
مهرجان الفيلم العربي في برلين.. أعلام فلسطينية وهوية تقاوم بحكاياتها
طبقا للإحصائيات الألمانية الرسمية، يعيش في برلين ما يزيد عن 182 ألف مواطن عربي أو من أصل عربية، يرتكز أغلبهم في أحياء نويكولن وكرويزبيرغ، وتحتضن المدينة جالية فلسطينية كبيرة تتجاوز 35 ألف نسمة، وجالية لبنانية كبيرة أيضا تتجاوز 25 ألف نسمة، تضاف إليهما جالية سورية كبيرة أيضا.
مع كل هذا يشعر العرب المقيمون في برلين بتهديد من نوع خاص لهويتهم في المدينة، منذ اندلاع الحرب في غزة، فعلى جانب تشهد المدينة عنفا شرطيا متزايدا تجاه المظاهرات والحركات المساندة لفلسطين، وعلى جانب آخر تمر ألمانيا بتحول سياسي غير مسبوق، منذ عصر الحرب العالمية الثانية.
وذلك بسبب انتخاب ملايين الألمان حزبا يمينيا متطرفا هو 'حزب البديل من أجل ألمانيا'، الذي حصد ثاني أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الماضية، التي أُجريت في فبراير/ شباط 2025.
لا يرتكز هاجس الهوية العربية على زيادة شعبية حزب البديل فقط، بل يرتكز أيضا على التحول المعادي للأجانب في الحزب الديمقراطي المسيحي الفائز بالانتخابات، الذي سيشغل رئيسه 'فريدريش ميرتس' منصب المستشار في السنين القادمة.
فبينما يرى حزب البديل أن حل مشاكل ألمانيا هو في ترحيل ملايين من اللاجئين والأجانب وذوي الأصول المهاجرة، يرى 'ميرتس' أيضا أن ألمانيا يجب أن تتوقف عن استقبال 'الذكور العرب'، كما قال في أحد خطاباته بالبرلمان الألماني خلال العام الماضي.
هذه المقدمة السياسية للغاية ضرورية للتعرف على سياق الدورة السادسة عشر من مهرجان الفيلم العربي في برلين، التي جرت فعالياتها ما بين 23-30 أبريل/ نيسان 2025، وعُرض فيها عدد من الأفلام العربية الروائية والوثائقية والقصيرة.
فكيف تَحضر السينما العربية ممثلة للهوية العربية، في مدينة تمنع الشرطة مواطنيها من الحديث أو الهتاف بالعربية في أي تجمع معارض بشوارعها؟ وكيف يحضر الخيال وربما حتى الأمل في حاضر حزين للغاية؟
حضور فلسطيني يتحدى السياسة الألمانية
بدأت فعاليات مهرجان الفيلم العربي هذا العام بعرض الفيلم الفلسطيني 'إلى عالم مجهول' للمخرج مهدي فليفل، وتدور أحداثه عن المهاجرين الفلسطينيين والعرب في العاصمة اليونانية أثينا.
سبقت عرض الفيلم كلمةٌ افتتاحية لرئيسة المهرجان 'باسكال فخري'، والمدير الفني للمهرجان 'إسكندر عبد الله'، عبرت فيها عن شعورها بأن الهوية العربية غير مرحب بها في الوقت الحالي، وبرغم ذلك فإن 'المقاومة' هي اختيارنا، وهي الطريقة التي سنرد بها على كل ما نعيشه.
أما إسكندر عبد الله فتحدث عن إشكالية إقامة مهرجان سينمائي وسط التشكك حول إلغاء الدعم، بسبب علاقة ألمانيا وإسرائيل الاستثنائية، التي يصفها الساسة الألمان بأنها 'أساس للدولة' (Staatsräson)، فقد ذكر المتحدثان أيضا أنهما ودّا أن يجدا سببا آخر لافتتاح المهرجان، لكنه يفتتح للعام الثاني على التوالي بفيلم فلسطيني، لأن 'الإبادة الجماعية' ما زالت مستمرة.
