
"اللعبة الكبرى" في منطقة القطب الشمالي
وفي هذا الإطار وإزاء انبعاث ديناميكيات القوى التي كانت سائدة في القرن الـ 19 ومعاودة ظهورها من جديد، يأتي كتاب الدبلوماسية الأميركية السابقة ماري تومبسون – جونز، المنشور حديثاً بعنوان: "أميركا في القطب الشمالي" (America in the Arctic)، ليقدم سردية مفيدة وفي وقتها عن كيفية وصول الولايات المتحدة إلى مكانتها كقوة عظمى في القطب الشمالي ومحافظتها على تلك المكانة، لكن تومسون – جونز تحذر في السياق ذاته من أن الولايات المتحدة، وبعد تجربتها الناجحة عموماً في القطب الشمالي، لا تولي اليوم اهتماماً كافياً بالمنطقة المذكورة التي غدت محور اهتمام القوى العظمى العالمية، فحتى خلال الفترة القصيرة التي تلت ظهور كتاب "أميركا في القطب الشمالي" حصلت تطورات جديدة رفعت الأخطار وزادت من وتيرة المنافسة، فترمب بعد وصوله إلى الرئاسة مرة ثانية راح يصبو إلى توسع إضافي محتمل في منطقة القطب الشمالي، مصدراً إشارات متكررة وخلافية بحق كندا التي ارتأى أنها يجب أن تصبح "الولاية (الأميركية) الـ51"، وبحق غرينلاند، المنطقة الدنماركية ذات الحكم الذاتي، التي تعهد بأن بفرض السيطرة الأميركية عليها "بطريقة أو بأخرى".
في المقابل، وخلال وقت متزامن، راح التعاون ما بين روسيا والصين يشهد نمواً منذ إعلانهما عام 2022 "شراكة غير محدودة"، الأمر الذي ترجم في منطقة القطب الشمالي بعمليات مشتركة بينهما في الصعد العلمية والفضائية والعسكرية، بما في ذلك إجراء عمليات خفر سواحل ودوريات بحرية مشتركة، ثم جاءت محاولات واشنطن الأخيرة للتواصل مع موسكو لتطرح عرضاً مفاده: إن أسفرت المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا عن صفقة كبرى ما فإن المشهد الجيوسياسي الذي سينتج من ذلك قد يغير قواعد اللعبة برمتها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بغض النظر عن النتيجة التي ستتأتى من هذا العرض يبقى التنافس على المعادن النادرة والممرات المائية وحقول الصيد البحري ومناجم القيعان واتصالات الأقمار الاصطناعية في طريقه إلينا، والولايات المتحدة غير مستعدة له، أما روسيا والصين في المقابل فتقومان منذ أعوام بالاستعداد للاستفادة من طرق الشحن البحري الجديدة في منطقة القطب، كما تعملان على تحسين قدراتهما العسكرية والعلمية تحت سطح المياه وتعملان على تطوير تكتيكاتهما في الحرب الهجينة، فيما يبقى تركيز الأميركيين على مكان آخر، وكي تتمكن الولايات المتحدة من المنافسة في هذا الإطار عليها وعلى نحو دراماتيكي أن تزيد حضورها العسكري والاقتصادي والعلمي والدبلومسي في منطقة القطب الشمالي بتنسيق وثيق مع حلفائها، وإن لم تقم واشنطن سريعاً بحل مسألة التقصير والتناقض بإستراتيجيتها المتعلقة بهذه المنطقة القطبية فقد تصحو على خسارتها "اللعبة الكبرى" الجديدة.
فريق المتنافسين
تقدم تومبسون – جونز في كتابها سردية تاريخية غنية لتجربة الولايات المتحدة في منطقة القطب الشمالي، وهذا يشمل الدور الأميركي الفعال في رسم السياسات القطبية لكل من كندا والدنمارك (من خلال غرينلاند) وفنلندا وآيسلندا والنروج وروسيا والسويد، كما تُضمن المؤلفة سرديتها وقائع معينة لا تنسى حصلت في كل دولة من دول هذه المنطقة.
وتعبر تومبسون – جونز، الدبلوماسية الأميركية السابقة التي عملت في كندا، عن احترامها العميق لشعوب منطقة القطب وتقديرها لتأثيرات التغير المناخي المستمر في حياتها ورغبتها في الأمن والاستقرار، مدركة في السياق ذاته قيمة الأصدقاء والحلفاء "حين ينكسر الجليد"، وفق تعبير المثل الشائع عند شعب الإنويت (من شعوب القطب الشمالي)، ليختم الكتاب بنقد صارم ودقيق لغياب الطموح الأميركي في السياسات القطبية.
وتوصي تومبسون - جونز التي ألفت كتابها قبل الانتخابات الأميركية العام الماضي، بأن يزيد القادة المستقبليون تركيزهم على مسائل تغيّر المناخ والدبلوماسية متعددة الأطراف في سياق إستراتيجية موسعة لمنطقة القطب الشمالي، لكن تلك التوصية لسوء الحظ سرعان ما تقادمت مع عودة ترمب إلى الرئاسة.
