
أزمة فيلم "أحمد وأحمد".. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
فيلم "أحمد وأحمد" من إخراج أحمد نادر جلال، وتأليف أحمد درويش ومحمد عبد الله سامي، وبطولة أحمد السقا، وأحمد فهمي، وجيهان الشماشرجي. ينافس الفيلم أعمالًا أخرى في الموسم، مثل: "المشروع إكس" ، " ريستارت"، والشاطر، في موسم صيفي باهت حتى الآن، سواء من حيث عدد الأفلام المعروضة أو جودتها.
View this post on Instagram
A post shared by Film Square productions (@filmsquareproductions)
معادلة الضحك والحركة
ينتمي فيلم "أحمد وأحمد" إلى فئة "الأكشن الكوميدي" (Action Comedy)، وهو نوع يمزج بين عناصر الحركة السريعة والمثيرة (الأكشن) وطابع المرح والفكاهة (الكوميديا)، بحيث يُحافظ على التوازن بين الإثارة والضحك.
يقدّم الفيلم نفسه كعمل يسعى إلى الدمج بين الأكشن والضحك الخفيف في آنٍ واحد. وتدور أحداثه حول شاب يُدعى أحمد (أحمد فهمي)، يعود من السعودية بهدف الخطبة، لكنه يُفاجأ باختفاء خاله أحمد (أحمد السقا)، ليكتشف لاحقا أنه فاقد للذاكرة. هذا الفقدان يفتح الباب أمام مغامرات غير متوقعة، ويقود إلى الكشف عن حقيقة مغايرة تماما لهوية الخال، المفترض أنه مدرس كيمياء.
يعتمد الفيلم على توزيع ذكي للمهام التمثيلية: أحمد السقا يتولى الجانب القتالي والحركي، بينما يُسند الجانب الكوميدي إلى أحمد فهمي. هذه المعادلة تسعى إلى استثمار نقاط القوة لدى كل ممثل، لكنها تطرح أيضًا تساؤلات حول مدى التوازن والتكامل بين عنصري الأكشن والكوميديا في البناء الدرامي.
يمكن تحليل كلا الجانبين من خلال مشهد واحد فقط، هو المشهد الافتتاحي للفيلم، حيث يكتشف أحمد فهمي ماضي خاله، وتهاجمهم عصابة داخل المستشفى، ويتولى أحمد السقا القضاء عليهم جميعًا وسط أجواء من التشويق.
تم تصوير هذا المشهد في مواقع متعددة داخل المستشفى، وتصميم الحركة فيه مقبول، وكذلك أداء أحمد السقا. وبالمثل، قدّم أحمد فهمي أداء لا بأس به في تجسيد شخصية ابن الأخت المرتبك، الذي لا يفهم ما يحدث من حوله ويجد نفسه متورطا رغمًا عنه.
لكن تبرز بعض المشكلات في هذا المشهد، أولها أنه طويل جدًا كمشهد افتتاحي، بل حتى كمشهد أكشن بشكل عام. وهذه الإطالة تتكرر في معظم مشاهد الحركة في الفيلم، ما يشير إلى خلل في إدارة الإيقاع.
أما الجانب الكوميدي، فقد تم تصميمه ليكون خلفية لمشاهد الأكشن، ويعتمد أساسا على ردود فعل أحمد فهمي المنبهرة والمندهشة دوما من حقيقة خاله، وهو نمط واحد من الكوميديا يتكرر كثيرا ولا يشهد تنوعًا يُذكر.
View this post on Instagram
A post shared by Film Square productions (@filmsquareproductions)
ضعف البناء الدرامي وسهولة التحديات
يعاني سيناريو فيلم "أحمد وأحمد" من فقر درامي واضح؛ فالنص لا يتجاوز كونه ملخصًا عامًا تدور حوله مغامرات ومطاردات متكررة، من دون وجود تطور فعلي في الشخصيات، أو تصاعد درامي ملموس في الأحداث. العالم السينمائي للفيلم ضيّق ومسطّح، خالٍ من التعقيد أو العمق، وكأن كل شيء يسير في خط مستقيم دون أي تحديات تُذكر.
الكوميديا، رغم فاعليتها اللحظية، لا تُضيف الكثير إلى البناء العام، بل تعزز بساطته، لكنها على الأقل تمنح أحمد فهمي مساحة جيدة للتألق، ولا يمكن القول إنه كان مهمشًا.
