logo
من القمة إلى الهاوية.. القصة الكاملة لرامي مخلوف

من القمة إلى الهاوية.. القصة الكاملة لرامي مخلوف

الجزيرةمنذ 2 أيام

يُعد رامي مخلوف الشخصية الاقتصادية السورية الأبرز على مدار فترة طويلة من حكم ابن خاله الرئيس المخلوع بشار الأسد ، حيث ارتبط اسمه بالنفوذ الاقتصادي الهائل، والسيطرة على قطاعات حيوية، والاتهامات بالفساد خلال حكم عائلة الأسد.
في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري وُلد رامي في 10 يوليو/تموز عام 1969، وهو الابن الأكبر لمحمد مخلوف، شقيق أنيسة مخلوف ، زوجة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد ، مما يجعل رامي ابن خال بشار الأسد، ولهذا فقد نشأ في عائلة ذات نفوذ اقتصادي وسياسي كبير.
محمد مخلوف والبداية
تعود قصة هذه العائلة إلى عام 1972، حين تولى محمد مخلوف أخو أنيسة إدارة المؤسسة العامة للتبغ، وظل على رأسها حتى إبعاده عنها عام 1985، ثم تولّى فيما بعد إدارة المصرف العقاري، وبحسب بعض التسريبات الصحفية الاستقصائية فإن محمد مخلوف، فور تسلمه منصب إدارة المصرف العقاري السوري، فرض تسعيرة على القروض الممنوحة من المصرف بنسبة فائدة بلغت 15%، واستند إلى هذه التسعيرة في منح قروض ضخمة بمليارات الدولارات، ما أتاح له تحقيق أرباح شخصية مباشرة.
ومن خلال موقعه في المؤسسة العامة للتبغ، ولاحقا في المصرف العقاري، استطاع مخلوف أن يراكم ثروات ضخمة لم تُعرف قيمتها بدقة على مدى سنوات من العمل في هذين القطاعين الحيويين، وبحلول عام 1980، تنبّه مخلوف إلى الأهمية الضخمة لقطاع النفط السوري الوليد آنذاك، وما يدرّه من أموال هائلة، فانتقل إلى الاستثمار فيه، إذ أصبح شريكا في "شركة الفرات للنفط"، وهي شركة مختصة بالتنقيب عن النفط واستثمار الحقول.
وفي العام نفسه، قام محمد مخلوف بتأسيس شركة "ليدز" النفطية، التي اتخذت من العاصمة السورية دمشق مقرا لها، بالشراكة مع قريبه رجل الأعمال نزار أسعد، ولإخفاء صلته المباشرة بالشركة، عمد مخلوف إلى تسجيل حصته باسم غسان مهنا، شقيق زوجته، الذي كان يشغل سابقا منصبا في شركة النفط والغاز السورية، وقد دخلت "ليدز" بعد ذلك إلى سوق الاستثمار في قطاع النفط، مستفيدة من النفوذ الواسع الذي تمتع به مخلوف داخل مؤسسات الدولة الاقتصادية.
ورغم كل ذلك، لم يكن محمد مخلوف وابنه رامي من المتنفذين على القرار الاقتصادي والسياسي الأكبر في البلد في ظل حافظ الأسد، إلى أن سنحت لهما الفرصة مع تفاقم وضع حافظ الصحي عام 1998، وبداية انتقال السلطة إلى ابنه بشار، حيث بدأ نفوذ العائلة، وخاصة رامي مخلوف، بالتوسع بشكل غير مسبوق.
ومع تقلد بشار السلطة عام 2000، أدى ضعف خبرته السياسية والاقتصادية إلى بروز شخصية خاله محمد مخلوف بصفته مستشارا فعليا ومؤثرا خلف الكواليس، وقد استفاد مخلوف من ثقة الأسد الابن وإعجابه بطريقة إدارته ومهاراته الاقتصادية، ليضع خطة إستراتيجية تهدف إلى إحكام السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، شملت أهم القطاعات الحيوية مثل النفط، والاتصالات، والقطاع المصرفي.
وبحسب بعض التقارير الاقتصادية وقتها، تولى مخلوف الإشراف على قطاع النفط بجميع جوانبه، من التنقيب إلى التصدير والاستيراد، وأسّس في هذا السياق شركات بالشراكة مع كلٍّ من غسان مهنا ونزار أسعد، بينما أوكل لابنه رامي إدارة قطاع الاتصالات، الذي أصبح لاحقا أحد أبرز مصادر النفوذ المالي للعائلة، ولا شك أن كل ذلك كان بالتعاون مع آل الأسد.
فوفقا للمصادر الاقتصادية السابقة ذاتها، فإن عائلة مخلوف والأسد كانتا تسيطران بين عامي 2000-2007 على أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، الذي قُدّر حينها بنحو 60 مليار دولار، فيما بلغت الثروة الإجمالية للعائلتين أكثر من 10 مليارات دولار، في مؤشر واضح على حجم التمركز المالي الذي حققته هذه الشبكة العائلية خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد.
إمبراطورية رامي
أما رامي فقد تلقى تعليمه في سوريا، وتدرب على يد والده في العمليات التجارية، وشاركه في أغلبها، حيث بدأ نشاطه في سن مبكرة خلال فترة الحظر التجاري في الثمانينيات، كما استغل هذه الفترة لتهريب المواد الغذائية والكهربائية من لبنان وتركيا، مستفيدا من حصانة عائلته، كما تزوج من ابنة محافظ درعا وليد عثمان، مما عزز شبكة علاقاته الاجتماعية والسياسية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فقد امتدت مصالح مخلوف الاقتصادية إلى قطاعات إستراتيجية عدة، شملت الاتصالات والنفط والغاز، والإنشاءات، والمصارف، والطيران، وتجارة التجزئة، كما رأى محللون سوريون أن مخلوف مارس هيمنة شبه مطلقة على الاقتصاد السوري، إلى درجة أن أي استثمار محلي أو أجنبي لم يكن ليتم دون موافقته أو مشاركته المباشرة.
