
'يلا بابا!'.. رحلة مصالحة عابرة للحدود بين أب وابنته
تقترح المخرجة اللبنانية آنجي عبيد على والدها منصور عبيد رحلة برية معها، تبدأ من بروكسل وتنتهي في بيروت، رحلة تريد بها استعادة علاقة انقطعت معه سنوات، توفر له فيها فرصة لاسترجاع ذكرياته عن رحلته الأولى، التي قطع فيها هذا الطريق قبل نحو 40 عاما.
الرحلة البرية في نفس الطريق هي الفكرة المركزية التي يؤسس عليها الوثائقي اللبناني 'يلّا بابا!' (2024) بناءه الدرامي، ويجعلها مدخلا لمراجعة تاريخ شخصي، تداخلت تفاصيله مع متغيرات سياسية كبرى، تبدلت فيها خرائط، وانتهت أنظمة دول، كما تباعدت جراءها صلات عائلية حميمة بعد غياب طويل.
الفيلم من إخراج اللبنانية آنجي عبيد وكتابتها أيضا، وهو إنتاج لبناني بلجيكي هولندي مشترك مع قناة الجزيرة الوثائقية.
رحلة طريق تقرب فتاة من أبيها
كان الأب حذرا واستغرب أول الأمر من الفكرة، لكنه قبل بها وشرع الوثائقي فورا في توثيق مسار رحلة برية طويلة، توقفاتها في محطات عدة تجعله 'فيلم طريق' مختلفا، ليست فيه أحداث دراماتيكية ولا مغامرات حاصلة، لأن المراد منها في الأساس استعادة علاقة عائلية، أضعفها طول الغياب وبُعد المسافات، واليوم تريد صانعة الفيلم ترميمها بالاقتراب من أبيها، والتعرف على آرائه ومواقفه من نواحٍ حياتية شتى.
يفسر ذلك اعتماد نصه أكثر على الحوارات، وعلى التقاط الانفعالات والأحاسيس الدقيقة، المتولدة من اختلاف رؤى الأجيال للعلاقات الاجتماعية وللعالم ومتغيراته، فيبدو وفقها الأب محافظا، متمسكا بموروثه الديني المسيحي التقليدي، لكن ابنته تظهر انفتاحا على قبول المفاهيم الاجتماعية الأكثر ليبرالية وحرية.
لكن حوارات السيارة تشي بانفتاح من جانب الأب، لتفهم مواقف ابنته ومراعاة انتمائها لجيل جديد، يرى الأمور بمنظار مختلف. هذا يجعل الرحلة مناسبة للبوح والمصالحة مع الذات، أما آنجي فهي فرصة لها للتعرف على كائن ظلت تجهله، لا تتذكر من وجوده بالقرب منها إلا القليل، ويعود جله لسنوات طفولتها، لكنها الآن تجد فيه جوانب مشرقة تشجعها على المضي في تقربها منه، والتعرف -خلال المسير بالسيارة آلاف الكيلومترات- على عالم رآه في الماضي، أما اليوم فلم يعد كما كان.
ذكرياته ومعرفته الواسعة بحكم كونه صحفيا يكتب في حقل الثقافة، تفضي إلى مزيد من النقاشات والحوارات المكثفة، بفضل توليف سينمائي بارع، تولاه داني أبو لوح، يزيح عنها كل لغو زائد.
العالم يتغير والخرائط تتبدل
معاينتهما للخريطة بغرض تحديد الطرق التي عليهما قطعها بالسيارة من بروكسل إلى لبنان، تشي بحجم متغيرات الجغرافيا السياسية الهائلة الحاصلة في العالم وفي منطقتنا العربية، ومنها حقيقة أنهما لا يستطيعان المرور في العودة بسوريا، بسبب ما فيها من صراعات سياسية وعسكرية.
هذا يدفعهما لإحداث تغيير في مسار الرحلة القديمة، التي مر فيها بسوريا قادما من بيروت باتجاه تركيا، أما اليوم فسيختصر الطريق، ويعبر من تركيا إلى لبنان بالباخرة.
يخبرها أنه في عام 1980 -أثناء الحرب الأهلية اللبنانية- عبر 6 دول فقط، أما الآن فعليه عبور 10 دول، بسبب تفكك يوغسلافيا إلى عدة دول عليهما الآن المرور بها، والخضوع للتفتيش عند الدخول والخروج من أراضيها.
يدور حديث بينهما عن الحرب التي يثبت موقفه الرافض لها، وربما هذا يفسر ضمنا -من دون الإعلان صراحة- سبب هجرته لبنان نحو بروكسل خلال الحرب الأهلية (1975-1990).
يرفض منصور عبيد الوجود الإسرائيلي على أرض بلاده، ويتذكر المعاناة التي كان يلقاها سكان قرى الجنوب -ومنها قريته كوكبا- أثناء تنقلاتهم من ضيعة إلى أخرى، وما كان الجيش الإسرائيلي يفرض عليهم يومئذ من استخراج الموافقات الأمنية المذلة للوصول إلى حقولهم.
كان ذلك أثناء مرحلة شبابه، لكنه وحتى اليوم ما زال يرفض كل احتلال جديد لبلده، ولا يتنازل عن موقفه المنتقد للظواهر السياسية السلبية والفساد في لبنان، وهو ما كان سببا في عدم عودته إليه منذ سنوات طوال.
