logo
الطوفان والشرق الأوسط الجديد

الطوفان والشرق الأوسط الجديد

الجزيرةمنذ 8 ساعات

استيقظنا صباح يوم الجمعة الفائت على أخبار، تؤكّد أن الشرق الأوسط قد تغيّر تمامًا عما عهدناه لعقود! هذا التغيّر لم يكن لحظة طارئة أو مفاجئة، بل جاء نتيجة موجات متلاحقة انطلقت من الزلزال الذي أحدثه "طوفان الأقصى".
ولا أعرف من أطلق هذا الاسم على عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لكن من المؤكد أن ذلك لم يكن مجرد توصيف إعلامي، بل هو تعبير نابع من بصيرة إستراتيجية؛ فالطوفان لم يكن حدثًا محصورًا بقطاع غزة أو فلسطين، بل كان لحظة مفصلية ستترك آثارًا عميقة في البنية السياسية والجيوسياسية للمنطقة.
من أطلق هذا الاسم أدرك -على الأرجح- أن تداعيات العملية لن تتوقف عند حدود جغرافية، بل ستطول خريطة "سايكس- بيكو" التي باتت على وشك الانهيار، كما ستُحدِث اهتزازًا في البنية الذهنية للعقل الصهيوني، وربما في أسس المشروع الصهيوني ذاته.
ولعل من ينظر بتمعّن في المشهد الراهن، ويقارن ما يجري اليوم بما جرى في نكسة 1967، سيدرك أن لحظات الانكسار أو التحول الكبرى هي التي تعيد تشكيل مسار التاريخ؛ فتلك الهزيمة لم تكن مجرد خسارة ميدانية، بل كانت زلزالًا ثقافيًّا ونفسيًّا للعرب والإسرائيليين على حد سواء، وقد دخلت المنطقة إثرها في مسار لا نزال نعيش ارتداداته حتى اليوم.
طوفان الأقصى يشبه في طبيعته حالة "تسونامي جيوستراتيجي".. يبدأ بموجة صادمة، لكنها ليست سوى بداية لسلسلة ارتدادات أشد وقعًا؛ فالزلزال لا يحدث على السطح، بل في أعماق المحيط حيث تتحرك الصفائح التكتونية، تمامًا كما تتحرك الآن التوازنات الدولية، والتحالفات الإقليمية، وخطابات القوة.
عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة
نحن أمام تحوّل بنيوي لا حدث طارئ، وما نراه اليوم ليس سوى بداية لتغيرات قد تُعيد رسم الجغرافيا السياسية، وخرائط النفوذ، والأهم في كل ما جرى ليس سقوط الأبراج ولا تبدّل موازين القوى، بل التحوّل الذي بدأ يصيب الوعي الجمعي في المنطقة! فكيف نفهم ما حصل؟ وما هي تداعياته على شكل الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة؟
عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة، لكن من نوع مختلف.
العملية لم تُصِب إسرائيل عسكريًّا فحسب، بل ضربت العقل الإسرائيلي في عمقه! ويجب أن نُدرك هنا أن الجيل الجديد من الإسرائيليين لم يأتِ مهاجرًا، بل وُلِد ونشأ في هذه الأرض، ما يجعل بنية وعيه أكثر حساسية للأمن وأقل تحمّلًا للهزّات. وهذا ما جعل الصدمة المعنوية التي تلقّاها ذلك العقل تفوق الأثر العسكري الملموس.
أما على الصعيد السياسي، فقد أعادت العملية رسم خطوط الاشتباك في المنطقة، ودفعت بالصراع إلى بُعدٍ أوضح: لم يعد النزاع على فلسطين وحدها، بل بات صراعًا بين مشروعين يسعيان لتسيّد المنطقة، الأول تقوده إيران عبر أذرعها، والثاني تقوده إسرائيل بدعم غربي مباشر.
الرد الإسرائيلي لم يتأخر، فجاءت ضرباته شاملة لأغلب أذرع إيران في المنطقة، وعلى رأسها "حزب الله"، الذي وصفه نتنياهو مرارًا بأنه "محور المحور".. لقد تلقى الحزب ضربات مؤلمة وغير مسبوقة، ولم تتدخل إيران كما كان يُتوقع. هذا التراجع في التفاعل الفوري، لا سيما بعد اغتيال رموز مهمة، كشف خللًا في وحدة الساحات، وأدى إلى تراجع الحضور الإيراني في سوريا، وصولًا إلى تقويض النظام نفسه هناك ثم سقوطه. وبذلك، بدأت أوصال "الهلال الشيعي" بالتفكك، وتحوّلت الجغرافيا التي كانت تُصوَّر كممر موحد إلى جزرٍ منفصلة متباعدة.