ومن الأفكار التي قد تلقى استحسان الرئيس الأميركي دعوة الكاتبة إلى تبني "لحظة لونغيير"، في إشارة إلى الصناعي الأميركي جون لونغيير الذي أبحر عام 1901 إلى أرخبيل سفالبارد شمال النرويج، حيث رأى إمكانات صناعية كبيرة، وفي عام 1906 أسس لونغيير "شركة القطب الشمالي للفحم" (Arctic Coal Company) وسعى إلى إنشاء واستدامة حضور صناعي في منطقة القطب الشمالي بدعم أساس من حكومة الولايات المتحدة، وترى تومبسون – جونز أن ذلك المشروع مثل "تحولاً مفهومياً عميقاً" في المقاربات الأميركية لمنطقة القطب الشمالي وآذن ببدء عصر طموحات كبرى.
واليوم بعد مضي أكثر من قرن تحتاج الولايات المتحدة مرة أخرى إلى السعي خلف "الاحتمالات الكبيرة" في القطب الشمالي إن أرادت التنافس مع غريمتيها روسيا والصين، فاللاعبون الثلاثة أولئك يقومون بالاستثمار في المنطقة لكن بطرق مختلفة، وبالنسبة إلى روسيا التي تسيطر على مساحات شاسعة من القطب الشمالي، تمثل المنطقة مجالاً حيوياً لديمومتها العسكرية والاقتصادية، وبالنسبة إلى الصين يمثل القطب الشمالي فرصة لتنويع مصالحها الاقتصادية الدولية وإغنائها، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي ضمنت وجودها في القطب الشمالي حين اشترت من روسيا عام 1867 أراضي ألاسكا، عملية الشراء التي وصفها ديمتري روغوزين الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الوزراء الروسي بأنها "خيانة لمكانة روسيا"، فإن المنطقة تمثل خط دفاع شمالي.
وإلى هذا تسهم منطقة القطب الشمالي بإنعاش إستراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيوسياسية، فالرجل يسعى إلى تطوير ممر مائي هو "طريق بحر الشمال" الذي يمر عبر مياه سواحل روسيا الشمالية ويحفل ببنى مرافق وموانئ جديدة تتصل بمناطق البلاد القريبة من القطب الشمالي عبر خطوط السكة الحديد، ويمكن لأسطول روسي جديد من كاسحات الجليد أن يرافق السفن التي تسجل عبورها في هذا الطريق البحري مما سيسهل تصدير الموارد الطبيعية الروسية ومرور البضائع الصينية من الشرق إلى الغرب، وفي كتابها تلاحظ تومبسون – جونز في المشروع الضخم هذا أصداء من ماض ثقيل: الحملة الضارية التي جردها الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين لإنشاء البنى التحتية في القطب الشمالي، والتي جرى خلالها إنشاء الطرق والسكك الحديد والمناجم عبر تسخير سجناء وعمال قسريين مات كثير منهم أثناء العمل، وقد عرفت إحدى الطرق المنشأة في إطار تلك الحملة بـ "طريق العظام" لأن عمالاً كثيرين ماتوا خلال إنشائها ودفنوا في أساساتها لدرجة أن "هناك جثة في كل متر من الطريق".
وما يقوم به بوتين في هذه المنطقة من تحشيد اقتصادي وعسكري يبقى أقل قسوة وضراوة من أساليب ستالين لكنها لا تقل عنه طموحاً، مدفوعة بشعور روسيا المزمن بانعدام الأمن والخوف من فقدان السيطرة على أراضيها، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أُغلقت قواعد عسكرية قطبية وتُركت البنية التحتية مهملة وهاجر كثير من السكان بسبب توقف الدعم الحكومي، واليوم تحاول السلطات الروسية منع مزيد من التدهور في أعداد ساكني القطب الشمالي عبر تأخير البت بطلبات يقدمها سكان يودون مغادرة المنطقة.
إلى هذا تشكل معسكرات القطبية الإجبارية [سجون خاصة] أماكن مفضلة بالنسبة إلى الدولة لإيداع السجناء السياسيين الذين يمثلون خطراً على الحكومة، أمثال زعيم المعارضة أليكسي نافالني الذي قضى في ظروف مريبة داخل أحد تلك السجون عام 2024، وتقوم روسيا راهناً ببناء وتجديد القواعد العسكرية في القطب الشمالي، وذاك يرتبط بجزء منه بمسألة تحسين قدراتها على المراقبة في المنطقة مع تزايد الأنشطة التجارية على امتداد "طريق بحر الشمال". ويرصد في السياق ظهور مفاجئ للرايات الروسية وشعارات الصليب والكهنة الأرثوذكسيين، ليس فقط في المنطقة الروسية من القطب الشمالي بل أيضاً، وعلى نحو مقلق، في أعالي الشمال النروجي، وذاك يشكل إعلاناً صريحاً عن ملكية روسيا للمنطقة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
وقد انضمت الصين حديثاً من جهتها إلى لعبة القطب الشمالي هذه، فهي على رغم افتقارها إلى مناطق وأراض خاصة بها في المنطقة أعلنت نفسها دولة "محاذية للقطب الشمالي" استناداً إلى خرائط من القرن الـ 15 وإلى مصالحها واهتماماتها بإدارة تلك المنطقة القطبية، وبدأت بكين جهودها القطبية عام 2004 عندما أنشأت أول محطة أبحاث لها في أرخبيل سفالبارد واستخدمت التعاون العلمي كوسيلة لتوسيع معرفتها وحضورها في المنطقة، ولاحقاً سعت إلى دخول شراكات تجارية مع كندا والدول الإسكندنافية إلا أن تلك الدول أبدت تحفظاً على شروط الاستثمار الصينية، تحت ضغط غير مباشر من واشنطن، وقيدت تدريجاً قدرة بكين على الوصول، ثم سنحت فرصة أخرى للصين مع اجتياح روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، ففيما راحت موسكو تواجه خسارة أسواقها الأوروبية ونهاية تعاونها مع شركات الطاقة الغربية وتضاؤل موازنتها في زمن الحرب، أبدت في المقابل ترحيباً بالاستثمارات الصينية كوسيلة لسد الفجوة، وقامت الصين في السياق بزيادة تمويل مشاريع الغاز المسال الطبيعي الروسية في القطب الشمالي، كما شاركت في تطوير البنى التحتية على امتداد "طريق بحر الشمال" موسعة حضورها التجاري في المنطقة.