وفي عام 2008، قُدِّرت ثروته الشخصية بنحو 6 مليارات دولار أميركي، وكان يمتلك شركة "سيريتل"، إحدى شركتَيْ الهاتف المحمول في البلاد. وامتلك استثمارات واسعة في قطاعات العقارات والمصارف والأسواق الحرة والمناطق التجارية على الحدود اللبنانية، فضلا عن المتاجر الراقية.
كما سعى رامي مخلوف إلى الحصول على الوكالة الحصرية لشركة "مرسيدس" في سوريا، ولتحقيق ذلك مارس ضغوطا تشريعية تمثلت في تمرير قانون يمنع الشركة الألمانية من تصدير قطع الغيار إلى السوق السورية، ما لم تمنحه حق الامتياز الحصري، وقد جاء هذا التحرك رغم محاولات "مرسيدس" الإبقاء على شراكتها الطويلة مع أسرة سنقر، التي كانت الوكيل التقليدي لها في سوريا منذ عقود، وقد تمكّن مخلوف في نهاية المطاف من فرض سيطرته على هذا القطاع عبر استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي المتنامي لديه.
إضافة لما سبق، امتلك رامي مخلوف كذلك الحصة الأكبر في "شام القابضة"، التي تُعد من أكبر التكتلات الاستثمارية في قطاع السياحة والعقارات الفاخرة في سوريا، حيث شملت استثماراته مشاريع كبرى في الفنادق والمطاعم الراقية، من خلال شركات تابعة مثل "المدائن"، إلى جانب مساهمته في شركة "خصائص بينا"، التي تنشط في تطوير مشاريع عقارية متعددة، وفي قطاع الطيران فقد فرض حضوره عبر شركة "لؤلؤة الشام"، أول شركة طيران خاصة تحصل على ترخيص للعمل في البلاد.
وقد امتد نشاط مخلوف الاقتصادي إلى القطاع المصرفي، حيث شارك في ملكية عدد من البنوك الخاصة التي أُسست في سوريا في مطلع الألفية، منها البنك الإسلامي الدولي، وبنك بيبلوس، وبنك البركة، وبنك الشام، وبنك الأردن، إلى جانب استثمارات في شركات التأمين والخدمات المالية. أما في مجال الطاقة، فكانت لدى مخلوف مصالح مباشرة من خلال شراكته مع "جلف ساندز بتريليوم" البريطانية العاملة في قطاع النفط والغاز.
كما تنوع نشاطه العقاري من خلال شركات مثل "الفجر"، و"باترا القاعدة"، و"الحدائق"، التي تنفذ مشاريع عمرانية وتجارية واسعة، وفي قطاع الإعلام، امتلك مخلوف صحيفة "الوطن" اليومية، وقناة "الدنيا"، وتلفزيون "نينار"، إضافة إلى استثمارات في مجال الإعلانات عبر شركة "بروميديا"، كما امتلك مدرسة "الشويفات الدولية"، وهي من أبرز المؤسسات التعليمية الخاصة في البلاد.
وفي المجال الصناعي سيطر مخلوف على شركة "إيلتيل ميدل إيست" إلى جانب شركات مثل "تي بي راماك"، كما عُد المستورد الحصري للتبغ في سوريا، سائرا على درب والده من قبل، وقد أشارت تقارير قانونية إلى أنه نقل ملكية أصول كبيرة في جزر فيرجن الأميركية إلى شقيقه إيهاب، بعد رفع دعاوى قضائية ضده بسبب تلك الحيازات الخارجية.
وبحسب بيار صادق في سلسلة مقالات كتبها بعنوان "صعاليك سوريا الجدد" كانت قد صدرت قبل الثورة السورية بسنوات، فإن نشاط رامي مخلوف الخارجي بدأ بعد مقتل الحريري، إذ إنه حوّل أموالا إلى بعض البلدان ليستثمرها.
حرص رامي مخلوف على السير على درب والده محمد مخلوف بالابتعاد شبه الكلي عن الإعلام لإدارة الإمبراطورية الاقتصادية لآل مخلوف والأسد بهدوء، ولهذا السبب اعتبر الكثير من المحللين أن هذه الإمبراطورية الاقتصادية والصناعية والإعلامية الكبيرة كانت تعمل ليل نهار على غسل أموال العديد من الأمور غير المشروعة، وصفقات فساد بالمليارات.
كما حافظَ مخلوف على علاقات وثيقة مع بشرى الأسد، الشقيقة الكبرى للرئيس المخلوع بشار الأسد، لنفوذها الكبير، كما ربطته صلات متينة بزوجها آصف شوكت، أحد أبرز المسؤولين الأمنيين السابقين في البلاد، إضافة إلى ذلك فقد جمعته شراكات اقتصادية متعددة مع ماهر الأسد الشقيق الأصغر لبشار، و إمبراطور الكبتاغون في البلاد، ولكن أفادت تقارير بوقوع توتر بين الرجلين، الأمر الذي يُعتقد أنه دفع مخلوف في عام 2005 إلى تحويل جزء من أنشطته التجارية إلى بعض الدول، وسط تحليلات تُشير إلى أنه كان على وشك أن يُستخدم "كبش فداء" في حملة دعائية ضد الفساد داخل النظام.
وفي فبراير/شباط 2008، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تقريرا اتهمت فيه رامي مخلوف بالاستفادة من منظومة الفساد في سوريا، وأشارت إلى أن قُربه من النظام السوري منحه قدرة على احتكار سلع مربحة في السوق المحلية، كما اتهمته بتوظيف نفوذه للضغط على القضاء واستخدام أجهزة الاستخبارات لترهيب منافسيه في المجال التجاري، وذكرت الوزارة أن مخلوف استخدم هذه الوسائل للحصول على عقود حصرية مع شركات أجنبية ومنح امتيازات داخلية مربحة.