أما من ناحية الإخراج، فمشاهد الأكشن مصوّرة بكفاءة مقبولة، وبعضها يتميز بتكوين بصري جذاب، واستخدام جيد للألوان والمؤثرات. غير أن هذه الجمالية تصطدم بشعور عام بأن كل شيء سهل للغاية: المهام تُنجز دون صعوبات، والخطط تنجح بدقة متناهية، ولا يشعر المشاهد بوجود خطر حقيقي أو توتر درامي، مما يُضعف تأثير مشاهد الحركة.
من جهة أخرى، فإن ظهور ضيوف الشرف لم يكن ذا قيمة تُذكر، ولم يُضف شيئًا حقيقيًا إلى الفيلم. فمشاهد حاتم صلاح كطبيب نفسي يستخدم التنويم المغناطيسي، أو غادة عبد الرازق في دور الزوجة السابقة للخال أحمد، أو أحمد عبد الوهاب في دور سراج، جميعها كانت بلا فاعلية تُذكر، بل تحولت إلى عبء على الإيقاع العام للفيلم.
أما جيهان الشماشرجي، فقد ظهرت في دور محدود، تؤدي فيه شخصية خطيبة أحمد فهمي، وتكتفي بمرافقته في مغامراته مع خاله، دون أن يكون لها تأثير فعلي في تطوّر الأحداث.
View this post on Instagram
A post shared by Film Square productions (@filmsquareproductions)
لا يمكن اعتبار "أحمد وأحمد" فيلما سيئا بالمطلق، لكنه بالتأكيد ليس فيلما جيدا. فلا الكوميديا تثير ضحكا حقيقيا، ولا الأكشن يبلغ درجة الإثارة المؤثرة. إنه عمل يقع في منطقة "المتوسط المقبول"، وهي منطقة مألوفة لكل من أحمد فهمي وأحمد السقا، اللذين لم يُعرفا في السنوات الأخيرة بأعمال تُقدّم إضافة فنية حقيقية. ومع ذلك، يُمكن اعتبار الفيلم خطوة متقدمة نسبيًا في مسيرتهما، مقارنة ببعض ما قدماه من قبل.
وعلى صعيد الموسم السينمائي الصيفي، يُعد "أحمد وأحمد" حتى الآن أفضل ما عُرض تجاريًا، لا لأنه عمل مميز، بل لأنه لم يقع في فخ الرداءة مثل "ريستارت"، ولم يكن مملًّا إلى حد الإزعاج مثل "المشروع إكس" أو "في عز الضهر".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة
نُقل الفنان المصري محمد صبحي، صباح اليوم الثلاثاء، إلى أحد المستشفيات بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة، استدعت إجراء فحوصات طبية عاجلة للاطمئنان على حالته. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن الوعكة الصحية جاءت نتيجة للإرهاق الشديد بسبب انشغاله المكثف في بروفات عمل فني جديد، إلى جانب متابعته لمراحل المونتاج الخاصة بإحدى المسرحيات. ولا يزال الفنان محمد صبحي تحت الملاحظة الطبية، ويرافقه شقيقه الفنان مجدي صبحي داخل المستشفى إلى حين استقرار حالته. وقد حرص مجدي صبحي على طمأنة جمهور شقيقه من خلال منشور على حسابه الرسمي في فيسبوك، عبّر فيه عن شكره لكل من تواصل وسأل، مؤكدًا أن محمد صبحي ما زال يخضع للفحوصات الطبية اللازمة. وطمأن نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي الجمهور بشأن الحالة الصحية للفنان محمد صبحي، مؤكدا أن وضعه مستقر وبخير، وأن ما جرى كان نتيجة للإرهاق الشديد والإجهاد، مشيرا إلى أنه يخضع حاليا لفحوصات وتحاليل داخل المستشفى تحت إشراف طبي. وأوضح زكي أنه يتابع الحالة بنفسه، وأن صبحي سيعود إلى منزله خلال ساعات فور الانتهاء من الإجراءات الطبية والاطمئنان الكامل على حالته. كما تمنى الفنان خالد سرحان له الشفاء العاجل عبر منشور له على الفيسبوك وكتب: دعاء بالشفاء العاجل للفنان العظيم محمد صبحي. يُعد الفنان محمد صبحي، المولود عام 