من جانبها لطالما كانت الولايات المتحدة قوة اقتصادية في القطب الشمالي منذ أن اشترت ألاسكا عام 1867 من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية، وحاولت شراء غرينلاند في العام التالي ثم أعادت المحاولة في أعوام 1910 و1946 و2019 بدوافع اقتصادية وأمنية، وبعد الحرب العالمية الثانية وسّعت واشنطن حضورها في القطب من خلال تحالفات إقليمية ومشاريع بنية تحتية، ففي خمسينيات القرن الماضي أنشأت "خط الإنذار الباكر البعيد"، وهو سلسلة من محطات الرادار تمتد عبر ألاسكا وكندا وغرينلاند وآيسلندا وجزر فارو، وظلت نشطة حتى 1993 لرصد أي هجوم سوفياتي محتمل، كما تعاونت مع كندا لبناء "طريق ألاسكا السريع" وشاركت في نظام الدفاع الجوي المتكامل المعروف باسم "نوراد" NORAD، ومع حلفائها في الـ "ناتو" قامت القوات الأميركية بدوريات في شمال الأطلسي، وبخاصة حول غرينلاند وآيسلندا والمملكة المتحدة لكشف الغواصات والقاذفات النووية السوفياتية، ولاحقاً الروسية.
وتبقى منطقة القطب الشمالي اليوم منطقة حيوية بالنسبة إلى المصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية، فتضم مدينة أنكوريج، في ألاسكا، رابع أكبر مطارات الشحن ازدحاماً في العالم، كما تتمركز في ولاية ألاسكا مجمل أنظمة الرادار والصواريخ الاعتراضية الأرضية الأميركية تقريباً، والتي يسهم موقعها هناك عند خط عرض مرتفع بكشف باكر للتهديدات المحتملة، وقد جاء توقيع اتفاقات الدفاع الثنائية الأخيرة مع جميع دول الشمال الخمس وانضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي تباعاً خلال عامي 2023 و2024 ليعززا الدفاع الجماعي المشترك في منطقة القطب الشمالي، بيد أن واشنطن لا تزال تهمل قدراتها الذاتية هناك في تلك المنطقة، إذ غالباً ما ينتقد المسؤولون العسكريون الأميركيون واقع الافتقار إلى البنى التحتية الملائمة للموانئ والمطارات وكاسحات الجليد والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار ومعدات التدريب والطقس البارد الضرورية للدفاع عن منطقة القطب الشمالي.
رقعة اللعبة
الجائزة التي تسعى إليها كل من روسيا والصين والولايات المتحدة في هذه المنطقة تتمثل بالسيطرة عليها كما علّق الطيار الأميركي بيلي ميتشل عام 1935 ساخراً بأن "من يستحوذ على ألاسكا سيستحوذ على العالم"، والسيطرة على منطقة القطب الشمالي توفر كثيراً من المزايا، فالعبور فوق المناطق القطبية يقصر المسافات التي ينبغي على سفن الشحن والطائرات والكابلات البحرية أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أن تقطعها للوصول إلى وجهاتها وأهدافها، وتضم المنطقة محطات أرضية للأقمار الاصطناعية ومواقع إطلاق مدارية مهمة للعمليات المدنية والعسكرية على حد سواء، كما أن البنى التحتية للمواصلات الموجودة في موقع خطوط عرض مرتفعة، وعلى رغم محدوديتها، تؤدي دوراً حيوياً في عمليات تتبع السفن ورصد أحوال الطقس ودمج أنظمة المراقبة، وكذلك تحوي أراضي القطب الشمالي وقيعان بحاره كميات هائلة من المعادن الحيوية النادرة ومصادر الطاقة، وقد غدت مياه القطب الشمالي مع الوقت على نحو متزايد مصدراً مهماً للغذاء العالمي، إذ يؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى إجبار الأسماك على التوجه شمالاً سعياً إلى المياه الأبرد.