مخلوف والهاوية
وفي مايو/أيار 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة على رامي مخلوف بتهمة تمويل النظام السوري وتقديم الدعم اللوجستي له في قمع الاحتجاجات الشعبية خلال الثورة السورية ، ورأى الاتحاد الأوروبي أن أدوار مخلوف المالية والاقتصادية ساعدت السلطة في مواصلة العنف ضد المتظاهرين، ما وضعه في صدارة قائمة الشخصيات المستهدفة بالعقوبات الغربية خلال تلك المرحلة.
وقد اعتبر الثوار السوريون رامي مخلوف أحد أبرز رموز الفساد في البلاد، ووُجِّهت له اتهامات مباشرة خلال انتفاضة عام 2011، حيث رُدد اسمه في المظاهرات بوصفه "لصًّا"، ويرى معظم المحللين السياسيين أن ثروته الهائلة جاءت نتيجة علاقاته الوثيقة بالنظام السوري، مستفيدا من الامتيازات التي وفّرتها له صِلاته العائلية.
وقد ارتبط اعتقال المعارض السوري رياض سيف بشكل مباشر بانتقاداته الحادة لرامي مخلوف، وكان سيف، عضو مجلس الشعب السوري سابقا، من الأصوات البارزة التي انتقدت الحكومة خلال فترة ما عُرف بـ" ربيع دمشق" عام 2001، رغم تلقيه عدة تحذيرات من السلطات، حيث أطلق في سبتمبر/أيلول من العام ذاته حملة لمكافحة الفساد، ركّز فيها على الطريقة التي مُنحت بها رخص الهاتف المحمول، بما فيها الترخيص الذي حصلت عليه "سيريتل"، ولكن سرعان ما فقد سيف حصانته البرلمانية واعتُقل، ليقضي خمس سنوات في السجن.
وخلال الثورة السورية عام 2011، وجّه نشطاء المعارضة اتهامات لمخلوف بتمويل مظاهرات مؤيدة للنظام داخل سوريا وخارجها من خلال تقديم الأعلام واللافتات الداعمة، بالإضافة إلى وجبات الطعام ومبالغ مالية للمشاركين، واتُّهم باستخدام أدوات اقتصادية لتصنيع مشهد من الدعم الشعبي للنظام في وجه الاحتجاجات الواسعة، ما أسهم في تأجيج غضب المحتجين ورفع وتيرة الانتقادات ضده.
وفي خطوة غير متوقعة، وفي 16 يونيو/حزيران 2011، أعلن رامي مخلوف قراره بالخروج من عالم الأعمال في سوريا، في خطوة اعتُبرت محاولة لامتصاص غضب الشارع السوري، ولكن رغم هذا الإعلان، استمرت الانتقادات الموجهة له، واعتبره المتظاهرون أحد أبرز أوجه الفساد والاستغلال الاقتصادي المرتبطين بشكل مباشر برئاسة بشار الأسد، وهو ما جعله من أكثر الشخصيات المكروهة في صفوف الحراك الشعبي.
ويبدو أن هذا الحراك وخطورته جعل مخلوف يتجه لتأمين أمواله واستثمارها في الخارج، فقد أوردت منظمة "غلوبال ويتنس" الدولية المعنية بمكافحة الفساد أن أفرادا من عائلة مخلوف يمتلكون عقارات تُقدَّر قيمتها بنحو 40 مليون دولار داخل اثنتين من أبرز ناطحات السحاب في العاصمة الروسية موسكو، وبحسب تقرير المنظمة، فإن هذه الممتلكات، التي جرى الاستحواذ عليها بين عامَيْ 2013-2019، تقع في مواقع إستراتيجية داخل الحي التجاري الراقي، وتحديدا ضمن مُجمّعَيْ "مدينة العواصم" و"برج الاتحاد الفيدرالي".
كما أكدت المنظمة أن عائلة مخلوف كانت تسيطر على ما يقارب 60% من الاقتصاد السوري، وأشارت العديد من الأدلة إلى أن بعض المعاملات المالية ذات الصلة بشراء العقارات في موسكو تمّت بطريقة منظمة تهدف إلى إخفاء العلاقة المباشرة للعائلة بهذه الأصول، من خلال هياكل قروض وشركات وسيطة.
ورأت "غلوبال ويتنس" أن عمليات الشراء تلك تمثل دلالة قوية على ما وصفته بالدور غير المعلن الذي لعبته موسكو في دعم النظام السوري، مشيرة إلى أن مؤسسات مالية روسية وفّرت مظلة دعم مالي لعائلة الأسد خلال سنوات الحرب، وخلصت المنظمة إلى أن موسكو باتت تُمثل ملاذا آمنا لرؤوس الأموال المرتبطة بالنظام السوري، وقد تكون كذلك بوابة لتلك الأموال نحو الاندماج في النظام المالي العالمي.
ولكن في مرحلة لاحقة، اتخذ نظام بشار الأسد مجموعة من الإجراءات العقابية بحق رامي مخلوف، تمثلت في إصدار قرار مؤقت بمنعه من السفر على خلفية مطالب مالية مستحقة للدولة، والحجز على ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة، ومصادرة "جمعية البستان"، التي كانت تُعرف بأنها الغطاء الإنساني لنشاطاته الاقتصادية، وتفكيك المجموعات المسلحة التابعة له، ومنعه من إبرام أي عقود مع الحكومة، وتعيين حارس قضائي على شركة "سيريتل" التي كان يديرها.