يذكر بيان المهرجان الصحفي أيضا أن السرديات الفلسطينية تحتل مكانة في برنامج هذه الدورة، فبجانب فيلم الافتتاح 'إلى عالم مجهول'، عُرض عدة أفلام فلسطينية أخرى، منها:
'أعياد سعيدة' للمخرج الفلسطيني إسكندر قبطي.
'الفيلم عمل فدائي' للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري.
'حكايات غزاوية' لمحمود نبيل أحمد، الذي يحيي ذكرى حياة غزاوية عادية اندثرت.
هكذا يلقي برنامج هذه الدورة الضوء على نضال الفلسطينيين اليومي والتاريخي في مواجهة قمع لا يطاق.
تميز فيلم الافتتاح 'إلى عالم مجهول' للمخرج مهدي فليفل بتقديم صورة غير معتادة عن الفلسطيني، فركز على حياة من هاجروا إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل، لكنهم وجدوا أنفسهم في ظروف سيئة. وهكذا يصبح أبطال الفيلم في مأزق يدفعهم إلى اقتراف أفعال غير أخلاقية، للبقاء أحياء.
يتحدث الفيلم أساسا عن مأساة مكتملة، تدفع بشرا للتصرف بعدوانية. والسؤال، كيف تحول هؤلاء البشر لهذا الحال؟ أليس النظام العالمي هو الذي سمح بكل هذا؟
سينما مصرية مغايرة للصورة النمطية
شهد المهرجان احتفاء بإنتاجات مصرية جديدة، تقدم صورة مغايرة عن السينما المصرية، التي هي كبرى الصناعات السينمائية في المنطقة العربية، لكنها ركزت في السنوات الماضية على السينما التجارية، والأفلام السياسية الدعائية.
ففي هذا العام من مهرجان الفيلم، تظهر مصر ظهورا مغايرا بثلاثة أفلام، أولها 'البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو' للمخرج خالد منصور، وفيه نرى حكاية تحتمل تأويلات كثيرة عن علاقة صداقة بين شاب مصري يعمل فرد أمن في جمعية خاصة، وبين كلبه رامبو.
يحمل المستوى الأول من الحكاية خطا سرديا واضحا، يدافع فيه رامبو عن صاحبه حين يهاجمه رجل عنيف يريد أن يطرده ويطرد والدته من منزلهما. ويمكن تأويل الحكاية في عدة مستويات أخرى، عن كل صاحب حق وحلم يهاجم وتهدد حياته، لمجرد أنه تجرأ وحاول أن يقاوم.
أما الفيلم الثاني، فهو الوثائقي 'أبو زعبل 89' للمخرج بسام مرتضى. وقد تُوج بجائزتي أفضل فيلم في مسابقة النقاد، وأفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الماضية، ويعرض فيه المخرج حكاية شخصية، عن علاقته بوالده بعد خروجه من معتقل أبو زعبل، الذي عُذب فيه بسبب نشاطه السياسي في الثمانينيات.
تبدو مشاهدة فيلم مصري عن التعذيب في السجون فعلا ثوريا بحد ذاته، يُضاف لذلك البعد الإعجازي الذي يحمله الفيلم، لكونه عُرض داخل مصر، وفي فعاليات المهرجان السينمائي المصري الأهم، لكن الفيلم يتجاوز هذه المشاعر الأولية، فيصبح أقرب لفعل تأملي، ليس فقط فيما عاشته أجيال سابقة من المعارضين السياسيين في مصر، بل ما يعيشه الجيل الحالي أيضا.
الفيلم المصري الثالث هو 'معطر بالنعناع' للمخرج محمد حمدي، ويصفه منظمو المهرجان في نشرتهم الرسمية بأنه يصور القاهرة بعد نهاية العالم، مدينة تسكنها الظلال والأشباح. تتكشف لنا رويدا رويدا ملامح عالم غرائبي، فتنبت أوراق النعناع من الرؤوس والندوب المفتوحة لرجال تطاردهم ذكرى ماضيهم المضطرب، ويصبح تدخين الحشيش وتلاوة الشعر الوسيلة الوحيدة للحياة في عالم مسحور، يلتهمه الخوف.
