
طريق التنمية وميناء الفاو يعيدان رسم خرائط التجارة الإقليمية
لا يقتصر المشروع على كونه خطة محلية لتطوير البنية التحتية، بل هو محور جيو-اقتصادي إقليمي، يربط مياه الخليج الدافئة بعمق السوق الأوروبية الباردة، مرورًا بالأراضي العراقية والتركية، ويملك المشروع ما يؤهله ليكون إحدى أهم القنوات الجافة البديلة لقناة السويس خلال العقدين المقبلين.
بدأ العراق، الذي ظل لعقود مرتهنًا لريع النفط، يخطو نحو موقع جديد كدولة عبور تربط الموانئ الخليجية بأوروبا عبر طريق بري وسكة حديد تمتد من ميناء الفاو في البصرة جنوبًا حتى الحدود التركية شمالاً، بطول يزيد على 1200 كيلومتر.
سيختصر الطريق، الذي وصفه بعض الخبراء بـ"طريق الحرير الجديد"، زمن نقل البضائع من آسيا إلى أوروبا من 33 يومًا إلى نحو 15 يومًا، وهو تقليص زمني كفيل بخفض التكاليف اللوجستية بنسبة تصل إلى 40% وفق تقديرات أولية.
وسيكون ميناء الفاو، الذي يعتبر أضخم مشروع بحري يشهده العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة، نقطة الانطلاق، وقد وصلت نسب إنجاز الأعمال فيه، وفق بيانات رسمية حتى منتصف 2025، إلى أكثر من 90% في البنى التحتية الأساسية، ويشمل ذلك قناة ملاحية بطول 22 كيلومترًا، ونفقا بحريا يُعد الأطول في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن يبدأ التشغيل الجزئي للميناء في 2026 بطاقة أولية تبلغ 3.5 ملايين حاوية، على أن تصل إلى 25 مليون حاوية في مراحله المتقدمة.
طريق التنمية خيار آمن
وما يميز هذا المشروع ليس فقط موقعه الجغرافي، بل أيضًا حجم ومستوى الشراكات الإقليمية التي تدعمه، ففي أبريل/نيسان 2024، وقّع كل من العراق، وتركيا، وقطر ، والإمارات اتفاقا رباعيا يعتبر بمثابة الأساس التنفيذي والمالي لطريق التنمية، ولم يكن الاتفاق مجرد بيان نوايا، بل انعكاس لرؤية اقتصادية مشتركة تؤمن بأن تعزيز الترابط الإقليمي ليس ترفًا، بل ضرورة لمواكبة تحولات الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد العالمية.
وتعبر مشاركة تركيا ودول الخليج في هذا المشروع عن تحول نوعي في فلسفة الاستثمار في المنطقة، من التركيز التقليدي على العقارات والطاقة إلى الاستثمار في البنى التحتية العابرة للحدود، وهذا لا يخدم العراق فحسب، بل يوفر لدول الخليج ممرا إستراتيجيا بديلا عن الطرق البحرية المكتظة والمهددة بالتوترات الجيوسياسية، ففي حال حدوث أي اختناق بحري، سيكون طريق التنمية خيارا آمنا وفعالا لنقل البضائع الخليجية إلى الأسواق الأوروبية.
وتتجاوز عائدات المشروع المحتملة الأبعاد المالية المباشرة، فبحسب نماذج اقتصادية محلية:
يمكن أن يحقق المشروع ما يزيد على 4 مليارات دولار سنويا من الإيرادات غير النفطية بحلول عام 2040
يولد أكثر من 100 ألف فرصة عمل في مجالات النقل، والخدمات اللوجستية، والصناعة، والتخزين، والرقمنة
يتوقع أن يسهم المشروع في زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة تراكمية تصل إلى 15–18% خلال العقد المقبل، ما يعني إعادة صياغة هيكل الاقتصاد العراقي لصالح التنوع والاستدامة.
أما بالنسبة لتركيا ودول الخليج، فإن الاستثمار في هذا المشروع:
يعزز من أمنها الاقتصادي والتجاري على المدى الطويل.
