
تفجير كنيسة في دمشق ونقصان الأمن
كانت العلاقات بين الطوائف في هذا الحي في أحسن أحوالها، تندُر فيه المشكلات الطائفية، وقد طرد شبابٌ من السُّنة قبل شهر سيّارةً كانت تدعو أهالي الحي إلى الإسلام، توقّفت أمام كنسية مار إلياس تحديداً، وهذا ينسجم مع تقاليد راسخة من التعايش القديم هنا، وكان ذلك رسالةً أهلية بالغة الأهمية، أن التغيّر في الحكم في سورية لا يغيّر من العلاقات بين الطوائف، وأن المسيحيين والسُّنة أبناء هذه البلاد، بغض النظر عن مفهومَي الأقلية والأكثرية، فيمكن للسُّنة أن يكونوا حماةً للمسيحيين وسواهم.
المسيحيون الآن قلقون للغاية، والعلويون والدروز كذلك، وكثيرون من أبناء الطائفة السُّنية
شعر السوريون المسيحيون، كما باقي الأقلّيات، بقلقٍ كثيرٍ على مستقبلهم، بعد أحداث الساحل والمجازر بحقّ السوريين العلويين، وكذلك المجازر بحقّ السوريين الدروز، لا سيّما في أشرفية صحنايا. سكّان صحنايا في الأصل مسيحيون، بينما سكن الدروز الأشرفية التي يسكنها اليوم خليط من الطوائف والقوميات السورية. ولم تشعر الأقليات فقط بالقلق والاستياء، بل كذلك السُّنة، فالأيديولوجيا السلفية للسلطة لا تتطابق مع الإسلام المعتدل، الذي يتبنّاه معظم السُّنة في سورية. الشعور بالقلق هو من طبيعة المراحل الانتقالية، فالنظام لم يستقرّ بعد. ولكن، حين ترتبط هذه المرحلة بالخوف من أيديولوجية الحكم ومن المستقبل، تصبح لدينا إشكالية عقائدية تتعلّق بالابتعاد عن الهُويَّة الوطنية، وبالتالي، على الحكم إعادة تعريف نفسه ممثلاً وطنياً. وتأتي هذه العملية الإجرامية تهديداً للسلم الأهلي. وبالتالي، رسالة إلى الداخل السوري بأكمله. من الصواب أن تعلن السلطة الحاكمة الحداد الوطني، لتكون رسالة إلى العالم، وإلى السوريين، وللتيّار السلفي الجهادي ذاته (ينتسب كثيرون من أتباعه إلى جهازَي الأمن والجيش، ويعملون في إدارات الدولة كافّة)، إن المسيحيين جزء من الشعب السوري، وإن التعايش السلمي الذي يتضمّن الاعتراف بهم مسألة غير قابلة للنقاش. كما هي رسالة إلى المسيحيين القلقين الخائفين أن ما حصل لا يمسّهم وحدهم، بل يهدّد السوريين كافّة.
لا يشعر السوريون المسيحيون بأن السلطة تحميهم، وحالهم هذا يشبه حال كثيرين من الأقلّيات، بل هو شعور السُّنة أيضاً وإن بدرجة أقلّ. هناك أسباب كثيرة للشعور بالقلق وعدم الاستقرار: غياب فرص العمل وتراجع مستويات المعيشة، وتأخّر البدء بإعادة الإعمار وبطء تدفّق الأموال إلى داخل البلاد، وطرد أعداد هائلة من العمل، وحلّ الجيش وجهاز الشرطة. أمّا أيديولوجية السلطة وتوجّهاتها السلفية فهي سبب مركزي للقلق العام؛ وقد صرّح رجال دين مسيحيون بعد التفجير إن الدولة لا تحميهم. ومع هذه العملية الإجرامية، سيتضاعف القلق، وسيكون هناك توجّه نحو الهجرة، وزادت الطين بِلّةً تصريحات غير مسؤولة من إعلاميي السلطة، إن منفّذي العملية (ومن خلفها)، هم "داعش" وفلول النظام وإيران، بدلاً من الاكتفاء بـ"داعش"، كما ذكرت تحقيقات وزارة الداخلية، التي أعلنت البدء بتحقيقات واسعة ودقيقة للوصول إلى الأطراف التي أعدّت للعملية ونفّذتها.
ينتقد أغلبية السوريين (ومنهم المسيحيون) السلطة لأنها لا تبدي حزماً جادّاً تجاه الفصائل والمجموعات المتطرّفة، وأن هناك عدة حوادث أمنية ضدّ الكنائس المسيحية في حمص وحماة وحلب ودمشق، وبلدة مشتى الحلو وسواها. ولم تعلن السلطة محاكمة أيّ فردٍ ارتكب انتهاكات، بل تُلاحَظ سرعة إطلاق سراح متهمين. مرّت ستّة أشهر، ولا يزال التهاون مستمرّاً. وتنبّه أوساط السلطة إلى أنها منعت عمليات انتحارية عديدة في الأشهر الماضية، وتؤكد تقارير أن تنظيم داعش أرسل أفراداً منه إلى داخل المدن السورية، والعملية في الدويلعة تأتي ضمن هذا المناخ. ضبط مسألة الأمن أحد المداخل للاستقرار، وكذلك تطبيق العدالة الانتقالية، وينبغي انتهاج سياسة إعلامية وطنية بعيداً من تسييس قضية الأقلّيات والأكثرية. السلطة معنية بشكل جادّ بالانتقال إلى سياسات وطنية، والكفّ عن تصوير نفسها ممثلةً للطائفة السُّنية، بينما يراها أغلبية السوريين ممثّلة لهيئة تحرير الشام وحلفائها، وتتحكّم بكل إدارات الدولة.
لا بدّ من إطلاق الحريات العامة وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات، والتخلّص من الأيديولوجية السلفية مرجعيةً للسلطة
تخطئ السلطة كثيراً بتأخّرها في الانتقال إلى سياسات وطنية، وفي عدم تطبيق مبدأ فصل للسلطات والعمل المؤسّساتي، وفي عدم تفعيل القضاء والحفاظ على استقلاليته، وتُنتقد لغياب الشفافية في إدارة الدولة، وفي التوظيف، وفي الاتفاقات الاقتصادية مع الشركات الخارجية. تُخطئ كذلك في استمرار إقامة الدورات الشرعية داخل جهازّي الجيش والأمن، والتي تستبعد مباشرةً الأقلّيات أو غير المؤمنين من الجهازين، وتخطئ كذلك في الاعتماد على رجال الدين السلفيين المتشدّدين فيهما تاركة لهم القرار النهائي تجاه أيّ مشكلة تواجه المواطنين، بينما تقتضي المرحلة الانتقالية الاعتماد على شخصياتٍ وطنيةٍ وعلى تفعيل القضاء.
يتأكّد المُراقب لنقد السوريين في الداخل والخارج للشأن العام من رغبتهم في المشاركة بإنهاض الدولة، والحفاظ على وحدتها، ورفض التدخّل الخارجي، بل دعم السلطة لتتبنّى سياسات وطنية وممثّلة للجميع. المسيحيون الآن قلقون للغاية، والعلويون والدروز كذلك، وكثيرون من أبناء الطائفة السُّنية. على السلطة أن تقرأ هذا القلق الذي يستتبعه النقد دعماً لها، لا عدائيةً تجاهها. ولا بدّ من ضبط الأمن والإسراع في تطبيق العدالة الانتقالية، ولا غنى للسلطة عن الثقة بالشعب وإشراكه في تمثيل نفسه في مؤسّسات الدولة، والتخلّي عن سياسات التعيين، آخرها تعيين شخصيات تشكّل مجلساً للشعب. ولا بدّ من إطلاق الحريات العامة وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات، والتخلّص من الأيديولوجية السلفية مرجعيةً للسلطة. إن الأخذ بهذه القضايا وتناولها إعلامياً، والتوقف عن تحويل الأعلام منصّةً تعادي منتقدي السلطة وسياساتها، سيساعد في إعادة الثقة بالسلطة، ويضمن نجاح المرحلة الانتقالية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
11 عاماً على "خلافة داعش"... ماذا تبقى منها في العراق؟
