logo
العالم يزداد رداءة

العالم يزداد رداءة

صحيفة الخليجمنذ 3 أيام
غبت عن الكتابة في السياسة شهراً عامداً متعمداً. غبت عن الكتابة ولم أغب عن السياسة. عشت شهراً أتابع أنواعاً من السياسة لم ألاحظ لها مثيلاً على امتداد عمر لا شك صار مديداً. عشت شهراً أناقش بيني وبين نفسي أو بيني وبين أقران مارسوا السياسة أو الدبلوماسية عمراً أو عقوداً في العمر، أناقش ما كان يجمع ويفرق بيننا، أنا ونفسي أو أنا وأقراني، نناقش الشرق الأوسط الذي نعيش فيه، نقارن خرائطه الأحدث بخرائط رسمها الأقدمون، وخرائط رسمناها وقد استعرنا حدودها وخطوطها ومعانيها من أحلامنا، وخرائط بالعشرات من رسم كل عابر سبيل.
ضع الخرائط جانباً فهمّها صار أكبر من قدرتنا على تحمل هموم جديد. قابلتني عند عودتي من الاستراحة موجات عاتية من قلق عام وقلق فردي وقلق رسمي وقلق إعلامي. لا أظن أني مررت خلال مراحل عمري بحال كتلك الحال التي أجد فيها نفسي مع آخرين في الشرق الأوسط. رحت وراح ظني يبحثان عن سبب أو تبرير. لعله الاقتصاد بعد أن صار هو نفسه عنواناً لأزمة ترفض أن تغادر.
ضع أيضاً الاقتصاد جانباً كسبب من أسباب القلق السائد فكثير من هذا الاقتصاد، نادرة مصادره الطبيعية أو وفيرة، يخضع لمؤثرات خارجية. نغفل أو نتغافل عن عنصر الفوضى الضاربة في النظام الدولي وبخاصة تلك الضاربة في منظومة قواعده وأخلاقياته وفي مواثيقه. أذكر كيف كنا نثق في فعاليات وقدرات مجلس الأمن على سبيل المثال، وأعرف إلى أي حد لم تعد له هيبة كانت له بخاصة ولمؤسسات أممية أخرى بشكل عام. كان له دور أشبه بدور ضابط الإيقاع في فرقة موسيقية تعزف لحناً حسب قواعد مرسومة وواضحة. يزعجني أنني صرت أجد له شبهها عند «عسكري الدورية» في حينّا القديم قبل أن تصل إلينا عربة الأمن المتجولة. كانت صرخته كافية لتبعث في نفوس أهلي الشعور بالأمان قبل أن تصبح هذه الصرخة عند أطفال الحي، وأنا منهم، موضوع سخرية أو علامة بائدة من عصر انتهى إلى غير عودة.
أجد صعباً ومرهقاً تحميل مسؤولية الفوضى الدولية لكيان نحن وغيرنا من البشر صنعناه واخترنا أن نهدمه عندما بلغ الثمانين من عمره. هذا بالضبط ما كانوا يفعلون بالمواطنين المسنين في أزمنة القمع والاستبداد. كانوا يعتقدون أن المسنين أدوا واجبهم وأنهوا دورهم وحان وقت الاستغناء عنهم خاصة وقد أصبحوا مصدر إزعاج بسبب معتقداتهم وحاجاتهم ولأنهم من دون أن يعلنوا صاروا يذكرون المواطنين بماضٍ أفضل. نتصرف جميعاً، نحن دول وشعوب جنوب العالم، مع مجلس الأمن باعتباره صاحب الهيبة القديمة، بينما تتصرف معه الدول الكبرى، وبخاصة الدولة الأعظم، باعتباره كياناً مسناً يطرق أبواب نهاية دوره.
