
ابو ياسين …عزالدين سليم العروج الاخير
في التجارب الانسانية الكثيرة التي مرت على الانسان ، وفي في خضم الصراع بين الانسان والمجتمع ، يجب على الشخص الواعي وصاحب البصيرة والذي يمتلك التحليل الموضوعي للاحداث ان يكون مستعدا لخسارة كل العالم مقابل ان لايخسر ضميره ، فالضمير هو الطريق الذي يجب ان يسلكه الانسان المنصف للشخوص والاحداث، والفصل ما بين هو حقيقي او ظاهري ، هذه الحقيقة واجهتني وانا اغوص في بحر الشهيد الكبير الحاج ابا ياسين ، عزالدين سليم او عبد الزهراء عثمان الحجاج .
ولد عبد الزهراء عثمان محمد عام 1943. وكانت ولادته في قرية (الهوير) التابعة الى محافظة البصرة ، دخل بين الرابعة والخامسة من عمره في الكتّاب لتعليم القرآن، حيث لم يكن في منطقة (الهوير) وما حولها من القرى القريبة مدرسة ابتدائية ولولا الكتاتيب القليلة، لانعدمت القراءة والكتابة. وفي عام 1952م أسست الحكومة «مدرسة الهوير الابتدائية» ودخل فيها في الصف الأول الابتدائي، وبعد إكمال دراسته الابتدائية انتقل إلى مدينة القرنة التي تبعد حوالي 30 كم عن محل سكنه. أكمل الدراسة في قضاء القرنة، وحصل على شهادة المتوسطة. ولم يكن في البصرة يوم ذاك جامعة، وإنما على الطالب البصري إذا أراد أن يكمل دراسته الجامعية أن يذهب إلى بغداد، مما اضطره إلى الدراسة في دار المعلمين. أنهى دراسته الأكاديمية عام 1964م ومارس مهنة التدريس في العراق والكويت في عام 1965م إلى عام 1980م، حيث درّس العربية والتاريخ والاجتماعيات في المدارس وعلى مراحل مختلفة.
اهتم بالتأليف والتثقيف، وكتابة المقالات العلمية منذ عام 1967م، حتى صدر له أول كتاب عام 1969م، بعد مشاركته في مسابقة التأليف العالمية عن سيرة الصديقة فاطمة بنت الرسول، حيث فاز كتابه الزهراء فاطمة بنت محمد بالجائزة الثانية .حت ى وصلت مؤلفاته الى اكثر من ثمانين نتاجاُ توزعت بين السيرة، العقيدة، التاريخ، السياسة، والثقافة العامة ، انتمى في أثناء دراسته الأكاديمية إلى الحركة الإسلامية، إذ مارس العمل السياسي التنظيمي منذ بدايات شبابه، وسجن مرات عديدة أيام حكم حزب البعث للعراق، حتى صدر عليه حكم الإعدام، مما اضطره إلى مغادرة الوطن وممارسة نشاطه العلمي والسياسي خارج العراق بأسماء مستعارة، كمحمد أبو المجد وفرج الله منتظر وعبد الله سعيد العبادي ومحمد مزهر وأشهرها عز الدين سليم . وفي عام 1961م، عمل عز الدين سليم ضمن تنظيم (الدعوة الإسلامية) في العراق الذي عرف إعلامياً بحزب الدعوة فيما بعد وتدرج في التنظيم حتى أصبح أحد قيادييه. في عـام 1975م اعتقل في محـافظة البصـرة ونقـل إلى مديريـة أمن الديوانية بتهمة انتمائه للتنظيم المذكور ثم أطلـق سراحه بأعجوبة بعد عدم التعرف على شخصيته، وطُورد في نهاية نفـس العام مرة ثانية، ممـا اضطره إلى الهجرة خارج العراق. غادر العراق إلى الكويت سراً وعاش فيها خمس سنوات وباشر العمل ضد النظام العراقي آنذاك مع عدد من الناشطين العراقيين منهم السيد هاشم الموسوي ، وبعد انكشاف عملهم غادر إلى إيران في بداية عام 1980م.