1948، من أبرز الأسماء في المسرح المصري، حيث كرّس معظم نشاطه الفني خلال السنوات الأخيرة لهذا الفن. وكانت آخر أعماله الدرامية على الشاشة الصغيرة عام 2013 من خلال مسلسل "ونيس والعباد وأحوال البلاد"، وهو الجزء الثامن من السلسلة الشهيرة "يوميات ونيس" التي حققت له شهرة واسعة. ومنذ ذلك الحين، ركّز صبحي على المسرح، فقدم عام 2022 مسرحية "عيلة اتعملها بلوك"، كما عاد مؤخرًا بمسرحية "فارس يكشف المستور"، وهو عمل استعراضي غنائي تولى إخراجه وشارك في تأليفه إلى جانب الكاتب أيمن فتيحة، بينما كتب الأشعار عبد الله حسن، ووضع الموسيقى والألحان شريف حمدان.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
إعادة تدوير الحنين.. كيف تحول نجوم الفيديو كليب بمصر إلى "ميمز"؟
إذا كنت من مواليد الفترة بين عامي 1985 و1995، فإن عمرك اليوم يتراوح بين 30 و40 عامًا، ما يجعلك ضمن الفئة العمرية الأكثر استهدافًا من قِبل الحملات التسويقية بمختلف أنواعها. فأنت الآن في موقع اتخاذ القرار فيما يخص الإنفاق والادخار والاستثمار، سواء تعلق الأمر بشراء عقار أو سيارة أو هاتف ذكي، أو حتى باقتناء مستلزمات مكتبية أو منتجات تمويلية. وبحسب هذه المعطيات، فإن ما يقرب من 80% من الإعلانات التي تظهر عبر مختلف الوسائط موجهة إليك تحديدا، بهدف جذب انتباهك أو كسب رضاك كمستهلك أساسي ومؤثر في السوق. الحنين إلى مطلع الألفية من أسهل الحيل التسويقية، التي يلجأ إليها صناع الحملات هو اللعب على وتر الذكريات والحنين إليها، لذلك بالتأكيد شاهدت إعلانات رمضانية يظهر فيها الراحل فؤاد المهندس (عمو فؤاد) بعد وفاته، إلى جانب شخصيات رمضانية اعتدنا مشاهدتها في طفولتنا. تلك الإعلانات التي عُرضت منذ أكثر من 10 سنوات، كانت تداعب مشاعر الحنين لدى مراهقي التسعينيات ونهاية الثمانينيات، ومع التقدم في الزمن والعمر، تطور الحنين إلى بداية الألفية، زمن الفيديو كليب وبدايات الإنترنت، التي بطبيعة الحال صارت بئرًا لا تنضب من المشاهد الكوميدية، والصور الفكاهية و"الميمز" (Memes). إعلانات بطعم "الميمز" أطلق أحد المصارف المصرية في يوليو/تموز الماضي، حملة إعلانية بدت ظريفة في بدايتها، اعتمد صانعها على مخزون من الذكريات الآتية من حقبة مطلع الألفية، والتي تحولت مع مرور الوقت إلى "ميمز" واسعة الانتشار بين الجمهور المصري المستهدف. ومن أبرزها الصورة الشهيرة لمطرب التسعينيات وأحد نجوم زمن الفيديو كليب إيهاب توفيق من فيديو كليبه " أكتر من كده إيه" والتي أصبحت تعبيرا عن الأهمية بشكل عام والأهمية المصطنعة بشكل خاص، وانتشرت لفترة طويلة بين مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. أعاد صانع الإعلان تجسيد المشهد الأصلي بكامل تفاصيله: إيهاب توفيق بطلا، مرتديا نظاراته الشمسية، منهمكا في العمل على حاسوبه المحمول الكبير بينما يجلس في المقعد الخلفي لسيارة خاصة. هذا المشهد، الذي تحوّل إلى "ميم"، شكّل مدخلًا ساخرًا لإعلان كوميدي، اعتمد في حواره على عبارات شهيرة من أغنيات إيهاب توفيق. في نهاية الإعلان، يظهر المنتج المستهدف بشكل ذكي، بعد أن تم التمهيد له بطريقة مرحة ومبتكرة. وقد لاقى الإعلان رواجًا واسعًا، إذ حصد عددا كبيرا من المشاهدات والتفاعلات الطريفة، إلى جانب الإشادة بالفكرة