أعترف أننا قبل عقود لم يخطر على بالنا، إلا ربما على مستوى اهتماماتنا النظرية، أننا سوف نعيش لنشهد أفول النظام الدولي كما عرفناه، ولنشهد انحداراً متسارعاً لمكانة الدولة الأعظم في النظام القديم وصعوداً متسارعاً لمكانة الصين. لم يسفر سباق الهيبة حتى الآن، وبخاصة تداعياته الراهنة على صعيد العلاقات الدولية عموماً، عن أي تقدم أخلاقي أو عن قواعد وقيم جديدة تبشر بنهاية قريبة للضائقة الدولية الراهنة.
تنطلق شهاداتي وملاحظاتي من موقعي في جنوب العالم وبالذات في الشرق الأوسط. أشهد أن لا إقليم في العالم عانى نكبات بحجم ووحشية ما عاناه الشرق الأوسط خلال عامين أو أكثر من عمر الفوضى العالمية الراهنة. تابعنا اهتمام الباحثين المرموقين. لم يحدث في إقليم جنوب شرقي آسيا ولا في إفريقيا جنوب الصحراء ولا في أمريكا الجنوبية ولا في الإقليم الأوروبي مشكلة بحجم المشكلة المتعددة الأوجه والكوارث والهيبات الساقطة والانفجارات العنيفة وقتل الأطفال بعد تجويعهم والحصار المجنون وتصدع منظومة الغرب وانهيار سمعته الحضارية، أقصد مشكلة الشرق الأوسط.
لا نظام إقليمي خارج الشرق الأوسط تعرض في زمن هذه الفوضى العالمية لخطر انفراط مثلما وقع للنظام الإقليمي العربي، أقدم النظم الإقليمية على الإطلاق وأقربها، نظرياً، لفرص تحقيق الاندماج الاقتصادي والسياسي والأمني.
لماذا كُتب علينا القتال أو الاستعداد له بينما في الأقاليم الأخرى يستعدون للتنمية بعد أن تخلصوا من الاحتلال الأجنبي؟ لماذا نقبل أن يفرض على جميع دول الإقليم سلام هو والاحتلال شيء واحد؟ لماذا نقبل استقبال مبعوثين هم في غالبيتهم العظمى يدينون بعقائد خصوم الأمة، ونقبل استقبال وسطاء لتسوية صراع هم أنفسهم أطرافاً فيه؟
عادوا وعدنا. عادوا يسموننا بأسماء أقلياتنا وعدنا نقبل. رضينا ذات يوم بأولوية القطر إرضاء لفئة أو أخرى وطمعاً في تهدئة مخاوف الأقلية واقتناعاً بتجارب من سبقونا في أوروبا وغيرها نحو بناء الأمة الواحدة الناطقة بلغة أبنائها والحامية لتطلعاتهم. عادوا يقولون سوريا ليست واحدة لكل أقلياتها، وعدنا نرفض قولاً ونقبل أو نصمت فعلاً. أمامنا سوريا تمزقها إسرائيل علناً وجهاراً.
عادوا يسخرون منا في مناقشاتهم بالكنيسيت وعلى صفحات صحفهم وعلى شبكات إذاعاتهم، وعدنا نتحدث ونكتب ونخطب عن فارق التسلح والتزام أمريكا وبخاصة الرئيس ترامب الدفاع عن إسرائيل البريئة دائماً من اتهامات العرب وبخاصة من تهمتي الإبادة والتجويع، والاتهامات بالتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والنية المبيتة، لكن المعلنة، لإقامة نظام هيمنة إسرائيلية يغطي الشرق الأوسط كاملاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روسيا تدين اعتزام إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل
روسيا تدين اعتزام إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 26 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