كل هذا يأتي في سياق أحاديث متفرقة ومتقطعة يتطلب من المُشاهد فهمها في سياقها الزمني وفي سياق العلاقة الخاصة بين الأب وابنته وفي عمق امتداداتها العائلية والأُسرية.
اختلاف في الرؤى وتقارب في المواقف
بمروره في الأراضي الإيطالية، يتذكر امرأة تعرّف عليها أثناء رحلته الأولى، وكان يومئذ في الثلاثين من عمره، ولم يبح الأب بطبيعة العلاقة، لكنه حرص على زيارتها، وقد علم من جيرانها أنها قد ماتت بوباء كورونا.
يدفع ذلك أنجي لتصارحه بمخاوفها من موته أثناء انتشار الجائحة، وهو بعيد عنها وعن وطنه، ويدفعه هذا للحديث بينهما عن الموت والمرض، وعن أفكار وجودية تنم عن اختلاف في زوايا النظر إليها، لكنها تقرب في الوقت نفسه نظرة البنت إلى والدها، وإلى إعادة النظر بآرائه.
ترفض آنجي كثيرا من آراء أبيها، لكنها تترك مساحة معقولة لفهم دوافعها، وهو كذلك أيضا، فكل موقف أو رأي مختلف يقبل مناقشته وإن بشيء من الضيق، ويفسح له مجالا للقبول به، أو على الأقل لفهم دوافعه.
تلك المواقف والحوارات حول الدين والزواج والموت والوطنية والاحتلال وما في البلد من خراب اقتصادي وسياسي، يقرب بينهما ويجعل حواراتهما لها معنى أعمق.
وأكثر ما يهم آنجي فيها قدرتها على إزاحة مخاوفها من احتمال افتراق نهائي بينهما، وقد وجدت في قبوله واختلافه معها احتراما لشخصيتها، بوصفها امرأة ناضجة وعصرية ومثقفة، تعرف ما تريد، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كله متحققا وفق رغباتها وتطلعاتها.
لكن أكثر الأفكار مدعاة للجدل بينهما، هي فكرة زواجها من رجل من غير ديانتها المسيحية، فهي فكرة يعارضها الأب ظاهرا، لكنه يقبل مجاراتها عقليا، لتفهمه الواقع اللبناني، فالأجيال الجديدة والمثقفة لا تريد مجاراة تقاليد اجتماعية وأعراف دينية تربى هو ونشأ عليها.
تقلبات الرحلة ومنعطفات ها الشعورية
تقلبات الرحلة ومزاج الماضين بها، تتوارد من غير تخطيط، وفي وسط كل وقفة منها يظهران في مشهد متكرر جالسين قبالة موقع أو مدينة يتحدثان عنها وعن تاريخها، وارتباط كل ذلك برحلته القديمة.
ففي صربيا يتوقف الأب عند ساحة اتخذتها السلطات اليوغسلافية يومئذ متحفا حربيا مكشوفا، يذكّر زواره بانتصار الحلفاء والكتلة الشيوعية على الفاشية الألمانية.
وفي الصورة الفوتوغرافية القديمة التي أخذها عند وصوله أول مرة إلى ذلك المكان، يظهر جالسا على ظهر إحدى الدبابات. ولم يتغير المكان بالمقارنة بين اللحظة الآنية وبين ظهوره في الصورة القديمة، لكن منصور الشاب وقتها هو الذي تغيّر، فقد أضحى اليوم رجلا مسنا في أوسط السبعين من العمر.
يقرآن في صوفيا عاصمة بلغاريا شعارات كتبت على بعض جدرانها، تدين الرأسمالية الجديدة، منها: 'التضخم يساوي الرأسمالية'. وفي الطريق إليها توافق آنجي على صعود سائحتين معها، وهما إسبانية وفرنسية، كانتا في طريقهما لزيارة طهران، لكن الأوضاع المستجدة والخطيرة جعلتهما يغيران خططهما.
وجود الفتاتين وحديثهما باللغة الفرنسية معها ومع والدها يغير مزاج الرحلة، فينتقل الحديث إلى جوانب إنسانية، راغبة في مشاركة الآخر أحاسيس اللحظة العابرة المشبعة بالفضول والرغبة في التواصل.
'أريد لك الإقامة في لبنان!'
حين يقتربان من الحدود التركية، تسأله عن السر الذي يرغب أن يبوح لها به، فيجيب جوابا يثير أحزانا: لقد كتبت وصيتي! ويخبرها أنه خصص لها فيها ولأختها حصصا من أملاكه، والباقي منه له ولزوجته، التي كانت تتابع رحلتهما عبر الهاتف.
المهم لديه من كل ما كتبه هو عدم تفريط الورثة بالبيت القديم في ضيعة كوكبا، لأن ذلك البيت الجنوبي يذكره بوالده، والجهد الذي بذله لبنائه بيديه، فلا يريد التفريط به، ولا يسمح لأحد من الورثة بنكران جهد والده فيه.
ومع دخول سيارتهما الحدود التركية يسمعان خبر انقلاب فيها، فتطلب سلطاتها من الداخلين الأجانب المرور فقط دون الإقامة.
