
66 شهيدا بغزة بينهم 12 من ضحايا المساعدات وانقطاع كامل للإنترنت
أفادت مصادر طبية باستشهاد 66 فلسطينيا اليوم السبت، بينهم 12 من منتظري المساعدات، جراء قصف إسرائيلي استهدف مناطق عدة في قطاع غزة، في ظل انقطاع تام لخدمات الإنترنت والاتصالات.
كما أفادت المصادر بإصابة 50 آخرين في القصف الإسرائيلي الذي استهدف منتظري المساعدات شمال غرب مدينة غزة.
وقتلت قوات الاحتلال 27 فلسطينيا وأصيب العشرات في مجزرتين وسط قطاع غزة وشماله، في ظل تفاقم المجاعة الناجمة عن الحصار وإغلاق تل أبيب المشدد للمعابر منذ أكثر من 3 أشهر.
وفي وقت سابق اليوم، نددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بمجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال بإطلاق النار على أكثر من 15 فلسطينيا خلال محاولتهم الحصول على مساعدات وسط قطاع غزة.
وقالت الحركة إن هذه المجزرة "تكشف الوجه الإجرامي القبيح لهذا الاحتلال، وتؤكد أنه يوظف الجوع كسلاح حرب، ويحوّل مواقع توزيع الإغاثة إلى مصايد موت جماعي بحق المدنيين الأبرياء".
وقال شهود عيان إن آليات الجيش ومسيراته أطلقت نيرانها العشوائية صوب تجمعات من المُجوّعين كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات قرب مركز توزيع أميركي إسرائيلي في منطقة محور نتساريم.
وقال شهود إن المدفعية الإسرائيلية استهدفت تجمعا لمدنيين أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غرب بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى.
وفي شرق مدينة غزة، أفاد مصدر طبي في المستشفى المعمداني باستشهاد 4 أشخاص جراء قصف شنّته طائرة مسيّرة إسرائيلية على منطقة الشعف في حي التفاح.
وذكر مراسل الأناضول أن عشرات الفلسطينيين تجمعوا في منطقة "السودانية" بعد انتشار "إشاعة" حول مرور شاحنات تحمل مساعدات لمؤسسات دولية على أمل حصولهم على بعض منها، لكن جيش الاحتلال سرعان ما استهدفهم.
يأتي ذلك في ظل انقطاع تام للاتصالات والإنترنت لليوم الرابع على التوالي جراء قصف إسرائيلي للبنية التحتية، مما يدفع صحفيين فلسطينيين إلى المخاطرة بأنفسهم في مناطق مكشوفة أو قرب الميناء وذلك في محاولة لالتقاط إشارة ضعيفة من شرائح إلكترونية تتيح لهم إرسال الصور والتقارير إلى العالم الخارجي.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات إنسانية عبر ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية"، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأميركيا، لكنها مرفوضة من قبل الأمم المتحدة.