والتنفيذ، وبحُسن استثمار رصيد إيهاب توفيق الفني في جذب الانتباه وتسليط الضوء على المنتج. كان هذا الإعلان واحدا من 3 إعلانات ضمن حملة إعلانية كبرى، تتبع نفس الوصفة، البطلان الآخران من مغني التسعينيات ونجوم فيديو كليب مطلع الألفية أيضًا، هما هشام عباس ومحمد محيي، لكن الإعلانين الآخرين تخليا عن العنصر البصري اعتمادًا على كلمات الأغنيات الشهيرة فقط؛ (قول عليا مجنون، شوفي، بالحب هتاخدي عيني في إعلان هشام عباس، و(اتخنقت، يا ويلي ويلي ويلي يابا) في حالة محمد محيي. وربما لافتقاد العنصر البصري اللافت لم يحقق إعلانا هشام عباس ومحيي نفس الأثر المرجو، فرغم اعتمادها على كلمات شكلت جزءًا من ذكريات جيل اعتاد الجلوس أمام شاشات الفيديو كليب أو سماع أشرطة الكاسيت حين إصدارها، لكنها فقدت العنصر البصري المرتبط بثقافة "الميمز" الحالية. استعارة الحالة واستعادة الذكرى منذ أكثر من عامين وتحديدًا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، استعان الكاتب والممثل بالأب الروحي لموسيقى التسعينيات، حميد الشاعري، والنجم هشام عباس لإطلاق أغنية من إنتاجه، تناسب احتفالات رأس السنة الجديدة حينها بعنوان "السهر والانبساط" واستعار فيها عناصر كثيرة من ملامح تلك الفترة "التسعينياتية"، بصريا وسمعيا. في الأغنية المصورة ظهرت الفتيات العارضات بملابس يعود طرازها للنصف الثاني من التسعينيات، مع سيارة ضخمة عُلقت عليها إضاءات لتشبه سيارات الآيس كريم في شوارع قاهرة التسعينيات، وسمعيا جاء التوزيع الموسيقى مقاربا بشكل ما إلى موسيقى الفترة وآلاتها، وبالطبع صوت حميد الشاعري الهادئ، وحققت الأغنية رواجا في حينها وخلال عامين حققت أكثر من 15 مليون مشاهدة. ورغم محدودية نجاح الأغنية وارتباطها بالجمهور المصري أكثر من الجمهور العربي، فقد كانت دافعا لإعادة التجربة عبر أغنية أخرى من تلك المرحلة؛ إذ أعاد مسلسل "عمر أفندي" بطولة أحمد حاتم إحياء أغنية "لولاش" الشهيرة، بالتعاون مع مطربها وموزعها حسام حسني. لم تكن الحملة الإعلانية سالفة الذكر، والاستعارات الأخرى هي أولى محاولات الاستعانة بنجوم التسعينيات أو علاماته الرائجة، فالحنين إلى هذه المرحلة صار تيمة تجارية وفنية منذ أعوام قليلة، فعلها منذ حوالي 7 سنوات صناع مسلسل "الوصية" عام 2018، بالاستعانة بهشام عباس أيضًا، في إحدى حلقات المسلسل. وفي مشهد مدته دقائق تعرّض صناع "الوصية" بالنقد الساخر لموجة من هذه الأغنيات التي أنتجتها حقبة نهاية التسعينيات ومطلع الألفية، بكلمات تتسم بالحزن على إيقاعات راقصة، وبمشاركة أحد نجوم هذه الموجة ومن هذا المشهد ولدت كوميديا واضحة تنتقد وتسخر وتسترجع الذكريات. "عدى زماننا وسبق" تجلّت مشاعر النوستالجيا والحنين إلى الماضي بوضوح في فيديو كليب "في زحمة الأيام"، الأغنية الرباعية التي جمعت حميد الشاعري، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، ومصطفى قمر. جاءت الأغنية بلحن كلاسيكي يستحضر روح التسعينيات، مصحوبًا بآلات وترية تضيف عمقا شعوريا حزينا، وكلمات تعبّر عن مرور الزمن، والفقد، وعبثية محاولات اللحاق بالحلم. تقول كلمات الأغنية: "وأما السنين بتفوت والغنوة تبقى سكوت، وكل شيء محسوب، وأما السنين بتفوت إحساسنا ليه بيموت؟ بإيدين قدر مكتوب.. عدى زماننا وسبق، طلع البطل من ورق، والحلم بات مهزوم…". بمشاهد رمزية وكلمات شاعرية، يُذكرنا العمل بأن الزمن لا يعود، وأننا مهما تقدمنا في العمر، سنبقى نعود داخليا إلى مراحل سبقت، نعيشها مجددًا ولو في الخيال. فكل جيل يحمل معه ذاكرته، ويمر بلحظة يكتشف فيها أن "العمر عدى من غير ما يحس"، وأن ما كان يبدو عاديا في الماضي أصبح الآن سببًا فيض مشاعر. ومع تسارع الزمن، لا بد أن الأجيال الحالية -صناع القرار الاستهلاكي في المستقبل- سيحملون حنينهم الخاص. تُرى، ما اللحظات أو الأغاني أو الصور التي ستحرّك مشاعرهم بعد عقد من الآن؟ هل سيكون لهم أيضًا زمن يتمنون عودته، ويشعرون أن ملامحه انزلقت من بين أيديهم دون أن يشعروا.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
فيلم "جمعة أغرب".. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
بعد سنوات من الغياب المتقطع عن الشاشة الكبيرة، تعود الممثلة الأميركية ليندسي لوهان إلى السينما من خلال الجزء الجديد من فيلم "جمعة مجنونة" (Freakier Friday) الذي حمل هذه المرة عنوان "جمعة أغرب" (Freakier Friday). إلا أن هذا الظهور لم يكن مجرد استكمال لقصة ناجحة، بل حمل في طياته تحولات فنية وإنسانية، وصداما مباشرا مع الأنماط الصارمة لهوليود. عودة فنية جديدة لليندسي لوهان في 22 يوليو/تموز الماضي، حضرت لوهان العرض الأول لفيلم "جمعة أغرب" في لوس أنجلوس، لتعلن رسميا عودتها إلى السينما، وهي التي اشتهرت عالميا بدور "آنا كولمان" في النسخة الأصلية من الفيلم الصادر عام 2003. هذه المرة، تعود "آنا" كامرأة ناضجة، وأم عزباء لفتاة مراهقة، في حبكة تدور حول تبادل أجساد بين الأجيال، لكنها تحمل بُعدا نفسيا أكبر من مجرد الفانتازيا الكوميدية. لوهان قالت لـ"رويترز" خلال العرض، "شعرت بأن الأمور اكتملت من حولي، والتوقيت كان مذهلا، إذ أصبحت أما حديثة وتمكنت من تجسيد دور الأم في الشخصية التي أؤديها… هذه أول مرة أتمكن فيها من فعل ذلك على الشاشة". فقد أنجبت طفلها الأول في عام 2023، أي قبل عام واحد من بدء تصوير الفيلم، وهو ما منح الشخصية بعدا واقعيا لم يكن متاحا في السابق. الجزء الجديد، من إخراج نيشا غناترا، يعيد أيضا الممثلة جيمي لي كورتيس إلى دور الأم "تيس"، مع ظهور شخصيات جديدة أبرزها "هاربر" ابنة آنا، و"ليلي" ابنة خطيبها الجديد. يقود التوتر بين الفتاتين إلى سلسلة من التبادلات الجسدية، في حبكة أكثر جنونا وتعقيدا من الفيلم الأصلي، الذي كانت ميزانيته آنذاك 26 مليون دولار، وحقق أكثر من 160 مليون دولار عالميا. شارك أيضا في الفيلم تشاد مايكل موراي بدور "جيك"، الصديق السابق لآنا، الذي قال عن أجواء التصوير، "كان كل شيء مشابها لما مضى، لكن أجمل. شعرنا بترابط حقيقي مع الفيلم الأصلي. كان الجميع يحب العمل لدرجة أن لا أحد أراد مغادرة موقع التصوير". لوهان تواجه "سجن" الأدوار النمطية رغم الحفاوة بعودتها إلى واحد من أشهر أدوارها، لم تُخف لوهان خيبة أملها من حصارها الطويل داخل نمط معين من الأدوار. ففي مقابلة مع صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، نشرها موقعا "ديد لاين" و"فارايتي" المختصان بالفن، قالت "أعتقد أنني وُضعت في قالب معين… حتى اليوم، لا بد أن أناضل من أجل أدوار مختلفة، وهذا أمر محبط". ورغم أنها سبق أن شاركت في أعمال ذات طابع درامي مثل "شريك في بيت ريفي" (A Prairie Home Companion) عام 2006 إلى جانب ميريل ستريب وودي هارلسون، لم تستطع الخروج تماما من تصنيف الممثلة الشابة الكوميدية أو المتمردة. عبّرت بوضوح، "أنتم تعرفون أنني قادرة على القيام بتلك الأدوار. فدعوني أفعلها!"