في عام 1980م ظهرت اختلافات في قيادة الدعوة، فشكّل عز الدين سليم ومجموعة من العاملين (حركة الدعوة الإسلامية)، فكانت هذه السنة انعطافا مهما في حياة الحاج ابو ياسين ، بعد تاسيس المجلس الاعلى عام 1982 اصبح عضوا ومشرفا على اعلام المجلس الاعلى لمدة 15 عشر عاما . كان عضواً في الشورى المركزية للمجلس الأعلى أكثر من عشر سنوات، ومسؤولاً لللجنة الثقافية المركزية في المجلس ، ترك العمل في المجلس الأعلى عام 2001م.
عاد إلى العراق في 17/5/2003م وقد استقبل استقبالاً حاشداً من قبل الجماهير اصبح عز الدين سليم عضواً في مجلس الحكم العراقي منذ تأسيسه حتى اغتياله ، كان أحد المؤسسين للبيت الإسلامي الذي تأسس في بغداد بعد سقوط النظام العراقي تسلم رئاسة مجلس الحكم العراقي في 1/5/2004م، أثر تصويت أكثرية أعضاء المجلس لرئاسته اغتيل عز الدين سليم في صباح يوم الاثنين المصادف 17/5/2004 في نفس التاريخ الذي دخل فيه العراق قبل عام.
نجح ابو ياسين في تكوين تاريخ سياسي اسلامي فريد في مساره اعتمد على علميته وثقته بالله وحبه لدينه ، جمع بين الجهاد والكتابة والدراسة وادارة الملف الاعلامي والاشراف عليه للمعارضة العراقية . اتخذ خطا سياسيا معتدلا وازن فيه بين المختلفين ايدلوجياوجهاديا ،قاد الكثير من المفاوضات بين السياسين العراقيين المعارضين ، فاصبح خطا فريداً بذاته ، يجمع ابا ياسين . رحل ابا ياسين بعد ان ترك بصمة جديدة في سجل التاريخ السياسي العراقي جمع فيها بين التواضع والجهاد والتدين ...

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 5 أيام
- موقع كتابات
ابو ياسين …عزالدين سليم العروج الاخير
في التجارب الانسانية الكثيرة التي مرت على الانسان ، وفي في خضم الصراع بين الانسان والمجتمع ، يجب على الشخص الواعي وصاحب البصيرة والذي يمتلك التحليل الموضوعي للاحداث ان يكون مستعدا لخسارة كل العالم مقابل ان لايخسر ضميره ، فالضمير هو الطريق الذي يجب ان يسلكه الانسان المنصف للشخوص والاحداث، والفصل ما بين هو حقيقي او ظاهري ، هذه الحقيقة واجهتني وانا اغوص في بحر الشهيد الكبير الحاج ابا ياسين ، عزالدين سليم او عبد الزهراء عثمان الحجاج . ولد عبد الزهراء عثمان محمد عام 1943. وكانت ولادته في قرية (الهوير) التابعة الى محافظة البصرة ، دخل بين الرابعة والخامسة من عمره في الكتّاب لتعليم القرآن، حيث لم يكن في منطقة (الهوير) وما حولها من القرى القريبة مدرسة ابتدائية ولولا الكتاتيب القليلة، لانعدمت القراءة والكتابة. وفي عام 1952م أسست الحكومة «مدرسة الهوير الابتدائية» ودخل فيها في الصف الأول الابتدائي، وبعد إكمال دراسته الابتدائية انتقل إلى مدينة القرنة التي تبعد حوالي 30 كم عن محل سكنه. أكمل الدراسة في قضاء القرنة، وحصل على شهادة المتوسطة. ولم يكن في البصرة يوم ذاك جامعة، وإنما على الطالب البصري إذا أراد أن يكمل دراسته الجامعية أن يذهب إلى بغداد، مما اضطره إلى الدراسة في دار المعلمين. أنهى دراسته الأكاديمية عام 1964م ومارس مهنة التدريس في العراق والكويت في عام 1965م إلى عام 1980م، حيث درّس العربية والتاريخ والاجتماعيات في المدارس وعلى مراحل مختلفة. اهتم بالتأليف والتثقيف، وكتابة المقالات العلمية منذ عام 1967م، حتى صدر له أول كتاب عام 1969م، بعد مشاركته في مسابقة التأليف العالمية عن سيرة الصديقة فاطمة بنت الرسول، حيث فاز كتابه الزهراء فاطمة بنت محمد بالجائزة الثانية .