بعد ذلك، جاءت الضربة الإسرائيلية المباشرة لإيران، والتي غيّرت ميزان الردع في المنطقة.. وهنا تُطرح الأسئلة الكبرى: أهذا التغيير دائم أم لحظة عابرة؟ أفقدت إيران قدرتها على الرد، أم إنها متمسكة بخطاب "الصبر الإستراتيجي" الذي استنزف مصداقيتها؟.. الحقيقة أن هذا الصمت المربك، وهذا التريّث الطويل، هو ما فتح شهية إسرائيل لمزيد من التجرؤ.
رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع
لقد بات واضحًا أن إسرائيل أدركت أن الضرب في عمق النفوذ الإيراني لم يعد يُقابَل برد مباشر، لا من طهران ولا من حلفائها؛ فـ"حزب الله" -الذي لطالما اعتُبر الخط الأول في منظومة الأمن القومي الإيراني، بل "دُرّة التاج" كما يُقال- تلقّى ضربات موجعة دون أن يتغير موقف إيران.. هذا التراخي في الدفاع عن الحلفاء، وغياب الردع، جعل إسرائيل تتصرف وكأن لا أحد يردعها، وهو ما يضع مستقبل الإقليم أمام منعطف خطير.
هذه الضربات التي تعرّض لها حلفاء إيران وأذرعها، جعلت بنيتها الأمنية مكشوفة، وأسقطت ما يُسمى بالجدار الأمني الإستراتيجي. ونتيجة لعدم الرد أو التحرك، انتقلت إسرائيل من مجرد التفكير في ضرب المشروع النووي الإيراني إلى مرحلة التفكير بإسقاط النظام الإيراني نفسه! وهنا يُطرح السؤال: هل تمتلك إيران القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهةٍ لم تعد مقتصرة على إسرائيل فقط، بل قد تشمل تحالفًا غربيًّا واسعًا، وربما بموافقة عربية ضمنية أو مباشرة؟
إن سقوط الهيبة الإيرانية، وانهيار ما يُعرف بـ"الصمت الإستراتيجي" الذي أُسقِط بفعل "الوجع الإستراتيجي" الذي ألحقته إسرائيل، يجعل من غير الممكن لإيران أن تبقى ساكنة، بل قد تجد نفسها مضطرة للتحرك بقوة، وربما الإقدام على إطلاق صواريخها الإستراتيجية باتجاه العمق الإسرائيلي، في محاولة لاستعادة توازن الردع المفقود.
رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع.
أبرز هذه الأوراق هي قدرتها المستمرة -حتى الآن- على إنتاج القنبلة النووية، رغم الضربات الأمنية المؤلمة التي تعرض لها برنامجها النووي.
أما الورقة الثانية فتتمثل في موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وتحديدًا في إشرافها على مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة العالمية، والذي يمنحها قدرة على التأثير المباشر في أسواق النفط والغاز.
أما الورقة الثالثة، فهي ترسانتها الصاروخية المتقدمة، التي لا تزال تشكّل مصدر تهديد فعلي، خاصة لإسرائيل، حيث تمتلك إيران القدرة على توجيه ضربات موجعة في حال اندلاع مواجهة شاملة.
ضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم
لكن يبقى أن الورقة الأهم -وربما الحاسمة- هي التخلي النهائي عن سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي تبنّتها طويلاً، وأن تستبدل بها منطق المواجهة المباشرة. فهذه ليست معركة دبلوماسية، ولا مجال لمساومات السجاد، بل هي حرب وجودية تتطلب حسمًا وردعًا لا انتظارًا ومراوغة.
لعلّ ما جرى فجر الجمعة، وما تزال ارتداداته مستمرة حتى الآن في قصف متبادل، يشير بوضوح إلى أن إيران بدأت تُدرك خطورة ما يجري، وأن الأمر لم يعد يقتصر على استهداف مشروعها النووي، بل بات يستهدف النظام السياسي نفسه، وبنيته القيادية؛ فضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم.
لكن، وعلى الرغم من عنف الرد، فإنه لم يكن بمستوى الخسائر التي تكبّدتها إيران، لا من حيث الحجم ولا من حيث التأثير. وهو ما يطرح تساؤلاً ملحًّا: هل يكفي هذا الرد؟ الواقع يُشير إلى أن الرد المطلوب يجب أن يكون أقوى وأشد وقعًا بكثير، إذا ما أرادت إيران فعلاً أن تُعيد رسم قواعد الاشتباك، وتمنع خصومها من الاستمرار في سياسة الاستنزاف والإضعاف التدريجي.
