
كيف تسلل الخوف إلى مختلف مرافق الحياة في أميركا؟
وقال إنه رأى هذا الخوف خلال الأشهر الماضية "يتسرب إلى جيشنا، وخدمتنا المدنية، والجامعات، ومكاتب المحاماة، والمناصب القيادية في الشركات والمنظمات غير الربحية".
وفي مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، قارن كيندال -الذي عمل وزيرا في إدارة الرئيس السابق جو بايدن- المناخ السياسي السائد في الولايات المتحدة حاليا بما كانت عليه الأوضاع في إدارات سابقة.
وضرب مثالا على ذلك بأن معارضة سياسات الحكومة -خاصة برنامج التعذيب في عهد الرئيس جورج بوش الابن- لم تكن تثير الخوف من الانتقام كما هي الحال الآن.
ويعني كيندال بذلك على وجه التحديد برنامج "الاستجواب المعزز"، الذي استخدمته وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضد المشتبه بهم بالإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن العاصمة.
وأشار إلى أنه كان من معارضي برنامج التعذيب المذكور، إذ كان بالإمكان آنذاك معارضة سياسات الحكومة دون خوف من رد فعلها ودون قلق بشأن الاعتقال أو التحقيق التعسفي، أو قطع أي تمويل حكومي أو التعرض لهجوم شخصي وحشي على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة.
أما اليوم -على حد تعبيره- فإن ضباط الجيش يُقالون من الخدمة العسكرية دون مبرر، وموظفو الدولة يُطردون، والمهنيون يُدرجون على "القوائم السوداء" -ومنهم هو نفسه- لمجرد انتقادهم إدارة الرئيس ترامب، الذي "لا يتقبل المعارضة، ويستخدم الخوف لقمعها".
وتطرق كيندال -في مقاله- إلى ما يحدث حاليا في مؤسسات الدولة الرئيسية كل على حدة، بادئا بالجيش والخدمة المدنية باعتبار أن لديه خبرة طويلة معهما ويحافظ على تواصل وثيق بهما.
وقال إن الخوف في وزارة الدفاع (البنتاغون) اليوم واضح وملموس، فعمليات طرد كبار الضباط في القوات المسلحة دون سبب كانت بمنزلة رسالة "مرعبة" موجهة إلى كل من يرتدي الزي العسكري.
ووصف إقالة كبار الضباط العسكريين، وعمليات الطرد الجماعي لموظفي الحكومة الفدرالية، والمدنيين في البنتاغون، بأنها إجراءات غير مسبوقة ترمي إلى القضاء على المعارضة، واستبدال المهنيين بأصحاب الولاء السياسي، وإشاعة مناخ من الخوف.
وتوقف كيندال عند حالة الخوف في صفوف المحامين وقال إن إدارة ترامب تسعى لإجبار شركات المحاماة الكبرى على رفض تمثيل العملاء الذين لا تفضلهم، وهو ما زرع الخوف في نفوس كثيرين من أهل المهنة ودفع بعضهم إلى عقد "صفقات" مع الإدارة الحالية حفاظا على مصالحهم.
ورصد المسؤول الأميركي السابق حالة من القلق والخوف في صفوف طلاب الدراسات العليا والأساتذة في جامعة هارفارد إزاء تأثير هجمات إدارة ترامب على الحرية الأكاديمية وحرية التعبير في الحرم الجامعي.
وأشار أيضا إلى أن الإدارة الأميركية الحالية توعدت بملاحقة مسؤولين حكوميين سابقين ومواطنين عاديين، كما هددت شركات بفقدان العقود الحكومية، ومنظمات غير ربحية في جميع أنحاء الولايات المتحدة بقطع التمويل عنها.
وذكر أن هذا المناخ من الترهيب والتهديد امتد إلى الشركات التي ترغب في توظيف أشخاص ينتقدون ترامب وإدارته، كاشفا أنه كان واحدا من هؤلاء، إذ أخبرته عدة منظمات تقدم للعمل بها، بعد تركه منصبه في الحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي، بأنها لا تستطيع توظيفه.