ثم بلغت الأزمة ذروتها عام 2020، حين وضع بشار الأسد ابنَ خاله رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية، نتيجة تصاعد الغضب الشعبي من استعراض عائلته مظاهر الثراء الفاحش على وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، وتزامنا مع ذلك بدأت أسماء الأخرس، زوجة بشار، بالتدخل المباشر في إدارة ملفات المال والنفوذ، في تحوُّل عُدّ من أبرز المؤشرات على إعادة تشكيل خارطة السلطة داخل الدائرة الضيقة للنظام.
وأمام هذه التطورات خرج رامي مخلوف عن صمته في سلسلة من المقاطع المصورة من منزله في يعفور بريف دمشق، موجِّها حديثه إلى بشار الأسد، ومتحدثا عن "ظلم" يتعرض له نتيجة مصادرة أمواله، ومشيرا إلى ما وصفه بمؤامرة داخل الدائرة الضيقة للرئيس تهدف إلى إقصائه عن الساحة الاقتصادية والسياسية.
في تلك المقاطع، قال رامي إن شركة "سيريتل"، التي كانت تدر عليه مليارات الليرات، خضعت لما وصفه بـ"الابتزاز الضريبي"، مشيرا إلى أنه طُلب منه دفع 250 مليون دولار دون مبرر قانوني، كما تحدث عن تدخل الأجهزة الأمنية لمنع موظفيه من دخول مقار الشركة، ولفت إلى أنه حُرم من لقاء بشار الأسد شخصيا، مضيفا أنه يتوسل الوصول إلى بشار دون جدوى!
وقد ظهرت تفسيرات متعددة لهذا الانفجار في العلاقة بين مخلوف والأسد، من بينها تحليلات تربط الأمر برغبة روسية في فرض إصلاحات اقتصادية جوهرية على النظام السوري، بعدما تضرر الاقتصاد بشدة وأثار استياء موسكو، ولكن بصرف النظر عن الدوافع الدقيقة، فإن النتيجة كانت واضحة؛ فقد استُبعد مخلوف من مركز القرار، في وقت تزايد فيه نفوذ أسماء الأسد، التي برزت بوصفها لاعبة محورية في المشهدين الاقتصادي والسياسي.
مخلوف يتبرأ من بشار
وعقب الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، حاول عدد من أفراد عائلة مخلوف مغادرة البلاد باتجاه الأراضي اللبنانية، لكن تحركاتهم اصطدمت بكمين نصبه مقاتلون من المعارضة المسلحة على الطريق الحدودي، حيث أسفر الهجوم عن مقتل إيهاب مخلوف وإصابة إياد مخلوف، في حين أفادت بعض المصادر أن رامي مخلوف نفسه كان ضمن الموكب المستهدف أثناء محاولة الفرار.
وفي مارس/آذار 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في المناطق الساحلية السورية، بعد تنفيذ مجموعات علوية مسلحة هجمات منسقة على نقاط أمنية ودوريات في مدينتَيْ اللاذقية وطرطوس، وقد أدت المواجهات إلى سقوط القتلى من الطرفين.
وقد حمّل رامي مخلوف عبر منشور نشره على صفحته الرسمية في فيسبوك غياث دلا، أحد المقربين من قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، مسؤولية اندلاع تلك الأحداث في الساحل، متهما إياه بأنه السبب المباشر في تفجير الموقف، وقال إن دلا ومَن حوله من بقايا النظام "قبضوا الأموال وجعلوا أهلنا يدفعون الثمن دماء وذلًّا وجوعا".
كما صعّد مخلوف من لهجته تجاه رأس النظام السابق، موجِّها انتقادات لاذعة إلى بشار الأسد نفسه، واصفا إياه بأنه "الرئيس الهارب"، ومتهما إياه بـ"تدمير البلاد وجيشها واقتصادها وتقسيمها وتجويع شعبها"، وأضاف: "فوق كل ذلك هربت بأموال لو وُزِّعت على الشعب لما كان هناك جائع ولا فقير"، محملا إياه مسؤولية دماء القتلى من أبناء الطائفة العلوية.
وفي 27 إبريل/نيسان الماضي 2025، خرج بيان على لسان رامي مخلوف يدّعي أنه جهّز مع سهيل الحسن (المعروف بالنمر) 150 ألف مقاتل أو 15 فرقة عسكرية لحماية العلويين في "إقليم الساحل السوري"، مناشدا روسيا بشمل الإقليم برعايتها، على أن يضع تحت تصرفها جميع الإمكانيات العسكرية والاقتصادية، لكن بعد يوم خرج يتبرأ من هذا البيان، ويصرح بأن صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي مُهكَّرة، وأنه يرفض جملة وتفصيلا ما جاء في البيان؛ لأن ذلك يؤدي إلى زعزعة استقرار البلد، وسقوط مزيد من الضحايا فيه، وأنه منذ اليوم الأول من سقوط الأسد هنَّأ الإدارة الجديدة وأعلن دعمه المطلق لها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟
ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟

دمشق- أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بمسمى " الخوذ البيضاء"، اندماجها الكامل ضمن الحكومة السورية، ونقل برامج الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث، كما أُعلن نقل الملفات الأخرى التابعة للمنظمة -ومنها ملفات العدالة والمحاسبة والمناصرة- إلى الوزارات والهيئات المختصة، بحسب طبيعة كل ملف. وأشارت المنظمة في مؤتمر صحفي إلى أن تنفيذ الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة بعملية الاندماج سيتم خلال فترة انتقالية، "وفق أعلى درجات المهنية"، وبما يتماشى مع القوانين السورية والدولية والالتزامات السابقة، حيث أعلنت المنظمة تشكيل لجان قانونية وتقنية متخصصة لقيادة المرحلة