ما نتائج هذه المواجهة بين "شرطيي المنطقة"؟ وما الأثر الحقيقي الذي سيترتّب على هذا الصراع؟.. كمواطن عربي، أقف أمام هذا المشهد بمشاعر متضاربة.
في جانب من هذه المشاعر، ينتابني حزن عميق حين أُدرك أن نتيجة هذا الصراع قد تصبّ في مصلحة إسرائيل، وتعزز من سطوتها ونفوذها، وتقرّبها خطوة من تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، لا بالمعنى الجغرافي فقط، بل من حيث السلطة والهيمنة والتحكم بمصير المنطقة. ويزداد هذا الحزن عندما أرى أن الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم العرب أنفسهم؛ فهم ليسوا طرفًا فاعلًا فيه، ولا يمتلكون أدوات التأثير الحقيقي، بل يتحوّلون إلى ساحات للنفوذ ومواقع للصراع، دون أن يكون لهم دور في تحديد اتجاهاته أو نتائجه.
من خلال التوحّش العسكري والسياسي الذي مارسته إسرائيل خلال الأشهر الماضية، بات واضحًا أن تفوّقًا إستراتيجيًّا جديدًا قد فُرض على المنطقة.. هذا التفوق لم يكن مجرد تفوق ميداني، بل هو إعلان عن تحوّل في بنية النظام الإقليمي، خصوصًا في ظل تراجع الدور العربي، وانعزال النظام الرسمي العربي عن الملفات الكبرى في الإقليم.
لقد ساهم ضعف كل من سوريا والعراق، وغياب مصر عن دورها التاريخي كقوة إقليمية كبرى، في فتح الطريق أمام هذا التحوّل. وبهذا، نشهد ولادة نظام إقليمي جديد، تُمسك فيه إسرائيل بزمام المبادرة، ويتراجع فيه الدور الإيراني، لكن الأخطر أنه يطول أيضًا الأنظمة العربية التي باتت خارج معادلة القرار، رغم أنها أول من سيتأثر بنتائج هذا الصراع. ومع ذلك، من السابق لأوانه الجزم بنتائج هذه التطورات، إذ لا تزال الأحداث في بداياتها، ولا يمكن بعدُ التكهّن بمآلاتها بدقة.
للمقارنة، أدركت أوروبا منذ اللحظة الأولى أن سقوط أوكرانيا يعني فتح البوابة الشرقية أمام التمدد الروسي، فهبّت لمساندتها بكل الوسائل الممكنة، لأن الخسارة هناك تُعدّ هزيمة إستراتيجية تهدد أمن القارة بأكملها. أما في الحالة الفلسطينية، وتحديدًا في ملف غزة، فلم يُنظر إليه من قبل الأنظمة العربية على أنه ملف أمن قومي وإستراتيجي، بل تم اختزاله في اعتباره قضية فلسطينية داخلية. وهذه النظرة الضيقة، هي التي سمحت لإسرائيل بالتمادي، وللنظام الإقليمي الجديد بالتشكل دون مقاومة تُذكر من جانبه العربي.
إن التصادم القائم اليوم بين "شرطيي" المنطقة (إسرائيل وإيران) يعيد إلى الذاكرة مشهدًا مشابهًا في التاريخ، حين احتدم الصراع بين الفرس والروم على أرض هذه المنطقة نفسها. في خضم ذلك النزاع، لم يقف النبي ﷺ موقف المتفرج، بل فكّر بطريقة إستراتيجية تتجاوز اللحظة، فاستثمر ذلك الفراغ والنزاع لبناء دولة مستقلة، متحررة من نفوذ الإمبراطوريتين، تمتلك القدرة على الصمود، وتتهيأ لاستعادة الحق حين تحين اللحظة. وهذا بالضبط ما تحتاج إليه المنطقة اليوم!
على النخب السياسية والفكرية أن تعي أنها ليست بمأمن من الحريق الذي يلتهم الإقليم، وأن التفرّج أو الارتهان للقوى الخارجية لن يحمي أحدًا.. لا بد من وعي إستراتيجي جديد يعيد بناء الإرادة السياسية، ويستعيد زمام المبادرة، ويُخرج القرار العربي من تحت العباءة الأميركية التي لا ترى في الشرق الأوسط إلا مصالح إسرائيل.
إن الخلاص يبدأ من الإدراك بأن المنطقة لن تعود كما كانت، وأن من لا يُبادر اليوم سيُداس غدًا تحت أقدام من يُعيدون رسم خرائط النفوذ، بلا اعتبار لحق ولا لتاريخ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف عاش الغزيون العزلة الرقمية المفتعلة وسط النار؟
كيف عاش الغزيون العزلة الرقمية المفتعلة وسط النار؟