بين السجون السورية والتأمل في الغربة
مع سقوط نظام الأسد، وانتشار صور السجون السورية في نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، احتلت سوريا أيضا موضع اهتمام خاص في دورة مهرجان الفيلم العربي هذا العام، فعُرض الفيلم الوثائقي 'ذاكرتي مليئة بالأشباح' للمخرج السوري أنس الزواهري، مع حكايات العائدين من أهل حمص إلى مدينتهم، التي اندلعت فيها الثورة، ثم دمرتها الحرب.
فهل وجد العائدون ما تركوه، أم أن المدينة تحولت لمدينة أشباح؟
حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي من مهرجان الجونة السينمائي في دورته الماضية.
وعرض المهرجان أيضا الفيلم السوري الوثائقي 'تدمر'، الذي أخرجه اللبناني لقمان سليم، والألمانية 'مونيكا بورغمان'، وتدور أحداثه عن شهادات معتقلين سياسيين في سجن تدمر السوري، الذي كان يجمع معتقلين سوريين ولبنانيين أيضا.
ولم يقتصر الحضور السينمائي السوري على حكايات السجون، بل في حكايات الغربة أيضا، فقد اختتمت فعاليات المهرجان بفيلم 'يونان' للمخرج السوري أمير فخر الدين، وكان قد عُرض من قبل في أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي بدورته الماضية.
في فيلم 'يونان'، يقدم أمير فخر الدين حكاية تأملية عن كاتب عربي في المهجر، يمر بأزمة وجودية ويعاني نفسيا، ثم يجد معنى جديدا للحياة في صداقة غير متوقعة.
وقد قدم أمير فخر الدين من خلال الفيلم الممثل اللبناني جورج خباز في دور البطولة، بشكل يجمع بين كثير من المأساة، وأقل القليل من السخرية.
أفلام عربية وأعلام فلسطينية في برلين.. مقاومة السينما
حين تشاهد فيلما عربيا بقاعة سينما في برلين، ولا سيما في هذا التوقيت، يتجاوز فعل المشاهدة حيز الاستمتاع أو حتى التأثير الثقافي، ويصبح الأمر جزءا من مقاومة كبرى، هي وجودك في مكان آمن، تتحدث فيه بلغتك الأم، وتسمعها في مكبرات الصوت، وتشاهد حكايات تشبهك وتلمس أحلامك ومخاوفك، والأهم أنها تصورك إنسانا، في دولة تمتلئ وسائل إعلامها بخطاب يصورك في مكانة أقل من البشر.
فحينما تذهب لمشاهدة فيلم بمهرجان الفيلم العربي في برلين، تجد كرسيا في قاعة سينما ذات إدارة شُجاعة، قررت أن تمنح حيزا آمنا للمهرجان وزواره، كما تجد مجموعة من الشباب العربي الذي يحاول أن يواصل المقاومة بالفن.
ثم تدخل مكانا تنتشر على أبوابه أثناء المهرجان أعلام فلسطينية، وملابس تحمل شعارات 'الحرية لفلسطين'، ولا يعرضك ذلك لتحرش ولا ملاحقة من الشرطة، وربما لا تجد مكانا آخر في برلين بتلك الخصائص.