غير أن أوضح مثال للتخويف الذي استخدمه ترامب سلاحا -وفق مقال نيويورك تايمز- كان استهدافه المهاجرين غير النظاميين، ومجتمعات المهاجرين على نطاق أوسع.
ورغم إقراره بأن الأميركيين يؤيدون ترحيل المهاجرين غير النظاميين ممن يرتكبون جرائم عنيفة، فإن وزير القوات الجوية السابق يقول إن إدارة ترامب ظلت تُرعب المهاجرين من جميع الفئات، بمن فيهم من يقيمون في الولايات المتحدة قانونيا.
ويرى كيندال أن هذا الخوف الواسع النطاق هو سمة من سمات الأنظمة الاستبدادية، وينذر بخطر عميق يهدد الديمقراطية الأميركية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 دقائق
- الجزيرة
ترامب يؤجل قمة أميركا وأفريقيا بسبب انشغال الإدارة ونقص الموظفين
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل القمة التي كانت مقررة بين الولايات المتحدة وأفريقيا بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر المقبل. ووفقا لمصادر تحدثت إلى موقع "أفريكا ريبورت"، فإن موضوع انعقاد القمة لم يعد مطروحا بسبب انشغال الإدارة الأميركية ونقص الموظفين، كما أنه في الوقت الحالي ليس لدى البيت الأبيض متسع من الوقت لعقد لقاء يستضيف كما هائلا من الرؤساء والمسؤولين. ووفقا للمصادر ذاتها، فإنه من المحتمل أن تؤجل القمة حتى فصل الربيع من العام المقبل، على أن تعقد في العاصمة واشنطن بدلا من نيويورك. وفي وقت سابق من العام الجاري، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إن القمة الأميركية الأفريقية ستعقد هذه السنة تحت مواضيع مختلفة، وستناقش آفاق الاستثمار والتعاون الاقتصادي بدلا من قضايا الحروب والنزاعات المسلحة. ولكن مع استمرار حرب غزة والنزاع في أوكرانيا، فقدت القمة زخمها بسبب انشغال الإدارة في البيت الأبيض بهذه القضايا، كما أن الطاقم المعني بشؤون أفريقيا بات مرهقا بسبب متابعة ملفي السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقال ديفير مونت، المدير السابق للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بايدن، إن تأجيل القمة ربما يسبّب صدمة ويُعمّق حالة التشكيك في اعتبار أفريقيا أولوية، لكنه كان القرار الصحيح، إذ كان من الممكن أن تتحول إلى كارثة لو تم تنظيمها بشكل مرتجل. وفي حال لم تعقد القمة هذا العام، سيكون الرئيس قد خالف تشريعا صدر في ديسمبر/كانون الأول 2024 يقضي بعقد قمة بين الولايات المتحدة وأفريقيا كل عامين، لكن ترامب ليس معروفا بالتزامه الصارم بالقوانين، وقد يجادل بأن الاجتماع المصغر الذي عقده في 9 يوليو/تموز الماضي مع رؤساء الغابون وغينيا بيساو وليبيريا وموريتانيا والسنغال يفي بهذا الالتزام.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
هل وعود أوروبا المفاجئة بالاعتراف بفلسطين حقيقية؟
عقب اختتام مؤتمر حل الدولتين في نيويورك وإعلان وزير الخارجية الفرنسي عن نداء دولي للاعتراف بدولة فلسطين، تنامى الحديث عن أهمية هذه الاعترافات السابقة والقادمة؛ المتوقعة منها أو المحتملة. خصوصا أن هذا الحديث جاء متزامنا مع جهد فرنسي لخلق حشد على مستوى دولي دافع باتجاه تغيير الواقع القائم في فلسطين، أي أنه أقرب إلى اجتراح مسار بديل للتعامل مع القضية الفلسطينية عن مسار الإدارة الأميركية الحالية. ورغم أهمية التحرك الدولي عموما من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما يمثله من تحدٍّ لمحاولات طمس القضية الفلسطينية برمتها على يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فإنه تحرك محدود التأثير على أرض الواقع نتاجا لأوجه قصور عدة: عقلية الوصاية في كل مرة يتم فيها الحديث عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، لا تتردد الدول المقدمة لمثل هذا الحديث أن ترفقه مع جدول أعمال على الفلسطينيين إتمامه، من إصلاحات أمنية وإدارية ومالية. يمكن الرجوع مثلا إلى خطة خريطة الطريق خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتتبع الشروط الواجب الالتزام بها فلسطينيا قبل استحقاق الدولة وفقا للخطة التي كان يتوجب أن تنتهي بدولة فلسطينية 2005. التزمت السلطة حينها بما عليها ولم تفِ إسرائيل بشيء من الالتزامات. ها نحن على بعد عقدين من تلك المحاولة، نجد أطرافا عدة في المجتمع الدولي تلجأ إلى ذات المسار لتقول: إن على الفلسطيني أن يقوم أولا بإصلاحات عدة وبإشراف خارجي تشمل الأمن والمال والسياسة والإدارة والثقافة. وهي في الواقع جملة من الخطوات الساعية لخلق بيئة فلسطينية غير مناوئة للاحتلال بأي صورة من الصور، وهي إعادة إنتاج لسياسات الوصاية القائمة على استعلاء مكشوف لا يتعامل مع الدولة الفلسطينية على أنها جزء من حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، كحق غير مشروط، بل كهدف محتمل. إن أي طرح يطالب الفلسطيني بأن يتخلى عن كل أدوات نضاله ويتخلص منها، أيا كان شكل هذا النضال، ويدفعه باتجاه إعادة بناء المجتمع الفلسطيني كمجتمع تابع ومرهق اقتصاديا، ومنفصل عن تاريخه ثقافيا وسياسيا، ومتكيف مع كل ما تقوم به إسرائيل، وتحت عنوان فضفاض جدا كالإصلاح، يعني إفقاد الفلسطيني القدرة على العمل من أجل حقوقه، إذ لا يُتوقع من إسرائيل أن تلتزم بحل الدولتين وفقا لما تعلن وتعمل، ووفقا لفقدان الحراك الدولي أدوات الضغط على الإسرائيلي. التوظيف التكتيكي من أوجه القصور الأخرى في هذا السعي أنه يوظف تكتيكيا من قبل بعض الداعين له كأداة ضغط على إسرائيل في سياق الحرب على قطاع غزة، كإعلان بريطانيا مثلا وعلى لسان رئيس وزرائها كير ستارمر أن لندن ستعترف بدولة فلسطين إذا لم توقف إسرائيل حربها على قطاع غزة، ولم توقف الضم في الضفة، ولم تلتزم بمسار سياسي لحل الدولتين، ومثل هذا الإعلان فيه معضلتان: الأولى: أخلاقية تتمثل في التعامل مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية كمسألة قابلة للمساومة مع الإسرائيليين، والأصل أن هذه مسألة ليست محل مساومة ولا أداة توظف آنيا لتعديل سلوك إسرائيل. وفي الوقت الذي قد يبدو فيه الأمر إسنادا لمطلب الفلسطينيين بإنهاء الحرب ظاهريا؛ يبدو في الجوهر أن إسرائيل قد نجحت في خفض سقف أطراف وازنة على المستوى الدولي، من مستوى العمل من أجل دولة فلسطينية بغض النظر عن السلوك الإسرائيلي، إلى مستوى استحضار فكرة الدولة لتوظيفها في محاولة تثبيط الاعتداءات الإسرائيلية دون جدوى. الثانية: سياساتية تتمثل في توهم إمكانية الضغط على إسرائيل بهذه الطريقة، وتجاهل الأدوات الدبلوماسية التقليدية في الاحتجاج والضغط، بالإضافة إلى صنوف الضغط الأخرى على مستوى مراجعة التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري. ففي ظل حفاظ بعض الدول على مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل، وكذلك أوجه التعاون