حت ى وصلت مؤلفاته الى اكثر من ثمانين نتاجاُ توزعت بين السيرة، العقيدة، التاريخ، السياسة، والثقافة العامة ، انتمى في أثناء دراسته الأكاديمية إلى الحركة الإسلامية، إذ مارس العمل السياسي التنظيمي منذ بدايات شبابه، وسجن مرات عديدة أيام حكم حزب البعث للعراق، حتى صدر عليه حكم الإعدام، مما اضطره إلى مغادرة الوطن وممارسة نشاطه العلمي والسياسي خارج العراق بأسماء مستعارة، كمحمد أبو المجد وفرج الله منتظر وعبد الله سعيد العبادي ومحمد مزهر وأشهرها عز الدين سليم . وفي عام 1961م، عمل عز الدين سليم ضمن تنظيم (الدعوة الإسلامية) في العراق الذي عرف إعلامياً بحزب الدعوة فيما بعد وتدرج في التنظيم حتى أصبح أحد قيادييه. في عـام 1975م اعتقل في محـافظة البصـرة ونقـل إلى مديريـة أمن الديوانية بتهمة انتمائه للتنظيم المذكور ثم أطلـق سراحه بأعجوبة بعد عدم التعرف على شخصيته، وطُورد في نهاية نفـس العام مرة ثانية، ممـا اضطره إلى الهجرة خارج العراق. غادر العراق إلى الكويت سراً وعاش فيها خمس سنوات وباشر العمل ضد النظام العراقي آنذاك مع عدد من الناشطين العراقيين منهم السيد هاشم الموسوي ، وبعد انكشاف عملهم غادر إلى إيران في بداية عام 1980م. في عام 1980م ظهرت اختلافات في قيادة الدعوة، فشكّل عز الدين سليم ومجموعة من العاملين (حركة الدعوة الإسلامية)، فكانت هذه السنة انعطافا مهما في حياة الحاج ابو ياسين ، بعد تاسيس المجلس الاعلى عام 1982 اصبح عضوا ومشرفا على اعلام المجلس الاعلى لمدة 15 عشر عاما . كان عضواً في الشورى المركزية للمجلس الأعلى أكثر من عشر سنوات، ومسؤولاً لللجنة الثقافية المركزية في المجلس ، ترك العمل في المجلس الأعلى عام 2001م. عاد إلى العراق في 17/5/2003م وقد استقبل استقبالاً حاشداً من قبل الجماهير اصبح عز الدين سليم عضواً في مجلس الحكم العراقي منذ تأسيسه حتى اغتياله ، كان أحد المؤسسين للبيت الإسلامي الذي تأسس في بغداد بعد سقوط النظام العراقي تسلم رئاسة مجلس الحكم العراقي في 1/5/2004م، أثر تصويت أكثرية أعضاء المجلس لرئاسته اغتيل عز الدين سليم في صباح يوم الاثنين المصادف 17/5/2004 في نفس التاريخ الذي دخل فيه العراق قبل عام. نجح ابو ياسين في تكوين تاريخ سياسي اسلامي فريد في مساره اعتمد على علميته وثقته بالله وحبه لدينه ، جمع بين الجهاد والكتابة والدراسة وادارة الملف الاعلامي والاشراف عليه للمعارضة العراقية . اتخذ خطا سياسيا معتدلا وازن فيه بين المختلفين ايدلوجياوجهاديا ،قاد الكثير من المفاوضات بين السياسين العراقيين المعارضين ، فاصبح خطا فريداً بذاته ، يجمع ابا ياسين . رحل ابا ياسين بعد ان ترك بصمة جديدة في سجل التاريخ السياسي العراقي جمع فيها بين التواضع والجهاد والتدين ...