الجزيرة

timeمنذ 16 دقائق

  • الجزيرة

كيف عاش الغزيون العزلة الرقمية المفتعلة وسط النار؟

غزة- بينما كانت الغارات الإسرائيلية تنهال على غزة، والمجاعة تفتك بمن تبقى من الأحياء فيها، انقطع آخر خيط يربط الغزيين بالعالم الخارجي لعدة أيام، حيث عاشوا في عزلة رقمية خانقة، كانت أشبه بـ"هندسة صمت" ممنهجة، تعمّدت إسرائيل فيها إغلاق نوافذ الرواية الفلسطينية وخنق الصوت الأخير، لتصبح الإبادة بعيدة عن أعين الشهود. استمر انقطاع الإنترنت في شمال قطاع غزة 4 أيام متواصلة، وفي جنوبه يومين، نتيجة قصف الاحتلال للخطوط الرئيسية المغذية لمقاسم الاتصالات المركزية في شطري القطاع. وانفصل حوالي مليوني فلسطيني بشكل كامل عن العالم الخارجي، الأمر الذي راق للاحتلال حيث منع وصول طواقم الصيانة للمناطق المتضررة، ولم يُسمح بإصلاح الأعطال إلا بعد عدة أيام، عقب حصول الفنيين على تصريح للصيانة. وبينما أُعيد الاتصال تدريجيا مساء أمس، لم تنقطع مخاوف السكان من تكرار التجربة، لا سيما أنها أتت في لحظة حرجة من المجازر والقصف واستمرار المجاعة وقتل المجوّعين. التغطية مستمرة لم يستسلم الصحفيون لإرادة الاحتلال، وشقوا كل الطرق التي تدفعهم للاستمرار في التغطية، فلم يجدوا سبيلا إليها سوى استخدام الشرائح الإلكترونية الإسرائيلية، ولاحقوا إشارة وصل الإنترنت في هواتفهم من خلالها، سواء إلى المناطق الشرقية الخطرة أو إلى ميناء غزة غربا، أو بصعودهم على بنايات سكنية مرتفعة لالتقاط إشارة هزيلة تمكنهم من إرسال موادهم المصورة أو الخروج من خلال البث المباشر. أمام ميناء غزة ، حيث تتربص البوارج بحرا والطائرات المسيّرة جوا، يقف الصحفي خميس الريفي ومعه مجموعة من الصحفيين، حاملا هاتفه في محاولة لالتقاط إشارة قوية للإنترنت تمكنه من رفع المادة الإعلامية التي توثق مجزرة استهداف الاحتلال لمنتظري المساعدات. ويقول الريفي للجزيرة نت: "نعاني في رفع موادنا المصورة ونشر الأخبار، وفي معرفة التحديثات الميدانية ومواقع الاستهدافات الإسرائيلية ومعرفة عدد الشهداء، حتى إن الفيديو الذي لا يتجاوز دقيقتين قد يستغرق 4 ساعات لرفعه". ويضيف خميس بصوت مثقل: "لم يبق مكان إلا وشهد على معاناة الصحفي الفلسطيني من إقامتهم في الخيام، والمشافي وأطراف شاطئ مليء بالحجارة، ومع ذلك نحن مستمرون، هذا كفاح يومي، وندفع ثمنه غاليا". ويضيف خميس الريفي أنهم كانوا يسمعون الانفجارات ولا يعرفون موقعها، في حين كانوا في السابق يساعدون في توجيه المسعفين وفرق الدفاع المدني إليها. ولعدة أيام كان الغزيون يسمعون أصوات الانفجارات دون معرفة أماكن وقوعها، ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل إن انقطاع الاتصالات أصابهم بالشلل: "كنا نعتمد بشكل كبير على الاتصالات اللاسلكية والأرضية لتلقي مناشدات المواطنين، والتوجه إلى أماكن الاستهداف، ومع توقف هذه الوسائل لم يعد بإمكان الناس التبليغ عنها، فلم يجد المواطنون من يقدم لهم