ولم تسمح إسرائيل منذ 2 مارس/آذار إلا بدخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الخاضع لسيطرتها شرق مدينة رفح، في حين يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى نحو 500 شاحنة يوميا بحد أدنى.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل -بدعم أميركي- إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 183 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
وبعد المواجهة المباشرة مع طهران، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول عسكري تأكيده أن جبهة غزة أصبحت ثانوية، وأن إيران باتت الساحة الرئيسية للصراع بالنسبة لتل أبيب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
شاهد.. موجة غضب متصاعدة في باريس ضد الإبادة بغزة
باريس ـ دعت جمعيات مناصرة للقضية الفلسطينية ونقابات فرنسية، بالتعاون مع أحزاب يسارية، إلى تنظيم يوم تضامني عالمي في العاصمة باريس وعدد من المدن الفرنسية، للمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة و وقف إطلاق النار فورا، والاعتراف بالدولة الفلسطينية. وشهدت ساحة الجمهورية وسط باريس منذ الاثنين الماضي وقفة احتجاجية لطلبة الجامعات، تضامنا مع المدنيين الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف المتواصل ويعانون من ظروف إبادة جماعية ، بحسب وصف المنظمين. وقدّرت الشرطة الفرنسية عدد المشاركين في مظاهرة باريس بنحو 9 آلاف متظاهر، بينما أشارت النقابة العمالية "سي جي تي" (CGT) وحزب " فرنسا الأبية" إلى أن العدد تجاوز 150 ألف مشارك. المبيت في خيام واختار عدد من طلاب الجامعات افتراش الأرض والمبيت في خيام بسيطة نُصبت وسط ساحة الجمهورية، تعبيرا عن التضامن مع أهالي غزة، وللتنديد بالحرب المفروضة على القطاع المحاصر. وقالت كاميليا بلغالي، الطالبة في مدرسة الفنون بباريس، في حديثها للجزيرة نت "نتمسك باعتصامنا رغم المضايقات التي نتعرض لها أحيانا، ونقضي الليالي في الخيام، مدركين أن ما نمر به لا يقارن مطلقا بمعاناة أهل غزة". وأضافت "رغم سلمية تحركنا، لا نجد آذانا مصغية من الحكومة الفرنسية، لا نسعى إلى إثارة الشغب، لكننا نريد أن يسمع صوتنا، ولن نتراجع ما دامت غزة بلا دعم دولي حقيقي". إعلان من جانبه، انتقد غابان، طالب في جامعة "ساينس بو"، اعتماد الحكومة الفرنسية الرواية الإسرائيلية، مشيدا برمزية رحلة سفينة "مادلين" التي قال إنها كشفت تغوّل الاحتلال الإسرائيلي وحصانته حتى في المياه الدولية. وقال غابان للجزيرة نت "في العام الماضي، حاولت الشرطة اقتحام عدة جامعات فرنسية، في كل مرة كانت تنتهك حرمة المؤسسات التعليمية التي يُفترض أن تكون أماكن مستقلة عن السلطة التنفيذية، وخاصة بوجود غابرييل أتال رئيس الوزراء حينها". لكن عقب انتهاء المسيرة يوم السبت، أصدرت الشرطة أمرا بإخلاء الساحة من الخيام والمتظاهرين، وأعلنت حظر رفع الأعلام الفلسطينية. أصوات ضد الحصار وشهدت المظاهرة مشاركة شخصيات سياسية بارزة، من بينها النائبة الأوروبية ريما حسن، التي كانت قد اعتُقلت 3 أيام في إسرائيل عقب مشاركتها في رحلة سفينة "مادلين". وقالت ريما حسن "مسؤوليتنا السياسية والأخلاقية تفرض علينا العصيان المدني واتخاذ خطوات جريئة لدعم القانون الدولي ووقف الإبادة الجماعية". وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها شعارات من قبيل "أوقفوا الإبادة الجماعية"، و"نتنياهو مذنب وماكرون متواطئ"، و"أطلقوا سراح جورج عبد الله"، في إشارة إلى المناضل اللبناني المعتقل منذ عقود في فرنسا. وفي تغريدة لها، أشادت ألما دوفور، النائبة عن حزب "فرنسا الأبية"، بالمشاركة الواسعة قائلة "150 ألف متظاهر في شوارع باريس: موجة غضب متصاعدة ضد الإبادة في غزة". وأضافت "رغم عنف الشرطة غير المبرر، يتزايد عدد المطالبين بمحاسبة نتنياهو ووقف تواطؤ ماكرون. إسرائيل تقتل، ووزير الداخلية الفرنسي برونو ريتلو يقمع من يرفع صوته". إعلان توثيق عنف الشرطة رغم سلمية المسيرة، لجأت الشرطة إلى تفريق الحشود باستخدام الغاز المسيل للدموع، وسط شكاوى من استخدام مفرط للقوة، وثقتها مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع. ويظهر في أحد المقاطع شرطي يوجه لكمة مباشرة إلى وجه متظاهر، قبل أن يهمس له زميله قائلا "انتبه، هناك كاميرات"، في إشارة إلى وجود مصورين يوثقون ما يجري. وخلال التظاهرة، رفع أحد السكان علما إسرائيليا من شرفة منزله، مما أثار حفيظة المحتجين ودفع قوات الأمن للتدخل سريعا، منعا لحدوث مواجهات أو محاولات اقتحام للمبنى. اللافت أن هذه المظاهرة نُظمت قبل التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، مما يزيد من حدة التوترات في المنطقة، ويثير مخاوف متزايدة من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
في هروبه إلى الأمام.. نتنياهو يشعل حربًا جديدة
فجأة، تلاشى الحديث عن إخفاقات نتنياهو العسكرية والسياسية في حرب غزة التي طالت! غابت الانتقادات، وانتهى الكلام عن الاتهامات الموجهة إليه بارتكابه جرائم حرب، وطُويت التقارير التي تتحدث عن استطلاعات للرأي، تؤكد انخفاض نسب التأييد له في أوساط الإسرائيليين ووصولها إلى الحضيض؛ فالحدث قد وضع حدًا لذلك كله، وصوت المعركة أسكت كل صوت سواها. بعدما وصل التحالف الحكومي إلى حالة ضعف قصوى، جاءت الضربة التي أطلقها بنيامين نتنياهو لتكون بمثابة "تنفيس" يستعيد فيه صورة القائد القوي، ويُحوّل الصراع الداخلي إلى مواجهة خارجية. وهذا ما أكدته صحيفة "ميدل إيست آي" في إشارتها إلى أن الإغارة جاءت في لحظة ضعف مزدوج؛ أصاب الداخل الإيراني من جهة، وترك أثره -من جهة أخرى- في الموقف السياسي لنتنياهو، الذي اختار التعزيز بدلًا من الحوار. في عالم السياسة، تطالعنا أمثلة تاريخية لقادة، يبدو مسلك نتنياهو نوعًا من السير على خطاهم، قادة اتُّهموا بأنهم أشعلوا أو وسّعوا حروبًا خارجية لصرف الأنظار عن أزمات أو استحقاقات سياسية داخلية هروب إلى الأمام هكذا يسمونه، وهكذا هو الحال عندما يواجه القائد واقعًا صعبًا وأزمات متلاحقة، تضطره لصرف الأنظار عن حقيقة المشهد الذي يحمل دلائل إدانة تحاصره، واستحقاقات تدفع لوضعه في قفص الاتهام، فيتهرب من ذلك كله بإحداث واقع جديد، وتفجير حدث طارئ قد يفتقر إلى المنطقية والجدوى على الصعيد العام، لكنه يقدم له على المستوى الشخصي خدمة إسعافية، ويمد له حبل إنقاذ من خلال إلهاء الآخرين، وصرفهم عن ملاحقته. صورة حاضرة تحاكي ماضيًا في عالم السياسة، تطالعنا أمثلة تاريخية لقادة، يبدو مسلك نتنياهو نوعًا من السير على خطاهم، قادة اتُّهموا بأنهم أشعلوا أو وسّعوا حروبًا خارجية لصرف الأنظار عن أزمات أو استحقاقات سياسية داخلية. واحد من تلك الأمثلة نجده في مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء المملكة المتحدة بين عامي 1979 و1990، وذلك من خلال إطلاقها حرب الفوكلاند (1982). كانت تاتشر تواجه أزمات اقتصادية شديدة، ونِسب تأييد متدنية في استطلاعات الرأي، وكانت المعارضة تطالب بانتخابات مبكرة بعد موجة بطالة ضخمة واضطرابات داخلية، ثم كان أن غزت الأرجنتين جزر فوكلاند (التابعة لبريطانيا)، وكان يمكن لبريطانيا أن تسعى لتسوية دبلوماسية، لكن تاتشر قررت الردّ عسكريًا، وأطلقت حربًا لاستعادتها، ونجحت في ذلك. وبالنتيجة، قفزت شعبيتها إلى أعلى مستوياتها، وفازت في الانتخابات عام 1983 بأغلبية ساحقة. أما بيل كلينتون (رئيس أميركي سابق) فقد وجد في قصف السودان وأفغانستان (1998) سبيلًا للهروب من ملاحقة فضيحة "مونيكا لوينسكي" له، فكان أن أمر كلينتون بضرب مصنع في السودان ومعسكرات في أفغانستان؛ بحجة ضرب "القاعدة" بعد تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا. وبالوصول إلى تاريخ أقرب، نجد من يضع فلاديمير بوتين في هذه الخانة من خلال غزوه لأوكرانيا (2022)؛ فقد كانت روسيا تعاني من ركود اقتصادي، واحتجاجات متزايدة، وتراجع في شعبية بوتين، وحدث تململ سياسي في الداخل بسبب الفساد، والسجناء السياسيين كـ"نافالني"؛ فجاء غزو بوتين أوكرانيا بالكامل، معلنًا أن الهدف هو "نزع السلاح النازي"، رغم أن التهديد الأوكراني لم يكن مباشرًا. وكانت النتيجة أن ارتفعت شعبيته مؤقتًا في الداخل الروسي، وفرض سيطرة أكبر على الإعلام والمعارضة.. لكنه واجه لاحقًا عقوبات غير مسبوقة وانهيارًا اقتصاديًا. تشابه واختلاف رغم حقيقة وجود سلوكيات سابقة، مشابهة لما سار عليه نتنياهو، فالشبه بين السابق واللاحق -كما يبدو لي- محدود؛ ففي الحالات التي أشرنا إليها كان تأثير القائد محكومًا بدرجة من الانضباط من جهة، والمراقبة من الدولة العميقة من جهة أخرى، كما أن واقع قوة الدولة أعطاها درجة من الحصانة والثبات في التعامل مع تبعات الحدث. لكن القراءة المتعمقة لواقع دولة الكيان الصهيوني اليوم توحي بأن التصرف الأرعن لنتنياهو قد جاء في وقتٍ، تعاني فيه الدولة والمجتمع درجة فظيعة من الهشاشة، وقراره الأخير بشن الهجوم على إيران قد تبع شهورًا من حربه على غزة، في رده على عملية "طوفان الأقصى" التي استنزفت الكيان الغاصب وأظهرت حقيقة خلله وعواره. ويُضاف إلى ذلك كله أن نتنياهو قد تقدم على أسلافه بأشواط في استهتاره بمعايير الدولة التي لا تنسجم مع اعتباره لشخصه. لقد بدأ نتنياهو الحرب، والحرب شرارة أشعلها، لكنه لن يضمن أمر إخمادها وفق هواه.. فأي مسار ستقود إليه مغامرات نتنياهو؟ وإلى أين ستنتهي؟ نحن لا نملك علم الغيب، ولكننا نقرأ التاريخ، والتاريخ ينبئنا أن الدولة المتغطرسة قد تدمر دولًا أخرى ثم تنتهي.. أما الزعيم المتغطرس، فقد تقوده سياسته إلى أن يدمر دولته ثم ينتهي.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الطوفان والشرق الأوسط الجديد