قبل أكثر من 11 عاماً ظهر إبراهيم عواد البدري، المعروف باسم " أبو بكر البغدادي "، في مدينة الموصل العراقية وألقى خطبته الشهيرة، نهاية يونيو/حزيران 2014، التي أعلن فيها قيام "دولة الخلافة" في العراق وسورية، بعد أيام من سيطرته على الموصل، مركز محافظة نينوى شمالي العراق. سيطر مسلحو التنظيم، الذي مارس أقصى درجات التوحش بما فيها تنفيذ جرائم واسعة بحق المدنيين من المسلمين والأقليات على حد سواء، على مساحات كبيرة في العراق و سورية ، وقام بإلغاء الحدود الدولية بين الدولتين. تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على نحو ثلث مساحة العراق في تلك الفترة، لكنه سرعان ما بدأ بالتراجع والانحسار مع تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبدء العراق "معارك التحرير"، التي أعلنتها حكومة حيدر العبادي (2014 ـ 2018)، لينتهي فصل السيطرة الجغرافية لتنظيم "داعش" في العراق وسورية، وتحول التنظيم إلى خلايا مبعثرة في أراضي البلدين. وتوزع من بقي من مسلحي "داعش" بالعراق في مناطق متفرقة وتقوم الأجهزة الأمنية بملاحقتهم ورصدهم. وتنتشر بقايا التنظيم في المناطق الوعرة بين المحافظات وعلى الحدود مع إقليم كردستان، وتتمركز في خمس محافظات هي: نينوى، ديالى، كركوك، صلاح الدين والأنبار، بالإضافة لمناطق تقع على حدود محافظتي كركوك والسليمانية، مثل وداي زغيتون، ووادي الشاي، وجبال الشيخ يونس، ووادي حوران. ويقوم من تبقى من التنظيم بين فترة وأخرى بتهديد الأهالي والمزارعين وتنفيذ كمائن على الطرق النائية والبعيدة، لتسجيل عمليات يُراد منها خلق حالة ذعر لدى الأمن والأهالي، بالإضافة إلى الحصول على الدعم المالي والاستيلاء على السيارات والمواد الغذائية، مع تراجع في الإصدارات بالإنتاج الإعلامي والمرئي. وعادة ما تستبق القوات العراقية احتمالات قيام بقايا عناصر تنظيم "داعش" بهجمات أو كمائن ضد القوى الأمنية والقرى في أطراف المدن، من خلال سلسلة من الضربات الجوية على معاقل التنظيم ومخابئه بين وقت وآخر، بالإضافة إلى مداهمات وحملات تفتيش متواصلة في مناطق تُعتبر وعرة وصعبة ونائية في محافظات متفرقة، لكنها تحت أنظار السلطة الأمنية العراقية، وفقاً لتعليقات مسؤولين وجنرالات فيها. وقال رئيس أركان الجيش العراقي، الفريق عبد الأمير يار الله، إن "عصابات داعش انتهت عسكرياً بعد تحرير جميع الأراضي التي سيطرت عليها وهي موجودة في مناطق من الصعب الوصول إليها، وتقوم طائرات F 16 بواجباتها تجاه تلك العصابات"، موضحاً في تصريحٍ صحافي، أن "بقايا التنظيم تعمل في أماكن محددة حُددت في المثلث (كركوك وصلاح الدين وديالى) وجرى تشخيصها، ونقوم بالواجبات تجاه تلك المناطق لكي نمنع أي تسلل أو تقدم لهذه البقايا تجاه الأهداف، سواء كانت مدنية أو عسكرية". وتواصل "العربي الجديد" مع ضباط من قيادة العمليات المشتركة ووزارة الداخلية والدفاع، الذين أكدوا أن هناك تراجعاً كبيراً في عدد المسلحين الذين يتبعون التنظيم "وأغلبيتهم جرى التعرف عليهم من خلال الاعترافات والملاحقات والمعلومات الاستخباراتية الأمنية، وهم محاصرون في المناطق الوعرة التي يعيشون فيها". وأشاروا إلى ورود معلومات عن وجود "خلافات بين المسلحين أدت لاشتباكات فيما بينهم، كما ترددت معلومات عن قيام بعضهم بالانتحار بسبب تأزم أوضاعهم اليومية وصعوبة الحصول على مقومات الحياة"، ولفت الضباط إلى أن غياب القيادة الموحدة أدى لتحول من بقي من عناصر "داعش" من "تنظيم إلى عصابات تهدف إلى التربح والبقاء على قيد الحياة". وقال ضابط من قيادة العملية العسكرية المشتركة في محافظة كركوك إن "المحافظة كما بقية