الخدمة". ويتابع المتحدث باسم الدفاع "حتى الصحفيون الذين كانوا يحددون لنا عبر مجموعاتهم وتحديثاتهم مواقع القصف، فقد منعهم انقطاع الإنترنت من معرفتها". ولفت المتحدث ذاته إلى أن فرق الدفاع المدني اعتمدت خلال تلك المدة على أصوات الانفجارات لتحديد مكانها أو البلاغات الشفهية من أهالٍ يطلبون النجدة. ولم يقتصر الأمر على توقف الاستجابة لمناشدات العائلات المستهدفة، بل تعدّاه إلى صعوبة الوصول إلى الحالات المرضية وحل المشاكل العائلية. عزل عن العالم وأشار المتحدث إلى أن استهداف البنية التحتية لم يكن عشوائيا، بل تعمد الاحتلال قطع التواصل عن غزة بشكل كامل، موضحا "منذ بداية الحرب، تحاول إسرائيل قطعنا عن العالم، وتتعمد تدمير البنى التحتية التي تؤثر على تواصلنا الداخلي والخارجي، حتى يعم الصمت وتُعزل غزة عن العالم". وفي ظل هذه العتمة الإعلامية، تتجسد مأساة الأسر التي تدير أمورها عبر التكنولوجيا الحديثة، إذ يعتمد عدد كبير من الغزيين على التطبيقات البنكية لتحويل الأموال والشراء، في ظل عدم توفر السيولة المالية مثلا. ويقول محمد علي للجزيرة نت، وهو رب لأسرة مكونة من 5 أفراد، "راتبي يصلني عبر البنك ولا أستطيع سحبه، فكنت أعتمد على التطبيق البنكي في شراء احتياجات عائلتي، لكن انقطاع الإنترنت جعلني عاجزا، حتى الحليب لأولادي لم أستطع شراءه". أما على صعيد العمل عن بعد، فقد واجه تيم صيام، وهو مدير شركة تقدم خدمات إلكترونية عن بُعد، تحديات غير مسبوقة. ويروي تيم للجزيرة نت تفاصيل معاناته: "كان لدينا عملاء من الخليج، معتادون على التواصل اليومي وتنفيذ الطلبات فورا، لكن الانقطاع خلق فجوة كبيرة، وخسرنا عددا من العملاء بسبب عدم القدرة على الرد أو التنفيذ المباشر". ويضيف: "العملاء لا يلتفتون للظروف الصعبة التي نمر بها، فهم يتواصلون مع شركة وليس أفرادا، وهذا خلق مشكلة ثقة كبيرة". حصار مفتعل لم تنته معاناة العاملين عن بعد بتوفير الشرائح الإلكترونية للموظفين، يقول تيم: "كنا نضطر للسير مسافات طويلة بسبب انعدام وسائل النقل، نخاطر ونصعد عمارات عالية لنلتقط إشارة هزيلة بجوار النوافذ، المهمة التي تستغرق دقائق تتحول لساعات". حصار تقني تكرر للمرة التاسعة على التوالي منذ بدء الحرب على غزة، يرى المكتب الإعلامي الحكومي أنه مفتعل وممنهج من أجل تعتيم الحقيقة وتعميق الكارثة الإنسانية في القطاع، عبر عزل أكثر من 2.4 مليون فلسطيني عن العالم الخارجي وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة والاتصال وطلب النجدة، بالإضافة إلى عرقلة عمل الطواقم الطبية والإغاثية. ووصف المكتب الإعلامي عبر بيان أصدره اليوم الأحد بأن الانقطاع المتكرر لا يمكن اعتباره خللا فنيا عرضيا، داعيا المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات، للضغط على الاحتلال والتدخل للحيلولة دون تكراره. واعتبر أن الأمر يضاعف من احتمالية موت الأبرياء في غزة الذين لا ذنب لهم إلا البقاء فيها.

