدد الأخير من نشرته الأسبوعية. العداوة السابقة تتجدد ويلفت الموقع إلى أن هذا النوع من العداوة ليس بالجديد بين تنظيم "داعش" وجماعة "هيئة تحرير الشام" التي أسسها وقادها الشرع حين كان يًطلق عليه اسم "أبو محمد الجولاني". فبين عامي 2012 و2013، كانت "هيئة تحرير الشام" جزءاً مما يسمى بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، قبل أن تتحالف مع تنظيم "القاعدة". وبعد قطع العلاقات مع تنظيم "القاعدة" في العام 2016، أمضت "هيئة تحرير الشام" ما يقرب من عقد من الزمان في قتال "داعش" بأجزاء من البلاد التي كانت تسيطر عليها. لذا فإن انتقاد المسار السياسي الحالي الأكثر اعتدالاً للشرع يعتبر أمراً متوقعاً. المقاتلون الأجانب ولكن هناك جانب آخر مثير للاهتمام في النشرة الإخبارية، إذ دعا تنظيم "داعش" المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانشقاق عن الحكومة الحالية بقيادة الشرع. وحثت الجماعة المقاتلين الأجانب الغاضبين من دبلوماسية الشرع مع الولايات المتحدة على الانضمام إلى "داعش". وأعاد هذا الحديث، فضلاً عن اجتماع الشرع مع ترامب، الاهتمام لواحد من أصعب الملفات التي تواجهها الحكومة الانتقالية في سوريا، وهو ملف المقاتلين الأجانب الموجودين في البلاد. وكان الرئيس الأمريكي، خلال اللقاء الذي جمعه بالشرع، قد ضغط "لإجبار جميع الإرهابيين الأجانب على مغادرة سوريا" كواحد من شروط تخفيف العقوبات. وأدلى المبعوثون الفرنسيون والألمان بتصريحات مماثلة، إذ يخشى كثيرون من أن تصبح سوريا ملاذاً للجماعات ذات الإيديولوجيات المتطرفة التي يمكن أن تنشط دولياً لاحقاً. من الصعب تحديد عدد الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب "هيئة تحرير الشام". ويمكن أن يتراوح العدد ما بين 1500 و6000 مقاتل، وفقاً لخبراء يرجحوا أن يكون الرقم الحقيقي ما بين العددين. وتتكون أكبر مجموعة من المقاتلين من الأويغور، الذين يشار إليهم أيضاً باسم "التركستان"، القادمين من وسط وشرق آسيا، بما في ذلك الصين. ويأتي المقاتلون الآخرون من روسيا ودول سوفيتية سابقة ومنطقة البلقان وتركيا ودول عربية ودول أوروبية. وجاء معظم المقاتلين إلى سوريا في وقت مبكر خلال الحرب الأهلية التي شهدتها سوريا استجابة لدعوات من تنظيم "داعش"، الذي كان يحاول حينها إقامة ما يسمى بـ"خلافة". ولكن بعد قطع "هيئة تحرير الشام" لعلاقتها مع "داعش" و"القاعدة"، غادر بعض الأجانب التنظيم بينما بقي آخرون. وفي أواخر عام 2024، خلال العملية التي قادها تنظيم "هيئة تحرير الشام" للإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، لعبت عدة مجموعات من الأجانب، بمن فيهم الأويغور والشيشان، دوراً أساسياً في نجاح الحملة. المقاتلون الأجانب في قمة الهرم وقال الشرع في حينها إنه يجب مكافأتهم على مساعدتهم، وتم تعيين عدد منهم في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بمناصب عليا في الجيش السوري الجديد، وهو ما أثار بعض الجدل. ويرى الباحث في معهد واشنطن، آرون زيلين، في حوار مع الموقع الألماني، أنه من الصعب تحديد مدى أهمية المقاتلين الأجانب لقوات الأمن السورية الآن "لأن عدد السوريين يفوق بكثير عدد الأجانب". لكنه أشار إلى أن بعضهم يتمتع بأهمية أكبر، فعلى سبيل المثال، يعمل مقاتلو الكتيبة الأويغورية الآن كقوة أمنية شخصية للشرع. ويقول زيلين "هم أساساً من يحمونه لأنه يثق بهم، ويُنظر إليهم كرفاق سلاح في القتال ضد الأسد". ويذكر لاجئ سوري مقيم في ألمانيا، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أنه التقى بعدد من المقاتلين الأجانب أثناء قتاله قوات نظام الأسد في مدينة حلب السورية. وقال اللاجئ السوري للموقع الألماني "كان بعضهم جيداً، بينما لم يكن البعضهم الآخر جيداً. كانوا شديدي التركيز على القتال، وكان لدى الكثير منهم عقلية سلفية. أرادوا الذهاب إلى حيث تدور المعارك". ويضيف المصدر "الذين بقوا الآن لديهم عائلات في سوريا. لهذا، شخصياً، سأمنحهم فرصة، خاصة لأننا لو طردناهم، سنطرد أيضاً النساء والأطفال. على أي حال، لا تنسوا أن هناك أيضاً الكثير من السوريين الذين يشاركون ولو جزءاً من هذه العقلية (الدينية)". خطورة المقاتلين الأجانب اتُهم مقاتلون أجانب ذوو توجه ديني أكثر تشدداً بالمشاركة في أعمال عنف وقعت حديثاً ضد الأقليات السورية، كما أُلقي عليهم اللوم في محاولات فرض رقابة على ملابس النساء والسلوكيات الاجتماعية في المدن السورية. ويوضح الباحث والخبير في الشؤون السورية، عروة عجوب، في تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أنه حتى وقت قريب جداً، كانت "هيئة تحرير الشام" ما تزال تُصوّر نفسها على أنها "مدافعة عن الإسلام السني". ولكن بعد سقوط نظام الأسد، اتخذت الجماعة مساراً أكثر ليبرالية، بحسب التقرير. ويقول عجوب "يُمثل هذا التغيير المفاجئ في السردية تعديلاً كبيراً للصفوف. قد يكون هذا التحول تحدياً للمقاتلين الذين اعتادوا على وجهة نظر طائفية أضيق. يواجه العديد من مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين لم يغادروا أبدًا البيئة المحافظة في إدلب، مجتمعات أقل تحفظًا في دمشق". الانضمام إلى "داعش" ويرى الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، محمد صالح، أنه "إذا استمرت هيئة تحرير الشام في اتجاهها نحو الاعتدال النسبي، مثل التسامح مع النساء غير المحجبات والسماح ببيع الكحول والمشاركة في عملية سياسية على النمط الغربي، فقد تنشق العناصر المتشددة داخل هيئة تحرير الشام، وخاصة الجهاديين الأجانب، أو تنشق عنهم، أو تتعاون مع داعش أو القاعدة". ولكن يتشكك الباحث في معهد واشنطن، آرون زيلين، في أن يشكل المقاتلون الأجانب في سوريا "أي تهديد واسع النطاق"، على حد تعبيره. ويري زيلين أن "أولئك الذين شعروا أن هيئة تحرير الشام لم تعد متشددة بما يكفي بالنسبة لهم قد غادروا بالفعل على الأرجح، وأن العديد من المقاتلين الأجانب الأقل تطرفاً الذين بقوا، يتمتعون بانضباط شديد". كما حاول الشرع لفترة طويلة تهميش أو اعتقال أو طرد أي مقاتل أجنبي قاوم المسار الجديد للجماعة. وما يزال بإمكان المقاتلين الأجانب بالطبع ارتكاب جرائم أو التسبب في مشاكل. إلا أن التهديد الأكبر يأتي حقيقة من المقاتلين الأجانب الأعضاء في تنظيم "داعش"، والذين يواصلون تمردًا محدودًا في شرق سوريا، بالإضافة إلى مقاتلين معتقلين في شمال شرق سوريا. وماذا بعد؟ بعد اجتماع الشرع مع ترامب، ظهرت أنباء بشأن مداهمات من قوات الأمن السورية لقواعد خاصة بالمقاتلين الأجانب في محافظة إدلب. ويرى مراقبون ومحللون أنه ما يزال من غير الواضح ما إن كان الأمر صحيح أم مجرد شائعات أو "مسرحيات سياسية". ويبدو أن شن حملة كبيرة ضدهم هو أمر غير مرجح. ويجادل أعضاء في الحكومة السورية الجديدة بأن المقاتلين الأجانب لا يشكلون أي تهديد للدول الأخرى وأن عددهم أقل من أن يؤثر بشكل كبير على الجيش السوري الجديد، كما أنهم موالون لإدارة الشرع الجديدة على أي حال. بل ويرى البعض أن دمج المقاتلين الأجانب في القوات السورية الجديدة ربما يكون أفضل طريقة للتعامل معهم على أرض الواقع. ويقول زيلين: "من بين جميع الطلبات التي قدمتها الولايات المتحدة، ربما يكون هذا هو الأصعب بالنسبة لسوريا. لا أعتقد أنهم يريدون حقاً تسليم المقاتلين الأجانب إلا إذا كانوا، على سبيل المثال، يفعلون شيئاً مخالفاً للقانون".