يمنحها دورا أكبر في التفاعل مع السوق الأوروبية ليس فقط كمصدرين للطاقة، بل كشركاء في منظومة نقل وسلاسل توريد متكاملة.
يفتح آفاقا جديدة لتصدير الصناعات الخليجية غير النفطية نحو أوروبا وآسيا الوسطى عبر العراق.
يمنح المستثمرين الأتراك والخليجيين فرصًا للدخول في قطاعات اللوجستيات والمناطق الاقتصادية الحرة المزمع إنشاؤها على امتداد الطريق.
صحيح أن المشروع يواجه تحديات، منها الجوانب الأمنية في بعض المحافظات العراقية، والمخاطر السياسية الناتجة عن أي توترات إقليمية، إلا أن التصميم العراقي الحالي، مدعومًا بالإرادة الخليجية، يمثل فرصة حقيقية لقلب معادلات الجغرافيا الاقتصادية لصالح منطقة لطالما وصفت بأنها منطقة توتر أكثر من كونها منطقة عبور وتكامل.
وطريق التنمية وميناء الفاو ليسا مشروعا محليا، بل هو مشروع إقليمي بامتياز:
تستفيد منه دول الخليج وتركيا عبر بوابة العراق.
يستفيد منه العراق عبر دعم استثماري وتمويلي وخبراتي خليجي.
تستفيد منه تركيا كمحطة عبور إلى أوروبا.
تستفيد منه أوروبا نفسها كخيار بديل وآمن في ظل تصاعد التوترات في الممرات البحرية.
إننا أمام بنية جديدة للتكامل الاقتصادي العربي-التركي-الأوروبي، والعراق في قلب هذه المعادلة.
من هنا، فإن نجاح المشروع لا يجب أن يقاس فقط بمؤشرات الإنجاز الإنشائي، بل بالقدرة على استثمار هذا المشروع لإعادة تموضع العراق على الخريطة الاقتصادية العالمية.
ولم يعد العراق مجرد حقل نفطي، بل ممر إستراتيجي تتقاطع فيه مصالح آسيا والخليج وأوروبا، وإذا أُحسن استغلاله، فقد يكون هذا الطريق هو الجسر الذي ينقل العراق من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد المشاركة في الإنتاج والنقل والتوزيع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
من مصدات السيارات إلى صناعة الأثاث.. ورش تركية تعيد تدوير النفايات
تنشط مصانع وورش محلية في إعادة تدوير مصدات السيارات القديمة في ولاية قيصري وسط تركيا، إذ يتم تحويلها إلى مستلزمات صناعية ومكونات أنيقة تستخدم في صناعة الأثاث، مثل الأقدام، والعجلات، والمقابض، وقطع الزينة التي تستخدم في الأرائك والأسرة. وتبدأ العملية بجمع المركبات الخارجة من الخدمة بسبب انتهاء عمرها الافتراضي أو عدم أهليتها للسير، إذ يقوم تجار الخردة في المنطقة الصناعية الجديدة بجمعها وفرز مكوناتها. وفي المرحلة التالية، ترسل المصدات غير الصالحة لإعادة الاستخدام إلى مصانع تدوير البلاستيك في المنطقة الصناعية بقيصري، حيث تُفكك وتكسر داخل آلات خاصة، ثم تخضع لمعالجات حرارية وكيميائية لتحويلها إلى مادة أولية حبيبية تعرف باسم "الغرانول". ويتم لاحقا صب هذه المادة في قوالب خاصة وتعريضها للحرارة، لتأخذ شكل مكونات الأثاث المطلوبة، مثل أقدام الأرائك ومقابض الأدراج وبعض العناصر الزخرفية. تصدير ودعم للاقتصاد يوسف أوزكان، صاحب شركة "كايبلاس" المنتجة لهذه القطع، ورئيس جمعية صناعيي البلاستيك في قيصري، ونائب رئيس اتحاد مصنعي البلاستيك في تركيا، قال إن إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى منتجات نافعة يمثلان أولوية وطنية واقتصادية. وأوضح أن قيصري تؤدي دورا كبيرا في تلبية احتياجات تركيا من الأثاث، ما حفز عمليات الشركة لإعادة تدوير المنتجات المصنعة من مصدات السيارات لخدمة ما تحتاجه الولاية، فضلا عن تصدير تلك المكونات محليا ودوليا، ما يسهم "بشكل ملموس في دعم الاقتصاد". وأشار