تدفع مشاهد مدينة إسطنبول الجميلة آنجي للبوح برغبتها في الإقامة فيها، لكن رد والدها يضمر رغبة كامنة لديه، إذ يقول: 'أريد لك الإقامة في لبنان!' وتلك عبارة تشي برغبة في تعويض ما لم يستطع فعله.
البر اللبناني.. هل يعود المهاجر إلى موطنه؟
في الباخرة العملاقة التي تقلهما مع سيارتهما، تقودهما رؤيتهما مياه البحر الهائجة للحديث عن الهجرة والمهاجرين، الذين يركبون البحر بقوارب صغيرة مهترئة غير عابئين بالخطر، مدفوعين برغبة الوصول إلى مكان آمن، قد يحقق لهم حلم عيش حياة أفضل من تلك التي يعيشونها في أوطانهم.
تبدي الابنة تعاطفا معهم، يتوافق مع اهتمامها السينمائي بموضوع الهجرة والاغتراب، الذي تناولته من زوايا شتى في فيلم 'كنت نام ع السطح' (2017)، وتتناول فيه تجربة مهاجرة سورية إلى أوروبا وما لقيت من معاناة، وفي فيلم 'باسفيك' (2019) تقارب تجربة وجودها الشخصي في بلجيكا.
وبدخول السيارة إلى البر اللبناني تظهر علامات النفور والتوتر على الأب، فمن المؤكد أن أحاسيس ومشاعر متداخلة ومضطربة وراء ذلك، يحاول إخفاءها والتركيز بدلا منها على مظاهر سلبية مثيرة لتذمر يخفي ما يحمله من حنين وانتماء متجذر للمكان القديم.
ويتغير مزاجه لحظة طلبه من ابنته الاستدارة لدخول مزارع أشجار الزيتون المملوكة له ولعائلته، إذ يشعر بفرح غامر لوجوده بين الأشجار التي يعرف أماكنها ويتذكرها جيدا.
هل سيعود منصور يوما إلى ذلك المكان، للتمتع بجماله والتلذذ بحلاوة الذكريات التي يسترجعها؟ لا يتوقف الوثائقي طويلا عند هذا السؤال، بل يتركه مفتوحا على احتمالات، فالزمن كفيل بالإجابة عليها.
'يلّا بابا!' منجز بصري ممتع ومتميز، لحلاوة اشتغالاته الجمالية وبخاصة توليفه وتصويره (توماس سزاكا مارسا) اللافت في براعة التقاطه لأحاسيس أبطاله، ولتفاصيل رحلتهم التي قربت ما كان منقطعا بينهم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
قائمة الأفلام المرشحة للفوز بمسابقة الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير 2025
أصدرت لجنة تحكيم مسابقة الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير 2025 تقييمها النهائي للأفلام المشاركة هذه السنة في المسابقة، وقد وقع الاختيار على 10 أفلام في مرحلة النهائيات التي ستحدد 4 فائزين. يمتد التصويت للأفلام العشرة على حساب قناة الجزيرة الوثائقية على يوتيوب ما بين 4 لـ10 حزيران/ يونيو الساعة الثامنة مساء بتوقيت مكة المكرمة، ويكون بوضع علامة الإعجاب (لايك) على الفيلم المُراد له الفوز. وفيما يلي قائمة الأفلام المتأهلة: فيلم ' عدس فلسطين ' المخرج سمر طاهر لولو من فلسطين فيلم وثائقي يروي قصة طاهٍ فلسطيني حوّل شغفه بالطبخ إلى وسيلة مقاومة في وجه المجاعة التي خلّفتها الإبادة في قطاع غزة. من خلال تأسيسه لمطبخ مجتمعي (تكية)، يسعى إلى إشباع الجوعى والحفاظ على روح الأمل والتكافل داخل مجتمعه في أصعب اللحظات. فيلم ' NEW-STALGİA ' المخرج يوسف غودا من مصر يدور الفيلم الوثائقي حول جميل وكندرجِي، اللذين يعيشان في حالة حنين عميق إلى الماضي، لكن كلاً منهما يجد هذا الحنين في أشياء مختلفة. جميل يرى في التصوير الفوتوغرافي وسيلة لاستعادة الذكريات وإحياء الروابط الإنسانية. بدأ رحلته مع الكاميرا منذ طفولته، مستخدمًا آلات يدوية مثل 'لوبتيل' التي تحمل له قيمة عاطفية خاصة. كما يهتم بجمع الصور الضائعة ومحاولة إعادتها إلى أصحابها، في تعبير عن شغفه بحفظ الذاكرة وصون اللحظات المنسية. أما كندرجِي، فيجد امتداد هذا الحنين في دراجته النارية القديمة، التي ترتبط بذكريات شخصية عميقة. لا تمثل له مجرد وسيلة تنقل، بل جسرًا للتواصل مع الغرباء الذين يشاركونه قصصهم المرتبطة بالدراجات القديمة. يرى أن العالم في الماضي كان أكثر دفئًا، وأن الأشياء كانت تُصنع بعناية وتدوم طويلًا، عاكسةً روابط إنسانية أقوى. ' فيلم قصير أبيض ' المخرج محمد إبراهيم صابر محمد غنيم من مصر يعمل هؤلاء العمّال باستخدام أدوات قديمة