الحركات الإسلامية
منذ يوم واحد
- الحركات الإسلامية
ضربة قاصمة لداعش في الصومال: مقتل قيادي بارز على يد قوات بونتلاند
أعلنت قوات دفاع بونتلاند (PDF) مقتل أحد أبرز قادة فرع تنظيم داعش في الصومال، في عملية أمنية دقيقة نفذتها قواتها البرية والجوية في جبال كال-مسكاد، الثلاثاء الماضي، في إطار العملية العسكرية المستمرة "البرق". وأفادت السلطات المحلية أن القيادي المقتول هو أحمد موسى سعيد، والذي وصفته بأنه "هدف ذو قيمة عالية" و"أحد العقول المدبرة للتنظيم"، وكان يتمتع بنفوذ واسع داخل شبكة داعش في شمال شرق الصومال. تحركات دولية وصلات خارجية وفقا لمصادر أمنية مطلعة، كان سعيد يسافر باستمرار إلى الخارج، خاصة إلى إثيوبيا، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، وهي دول تربطها علاقات أمنية وثيقة مع ولاية بونتلاند. وقد ساهمت الإمارات، بشكل خاص، في توفير خدمات المراقبة الجوية خلال العمليات العسكرية الأخيرة ضد التنظيم. وأوضحت قوات بونتلاند أن سعيد كان على صلة بعدد من المقاتلين الأجانب، الذين دخلوا الصومال في السنوات الأخيرة، حيث عثر على جوازات سفر أجنبية في الكهوف والمخابئ التي استولى عليها الجيش في المناطق الجبلية خلال حملة "البرق". تفاصيل العملية العسكرية أشاد قائد العملية، العميد أحمد عبد الله شيخ، بنجاح القوات المحلية في تصفية هذا العنصر القيادي، قائلا: "يمثل القضاء على أحمد موسى سعيد ضربة موجعة لقدرات داعش، ويعكس التزامنا الراسخ بمكافحة الإرهاب وضمان الأمن الإقليمي". وأشار الشيخ إلى أن العملية تمت بدقة واحترافية عالية، لكن لم تكشف تفاصيل إضافية بشأن توقيت أو ظروف الهجوم لدواع أمنية. حملة "البرق" وتقدم قوات بونتلاند شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا ميدانيا كبيرا ضمن عملية "البرق"، حيث نجحت قوات بونتلاند في استعادة عدد من القرى الاستراتيجية في منطقة باري، وطرد عناصر التنظيم من مواقعهم، ما قلص من مساحة نفوذ داعش. ورغم أن تنظيم داعش يحتفظ بوجود محدود في المناطق الجبلية لبونتلاند، إلا أن المحللين الأمنيين يحذرون من تزايد نشاطه، خاصة في ظل فراغات أمنية وانسحابات تكتيكية لبعض القوات الفيدرالية في مناطق أخرى. خلفية أمنية يذكر أن داعش في الصومال، رغم كونه أصغر حجما وأقل تنظيما من حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلا أنه يشكل تهديدا متناميا في الشمال الشرقي، ويخوض صراعات متكررة مع كل من الحكومة الفيدرالية ومسلحي حركة الشباب. يشكل مقتل أحمد موسى سعيد تطورا بارزا في الحرب على الإرهاب في القرن الأفريقي، كما يسلط الضوء على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة الجماعات المتطرفة العابرة للحدود. وقد دعت السلطات في بونتلاند إلى مواصلة الدعم الدولي لتعزيز أمن المنطقة ومنع عودة هذه التنظيمات الإرهابية إلى قواعدها السابقة.