نتمنى أن تكون الإجابة 'نعم' في السنين القادمة أيضا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
رغم الخسارة في "يوروفيجن".. الرأي العام الإسباني منصب على مقاطعة إسرائيل
مدريد- جاء إعلان فوز المغني النمساوي جاي جاي بأغنيته "حب مهدور" بالمركز الأول في مسابقة "يوروفيجن" الأوروبية الغنائية، متفوقا على المغنية الإسرائيلية يوفال رافائيل التي حلت أغنيتها "يوم جديد سيشرق" في المركز الثاني، ليشكّل لحظة صعبة بالنسبة للجمهور الإسباني. ولم تكن النتيجة النهائية للمسابقة في نسختها الـ 69 أمرا يمكن تجاوزه بالنسبة للإسبان؛ فرغم أن المسابقة انتهت مساء السبت الماضي، فإن صدى النتيجة النهائية لا يزال حاضرا بقوة في الرأي العام الإسباني ومواقع التواصل الاجتماعي. ويرى الإسبان أن الأمر لا يرتبط بالنتيجة بقدر ارتباطه بنظام تصويت الجمهور الذين يشككون بعدالته ويرون أنه سمح لإسرائيل أن تتقدم إلى هذا المستوى. فرغم أدائها المميز في المسابقة، صدم الجمهور الإسباني بحصول ممثلة بلاده المغنية ميلودي بأغنيتها "تلك النجمة المشهورة" على المركز 24 من أصل 26 بلدا مشاركا، حيث حصلت على 27 نقطة من لجنة التحكيم و10 نقاط فقط من تصويت الجمهور، أي بمجموع 37 نقطة. لكن احتجاج الجمهور الإسباني لم يكن على نتيجة بلادهم فحسب، بل عند مقارنة تلك النتيجة بما حصلت عليه الإسرائيلية رافائيل، التي حققت المركز الأول في تصويت الجمهور بواقع 297 نقطة، بينما حصلت على 60 نقطة فقط من لجنة التحكيم، وهو ما وضعها في المركز الثاني في النتيجة النهائية بمجموع 357 نقطة. "الصمت ليس خيارا" ترى شريحة واسعة من الإسبان أن ما جرى في المسابقة لا يمكن فصله عن الجدل الذي أثير مسبقا حول مشاركة إسرائيل رغم ما تقوم به من إبادة جماعية في حربها على قطاع غزة ، وتعزز ذلك بتعليق التلفزيون الرسمي الإسباني خلال استعراض مشاركات الدول، حيث ذكر أن إسرائيل تسببت حتى الآن بمقتل ما يزيد عن 50 ألف إنسان، بالتزامن مع الحديث عن المغنية الإسرائيلية. ورغم تهديد اتحاد البث الأوروبي المشرف على تنظيم المسابقة بفرض غرامة مالية على التلفزيون الإسباني في حال تكراره الحديث عن غزة أثناء عرض المسابقة، عرضت القناة الرسمية الإسبانية بيانا مقتضبا باللغتين الإسبانية والإنجليزية قبل بدء البث الرسمي للحفل النهائي، جاء فيه "عندما تكون حقوق الإنسان على المحك، الصمت ليس خيارًا. السلام والعدالة لفلسطين". بدورها اعتبرت الصحفية أولغا رودريغز المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط، في حديثها للجزيرة نت أن موقف التلفزيون الرسمي "مقدّر، وضروري، ومرحب به، لكن كان من الممكن فعل أكثر من ذلك بكثير"، مؤكدة أن هذا يمثل الحد الأدنى. وذكرت رودريغز أن هذه هي السنة الثانية على التوالي التي تقرر فيها إسبانيا المشاركة في المسابقة "دون أن تربط مشاركتها بأي شرط، كطرد إسرائيل، أو بوقف إطلاق النار في غزة، أو بدخول المساعدات الإنسانية، أو بإنهاء الحصار"، معتبرة أن الرد المناسب على ما يجري من إبادة جماعية يقتضي أن تكون هناك مقاطعة شاملة لإسرائيل من إسبانيا وأوروبا، وأن ينجحوا بطردها من المسابقة. بالمقابل، كان وصف "المعايير المزدوجة" هو ما ذكره رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في تعليقه