وخطِرة، وآلات حادّة قد تتسبب في إصابات جسيمة في أي لحظة. دخلهم محدود ولا يلبّي احتياجاتهم الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أخطر ما يواجهونه هو استنشاقهم اليومي لبودرة الكالسيوم، ما يعرّضهم للإصابة بمرض الربو وغيره من الأمراض التنفسية الخطيرة. تُعدّ هذه المهنة من بين أخطر المهن في العالم، في ظل انعدام الأمن الوظيفي وانخفاض الأجور التي يتقاضاها العمّال. فيلم ' ولدت هناك، هنا ' المخرجة جمانة أسامة محمد أبو نحلة من فلسطين فيلم وثائقي قصير يوثق رحلة شخصية نادرة من غزة إلى الضفة الغربية، تتمكن فيها الراوية من كسر الحصار والوصول إلى أقرب نقطة من بلدة أجدادها 'يِيبنا'، التي هُجّروا منها عام 1948. تستحضر القصة مشاعر الحنين العميق إلى أرض الأجداد، وتعيد المشاهد إلى غزة تحت نيران الإبادة، حيث يتحوّل الصراع من نضال من أجل 'حق العودة' إلى معركة يومية من أجل البقاء. الفيلم شهادة حية على تعقيد الهوية الفلسطينية، حين يُولد الإنسان 'هنا وهناك' في آنٍ واحد — في وطنه، وفي منفاه. فيلم ' الفائزون الثلاث.. أنا الوحيد المتبقي ' المخرج إبراهيم البوعلايي من المغرب يتمحور الفيلم حول مجموعة من الشباب، يتقدّمهم الطفل أيمن ذو الثماني سنوات، ويقيمون جميعًا في مدينة تازة شمال شرق المغرب. يجمعهم شغف عميق برياضة الباركور، التي مارسوها لأكثر من إحدى عشرة سنة. لكن ضغوط الحياة وتبدّل الأولويات سلبتهم حلم الاستمرارية وصعوبة بناء مستقبل مهني في هذه الرياضة. يرصد الفيلم التحولات التي طرأت على حياة هؤلاء الشباب مع مرور الزمن، متتبعًا مصير كل واحد منهم في ظل أحلام مؤجلة وواقع متغير. فيلم ' أصوات الأرواح ' المخرجة فتنات واكد من فلسطين في السابع من أكتوبر، ومع اندلاع الحرب، شعرت بأن صوتي قد اختفى — كامرأة فلسطينية، وكمواطنة عربية في الداخل المحتل. منذ ذلك اليوم، تحوّلت حياتي إلى شهور من الصمت والخوف والارتباك. أعيش في أرض لم أشعر يومًا بأنها لي بالكامل، رغم كل محاولاتي في البحث عن جذورٍ لها في داخلي. هذا الفيلم هو رحلة للبحث عن الصوت وسط الفوضى، عن الكلمات التي خذلتني، والمعنى الذي ضاع بين ضجيج الحرب وصمت العجز. تنطلق الرحلة من يافا، حيث وُلدت تساؤلاتي الأولى، وتمتد إلى القدس، والضفة الغربية، وغزة — بحثًا عن انتماء ممزّق، ومحاولة لاستعادة ما تبقّى من صوتي. فيلم ' أرملة ' المخرجة زينب أحمد عبد الواسع من إريثيريا في مجتمع ينظر إلى الأرملة كقصة انتهت، يعيد فيلم أرملة تشكيل هذه الصورة، متتبعًا تفاصيل حياة امرأة فقدت زوجها، لكنها لم تفقد ذاتها. بمشاهد صامتة غنية بالمعاني، يعكس الفيلم قوة الاستمرار في مواجهة الفراغ، حيث تتحوّل الحرفة إلى لغة مقاومة، واليوميّ إلى شهادة على الكينونة. بين خيوط القماش وصوت ماكينة الخياطة، تتجسّد حياة الأرملة؛ لا تُروى بالكلمات، بل بالأفعال الصامتة التي تحمل في طياتها ألف حكاية. من قطعة قماش تجلس إلى جوارها، إلى آخر مكان ودّعت فيه زوجها، تتكوّن فسيفساء من الذكريات، المقاومة، والتجدد. لا يسعى الفيلم إلى إثارة الشفقة، بل يقدّم الأرملة كذات مستقلة، تجد في الهدوء ملجأً، وفي الاستمرار انتصارًا. أرملة ليس مجرد فيلم وثائقي عن الفقد، بل عن القدرة على خياطة حياة جديدة، رغم كل ما تمزّق. فيلم ' فين السينما ' المخرج أيوب أونزو من المغرب يروي الفيلم الوثائقي «فين السينما» حكاية طالب سينما ينطلق في رحلة بسيطة: البحث عن قاعة سينما لمشاهدة فيلم في مدينته، المحمدية. لكن سرعان ما يتحول هذا البحث إلى مواجهة مع واقع صادم — اختفاء القاعات السينمائية بالكامل من المدينة. مدفوعًا بالفضول، يبدأ الطالب تحقيقًا يقوده إلى جذور هذا الغياب، ويلتقي بأحد قدامى العاملين في تلك القاعات، الذي يفتح له أبواب الذاكرة على زمن ازدهار السينما، ثم أفولها تحت وطأة التحولات الزمنية. من خلال هذا اللقاء، يعكس الفيلم شغف هذا الشاب بعالم الفن السابع، ويطرح أسئلة جوهرية حول موقع الثقافة