الانتقالية. ويأتي هذا القرار بعد انعقاد الاجتماع السنوي العاشر للمنظمة في العاصمة دمشق ، حيث اتُّخذ باتفاق أغلبية أعضاء الهيئة العامة، وهي الهيئة التشريعية العليا في المؤسسة. واعتبرت المنظمة أن هذا الاندماج خطوة نحو توحيد الجهود وتطوير الاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، ضمن إطار مؤسساتي حكومي. استمرارية المهام أكد مدير الدفاع المدني السوري منير مصطفى، في حديث للجزيرة نت، أن القرار لا يتضمن إنشاء كيان جديد، بل يعني استمرار العمل الإنساني والإغاثي الذي قامت به المنظمة سابقا، ولكن ضمن وزارة الطوارئ والكوارث السورية، وهي الجهة الرسمية التي باتت مسؤولة عن برامج الاستجابة الطارئة. وأضاف أن مهام مثل الإنقاذ، والإطفاء، والإغاثة، التي كانت تُدار سابقا بصفتها أنشطة منبثقة عن المجتمع المدني، ستُنفّذ الآن ضمن إطار حكومي موحد وبسياسات وطنية شاملة. أما الملفات التي كانت تمثل جانبا أساسيا من عمل "الخوذ البيضاء" -ولا سيما العدالة والمناصرة- والتي تضمنت توثيق جرائم الحرب، والانتهاكات بحق المدنيين، وجمع الأدلة حول المقابر الجماعية والمفقودين، فستُنقل إلى الهيئات المختصة، مثل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التي أُنشئت بمرسوم رئاسي مؤخرا، و"هيئة المفقودين" التي ستعمل بالتنسيق المباشر مع فرق الدفاع المدني السابقة. وأشار مصطفى إلى أن المنظمة تمتلك أرشيفا غنيا من الأدلة الموثقة، يتضمن شهادات ومقاطع فيديو مُصوّرة بكاميرات صغيرة، مما يجعلها طرفا فاعلا في توثيق الجرائم والانتهاكات، بما فيها الهجمات الكيميائية والمجازر. وأكد المسؤول أن هذا الدور سيتواصل، ولكن ضمن الإطار المؤسسي الحكومي، لضمان المساءلة وفق آليات عدالة وطنية، بدلا من العمل بشكل مستقل عن الدولة كما كان سابقا. المرحلة الانتقالية وفي سياق متصل، أكد مصدر في وزارة الطوارئ والكوارث السورية للجزيرة نت أن الوزارة بدأت بالفعل إدارة المرحلة الانتقالية، عبر تشكيل لجان تقنية مختصة تشرف على نقل برامج الاستجابة الطارئة من منظمة الدفاع المدني إلى الوزارة. وأشار المصدر إلى أن العملية تسير بسلاسة، دون تحديات تُذكر، مع ضمان استمرارية الخدمات الطارئة، مؤكدا أن مديريات الدفاع المدني المنتشرة في المحافظات السورية ستُدمج مباشرة ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة، بكوادرها ومتطوعيها، مما يضمن الحفاظ على الخبرات وتوظيفها بشكل فعّال. أما بخصوص الكوادر العاملة، فقد شدد المصدر على عدم وجود نية للاستغناء عن أي من العاملين أو المتطوعين، موضحا أن "جميع الكفاءات التي اكتسبت خبرات ميدانية خلال السنوات الماضية ستستمر في أداء دورها ضمن الوزارة الجديدة". وأضاف أن عملية الاندماج لا تقتصر على وزارة الطوارئ والكوارث فقط، بل تأتي ضمن إطار أوسع لدمج الدفاع المدني في هيكل الحكومة السورية بالكامل، مع إحالة ملفات مثل العدالة والمحاسبة والمناصرة إلى الجهات المختصة بحسب طبيعة كل ملف. وأوضح المصدر أن اللجان القانونية والتقنية ستقوم بدراسة كل برنامج أو ملف على حدة، لتحديد الجهة الحكومية الأنسب لتسلّمه، مؤكدا أن "ملف المفقودين مثلا قد يُحال إلى هيئة متخصصة بذلك الشأن". رسائل طمأنة وأكّد المصدر أن هذا الدمج سيُعزز من مستوى الاستجابة الطارئة على مستوى البلاد، لا سيما في ظل تولي الوزارة مسؤوليات شاملة تشمل الكوارث الطبيعية، والحرائق، وحالات الطوارئ المتنوعة. كما نوّه إلى أن دمج الدفاع المدني مع أفواج الإطفاء والكوادر الحكومية سيؤدي إلى رفع كفاءة العمل الوطني. وعن مستقبل التعاون مع الشركاء والداعمين الدوليين، أشار المصدر إلى أن جميع المشاريع ومذكرات التفاهم الموقعة مع الدفاع المدني السوري ستُستكمل حتى نهاية مدتها، موضحا أن الوزارة -بالتنسيق مع الحكومة- ستكون الجهة الراعية لهذه الاتفاقات، مع الحفاظ على إمكانية التعاون مع مختلف الجهات الدولية مستقبلا. كما وجّه المصدر رسالة طمأنة إلى المواطنين السوريين، قائلا إن "الخدمات ستستمر كما هي، ولن يطرأ أي تغيير على مستوى أو نوعية الخدمات التي كانت تقدمها منظمة الدفاع المدني، وأن ما حدث هو مجرد اندماج إداري وهيكلي، يهدف إلى ضمان استدامة العمل وتحسين الأداء في المستقبل". مخاوف وتحفظات من جانبه، يرى الخبير السياسي عبد الله الخير أن القرار "متسرع" إلى حد ما، لكون وزارة الطوارئ والكوارث تفتقر في الوقت الراهن إلى الإمكانيات المالية اللازمة لمواصلة العمل الذي كانت تقوم به "الخوذ البيضاء"، خصوصا أن المنظمة كانت تتلقى دعما أوروبيا سنويا بمبالغ كبيرة. وأضاف الخير، في حديث للجزيرة نت، أن المانحين قد يتوقفون عن دعم المنظمة بعد حلّها ودمجها ضمن الحكومة السورية، التي تعاني أصلا من أزمة مالية حادّة نتيجة التضخم وآثار الحرب ودمار البنية التحتية.