ومن هنا فإن خطوط المعركة الرئيسة ستتركز وترسم على طول امتداد قيعان المياه القطبية وفي المياه الدولية والطرف المؤدي إلى الفضاء الخارجي، فالغواصات النووية الأميركية والروسية تراقب بالفعل مناطق تمر فيها الكابلات البحرية التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تزداد الإجراءات الأمنية مع استهداف السفن الروسية والصينية لكابلات جديدة، وكذلك ستسعى الدول أيضاً إلى ضمان الوصول إلى المعادن النادرة والحيوية في تلك المناطق، وقد أصدرت هيئة مرتبطة بـ "اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار" (UNCLOS) عام 2023 توصيات تدعم معظم مزاعم روسيا التي تبرر توسعة عمليات جرفها القاري الخارجية لتصل إلى عمق القطب الشمالي (سيكون على روسيا في نهاية المطاف التفاوض مع كندا والدنمارك لحل مسألة تداخل المزاعم).
والممكن أن يؤدي استخراج المعادن من قيعان المياه في هذه المنطقة إلى زيادة الحضور الروسي التجاري والعسكري في المياه الدولية، ومن المرجح أن تستمر النزاعات حول وضع طريقين بحريين في القطب الشمالي: طريق البحر الشمالي الروسي ونظيره الكندي، الممر الشمالي الغربي، إذ تعتبر كل من روسيا وكندا هذه الممرات مياهاً داخلية، بينما ترى الولايات المتحدة ودول أخرى أنها مياه دولية وبالتالي لا تخضع للقوانين أو القيود الوطنية، ومع ذوبان الجليد القطبي قد يُفتح طريق ثالث عابر للقطب يقع بالكامل تقريباً في مياه دولية غير متنازع عليها، وستحتاج الولايات المتحدة إلى بنية تحتية بحرية ورقابية إضافية استعداداً لاستخدامه المتزايد، فالصين من جهتها بدأت بالفعل في اختبار جدوى هذا المسار الإضافي وقد أرسلت كاسحة جليد عبره عام 2012.
وأخيراً فإن مسألة تحديد مواقع المحطات الأرضية للأقمار الاصطناعية ومحطات الإطلاق في المدار القطبي ستمثل جبهة أساسية في سباق الفضاء، فكما أظهرت روسيا في حربها ضد أوكرانيا فإن البلد الذي يسيطر على أنظمة الملاحة الدولية والقادر على تعطيل الأقمار الاصطناعية عند خصومه سيتمتع بمزايا عسكرية هائلة.
اللعب من أجل الفوز
انطلاقاً مما ذكر تبدو الولايات المتحدة غير مستعدة أبداً لهذه المنافسة التي تطل برأسها، فعلى رغم الجهود المبذولة في الكونغرس، وخصوصاً من قبل وفود وممثلين من ألاسكا وماين وواشنطن، لدفع إدارات الرؤساء المتعاقبين إلى تأمين الموارد اللازمة للمنطقة القطبية الشمالية، تبقى المسألة خارج سلّم أولويات الدوائر الدفاعية الأميركية، ويؤدي شح التمويل وقلة الاهتمام بمنطقة القطب الشمالي إلى خلق حلقة مفرغة تنتج منها إستراتيجيات بليدة تفتقر إلى الموازنات الملائمة والهياكل القيادية الواضحة، وبالتالي فكي تعود الولايات المتحدة للعبة ستحتاج إلى تكثيف وجودها العسكري والاقتصادي في منطقة القطب، والعمل على نحو وثيق مع حلفائها لتعزيز شبكاتها العلمية والرقابية في المنطقة لرصد الأخطار والتهديدات ومواجهتها على نحو أفضل، والدليل الأبرز على قصر استعدادات الولايات المتحدة في تلك المنطقة القطبية يتمثل بأسطول كاسحات الجليد الأميركي المتقادم، إذ إن قوات البحرية الأميركية تفتقر إلى السفن القادرة على التقدم في مسطحات مائية صلبها الجليد، أما "خفر السواحل" الأميركي فلا يملك سوى ثلاث كاسحات جليد تعمل منها اليوم اثنتان، وعليهما خدمة منطقتي القطب الشمالي والقطب الجنوبي بالتزامن، ولدى الولايات المتحدة سفينة واحدة فقط عمرها 50 عاماً يمكنها الاختراق والتقدم عبر سبعة أمتار من الجليد، وفي عام 2024 اشترت واشنطن السفينة الثالثة، وهي كاسحة جليد تجارية بنيت عام 2012، لكنها تحتاج إلى تعديلات وتحسينات قبل التمكن من الدخول في الخدمة العام المقبل كما هو متوقع، وهذه السفينة القادرة على كسر جليد بسماكة نحو 1.5 متر ستكون بمثابة دعم موقت حتى يتم الانتهاء من كاسحة جليد أقوى طلبتها إدارة ترمب عام 2019، والمقرر أن تُسلّم عام 2030 بعد تأخيرات سببها تغييرات متكررة في التصميم وتراجع خبرة أحواض بناء السفن الأميركية التي لم تنتج كاسحة ثقيلة منذ السبعينيات.