استيقظنا صباح يوم الجمعة الفائت على أخبار، تؤكّد أن الشرق الأوسط قد تغيّر تمامًا عما عهدناه لعقود! هذا التغيّر لم يكن لحظة طارئة أو مفاجئة، بل جاء نتيجة موجات متلاحقة انطلقت من الزلزال الذي أحدثه "طوفان الأقصى". ولا أعرف من أطلق هذا الاسم على عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لكن من المؤكد أن ذلك لم يكن مجرد توصيف إعلامي، بل هو تعبير نابع من بصيرة إستراتيجية؛ فالطوفان لم يكن حدثًا محصورًا بقطاع غزة أو فلسطين، بل كان لحظة مفصلية ستترك آثارًا عميقة في البنية السياسية والجيوسياسية للمنطقة. من أطلق هذا الاسم أدرك -على الأرجح- أن تداعيات العملية لن تتوقف عند حدود جغرافية، بل ستطول خريطة "سايكس- بيكو" التي باتت على وشك الانهيار، كما ستُحدِث اهتزازًا في البنية الذهنية للعقل الصهيوني، وربما في أسس المشروع الصهيوني ذاته. ولعل من ينظر بتمعّن في المشهد الراهن، ويقارن ما يجري اليوم بما جرى في نكسة 1967، سيدرك أن لحظات الانكسار أو التحول الكبرى هي التي تعيد تشكيل مسار التاريخ؛ فتلك الهزيمة لم تكن مجرد خسارة ميدانية، بل كانت زلزالًا ثقافيًّا ونفسيًّا للعرب والإسرائيليين على حد سواء، وقد دخلت المنطقة إثرها في مسار لا نزال نعيش ارتداداته حتى اليوم. طوفان الأقصى يشبه في طبيعته حالة "تسونامي جيوستراتيجي".. يبدأ بموجة صادمة، لكنها ليست سوى بداية لسلسلة ارتدادات أشد وقعًا؛ فالزلزال لا يحدث على السطح، بل في أعماق المحيط حيث تتحرك الصفائح التكتونية، تمامًا كما تتحرك الآن التوازنات الدولية، والتحالفات الإقليمية، وخطابات القوة. عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة نحن أمام تحوّل بنيوي لا حدث طارئ، وما نراه اليوم ليس سوى بداية لتغيرات قد تُعيد رسم الجغرافيا السياسية، وخرائط النفوذ، والأهم في كل ما جرى ليس سقوط الأبراج ولا تبدّل موازين القوى، بل التحوّل الذي بدأ يصيب الوعي الجمعي في المنطقة! فكيف نفهم ما حصل؟ وما هي تداعياته على شكل الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة؟ عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة، لكن من نوع مختلف. العملية لم تُصِب إسرائيل عسكريًّا فحسب، بل ضربت العقل الإسرائيلي في عمقه! ويجب أن نُدرك هنا أن الجيل الجديد من الإسرائيليين لم يأتِ مهاجرًا، بل وُلِد ونشأ في هذه الأرض، ما يجعل بنية وعيه أكثر حساسية للأمن وأقل تحمّلًا للهزّات. وهذا ما جعل الصدمة المعنوية التي تلقّاها ذلك العقل تفوق الأثر العسكري الملموس. أما على الصعيد السياسي، فقد أعادت العملية رسم خطوط الاشتباك في المنطقة، ودفعت بالصراع إلى بُعدٍ أوضح: لم يعد النزاع على فلسطين وحدها، بل بات صراعًا بين مشروعين يسعيان لتسيّد المنطقة، الأول تقوده إيران عبر أذرعها، والثاني تقوده إسرائيل بدعم غربي مباشر. الرد الإسرائيلي لم يتأخر، فجاءت ضرباته شاملة لأغلب أذرع إيران في المنطقة، وعلى رأسها "حزب الله"، الذي وصفه نتنياهو مرارًا بأنه "محور المحور".. لقد تلقى الحزب ضربات مؤلمة وغير مسبوقة، ولم تتدخل إيران كما كان يُتوقع. هذا التراجع في التفاعل الفوري، لا سيما بعد اغتيال رموز مهمة، كشف خللًا في وحدة الساحات، وأدى إلى تراجع الحضور الإيراني في سوريا، وصولًا إلى تقويض النظام نفسه هناك ثم سقوطه. وبذلك، بدأت أوصال "الهلال الشيعي" بالتفكك، وتحوّلت الجغرافيا التي كانت تُصوَّر كممر موحد إلى جزرٍ منفصلة متباعدة. بعد ذلك، جاءت الضربة الإسرائيلية المباشرة لإيران، والتي غيّرت ميزان الردع في المنطقة.. وهنا تُطرح الأسئلة الكبرى: أهذا التغيير دائم أم لحظة عابرة؟ أفقدت إيران قدرتها على الرد، أم إنها متمسكة بخطاب "الصبر الإستراتيجي" الذي استنزف مصداقيتها؟.. الحقيقة أن هذا الصمت المربك، وهذا التريّث الطويل، هو ما فتح شهية إسرائيل لمزيد من التجرؤ. رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع لقد بات واضحًا أن إسرائيل أدركت أن الضرب في عمق النفوذ الإيراني لم يعد يُقابَل برد مباشر، لا من طهران ولا من حلفائها؛ فـ"حزب الله" -الذي لطالما اعتُبر الخط الأول في منظومة الأمن القومي الإيراني، بل "دُرّة التاج" كما يُقال- تلقّى ضربات موجعة دون أن يتغير موقف إيران.. هذا التراخي في الدفاع عن الحلفاء، وغياب الردع، جعل إسرائيل تتصرف وكأن لا أحد يردعها، وهو ما يضع مستقبل الإقليم أمام منعطف خطير. هذه الضربات التي تعرّض لها حلفاء إيران وأذرعها، جعلت بنيتها الأمنية مكشوفة، وأسقطت ما يُسمى بالجدار الأمني الإستراتيجي. ونتيجة لعدم الرد أو التحرك، انتقلت إسرائيل من مجرد التفكير في ضرب المشروع النووي الإيراني إلى مرحلة التفكير بإسقاط النظام الإيراني نفسه! وهنا يُطرح السؤال: هل تمتلك إيران القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهةٍ لم تعد مقتصرة على إسرائيل فقط، بل قد تشمل تحالفًا غربيًّا واسعًا، وربما بموافقة عربية ضمنية أو مباشرة؟ إن سقوط الهيبة الإيرانية، وانهيار ما يُعرف بـ"الصمت الإستراتيجي" الذي أُسقِط بفعل "الوجع الإستراتيجي" الذي ألحقته إسرائيل، يجعل من غير الممكن لإيران أن تبقى ساكنة، بل قد تجد نفسها مضطرة للتحرك بقوة، وربما الإقدام على إطلاق صواريخها الإستراتيجية باتجاه العمق الإسرائيلي، في محاولة لاستعادة توازن الردع المفقود. رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع. أبرز هذه الأوراق هي قدرتها المستمرة -حتى الآن- على إنتاج القنبلة النووية، رغم الضربات الأمنية المؤلمة التي تعرض لها برنامجها النووي. أما الورقة الثانية فتتمثل في موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وتحديدًا في إشرافها على مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة العالمية، والذي يمنحها قدرة على التأثير المباشر في أسواق النفط والغاز. أما الورقة الثالثة، فهي ترسانتها الصاروخية المتقدمة، التي لا تزال تشكّل مصدر تهديد فعلي، خاصة لإسرائيل، حيث تمتلك إيران القدرة على توجيه ضربات موجعة في حال اندلاع مواجهة شاملة. ضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم لكن يبقى أن الورقة الأهم -وربما الحاسمة- هي التخلي النهائي عن سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي تبنّتها طويلاً، وأن تستبدل بها منطق المواجهة المباشرة. فهذه ليست معركة دبلوماسية، ولا مجال لمساومات السجاد، بل هي حرب وجودية تتطلب حسمًا وردعًا لا انتظارًا ومراوغة. لعلّ ما جرى فجر الجمعة، وما تزال ارتداداته مستمرة حتى الآن في قصف متبادل، يشير بوضوح إلى أن إيران بدأت تُدرك خطورة ما يجري، وأن الأمر لم يعد يقتصر على استهداف مشروعها النووي، بل بات يستهدف النظام السياسي نفسه، وبنيته القيادية؛ فضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم. لكن، وعلى الرغم من عنف الرد، فإنه لم يكن بمستوى الخسائر التي تكبّدتها إيران، لا من حيث الحجم ولا من حيث التأثير. وهو ما يطرح تساؤلاً ملحًّا: هل يكفي هذا الرد؟ الواقع يُشير إلى أن الرد المطلوب يجب أن يكون أقوى وأشد وقعًا بكثير، إذا ما أرادت إيران فعلاً أن تُعيد رسم قواعد الاشتباك، وتمنع خصومها من الاستمرار في سياسة الاستنزاف والإضعاف التدريجي. ما نتائج هذه المواجهة بين "شرطيي المنطقة"؟ وما الأثر الحقيقي الذي سيترتّب على هذا الصراع؟.. كمواطن عربي، أقف أمام هذا المشهد بمشاعر متضاربة. في جانب من هذه المشاعر، ينتابني حزن عميق حين أُدرك أن نتيجة هذا الصراع قد تصبّ في مصلحة إسرائيل، وتعزز من سطوتها ونفوذها، وتقرّبها خطوة من تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، لا بالمعنى الجغرافي فقط، بل من حيث السلطة والهيمنة والتحكم بمصير المنطقة. ويزداد هذا الحزن عندما أرى أن الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم العرب أنفسهم؛ فهم ليسوا طرفًا فاعلًا فيه، ولا يمتلكون أدوات التأثير الحقيقي، بل يتحوّلون إلى ساحات للنفوذ ومواقع للصراع، دون أن يكون لهم دور في تحديد اتجاهاته أو نتائجه. من خلال التوحّش العسكري والسياسي الذي مارسته إسرائيل خلال الأشهر الماضية، بات واضحًا أن تفوّقًا إستراتيجيًّا جديدًا قد فُرض على المنطقة.. هذا التفوق لم يكن مجرد تفوق ميداني، بل هو إعلان عن تحوّل في بنية النظام الإقليمي، خصوصًا في ظل تراجع الدور العربي، وانعزال النظام الرسمي العربي عن الملفات الكبرى في الإقليم. لقد ساهم ضعف كل من سوريا والعراق، وغياب مصر عن دورها التاريخي كقوة إقليمية كبرى، في فتح الطريق أمام هذا التحوّل. وبهذا، نشهد ولادة نظام إقليمي جديد، تُمسك فيه إسرائيل بزمام المبادرة، ويتراجع فيه الدور الإيراني، لكن الأخطر أنه يطول أيضًا الأنظمة العربية التي باتت خارج معادلة القرار، رغم أنها أول من سيتأثر بنتائج هذا الصراع. ومع ذلك، من السابق لأوانه الجزم بنتائج هذه التطورات، إذ لا تزال الأحداث في بداياتها، ولا يمكن بعدُ التكهّن بمآلاتها بدقة. للمقارنة، أدركت أوروبا منذ اللحظة الأولى أن سقوط أوكرانيا يعني فتح البوابة الشرقية أمام التمدد الروسي، فهبّت لمساندتها بكل الوسائل الممكنة، لأن الخسارة هناك تُعدّ هزيمة إستراتيجية تهدد أمن القارة بأكملها. أما في الحالة الفلسطينية، وتحديدًا في ملف غزة، فلم يُنظر إليه من قبل الأنظمة العربية على أنه ملف أمن قومي وإستراتيجي، بل تم اختزاله في اعتباره قضية فلسطينية داخلية. وهذه النظرة الضيقة، هي التي سمحت لإسرائيل بالتمادي، وللنظام الإقليمي الجديد بالتشكل دون مقاومة تُذكر من جانبه العربي. إن التصادم القائم اليوم بين "شرطيي" المنطقة (إسرائيل وإيران) يعيد إلى الذاكرة مشهدًا مشابهًا في التاريخ، حين احتدم الصراع بين الفرس والروم على أرض هذه المنطقة نفسها. في خضم ذلك النزاع، لم يقف النبي ﷺ موقف المتفرج، بل فكّر بطريقة إستراتيجية تتجاوز اللحظة، فاستثمر ذلك الفراغ والنزاع لبناء دولة مستقلة، متحررة من نفوذ الإمبراطوريتين، تمتلك القدرة على الصمود، وتتهيأ لاستعادة الحق حين تحين اللحظة. وهذا بالضبط ما تحتاج إليه المنطقة اليوم! على النخب السياسية والفكرية أن تعي أنها ليست بمأمن من الحريق الذي يلتهم الإقليم، وأن التفرّج أو الارتهان للقوى الخارجية لن يحمي أحدًا.. لا بد من وعي إستراتيجي جديد يعيد بناء الإرادة السياسية، ويستعيد زمام المبادرة، ويُخرج القرار العربي من تحت العباءة الأميركية التي لا ترى في الشرق الأوسط إلا مصالح إسرائيل. إن الخلاص يبدأ من الإدراك بأن المنطقة لن تعود كما كانت، وأن من لا يُبادر اليوم سيُداس غدًا تحت أقدام من يُعيدون رسم خرائط النفوذ، بلا اعتبار لحق ولا لتاريخ.