إسرائيل تعتقل شخصين بتهمة التخابر مع إيران
إسرائيل تعتقل شخصين بتهمة التخابر مع إيران

الجزيرة

timeمنذ 33 دقائق

  • الجزيرة

إسرائيل تعتقل شخصين بتهمة التخابر مع إيران

أعلنت الشرطة الإسرائيلية اليوم الأحد أنها ألقت القبض على إسرائيليين اثنين بتهمة التخابر مع إيران خلال الأيام الأخيرة في عملية مشتركة مع جهاز الأمن الداخلي (الشاباك). وقالت شرطة الاحتلال في بيان، إنها في عملية مشتركة مع الشاباك و وحدة اليمام ، الليلة الماضية، قبضت على إسرائيليين اثنين، "بشبهة التورط في قضية أمنية بإيعاز من جهات استخباراتية إيرانية". وأضافت الشرطة الإسرائيلية أن هذا الحادث يأتي ضمن 22 قضية تولاها الشاباك والشرطة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأوضحت أن ذلك يتواصل "في ظل محاولات متكررة من الاستخبارات الإيرانية لتجنيد إسرائيليين لتنفيذ مهام تهدد أمن الدولة"، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. وجاء في بيان الشرطة الإسرائيلية اليوم أنه تم إصدار "أمر رقابة يمنع حاليا نشر أي تفاصيل تتعلق بالتحقيق وهوية المشتبه بهم". وقد نقلت منصات فلسطينية مشاهد قالت إنها للحظة اعتقال اثنين من المستوطنين الليلة الماضية في طبريا شمال شرقي فلسطين المحتلة، بتهمة تنفيذ عمليات أمنية لصالح إيران. إعلان ويعد هذا الإعلان الإسرائيلي هو الأحدث في سلسلة من الاعتقالات التي نفّذتها إسرائيل بحق أشخاص بتهم التجسس لصالح إيران منذ بداية الحرب على قطاع غزة. وقد طالت عمليات التوقيف السابقة أشخاصا صوّروا قواعد عسكرية أو خططوا لاغتيال مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى. وبالمقابل، أفادت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية للأنباء، اليوم الأحد، بأن شخصين تتهمهما إيران بأنهما عنصران تابعان لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) تم اعتقالهما بينما كانا يجهزان متفجرات ومعدات إلكترونية. ووفق ما نقلته الوكالة عن مكتب المتحدث الرسمي لقوات الشرطة، فإن جهاز المخابرات في شرطة البرز شمال طهران"تمكن من القبض على شخصين من فريق إرهابي تابع للموساد كانوا يعتزمون تصنيع عبوات ناسفة ومواد متفجرة وأفخاخ تفجيرية ومعدات إلكترونية داخل منزل". وأعلنت الشرطة الإيرانية أنها ستعلن عن مزيد من التفاصيل "قريبا"، في اعقاب تقارير إخبارية إيرانية بأن طهران سابقة أفادت بالقبض على 5 أفرد في مدينة يزد (وسط البلاد) بتهمة التقاط صور لأماكن وصفت بـ"الحساسة" و"التعاون مع إسرائيل". ويأتي هذا في ظل المواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران، ضمن رد طهران على الهجوم الإسرائيلي عليها الذي بدأ فجر الجمعة الماضي.