في الفضاء العمومي، مسلطًا الضوء على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت المحمدية. بعدسة هذا الطالب، يصحبنا الفيلم في رحلة مفعمة بالحنين والاكتشاف، نستعيد خلالها ملامح سينما غابت عن الشوارع، لكنها ما زالت تنبض في ذاكرة المدينة وسكّانها. فيلم ' عبد الله ' المخرجة إناس لوهير من المغرب بعد سنوات من العيش في فرنسا، عدتُ إلى المغرب لزيارة قرية أسلافي من جهة أمي، والوقوف على ضريح جدي. كانت الأرض قد يبست، لكن خضرتها بقيت حيّة في الذاكرة. في حضرة جدي، بين البقاع القاحلة، استعادت عائلتي المهاجرة صلتها بجذورها، وعادت إلى قرية لم تغادرها أرواح من بقوا فيها. ولدتُ في بلجيكا لأب فرنسي وأم مغربية، وقررت العودة إلى المغرب لأعيد وصل ما انقطع من علاقتي بجذوري. في البداية، شعرتُ بالغربة وسط ثقافتي الأم، لكن رحلاتي المتعددة مع جمعية تنموية إلى القرى النائية جعلتني أكتشف عالمًا شعرتُ بأنه يسكنني. من هنا بدأت رحلتي مع الكاميرا، بحثًا عن المعنى والانتماء. التحقتُ بمدرسة السينما في المغرب لدراسة الإخراج، ومنذ ذلك الحين أكتب وأصوّر قصصًا عن الهوية، عن تاريخنا المُستعمَر، وعن أثر الهجرة فينا. هذا الفيلم هو جزء من تلك الحكاية. فيلم ' نساء في المنفى ' المخرجة أسما بنت عون من الأردن يقدم هذا الفيلم الوثائقي نظرة عميقة على الحياة اليومية للنساء في مخيم اللاجئين في غزة، حيث يعرض بصدق نضالاتهن وصمودهن وطموحاتهن. من خلال مشاركة تجاربهن، يهدف المشروع إلى زيادة الوعي بحقيقة الحياة في فلسطين، وإيصال أصوات غالبًا ما تظل غير مسموعة. تمثل النساء في الفيلم مجتمعًا أوسع، حيث إن العديد منهن المعيلات الوحيدات لأسرهن، ويواجهن تحديات هائلة في غياب أزواجهن. من خلال مشاريعهن الريادية، يتمكنَّ من كسب دخل بسيط لدعم أطفالهن رغم قلة الموارد. لا يقتصر هذا الفيلم على تسليط الضوء على صمودهن، بل يسعى أيضًا إلى تعزيز الفهم وإلهام العمل. من خلال إبراز واقعهن، نأمل في إحداث تأثير إيجابي ملموس، وتقديم الدعم والتضامن لمن هن في أمسّ الحاجة إليه. قصصهن تستحق أن تُروى، وتُسمع، وتُقدَّر على نطاق عالمي. يذكر أن إدارة المسابقة تلقت أكثر من 160 فيلما من جميع أنحاء العالم، وقد عبرت الأفلام الـ10 مرحلة التصفيات التي أسفرت عن 30 فيلما، ثم مرحلة النهائيات التي اختزلت الأفلام إلى 10 أفلام، بناء على ترشيح لجنة الحُكام.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
سوريا ولبنان بين "تلازم المسارين" و"الانفصال"
تعود نشأة مصطلح "تلازم المسارين"، السوري واللبناني، إلى مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال عاصمته، وإخراج مقاتلي منظمة التحرير وقيادتها من بيروت، وبالتحديد بعد إبرام هذا البلد اتفاقًا مع إسرائيل عُرِف باسم: "اتفاق 17 أيار-1983″، وهو الاتفاق الذي سيَسقط قبل أن تتم المصادقة عليه، إثر "انتفاضة شعبية مسلحة". لعبت حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي دورًا حاسمًا في إطلاق تلك الانتفاضة، وبدعم كامل من سوريا وفصائل فلسطينية مقربة منها، وكان بنتيجتها، إلغاء كثيرٍ من مفاعيل وتداعيات حرب 1982 على المقاومة الفلسطينية ولبنان، ومن مظاهرها عودة النفوذ السوري المهيمن على لبنان، بعد سلسلة من الضربات المؤلمة التي تلقاها في تلك الحرب، وتنامي نفوذ "أمل" و"الحركة الوطنية"، وتمهيد الطريق لصعود حزب الله كلاعب رئيس على الساحة اللبنانية، سيتخطاها لاحقًا، إلى مساحات إقليمية أوسع نطاقًا، لا سيما بعد نجاحه في طرد الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، دون قيد أو شرط، في الخامس والعشرين من مايو/ أيار عام 2000. يومها، تركزت السردية السورية على أن لبنان محظور عليه إنجاز سلام أو تطبيع مع إسرائيل، قبل سوريا أو من دونها، وأن المسارين السوري واللبناني، متلازمان، لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتخلف عنه، الأمر الذي أثار انقسامًا عموديًا