الأخرى، يبدو التلويح بالاعتراف بدولة فلسطينية محاولة متواضعة للتخلص من العبء الأخلاقي الملقى على كاهل تلك الدول التي تحالفت مع إسرائيل على مدار عقود وما زالت. تجاهل غير مبرر التحرك الدولي من أجل الاعتراف بدولة فلسطين لا يمكن أن يوضع في سلة واحدة، فهناك دول اعترفت مسبقا، وأخرى أعلنت نيتها الاعتراف دون شرط، فيما دول أخرى رهنت الاعتراف بتقييم مستقبلي تبعا لمتطلبات توقعاتها من الطرفين وأكثرها متوقعة من الفلسطيني، فيما دول تحاول استخدامه أداة ضغط على الاحتلال. والتحرك الذي يستوجب القراءة النقدية ذاك الذي تبادر به بعض الدول الغربية حاليا- كفرنسا، وبريطانيا- لوزنها في السياسة الدولية أولا، ولعلاقاتها مع إسرائيل ثانيا، ولامتلاكها أدوات إحالة الاعتراف من خطوة سياسية إلى وقائع جديدة على الأرض. فبالإضافة إلى الإشكاليات سابقة الذكر؛ هناك تعامل متراخٍ جدا مع السلوك الإسرائيلي السياسي والميداني، فالتلويح بالاعتراف مستقبلا بدولة فلسطين، واعتباره خطوة كافية لوقف مخططات إسرائيل لتقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، يتعامى عن حقيقة لخصها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إذ قال في معرض تعليقه على الدعوة الجماعية للاعتراف بدولة فلسطين: "من المهم ألا يكون هناك شيء يعترفون به حين يحين الوقت". سياسيا؛ لم يعد من المقبول اختزال العقبات الإسرائيلية أمام حل الدولتين في شخصين هما بن غفير وسموتريتش. هناك استسهال غربي لفكرة إعفاء إسرائيل الدولة من المسؤولية عن التطرف وانتهاك حقوق الفلسطينيين وإلصاق ذلك بشخصين فقط. وهو أمر بالمناسبة مارسته الإدارة الأميركية الديمقراطية السابقة، حين فرضت عقوبات على بعض الجماعات الاستيطانية، دون أن تحمل إسرائيل وزر الاستيطان برمته. أغلبية أعضاء الكنيست كانوا قد صوتوا ضد إقامة دولة فلسطينية خلال يوليو/ تموز 2024، بمن فيهم أعضاء من خارج الائتلاف، وذلك لاحقا لتصويت الكنيست في فبراير/ شباط من ذات العام بأغلبية ساحقة وصلت إلى 99 عضوا؛ دعما للحكومة في رفضها خطوات الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطين، وقبل أسبوعين تقريبا، أي في يوليو/ تموز 2025 صوت 71 عضوا في الكنيست لصالح ضم الضفة الغربية. أي أن هذا السعي الدولي المتنامي للاعتراف بدولة فلسطين، يجب ألا يكتفي بالدعوة إلى حل الدولتين، وهي دعوة تتحرك في المساحات الآمنة، ولا تشير إلى العقبة الأساسية المتمثلة في عدم وجود طرف إسرائيلي ذي ثقل حقيقي مستعد لحل الدولتين، وتتجاهل أن أكبر حركتين فلسطينيتين من الناحية الجماهيرية ليست لديهما مشكلة مع هذا الحل. فحركة فتح تصر عليه منذ أوسلو 1993، وحركة حماس قد أبدت في وثيقتها السياسية الجديدة 2017 وفي البند رقم 20 اعتبارها إقامة دولة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، صيغة توافقية مشتركة. القفز عن هذه الحقائق السياسية، نحو طلب خطوات "إصلاحية" في الجانب الإداري والأمني والمالي من السلطة الفلسطينية، هو هروب من المواجهة الحقيقية مع إسرائيل بتركيبتها السياسية الحالية، وهي حقائق لا تتمثل في التصويت داخل الكنيست فحسب، وإنما في تصريحات عديدة يتعذر سردها لكثرتها والصادرة عن شخصيات رسمية وغير رسمية إسرائيلية، تدعو إلى مزيد من الاستيطان في الضفة، والتهويد الكامل للقدس، وإعادة الاستيطان في القطاع وتهجير