مقال بهآرتس: نتنياهو يقامر بإسرائيل
مقال بهآرتس: نتنياهو يقامر بإسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 33 دقائق

  • الجزيرة

مقال بهآرتس: نتنياهو يقامر بإسرائيل

ترى صحيفة هآرتس – في مقال رأي- أن ما يوصف بالنشوة الناجمة عن هجوم الجيش الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة بدأت تتلاشى، بالنظر إلى الثمن الباهظ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وتذهب الصحيفة إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أقدم على مخاطرة مفرطة، مقامرًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية دون غطاء سياسي وعسكري كافٍ. ويوضح المقال الذي كتبته رافيت هيشت أن نتنياهو حوّل الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى أداة في المفاوضات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإيران، هذا إلى جانب تخليه عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. ويؤكد التقرير أن من سماهم "جوقة الثناء على العملية الرائعة التي نفذها الجيش الإسرائيلي تتلاشى ببطء، حتى الإجماع شبه الكامل في إسرائيل بشأن مبادرة نتنياهو بات لا يغير الحقائق، فبدون التدخل الأميركي في الضربات، لن يتوقف البرنامج النووي الإيراني". وتبين الصحيفة أن من الصعب التخمين بشأن إرادة ترامب أو نواياه في هذا الشأن، غير أنها ترى أن "ترامب سعيدٌ جدًا برؤية نتنياهو يضغط على الإيرانيين كوكيلٍ مفيد، خاصة وأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وليس دافعي الضرائب الأميركيين، هي التي تدفع الثمن". ويستبعد المقال تصديق أن الإيرانيين سيقدمون على ما وصفه بفعلٍ أحمق، كمهاجمة القواعد الأميركية في المنطقة، مما قد يجرّ ترامب بالقوة. كما أنه من غير المؤكد على أنهم سيتحركون للتأثير على أسعار النفط بطريقةٍ من شأنها أن تُسبب تضخمًا هائلًا، وتستفز الولايات المتحدة والعالم الغربي للتحرك ضدها. وتضيف الكاتبة أن "من الأفضل للإيرانيين أن تبقى الحرب بينهم وبين إسرائيل قائمة، وطالما ظل الحال كذلك، فقد أقدم نتنياهو على مخاطرة مفرطة هنا على حدود غير مستقرة. ويشير مقال الصحيفة إلى أن الحكومة مددت الوضع الخاص (حالة الطوارئ) في الجبهة الداخلية حتى 30 يونيو/ حزيران الجاري، موضحة أن تلك الخطوة تعني "السيطرة على مجتمع خائف، منشغل بالبقاء على قيد الحياة، لا أحد يحتج، فالجميع يختبئون ويخشون التعرض لقصف صاروخي ضخم. وتأتي هذه التطورات في ظل المواجهة الإسرائيلية مع إيران، بعد اتهامات متكررة من عائلات الأسرى الإسرائيلين المحتجزين في غزة لنتنياهو بأنه يواصل القتال في القطاع للتضحية بأبنائهم من أجل بقائه في الحكم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store