شفق نيوز
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
من المسجد إلى البرلمان.. الإسلاميون في كوردستان على مفترق طرق
شفق نيوز/ تعيش الحركات الإسلامية في إقليم كوردستان حالة مفارقة بين مؤشرات التراجع وفرص التمدد. فعلى الرغم من أن المزاج المجتمعي الكوردي، جامع بين التدين وتطلع قومي حداثي، إلا أن الدعم الشعبي للقوى الإسلامية ظل محدودًا نسبيًا. يبدو المشهد مركباً، حيث تتقاطع الطموحات الإسلامية مع الهوية القومية الكوردية، في وقت تتزايد فيه التدخلات الإقليمية وتتحول النزعة الدينية من مشروع سياسي إلى ظاهرة اجتماعية بحتة. وبينما يؤكد قادة الإسلاميين تصاعد نفوذهم وانتعاش حضورهم الانتخابي، يرى خبراء أن الإسلام السياسي الكوردستاني يفقد الزخم لاعتبارات تاريخية وفكرية. هذا التباين في الرؤى يطرح تساؤلات حول مستقبل تلك الحركات في ظل التأثيرات الإقليمية والهوية القومية الكوردية، وعلاقة التدين الشعبي بنفوذ الإسلام السياسي. جذور تاريخية وخارطة متشعبة نشأت الحركات الإسلامية الكوردستانية في صورتها الحزبية خلال أواخر القرن العشرين. فقد تأسست الحركة الإسلامية في كوردستان عام 1987 بقيادة الشيخ عثمان عبد العزيز وآخرين، مستلهمة أفكار الإخوان المسلمين وبعض الاتجاهات السلفية. شهدت التسعينيات بروز الاتحاد الإسلامي الكوردستاني عام 1991 كفرع كوردي للإخوان المسلمين بعد الانتفاضة الشعبية ضد نظام صدام، إلى جانب استمرار الحركة الإسلامية ذات الطابع العسكري آنذاك. دخلت الحركة الإسلامية في مواجهات مسلحة مع القوى الكوردية بطابعها العلماني (مثل الاتحاد الوطني الكوردستاني) خلال تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تنخرط لاحقًا في العملية السياسية إثر وساطات إقليمية. وفي مطلع الألفية الجديدة، ظهرت الجماعة الإسلامية في كوردستان (جماعة العدل الإسلامية) بقيادة علي بابير إثر انشقاقها عن الحركة الأم بسبب خلافات داخلية. كما نشأت جماعات متشددة أصغر مثل أنصار الإسلام التي ارتبطت بتنظيم القاعدة عالميًا. ورغم هذا التنوع، لم تستطع الأحزاب الإسلامية مجتمعة تحقيق اختراق انتخابي كبير؛ إذ بلغت حصتها نحو 15% فقط من أصوات الناخبين في أفضل حالاتها. ما يدلل أن الإسلاميين في كوردستان واجهوا منافسة شديدة من الأحزاب القومية العلمانية، وظل تمثيلهم السياسي هامشيًا نسبيًا. واقع متقلب في الوقت الراهن، تنقسم القراءات حول نفوذ الإسلاميين بين من ينفي تراجعهم ومن يؤكده. مثلاً، أحمد حاجي رشيد، القيادي في جماعة العدل الإسلامية، يرفض فكرة انحسار دور الإسلاميين، ويؤكد في حديث لوكالة شفق نيوز، أنه "ليس هناك أي تراجع، بل على العكس نحن نتقدم انتخابيًا وتزداد ثقة الناس بنا". وينوه رشيد إلى ضرورة التمييز بين الإسلام كظاهرة اجتماعية وبين العمل الحزبي الإسلامي، فمن وجهة نظره، التدين المجتمعي العميق في كوردستان ينعكس في زيادة التأييد للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهو ما ظهر في نتائج الانتخابات الأخيرة بحسب رأيه. ويستدل بذلك على سبيل المثال بحصول الأحزاب الإسلامية على أربعة مقاعد في الدورة الرابعة لمجلس النواب العراقي، وارتفع العدد إلى خمسة مقاعد في الدورة الخامسة، بالإضافة إلى في الانتخابات الأخيرة لبرلمان كوردستان، حصدت الأحزاب الإسلامية عشرة مقاعد، مقارنة بـ 12 مقعداً في الدورة السابقة، ورأى أن ذلك تراجع طفيف لا يعكس الواقع في الحضور الجماهيري، بحسب قوله. على النقيض، يرى آخرون أن نفوذ الإسلاميين يتجه للأفول. فؤاد مجيد، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، يشير لوكالة شفق نيوز، إلى أن "تيار الإسلام السياسي الكوردستاني يشهد تراجعًا فعليًا، لافتقاره إلى جذور تاريخية عميقة في المجتمع الكوردي، وضعف خطابه عن مواكبة الطموحات القومية للكورد". فبحسب مجيد، "لم تنبع هذه الحركات من صلب السياق الكوردي بقدر ما جاءت تقليدًا لنسخ إقليمية، فلم تتبنَّ بشكل مقنع تطلعات الهوية الكوردية، يُضاف إلى ذلك إرث التجربة العنيفة للتطرف الديني في المنطقة؛ إذ إن تصاعد تنظيمات مثل داعش والتي يعتبرها البعض إحدى مفرزات الإسلام السياسي، أدى إلى نفور قطاعات من الشارع الكوردي من الأحزاب الإسلامية المعتدلة أيضًا". "الكثير من المتدينين لا ينتمون لأي حزب سياسي، وبعضهم على خلاف فكري صريح مع الجماعات الإسلامية.، يقول مجيد. ويُذكّر منتقدو الإسلاميين بأن حضورهم النيابي المتواضع تراجع أكثر في السنوات الأخيرة، متوقعين أن يظل محدودًا وربما دون 10% ما لم يجرِ تغيير جوهري في نهجهم. بعيداً عن جدل المقاعد الانتخابية، يلفت الدكتور كارزان مراد، الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية، النظر إلى تهديد آخر: اختراق الطائفية للهوية الكوردية. ويؤكد لوكالة شفق نيوز أن "حركات مثل السلفية، والشيعة السياسية، والإخوان المسلمين لا تُمثل فقط تيارات دينية، بل أدوات لقوى إقليمية تهدف لضرب المشروع الوطني الكوردي، كما تستغل الفراغات الاجتماعية لتكريس الانتماءات المذهبية على حساب الانتماء القومي، بالإضاف إلى محاولات ميليشيات مدعومة من طهران تغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق المتنازع عليها". "هذه التيارات تعتبر الانتماء القومي بدعة، كما تسهم في تغذية التطرف ورفض التقاليد الكوردية، وهو ما تجلى في مأساة سنجار عام 2014 بعد اجتياح داعش للمنطقة"، يقول مراد في إشارة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون. ويخلص إلى أن تنامي نفوذ أجندات إسلاموية عابرة للقوميات قد يضعف وحدة الصف الكوردي، إذ تستغل هذه التيارات الدين لأهداف سياسية قد لا تنسجم مع المشروع القومي الكوردي. بين التأثيرات الإقليمية والتدين الشعبي لم تكن تحولات واقع الإسلاميين في كوردستان بمنأى عن التطورات الإقليمية، فبيئة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية اتسمت بصعود وهبوط مد الإسلام السياسي، من الثورة الإيرانية إلى موجة الإخوان المسلمين مرورًا بظهور الجماعات الجهادية. وقد تأثر المشهد الكوردستاني بهذه الموجات وإن بشكل غير مباشر؛ فالدعم الخارجي لبعض الأحزاب الإسلامية الكوردية من قِبل قوى إقليمية (مثل علاقات التقارب بين الاتحاد الإسلامي وتركيا) وترابط الفكر الإخواني عبر الحدود، كلها عوامل ساهمت في تشكيل حراك الإسلام السياسي المحلي. بالمقابل، دفعت التحديات الأمنية كالحرب ضد داعش الكثير من الكورد إلى الالتفاف حول أحزابهم القومية كملاذ آمن، معتبرين الخطاب الإسلامي السياسي أقل أولوية أمام مخاطر تهدد كيان الإقليم. في الوقت ذاته، يبقى التدين الشعبي سمة بارزة في المجتمع الكوردي، حيث تتعايش مظاهر التدين اليومي كارتداء الحجاب والتردد على المساجد والتقاليد الصوفية مع ولاء سياسي واسع للأحزاب العلمانية القومية. هذا التعايش يبرز المفارقة بين قوة الإسلام كدين في وجدان الناس وبين حضوره المحدود كتيار سياسي. وقد لخص أحمد حاجي رشيد هذه المفارقة بقوله إن الإسلام الشعبي الراسخ شيء والإسلام السياسي شيء آخر، في إشارة إلى أن تدين المجتمع لا يترجم تلقائيًا إلى أصوات انتخابية. ومع ذلك، يتمسك الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بموقعه في المعارضة، رافضاً الانجرار إلى "خطاب شعبوي"، وفق ما قاله عضو المكتب السياسي غازي سعيد لوكالة شفق نيوز. ويضيف: "اخترنا عدم المشاركة في الحكومة الأخيرة بسبب التحديات الخدمية والاقتصادية وغياب الشفافية. رغم ذلك، حافظنا على تمثيل جيد، بل ارتفعت مقاعدنا في البرلمان الكوردستاني من خمسة إلى سبعة، رغم تقليص عدد المقاعد المتنافس عليها." كما يشير خلال حديثه: "نعتقد أن بعض الأحزاب قد تحصد مقاعد لحظةً، لكنها تذوب سريعاً. نحن نؤمن بالثبات على المبادئ، لا على الموجات الانتخابية العابرة." مستقبل ضبابي أم انتعاشة محتملة؟ ويخلص مراقبون وسياسيون تحدثت معهم وكالة شفق نيوز، أن مستقبل الإسلام السياسي في إقليم كوردستان لا يزال مفتوحًا على عدة سيناريوهات، في ظل اختلاف التقييمات بين الفاعلين. فبين خطاب التفاؤل الحذر الذي يروج له قادة الحركات الإسلامية حول تنامي حضورهم الشعبي، ونظرة التشكيك التي يطرحها الخبراء حيال تراجعهم المستمر، يبقى المشهد ضبابيًا. وفيما تتصاعد في المنطقة تيارات إسلامية مدعومة من الخارج، تركياً وإيرانياً وقطرياً، يظل المجتمع الكوردي، بحسب المراقبين، متمسكاً بهويته، محافظاً على تديّنه، لكن دون تفويض سياسي مباشر للإسلاميين. وفيما يراهن البعض على اندماج أكبر للإسلاميين في المشروع الكوردي بإطار مدني ديمقراطي، يخشى آخرون من أن يظل الإسلام السياسي طيفًا ثانويًا أمام بريق الخطاب القومي العلماني في كوردستان. والمحصلة أن حركة التاريخ وحدها ستكشف أي الرهانات ستربح في نهاية المطاف، في إقليم يجد توازنه الخاص بين الدين والوطنية.