، قبل أن تضيف بنبرة من التحدي "مع مرور الوقت، إن تواصل معي مارتن سكورسيزي، فلن أقول لا". ويرى كثيرون أن اللوم لا يقع على الصناعة وحدها، بل أيضا على تصورات الجمهور الذي كثيرا ما يربط الممثلين بشخصياتهم المبكرة. لذلك، ترى لوهان أن كسر هذه الحلقة يستدعي الإصرار لا التذمر فقط، "يجب أن أكسر هذه الدائرة وأفتح الأبواب أمام آفاق جديدة، بحيث لا يتبقى للناس خيار سوى رؤيتي بشكل مختلف". بحث عن الذات في ظل أضواء قاسية ليست تجربة لوهان في هوليود مجرد مسيرة مهنية، بل رحلة شخصية معقدة وسط ضغوط الشهرة والتعرض المفرط للإعلام. ففي الجزء الآخر من حديثها لصحيفة "ذا تايمز"، استرجعت الممثلة الأميركية البالغة من العمر 39 عاما اللحظات الصعبة التي مرت بها قائلة، "لا أريد لعائلتي أن تمر بتجربة أن تطاردها عدسات المصورين بالطريقة التي طاردوني بها… أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بشكل حاد بسبب تلك الأمور". هذه التصريحات تلقي الضوء على واقع نجمات هوليود الشابات في أوائل الألفينيات، حيث لم تكن الحماية النفسية ولا الخصوصية في صلب اهتمامات الصحافة الترفيهية. قالت لوهان بصراحة "لقد مررت بلحظات مرعبة في حياتي – مواقف شديدة الانتهاك للخصوصية. مرعبة فعلا. وأدعو ألا تعود تلك الأيام أبدا. ليست آمنة. وليست عادلة". فبعد مرحلة الاندفاع الفني، وجدت نفسها بحاجة إلى "لحظة هدوء"، كما وصفتها، حيث قررت التوقف مؤقتا عن العمل لتعيش حياة حقيقية، بعيدة عن الأضواء، تنتظر عودة الشغف لا الأدوار. مآزق التكرار والحنين للسينما الكلاسيكية وبعيدا عن فيلم "جمعة أغرب"، تضع لوهان اليوم قدما أخرى في ميدان الإنتاج، إذ تستعد لتقديم دور البطولة والإنتاج التنفيذي في مسلسل إثارة بعنوان "كاونت ماي لايز" (Count My Lies) لمنصة "هولو". المسلسل مستند إلى رواية تحمل العنوان نفسه، وتدور أحداثه حول مربية ماكرة تتسلل إلى بيت مليء بالأسرار. ويشاركها في إنتاجه الثنائي إسحق أبتاكر وإليزابيث بيرغر، المنتجان التنفيذيان السابقان لمسلسل "ذيس إيز آس" (This Is Us). هذه الخطوة لا تعبر فقط عن تنويع في الأدوار، بل عن محاولة لاستعادة السيطرة على السرد، واختيار القصص التي تحب أن تكون جزءا منها. كما عبرت عن افتقادها لنوعية أفلام تروي قصصا مثل "كل شيء عن إيف" (All About Eve) أو "الإفطار عند تيفاني" (Breakfast at Tiffany's)، مشيرة إلى أن السينما اليوم باتت تفتقر إلى هذا النوع من الأعمال، وهو ما تراه فراغا فنيا تتوق إلى ملئه. عودة ليندسي لوهان لا تمثل خبرا فنيا أو لحظة نوستالجيا لمحبي الألفينيات فحسب، بل محاولة لإعادة تموضع جريئة لفنانة عانت وواجهت وحلمت بأن تُرى كما هي: ممثلة قادرة على الأداء، وروح إنسانية تسعى لفن صادق ومعبر. وسط هوليود التي تتغير ببطء، تشكل لوهان اليوم حالة خاصة تستحق المتابعة، ليس بسبب تاريخها فقط، بل بما تحمله من رغبة أصيلة في أن تبدأ فصلا جديدا.