على ما جرى في المسابقة، مؤكدا أن "التزام إسبانيا بالقانون الدولي وبحقوق الإنسان يجب أن يكون متواصلا، وهو ما يجب أن ينطبق على أوروبا أيضا". وذكر سانشيز في حديثه "لم يصدم أحد عندما تم استبعاد روسيا قبل 3 سنوات من المشاركة في المسابقات الدولية، مثل مسابقة يوروفيجن التي كنا نشاهدها في عطلة نهاية الأسبوع هذا، وهو ما يجب أن يحصل أيضا مع إسرائيل، لأنه لا ينبغي لنا السماح بالمعايير المزدوجة حتى في المناسبات الثقافية". وختم حديثه بالقول "ومن هنا وفي كل الأحوال، نوجه تحية تضامن مع الشعب الأوكراني والفلسطيني، الذين لا يزالون يعانون من عبثية الحرب والقصف". الحد الأدنى ورغم النتيجة المحبِطة التي حصلت عليها إسبانيا، فإن سهام النقد الشعبي لم تتجه إلى أداء ممثلة بلادهم الذي اعتبروه مميزا، بل ازداد الحديث في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي عن رفض "تطبيع مشاركة إسرائيل في المسابقة"، مطالبين بإقصائها من المسابقة. وتؤكد الصحفية أولغا رودريغز المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط أن حدثا مثل "يوروفيجن" يعد مهما لإسرائيل، التي تركز على تعزيز مستوى الدعاية الضخمة والعناية الفائقة بصورتها العامة، ولا تستبعد رودريغز أن يكون قد تم ضخ الكثير من الأموال من قبل داعمين إسرائيليين والعمل بأسلوب منهجي لتحفيز الناس على التصويت بشكل أكبر، وللحصول على هذه النتيجة. وتصف رودريغز مسابقة "يوروفيجن" لهذا العام أنها كانت بمثابة "مرآة انعكست فيها صورة أوروبا بشكل واضح، ودفعت بعض الأشخاص ومنهم أفراد داخل بعض الحكومات لرؤية أنفسهم فيها للمرة الأولى". وتضيف في حديثها للجزيرة نت أن ما جرى كان "أمرا فاضحا ومحزنا للغاية، لأنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تواصل قتل المدنيين والأطفال في غزة، كانت ممثلة إسرائيلية تغني على مسرح يوروفيجن، تحت رعاية اتحاد البث الأوروبي"، مذكّرة أن هذا يتم للسنة الثانية على التوالي، بعد مرور 19 شهراً على بدء الإبادة الجماعية في غزة، وبعد عقود من الاحتلال غير القانوني، والفصل العنصري، والتهجير القسري، ومجازر سابقة كثيرة. وفي مقارنتها بين الوضع في أوروبا بشكل عام وخصوصية إسبانيا، تذكر رودريغز أن "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل جرى التطبيع معها، إلى حد أن هناك الكثير من الناس في أوروبا يدافعون -بشكل ملطّف- عما يسمونه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". لكنها في المقابل تعتبر أن "الشعب الإسباني من أكثر شعوب الدول الأوروبية تفهّما لأهمية الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وإدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، والاحتلال غير الشرعي الذي تفرضه". وتعزو ذلك لتاريخ إسبانيا الخاص، ووجود جالية فلسطينية كبيرة فيها، ولكونها دولة متوسطية، ولأنها تشترك مع العالم العربي في الثقافة، ولأن هناك منظمات اجتماعية كثيرة عملت لسنوات طويلة على التوعية بقضايا حقوق الإنسان وشرح القضية الفلسطينية بكل أبعادها.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
خبراء: إسرائيل باتت عبئا أخلاقيا على الغرب ونتنياهو يتخذها رهينة