بين اللبنانيين، حيث عارضته قوى وازنة، مسيحية بالأساس، مدعومة ببعض الزعامات التقليدية من سنيّة وشيعية، سيتراجع دورها وتأثيرها، إثر تخفف لبنان من تداعيات الغزو الإسرائيلي، ونشوء ظاهرة المقاومة الإسلامية (الشيعية أساسًا)، وبدء صعود "الحريرية السياسية" على حساب البيوتات السنيّة التقليدية.. وأيدته قوى وازنة أيضًا، ضمّت "الثنائي الشيعي" والتقدمي الاشتراكي، وبقايا الحركة الوطنية اللبنانية، مدعومة بنفوذ إيراني متعاظم في البلدين "المتلازمين". وسيطفو مصطلح "التلازم" هذا، على السجالات السياسية اللبنانية مع انطلاق عملية السلام في مدريد، وسيحتدم الجدل حول مدى "صلاحيته" للحالة اللبنانية، مع "انفضاض الجمع العربي"، ونشوء ما عُرف بـ"سباق المسارات" التي انتهت بتوقيع الفلسطينيين اتفاقَ أوسلو والأردنيين معاهدةَ وادي عربة مع إسرائيل، في حين جاءت "لحظة" في مسار التفاوض العربي – الإسرائيلي، كادت فيها دمشق، أن تسبق الجميع إلى المحطة النهائية لقطار التفاوض، وقد عبّر عنها وزير خارجيتها في ذلك الوقت: فاروق الشرع، بقوله: "كل مين يقلّع شوكه بإيدو"، وفقًا لرواية رئيس الوزراء الأردني الراحل، فايز الطراونة. مقولة "تلازم المسارين"، وهي سورية المنشأ والمصب، لم تمنع دمشق، من تجريب حظوظها في الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل، وخاضت القيادة السورية، تحت حكم الأسدين: الأب والابن، صولات وجولات من التفاوض غير المباشر، تارة برعاية أميركية وأخرى تركية، حالت ظروف طارئة وتعقيدات اللحظة الأخيرة، وسوء التقديرات والحسابات، دون تتويجها بإبرام اتفاق أو معاهدة سلام، الأمر الذي أوحى لكثيرٍ من اللبنانيين، بأن حكاية "التلازم" ليست في واقع الحال، سوى تعبير ملتبس عن رغبة دمشق، في احتجاز المسار التفاوضي اللبناني، لتعزيز موقعها ودورها الإقليميين، وفي أقل تقدير، لتدعيم موقعها التفاوضي مع الجانب الأميركي – الإسرائيلي. اليوم، يعود الجدل حول تلازم المسارين أو انفصالهما، للاحتدام من جديد في لبنان وحوله، مدفوعًا بالتطورات العاصفة التي تلت "الطوفان"، ولا سيما بعد أن أبدت الإدارة السورية الجديدة، رغبتها في التفاوض واسترجاع التهدئة مع إسرائيل، لا سيما على خطوط التماس الساخنة في الجنوب، والتي عمدت حكومة نتنياهو إلى توسيعها وتعريضها، باحتلالها قمم جبال الشيخ ومساقط المياه في حوض اليرموك، واستئنافها سياسة العربدة واستباحة الأرض والسماء السوريتَين على أوسع نطاق، من دون أن تستبعد – الإدارة السورية – خيار السلام النهائي مع إسرائيل والالتحاق بالقاطرة الأبراهامية في محطة من محطاتها اللاحقة، ومع عودة الحديث من خارج السياق، عن "العدو المشترك"، في إشارة إلى إيران، ونقول خارج السياق، لأن حديثًا كهذا، لم يعد ذا صلة، بعد تطبيع العلاقات على ضفتَي الخليج بين العرب والإيرانيين. يربط لبنانيون كثر، ومعظمهم من الخصوم التاريخيين لنظام "الأسدين"، انفتاح العرب والمجتمع الدولي على سوريا ونظامها الجديد، وانتعاش آمال السوريين بقرب التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، بالإشارات التي لا تتوقف القيادة السورية الجديدة عن إرسالها لكل من يعنيهم الأمر، بما في ذلك تل أبيب، ورسائل "حسن النيَة" المتمثلة في إغلاق مكاتب ومعسكرات فلسطينية، وإخراج قيادات فلسطينية من سوريا، والإفراج عن جثامين لجنود إسرائيليين وأرشيف ومتعلقات الجاسوس الأشهر: إيلي كوهين، والتي اتسعت كذلك لتشتمل على إغلاق مكاتب "بوليساريو" بحضور رسمي مغربي. لسان حال هؤلاء يقول: إن كان الأمر جيدًا لسوريا، فلماذا لا يكون جيدًا للبنان كذلك.. وإذا كانت دمشق، ترى في وقف العربدة الإسرائيلية وإكراهات إعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية، مبررًا لسياساتها الانفتاحية، فإن لبنان بدوره، يدفع أفدح الأثمان للعربدة والاستباحة الإسرائيليتين، وهو بمسيس الحاجة للتعافي وإعادة الإعمار، كما أنه يعاني من عقوبات ومصاعب التصنيف في "المنطقة