من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا
من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا

الجزيرة

timeمنذ 17 ساعات

  • الجزيرة

من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا

يمثّل إعلان الرئيس دونالد ترامب في مايو/ أيار 2025 بشأن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا أحد أبرز التحولات الإستراتيجية في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة. وتعكس هذه الخطوة، المتمثلة في حزمة شاملة لتخفيف العقوبات، من خلال الترخيص العام رقم 25 الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والإعفاء الصادر عن وزارة الخارجية بموجب قانون قيصر لمدة 180 يومًا، تحولًا عميقًا من سياسة العزلة الاقتصادية طويلة الأمد إلى نهج مدروس لإعادة الدمج. ورغم ما تحمله هذه السياسات الجديدة من فرص اقتصادية غير مسبوقة لسوريا، فإنها تطرح في الوقت ذاته تحديات قانونية وسياسية وتنفيذية معقّدة، من المرجح أن تؤثر على طبيعة العلاقات الأميركية السورية والاستقرار الإقليمي لسنوات قادمة. التطور التاريخي لهيكل العقوبات الأميركية (1979–2025) يُعد تطور نظام العقوبات الأميركية على سوريا نموذجًا للتصعيد المتدرّج في توظيف الإكراه الاقتصادي، ابتداءً من إجراءات محدودة خلال الحرب الباردة، وصولًا إلى واحدة من أشدّ آليات العزل الاقتصادي صرامةً في التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية. أولاً: مرحلة التأسيس (1979- 2003) بدأ فرض العقوبات الأميركية على سوريا في ديسمبر/ كانون الأول 1979، عندما صنّفت الولايات المتحدة سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف استمر دون انقطاع لأكثر من أربعة عقود. وقد جاء هذا التصنيف في سياق التصاعد في التوترات الإقليمية عقب تثبيت حافظ الأسد سلطته عبر انقلاب داخلي عام 1970. وكان الدعم السوري للفصائل الفلسطينية وموقفها المناهض للمصالح الغربية، إضافة إلى اصطفافها إلى جانب الاتحاد السوفياتي، الدوافع الرئيسية لهذا التصنيف. كانت العقوبات في هذه المرحلة محدودة نسبيًا، وتمثلت في تقييد المساعدات الأميركية، وفرض حظر على الصادرات الدفاعية والعسكرية، وضوابط على صادرات المواد مزدوجة الاستخدام. وشكّلت هذه الإجراءات الأساس الأوّلي الذي أتاح إمكانية التوسع لاحقًا. وتجدر الإشارة إلى أن سوريا ظلت الدولة الوحيدة المستمرة على هذه القائمة من تأسيسها عام 1979 وحتى رفع العقوبات عنها عام 2025. ثانياً: مرحلة التوسع التشريعي (2003- 2011) أسفر المناخ الدولي الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وما تلاه من سياسات توسعية في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن في الشرق الأوسط، عن تشديد كبير لنظام العقوبات على سوريا. فقد وقّع الرئيس بوش في مايو/ أيار 2004 الأمر التنفيذي رقم 13338، تنفيذًا لـ «قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية» الصادر في العام 2003. ومثّل هذا الإجراء تحولًا بارزًا في إستراتيجية العقوبات الأميركية، من مجرد أدوات أمنية إلى وسيلة ضغط اقتصادي واسعة النطاق. شملت العقوبات حينها فرض حظر شبه كامل على الصادرات الأميركية إلى سوريا (باستثناء الغذاء والدواء)، وقيودًا صارمة على القطاع المصرفي السوري، مع تصنيف المصرف التجاري السوري كمؤسسة مثيرة للقلق في مجال مكافحة غسل الأموال، مما أدى إلى قطع صلاته مع المصارف الأميركية. وقد ساهمت هذه العقوبات في ترسيخ مفهوم العزلة المالية كأداة رئيسية في السياسة الأميركية تجاه سوريا. استندت هذه العقوبات إلى اتهامات بدعم الإرهاب، والتدخل في الشؤون اللبنانية، وتطوير أسلحة غير تقليدية. ورغم محدودية العلاقات الاقتصادية الثنائية آنذاك، والتي لم تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار سنويًا عام 2004، فإن هذه الإجراءات تجاوزت التأثير الاقتصادي المباشر إلى التأثير السياسي والرمزي. ثالثاً: مرحلة الحظر الشامل (2011- 2020) مع اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مارس/ آذار عام 2011، تبنّت إدارة الرئيس باراك أوباما سياسة تصعيد تدريجية ضد نظام الأسد، بدأت بإصدار الأمر التنفيذي رقم 13572 في أبريل/ نيسان من العام نفسه، والذي وسّع حالة الطوارئ المفروضة سابقًا، مستهدفًا مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وسرعان ما تبعه الأمران التنفيذيان 13573 و13582، حيث شكل الأخير (الصادر في أغسطس/ آب 2011) حجر الزاوية لفرض حظر اقتصادي شامل. تضمن هذا القرار تجميد جميع أصول الحكومة السورية، وحظر التعامل الاقتصادي مع الكيانات الحكومية السورية، ووقف الاستثمارات الأميركية في سوريا، إضافة إلى حظر استيراد النفط السوري. بذلك، تم قطع جميع العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين تقريبًا. وفي عام 2012، تبعتها أوامر تنفيذية إضافية استهدفت أفرادًا وكيانات محددة، متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. رابعاً: قانون قيصر (2020- 2025) في عام 2020، دخل «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين» حيز التنفيذ، والذي وقّعه الرئيس ترامب