والمشكلة الأساس هنا تتخطى تماماً مسألة توفر كاسحات الجليد، إذ إن الولايات المتحدة تفتقر إلى الوجود العسكري الملائم والبنى الأساس البحرية الوافية، مثل موانئ أعماق البحار، للدفاع عن مساحات شاسعة في منطقة القطب الشمالي، فالقوات الأميركية قادرة على تشغيل "قاعدة بيتوفيك الفضائية" في الساحل الشمالي من غرينلاند مثلاً، لكنها غير قادرة على تأمين الجزيرة برمتها، كما أن إدارة ترمب في هذا الإطار تقوم أيضاً بتهديد تحالفات أساس في منطقة القطب الشمالي وتعرضها للخطر، وقد دفعت هذه العدوانية كندا والدنمارك إلى تعزيز قدراتهما، إذ أعلنت كندا هذا العام خططاً لبناء كاسحتي جليد جديدتين وثلاث قواعد عسكرية جديدة في القطب الشمالي، كما أعلنت الدنمارك في يناير (كانون الثاني) الماضي زيادة بقيمة ملياري دولار على الإنفاق الأمني، وخصصت في أبريل (نيسان) الماضي مبلغاً آخر بقيمة 600 مليون دولار لبناء سفن مراقبة، لكنها تهدد بالإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة على المدى الطويل، وإن كانت واشنطن تنوي منافسة الصين وروسيا فهي تحتاج إلى أن يكون جميع أصدقائها في منطقة القطب الشمالي إلى جانبها بالكامل.
وكذلك على واشنطن أن تبدأ بتخصيص تمويل فعلي لتنمية وتطوير قدرات الولايات المتحدة في القطب الشمالي، فلقد تحدث ترمب مراراً عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة القطبية، ويسعى الكونغرس منذ عام 2021 إلى تأمين تمويل لأعوام عدة ضمن موازنة الـ "بنتاغون" يغطي مبادرة تعزيز الأمن في القطب الشمالي، ولقد حان الوقت اليوم لتطبيق هذه الخطة وجعلها أمراً واقعاً، فالبحرية الأميركية تحتاج إلى سفن قادرة على الإبحار في المياه الجليدية، ولقد دعا ترمب مرات عدة إلى بناء 40 كاسحة جليد، غير أن هذا العدد ليس ضرورياً ولا واقعياً، فقوات خفر السواحل أعلنت حاجتها لثماني كاسحات أو تسع، وتحقيق هذا العدد ضمن إطار زمني معقول يحتاج حتى إلى تنفيذ معظم أعمال الإنشاء في أحواض بناء سفن أجنبية، وفي السياق ذاته ينبغي إصلاح واستدامة عمل مرافق المدرّجات (للطائرات) وأنظمة الرادار والمنشآت العسكرية الأخرى المتضررة بفعل ذوبان الجليد (والتربة الصقيعية)، كما أن مسائل مثل نشر الأفراد والقاذفات بعيدة المدى وتأمين مزيد من المرافق المرفئية والرقابية على طول سواحل غرينلاند وتحسين الموجود منها، وتطوير الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية والمسيرات العاملة في أعماق المياه، وعمليات توقيع الخرائط في قاع البحار، تعد من المسائل الضرورية لرصد ومراقبة منطقة القطب الشمالي ومساحاتها الشاسعة بغية كشف النشاط العسكري الروسي أو الصيني، على نحو خاص، فكما قال رئيس القيادة الشمالية الأميركية، الجنرال غريغوري غويلوت، في شهادته أمام الكونغرس في فبراير الماضي، فإن "الانتصار على ما لا نراه أمر مستحيل".
وأيضاً على الجيش الأميركي العمل على ترشيد مسؤولية العمليات في منطقة القطب الشمالي وحصرها بقيادة إقليمية واحدة للمنطقة، ففي البنية القيادية الحالية التي طورت عام 2011 تنقسم مسؤوليات العمليات بين القيادة "العسكرية الأميركية في أوروبا" التي تغطي المنطقة الأوروبية من القطب الشمالي، وبين "القيادية الأميركية الشمالية" وإطار "نوراد" (NORAD) الأميركي - الكندي، وهما القيادتان اللتان تغطيان معاً أميركا الشمالية، فيما تقوم "قيادة المحيطين الهندي والهادئ الأميركية" في الوقت عينه بإدارة شؤون وقدرات قوات الجيش الأميركي المتمركزة في ألاسكا بمسائل التعامل مع الطقس البارد وتنفيذ العمليات المحمولة جواً، ومع تركيز كل واحدة من هذه الهيئات القيادية على منطقتها الخاصة فإننا نفتقر إلى جهة قيادية واحدة تعمل على مراقبة منطقة القطب الشمالي برمتها، وحتى السواحل الشرقية والغربية لغرينلاند تقع تحت صلاحيات هيئتين (قيادتين) عسكريتين منفصلتين، بينما سيؤدي وجود قيادة أميركية موحدة وما دون إقليمية (أو شبه إقليمية) في منطقة القطب الشمالي إلى الكشف الباكر عن أنشطة الخصوم والرد عليها، ودعم المراكز القيادية في المنطقة.