الرمادية"، ودولته كما الدولة السورية، هشّة، وبحاجة لمن يمنع انهيارها قبل فوات الأوان. وتذهب مقاربات هذا الفريق، أبعد من ذلك، إذ لا تكفّ أركانه عن إجراء المقارنات بين أداء الرئيس الانتقالي لسوريا، بأداء الفريق الرئاسي (ترويكا الرئاسات اللبنانية)، حيث الأول من وجهة نظر هذا الفريق، يبدي حسمًا وشجاعة في اتخاذ المواقف والتدابير، فيما سلوك الثاني يتسم بالتردد والمراوحة، بما يهدد فرص لبنان، وينقل الاهتمام والرعاية الدوليين، إلى دمشق، بدلًا عن بيروت.. لكأننا أمام "سباق بين المسارين": السوري واللبناني، وليس "تلازمهما" فقط، ودائمًا باتجاه طي صفحة الصراع وفتح صفحة سلام مع إسرائيل. يسخر هذا الفريق، من واحدة من "مسلمات" السياسة اللبنانية، التي استقرت في السنوات الأربعين الفائتة، ومفادها أن لبنان هو آخر دولة عربية تُوقع سلامًا وتُجري تطبيعًا مع إسرائيل.. يرى هذا الفريق، أن هذه الفرضية، باتت من الماضي، وأن البيئة الإقليمية بتوازناتها الجديدة، والعالم من حول لبنان، يدفعانه لمراجعتها، ومن على القاعدة إيَاها: "كل مين يقلع شوكه بإيدو".. هذه الفرضية لم يعد أحد من اللاعبين الدوليين، يأخذ بها كذلك، بدلالة التأكيد الأميركي المتكرر، على أن لبنان وسوريا مرشحان للانضمام إلى الاتفاقات الأبراهامية، قبل غيرهما. إذن، خصوم الأمس لنظرية تلازم المسارين، باتوا اليوم من أشد أنصار هذه الفرضية، بعضهم الأكثر حماسةـ لا يكتفون بالدعوة لتلازم مساري السلام والتطبيع، بل يستحثان الرئاسات اللبنانية، على استباق سوريا، ما دام أن "نافذة الفرج"، ستُفتح ما إن تغلق صفحة الصراع وتفتح صفحة السلام والتطبيع مع عدو ما زال يحتل مساحات كبيرة من لبنان، وينتهك حركة أرضه وشعبه وأجوائه. في المقابل، أشد المتحمسين سابقًا لنظرية "تلازم المسارين"، هم من أشد خصومها هذه الأيام، وفي مقدم هؤلاء حزب الله وحلفاؤه من لبنانيين وفلسطينيين.. لا يكفّ هذا الفريق عن شيطنة النظرية وأصحابها، تارة لأسباب منطقية ومعروفة، تتصل بالعدوات والثارات القديمة والجديدة مع كيان الاحتلال، وأطوارًا لأسباب تتعلق بالعداء الكامن للعهد السوري الجديد، وأنصاره في لبنان، وبعض الذين لا يرون في جديد سوريا، سوى مقاربتها لملف العلاقة مع الاحتلال. الانقسام اللبناني المحلي القديم يتجدد، ولكن الأطراف تتخذ مواقع وخنادق مختلفة، يتبادلون الأدوار، وكل منهما، يحشد ما يراه مناسبًا من الحجج والذرائع للبرهنة على صحة مواقفه.. والأمر ذاته، ينطبق على اللاعبين الإقليميين والدوليين، من كان منهم ضد تلازم المسارين زمن الأسدين، يعود اليوم للحديث عن سوريا ولبنان كرزمة واحدة، فالجدل في واشنطن على سبيل المثال، دار ويدور، حول ما إذا كان من الحكمة، تلزيم المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس ملف سوريا إلى جانب لبنان، أو أن من الأفضل تلزيم توماس باراك الموفد الأميركي إلى سوريا، وسفير واشنطن في أنقرة، الملف اللبناني كذلك.. أم أن الحاجة تقتضي توزيع الأحمال الثقيلة على اثنين من الموفدين بدلًا من واحد. وتشفّ "التسريبات" اللبنانية، المعلنة والمضمرة، أن ثمة توجهًا عند بعض عواصم القرار العربية، لتلزيم سوريا ملف لبنان، ولكن في سياق متجدد، تمليه قواعد المرحلة الجديدة التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتكرست في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، مثل هذه السجالات، تعيد إلى الأذهان، لا فكرة التلازم فحسب، وإنما عهد "الوصاية" كذلك.. أما المواقف حيال هذه "التسريبات، فتكاد تتوزع بالكيفية نفسها: فريق حزب الله يقف بالضد من هذا التوجه، وفريق القوات اللبنانية وصحبه، يقف مؤيدًا له، وإن بأقدار متفاوتة من الحذر النابع من المرجعية العقدية للنظام السوري الجديد. خلاصة القول؛ أن لبنان الذي قضى نصف قرن من "الوصاية" و"التلازم"، يبدو أنه سيجد نفسه، طائعًا أم مرغمًا، تحت ظلال هذه الثنائية: "الوصاية" و"التلازم"، وربما لردح طويل من الزمن.