أوزكان إلى أن الشركة تصدر منتجاتها إلى دول عديدة مثل ألمانيا وإيطاليا والبلقان وإيران والعراق وبلغاريا. ولفت إلى أن المنتجات المصنعة من المصدات المعاد تدويرها تستخدم في أنواع مختلفة من الأثاث والمنتجات الصناعية، باستثناء العبوات التي يتم استخدامها لحفظ المواد الغذائية. وذكر أوزكان أن تركيا تعتمد بنسبة 85% على الاستيراد في تأمين المواد الخام البلاستيكية، نظرا لوجود مصنع بتروكيميائي واحد فقط في البلاد، ما يجعل من التدوير خيارا إستراتيجيا لتقليص هذه الفجوة. إعلان وتابع: "نغطي نحو 40% من استهلاكنا السنوي من المواد الخام عبر إعادة التدوير. وإذا لم نعتمد على ذلك، فسنضطر لاستيراد المادة الأصلية الأعلى تكلفة، ما يعني أعباء مالية إضافية على الاقتصاد". كما أشار إلى أن العديد من العلامات التجارية، المحلية والدولية، باتت تشترط على مورديها أن تحوي المنتجات نسبة لا تقل عن 25% من المواد المعاد تدويرها، وهو ما يتماشى أيضا مع سياسات الأسواق الخارجية. وشدد أوزكان في ختام حديثه على أن إعادة التدوير لا تقتصر على البلاستيك فقط، بل تشمل أيضا المعادن، والورق، والخشب، والسيراميك، والزجاج، مشيرا إلى أن تحويل النفايات إلى منتجات صناعية أصبح حاجة ملحّة للحد من التلوث البيئي، ودعم الصناعة والاقتصاد.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
العراقيون يلجؤون للطاقة الشمسية تحت ضغط شبكة الكهرباء والحرارة
يواجه العراق العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وأحد أكبر منتجي النفط في العالم صعوبة في توفير الطاقة لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأطاح بالرئيس الراحل صدام حسين. وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت ذلك أدى تراجع الاستثمار وسوء الإدارة إلى عدم قدرة الشبكة الوطنية على مواكبة الطلب. وتوفر شبكة الكهرباء العراقية إمدادات لنصف الوقت فقط في بعض أيام الصيف عندما تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية، وفق رويترز. ونقلت الوكالة عن عبد الله العلي -وهو مزارع قمح- قوله إن فاتورة الكهرباء الشهرية المستحقة عليه بلغت قرابة المليون دينار عراقي (763.94 دولارا)، ومنذ تركيب الألواح الشمسية قال إنه أصبح يدفع للشبكة الوطنية 80 ألف دينار (61.06 دولارا)، وصار بوسعه الاعتماد على إمداداته من الكهرباء. وأضاف أن المزارعين يتجهون إلى الطاقة الشمسية لخفض فواتيرهم، إضافة إلى أن الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية مستقرة. وتابع "نحن هنا بالمزرعة استخدمناها (الطاقة الشمسية) سنتين، السنة الأولى جربناها بالمنزل ولاحظنا فوائدها، قللت علينا فواتير الكهرباء وكانت كهرباء مستقرة ومستمرة بنفس الوقت". وبالإضافة إلى ثرواته النفطية يتمتع العراق بإمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية تقول السلطات إنها ستستغلها لسد الفجوة بين العرض والطلب، وفي الوقت نفسه الحد من انبعاثات الكربون. ووفقا لوزارة الكهرباء، فإن لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 غيغاواطا من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن إنجاز محطة للطاقة الشمسية بقدرة غيغاواط واحد للبصرة هذا العام. وتشير تقديرات وزير الكهرباء العراقي في يناير/كانون الثاني إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 غيغاواطا، في حين تبلغ الإمدادات 