اتفق خبراء ومحللون سياسيون على أن هناك تحالفا واسعا يتشكل في الغرب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وليس ضد إسرائيل أو جيشها، مما يعكس تحولاً جذرياً في المواقف الغربية تجاه السياسات الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة. وفي هذا السياق، أكد أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج أندرياس كريغ، أن نتنياهو فقد الدعم حتى في الأوساط التقليدية المؤيدة لإسرائيل، ليس فقط اليهودية، بل أيضاً في الدوائر المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة و كندا ودول أوروبية أخرى. وكتطور طبيعي لهذا التآكل في الدعم، أشار كريغ إلى أن الرأي العام تغير بشكل كبير ضد إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة، حتى في صفوف الشباب اليهود الذين بات ينظرون إلى نتنياهو كشخص "مارق" حتى داخل مجتمعهم. وفي السياق ذاته، رأى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، أن إسرائيل "أصبحت عبئاً أخلاقياً على الغرب الذي أوجدها"، مؤكداً أن الدول الأوروبية لم تعد قادرة على دعم إسرائيل، حتى ألمانيا التي تحافظ على صمتها لأسباب تاريخية معروفة. وبشأن محاولات نتنياهو مواجهة هذا التحالف المتنامي ضده، أوضح كريغ أن نتنياهو يحاول استخدام ورقة معاداة السامية سلاحا، قائلاً إن "انتقاد إسرائيل يعني انتقاد اليهود، وهذا من قبيل معاداة السامية". غير أن هذه الإستراتيجية تواجه -حسب كريغ- تحدياً متزايداً، إذ أشار إلى أن هذا الاستخدام السيئ لهذه الورقة من قبل نتنياهو بدأ يضعفه. وبالمثل، رأى مكي أن نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر أرادا الاستفادة من مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن لتغيير الاتجاه وحرف البوصلة عما جرى خلال الأيام الماضية من مواقف أوروبية. وأضاف أن نتنياهو وساعر عادا إلى "نغمة المظلومية" المعتادة في محاولة للضغط على القادة الأوروبيين لجعلهم يكفون عن انتقاد إسرائيل. وفيما يتعلق بمواقف الدول الغربية أكد الخبير بالشأن الإسرائيلي ساري عرابي، أن الدول الغربية تريد أن تقوم إسرائيل بحماية نفسها، فهي لا تريد أن تُستهدف إسرائيل أو جيشها. وأوضح عرابي أن التضحية بنتنياهو "لا تمثل خطراً على الكيان الإسرائيلي، بل يرى الأوروبيون أن التضحية به من مصلحة إسرائيل"، لافتاً إلى أن هذا "ثمن مقدور" في وقت يبقى فيه الجيش والأجهزة الأمنية مؤسسات راسخة. وحول تطور المواقف الأوروبية، قال كريغ إن معظم السياسيين في بريطانيا و الاتحاد الأوروبي كانوا خائفين من التعبير عن آرائهم وانتقاد نتنياهو خلال السنة الماضية، ولكن الآن تجاوزوا حاجز الخوف هذا. وكنتيجة مباشرة لهذا التحول، أكد أن هذا التطور يعكس إدراكاً أوروبياً متزايداً لضرورة اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه السياسات الإسرائيلية. وفي السياق نفسه، أشار مكي إلى أن "أوروبا كلها" لم تعد قادرة على دعم إسرائيل"، مستشهداً بمواقف هولندا وغيرها من الدول، واعتبر أن "إيقاف أوروبا الآن أصبح صعباً" بعد أن بدأت في التحرك. ورغم هذه الضغوط المتزايدة، اتفق الخبراء على أن نتنياهو سيستمر في سياساته الحالية لأسباب متعددة، إذ أوضح مكي أن "الأمر صار شخصياً تماماً" بالنسبة لنتنياهو، مشيراً إلى أنه تورط، كما أنه تمكن من تصفية جميع معارضيه داخل