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
بريطانيا تعد بتسليم 100 ألف مسيّرة لأوكرانيا وزيلينسكي يجري تعديلات بقيادة الجيش
تعهدت بريطانيا اليوم الأربعاء بتزويد أوكرانيا بـ100 ألف طائرة مُسيّرة، وذلك تزامنا مع إجراء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تغييرات في قمة قيادة جيش بلاده. وتعهدت الحكومة البريطانية بتسليم المسيرات بحلول نهاية السنة المالية الحالية في أبريل/نيسان 2026، وذلك بعد قولها إن الطائرات المسيرة غيّرت إستراتيجيات خوض الحروب. وقالت الحكومة البريطانية إن هذه المسيرات -التي تبلغ قيمتها 350 مليون جنيه إسترليني (473 مليون دولار)- تُعد جزءا من مبادرة دعم عسكري أوسع نطاقا لأوكرانيا تصل قيمته إلى 4.5 مليارات جنيه إسترليني (نحو 6 مليارات دولار أميركي). ومن المقرر أن يعلن وزير الدفاع جون هيلي عن هذا القرار في اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية لأوكرانيا التي تضم 50 دولة في بروكسل والذي تشارك ألمانيا في استضافته. وفي بيان قبيل الاجتماع، أكد هيلي أن "بريطانيا تكثف دعمها لأوكرانيا من خلال تسليم مئات الآلاف من الطائرات المسيرة هذا العام واستكمال إنجاز كبير في تسليم ذخيرة مدفعية بالغة الأهمية". وإلى جانب تسليم المسيرات، قالت بريطانيا إنها أتمت شحن 140 ألف قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا منذ يناير/كانون الثاني الماضي، وإنها ستنفق 247 مليون جنيه إسترليني (حوالي 334.5 دولار أميركي) هذا العام لتدريب قوات أوكرانية. تعديلات بقيادة الجيش في الأثناء، أجرى زيلينسكي تغييرات في قمة القيادة العسكرية، حيث أعلن مساء أمس الثلاثاء أن القائد السابق للجيش ميخايلو دراباتيي أعفي من المهام التنظيمية مثل التعبئة والتدريب وتجهيز المجندين. وقال زيلينسكي "سيركز دراباتيي بالكامل على القضايا القتالية، وتم تعيينه قائدا للقوات المشتركة حتى يتسنى له التركيز بنسبة 100% على الجبهة". وجاء تقليص مسؤوليات دراباتيي (42 عاما) بعد هجوم صاروخي روسي مميت استهدف ميدانا للتدريب العسكري في منطقة دنيبروبتروفسك، أسفر عن مقتل 12 جنديا أوكرانيا وإصابة العشرات. كما عيّن الرئيس الأوكراني أوليه أبوستول قائدا لقوات المظليين، وروبرت بروفدي قائدا لوحدات الطائرات المسيرة. وأعلن زيلينسكي أن فاديم سوخاريفسكي سيتولى مهمة تحديث هيكل القيادة بالكامل بصفته نائب القائد الجديد لمجموعة الجيش الشرقي. وتواجه أوكرانيا ضغوطا شديدة على الجبهة في ظل استمرار الغزو الروسي الذي دخل عامه الرابع. أضرار كبيرة وفي سياق متصل، قالت صحيفة واشنطن بوست إن صور أقمار صناعية ومقاطع فيديو أظهرت تضرر 13 طائرة روسية جراء الهجوم الأوكراني على قواعد عسكرية في عمق روسيا. ونقلت واشنطن بوست عن خبراء قولهم إن الطائرات المتضررة شملت 8 قاذفات من طراز "تي يو 95" البعيدة المدى والقادرة على حمل أسلحة نووية. وكانت الاستخبارات الأوكرانية أعلنت الأحد الماضي نجاحها في تنفيذ عملية نوعية ضخمة استهدفت 40 طائرة إستراتيجية روسية بسيبيريا، في حين توعدت موسكو بالرد، وقالت إن الهجمات استهدفت مطارات في 5 مقاطعات، وأكدت تصديها لبعضها واعتقال عدد من المشاركين. اجتماع إلى ذلك، يعقد وزراء الدفاع في مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا اجتماعا اليوم الأربعاء في بروكسل بهدف تنسيق وتعزيز الدعم العسكري المقدم لكييف. ومن المتوقع أن يقدم وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف إحاطة لحلفاء بلاده حول تطورات الوضع الميداني، بالإضافة إلى أبرز احتياجات أوكرانيا العاجلة. إعلان ومن المقرر أن يرأس المحادثات، التي كانت تقودها الولايات المتحدة في السابق، وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس ووزير الدفاع البريطاني جون هيلي. ويتولى هذان الوزيران المسؤولية خلفا لوزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن، الذي كان قد أطلق هذا الإطار المعروف أيضا باسم "مجموعة رامشتاين"، التي تضم نحو 50 دولة، وذلك قبل تغيير الإدارة في الولايات المتحدة. وقررت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب عدم قيادة المحادثات. وبدلا من ذلك، تهدف إلى دفع كييف و موسكو نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن. وتخشى دول أخرى أن يأتي مثل هذا الاتفاق على حساب أوكرانيا.