27 غيغاواطا فقط. إقبال كبير يستطيع المزارعون في أنحاء نينوى استخدام الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح أو في صفوف على الأراضي الزراعية لتشغيل أنظمة الري وتلبية احتياجات المنازل. وفي المناطق الحضرية يجري رص الألواح متجاورة على الأسطح المستوية -التي تميز منازل الموصل- لتوليد أقصى قدر من الطاقة. وقال حسن طاهر -وهو مهندس زراعي من سكان الموصل- إن التحول إلى الطاقة الشمسية أدى إلى تغيير حياته في المنزل. وقال "أجور (فواتير) الكهرباء التي ظهرت منخفضة كثيرا لا تقارن بالأشهر السابقة، جدا قليلة ومناسبة لنا"، وشعرت الشركات المحلية أيضا بالزيادة في الطلب. وقال محمد القطان -الذي يدير شركة موصل سولار لأنظمة الطاقة الشمسية- إن الإقبال ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، خاصة من المجتمعات الريفية، حيث يعيش 70% من عملائه. ورغم فاعليتها المتنامية من حيث التكلفة فإن أنظمة الألواح الشمسية في العراق لا تزال تكلف ما بين 5 ملايين و10 ملايين دينار (3816-7632 دولارا)، ويبلغ متوسط سعر النظام الذي يولّد ما بين 5 و6 كيلوواط نحو 5 ملايين دينار (3816 دولارا). ويقول العديد من المستخدمين إنهم يستعيدون التكلفة الأولية في غضون ما يتراوح بين عام و3 أعوام، وتأتي معظم الأنظمة مع ضمان لمدة 15 عاما. ويتجنبون أيضا الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن، والتي تنبعث منها مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات. الحضر في المناطق الحضرية لجأ عدد من أصحاب المنازل إلى الاشتراك في مصدر احتياطي من مولد كهربائي بتكلفة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف دينار (38-76 دولارا) شهريا. وقال المدير في فرع نينوى التابع لشركة الكهرباء الحكومية أحمد محمود فتحي إن أنظمة الطاقة الشمسية المثبتة منفصلة عن الشبكة، مما يعني أن أصحابها مكتفون ذاتيا تقريبا من الطاقة. ولا يدفع المستخدمون لدائرة الكهرباء إلا مقابل استخدام الشبكة الوطنية ليلا، وهو ما يجذب المزارعين بشكل خاص، لأنهم يستخدمون مضخات الجهد العالي نهارا ولا يحتاجون إلى الكهرباء ليلا. وقال عمر عبد الكريم شكر رئيس شركة سما الشرق -التي تبيع الألواح الشمسية- إن المواطنين أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض يشترون أنظمة الطاقة الشمسية في ظل مبادرات حكومية تشجع على استخدامها. ويقدم البنك المركزي كذلك قروضا بفائدة منخفضة للمواطنين الذين يشترون الألواح الشمسية رغم أن المزارع عبد الله العلي قال إنه تمكن من تدبير أمره من دون الحاجة إلى ذلك. وأضاف العلي "حاليا أنا اعتمدت كمزارع على نفسي اعتمادا ذاتيا من الموارد الذاتية، سمعنا أن هناك دعما حكوميا بهذا المجال، مبادرة يرعاها البنك المركزي العراقي، لكنني لم أتجه إليها".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الغازان القطري والأذربيجاني ينعشان اقتصاد سوريا