حكومته. إعلان وأضاف مكي أن نتنياهو يعرف أن الغرب والولايات المتحدة "حتى لو كرهوه شخصياً أو أرادوا استبداله، فهم لن يستطيعوا التفريط بإسرائيل"، مضيفا "هو يحتمي بإسرائيل أو ربما يتخذها رهينة للبقاء في السلطة". ولفت إلى أن الحرب "مفيدة له" لأنها تعطيه السيطرة على المجال العام والمعارضين وتؤجل التحقيقات القضائية ضده. أزمة دستورية وفي تطور داخلي مهم يعكس تعمق الصراع، أشار عرابي إلى أن تعيين نتنياهو لرئيس جديد لجهاز الشاباك دون التشاور مع رئيس الأركان إيال زامير خلق "أزمة دستورية حقيقية" بين رئاسة الحكومة والمؤسسة القانونية الإسرائيلية. وأوضح عرابي أن هذا التعيين يأتي في إطار محاولة اليمين الديني القومي السيطرة على مفاصل القيادة الإسرائيلية بعد أن سيطروا على الجيش، مشيرا إلى أن هذا الجناح مهتم بالسيطرة على جهاز الشاباك.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
القضاء الروماني يعتمد نتائج الانتخابات الرئاسية رافضا طعن المرشح اليميني المهزوم
صدّقت المحكمة الدستورية الرومانية اليوم الخميس على نتائج إعادة الانتخابات الرئاسية في البلاد بعد وقت قصير من رفضها طلب إلغاء النتائج الذي قدمه المرشح اليميني المتطرف الخاسر جورج سيميون. وبعد مداولات أجريت اليوم رفضت المحكمة بالإجماع طلب الإلغاء الذي قدمه أول أمس الثلاثاء المرشح اليميني جورج سيميون الذي خسر السباق أمام منافسه نيكوسور دان المؤيد للاتحاد الأوروبي ، بدعوى أن التدخل الأجنبي والتلاعب المنسق أثرا على التصويت. واعتبرت المحكمة أن طلب الإلغاء "لا أساس له من الصحة"، مشددة على أن قرارها الصادر اليوم "نهائي". وكان الرئيس المنتخب نيكوسور دان عمدة بوخارست فاز في جولة الإعادة على سيميون بنسبة 53.6% من الأصوات، بهامش يزيد على 829 ألف صوت، ومن المتوقع أن يؤدي دان اليمين الدستورية رئيسا للبلاد يوم الاثنين المقبل. أما سيميون فقال في منشور له على فيسبوك بعد أن رفضت المحكمة طلبه بالإلغاء إن المحكمة "واصلت الانقلاب، وليس أمامنا خيار سوى القتال، أدعوكم إلى الوقوف معي اليوم وفي الأسابيع المقبلة". فصل جديد وقال الرئيس الفائز نيكوسور دان (55 عاما) -وهو عالم في الرياضيات وناشط مدني سابق- خلال مراسم التنصيب "أود أن أشكر الشعب الروماني الذي شارك بأعداد كبيرة في انتخابات مايو، ومن خلال ذلك منح الرئيس الجديد شرعية". واعتبر دان فوزه "فصلا جديد يبدأ في تاريخ رومانيا الحديث والمعاصر"، مؤكدا لمواطنيه أنه يتفهم "مسؤولية التفويض الذي أوكلوه إليه"، مضيفا أنه "ستكون هناك تحديات عديدة، وآمل أن نتغلب عليها جميعا بنجاح". وبشأن المشهد السائد في البلاد، قال دان اليوم "لقد أظهر المجتمع الروماني حكمة، وأنا مقتنع بأنه سيواصل خلال الفترة المقبلة السعي لتحقيق التغيير الإيجابي الذي تحتاجه رومانيا". وأضاف "سأناضل من أجل تعزيز مؤسسات الدولة ومن أجل الازدهار الاقتصادي للبلاد، وسأكون شريكا في بيئة الأعمال، وسأكون ضامنا للحريات المدنية". ادعاءات الخاسر وأقر جورج سيميون سيميون زعيم حزب "تحالف وحدة الرومانيين" اليميني المتشدد والبالغ من العمر 38 عاما بالهزيمة بعد خسارته في جولة الإعادة أمام دان، لكنه طعن في النتائج لاحقا. وفي طلبه إلغاء الانتخابات ادعى سيميون أن لديه "أدلة دامغة" على تدخل فرنسا