المحافظات المجاورة تستشعر دائماً خطر الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم داعش، لكن من غير المنصف عدم الاعتراف بأن الخطورة تتراجع بشكلٍ مستمر"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "أطراف المحافظة، بالإضافة إلى المناطق النائية والوعرة تحوي بعض المخابئ التي تضم بعضاً من هؤلاء، وهناك حالات استدراج كثيرة تحدث، كما أن المراقبة المعلوماتية والجوية على هذه المناطق تمنعهم من التحرك بصورة طبيعية، ونعتقد أن خلافة التنظيم انتهت، وما تبقى من أعداد مسلحة لا يشكل أي خطورة، غير خطورة ما يمكن تصنيفه على أنه خطر قطاع الطرق وعصابات التسليب". تقارير عربية التحديثات الحية قصة زعيم "داعش"... من ضواحي سامراء إلى التطرف والإرهاب من جانبه، أشار رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كريم المحمداوي، في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "التنظيمات الإرهابية صارت تعرف أن أكبر مقبرة لها تكون في العراق، وبفضل التقدم الكبير للقوات العراقية في القضاء على ما تبقى من عناصر تنظيم داعش، فإن الأمور تتجه إلى الهدوء، وأن قواتنا تعلن أسبوعياً وشهرياً التمكن من قتل أعداد من فواعل التنظيم وتدمير مخابئ مهمة للإرهابيين في مناطق مختلفة خلال عمليات نوعية جوية وبرية". ولفت الباحث في الشأن العراقي، عبد الله الركابي، إلى أن "مفهوم الخلافة الذي جسده تنظيم داعش، انتهى تماماً، لأسباب تتعلق بقوة التنظيم وتوزيع أدواره وغياب القيادة والسيطرة على الولايات وفق مفهوم التنظيم، بالتالي فإن الخلافة لم يعد لديها أرض لتمارس دورها، وطالما أنها انتهت إلى هذه الطريقة فإن نهاية دولة التمكين أدت بالضرورة إلى انتهاء الخلافة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "نهاية داعش لا يعني أن التهديد الأمني انتهى، وعلى الحكومات سواء الحالية أو في المستقبل أن تمنع أن تُضطهد أي جماعة أو شريحة أو مكون عراقي، لأن في الاضطهاد ظهور حتمي وأزلي لجماعات تريد الانتقام، لذلك لا بد من مواجهة الأسباب قبل مواجهة النتائج". وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد أصدر توجيهات للقيادات الأمنية، مطلع العام الحالي، بالتأهب وإجراء مراجعات شاملة للخطط العسكرية، وشدد على تغيير التكتيكات العسكرية المتبعة في المناطق التي تشهد نشاطاً لـ"داعش"، واتباع أساليب غير تقليدية للمواجهة بهدف إضعاف قدرات عناصر التنظيم، والحدّ من حركاتهم. عقب ذلك، كثفت القوات العراقية عملياتها الأمنية لمنع تحركات عناصر تنظيم داعش، خاصة بالمحافظات المحررة، وأعلنت قيادة الجيش أخيراً أن أعداد "الإرهابيين" الموجودين بالعراق حالياً لا تزيد عن 400.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
عملية أمنية لـ"قسد" و"التحالف" في دير الزور وضبط مستودع أسلحة بطرطوس