حلب – أطلقت سفارة دولة قطر في دمشق المرحلة الثانية من مشروع دعم قطاع الكهرباء، بتمويل من صندوق قطر للتنمية، وبشراكة مباشرة مع وزارة الطاقة السورية، ضمن توجهها لدعم الاستقرار الاقتصادي والإنساني في سوريا. وفي 2 أغسطس/آب الجاري، بدأ ضخ الغاز الأذربيجاني عبر تركيا ليشكل -إلى جانب الغاز القطري الذي بدأ ضخه قبل شهر عبر الأردن- مصدرا أساسيا لإمداد سوريا بالكهرباء. وكشف مدير المؤسسة العامة للنقل والتوزيع الكهربائي في سوريا خالد أبو ديه، في تصريح للجزيرة نت، عن توقيع اتفاق بين الفرق الفنية السورية والتركية لتفعيل آلية تدريجية لضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، موضحا أن العملية ستبدأ بضخ 750 ألف متر مكعب يوميا لمدة 6 أيام، لضمان استقرار الضغط، على أن تصل الكمية تدريجيا إلى 3.4 ملايين متر مكعب يوميا. وأشار إلى أن الغاز يجري ضخه حاليا عبر شبكة معزولة في منطقة حلب، مع خطط لنقله لاحقا إلى المناطق الوسطى والجنوبية عبر خط توينان بعد استكمال الإجراءات الفنية لرفع الضغط. وأكد خالد أبو ديه أن هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة تتراوح بين 25% و35%، ما سيرفع ساعات التغذية الكهربائية إلى ما بين 8 و10 ساعات يوميا في معظم المناطق. وأضاف أن هذا الاتفاق يأتي ضمن إطار الشراكات الإستراتيجية بين سوريا وأذربيجان وتركيا في قطاع الطاقة، بدعم من صندوق التنمية القطري، مؤكدا أنه يمثل خطوة نوعية لتعزيز أمن الطاقة واستقرار المنظومة الكهربائية في البلاد. والمشروع، الذي بدأ تنفيذه في 2 أغسطس/آب 2025، سيدخل إلى الشبكة السورية 800 ميغاواط من الكهرباء، بزيادة كبيرة عن المرحلة الأولى التي اقتصرت على 400 ميغاواط. وسيجري نقل الإمدادات عبر خطوط تمر بأذربيجان وتركيا، قبل أن تصل إلى محطة حلب لتوزع لاحقا على مختلف المناطق السورية. يُعد الغاز القطري و الغاز الأذربيجاني، الذي بدأ ضخه مؤخرا، عاملان أساسيان في تشغيل هذه المرحلة، إذ سيتم تحويله إلى طاقة كهربائية تغذي المدن، وتعيد النشاط لمئات المعامل والمصانع المتوقفة منذ سنوات. يرى اقتصاديون أن هذه الخطوة تمثل تحولا إستراتيجيا في التعامل مع ملف الطاقة بسوريا، ليس فقط لتخفيف معاناة السكان، بل لإحياء الدورة الاقتصادية في مناطق صناعية كحلب وريف دمشق وحمص. وفي حديث للجزيرة نت، أعرب وليد جميل، صاحب مصنع للمنسوجات في مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب، عن تفاؤله الكبير بتأثير ضخ الغاز الأذربيجاني على القطاع الصناعي. وقال للجزيرة نت: كنا نعاني منذ سنوات من انقطاعات الكهرباء المتكررة، ما أجبرنا على الاعتماد على مولدات الديزل بتكاليف باهظة جعلت منتجاتنا غير قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية، واليوم، مع بدء ضخ الغاز وزيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى 5 ساعات يوميا، ومع توقعات بوصولها إلى 8-10 ساعات، أصبح بإمكاننا تشغيل خطوط الإنتاج بشكل أكثر انتظاما". وأضاف "هذا المشروع لن يُعيد فقط تشغيل المصنع بنسبة 70% من طاقته الإنتاجية، بل سيسمح لنا بتوظيف 50 عاملا إضافيا خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما يعني فرص عمل جديدة ودعما للاقتصاد المحلي". وأشار جميل إلى أن استقرار إمدادات الكهرباء سيخفض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%، مما سيجعل المنتجات السورية أكثر تنافسية. من جهته، تحدث عبد الله نجار، صاحب معمل لتصنيع المواد الغذائية، عن التحديات التي واجهتها منشأته بسبب نقص الطاقة. وقال للجزيرة نت "خلال السنوات الماضية، اضطررنا للتوقف عن الإنتاج لفترات طويلة بسبب عدم توفر الكهرباء، ما أدى إلى خسارة عقود تصدير وتسريح أكثر من نصف العمال. مع وصول الغاز الأذربيجاني، وتوقعات زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة 25-35%، أصبح لدينا أمل حقيقي