روسيا تدين اعتزام إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل

وذكرت الخارجية في بيان لها أنه: "وبحسب التقارير، تهدف إسرائيل إلى إجلاء جميع المدنيين الفلسطينيين قسرا من المنطقة في المستقبل القريب، من دون ترك أي مدني خلفها، لم تخفِ الحكومة الإسرائيلية نيتها في السعي لاحتلال عسكري كامل لغزة". وأضاف البيان: "إن مثل هذه القرارات والأعمال، التي قوبلت بإدانة ورفض واسعين، تخاطر بتفاقم الوضع المتردي أصلا في الجيب الفلسطيني، والذي يحمل كل علامات الكارثة الإنسانية". واعتبرت الخارجية أن "المزيد من التصعيد سيقوض بشدة الجهود الدولية لتهدئة الصراع، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله". وأكدت روسيا"موقفها الثابت، أن وقف إطلاق النار الفوري في غزة أمر حتمي، ويجب إطلاق سراح جميع الرهائن والمعتقلين، ويجب استعادة وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق". وأشارت إلى أنه: "لا تزال موسكو متمسكة بقناعتها بأن الحل الوحيد القابل للتطبيق يكمن في الإطار المحدد للقانون الدولي، والذي يتمحور حول مبدأ الدولتين. وهذا يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن".

الخارجية العراقية تعترض رسميا على تصريحات السفير البريطاني
الخارجية العراقية تعترض رسميا على تصريحات السفير البريطاني

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

الخارجية العراقية تعترض رسميا على تصريحات السفير البريطاني

وأعرب وكيل الوزارة للشؤون الثنائية، السفير محمد حسين بحر العلوم، في اجتماع عُقد في مقر الوزارة الأحد، عن قلق الحكومة العميق، مؤكدا مجدداً أن "هذا السلوك يتعارض مع أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تُلزم الممثلين الدبلوماسيين باحترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة، والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية". وحثت حكومة العراق السفير على الامتناع عن أي تصريحات أو أنشطة أخرى من هذا النوع، والتصرف بما يدعم العلاقات الودية بين البلدين. وأكدت وزارة الخارجية، في بيان صحفي، على ضرورة الالتزام بالتواصل الدبلوماسي البنّاء، والتمسك بمبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وكان السفير البريطاني لدى العراق قد صرح في لقاء متلفز، الجمعة، بأن الحاجة إلى الحشد الشعبي في العراق انتفت.

محمد بن راشد: القضاء المستقل النزيه هو الحصن الأول لحماية الحقوق
محمد بن راشد: القضاء المستقل النزيه هو الحصن الأول لحماية الحقوق

صحيفة الخليج

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة الخليج

محمد بن راشد: القضاء المستقل النزيه هو الحصن الأول لحماية الحقوق

أمام صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أدى 35 من القضاة الجدد في محاكم دبي اليمين القانونية وذلك في مجلس «المضيف» بدار الاتحاد بدبي. وأعرب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن أمنياته للقضاة الجدد بالتوفيق في أداء مهامهم النبيلة، بإقامة ميزان العدل والفصل بين الناس بالحق والتمسك بقيم الشرف والنزاهة التي تُشكِّل الأساس الراسخ للقضاء وجوهر رسالته. وأكَّد سموّه أن القضاء المستقل النزيه هو الدعامة الأهم لاستقرار المجتمعات وتماسكها وهو الحصن الأول لحماية الحقوق وصون كرامة الإنسان، مشدداً على أهمية الدور الذي يضطلع به القضاة في ضمان سيادة القانون وترسيخ مبادئ العدالة ودعم مسيرة التنمية والبناء في الدولة وأوضح سموّه أن القاضي، بحكمه العادل وكلمته المنصفة، لا يحكم بين خصمين فحسب، بل يُسهم في بناء مجتمع يؤمن بالعدالة ويثق بالمؤسسات ويزدهر تحت مظلة القانون. وأعرب القضاة الجدد عن بالغ شكرهم وعميق امتنانهم لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على ثقته الغالية وتوجيهاته السامية، مؤكدين أن كلمات سموّه تشكِّل لهم مصدر فخر واعتزاز ودافعاً لبذل أقصى الجهد في أداء واجبهم القضائي بكل أمانة وتجرد ونزاهة. حضر مراسم أداء اليمين.. محمد إبراهيم الشيباني، مدير ديوان صاحب السمو حاكم دبي نائب رئيس المجلس القضائي في دبي والدكتور سيف غانم السويدي، مدير محاكم دبي والدكتور عبد الله سيف السبوسي، الأمين العام للمجلس القضائي في دبي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store