الفلسطينيين. بالتزامن مع هذا السلوك السياسي الإسرائيلي الرافض تداول فكرة الدولة الفلسطينية والداعي لتقويض كل مقوماتها، تقوم إسرائيل عمليا بمحاربة الوجود الفلسطيني بسبل شتى، أكثرها وضوحا وبطشا، حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين والاستيطان في القطاع. وما التعنت الإسرائيلي الحالي في الملف التفاوضي إلا شراء لمزيد من الوقت كي لا يترك لأهل غزة أي عامل للصمود، لتصبح الدعوات الدبلوماسية والمؤتمرات والخطابات بشأن الدولة الفلسطينية سلوكا متواضعا جدا أمام تجريف الدولة وفكرتها على يد الاحتلال. سابقا لحرب الإبادة في القطاع وبالتوازي معها؛ كانت إسرائيل تبني المزيد من المستوطنات، وتهود العديد من الأماكن في القدس، والخليل، ونابلس، وتشق الطرق الخاصة بالمستوطنين. بيد أنها في الآونة الأخيرة بدأت بخطوات أكثر اتساعا وتسارعا نحو إعدام مقومات الدولة، بمشاريع استيطانية ضخمة تم الإعلان عنها خلال مايو/ أيار 2025، وتشمل بناء 22 مستوطنة جديدة في جنين، والقدس، ورام الله، ونابلس، والخليل، وسلفيت، وهو مد استيطاني سيغير ملامح الضفة الغربية. يترافق مع هذا التمدد الاستيطاني، اعتداءات المستوطنين أفرادا وجماعات، وبحماية الجيش الإسرائيلي، مضافا إليها تقييد حركة الفلسطينيين، ومنع حركة العمران والزراعة في مناطق (ج)، وتمدد التقييدات إلى مناطق (ب)، وتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية، وإرهاق المجتمع الفلسطيني ماليا، وهذا كله يتماشى مع مخططات إسرائيل الحالية، ليس فقط لإعدام حل الدولتين، بل لتقليص الوجود الفلسطيني على أضيق بقعة جغرافية ممكنة. تأسيسا على ما سبق؛ فإن استمرار التحرك الدولي من أجل الدولة الفلسطينية أمر مهم، بيد أن استمراره بذات الأدوات غير الفعالة، وبذات المنطق الذي يوظف الاعتراف تكتيكيا، ومن ذات الزاوية للنظر بما لا يتفاعل بشكل حاسم مع خطاب وفعل إسرائيل، فإن الأخيرة ماضية في مسعاها، ومستعدة لتحمل هذا الإزعاج على المستوى الدولي. فحين تكون دولة مثل فرنسا تقود جهود الاعتراف بدولة فلسطين، فيما تمد إسرائيل بأسباب القوة، من سلاح وذخائر ومعدات وبشكل منتظم منذ بداية الحرب وفقا لتقرير عشر منظمات حقوقية صدر في يونيو/حزيران 2025، فإنه يمكن لإسرائيل أن تبتلع هذه الجهود.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
تحذيرات من سباق تسلح نووي عالمي جديد
مع بقاء اتفاقية واحدة فقط للأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا ، يرجح الخبراء بدء سباق تسلح جديد، مما يعيد للأذهان خطر الصراع النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا حيث وصل حافة الهاوية، إبان أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل ستينيات القرن الماضي. لكن في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بدأ القادة الأميركيون والسوفييت في اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد، نتج عنها إبرام عدد من المعاهدات المهمة، منها معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى عام 1987 التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ ذات القدرة النووية لكنها انتهت عام 2019 بعد انسحاب الولايات المتحدة. وأمس الثلاثاء، أعلنت روسيا أنها ستنهي القيود التي فرضتها على نشر الصواريخ التي تغطيها الاتفاقية ما يعني أن