باستعادة النشاط الكامل". وأضاف "المعمل يعتمد بشكل كبير على الكهرباء لتشغيل آلات التعليب والتبريد، وتحسّن التغذية الكهربائية سيسمح لنا بزيادة الإنتاج بنسبة 40% خلال العام المقبل، مع خطط لتوسيع السوق إلى دول الجوار". وأشاد نجار بالدور القطري في تمويل المشروع، معتبرا أنه "خطوة إستراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري وتخفيف معاناة المواطنين". الطاقة والبطالة يشير باحثون في الشأن الاقتصادي السوري إلى أن ارتفاع معدلات البطالة ، خصوصا بين الشباب، كان مرتبطا بانهيار البنية التحتية الصناعية والطاقة، ومع تحسّن تغذية الكهرباء من خلال الغاز الأذربيجاني و الغاز القطري، من المتوقع أن يعاد فتح العديد من الورش والمعامل التي كانت تعتمد على مولدات بتكلفة باهظة أو توقفت كليا. وحسب التقديرات، سيسهم المشروع في رفع عدد ساعات تشغيل الكهرباء اليومية إلى 5 ساعات، بنسبة تحسّن تصل إلى 40%، ما يعني إعادة تشغيل خطوط إنتاج في المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الآلاف من فرص العمل المرتبطة مباشرة بسوق الكهرباء والصناعة. وبلغ إجمالي ما قدّمه صندوق قطر للتنمية لقطاع الكهرباء السوري حتى الآن أكثر من 760 مليون دولار، ما يعكس توجها قطريا إستراتيجيا لتعزيز ما يعرف بـ"الدبلوماسية الاقتصادية"، عبر مشاريع تعزز الاعتماد على الذات وتوفر بدائل مستدامة للمساعدات التقليدية. وشدد خالد أبو ديه على استمرار وزارة الطاقة في جهودها لتطوير البنية التحتية وتأهيل محطات التوليد، إلى جانب دعم مشاريع الطاقة المتجددة، لتحقيق تحسّن ملموس في واقع الكهرباء خلال الفترة المقبلة، لتلبية احتياجات المواطنين وتعزيز استدامة القطاع. وقال الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الدكتور خالد تركاوي، في حديث للجزيرة نت، إن الطاقة تُعدّ عصب الاقتصاد، مشيرا إلى أن أي مصنع أو منشأة اقتصادية لا يمكن أن تعمل بدون مصادر الطاقة كالكهرباء، والمازوت، والغاز. وأضاف أن إدخال الغاز إلى سوريا، بغض النظر عن نوعه، يعد بمثابة إطلاق حقيقي لعجلة الاقتصاد السوري. وأكد تركاوي أن الزيادات في الطاقة الكهربائية، سواء كانت للاستخدام المنزلي أو الصناعي، تُعتبر خطوة إيجابية، خاصة في المناطق الصناعية مثل مدينة الشيخ نجار في حلب، التي تعاني حاليا من نقص حاد في الطاقة، مشيرا إلى أن أي زيادة في الإمدادات الكهربائية ستكون إضافة قيمة. وأوضح أن الهدف هو تشغيل مدينة الشيخ نجار بنسبة 100%، منوها بأن إدخال الغاز الأذري إلى حلب ومحيطها يمكن أن يغطي احتياجات المدينة الصناعية بالكامل، مع إمكانية تمديد الإمدادات إلى مدن أخرى مثل حماة وحمص. ونفى تركاوي أن يكون إدخال الغاز إلى سوريا حلا مؤقتا، مؤكدا أن الغاز يعد منتجا إستراتيجيا يتم نقله عبر أنابيب، وليس شحنات مؤقتة، وأوضح أن الأنابيب تمثل استثمارا طويل الأجل بعوائد تمتد لعقود، مما يعزز أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية للبلاد. في سياق آخر، لفت تركاوي إلى أن المنطقة تشهد إعادة هندسة اقتصادية، وأوضح أن هذه الهندسة تهدف إلى دمج اقتصاديات دول المنطقة، مما يوسع الأسواق ويعزز التشابك الاقتصادي بينها. وأشار إلى أن هذا التكامل يتيح للاقتصاد السوري، وغيره من الاقتصادات الضعيفة، الارتباط باقتصاديات أقوى وأسرع نموا، مما يُسهم في دفع عجلة التنمية ويجعل المنطقة قوة اقتصادية محتملة في المستقبل.