أواخر عام 2019. أحدث هذا القانون نقلة نوعية في بنية العقوبات، حيث امتدت لتشمل كيانات وأفرادًا أجانب، ممن يدعمون النظام السوري عسكريًا أو يشاركون في جهود إعادة الإعمار. أدى قانون قيصر إلى خلق حالة من الخوف لدى الشركات والمؤسسات الدولية، التي باتت تتجنب الانخراط في أي نشاط تجاري مع سوريا؛ خشية التعرض للعقوبات الأميركية، مما أدى إلى تعميق عزلة سوريا الاقتصادية دوليًا. خامساً: رفع العقوبات جاءت مبادرة تخفيف العقوبات إثر إعلان مفاجئ للرئيس ترامب في 13 مايو/ أيار 2025، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، حيث أشار ترامب إلى نيته «وقف العقوبات المفروضة على سوريا لمنحها فرصة للتقدم»، واصفًا تلك العقوبات بأنها «مُعيقة للغاية وشديدة القوة». وتبنّت إدارة ترامب نهجًا مرنًا لا يقوم على إلغاء كامل للعقوبات، بل يُتيح تخفيفًا فوريًا مع الحفاظ على إمكانية إعادة تطبيقها إذا ساءت الأوضاع. وقد أكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على أن «الوزارة تعمل وفق تفويضات جديدة تهدف لتشجيع الاستثمار في سوريا»، مشددًا على أن «سوريا مطالبة بالمضي قدمًا نحو التحول إلى دولة مستقرة وآمنة». في 23 مايو/ أيار 2025، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الترخيص العام رقم (25) GL 25، والذي يمثل أكبر خطوة نحو تخفيف العقوبات على سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن. يُعلّق هذا الترخيص غالبية العقوبات السابقة التي نصّت عليها لوائح العقوبات السورية، ما يسمح بإجراء نطاق واسع من التعاملات المالية التي كانت محظورة. يشمل الترخيص ثلاثة مجالات رئيسية: السماح بتصدير الخدمات المالية إلى سوريا، وفتح المجال أمام فرص استثمارية جديدة، والسماح بالمعاملات المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته. كما يشمل الترخيص الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع، بالإضافة إلى 28 كيانًا رئيسيًا مدرجًا في ملحق الترخيص، من بينها مؤسسات مصرفية كبرى مثل البنك المركزي السوري، والمصرف التجاري والصناعي والعقاري والزراعي، ومصرف الادخار. وتعتبر هذه المؤسسات ضرورية لإعادة بناء الثقة المالية، وإدارة الرواتب الحكومية، وتشغيل المرافق العامة. وفي سياق إعادة دمج النظام المالي، شكّل الترخيص العام رقم 25 اختراقًا كبيرًا للعزلة المالية الطويلة لسوريا، حيث رفع القيود عن مؤسسات مالية حيوية، خاصة مصرف سوريا المركزي، الذي حُرم سابقًا من الوصول إلى النظام المالي الدولي والعملات الأجنبية. وفي إجراء مكمل، أصدرت شبكة إنفاذ الجرائم المالية (FinCEN) إعفاءً خاصًا، بموجب قانون باتريوت، يسمح للبنوك الأميركية بفتح حسابات مراسلة مع المصرف التجاري السوري بعد إغلاق استمر منذ أبريل/ نيسان 2006. هذه الخطوة تسهّل إعادة الاتصال بين القطاع المصرفي السوري والدولي وتحدّ من التعقيدات القانونية المتعلقة بالامتثال. يختلف قانون قيصر في طبيعته القانونية عن العقوبات التنفيذية التي تصدر بقرارات رئاسية، والتي يمكن تعديلها أو تعليقها بسهولة أكبر؛ إذ يُعتبر قانون قيصر تشريعًا صادرًا عن الكونغرس، ما يتطلب تدخّلًا تشريعيًا صريحًا لإلغائه بصورة نهائية. وقد أقر وزير الخارجية ماركو روبيو بهذا الواقع القانوني، موضحًا أن الإعفاءات الحالية محدودة بفترة زمنية مدتها 180 يومًا، داعيًا في هذا السياق إلى ضرورة تحرّك تشريعي يضمن الإنهاء الدائم لهذه العقوبات. وقد أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاءً مؤقتًا لمدة 180 يومًا، يوفر غطاءً قانونيًا للمشاركين من غير المواطنين الأميركيين في الأنشطة الاقتصادية التي يسمح بها الترخيص العام رقم 25. وأوضح الوزير روبيو أن الهدف من هذه الخطوة هو تشجيع الاستثمار والتدفقات المالية التي تدعم الخدمات الأساسية وجهود إعادة الإعمار في سوريا، مؤكدًا التزام الولايات المتحدة الراسخ بمساندة الشعب السوري في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. ويوفر هذا الإعفاء المؤقت مساحة قانونية مهمة للانخراط الاقتصادي، مع الإقرار بالتعقيدات السياسية والقانونية التي تواجه الحصول على إعفاء تشريعي دائم. ورغم اتساع النطاق الذي يغطيه الترخيص العام رقم 25، فإنه استثنى بشكل واضح المعاملات المتعلقة بكل من روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، بهدف منع هذه الدول من الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من إعادة فتح الاقتصاد السوري. كذلك أبقى الترخيص على القيود المفروضة على مئات الأفراد والكيانات المُدرجة ضمن قائمة الأشخاص المحظورين (SDN)، والتي يرتبط معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر بنظام الأسد. وأكد الترخيص أن تجميد الأصول أو الممتلكات المجمدة بتاريخ 22 مايو/ أيار 2025 سيستمر، ما لم تصدر لاحقًا تراخيص خاصة تسمح بفك التجميد عنها. رغم تخفيف القيود المالية واسع النطاق بموجب الترخيص العام رقم 25، فإن القيود على صادرات السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والتي يشرف عليها مكتب الصناعة والأمن (BIS) التابع لوزارة التجارة الأميركية، ما تزال قائمة