نفّذت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعم من التحالف الدولي، عملية اعتقال طاولت شخصًا يقيم في ريف محافظة دير الزور شرق سورية فجر اليوم الأحد، في حين ضبطت قوى الأمن الداخلي مستودعًا للسلاح داخل منزل لأحد المطلوبين في قرية بسورم بريف طرطوس، خلال عملية أمنية. وأوضح الناشط الإعلامي، المنحدر من ريف دير الزور، سراج الشامي، لـ"العربي الجديد"، أن العملية التي نفذتها "قوات سوريا الديمقراطية" استهدفت منزل حسين المحيسن العليوي الملقب بـ"أبو أنس" في قرية أبو النيتل شمال محافظة دير الزور، مشيرًا إلى عدم وجود تأكيدات محلية على انتمائه إلى تنظيم "داعش". وبحسب قوله، فإن مروحيات ومدرعات تابعة للتحالف الدولي شاركت في عملية المداهمة والاعتقال، وصاحب العملية تحذيرات صوتية لتسليم المطلوب نفسه من دون مقاومة. كما أوضحت شبكة فرات بوست المحلية أن الشخص المستهدف اعتقل سابقًا لدى "قسد" قبل نحو ثلاث سنوات، مشيرة إلى أنه كان عنصرًا في تنظيم "داعش" خلال فترة انتشار التنظيم في شمال دير الزور. وفي سياق متصل، أكد الشامي وصول تعزيزات عسكرية إلى مدينة دير الزور تابعة لوزارة الدفاع السورية، مشيرًا إلى حدوث اشتباكات أمس بين الأمن العام وعناصر "قسد" عند معبر مدينة العشارة في ريف دير الزور الشرقي. أخبار التحديثات الحية إصابات في صفوف "قسد" واشتباكات مع قوات الجيش شرقي سورية وأشار الشامي إلى وجود حالة توتر في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة "قسد"، مشيراً إلى أن الأهالي يتطلعون إلى بسط الحكومة السورية السيطرة على مناطقهم، مؤكدًا وجود "حالة استياء شعبي" من بقاء مناطق عديدة في دير الزور تحت سيطرة "قسد". وكانت قوى الأمن العام قد أغلقت أمس معظم المعابر النهرية التي تؤدي إلى مناطق سيطرة "قسد" في محافظة دير الزور، وفق ما أشار الشامي. وفي محافظة طرطوس شمال سورية ضبطت قوى الأمن الداخلي مستودعًا للسلاح داخل منزل لأحد المطلوبين في قرية بسورم بريف المحافظة، خلال عملية أمنية استهدفت الشخص الملاحق، وفق ما أعلنت محافظة طرطوس عبر فيسبوك. وقالت وزارة الداخلية في بيان: "تمكنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة طرطوس من ضبط مستودع يحتوي على كمية من الأسلحة والذخائر داخل منزل أحد المطلوبين في قرية بسورم بريف المحافظة، وذلك خلال عملية مداهمة نفذتها وحدة أمنية استهدفت مجرمًا ملاحقًا بقضايا أمنية". وأضافت أن العملية أسفرت "عن مصادرة الأسلحة والذخائر المضبوطة، فيما تواصل القوات الأمنية عملياتها المكثفة لإلقاء القبض على المطلوب الذي لا يزال متواريًا عن الأنظار". ضبط عبوات ناسفة في حمص إلى ذلك، نفّذ جهاز الاستخبارات العامة في سورية، بالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي في محافظة حمص، عملية اعتقال طاولت المدعو محمود فاضل، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية اليوم الأحد. وقالت الوزارة، في بيان، إن فاضل ضبط بحوزته عدد من العبوات الناسفة المعدة للاستخدام "كان يعتزم تفجيرها في المنطقة". وكشفت التحقيقات الأولية ارتباطه بخلية تابعة لحزب الله اللبناني، بحسب البيان. وأشارت الوزارة إلى أن فاضل تسلم العبوات عبر معابر التهريب غير الشرعية، وقد جرت مصادرتها، وأُحيل الموقوف إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه. نفّذ جهاز الاستخبارات العامة، بالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي في محافظة حمص، عملية أمنية نوعية استباقية، أسفرت عن إلقاء القبض على المدعو محمود فاضل، وذلك بعد تعقب ومتابعة، حيث ضُبط بحوزته عدد من العبوات الناسفة الجاهزة للاستخدام، كان يعتزم تنفيذ عمليات إرهابية بها في المنطقة، — وزارة الداخلية السورية (@syrianmoi) July 13, 2025


العربي الجديد
منذ 3 أيام