ساحة التحرير
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح! عادل الجبوري منذ اللحظات الأولى للانقلاب الكبير في منظومة الحكم السورية، في الثامن من شهر كانون الأول-ديسمبر 2024، والمتمثل بسقوط نظام حزب البعث بزعامة بشار الأسد، واستحواذ جبهة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على مقاليد الأمور، لم يتوقف الجدل والسجال الحاد في العراق بخصوص الآلية السليمة للتعاطي مع الوضع الجديد بالشكل الذي يجنّب البلاد الانزلاق، مرة أخرى، إلى مستنقع الإرهاب والفوضى، بعدما راح يتعافى ويستقر شيئا فشيئا. لم يكن العراق بعيدًا عن تفاعلات المواقف والتوجهات الإقليمية والدولية المرتبكة حيال سوريا الجديدة، لقد كانت تداعيات وإسقاطات المأزق السوري أكثر وطأة وتأثيرًا وقلقُا عليه من أطراف أخرى، بحكم الجوار الجغرافي والتراكمات التأريخية البعيدة والقريبة، والممتدة لستة عقود من الزمن، والتي ربما كانت وقائع وأحداث العقدين المنصرمين هي الأشد والأصعب ممّا سبقها. لقد برز اتجاهان متقاطعان، في بغداد، للتعاطي مع دمشق، بعد الثامن من كانون الأول-ديسمبر 2024. الاتجاه الأول؛ بدا أنّه ذو طابع رسمي، أو شبه رسمي، عكسته مواقف الحكومة العراقية، وتمثل بمدّ بعض خيوط التواصل المباشر وغير المباشر مع السلطات الحاكمة في دمشق، انطلاقا من جملة حقائق ومسوّغات، من بينها السعي للحؤول دون اندلاع صراع داخلي، يكون أحد ضحاياه المكوّن العلوي، من دون أن يعني ذلك عدم الحرص على المكونات الأخرى. ولكن؛ لأنّ ذلك المكون قد يكون المستهدف الأكبر لأسباب سياسية وعقدية، ربما تتجاوز حدود الجغرافيا السورية، وكذلك لدفع خطر تنظيم داعش الإرهابي عن العراق، إلى جانب تداخل المصالح والحسابات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين العراق وسوريا. والأهم من هذا وذاك، هو العمل على منع توسع نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة وسوريا، من خلال بنائه علاقات جيدة مع النظام السياسي الجديد في دمشق. لقد اتضحت تلك الحقائق والمسوّغات، في تصريحات عديدة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومسؤولين حكوميين وساسة عراقيين، فضلاً عن الحراك ذي الطابع الأمني والدبلوماسي بين بغداد ودمشق، والذي تمثل في جانب منه بزيارتين قام بهما رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى سوريا- الأولى في أواخر العام الماضي والثانية في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الجاري- فضلاً عن زيارات غير رسمية لشخصيات سياسية مقربة من السوداني، إلى جانب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للعراق، في منتصف شهر أذار/ مارس الماضي. لعلّ التطور الأهم، في ذلك الحراك، تمثل باللقاء الذي جمع السوداني بالشرع، برعاية وحضور أمير قطر تميم بن حمد بالدوحة في السابع عشر من شهر نيسان/أبريل الجاري. وقبل ذلك بيوم واحد، كان السوداني قد أعلن، في كلمة له في ملتقى السليمانية، توجيه دعوة رسمية للشرع للمشاركة في القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد في السابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل. هذا الأمر أثار الكثير من اللغط والجدل، في المحافل السياسية والأوساط الشعبية العراقية، مع