كذلك ثمة خطوات واضحة يمكن للولايات المتحدة اعتمادها للوصول إلى المعادن الحيوية في منطقة القطب الشمالي، وتتمثل إحدى تلك الخطوات بأن تقوم وزارتا الطاقة والخارجية بإطلاق مبادرة مخصصة للقطب الشمالي بناء على اتفاق "شراكة تأمين المعادن" (القائم منذ عام 2022 والذي يضم 14 بلداً إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) من أجل تعزيز الاستثمار العام والخاص في عمليات التعدين المستدامة وفي البنى الأساس المرتبطة بها في ألاسكا وغرينلاند وغيرهما من مناطق القطب الشمالي، وهناك خطوة ثانية تتمثل بتوسعة المنطقة الأميركية في القطب الشمالي، لا من خلال شراء غرينلاند أو ضم كندا بل عبر توسيع الجرف القاري الخارجي للولايات المتحدة في بحر بيرينغ والمحيط المتجمد الشمالي، وكانت إدارة بايدن بدأت هذه العملية عام 2023 من خلال وضع خريطة بمساحة 151700 ميلاً بحرياً مربعاً كإمتداد لكتلة أرض ألاسكا، وفق تحديد "اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار" (UNCLOS)، فعلى رغم عدم توقيع الولايات المتحدة على المعاهدة المذكورة تبقى واشنطن قادرة على المطالبة أمام لجنة الأمم المتحدة المرتبطة بها بملكية هذه المساحات المائية، لكن على الولايات المتحدة أيضاً المصادقة على تلك المعاهدة التي وقعتها الصين وروسيا، وذلك بغية تشكيل إدارة مستقبلية لعمليات استخراج المعادن من قاع البحار واستخدام شروطها لإلزام بكين وموسكو بالقانون البحري وتحميلهما مسؤولية أي انتهاك يقومان به.
لقد قامت واشنطن على مدى العقدين الماضيين بوضع عشرات الخطط الإستراتيجية المتعلقة بالقطب الشمالي فيما كانت تسمح بضمور وتراجع قدراتها هناك، وها هي في الآونة الأخيرة تتسبب بتنفير حلفائها في هذه المنطقة، بيد أن الوقت حان الآن للقيام بعمل متضافر ومنسق، فالصين وروسيا باشرتا فعلاً خطواتهما الأولى هناك، أما الولايات المتحدة فعليها أن تقتدي بما جاء في رواية روديارد كبلينغ "كيم" عام 1901، والتي دارت أحداثها في آسيا الوسطى، حين قال "يجب أن تذهب بعيداً وبعيداً في الشمال وتلعب اللعبة الكبرى".
هيذر كونلي باحثة بارزة غير مقيمة في معهد "أميريكان إنتربرايز" وتولت سابقاً رئاسة "صندوق مارشال الألماني للدعم" وشغلت بين عامي 2001 و2005 منصب نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا والشؤون الأوروبية.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 24 يونيو (حزيران)، 2025

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 17 دقائق
- الاقتصادية
أسهم أوروبا تواصل مكاسبها قبل محادثات بين أمريكا وروسيا
ارتفعت الأسهم الأوروبية اليوم الاثنين لتواصل زخمها القوي من الأسبوع الماضي بدعم من التفاؤل حيال التوصل لاتفاق سلام محتمل في أوكرانيا، بينما حول المستثمرون انتباههم إلى بيانات التضخم الأمريكية القادمة ومفاوضات الرسوم الجمركية في وقت لاحق من الأسبوع. وارتفع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3% بحلول الساعة 07:08 بتوقيت جرينتش، ليحوم قرب أعلى مستوى منذ 31 يوليو. وحظى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بدعم دبلوماسي من أوروبا وحلف شمال الأطلسي قبل عقد قمة روسية أمريكية خلال الأسبوع الجاري. وتخشى كييف من محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض الشروط لإنهاء الحرب الدائرة منذ 3 أعوام ونصف العام. وقال ترمب، الذي من المقرر أن يلتقي بوتين في ألاسكا يوم الجمعة، إن الاتفاق المحتمل سيشمل "تبادل بعض الأراضي بما يخدم مصلحة الجانبين". وضغطت احتمالات إبرام اتفاق سلام على شركات الدفاع الألمانية. ونزل سهم شركة الدفاع الألمانية راينميتال 3.7%، في حين انخفضت أسهم شركتي رينك وهينسولدت 3%و2.1% على الترتيب. وهوى سهم شركة أورستد 22% بعد أن قالت شركة تطوير مزارع الرياح الدنماركية إنها تعتزم إصدار حقوق اكتتاب أفضلية للمساهمين بقيمة 60 مليار كرونة دنمركية (9.4 مليار دولار) واستندت في قرارها إلى تطورات غير مواتية في سوق مزارع الرياح البحرية في الولايات المتحدة. وانخفض سهم نورثرن داتا بنحو 3% بعد أن قالت شركة رامبل، وهي منصة فيديو أمريكية ومزود للخدمات السحابية، إنها تدرس عرضا بقيمة 1.17 مليار دولار تقريبا لمجموعة الذكاء الاصطناعي السحابية الألمانية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
لمكافحة الجريمة... نشر 450 ضابطاً فيدرالياً في شوارع واشنطن