- العربي الجديد
تفجير كنيسة في دمشق ونقصان الأمن
تقع كنسية مار إلياس قبالة حيّ الدويلعة جنوبي دمشق، وفيه غالبية مسيحية وخليط متعدّد من الطوائف كافّة. الحيّ شعبي بامتياز، بيوته من طابقين أو ثلاثة في معظمها، وفيه كثافة سكّانية كبيرة، يعمل معظم قاطنيه في القطاع الحكومي، وقدم سكّانه المسيحيون من مدينتَي درعا والسويداء قبل عقود طويلة، وإلى جواره حيّ الطبالة، بمواصفات مشابهة. فجّر الإرهابي (تفيد تحقيقات أولية بأنه ينتمي إلى تنظيم داعش) نفسه داخل الكنسية، بعد نفاد طلقات بندقيته، فكانت الحصيلة كارثيةً؛ 22 شهيداً وأكثر من 60 جريحاً، وضرر كبير في البناء والأيقونات والأثاث. كانت العلاقات بين الطوائف في هذا الحي في أحسن أحوالها، تندُر فيه المشكلات الطائفية، وقد طرد شبابٌ من السُّنة قبل شهر سيّارةً كانت تدعو أهالي الحي إلى الإسلام، توقّفت أمام كنسية مار إلياس تحديداً، وهذا ينسجم مع تقاليد راسخة من التعايش القديم هنا، وكان ذلك رسالةً أهلية بالغة الأهمية، أن التغيّر في الحكم في سورية لا يغيّر من العلاقات بين الطوائف، وأن المسيحيين والسُّنة أبناء هذه البلاد، بغض النظر عن مفهومَي الأقلية والأكثرية، فيمكن للسُّنة أن يكونوا حماةً للمسيحيين وسواهم. المسيحيون الآن قلقون للغاية، والعلويون والدروز كذلك، وكثيرون من أبناء الطائفة السُّنية شعر السوريون المسيحيون، كما باقي الأقلّيات، بقلقٍ كثيرٍ على مستقبلهم، بعد أحداث الساحل والمجازر بحقّ السوريين العلويين، وكذلك المجازر بحقّ السوريين الدروز، لا سيّما في أشرفية صحنايا. سكّان صحنايا في الأصل مسيحيون، بينما سكن الدروز الأشرفية التي يسكنها اليوم خليط من الطوائف والقوميات السورية. ولم تشعر الأقليات فقط بالقلق والاستياء، بل كذلك السُّنة، فالأيديولوجيا السلفية للسلطة لا تتطابق مع الإسلام المعتدل، الذي يتبنّاه معظم السُّنة في سورية. الشعور بالقلق هو من طبيعة المراحل الانتقالية، فالنظام لم يستقرّ بعد. ولكن، حين ترتبط هذه المرحلة بالخوف من أيديولوجية الحكم ومن المستقبل، تصبح لدينا إشكالية عقائدية تتعلّق بالابتعاد عن الهُويَّة الوطنية، وبالتالي، على الحكم إعادة تعريف نفسه ممثلاً وطنياً. وتأتي هذه العملية الإجرامية تهديداً للسلم الأهلي. وبالتالي، رسالة إلى الداخل السوري بأكمله. من الصواب أن تعلن السلطة الحاكمة الحداد الوطني، لتكون رسالة إلى العالم، وإلى السوريين، وللتيّار السلفي الجهادي ذاته (ينتسب كثيرون من أتباعه إلى جهازَي الأمن والجيش، ويعملون في إدارات الدولة كافّة)، إن المسيحيين جزء من الشعب السوري، وإن التعايش السلمي الذي يتضمّن الاعتراف بهم مسألة غير قابلة للنقاش. كما هي رسالة إلى المسيحيين القلقين الخائفين أن ما حصل لا يمسّهم وحدهم، بل يهدّد السوريين كافّة. لا يشعر السوريون المسيحيون بأن السلطة تحميهم، وحالهم هذا يشبه حال كثيرين من الأقلّيات، بل هو شعور السُّنة أيضاً وإن بدرجة أقلّ. هناك أسباب كثيرة للشعور بالقلق وعدم الاستقرار: غياب فرص العمل وتراجع مستويات المعيشة، وتأخّر البدء بإعادة الإعمار وبطء تدفّق الأموال إلى داخل البلاد، وطرد أعداد هائلة من العمل، وحلّ الجيش وجهاز الشرطة. أمّا أيديولوجية السلطة وتوجّهاتها السلفية فهي سبب مركزي للقلق العام؛ وقد صرّح رجال دين مسيحيون بعد التفجير إن الدولة لا