اتفاقية واحدة بين موسكو واشنطن لاتزال قائمة وهي معاهدة "ستارت الجديدة" والتي من المقرر أن تنتهي في فبراير/شباط المقبل، ويرى الخبراء أنها على وشك الانهيار حتى قبل حلول هذا التاريخ. ويقول ألكسندر بولفراس، الخبير في مجال ضبط الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "إن انتهاء اتفاقيات الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا لا يزيد بالضرورة من احتمالية الحرب النووية، إلا أنه بالتأكيد لا يقلل من احتمالية نشوبها". ولا تزال موسكو وواشنطن موقعتين على معاهدات دولية متعددة الأطراف تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية واستخدامها، إلا أن ازدياد التوتر في العلاقة بين البلدين، إلى جانب تضاؤل المعاهدات، يثير قلق الكثيرين. وأعرب ناجون من القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية قبل 80 عاما اليوم الأربعاء، عن إحباطهم من تزايد دعم قادة العالم للأسلحة النووية كوسيلة ردع. ووفقا لاتحاد العلماء الأميركيين تمتلك الولايات المتحدة وروسيا رؤوسا حربية أقل بكثير مما كانت عليه قبل عقود، ففي عام 1986، كان لدى الاتحاد السوفياتي أكثر من 40 ألف رأس نووي، بينما كان لدى الولايات المتحدة أكثر من 20 ألف رأس، حيث أدت سلسلة من اتفاقيات ضبط الأسلحة إلى خفض هذه المخزونات بشكل حاد. و في مارس/آذار 2025 قدر اتحاد العلماء الأميركيين أن روسيا تمتلك 5459 رأسا نوويا، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5177 رأسا. ويمثل ذلك مجتمِعا حوالي 87% من الأسلحة النووية في العالم. معاهدات وانسحابات وقّعت واشنطن وموسكو سلسلة من المعاهدات الرئيسية بهذا الصدد، ففي مايو/أيار 1972 وبعد مرور 10 سنوات على أزمة الصواريخ الكوبية، وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أولى محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية ( سالت 1) وهي أول معاهدة تضع قيودا على عدد الصواريخ والقاذفات والغواصات التي تحمل أسلحة نووية. وفي الوقت نفسه، وقع الجانبان أيضا معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية (إيه بي إم) التي تضع قيودا على أنظمة الدفاع الصاروخي التي تحمي من الضربة النووية. في عام 1987، وقع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والرئيس الأميركي في ذلك الوقت رونالد ريغان معاهدة "الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى" (آي إن إف) التي حظرت الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500. انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذه الاتفاقية خلال ولايته الأولى، معللا ذلك بانتهاكات روسية نفتها موسكو. وأعلن البيت الأبيض وقتئذ أن الاتفاقية وضعت الولايات المتحدة في موقف إستراتيجي غير مؤات مقارنة بالصين وإيران ، اللتين لم تكن أي منهما طرفا في الاتفاقية، واللتين قال إن كلا منهما تمتلك أكثر من ألف صاروخ متوسط المدى. من جهته، أكد الكرملين في البداية التزامه بأحكامها، لكنه أنهى هذا التعهد أمس الثلاثاء، وحتى قبل ذلك، اختبرت موسكو صاروخها الجديد متوسط المدى " أوريشنيك" فائق السرعة على أوكرانيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه سيتم نشر هذه الصواريخ في بيلاروسيا، جارة روسيا وحليفتها، في وقت لاحق من هذا العام. وفي الوقت نفسه، قلصت معاهدة "ستارت1" لخفض الأسلحة النووية، الموقعة عام 1991، الترسانات الإستراتيجية للرؤوس النووية الأميركية والروسية، بالإضافة إلى الصواريخ والقاذفات والغواصات التي تحملها. وقد انتهت صلاحيتها منذ ذلك الحين. وتم توقيع معاهدة أخرى، وهي "ستارت 2″، لكنها لم تدخل حيز النفاذ. في عام 2002، انسحب الرئيس جورج دبليو بوش من اتفاقية الحد من الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بسبب مخاوف من أن الاتفاقية قد تحد من قدرات الولايات المتحدة على التصدي للهجمات، بما في ذلك من دول مثل إيران وكوريا الشمالية. عارضت روسيا هذه الخطوة بشدة، خوفا من أن تسمح للولايات المتحدة بتطوير قدرة من شأنها أن تضعف ردعها النووي. وكانت آخر معاهدة ثنائية متبقية، وهي معاهدة ستارت الجديدة، الموقعة في أبريل/نيسان 2010، تهدف إلى وضع قيود على الأسلحة النووية وقاذفاتها المنتشرة، وفرض عمليات تفتيش ميدانية. وتُعد هذه المعاهدة أيضا "ميتة وظيفيا"، كما قال سيدهارث كوشال، الزميل البارز في العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن. إعلان وتنتهي هذه المعاهدة في 5 فبراير/شباط 2026، وقد علقت روسيا مشاركتها بالفعل بعد غزوها لأوكرانيا، مما أدى إلى توقف عمليات التفتيش الميدانية للمواقع النووية الروسية. ورغم ذلك أكدت موسكو أنها ستواصل الالتزام بالقيود التي تفرضها الاتفاقية على قواتها النووية. القوى البازغة ويرى ألكسندر بولفراس، الخبير في مجال ضبط الأسلحة النووية، أن روسيا والولايات المتحدة "ليستا اللاعبين الوحيدين. فقد أدت معاهدتا الأسلحة النووية متوسطة المدى وستارت الجديدة على وجه الخصوص، إلى عمليات تفتيش ميدانية جادة خفضت التوترات في أوروبا. وقد يؤدي انتهاء هاتين المعاهدتين إلى تصعيد التوترات بين الطرفين". ويرى الخبراء أن انتهاءهما قد يزيد من حدة التوترات بين خصمي الحرب الباردة، ويعكسان أيضا اهتماما أوسع بالصواريخ متوسطة المدى المسلحة تقليديا، مشيرين إلى النشر الأميركي المخطط له لهذه الصواريخ في أوروبا والمحيط الهادي، بالإضافة إلى استخدام إسرائيل وإيران للصواريخ خلال حربهما الأخيرة. ويستبعد كوشال من المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية في بريطانيا إبرام اتفاقيات ثنائية جديدة بشأن الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا في المستقبل القريب مبررا ذلك بـ"انعدام مستوى الثقة اللازم للتفاوض على اتفاقية للحد من الأسلحة والمضي قدما فيها". و يوضح أن الولايات المتحدة "تنظر بشكل متزايد إلى تهديدات أخرى. فقد انسحبت كل من إدارتي بوش وترامب من معاهدات مع روسيا، جزئيا بسبب مخاوف من أن الاتفاقيات لم تضع قيودا على تكديس الدول الأخرى للأسلحة النووية". ويرى كوشال أنه مع تزايد تنافس الصين مع الولايات المتحدة وروسيا نوويا، "فقد يؤدي ذلك إلى دوامة تنافسية يمكن لواشنطن من خلالها تطوير المزيد من الأسلحة النووية، بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية، لمواجهة ما تعتبره تهديدا من بكين، أيّ زيادة في الأسلحة الأميركية متوسطة أو طويلة المدى قد تدفع روسيا بدورها إلى زيادة ترسانتها النووية". ولكن حتى مع انتهاء معاهدات الحرب الباردة، قد يستمر تفكير الحرب الباردة قائما ما يدفع الخبراء إلى التحذير من "احتمال الدمار المتبادل" مؤكدين أن الأمر يتطلب ضبط النفس.