تستعين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمئات ضباط الشرطة الفيدرالية لمكافحة الجريمة في العاصمة واشنطن، في إطار جهود الرئيس لتعزيز السلامة العامة في العاصمة. وأعلن البيت الأبيض عن نشر 450 ضابطاً من وكالات فيدرالية متعددة في مناطق العاصمة المزدحمة وغيرها من المناطق الساخنة يومي 9 و10 أغسطس (آب). وينتمي هؤلاء الضباط إلى 18 وكالة، بما في ذلك «مكتب التحقيقات الفيدرالي»، وإدارة مكافحة المخدرات، وجهاز الخدمة السرية. وأمر ترمب بتعزيز وجود قوات إنفاذ القانون في العاصمة في 8 أغسطس بعد شكواه من ارتفاع معدلات الجريمة في المدينة، حتى مع انخفاض معدلات جرائم العنف. انخفضت معدلات جرائم العنف بنسبة 35 في المائة في العاصمة عام 2024، وفقاً للبيانات التي جمعتها شرطة العاصمة. وأفاد مكتب المدعي العام الأميركي لمقاطعة كولومبيا في بيان صحافي أن أرقام عام 2024 تُمثل أدنى مستوى لجرائم العنف منذ «أكثر من 30 عاماً». أفادت صحيفتا «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» أن إدارة ترمب تُعيد توزيع 120 عميلاً من «مكتب التحقيقات الفيدرالي» مؤقتاً للقيام بدوريات ليلية في شوارع العاصمة. ورداً على سؤال حول هذه التقارير، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض أبيغيل جاكسون لصحيفة «يو إس إيه توداي» بأن هناك «زيادة في أعداد ضباط إنفاذ القانون الفيدراليين في العاصمة استجابةً لجرائم العنف، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي». دورية لعناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي في العاصمة واشنطن أمس (أ.ف.ب) وأضافت جاكسون: «في غضون ليالٍ قليلة، لعب ضباط إنفاذ القانون الفيدراليون دوراً حيوياً في ردع الجريمة، واعتقال المجرمين، والقضاء على المخدرات والأسلحة الخطيرة في الشوارع». ويبدو أن ترمب مستعد لاتخاذ المزيد من الإجراءات الفيدرالية لمعالجة الجريمة في العاصمة. وقال ترمب أمس في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: «يجب على المشردين المغادرة فوراً، سنوفر لكم أماكن للإقامة ولكن بعيداً عن العاصمة، أما بالنسبة للمجرمين فلستم مضطرين للمغادرة، سنضعكم في السجن حيث يجب أن تكونوا». ويعتزم ترمب عقد مؤتمر صحافي اليوم الاثنين «لوقف جرائم العنف في واشنطن العاصمة». ولم يتضح ما إذا كان سيعلن عن مزيد من التفاصيل عن خطة لإخلاء العاصمة من المشردين. ويعيش معظم المشردين في ملاجئ طوارئ أو مساكن مؤقتة. وتقول منظمة الشراكة المجتمعية التي تعمل على الحد من التشرد في العاصمة إن نحو 800 منهم بلا مأوى أو «في الشارع».


الشرق السعودية
منذ 3 ساعات
- الشرق السعودية
عناصر FBI ينتشرون في واشنطن بعد دعوة ترمب لإخلاء العاصمة من المشردين
قال متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في واشنطن، الاثنين، إن عملاء المكتب سوف يشاركون في تعزيز حضور إنفاذ القانون الفيدرالي في العاصمة، وذلك بعد أن صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب من لهجته بشأن الجريمة والتشرد، داعياً المشردين إلى الخروج من المدينة فوراً، حسبما ذكر "أكسيوس". ونشرت وسائل إعلام أميركية صوراً لعناصر من FBI يتجولون في أنحاء مقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن DC) مساء الأحد، كما ذكر مسؤولان أميركيان لـ"رويترز"، الأحد، إن الجيش الأميركي يجهز لنشر مئات من عناصر الحرس الوطني في واشنطن. وتعهد ترمب الأحد، بإخلاء واشنطن من المشردين وبسجن المجرمين، وذلك رغم تأكيد موريل بوزر رئيسة بلدية العاصمة بأنه لا توجد حالياً زيادة في معدلات الجريمة. وقال ترمب في منشور على منصة تروث سوشيال "يجب على المشردين المغادرة فوراً، سنوفر لكم أماكن للإقامة ولكن بعيداً عن العاصمة، أما بالنسبة للمجرمين فلستم مضطرين للمغادرة، سنضعكم في السجن حيث يجب أن تكونوا". ونشر ترمب صوراً لخيام وشوارع في العاصمة عليها بعض القمامة. وامتنع البيت الأبيض عن توضيح الأساس القانوني الذي سيستند إليه ترمب لطرد المشردين من واشنطن. ولا يتحكم الرئيس المنتمي للحزب الجمهوري إلا في الأراضي والمباني الفيدرالية في المدينة. ترمب يهدد بالسيطرة على واشنطن وعززت تصريحات ترمب بأن الجريمة في العاصمة "خارجة عن السيطرة تماماً" تهديداته المتجددة بالسيطرة الفيدرالية على المدينة وأوامره بتعزيز قوات إنفاذ القانون الفيدرالية. ورغم انخفاض معدلات الجريمة في العاصمة واشنطن مؤخراً، إلا أن الاعتقالات بتهمة ارتكاب جرائم غير