تحميهم. ومع هذه العملية الإجرامية، سيتضاعف القلق، وسيكون هناك توجّه نحو الهجرة، وزادت الطين بِلّةً تصريحات غير مسؤولة من إعلاميي السلطة، إن منفّذي العملية (ومن خلفها)، هم "داعش" وفلول النظام وإيران، بدلاً من الاكتفاء بـ"داعش"، كما ذكرت تحقيقات وزارة الداخلية، التي أعلنت البدء بتحقيقات واسعة ودقيقة للوصول إلى الأطراف التي أعدّت للعملية ونفّذتها. ينتقد أغلبية السوريين (ومنهم المسيحيون) السلطة لأنها لا تبدي حزماً جادّاً تجاه الفصائل والمجموعات المتطرّفة، وأن هناك عدة حوادث أمنية ضدّ الكنائس المسيحية في حمص وحماة وحلب ودمشق، وبلدة مشتى الحلو وسواها. ولم تعلن السلطة محاكمة أيّ فردٍ ارتكب انتهاكات، بل تُلاحَظ سرعة إطلاق سراح متهمين. مرّت ستّة أشهر، ولا يزال التهاون مستمرّاً. وتنبّه أوساط السلطة إلى أنها منعت عمليات انتحارية عديدة في الأشهر الماضية، وتؤكد تقارير أن تنظيم داعش أرسل أفراداً منه إلى داخل المدن السورية، والعملية في الدويلعة تأتي ضمن هذا المناخ. ضبط مسألة الأمن أحد المداخل للاستقرار، وكذلك تطبيق العدالة الانتقالية، وينبغي انتهاج سياسة إعلامية وطنية بعيداً من تسييس قضية الأقلّيات والأكثرية. السلطة معنية بشكل جادّ بالانتقال إلى سياسات وطنية، والكفّ عن تصوير نفسها ممثلةً للطائفة السُّنية، بينما يراها أغلبية السوريين ممثّلة لهيئة تحرير الشام وحلفائها، وتتحكّم بكل إدارات الدولة. لا بدّ من إطلاق الحريات العامة وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات، والتخلّص من الأيديولوجية السلفية مرجعيةً للسلطة تخطئ السلطة كثيراً بتأخّرها في الانتقال إلى سياسات وطنية، وفي عدم تطبيق مبدأ فصل للسلطات والعمل المؤسّساتي، وفي عدم تفعيل القضاء والحفاظ على استقلاليته، وتُنتقد لغياب الشفافية في إدارة الدولة، وفي التوظيف، وفي الاتفاقات الاقتصادية مع الشركات الخارجية. تُخطئ كذلك في استمرار إقامة الدورات الشرعية داخل جهازّي الجيش والأمن، والتي تستبعد مباشرةً الأقلّيات أو غير المؤمنين من الجهازين، وتخطئ كذلك في الاعتماد على رجال الدين السلفيين المتشدّدين فيهما تاركة لهم القرار النهائي تجاه أيّ مشكلة تواجه المواطنين، بينما تقتضي المرحلة الانتقالية الاعتماد على شخصياتٍ وطنيةٍ وعلى تفعيل القضاء. يتأكّد المُراقب لنقد السوريين في الداخل والخارج للشأن العام من رغبتهم في المشاركة بإنهاض الدولة، والحفاظ على وحدتها، ورفض التدخّل الخارجي، بل دعم السلطة لتتبنّى سياسات وطنية وممثّلة للجميع. المسيحيون الآن قلقون للغاية، والعلويون والدروز كذلك، وكثيرون من أبناء الطائفة السُّنية. على السلطة أن تقرأ هذا القلق الذي يستتبعه النقد دعماً لها، لا عدائيةً تجاهها. ولا بدّ من ضبط الأمن والإسراع في تطبيق العدالة الانتقالية، ولا غنى للسلطة عن الثقة بالشعب وإشراكه في تمثيل نفسه في مؤسّسات الدولة، والتخلّي عن سياسات التعيين، آخرها تعيين شخصيات تشكّل مجلساً للشعب. ولا بدّ من إطلاق الحريات العامة وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات، والتخلّص من الأيديولوجية السلفية مرجعيةً للسلطة. إن الأخذ بهذه القضايا وتناولها إعلامياً، والتوقف عن تحويل الأعلام منصّةً تعادي منتقدي السلطة وسياساتها، سيساعد في إعادة الثقة بالسلطة، ويضمن نجاح المرحلة الانتقالية.