ومولدوفا و"جهات فاعلة أخرى" -لم يحددها- في الاقتراع، لكنه لم يقدم أي دليل على زعمه. وفي زيارة أخيرة لباريس اتهم سيميون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتدخل، كما زعم أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي طلب منه حظر الحسابات الرومانية المؤيدة للمحافظين من المنصة قبل الانتخابات، ورفضت فرنسا هذه الادعاءات. كما زعم أن "أشخاصا متوفين" شاركوا في التصويت، وأنه طلب إلغاءه بناء على الأسباب نفسها التي استند إليها قرار المحكمة العام الماضي. وعلى عكس دان المؤيد للاتحاد الأوروبي انتقد سيميون ما وصفها بـ"سياسات الاتحاد الأوروبي السخيفة"، وتعهد بوقف المساعدات لأوكرانيا المجاورة التي مزقتها الحرب. وبعد ساعات من فتح باب التصويت للرومانيين في الخارج يوم الجمعة الماضي اتهم سيميون حكومة مولدوفا المجاورة بتزوير الانتخابات، وهو ما نفته كل من السلطات المولدوفية والرومانية. وحظيت جولة الإعادة في رومانيا -التي أصبحت ركيزة أساسية ل حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ الغزو الروسي لأوكرانيا- بمتابعة دولية دقيقة، بما في ذلك بروكسل وواشنطن. وفي تعليق لوكالة أسوشيتد برس يوم الأحد الماضي كرر سيميون مزاعم نقل أشخاص بشكل غير قانوني إلى مراكز الاقتراع في مولدوفا، مما يُزعم أنه أثر على 80 ألف صوت. يذكر أن أكثر من نصف مليون مولدوفي يحملون الجنسية الرومانية، وقد صوّت نحو 158 ألف شخص في الجولة الثانية بمراكز الاقتراع التي أقيمت في مولدوفا. وكان من المقرر أن يدلي عدد أكبر من المواطنين مزدوجي الجنسية بأصواتهم في دول أخرى. وباعتبارها عضوة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تلعب رومانيا دورا محوريا في البنية التحتية الأمنية الغربية، خاصة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا المجاورة في فبراير/شباط 2022. وضع مأزوم وأجريت جولة الإعادة في جو متوتر الأحد الماضي بعد أشهر من إلغاء المحكمة نفسها الانتخابات السابقة -التي تصدّر فيها اليميني المتطرف كالين جورجيسكو الجولة الأولى- إثر مزاعم بانتهاكات انتخابية وتدخّل روسي، وهو ما نفته موسكو. وأدى قرار المحكمة غير المسبوق العام الماضي بإلغاء الانتخابات إلى انزلاق رومانيا إلى أسوأ أزمة سياسية لها منذ عقود. وتفاقمت الأزمة بسبب سلسلة أخرى من الأزمات، مثل الحرب في أوكرانيا المجاورة وعجز كبير بالميزانية. وأدت الاضطرابات الانتخابية إلى تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي في أكثر دول الاتحاد الأوروبي مديونية، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة وتعاني من ارتفاع التضخم. ومن المتوقع أن يؤدي دان اليمين الدستورية رسميا الأسبوع المقبل، وبعد ذلك سيواجه انقسامات مجتمعية عميقة أظهرتها الانتخابات، كاشفة عن بلد أدى فيه الفساد المستشري وعدم المساواة وتآكل الثقة في المؤسسات والأحزاب التقليدية إلى رفض واسع النطاق للمؤسسة السياسية. ومن بين صلاحيات الرئيس الروماني تعيين المناصب الرئيسية، مثل رئيس الوزراء، وله نفوذ كبير في السياسة الخارجية، بما في ذلك تمثيل البلاد بقمتي الناتو والاتحاد الأوروبي. حكومة، وهي مهمة شاقة في بلد أدت فيه المشاعر القوية المناهضة للمؤسسة إلى ظهور شخصيات مثل سيميون.