دون تعديل. يُنشئ هذا الواقع التنظيمي بيئة قانونية متداخلة ومعقدة، إذ يُسمح بالتعاملات المالية بشكل عام، في حين تبقى القيود التقنية المتعلقة بالسلع والتكنولوجيا سارية. ونتيجة لذلك، تواجه الشركات الراغبة في دخول السوق السورية تحديات إضافية في الموازنة بين تيسير العقوبات المالية من جهة، والقيود المستمرة على الصادرات التقنية من جهة أخرى. الأبعاد السياسية والإستراتيجية تشكّل هذه السياسة الجديدة بتخفيف العقوبات تحولًا مهمًا في إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وتمثل انتقالًا واضحًا من نهج العزلة العقابية إلى إستراتيجية إعادة الدمج المدروسة، وذلك عبر توظيف الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف أمنية إستراتيجية، دون التخلّي تمامًا عن أوراق الضغط المتاحة. وتساهم هذه السياسة في خلق مناخ استثماري ملائم قد يؤدي إلى تعزيز الاستقرار المحلي، وتوفير حوافز اقتصادية تدعم الاستقرار المجتمعي وتقلّص من دوافع العنف. ومن الناحية الجيوسياسية، تهدف هذه الإستراتيجية أيضًا إلى منح الشركات الأميركية فرصة مبكرة للمشاركة في إعادة الإعمار في قطاعات مهمة، مثل النفط، والبناء، والاتصالات، والخدمات العامة، ما قد يُساعد في موازنة النفوذ المتزايد لروسيا، وإيران، والصين في مرحلة تعافي سوريا. إطار المشاركة المشروطة تمّ تطبيق تخفيف العقوبات وفق إطار واضح ومحدد بشروط، حيث يشترط على الحكومة السورية الجديدة الالتزام بحماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية، وعدم توفير ملاذات للمنظمات الإرهابية. وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه التسهيلات ستظل مشروطة، وأن الإدارة ستراقب من كثب التطورات على الأرض مع احتفاظها بالحق الكامل في إعادة فرض العقوبات إذا لم يتم الالتزام بالشروط المحددة. كما تواجه المؤسسات المالية الدولية تحديات خاصة في إعادة بناء العلاقات مع القطاع المصرفي السوري، تتطلب إصلاحات داخلية كبيرة لتعزيز الشفافية، وضمان الالتزام بالمعايير المالية الدولية. ومن المتوقع أن تكون عملية إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي الدولي تدريجية، وتعتمد على إعادة بناء الثقة، وإرساء آليات فعالة للرقابة، وإدارة المخاطر. التداعيات والفرص الاقتصادية يوفّر الترخيص العام رقم 25 فرصًا غير مسبوقة لمشاركة القطاع الخاص الأميركي في جهود إعادة إعمار سوريا، عبر السماح بفتح استثمارات جديدة في كافة المجالات الاقتصادية بعد فترة طويلة من العزل الاقتصادي. ويسهم هذا التطور في معالجة أزمة السيولة النقدية التي شهدتها سوريا جراء تجميد القنوات المصرفية الرسمية، واللجوء إلى القنوات غير الرسمية والنقد اليدوي لتسيير شؤون الاقتصاد اليومي. ويمكّن الترخيص المؤسسات العامة والخاصة من إعادة تشغيل آليات الدفع المصرفية، وأنظمة الرواتب، وبرامج التمويل، والإقراض. وتواجه الحكومة السورية الجديدة في هذا الإطار مهمة حساسة تتعلق باستعادة الثقة في النظام النقدي الوطني، من بينها التوجه نحو نقل إنتاج العملة من روسيا الخاضعة للعقوبات إلى اتفاقيات تعاون جديدة مع ألمانيا والإمارات. كما يمثل السماح بإجراء التعاملات المالية المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته أحد أبرز البنود في الترخيص العام رقم 25، إذ يفتح الباب أمام تدفقات مالية هامة يمكنها أن تدعم بشكل ملحوظ موازنات الحكومة السورية. كما يوفر هذا الانفتاح فرصًا استثمارية واسعة النطاق في قطاع الطاقة، ويؤسس لإعادة إحياء العلاقات التجارية النفطية بين سوريا والشركاء الدوليين. الجدول الزمني للتنفيذ التدريجي تميّزت عملية تخفيف العقوبات بمنهجية تدريجية تُوازن بين المرونة التنظيمية والحذر في التطبيق. حيث يتيح الإعفاء المؤقت المحدد بـ 180 يومًا في إطار قانون قيصر مراجعة دورية من قبل الولايات المتحدة لمدى التزام الحكومة السورية الجديدة بالشروط المنصوص عليها. ومع أن هذا النهج يسمح بقدر من المرونة، فإنه يُبقي في الوقت نفسه على حالة من عدم اليقين، ما يُعيق التخطيط الاستثماري طويل المدى. وقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) عن خططه لإصدار إرشادات إضافية حول تطبيق الترخيص العام رقم 25، ما يؤكد أن عملية التنفيذ ستبقى متجددة وتتطلب تعديلات مستمرة بحسب التطورات على أرض الواقع، مما يوفر آلية لتصحيح الأخطاء المحتملة، ولكنه في الوقت ذاته يعزز من الغموض في المراحل الأولى من التطبيق. خاتمة: يشكّل قرار إدارة ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحول تاريخية في العلاقات الأميركية السورية، وفرصة كبيرة لنهوض الاقتصاد السوري من الرماد. من الناحية العملية، يعتمد نجاح هذه الخطوة على التوازن الدقيق بين ضمان امتثال الحكومة السورية الجديدة للشروط الأميركية، وبناء الثقة بشكل تدريجي مع المؤسسات المالية الدولية، وإدارة التنافس الجيوسياسي مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى. كما تستلزم مواجهة التحديات البنيوية للاقتصاد السوري، خاصة إصلاح القطاع المصرفي، واستعادة الثقة في العملة المحلية، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store