أن السوداني شرح وأوضح بالتفصيل متبنيات الموقف العراقي حيال سوريا الجديدة، علمًا أنه في كل اللقاءات التي حصلت بين الطرفين غابت الأجواء الودية إلى حد كبير، والتي يفترض أن تكون حاضرة في ظل توفر الظروف الطبيعية والعلاقات البناءة. في هذا السياق تحديدًا؛ عند لقاء السوداني بالشرع ودعوته لحضور القمة العربية في بغداد، تبلورت وبرزت رؤية الاتجاه الثاني بدرجة أكبر، وهو الرافض لأي تعاطي إيجابي مع الشرع. وذلك لأسباب ومسوّغات عديدة، لعل أهمها وأبرزها: أنّ الأخير متورط وضالع بارتكاب عمليات إرهابية في العراق، قبل خمسة عشر عامًا أو أكثر، حينما كان عنصرًا بارزًا في تنظيم القاعدة الإرهابي، وبحسب ما يقال هناك ملف قضائي بشأنه، وهو مدان ومطلوب للقضاء العراقي. وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن التعامل والتصالح، بأي شكل من الأشكال، مع شخص إرهابي، ملطخة يديه بدماء العراقيين الأبرياء، يعدّ خيانة واستخفافًا بأرواح الضحايا ودمائها. هذا فضلًا عن أن المجازر التي ارتكبت، قبل بضعة أسابيع ضد أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل السوري، تؤشر إلى أن منهج الحكم الجديد يقوم على أسس تكفيرية إجرامية، تستهدف إلغاء الآخر والقضاء عليه، بدلًا من التعايش والتصالح معه. بين هذين الاتجاهين؛ هناك من يرى ويعتقد بضرورة التأني والترقب لبعض الوقت، قبل اتخاذ أي مسار؛ لأنّ الصورة ما تزال غامضة ومشوشة، والأوضاع مرتبكة وقلقة، ومواقف دمشق غير متبلورة وناضجة بالقدر الكافي. هذه الرؤية تقترب كثيرًا من حراك الاتجاه الأول، وبيد أنها تتمحور في فكرة التحرك المحسوب والحذر، والتي تقوم على دراسة وبحث كل خطوة بعناية، وتشخيص مجمل أبعادها الإيجابية والسلبية، قبل الذهاب إلى الخطوة الثانية، وهكذا. في هذا الاطار؛ قد يبدو العراق أمام أحد خيارين، إما أن يعدّ ما حصل في سوريا هو شأن داخلي، وعليه أن يتعامل ويتحاور مع أصحاب القرار هناك بخصوص الملفات والقضايا المشتركة، في ضوء مصالحه الوطنية، مثل ملفات: مواجهة الإرهاب الداعشي، تأمين الحدود، تأمين حياة المواطنين العراقيين المقيمين في سوريا، التبادل التجاري وملفات اخرى. وممّا لا شك فيه أن ذلك الخيار الواقعي يمكن أن يجنّب البلاد الكثير من المشكلات والأزمات، في الوقت ذاته يجعل الحكومة العراقية قادرة على القيام بمبادرات إيجابية في الداخل السوري، لتنعكس بدورها على الداخل العراقي. أما الخيار الثاني؛ فيتمثل في أن منظومة الحكم الجديد في سوريا، ابتداءً من رئيسها، هي منظومة إرهابية من غير الممكن التعامل والتواصل معها سياسيًا، وحينذاك يكون البديل الذهاب إلى خيار المواجهة معها بمسارات مفتوحة ونهايات مجهولة. في الوقت ذاته؛ لا يمكن- ومن غير الصحيح- للعراق أن يطوي صفحات الماضي، وكأنّ شيئا لم يكن، إذ ليس صحيحًا أن يتجاهل حقائق الواقع وضرورات المصالح الوطنية العامة ومقتضيات الاستقرار الإقليمي، وكل ذلك لن يتحقق بتجاهل بعض الأمور على حساب أمور أخرى، أو التركيز على بعضها وإهمال البعض الآخر. أضف إلى ذلك؛ أنّه من الصعب بمكان القفز فوق حقيقة أن ملفات المنطقة كلها متداخلة ومتشابكة، وكل ملف يؤثر في الآخر ويتأثر به. 2025-04-27 The post جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.