عنيفة ارتفعت بموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب بعنوان "واشنطن العاصمة آمنة وجميلة"، والذي أنشأ فرقة عمل تهدف إلى القضاء على الجريمة في المدينة وتسهيل وجود "قوة أكبر" لإنفاذ القانون الفيدرالي، وفق "أكسيوس". وتعهد ترمب بجعل العاصمة الأميركية "أكثر أماناً وجمالاً"، من أي وقت مضى، وقال الرئيس: "سنوفر للمشردين أماكن إقامة، لكنها ستكون بعيدة عن العاصمة"، مضيفاً أن "المجرمين سيُسجنون، وأن كل شيء سيحدث بسرعة كبيرة". ووقع ترمب الشهر الماضي، أمراً تنفيذياً يُسهّل على المدن إخلاء المشردين، ويوجّه بوضعهم في مؤسسات علاجية "طويلة الأمد" بهدف "استعادة النظام العام". وانتقدت جماعات حقوق الإنسان هذا الأمر، قائلة إنه "يُشجّع على اللجوء إلى الاحتجاز المدني القسري"، وهي عملية وضع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية في مرافق علاجية دون موافقتهم. إجراءات ترمب وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيجيل جاكسون، في بيانٍ ، الأحد، إن إجراءات ترمب "أزالت الأسلحة والمخدرات غير المشروعة من شوارع العاصمة واشنطن في "بضع ليالٍ فقط، وهذا لا يأخذ في الاعتبار الجرائم المحتملة العديدة التي تم ردعها بفضل الوجود الكثيف والواضح لرجال إنفاذ القانون"، وفق قولها. وأضافت في بيان عبر البريد الإلكتروني أنّ "إدارة ترمب ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل العاصمة واشنطن نظيفة وآمنة". وعندما طُلب منها التعليق على التقارير التي تفيد بأنّ 120 عميلاً من مكتب التحقيقات الفيدرالي سيشاركون في الحملة، قالت جاكسون إن "هناك زيادة في عدد ضباط إنفاذ القانون الفيدراليين في العاصمة واشنطن رداً على جرائم العنف التي شملت مكتب التحقيقات الفيدرالي". ولم يُجب ممثلو البيت الأبيض فوراً على سؤالٍ لاحقٍ من "أكسيوس" حول عدد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي المتورطين، كما رفض المكتب التعليق على الأمر. هل يمكن لترمب السيطرة على العاصمة؟ ويتطلب الاستيلاء الكامل على العاصمة واشنطن من الكونجرس إلغاء نظام الحكم الذاتي للمدينة الذي يسمح للسكان بانتخاب عمدتهم وأعضاء مجلسهم. وبموجب هذا الترتيب، يحتفظ الكونجرس بسلطة الإشراف على قوانين المدينة، ويمكن للرئيس تولي قيادة شرطة العاصمة مؤقتاً إذا "رأى وجود ظروف طارئة خاصة". وحتى من دون إزالة الحكم الذاتي، هناك طرق أخرى يمكن لترمب من خلالها الضغط على المدينة، مثل نشر الحرس الوطني في العاصمة واشنطن، والذي يخضع لقيادته، أو تولي قيادة شرطة العاصمة مؤقتاً. وأكدت عمدة العاصمة واشنطن مورييل باوزر، في ظهورها على برنامج "ذا ويك إند" على قناة MSNBC الأحد، على انخفاض الجرائم العنيفة في المدينة للعام الثاني على التوالي، قائلة: "نحن لا نشهد ارتفاعاً في معدل الجريمة". وأضافت أن "أي مقارنة بدولة مزقتها الحرب مبالغ فيها وخاطئة". والأسبوع الماضي، وبعد أن أُفيد عن إصابة موظف سابق في وزارة العدل في محاولة سرقة سيارة، طرح الرئيس فكرة فرض النظام الفيدرالي على المدينة إذا "لم تُحسن العمدة إدارة العاصمة". ثم أمر بعملية استمرت سبعة أيام لتعزيز إنفاذ القانون الفيدرالي في المدينة، مع التركيز على المناطق السياحية ذات الكثافة المرورية العالية وغيرها من النقاط الساخنة، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام متعددة. مؤتمر ترمب بشأن واشنطن وأعلن ترمب الأحد، عن اعتزامه عقد مؤتمر صحافي في تمام العاشرة من صباح الاثنين، بتوقيت شرق الولايات المتحدة، في قاعة المؤتمرات بالبيت الأبيض، للكشف عن "خطة شاملة" لاستعادة الأمن والنظافة والتجديد في العاصمة واشنطن. وقال ترمب في منشورين متتاليين على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، إن المؤتمر "لن يقتصر على مناقشة مكافحة الجريمة والقتل في العاصمة، بل سيتناول أيضاً قضايا النظافة والتجديد المادي العام". كما انتقد الإنفاق الكبير على ترميم مبان حكومية، مثل مبنى الاحتياطي الفيدرالي، داعياً إلى تحقيق توفير في الميزانية وتجنب مشاريع البناء المطولة. وكتب: "لن نسمح للناس بإنفاق 3.1 مليار دولار على ترميم مبنى، مثل مبنى الاحتياطي الفيدرالي، والذي كان من الممكن إنجازه بأسلوب أكثر أناقة وسرعة في الوقت، بتكلفة تتراوح بين 50 و100 مليون دولار. في الواقع، كان التجديد سيكون أفضل، وكان من الممكن أن نوفر 3 مليارات دولار، واختناقات مرورية، ومشاريع بناء لا تنتهي".